ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   دراسات ومراجع و بحوث اسلامية (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=34)
-   -   شبهة الرق والسبي والعبودية (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=33858)

عبدالناصر محمود 12-10-2015 08:47 AM

شبهة الرق والسبي والعبودية
 
الرِق رحمة. الرد على شبهة الرق والسبي والعبودية
ــــــــــــــــــــــــــ

(أبو عمرو الداني)
ــــــــــ

28 / 2 / 1437 هــ
10 / 12 / 2015 م
ــــــــــــ



الرق في أصله رحمة
--------------


لا يتوقف كهنة العلمانية العرب والملحدين عن تسليط الأضواء على مسألة الرق والعبودية والسبي، وكيف أن هذه القضايا تجاوزها العصر الحديث ولم يعد لها مكان.
وللرد على هذا الجهل لابد من تحليل قضية الرق من داخل التاريخ ذاته كالتالي :

أولاً : العبودية هي مرحلة أساسية في تاريخ الجنس البشري، ومن مقتضيات عصور بشرية أصيلة.

ثانيًا: لا يوجد في تاريخ البشرية ديانة ولا فلسفة ولا مذهبًا ولا فِرقة، إلا وأجازت الرق واعتبرته بديهة وجودية .

ثالثًا: اختفاء الرق في القرن الماضي كان فقط لظهور المكائن – الآلات التي حلت محل البشر – وإلا فالرق كان وسيظل موجودًا ما وُجد الإنسان.

رابعًا: لا يوجد مانع ديني ولا أخلاقي ولا مادي ولا علمي ولا فلسفي ولا إلحادي يمنع من ممارسة الرِق بمفهومه الإسلامي –الذي هو أقرب للتبني- كما سنبين بعد قليل.

خامسًا: لم يتوقف الرق فجأةً لضجر العبيد أو لرهافة إحساس الأسياد، ولكن فقط نتيجة استغناء مباشر عن العبيد بالمكائن التي ظهرت في القرن الماضي كما ذكرنا.

سادسًا: لم يعرف التاريخ ناقدًا للعبودية على طول الخط وانتهاء العبودية جاء فقط كنتيجةٍ بديهيةٍ لعدم الحاجة إليهم، ولذا قال نيتشه: "لو أمطرت السماء حرية لأمسك العبيد مظلات".

وفلاسفة الدنيا كلها أطبقوا على أن مفهوم الرق في أصله مفهومٌ مقبول وسنذكر بعض الأمثلة :

1- كان أرسطو يرى أن العبودية أمر بَدَهِيٌ وكان من أشد المؤيدين لها والحريصين عليها
2- قال أرسطو : الحُر الذي يخضع للقانون هو أيضا عند مستوىً ما من العبودية.
3- جمهورية أفلاطون الفاضلة لا تخلو من العبيد.
4- يؤيد هيجل العبودية بشدة ويرى أن العبد يحقق متعته في خدمة سيده.
5- يقول كارل ماركس بدون عبيد لا وجود لأمريكا الشمالية.
http://www.marxists.org/archive/marx/410.htm

سابعًا: يرى هيجل أن الغريزة الأساسية في الإنسان هي الرغبة في نيل الإعتراف-ينال قيمته-، وفي هذا الإطار فالعبد يحقق غايته تمامًا، حيث أن العبد يحقق متعته في خدمة سيده وهو في ذلك يسعى إلى الرغبة في الاعتراف، والعبد لا يتمرد على سيده أبدًا لأنه أصلاً لا يعرف أنه ينقصه شيء، فهو رغباته المادية يحققها من أموال سيده ورغباته فوق المادية مثل الرغبة في الاعتراف يحققها ببراعته في عمله، بل وكلما كان أكثر إخلاصًا لسيده كان أكثر تحقيقًا لهذه الرغبة، لذا فالعبد لا يشعر أنه عبد، بل يتحرك في إطار عقلاني يستوعبه ويستوعب سيده، لذا لم يتمرد العبيد. فالعبد في البداية والنهاية مسوقٌ إلى الدور المطلوب منه - كالسيد تمامًا - .

ثامنًا: يقول مؤسس الدولة المدنية جون لوك: "الملوك في أمريكا القديمة والذين كانوا يملكون أراضٍ شاسعة هم أفقر ماديًا من عامل إنجليزي في ورش مانشستر".
لكن الملك لديه من يعترف به فتزداد سعادته، فالسعادة قيمة نسبية لا علاقة لها بالوسائل المادية المتاحة، وإنما هدف السعادة المادية هو نيل الاعتراف وهذا متحقق للعبد ماديًا!

تاسعًا: في لحظةٍ ما عندما نحتاج للعبيد سيعود العبيد، خاصًة وأنه بعد اختراع الأسلحة النووية ظهرت في الأدب العالمي فكرة احتمالية أنه في أي لحظة يمكن أن يخسر العالم كل التكنولوجيا الحديثة ونعود للخيل والجِمال مرًة أخرى، وفي فيلم محارب الطريق the road warrior للمنتج الاسترالي جورج ميلر، نرى حضارة مستقبلية قائمة على الخيل والعربات التي تجرها الحيوانات.
المصدر : نهـاية التاريخ، فرانسيس فوكوياما، ص 86.

عاشرًا: الذي ينتقد العبودية هو حتمًا سينتقد منظومة العمل والحياة الوظيفية الآن، فالحياة الوظيفية هي رِق جزئي –عبودية جزئية-، وفي تعريفها الرسمي: استقطاع ساعات معينة من وقت الموظف لصالح مؤسسة أو شركة أو شخصٍ ما، مقابل تقاضي أجر محدد أو منفعةٍ محددةٍ.
لكن الإنسان المعاصر يستسيغ المنظومة الوظيفية الآن ولا يستسيغ مسألة الرق فقط بسبب المعاصرة – فهو معاصر للمنظومة الوظيفية ولم يعاصر مسألة الرق -.
بل إن الفرق الجوهري بين الرق والمنظومة الوظيفية هو فرق زمني لا قِيمي، فالمنظومة الوظيفية هي رِق وقتي، وسخرة جزئية كما يتفق على ذلك المُشرعون!
أيضًا الرق ليس بالصورة التي يرسمها ويروِّج لها العصرانيون، وإنما ربما تنطبق تلك الصورة على ما كان يجري في الدولة الرومانية، بينما في بلادنا كان الرقيق أئمة الدنيا وعلماء الدين. ودولة الممالك خير شاهدٍ عبر الزمان.

إذن الرق أمر بَدَهِيٌ عبر التاريخ وعبر الجغرافيا، والحفاظ على حقوق الرقيق هو الوصية العاشرة من الوصايا العشر في التوراة: " سفر التثنية 5-21 ".
والحفاظ على حقوق الأسياد ووجوب طاعتهم مِن قبل العبيد هو وصية الإنجيل: " الرسالة إلى أفسس 6:5 ".
ولم يكن الإسلام بِدعًا من الأديان، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- بِدعًا من الرسل فقد جاءت الوصية مباشرةً بحفظ حقوق الرقيق في الإسلام.

حفظ حقوق الرقيق في الإسلام:

1- قال الله تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} ﴿النساء36﴾ .

2- وقال تعالى {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف } ﴿النساء25﴾ .

فأمر سبحانه مَن أراد أن يتزوج من أمته أن ينكحهـا بإذن أهلهـا وأن يعطيهـا مهرهـا كاملاً!

3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي". صحيح مسلم.

4- وقال صلى الله عليه وسلم: "إنّ إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم". متفقٌ عليه

ولذا صار الرقيق في الدولة الإسلامية ملوكًا وحُكـامًا، وأصبحت فترات تاريخية كاملة في حِكرًا على الرقيق [ دولة المماليك في مصر ].

ولا يعرف تاريخ الإنسانية دينـًا أشد حرصًا على الرقيق من الإسلام، يكفي أن تعلم أن هناك ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين يوم القيامة كما في نص الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

1- رجل آمن بالكتاب الأول والكتاب الآخر ، ثم أدركني فآمن بي
2- ورجل كانت له أمة فأعتقها وتزوجها
3- وعبد أدى حق الله وحق مواليه .
متفقٌ عليه.
إذن الرجل لو أعتق جاريته وتزوّجها له أجره مرتين.
والعبد الذي يطيع سيده له أجره مرتين.
ولذا قال أبو هريرة رضي الله عنه في الحديث المُتفق عليه: "والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك ."

لكن هنا قد يطرح العلماني والملحد تساؤلاً هامًا وهو: ما مصدر الرقيق وكيف يتحول الحر إلى عبد؟
ولماذا يتحول الأحرار إلى عبيد؟
لا يعرف الكثير من العلمانيين أن الرق هو في الاصل رحمة!
فالرق ينحصر في أرض المعركة وساحة القتال، فالكافر المقاتِل يُقتل، والكافرة المقاتلة تُسبى ولا تُقتل وبالتالي تصبح في باب الرق أو السبي أو ملك اليمين وكلها اصطلاحات لها نفس المعنى.
إذن الرِق في أصله رحمة بالمرأة!
ولا يوجد في الدساتير المعاصرة أي تفريق بين المرأة والرجل في ساحة القتال.
فكل مَن شارك في القتال وجاء في الجيش المحارب يصبح طبقًا للدساتير المعاصرة هدفًا حربيًا كائنًا مَن كان!

لكن لماذا نقوم باستراقاق النساء؟

هذا كما قلنا من باب الرحمة، لأن الذي جاء يقاتلك ويحاربك لابد أن تقاتله، هذه بديهة تتفق عليها جميع الدساتير والشرائع!
أما المرأة التي جائت لتقاتلك فلا يجوز لك أن تقاتلها إلا لو باشرت قتلك!

فالمرأة لا تُقتل، لأن الإسلام لا يُجيز لك قتل النساء ولا الأطفال ولا الشيوخ ولا أصحاب الحرف الذين لم يأتوا إلى ساحة المعركة لمحاربة المسلمين وإنما لممارسة حرفهم مع أنهم كفار ومع أنهم في ساحة المعركة!
فمن رحمة الإسلام بالمرأة أنها لا تُقتل -لأنها ضعيفة ولا تباشر قتل المسلمين في الغالب- بل تُسبى.

والمرأة تُسبى حتى يتم فدائها بأسيرات المسلمين أو العفو عنها وإعادتها للعدو بلا مقابل{ فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} ﴿٤﴾ سورة محمد.
ولاحظ قوله تعالى: حتى تضع الحرب أوزارها، يعني في أرض المعركة، ولاحظ إما منّاً بعد: أي تمُن عليها بأن تُطلق سراحها بلا مقابل، وإما فداء: أي تفديها بالمسلمات اللاتي أسرهن العدو.
فلا يوجد في الإسلام سبي إلا من أرض المعركة، وهذه قاعدة هامة!
ولا تُسبى المرأة إلا لأنه يحرم قتلها، مع أنها جائت في جيش العدو وأرادت استئصال شأفتك!
وقد فتح المسلمون بلاد الدنيا وملكوها ولم ينقلوا سكانها الأصليين سبايا إلى الجزيرة العربية فهذا لا يقوله عاقل، بل ولم ينقلوا ساحة المعركة إلى بيوت المدنيين الآمنين، بل إن هؤلاء المدنيين لم يجدوا عزهم وحريتهم إلا في كنف الإسلام!

وتُسبى المرأة ولا يجوز قتلها، لأنها كما قلنا حتى لو قاتلت فلا تباشر ذلك في الغالب بنفسها فعقوبتها أهون من الكافر الذي يريد قتل المسلمين ويباشر ذلك بنفسه، ودليل ذلك قول رسول اله صلى الله عليه وسلم: "ما كانت هذه لتقاتل".

لكن هل يجوز نكاح المسبية؟

المسبية لها عقد نكاح، أي يجوز نكاحها، كما الزوجة لها عقد نكاح، لكن شروط عقد نكاح المسبية تختلف عن شروط عقد نكاح الزوجة، فالزوجة لها شرط الاختيار فيمن يتقدم لها.
أما امرأة مقاتلة جائت لتقاتلك مع جيش العدو وتم سبيها فهذه ليس لها شرط اختيار من يتقدم لها.
لكن الزوجة والمسبية يتفقان في الأُطر العامة فلا تنتقل الزوجة إلى رجلٍ آخر إلا بطلاقٍ ومهرٍ جديدين، ولا تنتقل المسبية إلى رجلٍ آخر إلا بإطلاقٍ وعقدٍ جديد.
والتعرض للمسبية في حكم الشريعة يطابق التعرض للزوجة، فلو اغتصبها أحد يُقام عليه حد الزنا.
قال الشافعي: "وَإِذَا اغْتَصَبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَ الْغَصْبِ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجَارِيَةُ وَالْعُقْرُ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا." 253 الأم للشافعي الغصب.

وهل يجوز سبي نساء الكفار المقاتلين الآن؟

لو تم وضع قانون بحرمة سبي النساء والتزم به المسلمون والكافرون -كما هو حادث الآن-، فهنا لا يجوز للمسلم مخالفة القوانين والعهود، إلا لو بدأ العدو الغاشم في المخالفة!
وعليه تُحترم كل العهود والمواثيق التى تمنع السبى فى الحروب الآن.
وفي فترة حرب البوسنة كان المجرمون الصرب يغتصبون المسلمات البوسنيات، ومع ذلك لم يُجز علماء المسلمين للمجاهدين في ذلك الوقت سبي نساء العدو.

ثم هل وجدتم رحمةً أعظم من أن تلتزم في مقاتلة عدوك بسلاحه هو، فلا يجوز لك أن تقتله بسلاحٍ فتاك يهلك الديار والعباد وإنما تقاتله بنفس سلاحه {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين} ﴿١٩٤﴾ سورة البقرة.
والله أعلم!

لكن يبقى السؤال: هل يحق للملحد أن ينتقد مسألة الرق؟

في واقع الأمر قبل أن ينتقد الملحد مسألة الرق عليه أن يجيب عن الآتي :

1- الدولة الوحيدة الملحدة على وجه الأرض الآن هي كوريا الشمالية، وداخل هذه الدولة يتم تقسيم الناس رسميًا إلى سادة وعبيد، في نظام يُعرف بإسم السونجبن Songbun، وحسب هذا النظام يتم تحديد كمية الغذاء ونوع البروتين وكميته وطبيعة العمل للمواطن الكوري الشمالي ولأولاده من بعده بحسب طبقته داخل السونجبن!
وهذا النظام معمول به منذ قرابة نصف قرن من الزمان –منذ انفصال الكوريتين- ولم نسمع أن ملحداً أو علمانيًا تمرد على هذا الأمر أو انتقده!
http://en.wikipedia.org/wiki/Songbun

2- أليس التمرد على الرق هو تمرد صريح على الداروينية وعلى قانون كوني يحكم وجودنا وهو قانون البقاء للأصلح ؟

3- أليس التمرد على الرق هو تمرد على الحتمية المادية ؟

4- أليس الرق يساعد مباشرًة على الانتخاب الطبيعي – عبر انتخاب الأقوياء والأكثر سيادة – ، إذن لو كان الملحد ملحدًا وكان الإلحاد صحيحًا وكانت الداروينية قضية حتمية، لأصبحت عودة الرق هدف كل ملحد، أليس كذلك ؟

5- ما معنى الأخلاق؟ و هل تمت البرهنة عليها علميًا حتى يتبناها الملحد ؟

6- الملحد ينظر للإنسان على أنه لطخة بروتوبلازمية ثلاثية الأبعاد، حدود الطبيعة هي حدوده وقوانين المادة هي قوانينه، فكيف تسنّى له أن يستوعب الخطأ في الرق ثم ينتقده ؟

7- لا يوجد للأخلاق ترميز جيني – تشفير في الجينات –، إذن ليس لها مصدر مادي فكيف يتبنى الملحد نموذجًا أخلاقيًا ينتقد من خلاله عملية الرق؟

والآن وقبل أن نختم هذا الموضوع الثري نريد أن نعرض لبعض الصور المشرقة للرقيق في دولة الإسلام!
حَكم المماليك –الرقيق- مصر والشام قرابة 600 عام، منذ عام 1240إلى 1811 ميلادية .
أي أن نصف تاريخ مصر والشام في الإسلام كان تحت سيادة المماليك، بل ولولا خيانة محمد علي وجريمته الشنعاء حين قام بذبحهم في مذبحة القلعة الشهيرة، لظل المماليك سادة الدنيا.
وفي عهد المماليك كانت جميع المقاطعات والولايات يحكمها مماليك.
والشاهد من ذلك أن الإسلام لا يمنع الرقيق أن يكونوا سادة الدنيا، وفي الحديث الصحيح أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "أُوصيكم بتقوى الله.. والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً."
إذن أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة للرقيق حين يحكمون بلاد المسلمين!

ومن عجيب ما يُذكر هنا أن قطز وبيبرس حين وصلوا لحكم مصر كانوا رقيقًا وظلوا رقيقًا زمناً طويلاً، إلى أن قدم التتار إلى بلاد الشام فاجتمع قطز بالأعيان والقضاة والأمراء، وطلب منهم جمع المال لتكوين جيش مصري عملاق. فقام الإمام العز ابن عبد السلام –رحمه الله- وطالبهم أن يكاتبوا أنفسهم حتى يقتدي بهم باقي المماليك، ففدوا أنفسهم بأموالٍ عظيمة– والمكاتبة في الشريعة الإسلامية هي أن يدفع العبد مبلغًا من المال لسيده مقابل حريته، وهذا حق جوهري من حقوق الرقيق في الإسلام {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } ﴿٣٣﴾ سورة النور–.
وبالفعل ظهر الجيش المصري العملاق!
لكن السؤال هنا: بالنسبة للرقيق الذين عاشوا في دولة الإسلام العادلة هل يحرصون على المكاتبة أو تعنيهم أصلاً؟
إن قطز وبيبرس لم يكاتبوا أنفسهم ويتحولوا إلى أحرار إلا لتمويل الجيش لا أكثر!

فقد كان المماليك سادة الدنيا وكان جيش المماليك من أعظم جيوش الدنيا.
وقد هزم المماليك المغول في معركة عين جالوت عام 1260 م.

أيضًا السلطان المملوكي –العبد- قنصوه الغوري الذي حكم مصر والشام والحجاز، انتصر على البرتغال التي كانت تريد تطويق أفريقيا في ذلك الوقت، وهزمهم شر هزيمة في موقعة مالابار عام 1508م.
وقد دافع السلطان قنصوّه الغوري عن عدن وعن ديار الإسلام من هجمة المستعمر الجديد!

وكان للمماليك جهود عظيمة في شق الترع ومشاريع عملاقة في بلاد المسلمين، ولم يكن في الدنيا جيش يضاهي جيش المماليك إلا جيش الخلافة العثمانية!
ولولا خيانة محمد علي وجريمته النكراء في حق المماليك –مذبحة القلعة-، ربما ما تجرأ المستعمر الغربي العفن على ديار الإسلام وعلى استعمارها ولله الأمر من قبل ومن بعد.

أضف إلى ما سبق أن: الرقيق أيضًا هم سادة الآخرة، فأجرهم ضعف أجر السيد بنص الحديث كما بيّنا قبل قليل.

إذن المشكلة هي الصورة النمطية التي انطبعت في أذهان المعاصرين عن الرق، وليس الرق في حد ذاته.
وإلا فإن بلال ابن رباح وعمار ابن ياسر وزيد ابن حارثة وأم أيمن وسمية بنت خياط، كلهم رقيق وكلهم عظماء الصحابة رضي الله عنهم، وما قلَّل رِقهم من قيمتهم شيئًا.
وفي التابعين من الرقيق العلماء العدد الكبير، فمنهم المحدث العظيم نافع مولى ابن عمر وعكرمة مولى ابن عباس ومجاهد وعطاء ومكحول وابن سيرين والحسن البصري وسعيد بن جبير، أئمتنا وسادتنا رضي الله عنهم أجمعين!

لكن هل الرق قضية تاريخية انتهى زمنها كما يزعم العلمانيون؟
الذي يقول ذلك هو أجهل الناس بالتاريخ فاختفاء الرق رسميًا في القرن الماضي -عام 1905- كان فقط لظهور المكائن – الآلات التي حلت محل البشر –.
وإلا فالرق كان وسيظل موجودًا ما وُجدت الحاجة إليه، ولا فرق كما فصلنّا بين العمل الوظيفي وبين الرق إلا في المحتوى الزمني لكلٍ منهما.
وسيعود الرق حال اختفاء المكائن كما تنبأ فرانسيس فوكوياما!
لكن طبعًا العلماني لا يعرف لا تاريخ ولا فوكوياما فضلاً عن تبصر أحوال البشر ودورات الزمان!

---------------------------------------------------------


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 09:12 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59