#1  
قديم 05-02-2012, 07:39 PM
الصورة الرمزية محمد خطاب
محمد خطاب غير متواجد حالياً
كاتب ومفكر
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: فلسطين
المشاركات: 533
افتراضي الجاهلية


الجاهلية

أطلق اسم العصر الجاهلى على العصر ما قبل الاسلام أي قبل البعثة النبوية فقيل مثلا الشعر الجاهلي والأدب الجاهلي ، وكنا نتساءل هل الجاهلية فقط ما كان قبل الاسلام ؟، هل نعيش الان في جاهلية هي اسوأ من جاهلية قبل البعثة ؟ النبوية ، أم أن التسمية اقتصرت على الذين عاشوا قبل الاسلام ، هل هي مفهوم يكون من اتصف بشروطها جاهلي وكذلك العصر الذي نعيشه عصر جاهلي .
يرجع لفظ الجاهلية إلى الأصل اللغوي «جهل» الذي يعني الخفة وخلاف الطمأنينة من جهة، وما هو نقيض العلم من جهة أخرى. ويعبّر العرب عن المفهوم الأول بألفاظ متنوّعة متعدّدة تبقى في إطار حقل دلالي متجانس، كالطيش والنزق والسَّفَه والحُمق والتهور والحَميّة، كما في قول عمرو بن كلثوم
ألا لا يَجْهَلَنْ أحدٌ علينا
فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا
وكأن المعنى : نجازي من يجهل علينا بسفه او نزق وتهور بما هو أعظم من تهوره ونزقه .
وقول الفرزدق :
أحلامُنا تَزِن الجبالَ رزانةً
وتَخالُنا جنّاً إذا ما نجهل
والمقصود بالجهل هنا التهور فإذا كانت الاهانة او الاعتداء من أحد فإن رد الفعل يكون خاليا من التعقل والتبصر فتكون الهجمة على الاعداء بدون حساب للعواقب .
و الجاهلية- كما عناها القرآن وحددها- هى حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدى الله، ووضع تنظيمى يرفض الحكم بما أنزل الله فكان الموضع الاول لكلمة جاهلية بقوله تعالى : (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) المائدة 50
هى إذن مقابل معرفة الله ، والاهتداء بهدى الله ، والحكم بما أنزل الله وليست مقابل ما يسمى العلم والحضارة المادية ووفرة الإنتاج .
وكانت لهم صفة الجاهلية لأنهم يحكمون أهواءهم ويرفضون حكم الله وقد اعطاهم الاسلام البديل بأن يحكموا بما أمر الله سبحانه وتعالى .
فذلك هو المقياس الذى يقيس به القرآن الحياة البشرية وهو المقابل للجاهلية، سواء جاهلية العرب أو أية جاهلية غيرها فى التاريخ .

ومن ثم فهى ليست محصورة فى الجاهلية العربية ولا فى فترة من الزمن معينة وإنما هى حالة يمكن أن توجد فى أى وقت وفى أى مكان كما توجد كذلك فى أى (مستوى) من المعرفة و (الحضارة) والتقدم المادى والقيم الفكرية والسياسية الاجتماعية و (الإنسانية) إذا كانت هذه كلها لا تهتدى بالهدى الربانى، وتتبع أهواءها وترفض أن تتبع ما أنزل الله
وأن(الجاهلية) و (الهوى) سيان
فالجاهلية تحكم بأهوائها وتنحرف عن هدى الله لتتبع سواه
وقد وردت كلمة (جاهلية ) في القران الكريم في قوله تعالى :
( يَظنُون باللّه غَيْرَ الحقِّ ظنَّ الجاهلية يَقُولُون هَلْ لنا من الأمْرِ من شيء قل إن الأمر كلَّه للّه ) آل عمران 154
وإنما كان هذا ظنَّ السوء، وظن الجاهلية- وهو المنسوب إلى أهل الجهل وظنَّ غير الحق، لأنه ظنَّ لا يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى .
كما وردت الجاهلية في الآية القرآنية :
(وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .الاحزاب 33
وبهذا النص تكن الجاهلية ايضا التبرج بشكل ينافي تعاليم الدين الاسلامي وعدم طاعة أوامر الله ورسوله ، فهي اذن مخالفة تعاليم الاسلام فيما فرض الله علينا . فهي تخص المرأة من حيث الملبس والخروج والسلوك .
ووردت في قوله تعالى (إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) الفتح 26
وهي هنا ليست مقابل العلم ولكن غمط الحق واتباع الباطل والتكبر على الناس . وأن يرى نفسه فوق البشر للون أو المكانة أو غير ذلك .
كان لأبي ذر رضي الله عنه عبداٌ مملوكا، وحصل أن دار بينهما خلافٌ حول مسألةٍ ما ، وتطوّر الخلاف إلى تلاسن بالقول وتراشقٍ بالألفاظ، فعيّر أبو ذر رضي الله عنه الرجل بأمّه الأعجمية فقال: "يا ابن السوداء"، فغضب العبد من هذه المقولة لما انطوت عليه من استنقاصٍ وتعريضٍ به، فانطلق إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يشكو إليه قول أبي ذر رضي الله عنه.
وعندما استمع النبي – صلى الله عليه وسلم- شكاية العبد تمعّر وجهه غضباً، وقال لأبي ذر رضي الله عنه: ( أساببت فلاناً؟، أفنلت من أمه؟) ، فاعتذر قائلاً: "يا رسول الله، من سبّ الرجال سبّوا أباه وأمه"، لكنّ اعتذاراً كهذا لا يمكن القبول به في ميزان الإسلام والشرع، بل هو ضربٌ من ضروب العصبيّات الجاهليّة التي جاء الإسلام لاجتثاثها، فقال له عليه الصلاة والسلام : (يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية) " .
إذن هي رواسب الجاهليّة في نفس أبي ذر ، وهو الذي ظلّ يُفاخر الناس بإسلامه مبكّراً، واستاء أن يتسلّل إليه ذلك الخلق دون انتباهه ، فقال رضي الله عنه: "على حين ساعتي هذه من كبر السن ؟"، فجاءه الجواب : (نعم) ثم تطرّق النبي – صلى الله عليه وسلم - إلى قيمٍ أخلاقيّة ومُثُلٍ عالية لم يحظ بمثلها الضعفاء على مرّ العصور فقال : ( إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليُطعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا يكلّفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليُعِنْه عليه ) .( بأبي انت وأمي يارسول الله) .
وبهذا تكون الاساءة الى الغير بدافع الغيرة او الحقد او الحسد او الشعور بأنه أفضل يعتبر جهالة ومن باب الجاهلية لقوله تعالى في سورة يوسف (قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ) 89 .
وهي الجهل بالشيء أي عدم معرفة سبب كون الشيء على الحالة التي يراها الانسان بمعنى عدم الحكم على الناس بالمظاهر والظاهر لقوله تعالى (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ).
والجاهلية الانحراف عن الفطرة السليمة الني فطر عليها الانسان لقوله تعالى (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) النمل 55
وكانت عبادة غير الله في الارض جاهلية وجهالة لقوله تعالى (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) الاعراف 138
وهي ما يؤكده قوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ) الاحقاف 23
إذن كأن الجاهلية هي عدم عباة الله في المعنى الشمولى وذلك بعد اتباع اوامر الله واجتناب نواهيه في علاقة الانسن بنفسه وبمن حوله وعلاقته مع الله إذ ان هناك حقوقا لنفسه وعليه وحقوقا للناس عليه ولربه حقا عليه يجب عليه ان يؤديها ومن قصر في إحدى هذه الحقوق ففيه جاهلية وهو ما يؤكده حديث ابي ذر رضي الله عنه .
ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجاهلية بأشكالها وصورها ودعا الى نبذها ونركها .
جاء في صحيح البخاري أن رجلان من المهاجرين والأنصار تشاجرا فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ
فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ .
فَقَالَ : (صلى الله عليه وسلم ) دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من دعا الى عصبيه وليس منا من قاتل على عصبيه وليس منا من مات على عصبيه) صحيح مسلم .

فالعصبية هى أساس الفتن وتجعل المسلمين فى فرقه وتناحر والدعوة لتجنبها واجبه حتى تسلم امتنا من النعرات العصبيه لطائفه أو مذهب أو وطن
قال – صلى الله عليه و سلم -: { مَن نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي رُدّيَ فهو ينزع بذنبه }
( رواه أبو داود و إسناده صحيح )
قال – صلى الله عليه و سلم :" إنه أوحيَ إليَّ : أنْ تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد و لا يبغي أحد على أحد " ( رواه مسلم ) )
و لهذا حذَّر النبي – صلى الله عليه و سلم - مِن أمور الجاهلية في حجة الوداع فقال :" .... ألا كلُّ شيء مِن أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ..." ( رواه مسلم ) .
ولهذا نحس هذه الغربة بين أهلنا حيث نعيش بين الناس ونحس بالغربة بين إخواننا حيث نسافر اليهم للعمل او لمهمة نقوم بها . فإذا انتهت الجاهلية في نفوسنا كانت الخطوة الاولى في بناء المجتمع المسلم على غرار السلف الصالح .
فالأمر إذا إما الهدى وإما الضلال.. إما الإسلام وإما الجاهلية.
محمد خطاب

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
محمد خطاب
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الجاهلية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الجاهلية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اليهودية و الجاهلية يحــــــي عباسي مقالات 5 08-03-2015 03:27 PM
الفالنتاين مناسبة وثنية من أعمال الجاهلية عبدالناصر محمود أخبار منوعة 0 02-15-2015 08:19 AM
العصبية مرض من أمراض الجاهلية ام زهرة رواق الثقافة 0 11-16-2013 09:20 PM
القسم عند العرب في الجاهلية في نماذج من الشعر الجاهلي Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 2 07-31-2013 05:58 AM
ماسنجر أيام الجاهلية صباح الورد الملتقى العام 2 08-07-2012 09:36 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:57 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59