ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   أخبار ومختارات أدبية (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   إعترافات جان جاك روسو (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=4432)

Eng.Jordan 04-18-2012 09:04 AM

إعترافات جان جاك روسو
 
سمارة نوري


https://samaranouri.files.wordpress....sso1.jpg?w=584




قبل الخوض في شخصيته وسيرته وأفكاره فأني أنوه بقدرة المترجم محمد بدر الدين خليل الفائقة واللغة الادبيه العالية التي استطاع المترجم من خلالها ان يجعل الكتاب وكأنه كتب اصلا بالعربية!
وتسائلت ان كانت الترجمة بهذه الروعة من اللغة والاسلوب فكيف تكون لغة المؤلف الاصلية التي هي بدون شك تفوق بكثير الترجمة التي غالبآ ما تُفقد الكلمات واللغة الكثير من اصالتها وخصوصيتها.
نعود الى روسو ….
فيلسوف وكاتب سويسري عاش في القرن السابع عشر.
وتعتبر “الاعترافات” أدق وأصدق مصدر لسيرة هذا المفكر العبقري، وكان من أهم المميزات التي كتبت لها الخلود، أنها كانت أول عمل أدبي يكشف صاحبه عن نفسه، فيظهرها على حقيقتها دون اي زيف او تستر في ثلاثة اجزاء.
يقول عن مشروعه هذا:
“انني مقدم على مشروع لم يسبقه مثيل، ولن يكون له نظير. اذ ينبغي ان أعرض على أقراني أنسانآ في أصدق صور طبيعته .. وهذا الانسان هو: أنا! .. أنا وحدي!.. فأني اعرف مشاعر قلبي، كذلك أعرف البشر! ولست أراني قد خلقت على شاكلة غيري ممن رأيت، بل أنيي لاجرؤ على أن أعتقد بأنني لم أخلق على غرار احد ممن في الوجود!.. واذا لم أكن أفضل منهم، فأنني – على الاقل – اختلفت عنهم!..”

توقعت ان اترك الكتاب بعد فصول قليلة .. هذا ماكنت افكر به عندما شرعت بالقراءة وانا انظر الى المجلدات الثلاث بتوجس وخيفة!!
لماذا؟ لانك غالبآ ما تجد الكثير من الغث والتجاوز والحشو في كتب السيرة الذاتية على الاخص، فما بالك بمؤلف فرنسي مشهور! كنت اتوقع ان اجد من القبيح والمستهجن التي يجردها المؤلفين بذريعة الحرية والشفافية والخوض في مايستفز النفس النقية ويؤذي الارواح السوية.
انتهيت من الجزء الاول والحقيقة اجد الكلمات تفر مني لكي أوصل انطباعي، فقط بلغ روسو مبلغآ خياليآ في رقيه وفطرته السليمه وذوقه الرفيع واحساسه المرهف. لم يكن ملاكآ ولكنه ليس كباقي البشر وقد حبيّ بنعم وفطرة ومواهب فريدة جعلت منه اسطورة حقيقية.
عاش طفوله تقرب المثاليه مع ان امه كانت قد توفيت عند ولادته، وقام والده برعايته وتربيته وكان رجلا مستقيمآ وقورآ من أتباع المدرسة القديمة في الكياسة والادب، وعماته اللاتي كن رمزآ للتقوى والمحافظة الى درجة لم تكن مألوفة حتى بين النساء ذلك الزمن، مما اكسبه نفس زكية ميالة الى العطاء وحب الناس بطريقة روحانية لايجيدها ولايقدر عليها اغلب البشر، ليس هذا فحسب فقد وّلدت لديه اسس هذه التربية السليمة استبشاعآ للفسق وسخطآ للفجور و***** عن كل شائبة.
اضطر الى ترك بيته وبلده – جنيف – وبدء مشوار الترحال والتجول بين البلدان مشيآ على الاقدام عندما بلغ السادسة عشر من عمره وظل لاكثر من خمس سنوات وهو يتنقل من مدينة الى اخرى بحثآ عن منصب – عمل – ولقمة هنيئة شريفة.
يقول: “المشي ينعش نشاطي ويسمو بأفكاري”، فكان ينتقل من بلد الى آخر لايشغله الا رؤية الريف والمناظر الممتعة التي كان مبهورآ بها ولها تأثير عظيم على اسلوب عيشه فكانت روحه مبتهجة، مطمئنه، منطلقة عندما يكون في احضان هذه الطبيعة وكأنه هو المسيطر عليها كما كان يشير.

وكان يقدّر الطعام كثيرآ وله شهية متفتحة وصحة طيبة، قضى معظم حياته فقيرآ ولكن وجبه شهية كانت تسعده وتجعله في رضا تام. ففي كل مالاقى في مقتبل عمره وكل ماكان يجري من حوله مما لا يلائم ذوقه، فقد كان كل شيء يروق لفؤاده وقادر على بعث السرور في نفسه.
شُغف بالقراءة والمطالعة في عمر الخامسة او السادسة عندما كان يتناوب القراءة مع والده بعد العشاء يوميآ بقصد التدريب على القراءة مالبث ان انقلب الى شغف ومتعة، فكانا ينفقان ليالي بأكملها لايتحولان عن الكتاب حتى الافراغ منه، وهو اسلوب خطير استطاع من خلاله وفي امد قصير ان يكتسب حذقآ بالغآ في القراءة والفهم، ليس هذا فحسب، بل اصبح لديه ادراكآ مميزآ نحو مشاعر الحياة والاحساس بكل شيء وخلق خيال خارق عن الحياة الانسانية لم يستطع ان يبرأ منها طيلة حياته.
حتى انه تعلم القراءة بتأمل وفي غير أسراع، فأصبح يفكر في اللغة والاسلوب وبلاغة تركيب العبارات، واصبح قادرآ على التمييز بين الفرنسية الفصحى من التعبيرات الاقليمية.
ومن ميزات شخصيته البارزة هو سرعة تأثره بأي امر يجتذبه فيصبح مولعآ به لايستطيع التفكير بأي شيء سوى الامر الذي استحوذ على تفكيره، يقول:
“وهذه ميزة أخرى من الميزات البارزة في شخصيتي، ففي غمرة أنغماسي في أي مسلك في الحياة، يستطيع أي امر تافه ان يجتذبني، وان يحولني، وان يستأثر بأنتباهي، ثم يغدو شغفآ.
واذ ذاك يصبح كل شئ منسيآ، فلا اعود افكر في غير الشئ الجديد الذي يسحتوذ على اهتمامي.”

وهذا ما يفسر اقتحامه وشغفه في فن الموسيقى والكتابة والادب فيما بعد. وقد اراد ان يتخصص في علم النبات والطب والفلك ووجد في نفسه ميلا واندفاعآ ولكن لم تسعفه الفرص ليحقق ماكان يدور بخلده.
وكان قد عقد العزم على اطلاع القارىء على نفسه بشفافية تحت جميع الاضواء لكي يكون الحكم في الاخر للقارىء في الحكم على مبادئه ونهجه، وكانت هذه الاعترافات – في غايتها – دروس اجتماعيه وتربويه.
واليك ماكتبه المفكر الاستاذ سلامة موسى في عدد 19 عام 1955 من جريدة أخبار اليوم ..
” .. واعترافات جان جاك روسو من الكتب التي كان يجب ان تترجم الى لغتنا قبل 100 او 150 سنة .. فلقد تغيرت اوروبا بتأثير أفكار هذا الاديب. ونستطيع ان نعزو أهم التطورات التي حدثت في هذه القارة الى آرائه، التي يتخلص مغزاها في كلمات معدودة، هي: ان الطبيعة حسنة، والانسان طيب، ولكنهما يفسدان بالمجتمع السئ .. فما أحوجنا في البلاد العربية الى هذه الخمائر!”.

Eng.Jordan 04-18-2012 09:04 AM

https://samaranouri.files.wordpress....ackrussoii.jpg
بدأ روسو بوداع اللحظات الغالية والايام الوادعة التي احبها وهو يعيش احلى سنين عمره في شارميت وهي منطقة ريفية في سويسرا، مع الامرأة التي ربطته بها علاقة عميقة ومختلفة كليآ فهي تجمع بين الحب والصداقة والاخاء والامومة بشكل يثير التناقض والاستغراب.
وكانت اجمل ايام حياته في تلك الفترة التي كان يقضيها في الكثير من القراءة والدراسة في علوم شتى، بين اعشاش الحمام او في الحديقة او في البساتين او في مزرعة الكروم.
بدأت الامراض والاعراض تداهمه وتضعف قوته فصار معلولا لايقوى على مااعتاد عليه من اعمال روتينية، واشتدت به الاحوال مما اضطره للبحث عن اطباء وعلاج في مدن اخرى.
وكانت عودته الى قريته متلهفآ بعد رحلة العلاج بداية مصائبه عندما وجد المرأة التي احبها وقد تغيرت مشاعرها ومنهجها نحوه، فقرر على اثر ذلك ان يترك شارميت ويرحل بعيدآ عنها.
وكانت هذه بداية الاضطهادات التي صارت تتوالى عليه وتلاحقه في كل مكان.
أستقر في باريس وبذل قصارى جهده في النبوغ في الموسيقى بتأليف بعض المسرحيات والاوبرا التي لاقت بعد جهد وعذاب مضنٍ نجاحآ كبيرآ، ثم شاءت الاقدار أن ترمي به في طريق تأليف المقالات والكتب التي لم يكن مما جذبه ولكنه انغمس بها من دون ارادته، وكان مشواره الادبي مليئآ بالمنغصات والمصائب والمؤامرات التي “لامثيل لها في مصير البشر” كما وصفها.
ولما كان للصداقة حيزآ عظيمآ في حياته، فقد كانت انتكاسته وضياعه بسبب هذه الصداقة، أمتلأت صدور اقرب اصدقاءه بالغيرة والحسد والبغض لما ناله من شهرة واستحسان في المجتمع بسبب موهبته وبراعته في تأليف الالحان والادب.
لم يكن ليخطر على باله مالقيه من ضراوة واستهجان وترفع مهين و بغضاء في المعاملة من قبل اصدقاء اعتبرهم من المقربين، وكان خليقآ به ان يكون قادرآ على كشف زيفهم ودهائهم لو كان اقل عمى وغفلة..!
وكنت كأني اتعرف على نفسي واكتشف دواخلي بصورة مكبرة من خلال مجهر روسو الذي استخدمه في توضيج وتكبير خصائص الميول البشرية والمشاعر الانسانية، وكان يظن الى درجة الجزم – على ماقرأنا في الجزء الاول – بأنه لم يخلق له شبيه ولم يكن له مثيل، واعتقد انه كان يقصد اقرانه والزمن الذي عاش فيه.
واني اجزم مثله، ان هناك “نفرآ” من الناس تقاطعت صفاتهم وطبائعهم مع من كان يظن انه الوحيد الذي يملكها.
أسرد بعض من هذه الطبائع والصفات مما وجدته مستحبآ وقريبآ.
” وماكنت لاطيق يومآ ذلك الغباء وذاك التخبط الاحمق الذي تحفل به الاحاديث العادية، ولكن الاحاديث النافعة الدسمة تبعث في نفسي سرورآ عارمآ، ومااعتدت ان ارفضها قط!..”
“وكانت الكتب التي تمزج التقوى بالعلوم هي اكثرها ملائمة لي.”
” وأني لأحب ان أفكر فيه وأتأمل آياته، بينما يكون فؤادي متطلعآ اليه – يقصد الله – وبوسعي ان اقول ان صلاتي كانت خالصة، وكانت جديرة – لهذا السبب – بأن تسجاب.”
ويقصد التعبد والتأمل من خلال روعة الكون وجمال الاماكن التي كان يسيح فيها.
“وكنت استغرق في التفكير وانا في فراشي مغمض العينين واروح اقلب عباراتي في رأسي، واعاود تقليبها في عناء لايمكن تصوره، حتى اذا انتهيت الى الرضا عنها، اودعتها ذاكرتي الى ان استطيع تستطيرها على الورق، ولكن الوقت الذي كان يستغرقه لنهوضي وارتداء ثيابي، كان يضيعها عليّ.”
” وهكذا دفعت بي المضايقات الخفية لحال اخترتها لنفسي، الى مهنة الادب نهائيآ، فقد رحت ألوذ بها فرارآ من تلك المضايقات. وهذا هو السر في انني بثثت كل مؤلفاتي الاولى، المرارة والضيق اللذين دفعاني الى ان أشغل نفسي بكتابتها.”
ماأعظمك ياروسو وماارفع خصالك .. حقيقة قليل من هم على شاكلتك .. استمع لهذه.
” وكانت الحياة في باريس، بين قوم أدعياء محبين للمظاهر، لاتروق لي .. كان تعصب الادباء وتحزبهم، ومنازعتهم المخزية، وافتقارهم الى النقاء الذي يتجلى في كتبهم، والمظهر المترفع الذي يخدعون به المجتمع .. كل هذه كانت بغيضه الى نفسي!.. وما أقل ماوجدت من رفق وسلامة قلب وصراحة في الاتصال بالناس، لاسيما أصدقائي!..”
” بيد أنني كنت اشعر بأن الكتابة من اجل كسب العيش، لن تلبث ان تخنق نبوغي، وان تقتل موهبتي التي كانت في قلبي اكثر مما كانت في قلمي، والتي لم تبعث الا من اسلوب في التفكير راق، أشم هو وحده قادر على تغذية تلك الموهبة.”
” لقد كنت أشعر دائمآ ان مكانة المؤلف لايمكن ان تصبح مرموقة ومحترمة، الا اذا كان التأليف بعيدآ عن ان يكون حرفة. اذ انه من الصعب، كل الصعب، ان يفكر الانسان تفكيرآ نبيلآ ساميآ، اذا ما كان مضطرآ الى ان لا يفكر الا طلبآ للرزق!.”
“ولكي يكون الكاتب قادرآ، ولكي يجسر على ان ينطق بالحقائق الجليلة، ينبغي الا يعول على النجاح ويركن اليه.”
قدرة هائلة وبلاغة عالية على تجريد النفس وكشفها بلغة تفيض بالمشاعر والاحساس الصادق بهدف أعطاء الرأي العام الفرصة لمعرفة الحقيقة والحكم على صاحبها من غير الاستناد الى الشائعات والاخبار التي وردت بكتب غيره من ادباء عصره والتي كان هدفها تشويه سمعته والقضاء عليه نفسيآ ومعنويآ.
هناك نوعان من الادب، الاول الكتابة بأحساس وشفافية، تصل رسالتها الى القارئ عبر هذه الاحاسيس، اما الثانية فلا دخل للمشاعر فيها ورسالتها هي معلومة معينه تصل الى القارىء.
اما ماكان كلامآ وحشوآ ورطنآ بدون احساس ولاضمير ولافائدة، فهذا ليس الا ابتذالا واساءة بقصد بعض الدراهم او مرتبة مزيفة او بهرجة فاضية.. ومااكثرها اليوم في ما يكتب ويقال!…


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:22 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59