ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   الملتقى العام (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=16)
-   -   اغتيال المدن (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=37341)

عبدالناصر محمود 05-29-2016 07:38 AM

اغتيال المدن
 
اغتيال المدن *
ــــــــ

22 / 8 / 1437 هــ
29 / 5 / 2016 م
ـــــــــ









http://www.albayan.co.uk/photoGallar...7/348/banr.png



الجوع والمرض اللذان يقتلان مدينة المساجد وحصن المقاومة العراقية بفعل الحصار منذ أشهر لا يمكن أن يكونا إلا ضمن جريمة الانتقام الأمريكية الإيرانية التي بدأت عقب قتل وسحل أربعة من عناصر شركة «بلاك ووتر» الأمريكية خلال معركة الفلوجة الأولى عام 2003م. في تلك الفترة ذكرت تقارير دولية أن الجيشين الأمريكي والبريطاني دمرا أكثر من 7 آلاف منزل، وإلى يومنا هذا فإن الرعاية الأمريكية حاضرة للمشروع الصفوي الداعشي المشترك لقتل وتهجير أهل الفلوجة وهدم أكثر من 250 مسجداً من مساجد المدينة. مدينة الفلوجة مدينة عسكرية بشهادة التاريخ منذ الخلافة الأموية والعباسية وحتى العثمانية إلى أن كانت آخر مدينة عراقية تصارع الاحتلال الأمريكي وترفض التسليم بوجوده. يبلغ عدد سكانها بحسب إحصاءات الأمم المتحدة عام 2004م قرابة نصف مليون نسمة ويعتمد سكانها على النشاط الزراعي في توفير لقمة عيشهم بسبب حدودها مع نهر الفرات الذي ساهم بشكل كبير في خصوبة أرضها. تعيش فيها قبائل عربية سنية بالإضافة إلى عدد من الأكراد، لكن ظروف الحرب والعدوان الذي استكمله المد الصفوي الشيعي عقب رحيل المحتل الأمريكي ثم تكالب المليشيات الشيعية وتنظيم داعش عليها جعل الكثير من السكان يفرون من المدينة بسبب الحصار المتواصل منذ أشهر. يقول أحد مسؤولي الحشد الشعبي حسين مونس إن أمريكا حاضرة في ملف الفلوجة ونينوى بقوة، وإن التدخل الأمريكي يحاول دائماً إعاقة عمليات الحسم، وإن هناك اتفاقات سياسية أمريكية على ترك طرد داعش من الفلوجة. وفي هذا الملف تفتح البيان طرفاً من خيوط المؤامرة، وتبرز صورة من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، لتقول للعالم أجمع إن اغتيال المدن لن يكسر إرادة الأحرار!



-------------------------
*{م:البيان}
ـــــ

عبدالناصر محمود 05-29-2016 07:48 AM

سياسة اغتيال المدن
ـــــــــــ

(د. عبد الرحمن سلوم الرواشدي)
ــــــــــــــ

22 / 8 / 1437 هــ
29 / 5 / 2016 م
ــــــــــ


http://ichef.bbci.co.uk/news/ws/660/...6_kobane14.jpg














في قصة لا تخلو من عبرة، عن شخص بينما هو يطوف خارج المدينة حتى ابتعد إلى منطقة غير مأهولة، وغير آمنة من وجود السباع، فإذا به يبصر كوخاً وفيه امرأة تبكي، وعندما سألها عن سبب بكائها، قالت: إن السبع افترس ولدها، قال: وأين أبوه؟ قالت افترسته السباع قبل أشهر، وافترست بعض إخوته، قال: فما يبقيك هنا فريسة للسباع؟ قالت: هربنا من ظلم الإنسان في المدينة!
تشكل المدينة أو الديار أحد أركان قيام الدول، مع الرعية والمنعة، وقد يعبر عن هذه الأركان الثلاثة في السياسة المعاصرة؛ بالشعب والإقليم والسلطة ذات السيادة.
قامت السنن الإلهية على إعمار الأرض، قال الله تعالى: {وَإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، وقال تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، قال الطبري: وَجَعَلَكُمْ عُمَّارًا فِيهَا. وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير (13/109): أي جعلكم عامريها، فالسين والتاء للمبالغة كالتي في استبقى واستفاق. ومعنى الإعمار أنهم جعلوا الأرض عامرة بالبناء والغرس والزرع لأن ذلك يعد تعميراً للأرض حتى سمي الحرث عمارة لأن المقصود منه عمر الأرض.
وقد حرص النبي عليه الصلاة والسلام على إيجاد مدينة أو إقليم لدولة الرسالة التي بعثه الله تعالى بها، وحاول في مكة، ولكن زعماءها وأدوا الفكرة قبل ولادتها، وأرسل أصحابه إلى الحبشة، ولكنه وجدها غير مؤهلة لقيام الدولة لأن ملكها لا يستطيع أن يظهر الإسلام الذي اعتنقه، لقوة سلطة الرهبان، وعنده خلاف مع بعض أفراد عائلته وصل إلى حد القتال المسلح، ولوجود علاقات اقتصادية مع قريش، وفكر بالطائف لتكون مدينة الدولة وذهب إليها، ولكنه واجه رفضاً لوجوده فضلاً عن رسالته، ثم توجه بنظره إلى يثرب ليلقى القبول من أهلها؛ لتصبح بعد الهجرة النبوية المدينة المنورة، وأول عاصمة للدولة الإسلامية في عصر النبوة.
ولقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم دولته في المدينة النبوية عقب الهجرة، يقول الدكتور منير البياتي في كتابه النظم الإسلامية (ص225): «مارس عليه الصلاة والسلام الحكم بنفسه، وأصدر من أجل ذلك الصحيفة النبوية لتنظيم شؤون الحكم والإدارة، بما احتوته من بنود ومبادئ مهمة متعلقة بنظام الحكم فكانت الأساس في المرحلة الأولى لنشأة الدولة الإسلامية في حقوق الحاكم وحقوق الرعية وتنظيم المجتمع والدولة».
احتوت هذه الصحيفة - الدستور - كل ما يتعلق بمن فيها من مسلمين ويهود ومشركين ومنافقين، وكانوا يستظلون بالعدل، تحت قاعدة: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، كما جاء في وثيقة المدينة، ولم تشر المصادر إلى نزوح أو هجرة أحد من المدينة نتيجة دخول النبي صلى الله عليه وسلم إليها.
ولم يكن من قواعد القتال التي شرعها الإسلام ما يدعو إلى العمل على تدمير المدن، بل تنقل لنا كتب التاريخ أن المدن التي فتحها المسلمون كانت تتمسك بالحكم الإسلامي وإن لم تكن على دين الإسلام، لما رأته فيه من عدل وإنصاف وإعمار، بل إن دخول المدن عنوة من غير تفاوض على الخيارات الثلاثة (الإسلام أو الحرب أو الجزية) دفع الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى إرسال كتابه مع مستشاره إلى قائد الجيوش الإسلامية بالانسحاب من المدينة وأن يعرض عليهم الخيارات الثلاثة.
دعت النصوص الشرعية إلى وجوب إحياء الموات واستصلاح الأراضي وتعميرها؛ لأن في ذلك مصلحة للفرد والمجتمع، حيث يستفيد الأفراد من زراعة الأرض ومن السكن فيها، تمهيداً لإعمار المدن، وفي هذا الحديث يحث النبي صلى الله عليه وسلم على تعمير الأراضي ويرغب في استصلاحها، وحفز على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ» (رواه البخاري)، وفي رواية: «من أحيا أرضاً فهي له»، قال ابن حجر في فتح الباري (باب من أحيا أرضا مواتاً): «بفتح الميم والواو الخفيفة، قال القزاز: الموات الأرض التي لم تعمر، شبهت العمارة بالحياة، وتعطيلها بفقد الحياة، وإحياء الموات أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم ملك عليها لأحد فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه، سواء كانت فيما قرب من العمران أم بعد، سواء أذن له الإمام في ذلك أم لم يأذن، وهذا قول الجمهور، وعن أبي حنيفة لا بد من إذن الإمام مطلقاً، وعن مالك فيما قرب».
وفي المقابل، حذرت النصوص الشرعية من تغيير منار الأرض بما يتناقض مع أصل خلقتها للإعمار والاستخلاف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من غير منار الأرض»، وفي لفظ له: «لعن الله من سرق منار الأرض» (رواه مسلم)، قال ابن الجوزي: أما منار الأرض: فهي أعلامها التي تضرب على الحدود ليتميز بها الأملاك بين الجارين، فإذا غيرت اختلطت الأملاك، وإنما يقصد مغيرها أن يدخل في أرض جاره، وأدخل بعض العلماء في معنى منار الأرض العلامات التي يُهتدى بها في الطرقات؛ قال ابن هبيرة: وأما تغيير منار الأرض فقد يكون بين الشريكين، فلا يحل لأحد الشريكين أن يقدم الحد ولا يؤخره، وقد يكون أيضاً من الأعلام في الطرق التي يهتدي بها المسافرون، فلا يحل لأحد تغييرها؛ فيؤول إلى إضلال الناس عن طريقهم ومقاصدهم، ومنار الطريق: أعلامها.
ثم تواصل إحياء المدن في دولة الإسلام، أو إعمارها وبث الحياة فيها، وكان نصيب العراق موفوراً بدءاً من الكوفة وانتهاء ببغداد مروراً بالبصرة وواسط.
حياة المدن
يرى مهندسو المدن أنها كالكائنات الحية لها دورة حياة، كما عبر عن ذلك ابن خلدون في مقدمته، فهي تعيش وتموت اغتيالاً أو انتحاراً، ويقول المهندس الفنلندي أليل سارينين في كتابه المدينة: «إن عملية حياة المدن وموتها تتشابه كثيراً مع العملية العضوية إذ لا بد للنبتة أن تكون ضعيفة حين تكون البذرة والتربة ضعيفتين، فالبذرة هنا هي التكوين المعماري الأساسي للمدينة أما التربة فتتمثل بموقف الناس القاطنين فيها ونوع تفاعلهم مع بيئتهم المدنية، وهذان العاملان يكونان مؤثرين ومتأثرين، أي بمعنى أن تصدع المدينة الذي يسبق موت أي مدينة يكون نتاجاً لتردي البنى المعمارية الأساسية ومواقف القاطنين من ذلك التردي الذين سيتأثرون بدورهم مستحيلين إلى سكان عشوائيين يكونون عرضة للتأثر المباشر بالتصدعات والاندثارات المدينية منتجاً ذلك صعوبات جمة في انسيابية الحياة وسهولتها».
هذا في التلاعب السلمي ومن قبل أهلها، فكيف الحال بمن يعتدي على المدن ليغير معالمها أو يغتالها انتقاماً وثأراً، فمما لا شك فيه أن عملية اغتيال المدن تكون أسرع في البلدان التي لا تزال ساحة للحروب والصراعات، إذ لا وقت لديها لحل الأمراض والمشكلات في البناء العمراني، فهي مشغولة مستنفرة بحالة احتراب دائم خارجي وداخلي، حرب خارجية قائمة بين هذه البلدان وأعدائها، وداخلية بين قاطني البلد أنفسهم كونهم مشاريع صراعات صغيرة لأجندات خارجية تشكل بمجموعها فيروسات قاتلة، وفوضى هدامة لا تعطي فرصة للعلاج المنتظم، مما يؤدي إلى انهيار تام لكل أجهزة الدولة ونظم المدينة، كما تتعطل أجهزة الجسد البشري لتؤدي إلى موته ولو سريرياً.
محاولة اغتيال مدننا
من يطالع التاريخ يجد أن المدن التي لها عمق حضاري، ولها مكانة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، تكون هدفاً لأطماع دول الاستعمار والاستدمار، التي تؤمن بالقوة ولا شيء غير القوة فضلاً عن مخزون تاريخي يتغذى على الانتقام والحقد.
لقد تعرضت بغداد لمحاولات اغتيال عدة عبر تاريخها، وكان أشدها في العصور الغابرة عند دخول التتار إليها فعاثوا فيها فساداً، ونخلوا جسدها بطعنات وأورثوها أمراضاً فتاكة، إلا أنها بما تملك من مقومات قوة الحضارة والهوية، استطاعت أن تتعافى حتى أغرت من أراد اغتيالها بحسنها فأعاد إليها شيئاً من اعتبارها.
وفي تاريخنا المعاصر، تعرضت بغداد مرة أخرى لمحاولات انتحار واغتيال، فالانتحار حين قامت القوى السياسية التي حكمت العراق بالعمل على تغيير منار أرض بغداد والتلاعب بالتكوين السكاني لها من أجل تغيير هويتها، فجاء عبد الكريم قاسم بمجموعات كبيرة من جنوب العراق واستوطنهم بغداد.
ثم جاء الاحتلال الأمريكي مصحوباً بنفوذ إيراني، ليعملا معاً على اغتيال بغداد، فكان الاستهداف للبنى التحتية لها، وللموارد البشرية بما فيها الكفاءات العليا والنادرة، واستهداف المساجد التي تمثل القلب النابض لبغداد، ووضع حواجز كونكريتية لتقطيع أوصال المدينة تمهيداً لعرضها في مستشفيات السياسية لبيعها عضواً عضواً، أو إعادتها إلى العصور الحجرية بكل وحشية كما قال وزير الخارجية الأمريكي في عام 1991م.
يقابل ذلك عمل دؤوب لإيران وأذنابها في تولي مهمة التغيير الديمغرافي من خلال شن عمليات قتل وتهجير جماعي واعتقالات منظمة لأهل السنة في العراق، تحت شعار «بغداد بلا سني واحد».
وأما مدينة الفلوجة، فهي اليوم يمارس عليها الموت التدريجي من الداخل والخارج، عقوبة لها على مقاومتها للعدوان الأمريكي، وإنزالها أشد الخسائر البشرية والمادية والمعنوية بالقوات الأمريكية وحتى الرئاسة الأمريكية.
وكلنا يتذكر المأساة التي جرت على مدينة الفلوجة في الحرب الثانية ضدها في رمضان من عام 2004م، وكيف استخدمت القوات الأمريكية جميع أنواع الأسلحة المحرمة المتاحة لها ولاسيما الفسفور الأبيض، كانت إبادة شاملة لكل من كان في المدينة من أهلها، وظلت تربتها تحمل جرعات كبيرة من الموت المسرطن لأهلها ولأجيالها.
وبعد أن تعافت المدينة لأصالتها وقوة معنوياتها التي تغذيها آلاف المساجد ومئات من حفظة كتاب الله وحاملي القيم الأصيلة، هنا تحركت قوى الاستبداد العقدي، والانتقام الطائفي التي تغذيها عقيدة رافضية صفوية لها عقدة مع هذه المدن، لتحاصر مدينة الفلوجة من الداخل والخارج، لا غذاء ولا دواء، ولا دخول ولا خروج ولا ممرات آمنة، مع توجيه ضربات قاتلة من قصف بالمدافع والطائرات لمساجدها ومستشفياتها وأسواقها والبيوت الآمنة، تصحبها وعود للمرجعية في النجف بأنهم سيصلون العيد في الفلوجة.
إننا أمام إبادة جماعية وموت الضمير الإنساني إزاء مشاهد الانتحار للعائلات التي لا تجد ما تقتات عليه. وكلنا من عرب ومسلمين وإنسانيين نتحمل مسؤولية اغتيال مدينة الفلوجة، بالتسبب أو المباشرة أو الإهمال والتقصير.
ولن يتوقف الأمر على اغتيال الفلوجة فقوات من الجيش الحكومي ومليشيات الحشد الطائفي تحاصر بغداد وتطوق مناطق حزام بغداد كـ«الكراغول، وكرطان، والبوعيسى» في ناحية «القصر الأوسط» جنوبي العاصمة بغداد، والطارمية من شمال بغداد، وتفرض عليها حصاراً خانقاً، كما تشن حملات دهم وتفتيش نتج عنها اعتقال العشرات من المواطنين الأبرياء، كل ذلك تمهيداً لاغتيال بغداد.
إذا أردنا إنقاذ الفلوجة وبغداد فعلينا أن ندرج حصار الفلوجة تحت سجل الإبادة الجماعية، وأن تتعقب المحكمة الجنائية الدولية مجرمي الإنسانية، وعلينا أن نعلق عضوية العراق في جامعة الدول العربية، وكذلك عضويته وإيران في منظمة التعاون الإسلامي، وأن يأخذ التحالف الإسلامي دوره في فك الحصار.





---------------------------

عبدالناصر محمود 05-29-2016 07:56 AM

أين بواكي الفلوجة ؟!
 
أين بواكي الفلوجة ؟!
ــــــــــ

(د. مهاب الأنصار)
ــــــــــ


22 / 8 / 1437 هــ
29 / 5 / 2016 م
ـــــــــــ

http://cache.emaratalyoum.com/polopo...mage/image.jpg





تعددت الحرب والنتيجة واحدة، إنها تدمير فلوجة العز، تدمير رمز المقاومة ضد المحتل ورموزه. إنها جريمة ترتكبها الحكومة العراقية الطائفية ومليشياتها منذ أكثر من سنتين على سكان مدينة الفلوجة العراقية، جريمة تجويع وقتل أبنائها بصمت، بسلاح الجوع الذي لا يرحم، وكأن التاريخ يعيد نفسه؛ فقد جرى تجويع أوائل المسلمين ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب ولمدة ثلاث سنوات من قبل مشركي قريش في محاولة لكسر إرادة الإيمان.
يُقتل أبناء الفلوجة اليوم جوعاً من قبل الطائفيين في العراق مدعومين من إيران الصفوية، في محاولة منهم لقتل روح العز في المسلمين السنة، ومحاولة من حكومة طائفية لترويض روح الإباء في نفوس عزيزة تؤثر الموت جوعاً على الانحناء والانبطاح.
إنها جريمة العصر فماذا تفعلون أيها الصامتون؟!
إن جريمة تجويع الفلوجة هدف مرحلي من أهداف إستراتيجية للأعداء، فهدفهم إنهاء وجود الإسلام السني في أرض الرافدين وجعل سيادة الحكم لحكومة شيعية تأتمر بولاية الفقيه.
مع لمحة بسيطة لتسلسل الأحداث يتضح الهدف الإستراتيجي للأعداء، فمنذ تساقط الحكومة الطائفية في محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالي والأجزاء الشمالية من بابل تم إطلاق يد المليشيات الشيعية تحت مسمى الحشد الشعبي بحجة مقاتلة تنظيم الدولة، وتخريب المدن السنية وحرقها والتنكيل بأبنائها، ووصولاً إلى حصار تلك المدن وتجويعها. فلم يكن الهدف الحقيقي مقاتلة الجماعات المسلحة وإرجاع الأمن لتك المدن إنما الهدف هو إنهاء الوجود السني في تلك المحافظات وعبر عدة وسائل وطرق هي في حقيقتها وسائل إبادة جماعية بحسب القانون الدولي، ومن هذه الوسائل:
أولاً: تم ارتكاب جرائم منظمة من قبيل حرق وتدمير المدن السنية ومرتكزاتها الاقتصادية وسرقة ممتلكاتها التي يمكن أن تكون في يوم ما - إذا ما أقر النظام الدولي إقامة أقاليم حكم في العراق - مرتكزات قوة لتلك الأقاليم، ففي محافظة صلاح الدين تم تدمير المشاريع الاقتصادية التي تعد مرتكزات قوة لتلك المدن، وقد شهد العالم كيف تم سرقة ممتلكات مصفى بيجي الذي يعد من أكبر مصافي النفط في العراق بواقع إنتاج 750 ألف برميل يومياً من مشتقات النفط المتنوعة، ومحاولة نقل معداته إلى مناطق في جنوب العراق بدعوى عدم استطاعة تشغيله في موقعه الأصلي بسبب فقدان الأمن، ومن المعلوم أن ذلك المصفى يبلغ عدد العاملين فيه من فنيين وعمال 20 ألفاً، ومن ثم هناك 20 ألف عائلة تعتاش على ذلك المصفى، إن ذلك بعبارة أخرى هو إفقار لتلك العائلات.
ثانياً: تهجير تجمعات كاملة في تلك المحافظات وعدم إرجاعهم إلى مدنهم في محاولة من الحكومة لإحداث تغييرات ديمغرافية تكون في صالح الحكم الشيعي، ومن ثم إنهاء الوجود السني في مناطق إستراتيجية ومهمة في صراع الوجود المقبل، والعمل على تغييرات في موازين القوى، فمدن كثيرة لم يتم إرجاع سكانها برغم تحسن الأمن في تلك المناطق، كمدن سلمان بيك ويثرب والمزاريع وعزيز بلد في محافظة صلاح الدين وبلدة جرف الصخر في بابل وبعض المناطق في محيط بغداد، والتي كانت تعتبر إلى فترة قريبة مناطق سنية تكوّن منطقة حزام بغداد. ولذلك لإدراك الحكومة الطائفية ومليشياتها لأهمية تلك المناطق في صراع الوجود، حتى جرى تغيير أسماء بعض هذه المدن، كتغيير اسم مدينة جرف الصخر وهي تسمية ذات دلالة تاريخية ليكون اسمها جرف النصر، بمعنى النصر الشيعي على السنة.
ثالثاً: تفريغ أبناء هذه المناطق بقتلهم أو اعتقالهم أو تهجيرهم وهم بالآلاف، وقد أشارت عدة منظمات دولية لعمليات الاعتقال الجماعي والقتل خارج إطار الشرعية القانونية المزعومة لديهم، حيث أفاضت منظمة هيومان رايتس ووتش في عدة تقارير لها عن حالات الاعتقال والقتل الجماعي ضد أبناء المناطق السنية، كما زخرت مواقع التواصل الاجتماعي بمئات الأفلام التي تظهر المليشيات الشيعية تقوم بعمليات الاعتقال والقتل الجماعي، وإبراز بعض القتلة وهم يقومون بهذه الأعمال كالمدعو «أبو عزرائيل» مع ذكر كلمات طائفية يدعو فيها إلى قتل السنة، وجرائم المليشيات في مدينة المقدادية العراقية وقتل سكانها وحرق البيوت عليهم ليست ببعيدة عن الإعلام أو المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان.
رابعاً: آخر هذه الوسائل هي جريمة التجويع.
لماذا الفلوجة؟ لأنها مركز قوة السنة وراية انتصارهم، فيحاولون كسر إرادتها عن طريق تجويعها واستسلامها، من ثم فإن مسؤولية إنهاء حصار الفلوجة وإيقاف تجويعها مسؤولية جماعية يجب على العالم ألا يصمت تجاهها، وعلى الشعوب العربية فضح الأساليب غير الإنسانية للحكومات الشيعية تجاه الفلوجة وسكانها، إنها إبادة جماعية للبشر فيها يحاسب عليها القانون الدولي.
إن إيقاف جريمة التجويع في مدينة الفلوجة مسؤولية مهمة تقع على عاتق الحكومات العربية من خلال تفعيل الأساليب القانونية والسياسية والاجتماعية لإيقاف تلك الجريمة، وتفعيل دور الجامعة العربية والمنظمات الإقليمية والدولية المختلفة، والدعوة والعمل لإيقاف تلك الأعمال التي يعدها القانون الدولي والإنساني جرائم تصل إلى حد الإبادة البشرية، بل والعمل على محاكمة مرتكبي تلك الجرائم سواء من ارتكبها أو من دعا لها ونظر لها دينياً أو سياسياً أو إعلامياً.
إن الإدراك الحقيقي لهدف تلك الجريمة يجب أن يرتكز على أولويات عمل سليمة، فتلك الجريمة ترتبط بمشروع صفوي على مستوى الإقليم يهدف إلى إنهاء وجود الإسلام السني في العراق، ومن ثم جعله بوابة على بقية الدول العربية ولاسيما في دول الشام والخليج العربي، فلا يمكن اعتبار جريمة التجويع في الفلوجة بمعزل عن طبيعة المشروع الطائفي بقيادة إيران في المنطقة العربية، فمع بداية التمكين للحكم الشيعي في العراق بعد احتلاله عام 2003م بدأت سلسلة أخرى من تمكين الحكم الشيعي الموالي لإيران في سوريا ودعم النظام السوري ضد الثورة الشعبية في الشام، حيث ما زالت الأزمة السورية ومنذ أكثر من خمسة أعوام تراوح مكانها، وبرغم وحشية النظام السوري فلا يزال العالم صامتاً أمام الجرائم التي يرتكبها تجاه شعبه من خلال ممارسة سياسة الأرض المحروقة وإلقاء براميل الموت المتفجرة، وفي لبنان من خلال السيطرة الفعلية لحزب الله وحليفه حركة أمل على مقاليد الحكم السياسية والأمنية وإبعاد الأكثرية السنية عن الحكم في لبنان وعدم انتخاب رئيس للبنان منذ أكثر من عامين، وما ذلك إلا وسيلة من وسائل السيطرة على الحكم برغم بقاء منصب رئيس الوزراء اللبناني للطائفة السنية كما يقرر ذلك الدستور اللبناني، لكن في حقيقية الأمر إن قبضة السلطة السياسية والأمنية هي في يد حزب الله. وفي إطار المشروع الطائفي في المنطقة فإنه لا يخفي تدخلاته بإرسال المقاتلين إلى سوريا أو العراق بحجة محاربة الجماعات الإرهابية في تلك الدول، برغم أن هذا يعد خرقاً لسيادة دولة أخرى وهو أمر منافٍ لأوضح قواعد القانون الدولي.
وليس ببعيد عن لبنان، ومن أجل استكمال المشروع الطائفي في المنطقة العربية بقيادة إيران، بدأ المشروع الطائفي بالصفحة اليمنية من خلال تمكين حركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) بالتعاون مع مليشيات الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح بالانقلاب على الحكم الشرعي في اليمن والمتمثل بالحكومة اليمنية، والسيطرة على العاصمة اليمنية بعد السيطرة على عدة مدن أخرى، ومحاولة إلغاء آليات الحكم في الدولة اليمنية، وبروز عبد الملك الحوثي كأنه ممثل و**** للوالي الفقيه في إيران في خطاب طائفي وبنفس أسلوب نصر الله في لبنان، وتضيق الخناق على الحدود الجنوبية للدول الخليجية؛ ما جعل الدول الخليجية تستشعر الخطر اليمني قبل الخطر في العراق أو سوريا.
كل هذه الأحداث تدفعنا إلى القول بأن ممارسات الحكومة الطائفية في العراق وتجويع المدن السنية وفي مقدمتها مدينة الفلوجة ما هي إلا سلسلة ضمن مشروع أكبر لتمكين الحكم الشيعي في المنطقة العربية.
إن الواجب يحتم علينا كشف وفضح جريمة التجويع في الفلوجة من خلال عدة وسائل قانونية وسياسية وإعلامية؛ فقانونياً يمكن تقديم الأدلة على جريمة التجويع التي تعد من جرائم الإبادة، وهناك عدة منظمات دولية وإقليمية لحقوق الإنسان تمتلك الوثائق على ذلك، فيجب تقديمها إلى المحاكم الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومحاكمة الداعين لتلك الجريمة، وهناك حالات مماثلة في القضاء الدولي وقد تم اتخاذ القرارات الدولية بشأنها.
وسياسياً من خلال تفعيل آليات الضغط السياسي على الحكومة العراقية وعدم التعامل السياسي والدبلوماسي معها، والضغط عليها في المحافل الدولية، وتدويل قضية الفلوجة وغيرها من المدن السنية في العراق التي تتعرض للإبادة الجماعية سواء من خلال سياسة التجويع أو القتل أو التدمير كما حدث في مدن جرف الصخر والمقدادية وسليمان بيك وتكريت وغيرها من المدن السنية.
أما إعلامياً، فمن خلال فضح تلك الأساليب المنافية لأبسط قواعد القانون الإنساني الدولي من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وجعلها قضية رأي عام دولي، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وبعدة لغات لفضح تلك الممارسات المنافية للأديان السماوية والأعراف والقواعد الدولية، والتركيز فيها على البعد الإنساني لقضية التجويع في الفلوجة، وكذلك إبرازها من ناحية قانونية.
ولا شك أن في مقدمة تلك الوسائل كلمة الحق التي لا بد أن يصدع بها علماء الأمة الإسلامية، وفضح أساليب تلك الجريمة ضد مدينة الفلوجة وسكانها ولاسيما النساء والأطفال والشيوخ الذين أصبح قتلهم بالتجويع ممارسة يومية من قبل الحكومة الطائفية في العراق.
إن لسان حال الفلوجيين يقول لا تجعلونا نُقتل بصمتكم يا علماء الأمة لا تجعلونا نجوع ونأكل أوراق الشجر والميتة بسكوتكم!
فيا علماء الأمة انهضوا لقول الحق ولمناصرة المظلومين ولا تجعلوا جريمة تجويع الفلوجة وغيرها من المدن العراقية تمر مرور الكرام، فمع كل صرخة طفل يتضور جوعاً هناك سؤال لكم: ماذا فعلتم؟!
مع كل دعاء امرأة حرة ترى أطفالها يموتون جوعاً هناك سؤال يقول لكم: أين صوتكم؟ أين صوت الحق الذي تصدحون به؟ فهناك مئات من كلمات وامعتصماه تناديكم وتنادي النخوة فيكم!



--------------------------

عبدالناصر محمود 05-29-2016 08:04 AM

حصار الفلوجة بين أيدولوجية العقلية المجوسية والحقد الصفوي
 
حصار الفلوجة بين أيدولوجية العقلية المجوسية والحقد الصفوي
ــــــــــــــــــــــــــــــ

(عثمان الأمين)
ـــــــــ

22 / 8 / 1437 هــ

29 / 5 / 2016 م
ــــــــــ


http://www.kaldaya.net/2016/News/02/20_A3_7.jpg




تعتبر موضوعات حصار المدن التاريخية ذات أبعاد سينمائية أو درامية تارة، وأدبية قصصية تارة أخرى، ويصور فيها المنتصر وحنكته العسكرية وقدرته على خداع عدوه وهو يرقص على أشلاء سكان المدن الآمنين طلباً للسلطة!
إن أول ما شد انتباهي، وأنا أبحث عن العمق التاريخي لأيديولوجية العقلية الإيرانية ونظرتها في حصار المدن العراقية هو قصة البطل التاريخي كورش الميدي، التي ملأت الأدبيات التاريخية بالأسلوب الدرامي المشوق عن بطولاته ومنجزاته، حيث تصوره بصورة المنتصر الذي لا يقهر. وباختصار لمن لا يعرف كورش فهو ابن الملك كمبوجيه أحد حكام بلاد إيران في التاريخ القديم، غزا اليونان بلاده وقتلوا الملك كمبوجيه والد كورش، وكان عمر كورش آنذاك لا يتجاوز السنة الواحدة، فهربت به أمه إلى الملك البابلي شلمنصر وساعدها على طرد اليونانيين واسترجاع المملكة الميدية، وأعاد والدة كورش إلى عرش زوجها المقتول، فطلبت والدة كورش من الملك البابلي شلمنصر أن يشرف على تربية ولدها كورش كي يصبح كالملك شلمنصر في الشجاعة والمروءة حينما يتولى حكم بلاده عندما يكبر، وفعلاً تربى كورش في أحضان المملكة البابلية وبلغ من الفروسية والذكاء ما يؤهله ليتولى عرش أبيه كمبوجيه بعد أن أبلغه الملك البابلي بقصة مقتل أبيه بالكامل، والتي أخفيت عن كورش تلك السنين كي لا تؤثر بشكل سلبي على شخصيته كحاكم للبلاد، وفعلاً تولى كورش عرش أبيه وبدأت حملاته وطموحاته العسكرية في توسيع أطراف مملكته، وبدأت الأدبيات التاريخية بالكتابة عن انتصاراته وعن إمكانيته إسقاط المملكة البابلية التي كانت تعتبر أعجوبة الزمان في تحصيناتها العسكرية، فعمد كورش إلى تحالف ثلاثي يمكن من خلاله احتلال العاصمة بابل ضم كلاً من: اليونانيين على أن يأخذوا أموال المدينة وينسحبوا، واليهود على أن يعودوا إلى ديارهم محملين بأموال أسيادهم من البابليين، وكورش الذي يحتفظ بالأرض لنفسه. وحوصرت العاصمة بابل ما يزيد على السنة في بعض المصادر، وقطع عنها الطعام وجففت قنوات الماء حتى ذاقت بابل وملكها شلمنصر وهو في العقد التاسع من عمره ويلات الجوع والعطش، واستسلمت المدينة أملاً بالعفو والصفح من ربيبها كورش، لكنها أمست أثراً بعد عين حيث قتل شلمنصر الملك البابلي وأولاده، وسبيت المدينة وهجر أهلها، وصور هيرودوتس المؤرخ اليوناني الحادثة على أنها ضرب من الخيال؛ إذ كيف يمكن لمدينة بهذه العظمة أن تباد في أيام قلائل؟! فكانت هذه القصة أحد مظاهر مرتكزات العقلية الفارسية في التعامل مع جيرانهم العراقيين من عام 539 ق.م.
نعرج سريعاً على حادثة سقوط الخلافة العباسية والاحتلال المغولي لبغداد، تلك المؤامرة التي قادها ابن العلقمي الفارسي مولى بني أسد بالتحالف مع النصير الطوسي، وهولاكو سفاح عصره، والحادثة أشهر من أن تعرف، وبالرغم من اختلاف المؤرخين في ذكر عدد القتلى إلا أنهم اتفقوا على مئات آلاف البغداديين، وذلك في عام 1258م.
أما حادثة حصار نادر شاه لمدينة بغداد عام 1733م فقد ذهب ضحيتها مائة ألف عربي سني، ماتوا جوعاً بسبب الحصار الخانق الذي فرضه نادر شاه، علماً أن التعداد الكلي للمدينة كان حينئذ لا يتجاوز 150 ألف نسمة، وكان أكثر ما يخشاه والي بغداد أحمد باشا على المدينة هو الطابور الخامس الذي كانت تمثله الجالية الإيرانية العاملة في الأسواق يضاف إليهم أهالي قرية الكاظمية، كما كان يصرح بذلك الوالي أحمد.
ثم أعرج على ذكر حصار الحاكم الفارسي كريم خان الزند لمدينة البصرة رافعاً شعاراته الطائفية والتي لا تختلف عن شعاراتهم اليوم وهي حماية المراقد المقدسة في البصرة؟! وبعد حصار طويل ثم خيانة شيعة البصرة لأهل المدينة، والذين عرفهم الرحالة الإنجليزي جيمس بكنغهام والضابط لونكريك بأنهم - أي شيعة البصرة - فرس الطباع والعقول، ليفتحوا الأبواب ويذهب ضحيتها 12 ألف مقاتل من فرسان قبائل المنتفق التي أخذت على عاتقها حماية المدينة بعد تخلي السلطة العثمانية عن حمايتها.
وما احتلال بغداد بالأمس القريب عنا ببعيد، فقد اجتمع في احتلالها كل من كورش وهولاكو ونادر شاه وكريم خان الزند بالتعاون مع يهود بابل واليونانيين وابن العلقمي وشيعة البصرة وقرية الكاظمية، فهل يعيد التاريخ نفسه، أم أنها سنن وقوانين؟ وهل استقرأنا التاريخ أم استظرفناه؟!
النتائج:
- تعتبر العقلية الفارسية وما تدين به من دين سواء كان مجوسياً أم شيعياً عقلية وصولية تعتمد على تحالفات الأضداد للوصول إلى مبتغاها التوسعي الاستدماري بعيداً عن القيم الإنسانية والالتزامات الأخلاقية التي فطرت عليها النفس البشرية، ومثال ذلك كورش في رده لجميل ملك بابل شلمنصر، وابن العلقمي مع الخليفة العباسي.
- اعتماد سياسة الإبادة بكل طرقها سواء بالقتل أم بالتجويع أم بالحصار المدمر لكل البنى التحتية للمدن كما حصل لنادر شاه، ففضلاً عن حصاره لمدينة بغداد والموصل فقد خلف دماراً بالمزارع التي تحيط بها وتهجيراً لسكانها وإبادة بسبب الحصار التجويعي حيث قضى على أكثر من ثلثي أهل المدن المحاصرة.
- لم يتمكن الفرس أبداً ولم يحفظ لنا التاريخ أبداً احتلالاً فارسياً لأراضٍ عراقية إلا ويذكر معه دور الخيانة لمطايا الفرس ممن سكنوا أرض الرافدين، كسكنة قرية الكاظمية الذين وصفهم الرحالة الإنجليز بأنهم فرس الطباع يكرهون أهل بغداد من العرب السنة ولا يجاورنهم، ويضعون في أهل السنة السيف إن كانت لهم النوبة، أي في أيام الاجتياح الفارسي كما حدث أيام عباس الصفوي.
أما عن الفلوجة الصابرة، مدينة المساجد والعلم، فقد تعودت على أن يكون لها الكلمة العليا في الجهاد والعطاء لمقارعة المحتل:
- ففي عام 1920م وفي خضم أحداث ثورة العشرين، لم تتوقف ثورتها إلا بعد تتويج الملك فيصل ملكاً على العراق، على الرغم من توقيع الاستسلام من قبل آيات النجف بعد شهرين أو ثلاث من قيام الثورة، ورفض عشائر الفرات الأوسط تقديم المساعدة لأهل الفلوجة بقولهم: «إنهم - أي أهل الفلوجة - ليسوا منا»! علماً أن ثوار الفلوجة كانوا قد أمدوا عشائر الفرات الأوسط بعشرات آلاف الروبيات الذهبية لشراء السلاح للوقوف بوجه الجيش البريطاني المحتل.
- في عام 1941م وبرغم دخول القوات البريطانية بغداد وما يعرف حينها بالاحتلال البريطاني الثاني للعراق بسبب ثورة الكيلاني إلا أن الفلوجة بقيت آخر معاقل الثوار وكادت أن يسقط مطار الحبانية بأيدي ثوارها لولا خيانات القبائل الشيعية في جنوب العراق وسماحهم للقوات البريطانية بالتمركز على أراضيهم واستخدامها ومساهمتهم في حصار التجويع الذي لعب دوراً مهماً في استسلام المدينة.
- ما بعد عام 2003م شكلت مدينة الفلوجة مادة خصبة للحقد الصفوي الشيعي الأمريكي بسبب خروجها المستمر على الإجماع الخياني للعراق، الأمر الذي يعقبه حصار خانق ومواجهات عسكرية يلعب فيها الشيعة أخس أدوارهم في الغدر، ففي الفلوجة الأولى كان ما يعرف بالحرس الوطني الدرع الحصينة التي تصد رصاصات الجهاد الفلوجي دون جنود الاحتلال الأمريكي، وقد باؤوا بالخسران المبين. ثم كانت الفلوجة الثانية والتي لعبت فيه المليشيات الشيعية الدور الأبرز في محاصرة المدينة اقتصادياً وخطف أبناء الفلوجة الفارين من جحيم المواجهة، وضيق الخناق على أبناء الفلوجة حتى في الدوائر الحكومية في العاصمة بغداد، حتى انتهى الحصار الأمريكي بالقنابل الفسفورية التي أحرقت الأخضر واليابس وما زالت تقارير الصحة العالمية تخفي آثارها إلى اليوم.
واليوم وفي عام 2016م، يصرح كورش مع تحالفه الدولي بأنه من الأفضل أن تضرب مدينة الفلوجة بالسلاح الكيماوي لتتم إبادتها عن بكرة أبيها، وهو الذي تباكى على أبناء حلبجة الذين أبيدوا بالكيماوي الصدامي المحرم وليس الكيماوي الخميني المحلل! ويصرح طوسيهم بأنه من الأحسن أن يتم اقتحام المدينة بشكل سريع وتباد وعلى وجه السرعة كي لا يثير ذلك لهم ضجة إعلامية! أما ابن العلقمي فهو ومن باب المسؤولية التي وضعت على عاتقه كوزير للخليفة يعتقد أنه من الواجب الحفاظ على السيادة العراقية وعدم السماح للتحالف العربي والإسلامي بتقديم المساعدة لإجلاء سكان المدينة لأنه يعد انتهاكاً لحرمة الأراضي العراقية المنتهكة أصلاً من قبل تحالف هولاكو الدولي بمعية الخميني صاحب مقولة: «إن العراق ليس مسلماً». وأختم مقالتي بقول للإمام علي بن أبي طالب يوم أيقن بخيانة أتباعه له ودنو أجله حيث قال: «قتلت يوم قتل عثمان».



-------------------------

عبدالناصر محمود 05-29-2016 08:04 AM

حصار الفلوجة بين أيدولوجية العقلية المجوسية والحقد الصفوي
 
حصار الفلوجة بين أيدولوجية العقلية المجوسية والحقد الصفوي
ــــــــــــــــــــــــــــــ

(عثمان الأمين)
ـــــــــ

22 / 8 / 1437 هــ

29 / 5 / 2016 م
ــــــــــ


http://www.kaldaya.net/2016/News/02/20_A3_7.jpg




تعتبر موضوعات حصار المدن التاريخية ذات أبعاد سينمائية أو درامية تارة، وأدبية قصصية تارة أخرى، ويصور فيها المنتصر وحنكته العسكرية وقدرته على خداع عدوه وهو يرقص على أشلاء سكان المدن الآمنين طلباً للسلطة!
إن أول ما شد انتباهي، وأنا أبحث عن العمق التاريخي لأيديولوجية العقلية الإيرانية ونظرتها في حصار المدن العراقية هو قصة البطل التاريخي كورش الميدي، التي ملأت الأدبيات التاريخية بالأسلوب الدرامي المشوق عن بطولاته ومنجزاته، حيث تصوره بصورة المنتصر الذي لا يقهر. وباختصار لمن لا يعرف كورش فهو ابن الملك كمبوجيه أحد حكام بلاد إيران في التاريخ القديم، غزا اليونان بلاده وقتلوا الملك كمبوجيه والد كورش، وكان عمر كورش آنذاك لا يتجاوز السنة الواحدة، فهربت به أمه إلى الملك البابلي شلمنصر وساعدها على طرد اليونانيين واسترجاع المملكة الميدية، وأعاد والدة كورش إلى عرش زوجها المقتول، فطلبت والدة كورش من الملك البابلي شلمنصر أن يشرف على تربية ولدها كورش كي يصبح كالملك شلمنصر في الشجاعة والمروءة حينما يتولى حكم بلاده عندما يكبر، وفعلاً تربى كورش في أحضان المملكة البابلية وبلغ من الفروسية والذكاء ما يؤهله ليتولى عرش أبيه كمبوجيه بعد أن أبلغه الملك البابلي بقصة مقتل أبيه بالكامل، والتي أخفيت عن كورش تلك السنين كي لا تؤثر بشكل سلبي على شخصيته كحاكم للبلاد، وفعلاً تولى كورش عرش أبيه وبدأت حملاته وطموحاته العسكرية في توسيع أطراف مملكته، وبدأت الأدبيات التاريخية بالكتابة عن انتصاراته وعن إمكانيته إسقاط المملكة البابلية التي كانت تعتبر أعجوبة الزمان في تحصيناتها العسكرية، فعمد كورش إلى تحالف ثلاثي يمكن من خلاله احتلال العاصمة بابل ضم كلاً من: اليونانيين على أن يأخذوا أموال المدينة وينسحبوا، واليهود على أن يعودوا إلى ديارهم محملين بأموال أسيادهم من البابليين، وكورش الذي يحتفظ بالأرض لنفسه. وحوصرت العاصمة بابل ما يزيد على السنة في بعض المصادر، وقطع عنها الطعام وجففت قنوات الماء حتى ذاقت بابل وملكها شلمنصر وهو في العقد التاسع من عمره ويلات الجوع والعطش، واستسلمت المدينة أملاً بالعفو والصفح من ربيبها كورش، لكنها أمست أثراً بعد عين حيث قتل شلمنصر الملك البابلي وأولاده، وسبيت المدينة وهجر أهلها، وصور هيرودوتس المؤرخ اليوناني الحادثة على أنها ضرب من الخيال؛ إذ كيف يمكن لمدينة بهذه العظمة أن تباد في أيام قلائل؟! فكانت هذه القصة أحد مظاهر مرتكزات العقلية الفارسية في التعامل مع جيرانهم العراقيين من عام 539 ق.م.
نعرج سريعاً على حادثة سقوط الخلافة العباسية والاحتلال المغولي لبغداد، تلك المؤامرة التي قادها ابن العلقمي الفارسي مولى بني أسد بالتحالف مع النصير الطوسي، وهولاكو سفاح عصره، والحادثة أشهر من أن تعرف، وبالرغم من اختلاف المؤرخين في ذكر عدد القتلى إلا أنهم اتفقوا على مئات آلاف البغداديين، وذلك في عام 1258م.
أما حادثة حصار نادر شاه لمدينة بغداد عام 1733م فقد ذهب ضحيتها مائة ألف عربي سني، ماتوا جوعاً بسبب الحصار الخانق الذي فرضه نادر شاه، علماً أن التعداد الكلي للمدينة كان حينئذ لا يتجاوز 150 ألف نسمة، وكان أكثر ما يخشاه والي بغداد أحمد باشا على المدينة هو الطابور الخامس الذي كانت تمثله الجالية الإيرانية العاملة في الأسواق يضاف إليهم أهالي قرية الكاظمية، كما كان يصرح بذلك الوالي أحمد.
ثم أعرج على ذكر حصار الحاكم الفارسي كريم خان الزند لمدينة البصرة رافعاً شعاراته الطائفية والتي لا تختلف عن شعاراتهم اليوم وهي حماية المراقد المقدسة في البصرة؟! وبعد حصار طويل ثم خيانة شيعة البصرة لأهل المدينة، والذين عرفهم الرحالة الإنجليزي جيمس بكنغهام والضابط لونكريك بأنهم - أي شيعة البصرة - فرس الطباع والعقول، ليفتحوا الأبواب ويذهب ضحيتها 12 ألف مقاتل من فرسان قبائل المنتفق التي أخذت على عاتقها حماية المدينة بعد تخلي السلطة العثمانية عن حمايتها.
وما احتلال بغداد بالأمس القريب عنا ببعيد، فقد اجتمع في احتلالها كل من كورش وهولاكو ونادر شاه وكريم خان الزند بالتعاون مع يهود بابل واليونانيين وابن العلقمي وشيعة البصرة وقرية الكاظمية، فهل يعيد التاريخ نفسه، أم أنها سنن وقوانين؟ وهل استقرأنا التاريخ أم استظرفناه؟!
النتائج:
- تعتبر العقلية الفارسية وما تدين به من دين سواء كان مجوسياً أم شيعياً عقلية وصولية تعتمد على تحالفات الأضداد للوصول إلى مبتغاها التوسعي الاستدماري بعيداً عن القيم الإنسانية والالتزامات الأخلاقية التي فطرت عليها النفس البشرية، ومثال ذلك كورش في رده لجميل ملك بابل شلمنصر، وابن العلقمي مع الخليفة العباسي.
- اعتماد سياسة الإبادة بكل طرقها سواء بالقتل أم بالتجويع أم بالحصار المدمر لكل البنى التحتية للمدن كما حصل لنادر شاه، ففضلاً عن حصاره لمدينة بغداد والموصل فقد خلف دماراً بالمزارع التي تحيط بها وتهجيراً لسكانها وإبادة بسبب الحصار التجويعي حيث قضى على أكثر من ثلثي أهل المدن المحاصرة.
- لم يتمكن الفرس أبداً ولم يحفظ لنا التاريخ أبداً احتلالاً فارسياً لأراضٍ عراقية إلا ويذكر معه دور الخيانة لمطايا الفرس ممن سكنوا أرض الرافدين، كسكنة قرية الكاظمية الذين وصفهم الرحالة الإنجليز بأنهم فرس الطباع يكرهون أهل بغداد من العرب السنة ولا يجاورنهم، ويضعون في أهل السنة السيف إن كانت لهم النوبة، أي في أيام الاجتياح الفارسي كما حدث أيام عباس الصفوي.
أما عن الفلوجة الصابرة، مدينة المساجد والعلم، فقد تعودت على أن يكون لها الكلمة العليا في الجهاد والعطاء لمقارعة المحتل:
- ففي عام 1920م وفي خضم أحداث ثورة العشرين، لم تتوقف ثورتها إلا بعد تتويج الملك فيصل ملكاً على العراق، على الرغم من توقيع الاستسلام من قبل آيات النجف بعد شهرين أو ثلاث من قيام الثورة، ورفض عشائر الفرات الأوسط تقديم المساعدة لأهل الفلوجة بقولهم: «إنهم - أي أهل الفلوجة - ليسوا منا»! علماً أن ثوار الفلوجة كانوا قد أمدوا عشائر الفرات الأوسط بعشرات آلاف الروبيات الذهبية لشراء السلاح للوقوف بوجه الجيش البريطاني المحتل.
- في عام 1941م وبرغم دخول القوات البريطانية بغداد وما يعرف حينها بالاحتلال البريطاني الثاني للعراق بسبب ثورة الكيلاني إلا أن الفلوجة بقيت آخر معاقل الثوار وكادت أن يسقط مطار الحبانية بأيدي ثوارها لولا خيانات القبائل الشيعية في جنوب العراق وسماحهم للقوات البريطانية بالتمركز على أراضيهم واستخدامها ومساهمتهم في حصار التجويع الذي لعب دوراً مهماً في استسلام المدينة.
- ما بعد عام 2003م شكلت مدينة الفلوجة مادة خصبة للحقد الصفوي الشيعي الأمريكي بسبب خروجها المستمر على الإجماع الخياني للعراق، الأمر الذي يعقبه حصار خانق ومواجهات عسكرية يلعب فيها الشيعة أخس أدوارهم في الغدر، ففي الفلوجة الأولى كان ما يعرف بالحرس الوطني الدرع الحصينة التي تصد رصاصات الجهاد الفلوجي دون جنود الاحتلال الأمريكي، وقد باؤوا بالخسران المبين. ثم كانت الفلوجة الثانية والتي لعبت فيه المليشيات الشيعية الدور الأبرز في محاصرة المدينة اقتصادياً وخطف أبناء الفلوجة الفارين من جحيم المواجهة، وضيق الخناق على أبناء الفلوجة حتى في الدوائر الحكومية في العاصمة بغداد، حتى انتهى الحصار الأمريكي بالقنابل الفسفورية التي أحرقت الأخضر واليابس وما زالت تقارير الصحة العالمية تخفي آثارها إلى اليوم.
واليوم وفي عام 2016م، يصرح كورش مع تحالفه الدولي بأنه من الأفضل أن تضرب مدينة الفلوجة بالسلاح الكيماوي لتتم إبادتها عن بكرة أبيها، وهو الذي تباكى على أبناء حلبجة الذين أبيدوا بالكيماوي الصدامي المحرم وليس الكيماوي الخميني المحلل! ويصرح طوسيهم بأنه من الأحسن أن يتم اقتحام المدينة بشكل سريع وتباد وعلى وجه السرعة كي لا يثير ذلك لهم ضجة إعلامية! أما ابن العلقمي فهو ومن باب المسؤولية التي وضعت على عاتقه كوزير للخليفة يعتقد أنه من الواجب الحفاظ على السيادة العراقية وعدم السماح للتحالف العربي والإسلامي بتقديم المساعدة لإجلاء سكان المدينة لأنه يعد انتهاكاً لحرمة الأراضي العراقية المنتهكة أصلاً من قبل تحالف هولاكو الدولي بمعية الخميني صاحب مقولة: «إن العراق ليس مسلماً». وأختم مقالتي بقول للإمام علي بن أبي طالب يوم أيقن بخيانة أتباعه له ودنو أجله حيث قال: «قتلت يوم قتل عثمان».



-------------------------

عبدالناصر محمود 05-29-2016 08:12 AM

بصمتكم تجوع وتذبح مدننا !
 
بصمتكم تجوع وتذبح مدننا !
ـــــــــــــ

(أنس المندلاوي)
ــــــــــ

22 / 8 / 1437 هــ
29 / 5 / 2016 م
ـــــــــ

http://www.almasalah.com/MediaStorag...ges/44817.jpg?



في ظل البحث عن المصالح أصبح البحث عن أفضل الحلول وإيجاد الذرائع هو لنيل رضا من توجه له الإدانة أو الاستنكار على أفعاله أو شجب جرائمه. ومع هذا فقد بدأ التغافل حتى عن الاستنكار والشجب، والالتزام بالإدانة وفي أضيق الحدود، وذلك عندما تكون أنهار الدماء قد وصلت لحد قد أفزعت ضمير من لا ضمير له، في هذه الحالة فقط يسمح أن تطلق الإدانات! نعم حتى الإدانة لا تطلق إلا بموافقة من بيده الأمر والنهي، وهذه ليست بفلسفة ولا سفسطة إنما هي حقيقة تمر على دمائنا، وإلا كيف نفسر صمت من يدعون أنهم ولاة أمرنا ويتحكمون بمصيرنا، هم وليس غيرهم من يفترض أن يتحكموا بنا؟! ولكن ولأننا لم نوليهم علينا وإن تولوا فليس برضا؛ كانت شرعيتهم لمن ولاهم علينا بعد أن استضعفنا وكممت أصواتنا؛ فهانت دماؤنا عليهم، لأنهم لا يرون لنا الفضل في توليتهم، فأصبحوا لا يتجرؤون حتى على التنديد لولي نعمتهم، وهذا الكلام نوجهه لحكام المسلمين والعرب وكل من تصدى للعمل السياسي من أهل السنة في العراق وسواه.
ويأتي الحديث عن المدن المحاصرة في العراق في ظل صراع حامي الوطيس على المناصب الوزارية كخطوة أولى يفترض أن تعقبها خطوات تشمل الدرجات الأدنى، وهي خسارة كبيرة لسياسي الصدفة والاحتلال، وهذا الأمر أخذ شكلاً جدياً هذه المرة بعد السماح لـ«مقتدى» أن يحاصر المنطقة الخضراء ويهدد علناً دون خوف من تهمة الإرهاب وغيرها، فارتبط الأمر بالنسبة للساسة السنة ارتباطاً جذرياً بما تشهده المدن السنية، فأصبحوا يتخوفون من أن تصيبهم لعنة الإرهاب، خاصة وأن الأمثلة ما زالت ماثلة أمام أعينهم كـ«عبدالناصر الجنابي، ومحمد الدايني، وطارق الهاشمي، ورافع العيساوي»، ونحن نتحدث عن أشخاص لهم حصانة برلمانية، ومكانة دولية، لأن الحديث عما دون ذلك من الرتب وعامة أهل السنة يطول ويحتاج إلى مجلدات، ولذلك فهؤلاء الساسة لا يستطيعون أن يجازفوا بمصالحهم، لا لأجل الفلوجة ولا لجميع أهل السنة ومدنهم ولو بكلمة حق، وكأنهم كانوا يمثلوننا كمراسلين يتحدثون عبر وسائل الإعلام كما تعودنا منهم، وحتى هذه الصفة فقدت منهم، فالخوف على مكاسبهم المادية التي حققوها من خلال دخولهم العملية السياسية جعلهم ينشغلون بالبحث عن الأسماء التي سيتم ترشيحها ليتفاوضوا معها لعلهم يحصلون على بعض المكاسب وهو أفضل من خسرانها جميعاً، فألجموا أنفسهم فلم نعد نسمع صوتهم وأسطواناتهم المشروخة التي لم تجدِ نفعاً، بعد أن أصبح جلّ همهم الحفاظ على مصالحهم الشخصية وحياتهم بأن لا يخالفوا مقتدى.
تغيرات سياسية ومدن تحاصر:
في ظل هذا الوضع يتم حصار مدن أهل السنة وعلى رأسها مدينة الفلوجة لينال منهم الجوع والقتل، فيما يبقى الصمت الذي يخيم على الجميع هو سيد المشهد.
وإذا كان المشهد يعيدنا لشهر أبريل من عام 2004م، عندما تمت محاصرة الفلوجة من قوات الاحتلال ومن معها، وهي تلك القوى نفسها التي تحاصرها اليوم ولو بنسب مختلفة، إلا أن الاختلاف بين المشهدين أنه كانت هناك قوى لها شوكة وتأثير استطاعت أن تخترق الحصار المفروض، وأن تدخل المواد الغذائية والدوائية للمدينة، لتخرج الفلوجة حينها بانتصار ما زال الجميع يفتخر به، وإن لم يشاركوا فيه، أما اليوم فكل الأصوات السياسية ممن له خصومة مع أهل المدينة أو مع تنظيم «الدولة الإسلامية» خرجت تدعو لاقتحام المدينة عسكرياً لفك حصارها، ومنهم صهيب الراوي محافظ الأنبار وكذلك أعضاء مجلسها، وحميد الهايس الذي طلب وفي أكثر من مرة أن تضرب المحافظة بأسلحة كيماوية! وقد قالها بالحرف الواحد: «لقد طلبت مرتين من إيران تزويدي بسلاح كيماوي لضرب المحافظة»، والفلوجة هي عماد وعمود الأنبار ورمز عزتها، وهذا كان قبل عامين فكيف به اليوم وهو يرى أكثر ساسة أهل السنة قد واكبه الفكر والميل لإيران، وهم يعلمون قبل غيرهم ماذا يحاك للمدينة من خطط تدميرية وتهييج إعلامي غير مسبوق، حتى وصل الأمر بتلك الجهات إلى طلب تغيير اسمها، فهل سيسمح لهذه الأصوات أن تمر أم يجب الوقوف بوجهها وتقديم يد العون والمساعدة لأهلنا في الفلوجة وغيرها؟ واستناداً لتصريح رئيس مجلس محافظة الأنبار (صباح كرحوت) أنه فقط 2% من أهل المدينة هم مع تنظيم داعش، ووفقاً لإحصائيات مستشفى الفلوجة عن 3450 شهيداً، وأكثر من 5600 مصاب، وبغض النظر عن الموقف من التنظيم، فهل يصح أن نضحي بأكثر من ١٠٠ ألف شخص من أجل مصالح مادية يتمتع بها من دخل اللعبة السياسية باسم أهل السنة؟!
والأمر نفسه ينطبق وبشكل أكبر على مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، فعملية القصف الدولي بدأت وبشكل واسع تستهدف المدنيين، والحصار بدأ مفعوله وإن لم يصل إلى ما وصل الأمر إليه في الفلوجة، ولكن هل يجب أن ننتظر حتى يصل بهم الحال للموت جوعاً وقصفاً.
فوالله إننا لمسؤولون ومحاسبون على من يموت بقنابل العرب، أو بصمتنا على ذلك، وموتهم جوعاً أعظم من ذلك، لأن المشكلة الحقيقية ليست مع داعش وإنما مع المشروع المراد تطبيقه في العراق، ففي ديالى المستباحة منذ 2003م تم الكثير من الانتهاكات التي إن حدثت في مدن أخرى لوقف لعالم بمسلميه وملحديه للتنديد به، واليوم أكثر مدنها وقراها محاصرة فعلياً؛ فحركات المواطنين تتم بحذر وخوف، ولا تكون إلا لأمر جلل، ففقدوا مصادر رزقهم، والموت يتخطفهم في حلهم وترحالهم، خطفاً من المليشيات أو بالقصف، وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، ولكن لا حياة لمن تنادي، إنه العالم الذي صمت على جرائم أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وآخرها قتل أكثر من 90 شخصاً في قضاء المقدادية مع سبق الإصرار والترصد، وقبلها بأيام فيما سمي بتحرير ديالى من المسلحين تم قتل 73 شخصاً في قرية بروانة الصغيرة مع أن المسلحين لم يدخلوها، وما تبعه وسبقه من جرائم في القضاء نفسه يندى لها الجبين، وفي المحافظة نفسها ما زال أكثر أهلها مهاجرين، منهم في السعدية وجلولاء التي دخلتها المليشيات الشيعية والبيشمركة الكردية، رافضين إلى اليوم عودة أهلها، فضلاً عن عشرات الآلاف من أهالي المحافظة الذين تركوها خوفاً من بطش المليشيات، والتي هددت هذا الأسبوع أعضاء مجلس المحافظة من قائمة «ديالى هويتنا السنية» لمنع استجواب المحافظ.
والحال نفسه ينطبق على مناطق جرف الصخر وعموم مناطق شمال محافظة بابل، وكذلك مناطق واسعة من محافظة صلاح الدين، من قضاء طوز خرماتوا ونواحيها شرقاً إلى مدن يثرب وبلد والدجيل وعزيز بلد في جنوبها وبيجي في شمالها، ومدن وقرى كثيرة، ومن سمح له بالعودة إلى مدينة تكريت فهم واقعون تحت تهديد المليشيات التي لم تكتفِ باستباحة المدينة وتفجير الجوامع والبيوت بل تقوم بعمليات خطف وسرقة لمن عاد، ولم يسلم إلا من بايع المليشيات الشيعية كما في ناحية العلم.
ومن يريد الخروج من المدن المحاصرة طلباً للأمان بعد أن يثق بتصريحات الحكومات المحلية والمركزية سيكون مصيره إما القتل أو الاعتقال، كالذي حصل في البوعجيل وأطراف سامراء وتكريت ولأكثر من 500 شخص، والرزازة التي اعتقل فيها أكثر من 1400 شخص، و400 شخص ممن خرجوا أثناء المعارك الأخيرة في الرمادي، وآخر هذه الحالات عمليات الاعتقال والتعذيب لمن نزح خلال الأيام القليلة الماضية من قرى قضاء مخمور جنوب الموصل، وتم ذلك من قبل الجيش الحكومي، وإن كانت جميع المصادر تؤكد أن من التحق بمعسكر مخمور من الفرقة (15) هم من مليشيات الحشد الطائفي، لينالوا الدعم الجوي والأرضي من قبل الأمريكان ليفكوا التنازع الإعلامي فيما بينهم.
وهنا نوجه سؤالاً للحكام العرب والمسلمين وبشكل خاص الدول المنطوية تحت التحالف الدولي، فهل يجب قتل المدنيين لينقلبوا على قوات تنظيم الدولة الإسلامية؟! وهو ما يعمل عليه الحلف الغربي - الإيراني، فهل نريد أن يباد أهل السنة ليتمكن الشيعة من حكمنا، خاصة وأنه لا توجد حلول مطروحة، اللهم إلا الحل العسكري بالإبادة والقتل؟! وإن كان هذا رأيكم فالموت جوعاً وقصفاً خير مما أصاب أهل ناحية العلم من تشيع بطعم الذل، بتطبيقهم للشعائر الضالة بما يسمى «الشعائر الحسينية» ورفع راياتهم الشركية، وهذا ليس تجنياً عليهم ولكنه ما وصفهم بهم شيخهم أبو منار العلمي الذي كفر من يقوم بمثل ما قام به أهله في العلم وجزء من أهل تكريت، والقائمة ربما ستطول، بل ويقاتلون تحت راية مليشيا «عصائب أهل الحق» التي تتحمل الوزر الأكبر لما حدث لأهل السنة، فأين الولاء والبراء؟! نسأل الله العفو والعافية مما ابتلي به هؤلاء.
هل الحل لا يكون إلا بذلك أو بترك النساء والأطفال يقتلون جوعاً بعد الموقف المخزي لمن بيده الأمر داخلياً وخارجياً؟! إننا نخاطب من يدعون التوحيد حصراً، كما عجزوا أو لم يفعلوا شيئاً للقصف الانتقامي الذي استهدف الحجر والشجر والإنسان، وكان عليهم أن يتخذوا موقفاً وألا يسمحوا لأحد أن يتخذ من اتخاذ المسلحين للمدنيين دروعاً بشرية ذريعة للقصف، فهو غير صحيح لأن القصف دائماً ما يستهدف وسط المدينة، كما حصل مؤخراً في (الزنكورة/ الرمادي) حيث قتل أكثر من 70 شخصاً وأصيب العشرات بقصف استهدف المدنيين، انسحب على إثره المسلحون خوفاً على الأهالي، وفي هيت تم سحب الأهالي إلى الخلف بعيداً عن منطقة الاشتباك، فهي إذن ذريعة واهية تتخذها الحكومة للتغطية على فشلها العسكري وانتقاماً لذلك، ثم أين هي الأسلحة الذكية التي قتلت ليلى العطار لحظة دخولها لمنزلها لأنها رسمت صورة بوش الأب عند مدخل فندق الرشيد؟! فليس من مقاصد السياسة الشرعية قتل أهلها لإخراج المسلحين، خاصة وإن أذاهم - إن وجد - لا يمكن وبأي حال أن يقارن بما يحصل، فأين هي الحكمة والسياسة الشرعية التي تطالبون الآخرين بالعمل عليها؟! ومتى كانت المدن تباد بأهلها لإخراج المسلحين حتى وإن كانوا غزاة؟! إلا أن الجبن والوهن الذي أصاب الأمة مع حقد الطرف الآخر جعلكم تصمتون عن قول الحق ولو دمرت مدننا ذبحاً وتجويعاً.


---------------------

عبدالناصر محمود 05-29-2016 08:20 AM

الحالة الإنسانية في الفلوجة
 
الحالة الإنسانية في الفلوجة
ـــــــــــــ

(د. جاسم الشمري)
ـــــــــ

22 / 8 / 1437 هــ
29 / 5 / 2016 م
ــــــــــ



http://www.alsumaria.tv/newsimages/N...6836291696.jpg






الحياة البشرية بلا رحمة وتعاطف تتحول إلى غابة تُقتل فيها كافة معاني الإنسانية، ويتحول البشر إلى وحوش كاسرة تعيش وتعمل وتكافح من أجل البقاء والانتقام وإشباع الرغبات الحيوانية، وفي عالم الغابة يذبح القوي الضعيف، ويموت الفقراء جوعاً، وتذبل أرواح المرضى لانعدام الدواء، وتجف ينابيع العطاء لأن الناس ينظرون للحياة على أنها قضية غالب ومغلوب، وربح وتجارة، وحينها تنحر الإنسانية وتدفن في مقابر الخزي والعار.
هذه المقدمة أردت بها الوصول إلى نقل بعضاً من المأساة المؤلمة الجارية في مدينة الفلوجة، التي تنحر على أسوارها وفي داخلها قيم الإنسانية بحجة مقاتلة تنظيم «داعش».
الفلوجة مدينة عراقية تقع ضمن محافظة الأنبار، وتقع المدينة على بعد 60 كم شمال غرب العاصمة العراقية بغداد، وتسكنها عشائر عربية، عرفت بكرمها وطيبها، وبمقاومتها الشرسة لقوات الاحتلال الأمريكي، واليوم تعرف بالحصار الظالم المفروض عليها من قبل القوات الحكومية المدعومة بمليشيات الحشد الشعبي.
يقطن المدينة وضواحيها قرابة نصف مليون شخص، أكثر من نصفهم هاجروا داخل البلاد وخارها نتيجة العمليات العسكرية، وبقي فيها من لا يستطيعون الخروج لضعف ذات اليد، ولإيمان بعضهم أن الموت في مدينتهم أفضل من الموت في دروب الهجرة والفقر والعوز والحاجة!
منذ أكثر من عام ونصف العام تعاني الفلوجة من حصار حكومي شديد القسوة، لكنه في الشهرين الأخيرين - وبالتزامن مع بدء العمليات العسكرية الحكومية ضد المدينة لإنهاء سيطرة تنظيم داعش عليها، على اعتبار أن ذلك جزء من الخطط الحربية لإضعاف الطرف المقابل - أصبح الحصار أشد ضراوة، وسنحاول في هذا المقال الابتعاد عن الجانب السياسي والعسكري في قضية المعارك الجارية في الفلوجة، وسنركز على القضية الإنسانية والحصار الظالم المفروض على المدينة.
وهنا أرى من الضرورة بمكان محاولة إثبات الحقائق الآتية:
- هل جميع من هم داخل المدينة من مقاتلي داعش ولا يوجد بها مدنيون؟
- هل هناك حصار حكومي ومليشياوي حقيقي على المدينة، وأن آثار الحصار قد بدأت تسحق المئات من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، أم أنها خدعة عسكرية من مقاتلي تنظيم داعش؟
بالنسبة للقضية الأولى سنحاول إثباتها بتصريحات لمسؤولين محليين هم جزء من الحكومة الموجودة في الأنبار، ومرتبطون بحكومة بغداد، وهؤلاء لا يمكن الطعن في شهادتهم لأنهم جزء من الفريق السياسي والحكومي.
التصريح الأول للسيد سعدون الشعلان، قائم مقام قضاء الفلوجة، الذي حذر فيه من أن «نحو خمسة آلاف عائلة محاصرة داخل مدينة الفلوجة مهددة بالموت، بعد نفاد الأدوية والمواد الغذائية، نتيجة عدم سماح قوات الأمن بدخول المساعدات للمدينة التي يسطر عليها تنظيم داعش، والقوات الأمنية العراقية التي منعت دخول المواد الغذائية والأدوية إلى الفلوجة لمنع استغلالها من تنظيم داعش، لكن بالمحصلة النهائية المتضرر الوحيد من الإجراء هم المدنيون الذين بات الموت يتهددهم بشكل حقيقي».
وفي بداية شهر أبريل الحالي، صرح صباح كرحوت رئيس مجلس محافظة الأنبار لقناة العربية الفضائية بتصريحات خطيرة، جاء فيها أن «2% من الفلوجة مع داعش، وأن الأطفال يموتون بالعشرات يومياً، والغذاء والدواء غير موجود بالفلوجة، وأناشد المجتمع الدولي لإنقاذ 150 ألف نسمة سوف يموتون بالفلوجة».
التصريح الثالث في التاسع من فبراير الماضي، والذي أعلن فيه رئيس مجلس قضاء الفلوجة الشيخ طالب حسناوي أن «أكثر من عشرة آلاف عائلة محتجزة داخل القضاء».
هذه التصريحات الحكومية الصريحة والواضحة تؤكد أنه يوجد أكثر من 150 ألف مدني داخل المدينة، وهذه الأعداد الهائلة اليوم ربما يمكن أن نقول عنها إن نصفهم - لا قدر الله - في عداد الأموات، نتيجة استمرار العمليات العسكرية، والحصار الاقتصادي، ثم لا ننسى تصريح رئيس مجلس محافظة الأنبار الذي أكد فيه أن داعش تمثل 2% فقط من أعداد السكان، فهل يعقل أن يقتل 98% من أجل القضاء على 2% من مقاتلي داعش؟!
وبعد أن أثبتنا أن 98% من الموجودين في الأنبار هم من المدنيين وفقاً لتصريحات حكومية، نعود للتساؤل الثاني الذي طرحناه في بداية الكلام وهو:
هل هناك حصار حكومي ومليشياوي حقيقي على المدينة، وأن آثار الحصار قد بدأت تسحق المئات من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، أم أنها خدعة عسكرية من مقاتلي تنظيم داعش؟
وبالأسلوب ذاته سنحاول الاعتماد على التصريحات الحكومية بالدرجة الأولى ثم ندلل على هذه الحقائق أيضاً بتقارير المنظمات المحلية والإقليمية والدولية.
حقيقة وجود حصار ظالم على الفلوجة أكدها السيد صباح كرحوت، رئيس مجلس محافظة الأنبار في حواره مع قناة العربية الفضائية آنف الذكر، والذي بين فيه أن «العشرات من المدنيين يموتون نتيجة شح الغذاء والدواء».
كرحوت قال أيضاً لموقع السومرية الإخباري إن «اثنين من الأطفال الرضع ورجلاً مصاباً بمرض السكر توفوا في مدينة الفلوجة بسبب عدم وجود حليب الأطفال والغذاء ودواء الإنسولين لمرضى السكر في مستشفى المدينة، وإن اثنين من كبار السن من أهالي الفلوجة تم إنقاذهما بعدما حاولا الانتحار بإلقاء نفسيها من فوق جسر الفلوجة في نهر الفرات بسبب الجوع».
هذه الحقائق أكدتها في الوقت ذاته لجنة حقوق الإنسان في أكبر مؤسسة حكومية، وهو مجلس النواب العراقي، حيث أعربت اللجنة، وعلى لسان رئيسها النائب أرشد الصالحي «عن قلقها من الحصار الذي تفرضه قوات الأمن على مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار غرب العراق لأجل استعادتها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، وأن تأخر القوات في استعادة المدينة وحصارها خلفا نقصاً في الغذاء والدواء».
وبهذا يمكن أن نجزم أن ما يجري في الفلوجة هو حرب إبادة للأهالي بحجة محاربة داعش، وإلا فإن تصريحات أعضاء المجالس المركزية والمحلية آنفة الذكر كافية لإثبات أن الحصار على الأهالي وليس من أجل المعركة مع داعش!
السؤال الذي يطرح هنا، وعلى جميع العقلاء والحكماء في العالم أن يحاولوا إيجاد الجواب الشافي له، هو: هل صباح كرحوت رئيس مجلس الأنبار، وسعدون الشعلان قائم مقام الفلوجة، والشيخ طالب حسناوي رئيس المجلس البلدي في الفلوجة، وأعضاء لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، هل هؤلاء جميعاً من الدواعش حتى يحاولوا تضليل الرأي العام؟ أم إننا أمام حقيقة مرة وهي أن المدينة تتعرض لجريمة قتل متعمد؟!
حصار الفلوجة أكدته كذلك العديد من المنظمات غير الحكومية، وبينت أن الحصار على المدينة وصل لدرجات لا يمكن تحملها، ومن بين هذه المنظمات المرصد العراقي لحقوق الإنسان الذي أكد في تقرير نشر في فبراير الماضي أن «مدينة الفلوجة تعيش منذ أسابيع وضعاً إنسانياً صعباً، بسبب شح في الغذاء، في ظل الحصار المفروض عليها».
وكذلك الهيئة العراقية للإغاثة أكدت على لسان رئيسها مكي النزال «أن عدد ضحايا الحصار المفروض على مدينة الفلوجة منذ سنتين وصل نحو أربعة آلاف قتيل وستة آلاف جريح، قضوا نتيجة القصف والمجاعة والنقص الحاد في الأدوية، وأن الوضع الإنساني في العراق سيئ من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، لكن المنطقة الشمالية (إقليم شمال العراق) تنعم بأفضلية نسبية عن الوسط والجنوب، وهناك إفقار متعمد للجنوب لكي يضطروا للانخراط في الجيش والشرطة، وما يسمى الحشد الشعبي، ويوجد عندنا مرضى ومصابون كثُر، ولا نستطيع إنقاذهم، والناس تموت بالجملة بحجة مقاتلة داعش، ونعلن النداء لكل العالم بمدِّ يدِ العون لإغاثة العراق عامة، والفلوجة خاصة».
هذه الحقائق أكدها كذلك مركز جنيف الدولي للعدالة بتصريحه أن «صمت الأمم المتحدة عن الحصار الشامل الذي تفرضه السلطات العراقية على الفلوجة منذ أشهر يجعلها مشاركة في ما يحصل من موت جماعي لسكانها وجريمة الإبادة الجماعية التي تحصل فيها، وإن تواصل القصف اليومي أدى إلى جريمة إبادة لعدد كبير من السكان المدنيين، في حين تلوذ أجهزة الأمم المتحدة بالصمت، ولا تتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة مثل هذه الحالات كما يجري في أماكن أخرى من العالم».
وقبل يومين دقت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية ناقوس خطر كارثة تواجه مدينة الفلوجة، وأكدت أن «حصار القوات الحكومية ومنع سكانها من مغادرتها تسبب بمقتل 140 شخصاً أغلبهم مسنون وأطفال، بسبب نقص الغذاء والدواء، وأن سكان الفلوجة يواجهون الجوع بسبب الحصار الذي تفرضه الحكومة وداعش، وعلى الأطراف المتحاربة ضمان وصول المساعدات إلى المدنيين».
وقبل ذلك دعت منظمة هيومن رايتس ووتش على لسان جو ستورك نائب رئيس المنظمة في الشرق الأوسط «الحكومة العراقية إلى السماح عاجلاً بدخول المساعدات لمدينة الفلوجة، وأن سكان الفلوجة المحاصرين يتضورون جوعاً وتهددهم كوارث، وأنهم محاصرون من قبل الحكومة، وهم يعانون من الجوع».
ونقلت المنظمة عن ناشطين عراقيين على اتصال بسكان الفلوجة قالوا إن «السكان بدؤوا يتناولون الخبز من طحين مصنع من نوى التمر ويطبخون حساء من العشب».
وفي السياق ذاته، قالت ممثلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق ليز غراندي إن «الوضع في مدينة الفلوجة مقلق ومعقد للغاية، بسبب استمرار حصار المدينة الذي يحول دون وصول المواد الغذائية إلى الأهالي».
المنظمة الدولية ذكرت في بيان جديد لها - بعد تواتر أخبار حصار الفلوجة - أن «السكان المدنيين في الفلوجة يواجهون الخطر وأنهم بحاجة للإغاثة».
حقيقة حصار الفلوجة أكدته رئيسة بعثة الصليب الأحمر في العراق كاترينا ريتز التي قالت: «إن الأوضاع في الفلوجة بدأت تشكل مصدر قلق، وإن الحاجة إلى إيصال مساعدات للأهالي أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى».
إن القيمة الإنسانية تتطلب من الحكومة أن تقف موقفاً صحيحاً وصريحاً يقضي بفتح ممرات آمنة لدخول المواد الغذائية للمدينة، حتى لو افترضنا وصول قسم منها لداعش، وذلك لأن فرضية قتل 98% من أجل قتل 2% فرضية مليئة بالظلم والاستخفاف بالنفس البشرية.
وأخيراً يمكن أن نختم حديثنا عن مأساة الفلوجة الإنسانية المركبة بإحصائية مستشفى الفلوجة التعليمي حول مجمل الخسائر البشرية نتيجة استمرار القصف البري والجوي، فقد ذكر المستشفى نهاية شهر مارس الماضي أن «الحصيلة الكلية لأعداد ضحايا القصف العشوائي المتواصل على مدينة الفلوجة منذ سبعة وعشرين شهراً قد ارتفعت إلى تسعة آلاف ومائة وتسعين مدنياً بين قتيل وجريح».
وأكدت إدارة المستشفى «مقتل ثلاثة آلاف وأربعمائة وستة وأربعين مدنياً من بينهم خمسمائة وستة عشر طفلاً وثلاثمائة واثنين وعشرين امرأة، فضلاً عن إصابة خمسة آلاف وسبعمائة وأربعة وأربعين مدنياً بجروح من بينهم تسعمائة وثلاثة عشر طفلاً وسبعمائة وأربعة وستين امرأة جميعهم سقطوا جراء آلة الحرب والعمليات العسكرية التي تستهدف الأحياء السكنية وسط المدينة منذ الثلاثين من شهر ديسمبر عام ألفين وثلاثة عشر ولغاية الآن».
فهل بعد هذه الإثباتات والحقائق من حجة لأدعياء الموت والظلم والخراب؟!
الفلوجة مدينة المساجد والتضحيات، ستبقى صامدة على الرغم من هول التحديات، وسيكتب التاريخ بمداد الذل والعار جريمة مغول العصر العصر من المليشيات الذين يذبحون الإنسانية مرة بالسلاح، وأخرى بالغذاء، وثالثة بالدواء، فهل هؤلاء وحوش بشرية، أم مجاميع انسلخت من إنسانيتها؟!




-----------------------


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:03 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59