ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   أخبار ومختارات أدبية (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   أَبْشَعُ مِنْ وُصُوْلِيّ (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=1721)

Eng.Jordan 02-02-2012 09:48 PM

أَبْشَعُ مِنْ وُصُوْلِيّ
 
«أَبْشَعُ مِنْ وُصُوْلِيّ»

وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنْ كَثُرَ نِفَاقُه، وانْحَطَّتْ في التَّمَلُّقِ أَخْلاقُه، ولَهُ في الـمُمَاذَقَةِ أُسْلُوْب، ومَاءُ وَجْهِهِ مَسْكُوْب، والوُصُوْلِيُّ قِرْدٌ في هَيْئةِ إنْسَان، يَتَسَلَّقُ إلى مَصَالِـحِهِ بِاللِّسَان، وهوَ أَيْضاً عَدِيْمُ الكَرَامَة، تَأْنَفُ مِنْ قَذَارَتِهِ القُمَامَة، يَبِيْعُ أُمَّهُ وأَبَاه، لِيَصِلَ إلى مَسْعَاه، تَـرَاهُ مُلْتَصِقاً بِالكُبَرَاء، وهُمْ يُعَامِلُوْنَهُ كَالـحِذَاء، وقَدْ يُصَاحِبُ عَامَّةَ النَّاس، ويَرْفَعُ ذَنـَبـاً يَظُنُّهُ الرَّاس، لا مَبْدَأَ يَـحْكُمُ تَصَرُّفَاتِه، ولا يَـرَى إلاّ تَـحْقِيْقَ ذَاتِه.
وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ مُوَظَّفاً عَظِيْمَ الـهِمَّة، يُؤَدِّي عَمَلَهُ بِإخْلاصٍ وذِمَّة، وكَانَ لَهُ زَمِيْلٌ كَثِيْرُ الإهْمَال، عَلَيْهِ مِنَ الدَّنَاءةِ سِرْبَال، لَـمْ يَـرَ أُمَّهُ مُنْذُ سِنِيْن، وأَبُوْهُ في دَارِ المُسِنِّيْن، وإذا رَأَى رَئيْسَهُ قَبَّلَ يَدَيْه، وكَادَ يَلْعَقُ بَاطِنَ رِجْلَيْه، ويُسْمِعُهُ كَلِمَاتِ التَّبْجِيْلِ والتَّعْظِيْم، ويَشْتُمُ أَمَامَهُ الرَّئيْسَ القَدِيْم، وإذا مَرِضَ ابْنُ الرَّئيْس، قَفَزَ بِهِ إلى (ابْنِ النَّفِيْس)، وإنْ فَرَغَتْ أُنْبُوْبَةُ غَازِه، حَمَلَها لَهُ عَلَى أَعْجَازِه، ومَتَى انْتَـهَتْ مُدَّةُ الرِّئاسَة، سَحَبَ عَلَيْهِ ذَيْلَ الـخَسَاسَة، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الرَّئيْسَ الـجَدِيْد، بِكُلِّ حَفَاوَةٍ وتَـمْجِيْد، ومَضَى عَلَى عَادَتِهِ المُخَادِعَة، فحَقَّقَ لَهُ رُؤسَاؤهُ مَطَامِعَه، وهوَ مَعَ ذَلِكَ وَاشٍ نَمَّام، ومَاهِرٌ في حَبْكِ الكَلام، سَبَقَ أَنْ وَشَى بِزَمِيْلِهِ الشَّرِيْف، فنُقِلَ مِنْ فَوْرِهِ إلى الأَرْشِيْف، وفَازَ هُوَ بِعُلُوِّ الرَّاتِبِ والمَرْتَـبَة، وحَظِيَ بِالانْتِدَابَاتِ ولَـمْ يَبْرَحْ مَكْتَـبَه.
فلَـمَّا رَأَى المُوَظَّفُ ضَيْعَةَ حَالِه، وكَيْفَ ظَفِرَ الوُصُوْلِيُّ بِآمَالِه، قَرَّرَ أَنْ يَتَخَلَّى عَنِ الإبَاء، وأَنْ يُنَازِعَ الوُصُوْلِيَّ الإنَاء، فطَرَحَ عَنْ كِبْرِيَائه الـخَجَل، واسْتَأْذَنَ عَلَى رَئيْسِهِ ودَخَل، فحَبَكَ لَهُ مِنَ التَّمْجِيْدِ عَبَاءات، وقَالَ فِيْهِ مِنَ الشِّعْرِ مُعَلَّقَات، ثُمَّ مَسَحَ حِذاءَهُ ولَـمَّعَه، وسَارَ إلى البَيْتِ مَعَه، فنَفَضَ عَنِ العَتَـبَاتِ الغُبَار، وانْحَنَى وامْتَطَاهُ الصِّغَار، فمَا مَرَّ أَكْثَرُ مِنْ أُسْبُوْع، إلاّ وأَمْرُهُ مُطَاعٌ مَسْمُوْع، ونَـهَضَتْ بِهِ رِجْلُهُ العَاثِرَة، وأَصْبَحَ مُدِيْراً في الدَّائرَة، فاسْتَدْعَى الوُصُوْلِيَّ وشَكَرَه، وأَعْطَاهُ مِنْ بُسْتَانِهِ ثَمَرَة، ثُمَّ نَادَى بِصَوْتٍ سَمِيْك، وأَمَرَ الوُصُوْلِيَّ بِالتَّدْلِيْك، وظَلَّ وَرَاءهُ يُدَلِّكُهُ بِرِفْق، ويَدْعُو لَهُ بِسَعَةِ الرِّزْق، وأَثْنَاءَ اسْتِرْخَائهِ اعْتَدَلَ واسْتَدَار، وأَنْشَدَ وهوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ الدَّوَّار:



َلاَ لِـلَّـهِ دَرِّي مِنْ نَبِيْهٍ***تَغَانَمَ عُمْرَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ

ظَفِرْتُ مِنَ التَّمَلُّقِ بِالأَمَانِي***فـتَـبّاً لِلْكَرَامَةِ وَالإبَاءِ

وَكُنْتُ أَرَى الشُّمُوْخَ رِدَاءَ عِزٍّ***فَعَرَّى كُلَّ سَوْءاتِي رِدَائي




بقلم فواز اللعبون -فائت الأمثال



جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:06 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59