خيانة حاكم دمشق الملك الصالح إسماعيل والعز بن عبد السلام
كتاب : " مواقف بطولة من صنع الإسلام " . في وقت كانت الأمة الإسلامية تواجه فيه عدوان الصليبية الحاقدة ، وفي سنة من السنوات العجاف التي مرت بتاريخ هذه الأمة ، واشتد الصراع بين حاكم دمشق الملك الصالح إسماعيل ، وبين حاكم مصر نجم الدين أيوب ، وبلغ من شدة الصراع أن تجرأ الملك الصالح فطلب المعونة ضد نجم الدين أيوب ، من الصليبيين ، مقابل أن يعطيهم قلعتي صيدا والشقيف ، وأن يسمح لهم بدخول دمشق ، وشراء السلاح منها متى أرادوا . وكان لابد أن تغضب دمشق الفيحاء ضد هذه الخيانة السافرة ، فاشرأبت أنظار الدمشقيين نحو عالمهم المؤمن التقي " عز الدين عبد السلام " ليعلن باسمهم جميعـًا استنكارهم لخيانة حاكمهم الملك الصالح إسماعيل . فلما كان يوم الجمعة التي تلت اتفاق الملك الصالح إسماعيل مع الصليبيين ، صعد " العز بن عبد السلام " منبر الجامع الأموي ، وبدأ خطبته بحمد الله والثناء عليه ، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم تكلم في ذم موالاة أعداء الإسلام ، وتقبيح الخيانة ، واستنكر ما أقدم عليه الملك الصالح إسماعيل من مولاة للصليبيين ، وأفتى بتحريم بيع السلاح أو المؤونة لهم . ولما حان وقت الدعاء التقليدي للملك الصالح تجاهل العالم المؤمن الدعاء له ، واستبد له بقوله : اللهم أبرم لهذه الأمة إبرام رشد ، تُعِزُّ فيه أولياءك ، ويعمل فيه بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك . وكانت تلك الخطبة بمثابة فتوى من العالم المؤمن بعدم أهلية الملك الصالح إسماعيل لولاية المسلمين ، وبإسقاط حقه عليهم بالسمع والطاعة . وكان الملك الصالح إسماعيل آنذاك غائبـًا عن دميشق ، فلما بلغه ما كان من أمر الخطبة بعث بزبانيته إلى دمشق ومعهم أمره بخلع العالم المؤمن عن الخطابة في الجامع الأموي وبحبسه في منزله تحت الإقامة الجبرية . وظن الملك الصالح أن حبس " العز بن عبد السلام " في بيته ، سيخفف من ثورة الدمشقيين ، لكن ظنه خاب حين هاجت دمشق بثورة عارمة تطالب بالإفراج عن عالمها المؤمن ، وكثر قتل الصليبيين في الشوارع والحواري ، فلم يجد الملك الصالح بدًا من الإفراج عن العز ، واشترط عليه أن يترك دمشق إلى مصر ، ولكن ذلك لم يخفف من ثورة الدمشقيين ، وإصرارهم على عودة شيخهم وعالمهم إلى منبره . وخشي الملك الصالح أن يفلت الزمام من يده ، فلا يقوى على كبح ثورة الدمشقيين ، ونصحه أتباعه باستمالة " العز بن عبد السلام " وإعادته إلى دمشق ، فأرسل مبعوثـًا من قبله إلى نابلس ، وكان " العز " محتجزًا فيها ، وهو في طريقه إلى مصر ، ليحاول إقناعه بالعودة إلى دمشق . وبعد إلحاح شديد من حاكم نابلس ، رضي الشيخ أن يقابل مبعوث الملك الصالح . قال المبعوث : أيها الشيخ الجليل ، إن سيدي الملك الصالح أوفدني إليك لأطلب منك العودة إلى دمشق ، معزَّزًا مكرمـًا ، وما عليك يا سيدي إذا أردت ذلك إلا أن تنكسر للسلطان ، وتقبل يده ، وهو لا يطلب منك غير ذلك . قال " العز بن عبد السلام " بلهجة مؤمنة شامخة : يا مسكين ، عد إلى سيدك وقل له : إن العز بن عبد السلام لا يرضى والله أن تقبلَ قدمه ، فكيف تظنه يرضى أن يقبل يدك . يا مسكين ، أنتم في وادٍ ، وأنا في وادٍ ، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به . وعاد مبعوث الخيانة أدراجه ، وبقي الشيخ في معتقله في نابلس ، حتى أذن الله بانتصار نجم الدين أيوب على الخائن ، فكان من أول ما فعله إعادة " العز بن عبد السلام " إلى المنابر التي اشتاقت إليه ، وإلى الجماهير المؤمنة التي أحبته . |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:10 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع