#1  
قديم 04-16-2014, 05:44 PM
الصورة الرمزية محمد خطاب
محمد خطاب غير متواجد حالياً
كاتب ومفكر
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: فلسطين
المشاركات: 533
افتراضي الإمام أبو حنيفة - سيرة حياة


الإمام أبو حنيفة - سيرة حياة
ولد ابو حنيفة بالكوفة سنة 80 هجرية وهو فارسي الأصل وكان من الموالي ، وقد برز الموالي كفقهاء وعلماء في الدولة الأموية التي كانت عربية الوجه والسلطان فشغلهم كل ذلك عن الدرس والتعلم وتفرغ الموالي لذلك عندما رأوا فراغا فكان لهم شرف المعرفة والعلم وكان من هؤلاء نافع مولى ابن عمر وطاووس بن كيسان ويحيي بن كثير ومكحول والضحاك بن مزاحم وابن سيرين وغيرهم .
وكان من أسباب ذلك انشغال العرب بالفتوحات وتوطيد أركان الدولة الإسلامية ، كما كان الموالي ينتسبون إلى أمم ذات حضارات سابقة لهم فلسفات وعلوم سابقة .
وقد عزى ابن خلون من الأسباب أن العرب لم يكونوا أهل صناعات ولم يكونوا تمرسوا في العلوم .
ومن أسباب ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم استكثروا من الموالي فلازموهم فاخذوا عنهم وتعلموا منهم ، ولذلك كان أكثر التابعين منهم .
وهو دليل على عظمة الإسلام ورحابته وان الإسلام بتعاليمه السمحة لا يفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى هي عالمية الإسلام ، ولذلك فقد ساهم الجميع في هذا التراث الرائع من الفنون الذي لا مثيل له .
كيف أخذ العلم :
يروي أبو حنيفة انه قال ( مررت يوما على الشعبي وهو جالس فدعاني فقال لي : إلى من تختلف ؟ فقلت اختلف إلى الأسواق ، فقال : لم اعن الاختلاف إلى السوق ، عنيت الاختلاف إلى العلماء ، فقلت أنا قليل الاختلاف إليهم ،فقال لي : لا تغفل وعليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء ، فإني أرى فيك يقظة وحركة ، قال فوقع في قلبي من قوله ، فتركت الاختلاف إلى الأسواق وأخذت العلم فنفعني الله بقوله ) .
واختار أبو حنيفة الفقه بعد أن ابتدأ حياته بعلم الكلام وبرع فيه ، ولازم أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان مدة ثماني عشرة سنة وتخرج عليه في الفقه ، غير انه اتصل بغيره من العلماء المعاصرين فقد كان كثير الرحلة إلى بيت الله الحرام حاجا وكذلك زائرا للمدينة المنورة حيث التقى الكثير من التابعين فروى عنهم الأحاديث وذاكرهم الفقه ودرس معهم طرائقه .وعند وفاة شيخه حماد جلس أبو حنيفة مكانه بمسجد الكوفة .
قيل عن أبي حنيفة النعمان ما قيل من علو المرتبة في الفقه والعلم فقالوا : "من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عالة على أبي حنيفة" .
وقال البعض : " كان أبو حنيفة بصيراً بالفقه ، يقيس ما لم يكن بما كان" ، وعن أبي يوسف : "ما رأيت أحداً أعلم بتفسير الحديث من أبي حنيفة ، كان مثلاً يقول في مسألة: ما عندكم فيها من الآثار ؟ فنذكر ما عندنا ويذكر ما عنده ؛ ثم ينظر فإن كانت الآثار في أحد القولين أكثر أخذ بالأكثر ، وإن تكافأت أو تقاربت نظر فاختار" .
ويقول شداد بن الحكيم : "ما رأيت أحداً أعلم من أبي حنيفة" ، وقال مكي بن إبراهيم :" كان أعلم أهل زمانه" .

أحد العلماء يقول : "رأيت أعبد الناس ، ورأيت أورع الناس ، ورأيت أعلم الناس ، ورأيت أفقه الناس" .
قيل لأحدهم : صف لي أبا حنيفة ، فقال : "كان واللهِ شديد الذبِّ عن محارم الله ـ أي الدفاع- طويل الصمت ، دائم الفكر ، لم يكن مهداراً ولا ثرثاراً صائناً لدينه ونفسه ، مشتغلاً بما هو فيه عن الناس لا يذكر أحداً إلا بخير" ، فقال أحد الخلفاء : "واللهِ هذه أخلاق الصالحين" .

كان أبو حنيفة خزازاً ـ يبيع الخز ، القماش ، فروي أن رجلاً جاءه فقال : يا أبا حنيفة ، قد احتجت إلى ثوب خز ، قال : ما لونه : قال : كذا وكذا ، قال : اصبر حتى يقع ، وآخذه لك ، فما دارت الجمعة حتى وقع ، فجاء الرجل وقال له أبو حنيفة : قد وقعت على حاجتك ، ثم أخرج إليه ثوباً ، فأعجبه ، قال : يا أبا حنيفة كم أزن للغلام ؟ قال : درهماً ، قال: أتهزأ بي ، قال : لا ، والله ، إني اشتريت ثوبين بعشرين ديناراً ودرهمًا ، فبعت أحدهما بعشرين ديناراً ، وبقي هذا بدرهم ، وما كنت لأربح على صديق فأخذه ، يعني أعطاه إياه بدرهم ، لأنه قال له : يا أبا حنيفة أحسن بالبيع .
جاءت امرأة إلى أبي حنيفة بثوب تعرضه عليه ، قال : بكم تبيعينه ؟ قالت : بمائة درهم ، قال لها : هو خير من ذلك ، فقولي غير هذا القول ، قالت : بمائتين ، قال : هو خير من ذلك، قالت : بثلاثمائة ، قال : هو خير من ذلك ، قالت بأربعمائة ، قال : هو خير من ذلك ، وأنا آخذه بأربعمائة ، حتى أربح به ، وفي أيامنا هذه كيف يشتري التاجر ، يعمد إلى أنْ يبخس الناس أشياءهم ، فيأخذ نهبًا وغبناً ، عرضتْه بمائة درهم .. فقال لها : هو خير من ذلك ، وآخذه بأربعمائة .
ولأبي حنيفة ورع شديد وخوف من الله متحرزا عن الحرام كان لأبي حنيفة شريك ، فباع شريكه متاعًا ، وكان في هذا المتاع عيبٌ ، فقال له إذا بعت هذا الثوب فأَبِنْ عيبه ، فالشريك باعه ، ولم يُبِنْ عيبه ، فلما علم أبو حنيفة تصدَّق بثمن المتاع كله ، لأنّ البيع صار فيه شبهة ، ولم يعرف من اشتراه ليبيِّن له العيب ، الشريك باع الثوب ، ولم يبين العيب ، فلما علم أبو حنيفة أن هذا البيع غير جائز تصدق بثمن الثوب كله.

كان أبو حنيفة عند أبي جعفر المنصور ، و عنده قاضٍ من أعداء أبي حنيفة ، كان ينكر عليه ، فسأله سؤالاً محرجًا ، قال له : إذا أمرني الخليفة بقتل امرئ ، أأقتله أم أتريث ؟ سؤال محرج ، إذا قال له : لا تقتله ، واعصِ أمرَ الخليفة وقع في مشكلة ، وإذا قال له : اقتله فقد أغضب الله عز وجل ، قال له : الخليفة على الحق أم على الباطل في هذا الأمر ؟ فقال له : على الحق ، فقال له : كن مع الحق ، فلما خرج قال أبو حنيفة : أراد أن يقيدني فربطته
لم يكن أبو حنيفة على اتفاق مع الحكام ، ولك يكن يجاملهم او يتملقهم فقد خرج أهل الموصل على المنصور وكان قد اشترط عليهم أن تحل دماؤهم إذا خرجوا عليه ، فأراد المنصور أخذهم عندما نشزوا عليه وجمع الفقهاء ليسألهم أليس صح عن النبي قوله ( المؤمنون عند شروطهم ) فتكون فتوي في قتلهم بعد خروجهم عليه فجامله الحاضرون ولكن المنصور يلتفت إلى أبي حنيفة ليعطه رأيه ويأخذ منه الفتوى بذلك فقال : وما تقول أنت ياشيخ ؟ السنا في خلافة نبوة وبيت أمان . فقال أبو حنيفة : ( إنهم شرطوا لك ما لا يملكون وشرطت عليهم ما ليس لك ، لأن دم المسلم لا يحل إلا بأحد ثلاثة : النفس بالنفس ، وردة بعد إيمان ، وزني المتزوج فإنه يرجم . فإن أخذت اهل الموصل يا أمير المؤمنين أخذتهم بما لا يحل لك وشرط الله أحق أن توفي به ) فانفض المجلس وقام أبو حنيفة فاستبقاه المنصور ليقول له : ياشيخ القول ما قلت ولكن انصرف الى بلادك ولا تفت الناس بما يجرئهم على إمامهم فتكون عونا للخوارج وكان ابو حنيفة رحمه الله يستخدم الحيل في الفقه الإسلامي وإن أنكره البعض . ونفرق بين الحيلة والاحتيال ، الحيلة قد تكون في الخير مع قصد تجنب الحرام وابتغاء الخير والحلال ، والاحتيال لا يكون إلا في حرام ، واتجه أبو حنيفة إلى الحيلة وقد فسر ذلك تلميذ ابو حنيفة وناشر كتبه الإمام محمد بن الحسن بقوله ( ليس من أخلاق المؤمنين الفرار من أحكام تعالى بالحيل الموصولة إلى إبطال الحقوق ، وإنما الحي لشيء يتخلص به الرجل من الحرام ليخرج الى الحلال ) ، وكان ابو حنيفة رضي الله عنه له سعة من الذكاء بحيث لا يعدم منفذا سليما لأكثر ما يعرض عليه دون الخروج على الشرع ونورد بعض الأمثلة على ذلك :
جاء إلى مجلسه رجلان أخوان تزوجا بأختين لم يريا شخصيهما فزفت كل امرأة إلى غير صاحبها ثم تبينا الأمر في الصباح بعد دخولها بهما ، فقال أبو حنيفة بعد روية : هل كل واحد منكما راض بالتي دخل بها فقالا نعم فقال : ليطلق كل منكما المرأة التي دخل بها ، ففعلا فقال : ليمض كل منكما إلى أهله دون حرج .
حلف الأعمش الفقيه بطلاق زوجته أن أخبرته بانتهاء الدقيق او كتبت به أو راسلته او ذكرت ذلك لأحد يخبره به ، فلجأت لأبي حنيفة تستعين به للخلاص من هذا المأزق ، فتدبر ثم قال ( إذا انتهى الدقيق فشدي جرابه الفارغ على إزاره وهو نائم ، فإذا أصبح أو قام بالليل علم خلاء الجراب من الدقيق دون ان تخبره او تراسله .
وفي الفقه الإسلامي كتب عن الحيل كالخصاف والسرخسي والاحتيال مأخوذ عن احتيال نبى الله أيوب عندما حلف أن يضرب زوجته مائة ضربة فكان الجواب من الله تعالى ( وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث ) .
هذه صور من حياة أبو حنيفة مضيئة مشرقة كان يعتمد مذهبه على القران الكريم والسنة النبوية وفتوى الصحابة والإجماع والقياس والعرف والحيل الشرعية . أدرك الدولة الأموية في قوتها حتى سقوطها وعاش زمن الدولة العباسية الأول ،رفض تولى القضاء وضرب السياط لإجباره على القبول ولكنه رفض ، حبس وضيق عليه ثم أخرج من السجن ومنع من الفتوى والجلوس للناس وكذلك الخروج من المنزل وبقي في هذه الحالة حتى مات .
توفي رحمه الله سنة 150 وقد كان في الموت راحة لصاحب الضمير الحي والوجدان الديني وصاحب القلب القوي والعقل الجبار ، تلك النفس الصبورة التي لاقت الأذى واحتملته من السفهاء والأمراء ، وما وهنت نفسه ابدا في الحق ، فقد أوصى بأن يدفن في ارض طيبة لم يجر عليها غصب ، حتى أن أبا جعفر المنصور عندما علم بموته قال ( من يعذرني من أبي حنيفة حيا وميتا ) . هو مثال للعلماء والأئمة في كل عصر هو صفعة على وجوه علماء وشيوخ السلاطين في عصرنا و كل عصر .
ولمكانة هذا العالم والإمام الجليل فقد سمي بالإمام الأعظم وقد قدر عدد المصلين عليه عند فواته بخمسين ألفا ، وقد صلى عليه أبو جعفر المنصور على قبره بعد دفنه ، دفن ابو حنيفة في بغداد بحسب اتفاق المصادر
وقد اعتمدت الدولة العثمانية المذهب الحنفي كمذهب رسمي للدولة وأنشأت المجلة العدلية لتفسير وتطوير المذهب .وهو منتشر في جميع أنحاء العالم الإسلامي والعربي
رحم الله ابو حنيفة واسكنه فسيح جناته .

محمد خطاب


المصدر: ملتقى شذرات

__________________
محمد خطاب

آخر تعديل بواسطة محمد خطاب ، 04-16-2014 الساعة 05:46 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-06-2014, 11:20 PM
الصورة الرمزية تراتيل
تراتيل غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 720
افتراضي

أستاذي هلا كتبت لنا مقالا عن الدولة العثمانية وتبين لنا حقيقة ما يثار من جدل حولها
فمنكم نستفيد
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-10-2014, 07:12 PM
الصورة الرمزية محمد خطاب
محمد خطاب غير متواجد حالياً
كاتب ومفكر
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: فلسطين
المشاركات: 533
افتراضي

بأمرك اختنا الكريمة تراتيل
اسمحي لي ببضعة ايام فقط
__________________
محمد خطاب
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
ابو - حنيفة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الإمام أبو حنيفة - سيرة حياة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عودة التركية ‘حنيفة’ إلى الجامعة بعد انقطاع 24 عاماً بسبب قانون حظر الحجاب عبدالناصر محمود أخبار منوعة 0 10-08-2013 07:35 AM
ملياردير يترك حياة الترف في دبي ويعيش حياة عامل عبدالناصر محمود أخبار منوعة 0 07-13-2013 04:30 AM
الإمام الفقيه ابن رجب Eng.Jordan رواق الثقافة 0 02-07-2013 02:41 PM
إجابات رائعة لأبي حنيفة Eng.Jordan الملتقى العام 2 01-10-2013 10:25 PM
الامام ابو حنيفة - سيرة حياة محمد خطاب شذرات إسلامية 0 02-13-2012 12:49 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:06 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59