ملتقى شذرات - هل تعلم ما هو علم الاقتصاد العصبي؟

أميرة حسين محمد - مركز البديل للتخطيط والدراسات الإستراتيجية
ظهر مؤخرًا علم جديد يجمع بين الاقتصاد وعلم النفس وعلم الأعصاب، يعرف باقتصاد النيرو “علم الاقتصاد العصبي”، الذي يهدف للتوصل إلي نظرية واحدة تستوعب السلوك البشري، هذا العلم من شأنه أن يعزز من إدراك الاقتصاديون وعلماء الاجتماع لمساهمة، لكيفية اتخاذ العقل البشري للقرارات، فهل نحن بطبيعتنا مجازفون؟ وكيف يتوصل العقل للقرار الصائب؟ وهل يمكننا اليوم أن نتنبأ بالنوايا الشرائية للمستهلك؟ وهل يمكننا التحكم بالسلوك الاقتصادي الذي يؤثر على الدماغ؟
فعلم الأعصاب وعلم النفس وعلم الاقتصاد يتلاقون في كيان واحد لتقديم أدلة وبراهين تشرح أسباب اتخاذ القرارات وهل هي عقلانية أم لا.
ثورة الاقتصاد النفسي العصبي
لقد بدأ علم الأعصاب – العلم الذي يشرح لنا كيف يعمل الدماغ، ذلك الجهاز المادي القابع داخل رأس الانسان- في تفسير الطريقة التي نفكر بها، وفي الكيفية التي يتخذ بها الأفراد قراراتهم، باختصار لقد بزغ فجر الاقتصاد النفسي والعصبي، فمعظم الجهود التي بذلت للربط بين علم الأعصاب والاقتصاد ظهرت منذ عام 2010 فقط، ولا يزال نمو علم الاقتصاد النفسي العصبي في مراحله المبكرة.
مراحل التطور
يرجع الفضل في اكتشاف هذا العلم، إلي عالم الاقتصاد العصبي بول جليمتشر الذي يشغل منصباً في قسم الاقتصاد في جامعة نيويورك، ويعمل أيضا في مركز جامعة نيويورك للعلوم العصبية، وآلف كتابًا نشر في عام 2010 تحت عنوان “أسس التحليل الاقتصادي النفسي العصبي”، الذي ساعد على إطلاق ثورة في النظرية الاقتصادية.
ولكن على الرغم من ذلك، يري أغلبية خبراء الاقتصاد أن جليمتشر ربما أتي من الفضاء الخارجي، ذلك أن درجة الدكتوراه التي يحملها حاصل عليها من قسم علم الأعصاب في كلية الطب في جامعة بنسلفانيا، فضلًا عن ذلك فإن خبراء علم الاقتصاد النفسي العصبي من أمثاله يجرون أبحاثًا تتجاوز حدود منطقة الارتياح الفكري لزملائهم، لأنهم يسعون إلى تطوير بعص المفاهيم الأساسية للاقتصاد من خلال ربطها بآليات دماغية محددة.
التفضيل الظاهر
يستند قسم كبير من النظرية الاقتصادية والمالية الحديثة، إلى افتراض مفاده أن الناس عقلانيون، وبالتالي فهم حريصون على تعظيم سعادتهم، أو ما يطلق عليها خبراء الاقتصاد “منفعتهم”، وعندما تناول الخبير الاقتصادي سامولسون، هذا الموضوع في كتابه عام 1947، فإنه لم يبحث في مسألة الدماغ، بل اعتمد بدلًا من ذلك على “التفضيل الظاهر” لأنه من غير الممكن الكشف عن أهداف الأفراد إلا من خلال مراقبة أنشطتهم الاقتصادية.
وبتوجيه من سامولسون، كانت أجيال من خبراء الاقتصاد تقيم أبحاثها على افتراض العقلانية فحسب وليس على أي بنية مادية مؤسسة للفكر والسلوك “الدماغ”، وهناك اتجاه آخر يستفذ علماء الأعصاب، يتعلق بالكيفية التي يتعامل بها الدماغ مع المواقف الغامضة عندما تغيب الاحتمالات، وتغيب معلومات أخري وثيقة الصلة، ولقد اكتشف بالفعل أن مناطق الدماغ التي تعودت على التعامل مع المشكلات عندما تكون الاحتمالات واضحة تختلف عن تلك التي تستخدم عندما تكون الاحتمالات مجهولة.
كيف يحدد عقلنا السعر الذي يستحقه المنتج؟[1]
تدور المحاور الأساسية في اقتصاد النيرو حول اتخاذ القرارات في الأسواق المالية، وسبل اقناع المستهلك، و طرح أمثلة من أحدث طرق لتصوير الدماغ مثل التصوير المقطعي بالرنين المغناطيسي والتحفيز المغناطيسي، لرصد استجابة العقل للمؤثرات الخارجية التي تلعب دورًا هامًا في اتخاذ القرار، ويستخدم هذا التصوير في إجراء بعض التجارب على العديد من المستهلكين الراغبين في شراء سلع ما، من خلال الجلوس أمام شاشة يعرض
عليها العديد من المنتجات وأسعارها، حيث يجري عرض المنتجات أولًا ومن خلال أجهزة الرنين المغناطيسي الموضوع في رؤوس المستهلكين لمعرفة ما إذا كان المنتج يستحق الشراء أم لا وما هو السعر الذي يستحقه، ثم بعد ذلك يعرض السعر الخاص بالمنتج ويتضح ما إذا هذا السعر ملائم للمنتج أم لا وما إذا كان المستهلك يرغب في الشراء ويتم التبديل بين المنتج والسعر هكذا وملاحظة ردود أفعال التي تصدرها مراكز الأعصاب بالدماغ، وبذلك يستطيع الدماغ تحديد السعر الذي يستحقه المنتج.
وهكذا يوضح لنا علم الاقتصاد العصبي بأن ثمة مناطق متعددة في الدماغ تختلف في درجة تحسسها إزاء موضوع تحديد الأسعار والمخاطر الخاصة باتخاذ القرارات الاقتصادية، والتي تتوقف على شكل وتركيب وطبيعة القشرة الخارجية لمقدمة العقل البشري.
ولا زالت الأبحاث والتجارب مستمرة لاكتشاف المزيد عن هذا العلم العجيب للتأكد من أن الجينات الوراثيةتؤثر على تعاملات الأفراد في السوق، وما الاستفادة لعلم الاقتصاد علي أرض الواقع إذا ثبت ذلك؟

مراجع
1 – روبرت شيللر،”ثورة الاقتصاد النفسي العصبي”، نوفمبر2011.
2 – مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العرقي، شبكة الاقتصاديين العراقيين.