#1  
قديم 04-17-2012, 09:28 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
23 من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض


74.gif

من أسرار القرآن
بقلم: د. زغلول النجار

(..‏ من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا‏..)المائدة‏32‏



هذا النص القرآني الكريم جاء في بداية الربع الثاني من سورة المائدة, وهي سورة مدنية, وآياتها مائة وعشرون بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي المائدة التي انزلها الله ـ تعالي من السماء علي عبده ورسوله المسيح عيسي ابن مريم كرامة له واستجابة لدعائه.

ويدور المحور الرئيسي لسوراة المائدة حول عدد من التشريعات الإسلامية ـ شأنها في ذلك شأن كل السور المدنية ـ ومنها التشريع بعدد من الأحكام اللازمة لإقامة الدولة الإسلامية, وتنظيم مجتمعاتها علي أساس من الإيمان بوحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالي وألوهيته, وربوبيته, وتفرده بالحاكمية المطلقة فوق جميع خلقه, ومن ثم كان تفرده بالحق بالتشريع لعباده, ومن ذلك تشريع القصاص الذي يعترض عليه كثير من الناس الذين لم يدرسوا واقع الحياة بشيء من العمق.

من أوجه الإعجاز التشريعي في النص الكريم:
في هذا النص القرآني الكريم يقرر ربنا ـ تبارك وتعالي أن قتل إنسان واحد ـ بغير حق يمثل قتل الناس جميعا, وهذا الحق الذي يستوجب قتل النفس الإنسانية يقتصر علي أن يكون ذلك الإنسان قد قتل نفسا فيستحق القصاص من قبل الحاكم أو أن يكون قد قام بإفساد في الأرض يوجب إهدار الحاكم دمه( كالحرابة وقطع الطريق, ومقاومة الحاكم الصالح) أو أن يكون قد اقترف الردة المعلنة وأثار الفتنة بها, مما يعتبر كبيرة من الكبائر. وهذه الكبيرة تخلد الواقع فيها في النار إن لم يقتص منه, وأن لم يكن قد تاب إلي الله توبة صادقة قبل تنفيذ القصاص فيه.
كذلك جعل النص الكريم العمل علي إنقاذ نفس واحدة من الموت معادلا لإنقاذ حياة الناس جميعا, لأنه يكون بذلك قد عظم شأن الحياة, ودعا غيره إلي تعظيمها والمحافظة عليها وبذل أقصي الجهد لإنقاذها, لأن الحياة لا يأخذها إلا واهبها.

والحكم من الله هذا التشريع الإلهي هي تعظيم حرمة قتل النفس الإنسانية في قلب العباد, فقتل نفس إنسانية واحدة ـ في غير قصاص لقتل, وفي غير دفع لفساد في الأرض ـ يعدل قتل الناس جميعا, وتعليل ذلك أن حياة كل فرد من بني آدم قد حددها رب العالمين الذي خلقها بقدرته, وقرر لها أجلها في الوقت الذي يعلمه بعلمه المحيط أن دور هذه النفس علي الأرض قد انتهي. لذلك لا يجوز لإنسان أن ينتزع الحياة من إنسان آخر إلا بأمر الله ـ سبحانه وتعالي وحسب شريعته. فحق الحياة لا يملكه إلا الله الذي كتب اجل كل فرد من بني آدم وهو لايزال جنينا في بطن أمه, وبالتالي لا يجوز أن يتدخل غيره في هذه الآجال.

وفي المقابل, فإن الله ـ تعالي يحمد للعبد من عباده أن يغيث مستغيثا أو أن يلبي حاجة مضطر أو أن ينقذ غارقا أو مصابا بإحدي مصائب الدنيا أو أن يدفع الموت عن نفس بشرية, في حالة من حالات الاضطرار, سواء كان ذلك بدفع الأذي عنها في حياتها أو بالقصاص لها في حالة وقوع الاعتداء عليها بالقتل بما يمنع المزيد من القتل, ويردع من تغرية نفسه بالوقوع فيه.

وينطبق هذا الحكم الإلهي علي كل صاحب مهنة وحامل مسئولية في المجتمع الإنساني وهؤلاء جميعا يحفظون حياة الأفراد في مجتمعاتهم حتي يأتي أمر الله, ويشبههم النص الكريم بمن ينقذ حياة الناس جميعا إذا تمكن أحدهم من إنقاذ حياة فرد واحد من عباد الله.

ولما كانت المجتمعات البشرية تحوي نقائض لهذه الصور ممن قست قلوبهم من الناس, وماتت ضمائرهم, وتمكنت نوازع الشر منهم حتي أصبحت العدوانية مكونا رئيسيا لطباعهم, وجزءا لا يتجزأ من تكوينهم كان لا بد من تشريعات حاسمة لمواجهتهم. فمن أجل حماية المجتمعات الإنسانية من أخطار هؤلاء جميعا نزل هذا التشريع الإلهي رادعا لهم, ومحجما لشرورهم, وذلك بالقصاص الرادع للقاتل بغير نفس أو فساد في الأرض, ووصم جريمته بأنها قتل الناس جميعا.

وهذا هو قضاء الله ـ تعالي وهو أحكم الحاكمين ـ في قتل فرد واحد من بني آدم بغير حق, فما بال الذين أشعلوا ومازالوا يشعلون الحروب المحلية والعالمية, وتسببوا ـ ولا يزالون ـ في قتل وتشريد ونهب وتعذيب الملايين من البشر الأبرياء؟ وما بال الذين يتاجرون في الأعضاء البشرية من أجل بعض المكاسب المادية؟ وما بال تجار المخدرات والمسكرات والمفترات وغيرها من المحرمات التي أهلكت الملايين من بني آدم ومازالت تقضي علي من خلفهم؟ وما بال الذين شيدوا المباني والمنشآت بغير الشروط اللازمة للسلامة فتسببوا في العديد من الكوارث الإنسانية؟ وما بال كل تاجر وصانع وموظف ومسئول خان الأمانة الملقاة علي عاتقه فتسبب في قتل نفر من الأبرياء؟ وما بال أصحاب التارات يقتلون من يعرفون ومن لا يعرفون بالعشرات إن لم يكن بالمئات؟ وعلي هؤلاء جميعا أن يقرأوا قول الحق ـ تبارك وتعالي:, ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا...] المائدة32.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دمتم بخير

المصدر: ملتقى شذرات

__________________


رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأرض, تغير, فساد, نفس, نفسا, قبل


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
صحافي حوثي يفضح فساد جماعته عبدالناصر محمود أخبار عربية وعالمية 0 07-15-2015 06:50 AM
(( اللهم أصلح فساد قلوبنا )) صابرة الملتقى العام 0 06-09-2015 05:37 AM
اللهم اصلح فساد قلوبنا صابرة شذرات إسلامية 0 05-27-2015 06:46 AM
قرف not فساد @ www ؟! Eng.Jordan مقالات أردنية 0 04-14-2013 09:29 AM
فساد ومفسد وفاسد Eng.Jordan مقالات أردنية 0 11-05-2012 11:50 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:30 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59