ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   مقالات وتحليلات مختارة (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=84)
-   -   مخاطـر الخصـام (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=7223)

احمد ادريس 08-12-2012 05:02 PM

مخاطـر الخصـام
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مخاطـر الخصـام
أكاد أجزم أن من أسباب تخلف العمل الإسلامي في واقعنا المعاصر عن الشهود الحضاري والإنقاذ العالمي، هو واقع الخصام بين العاملين للإسلام، مع أنهم جميعا يستقون من معين الكتاب والسنة، الكتاب الذي قال (( إنما المؤمنون إخوة )) (1)، والسنة الزاخرة بما يرص الصفوف، ويمنع الخصام، كما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة بالجسد الواحد(( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) . (2)، فهل رأيتم عاقلا يخاصم أعضاءه؟!.
وعمق صلى الله عليه وسلم المعنى فوصف الوجود الإسلامي بالبنيان فقال(( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه )) .(3)، فهل رأيتم فطنا يعدم ذاته فينتحر؟!، هذا في الأمر بالمحبة والتآزر والشواهد النصية على ذلك كثيرة جدا وقد جاء النهي عن الخصام في غير ما حديث، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (( لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )) . (4)، وشدد في النهي ببيان تسبب الخصام في تأجيل المغفرة كما في قوله صلى الله عليه وسلم (( تعرض الأعمال في كل إثنين وخميس فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك به شيئا ، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتى يصطلحا )) . (5) وشدد في النهي فقال صلى الله عليه وسلم (( إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه )) (6)، وقال صلى الله عليه وسلم (( في ليلة النصف من شعبان يغفر الله لأهل الأرض إلا المشرك أو مشاحن )) (7)، وبين صلى الله عليه وسلم أن من صفات النفاق المبالغة في الخصام كما في قوله(( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر)) (8)، ومعنى إذا خاصم فجر: أي بالغ في الخصومة، وشدد صلى الله عليه وسلم على المبالغة فقال(( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار)) (9)، وشدد أكثر حيث اعتبر المبالغ قاتلا فقال صلى الله عليه وسلم (( من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه )) . (10).
البغض في اللـــــه :
هذا وقد يحتج البعض في خصامه أنه مبني على البغض في الله المفضي إلى الكمال الإيماني، كما قال صلى الله عليه وسلم (( من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان )) (11).
وهذا الفهم فيه نظر، ذلك لأن القاعدة بعد استقراء تقول: من كان في دائرة الإسلام لا يخاصم، وإن اختلفت الأفهام والمذاهب الفقهية والدعوية، ما لم تعارض الكتاب والسنة، فاختلاف الأسلوب لا يفضي إلى اختلاف القلوب، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم (( ولا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه )) .
ومن كان في دائرة الإسلام، وله بعض المعاصي، فلابد من تعليمه ونصحه وإقامة الحجة عليه، فإن أقلع فهو الـم راد، وإن لم يقلع فلابد من تكرار النصح والدعوة، ذلك لأن هجر هؤلاء وخصامهم لا ينهي المنكر ولا يصلح الفاسد، ولنا في نوح عليه السلام قدوة حسنة رغم أنه دعا كفرة، إلا أنه لم يخاصمهم بعد أول محاولة بل قال(( رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا . فلم يزدهم دعائي إلا فرارا )) (12).
مع بيان عدم الرضا عن معاصيهم، وضرورة هجرهم في مواقف المعصية، وألا تكون المودة والمحبة مع المصرين على الكبائر بقدر مودة الصالحين ومحبتهم.
الهجــــر الشـــرعي :
الهجر الشرعي نوعان: أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات، والثاني بمعنى العقوبة عليها وهو هجر من يظهر المنكرات، يهجر حتى يتوب منها، كما هجر النبي ص والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر، ولم يهجر من أظهر الخير، وإن كان منافقا فهنا الهجر بمنزلة التعزير، والتعزير يكون عمن ظهر منه ترك الواجبات، وفعل المحرمات كتارك الصلاة والزكاة، والتظاهر بالمظالم والفواحش، والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع، وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور، وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته، كان مشروعا وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين، وإذا عرف هذا فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله، والهجر لأجل حق الإنسان لا يجوز أكثر من ثلاث، كما ورد، فينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق نفسه، فالأول مأمور به، والثاني منهي عنه (13).
فليتدبر المؤمن الفرق بين هذين النوعين، فما أكثر ما يلتبس أحدهما بالآخر، وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك، وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته (14)، هذا وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم المبادأة والمبادرة من مقاييس الخيرية كما في قوله صلى الله عليه وسلم (( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ))(15)، ويشدد صلى الله عليه وسلم على الرافض لجهود المصالحة كما في قوله((لا يكون لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاثة، فإذا لقيه سلم عليه ثلاث مرات كل ذلك لا يرد عليه فقد باء بإثمه )) . (16).
أجـــر المصالحــــة :
ورتب الإسلام على جهود المصالحة أجرا عظيما من ذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم (( كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة )) (17)، قال النووي ومعنى تعدل: تصلح بينهما بالعدل، ومن حب الإسلام للمصالحة ما دعاه إلى أن يبيح الكذب لها مع حرمته، فقال صلى الله عليه وسلم (( ليس الكذب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا )) .(18).

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله .ودمتم بحفظ الله ورعايته

بقلم: عبدالله حمود البوسعيدي

الهوامــش
1 ـ الحجرات: 10. 2 ـ متفق عليه.
3 ـ متفق عليه 4 ـ متفق عليه
5 ـ رواه مسلم. 6 ـ صحيح الجامع 771.
7 ـ صحيح الجامع 4268. 8 ـ متفق عليه.
9 ـ رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري.
10 ـ رواه أبو داود بإسناد صحيح.
11 ـ صحيح الجامع 5965. 12 ـ نوح: 5و6.
13 و 14 ـ الفتاوى ج28 ص 203 ـ 210 بتصرف.
15 ـ متفق عليه. 16 ـ صحيح الجامع 7775.
17 ـ متفق عليه. 18 ـ متفق عليه.


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:29 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59