ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   بحوث ودراسات منوعة (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=14)
-   -   العلاقة بين العلمانية والغنوصية (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=23081)

عبدالناصر محمود 06-21-2014 09:30 AM

العلاقة بين العلمانية والغنوصية
 
العلاقة بين العلمانية والغنوصية*
ـــــــــــــــــ

23 / 8 / 1435 هــ
21 / 6 / 2014 م
ـــــــــــ

http://taseel.com/UploadedData/Pubs/Photos/_3423.jpg




عنوان البحث: العلاقة بين العلمانية والغنوصية (*)

إعداد: د . أحمد إدريس الطعان

ـــــــــــــ

في بحث "العلاقة بين العلمانية والغنوصية" سعى الباحث إلى بيان العلاقة بين كل من العلمانية -والعلمانية العربية على وجه الخصوص- والغنوصية، حيث لاحظ أن العلمانية تلتقي مع الغنوصيات القديمة المتمثلة في الهرمسية والأفلوطينية والباطنية ومع الغنوصية الجديدة المتمثلة في الهرمينوطيقا الغربية في أشياء كثيرة، ومن هذه الأشياء قضية التأويل أو القراءة للنصوص، وإن كان الاتفاق بينهما لا يعني أكثر من الاتفاق على عدم الاتفاق، أي أن الإنسان القارئ للنص له الحق أن يفهم من النص ما يحقق له أغراضه وإراداته دون اعتبار لما يقوله النص، فالنص عليه فقط أن يكون جهاز استقبال وتبرير لإملاءات القارئ، دون أن يُسمح له بالإرسال أو القول.

وفي هذا البحث حرص الباحث على الاعتماد على المصادر الأساسية والمباشرة للخطاب العلماني والغنوصي، كما حرص على أن يترك النصوص هي التي تتكلم، ولذلك اختار الباحث لبحثه المنهج الوصفي الكشفي التركيبي، زيادة في الموضوعية.

وقبل دخوله في موضوعه نبه الباحث على ملاحظتين منهجيتين، أما الأولى، فهي أنه لم يتعامل مع الخطاب العلماني كأشخاص وأفراد متمايزين مختلفين، وإنما تعامل معه كمنظومة فلسفية تنتهي إلى جذور واحدة وتستند على أسس متقاربة.

أما التنبيه الثاني فيتمثل في اعتماده على المصادر المترجمة التي تمكن من الوصول إليها للباحثين الغربيين الذين احتاجت لهم هذه الدراسة. كما توجد في البحث بعض المصادر الثانوية لم يكن اعتماده عليها كمصادر جوهرية وإنما كمكملات نفلية على مبدأ أن النافلة إن لم تنفع فلا تضر بعد أداء الفريضة.

وعليه جاء هذا البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة:

المقدمة: وفيها الإشارة إلى إشكالية البحث ومنهجيته وخطته.

المبحث الأول: وشائج التواصل بين العلمانية والغنوصية الهرمسية.

في بداية بحثه ناقش الباحث مسألة العلاقة بين الهرمينوطيقا والغنوصية، والهرمينوطيقا بحسب تعريفه نمطاً من أنمـاط القراءة والتأويل للنصوص والتراثات الفكرية عموماً.

وعن الرؤية التفسيرية للنص بين أن الهرمينوطيقيين يرون أن النص بمجرد أن يُدوَّن يصير مستقلاً عن قصد الكاتب، وتنفتح عندئذ إمكانيات التأويل المتعددة له، وهذه الرؤية هي ذات الرؤية التي تتعامل بها الغنوصية مع النص.

وهكذا نجد أن الهرمينوطيقا تعتبر العلامات والرموز هي الأساس الذي تتكون منه اللغة، ولا عبرة بأي قواعد أو أنظمة يتعارف عليها الناس للخطاب، فهي إذن تتمرد على النظام الاجتماعي والمعرفي السائد بين الناس والذي يشكل أساس التواصل بين الناس .

انتقل الباحث بعد ذلك للحديث عن العلاقة بين الغنوصية والعلمانية العربية، متخذا الباطنية كمثال عربي للغنوصية، وفي هذه النقطة بيَّن أنه برغم قيام الغنوصية على العرفان والكشف بزعم أهلها، وقيام العلمانية على العقل بزعم أهلها أيضاً إلا أن اللقاء بين الطائفتين يكاد يكون تاماً على مستوى الوسائل والغايات والمسالك والنهايات، وأعطى الباحث أكثر من مثال على هذا الأمر.

المبحث الثاني: متاهة القراءة العلمانية "مراجعة نقدية".

بين الباحث أن المصطلح النقدي الحداثي في الغرب يستمد القدر الأعظم من دلالته من الخلفية الفلسفية الفكرية الغربية التي استمرت عدة قرون، ولذلك فاستعارة المنظومة الحداثية الغربية بمصطلحاتها ودلالاتها المشحونة بتاريخها الفلسفي، وبتكوينها الاجتماعي والثقافي وإخراجها من دائرتها الدلالية وإسقاطها في بيئتنا العربية وعلى تراثنا الإسلامي، وعلى ثقافتنا المغايرة، يسبب كثيراً من اللبس والاضطراب والفوضى والعشوائية.

كما أشار الباحث إلى أن الواقع الثقافي العربي والإسلامي يرفض الترف (العلماني/الغنوصي) بل العبث الفكري، يرفض أن تنسحب مظلة الحداثة بمفاهيمها الغربية ومدارسها ومشاريعها وإفرازاتها النقدية على تفسير النصوص الدينية بالذات، لأن ذلك يعني في مفهوم البنيوية أو التفكيك القول باللانص، أو اللعب الحر للغة بمفهوم دريدا.

وبين أن العلمانية العربية تستند في قراءتها للقرآن الكريم على أصلين هما: الغنوصية، والهرمينوطيقا، وكلتاهما تقومان على العلامات والرموز، وتعتبران الرمز أو العلامة دلالة إيحائية يمكن أن تثير فيمن يتعامل معها علامات ودلالات أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية، وهي ما أسماها إمبرتو إيكو "المتاهة الهرمسية اللامتناهية".

وعن مفهوم العلامة والرمز والتناظر بين أنه مدخل أساسي يعتمد عليه الخطاب العلماني في قراءة النصوص والتراثات البشرية عموماً، وهو الجسر الذي يتواصل من خلاله العلمانيون والغنوصيون وقد تجلى ذلك بشكل خاص في البحوث التأويلية والأسطورية التي اشتغل عليها الخطاب العلماني.

مشيرا إلى أن كل الأوهام والتهوسات التي تفوه بها القمني والربيعو وأركون وغيرهم من ربط بين الإسلام من جهة والأساطير والوثنيات القديمة من جهة ثانية قائم على هذه الآلية الهرمسية الغنوصية آلية التناظر المطلق والتماثل العبثي.

الخاتمة:

ختم الباحث بحثه بخاتمة حوت أهم ما توصل إليه من نتائج، ومنها:

- إن نظام اللغة وبالتحديد [ التأويل المنفلت ] هو المبدأ الأساسي الذي تلتقي فيه كلٌّ من الغنوصية والعلمانية، فالأصل في الكلام لديهم أنه رموز وإشارات وإيحاءات تخفي عكس ما تبديه، وتضمر خلاف ما تظهره . فكلتا الطائفتين تعوِّل على التأويل وتَعدُّه الأساس في فهم الكلام .

- وإذا كان الغنوصيون يفهمون النصوص دائماً على أساس أن لها ظاهراً وباطناً فكذلك العلمانيون، ولكن الاختلاف في المصطلحات فقط، فالظاهر عند الغنوصيين هو المعنى عند العلمانيين، أو الجسد، أو البنية أو الشكل، أو القالب حسبما يخطر في بال أحدهم أن يعبر، بينما الباطن عند أولئك يساوي المغزى عند هؤلاء أو الروح، أو المقصد، وفي كلا المنهجين يتم تجاوز سياق النص العام والخاص وسباقه وقرائنه ليصل القارئ إلى مراده من النص، وليس إلى مراد النص منه.

- وإذا كانت المقدمات متساوية فالنتائج كذلك في الغالب، وهو ما نلاحظه في مآل المنهج الغنوصي/العلماني حيث اتجه الفريقان إلى تأويل العقائد الإسلامية والمعجزات والغيبيات والقصص القرآني تأويلاً يلغي حقائقها، وأصبح القرآن الكريم مجموعة طلاسم وألغاز لا يفهمها إلا أهل الغنوص وأهل العلمنة .

- وبالتأكيد فإن هذا التماهي المنهجي التنظيري بين الفريقين والمؤيَّد بجسور عملية تطبيقية اتخذ بُعداً تحالفياً مدعوماً بأعماق شعورية تضامنية مناهضة لسلفية أو سنية أهل السنة والجماعة، هذه الفئة التي عُدَّت لدى الفريقين الغنوصي/العلماني فئة اتباعية سلطوية تكرس الجهل والتخلف والظلم والاستبداد، ولا بد من الخلاص منها– بنظرهم– عن طريق ثورة ثقافية تنويرية تتمثل بدين العقل .

- وقد اتخذت الرغبة الجامحة لدى الفريقين للتخلص من الفهم السلفي أو السني للقرآن الكريم مسلكاً واحداً هو التلفيق المنهجي، والتنميق الخطابي عبر التجوال المتواصل بين فلسفات وخطابات مختلفة شرقية وغربية وانتقاء ما يمكن إسقاطه على نصوص القرآن الكريم من مفاهيم إن لم تلغ المفاهيم السلفية المستقرة فإنها على الأقل سوف تشوش عليها.

وكانت من أبرز هذه المحاولات هي الطعن في مفهوم التخاطب، وتمييع وظيفة اللغة، ورفض فكرة الحقيقة والظاهر، والسعي المستمر إلى تشتيت المعنى إلى درجة تأصُّل اللامعنى، وتمزيق جسد النص إلى أشلاء متناثرة، وبعثرة المصطلحات، وخلط المفاهيم، حتى يصبح من الممكن استخدام أي شيء لأي شيء، وبهذا الشكل فإن حقيقة النص تضيع في وسط الركام، ومقاصده تندثر وراء الأشلاء، وتصبح كلمات النص ومفرداته أشبه بأحجار الشطرنج كلما كان اللاعب ماهراً كلما كان قادراً على تحقيق الفوز.

وهكذا فقد استند الفريقان في هذه اللعبة على قوانين غير ملائمة لبنية النص، ولا مراعية لوظيفته ومهمته، لأنها مستقاة من أصول مختلفة، والقرآن الكريم يلفظها كما يلفظ الجسدُ المعافى عبر مناعته الذاتية الجرثومةَ الغريبة إذا ما أرادت أن تتسلل إلى بنيته.

إنه لمن المؤلم جداً أن نلاحظ الإصرار لدى الحلف العلماني/الغنوصي على جرنا إلى متاهة مظلمة مجهولة باسم التنوير والتحرير في الوقت الذي نرى فيه أمامنا طريقاً مُعبَّداً مُنوَّراً يحتاج منا فقط أن نحثّ الخُطا فيه.

وأخيراً: لا بد أن ألفت النظر إلى أن هذه الدراسة هي دعوة لمتابعة البحث في هذه الزاوية فهناك أبعاد أعمق يمكن اكتشافها، وآفاق أوسع يمكن ارتيادها، وليس هذا المقال إلا نواة لاكتناه الحقل الرمزي والغموضي بشكل عام، والبحث عن الصلات المجدولة بين التيارات الرمزية المختلفة كالأفلوطينية والقبالة اليهودية وأوجه التأثير والتأثر بينها وبين الفكر الإسلامي من جهة وبينها وبين الخطاب العلماني من جهة أخرى.

وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم

والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــ


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:28 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59