ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   رواق الثقافة (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=76)
-   -   هل كانت نكبات العرب ونكساتهم سقوطا لمشروعهم القومي؟ (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=3298)

Eng.Jordan 03-20-2012 03:15 PM

هل كانت نكبات العرب ونكساتهم سقوطا لمشروعهم القومي؟
 
أم إعلانا عن فشل الأنظمة الرسمية في المواجهة؟


أم أن الحلّ هو في إستعادة الشعوب العربية لدورها الكفاحي المقاوم؟

إن إحساسا أعمق من القهر والظلم والعبودية، يدفع الإنسان، لأن يرفع الصوت عاليا مطالبا بالحرية والعدالة، إن وعيا وشعورا يقينيا بتحقيق مستقبل أفضل للإنسان، هو ما يدفع الشعوب لأن تجتاح وتدمّر نظم الاستبداد.

لذا قد يبدو من المفيد الإشارة إلى أن المجتمعات القاصرة التي خرجت عن الدول المنحلة ذات الأنظمة الأوتوقراطية والإقطاعية القديمة، ارتدّت إلى حالة ما قبل الدولة كما العرب عقب انحلال الدولة العثمانية، ولم يحدث أن اختارت هذه المجتمعات، كما يشاع، دولَها وأنظمة حكمها وحكوماتها الحديثة، بل الدولة المستحدثة المقامة هي التي قسرت الجماعات القاطنة على أرضها إبعادا وإقامة أوتهجيرا بناء على رغبات الدول المنتصرة في حدود المناطق الجغرافية المعنية التي اختير لها أن تكون دولا.

لذا ظلّت هذه الجماعات متعارضة واقعا مع المتغيرات الطارئة المتمثلة والمرتبطة بهذه الحكومات وبما اتخذته من إجراءات لم ترغب بها الجماعات التي احتوتها الدولة بل اعتبرتها هذه انتقاصا من كيانها ووجودها وسار هذا التعارض من قبلها باتجاه وطني قومي بما يتعدى الحدود المفروضة - العودة إلى العثمانية بمفهومها السلطاني العادل، أو باتجاه قضايا مطلبية- ضد تقييد الحريات وانتقاص الحقوق.

ومن منظور مختلف لما هو متداول، لايمكن اعتبار هذه الجماعات، التي كونت شعب الدول، بأنها قد نشأت سياسيا داخل أطرها الجديدة نتيجة تطور اقتصادي اجتماعي، اتخذ أبعادا تغييرية ذات صفة انقلابية لها أوضاع مطلبية ملحة، يمكن أن تدفع إلى حراك سياسي هاديء أو عنيف حسب مقتضى الحال، بما يسمح لها أن تتولى قيادة العملية السياسية بالاصطفاف إلى جانب قوى اقتصادية متجانسة، كما حدث في أوروبا القرن 18 و19 البورجوازية.

وعليه فإن الدولة في الوطن العربي، تأسست على خلاف الوضع الديمقراطي الغربي المشار إليه، وكان لا بد أن تتولى قيادتها بداية أقدر القوى الاقتصادية نفوذا : ممثلي قوى اقتصادية خارجية احتكرت الدولة، وهذا أدى إلى ارتدادات وتحولات سلبية ضد السلطات باتجاه تسوية استلام السلطة في بعض الدول من قبل الأحزاب والفئات الوطنية والقومية، أو بمن يعبّر عنها في مشروعها الشعبي المزدوج لتحقيق المطلب الوحدوي، أي العودة إلى وحدة المنطقة، ورفع مستوى أبنائها وتقدمهم.

ربما كا ن هذا المقترب هو الأصح في التعاطي مع موضوع الدولة والسلطة في هذه المجتمعات. حيث الدولة، غدت واقعا، هي المؤسسات التنفيذية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقضائية التي أطرت الشعب وربطته بها بداية كأداة من اجل خدمته، حيث انحل أفراد القوى النخبوية الطليعية أعضاء الأحزاب داخل هذه المؤسسات القابضة على الدولة والمؤسسة لها والقائمة عليها، وتحوّل الشعب في تكويناته الاقتصادية والاجتماعية المختلفة إلى تابع يلوذ بها ويتعامل معها، ويقبل بها بالتراضي الضمني.

ومن وجهة النظر هذه، لا يمكن القبول بالادعاءات الغربية، المنطلقة من مفاهيم ومواقع ممارسات بلدانها السياسية في توصيفات نظم الحكم في هذه المناطق وقياداتها، أو باتهاماتها لها ومقاضاتها من معاييرها المقابلة والمتناقضة عن مواقف هذه القيادات المبدئية المتخذة - في مواضيع المعارك الوطنية داخل أوطانها وخارجها، أوإجراءاتها المتبعة من موقع المسؤولية عادة ضد أعداء الوطن التقليديين- أو القبول بما يمارسه البعض من أبناء التغرب في استخدام وتبني هذه الاتهامات أو بعض منها بعقل تلفيقي انتقائي بما يلائم الحال والسوق السياسي الرائج، مثلا بأن يقبل الادعاءات والاتهامات الكاذبة التي بررت الغزو والحرب على العراق التي سيقت بقصد احتلاله وإبادة شعبه، وأن يرفض في الوقت ذاته هذا الغزو الهمجي. إذ إن من يقبل ويسوّق هذه الاتهامات إنما يقبل ضمنا بجيوش التحرير الغازية، وهو يعلم ضمنا بأنه يتواطأ على هدم الدولة والكيان السياسي والوطن؛ حيث أن قرار قيام الدولة في هذه الكيانات المجتمعية هي المؤسس الحقيقي للدولة الوطن.

وتأسيسا على ما سبق فرغم تراكم أخطاء النظام الرسمي العربي وتبعا، الاستياء الشعبي الناتج عنه، فإن عمليات الإصلاح لا يمكن أن تتحقق خارج مؤسسات الشعب الناظمة للدولة بغض النظر عمن يرأسها. كما لا يمكن أن تتشكل معارضة منظمة فاعلة خارج الدولة، حيث تمسك الدولة فيها عبر مؤسساتها بكل آليات الأنشطة الإنسانية الاجتماعية والاقتصادية. لذا غالبا ما تلجأ هذه المعارضات بموقفها النخبوي المعزول إلى التعاون، بعد إفلاسها المطلبي، مع قوى الخارج في عملية اختراق للنظام الوطني، عبر تضخيم الأخطاء، وعبرنشر بدائل سياسية تتكئ على مقولات نظرية، مستقدمة ومروج لها إعلاميا، تتعارض مع الواقع الوطني الشعبي. مما يجعل هذه المعارضة في حالة تصادمية مع الشعب، يقف فيها الشعب إلى جانب السلطة رغم المآخذ على ممارساتها، خاصة في أزمنة التهديد دفاعا عن كيان الوطن.

إن انهزام جيوش الأنظمة في معارك الدفاع عن الكيان السياسي ووجود الوطن، لا يرتبط بالضرورة بحالة تخلف أو تقدم شعوب تلك الكيانات، كما أن كسب المعارك العسكرية لا يعني تقدم أو رقي شعوب الدول الغازية. إذ أن الدول الغاصبة لا تتورع عادة عن هدم أسس وبنى الشعوب الطموحة وإعمال القهر بأبنائها، خاصة تلك الشعوب التي تمتلك من حضاراتها مقياسا للارتقاء العقلي ودافعا للتقدم يمكن أن تهدد إنجازاته مستقبل مشاريع الدول الغازية ومصالحها. وهذا ما اتبعته الدول الغربية الاستعمارية من إجراءات قهرية في مواجهة شعوب المنطقة العربية قبل وعقب انفصالها عن الدولة العثمانية منذ بداية القرن الماضي حتى تاريخه ومنها حرب حزيران 1967.

وكما هو ثابت، فإن تطور الرأسمال الاستثماري العالمي وامتلاكه لتقنيات الإنتاج وأدواته وإدارات تحريكه، أوجد لديه حاجة نهمة إلى الأسواق لتحقيق التراكم الربحي، مما أوقع هذا العالم في حالة من الفوضى المدمّرة، أرجعت الشعوب إلى أزمنة الهمجية وقانون القوة المغتصبة، أصابت مفاعيلها المنطقة، بما يقتضي من قواها المفكرة العمل على تجاوزها:

ففي زمن الاستبداد والقهر المنظم للشعوب، في زمن استفحل فيه نهج التزوير وقلب وخلط المفاهيم الناظمة لحقوق المجتمعات، في زمن سادت فيه الأمّية السياسية والانتهازية وازدهرت فيه التجارة بالمبادئ وبالقيم وبأحلام الجماهير، في زمن تجري فيه جرائم القتل والإبادة والاغتصاب والتهجير والتشريد والتدمير باسم التحرير والبناء؛ على إيقاع أهازيج الفرح الديمقراطي الأمريكي، ووسط صمت ونوم ورضى العالم المتحضر ومنظماته الإنسانية المخادعة، كما تطلعنا الأنباء اليومية عما يحدث في العراق وفلسطين ومناطق عديدة في العالم؛ في هذا الزمن ليس أمام الشعوب الفقيرة والمستضعفة سوى: العودة إلى الثوابت المبدئية لحقوق الإنسان والحرية التي أقرّتها الأعراف المتوارثة وأعلنتها الإنسانية في ثوراتها الكبرى ضد الطغيان، ورفع راية النضال وممارسة دورها الكفاحي الطبيعي من أجل استعادة حقوقها المغتصبة وحق الحياة لها ولأجيالها القادمة.

كان لأهمية المنطقة العربية وثرواتها الاستراتيجية، والتطلع المبكر لمتنوري الشعوب العربية إلى مشروع تاريخي لبناء دولة العرب القومية وفق معايير العدالة والتقدم - حتى منذ ما قبل الثورة العربية الكبرى التي قادها أحرار العرب عام 1916 - أوجد حذرا وهواجسا قلقة لدى الدول الاستعمارية، ساهم في تحريضها على تنفيذ مغامرة مشروعها التقسيمي للمنطقة العربية واحتلالها، والوعد بإقامة دولة إسرائيل. وكانت ثورات التحرير المشرقية وإنجازاتها الاستقلالية، وتنامي الوعي النهضوي العربي القومي في مصر بمثابة المؤشرات الخطرة التي تتعارض مع مخططات الدول الاستعمارية مما حتّم انهزام الجيوش العربية المتحالفة على حدود فلسطين، وحدوث نكبة 15 أيار 1948 وقيام دولة إسرائيل.

ورغم الحدث الكارثي فإن النكبة لم تفرز تخاذلا واستسلاما، بل كانت حافزا لاستعادة الشعوب العربية لدورها، والى تحركها التحريري لبناء ذاتها وإقامة أنظمتها وتنصيب قادتها وأحزابها، واكتشاف مهامها في إقامة دولة الوحدة وثورات التغيير من دمشق وبغداد إلى مصر ومن الجزائر والسودان إلى جنوب بلاد العرب. وكان لإنجازاتها في أعمال التقدم والبناء الاقتصادي والمجتمعي والتحرير السياسي في دولها القطرية من منظور العروبة ومفهوم الوحدة السياسية للعرب، عاملا في التحريض على إحداث النكبة الثانية في 5 حزيران 1967 لإغلاق باب الطموحات وإسقاط شعوب العرب وقياداتها.

لقد كان انهزام الجيوش العربية في 5 حزيران بما تتضمن إعلانا عن قصور سلطات الأنظمة الحاكمة أمام وعي شعوبها المتقدم، وعن فشلها في تحقيق طموحات هذه الشعوب والدفاع عنها، مما حدا بتلك الشعوب إلى الخروج عن التقليد الدولتي وعن سلطاتها الحاكمة، وبالتالي إلى إيجاد كل المبررات لاستعادة دورها عبر منظمات القتال العربي الفلسطيني الإستشهادي لردّ العدوان وتحرير فلسطين والأراضي المغتصبة، وقد أوجد هذا لديها تقليدا شعبيا يتم اعتماده خارج عجز الأنظمة في مهام التحرير والمواجهة ضد كل عدوان، وكان هذا مقدمة لاستنهاض الشعوب العربية الذي أثمر فيما بعد عن انتصار محقق لجيوشها في حرب تشرين 1973.

إن حيوية الدفق الحضاري العربي القادم من التاريخ، الذي حملته شعوب المنطقة عبر ترحالها في الزمان وتجوالها في جغرافية المكان، قد رسّخ لديها شعورا متعاظما بقدر ذاتها وأهمية دورها الرسالي، بما يقتضي منها ضرورة الإنفكاك من قيود التخلف ومواجهة عوالم التحدي الكوني في أشكال حضارية أخرى مبتكرة.

لذا لا يمكن لأحد الإدعاء بأن المتغيرات الطارئة على الساحة العالمية - ظهور قوى واختفاؤها ولعبة التوازن بينها- كانت العامل الأساسي في نهوض المشروع القومي أو انحساره؛ واستطرادا: من الخطأ إجازة القول بأن المواجهة الرافضة بأنواعها كانت سلبا مطلقا، بل هي إضافات نوعية أغنت تجربة العقل العربي.

إن التراكم الحضاري للشعوب العربية في تحولاته الواعية، قد شكل تهديدا موجعا للعالم الهمجي منذ بداياته الصليبية المغولية، عقب الضعف العربي في القرن 11 ميلادي إلى الرأسمالية الاستثمارية في أزمنة تحولاتها الاقتصادية المفصلية الحديثة. ولقد كانت عودة هذا الرأسمال إلى مشروع تفكيك المنطقة العربية، وإشغال شعوبها وسلطات أنظمتها بمكاسب الثروة الإقليمية - دول النفط المرتهنة- وإغراءات إقامة دول الإثنيات والمذاهب والطوائف، تتزامن وتترافق مع نمو حجم هذه الاستثمارات في كل مرحلة وحاجتها إلى التوسّع في الأسواق وتغيير أنماطها، ومن جهة مقابلة مع تحقق النمو النوعي في الوعي الشعبي العربي وإصراره على الرفض المقاوم وبناء الذات.

إن استراتيجية رأسمال الاستثمار العالمي، وإن كانت تستخدم أحدث أدوات الغزو تقنية وأكثرها فتكا عبر إدارات الدول(الأورو أمريكية) في حروبها المباشرة، كما حدث في أفغانستان والعراق؛ إلا أنها لم تزل تحاول إخضاع الشعوب بعقلية الماضي المتخلف، وأساليب مرحلة الاستعمار الفجّة. إذ لم تزل تنزع إلى الإرهاب والعنف المباشر، أو إلى الفتنة بإغراء الإثنيات والمذاهب والطوائف المختلفة المتواجدة في المنطقة العربية، وإلى وضع منظومات معرفية سياسية تؤسس عليها مطالبها لتفكيك الدول القائمة، وإنشاء حالة نزاع وتقاتل بين أهالي المنطقة دون الأخذ بتطور تجارب ووعي هذه الشعوب وتعاونها وتساندها فيما بينها على الممانعة.

وكانت الحروب ذات المضامين الطائفية والشعوبية المعلنة على العراق منذ سنوات البداية في السبعينات من القرن الماضي، ومؤامرة الحصار على شعبه ومن ثم احتلال وإزالة دولته وحكومتها الشرعية وأسر قادته إنما كانت جزءاً من مخططات هذا الرأسمال، في سعيه لنشر أجواء تنميط مثل هذه الأوضاع وتطبيعها في ذهنية شعوب المنطقة لإنجاز مشروع الشرق الأوسط الكبير، المتجه في خطواته الحالية إلى محاصرة الكيان السوري وتدمير شعبه، وإلى إسقاط ودحرجة سلطات ودول المنطقة الموالية والمعارضة في كل الإتجاهات إلى حدود كتل الصراع الكبرى الصين واليابان وروسيا وأوروبا.

على هامش هذا الصراع المصيري الطويل وحراكه الجدلي المتقابل بين الشعوب العربية وأعدائها، الذي تصيغه وتحسمه المقاومة المجابهة والمقاتلة لصالح شعوبها وتقدمها، كانت تنشأ نزعات "متغربة" عن الأرض والمجتمع لبعض شرائحها، في غمار صراع أشخاصها السلبي - كفائض وظيفي غير مرغوب - مع السلطات الحاكمة على مغانم الدولة، تتسم بالسطحية والطفولة السياسية الاستسلامية، ولا تمانع هذه الشرائح بأن تجد الحلول لمآزقها في تقويض الدولة والمجتمع بالإستقواء بالأجنبي على حساب مصالح شعوبها الوطنية والقومية.

نرى نماذج هذه النزعات في القوى التي دخلت العراق على متون جنود الاحتلال وآلياته، وأقامت نظام القمع والنهب الطوائفي المستوظف لدى إدارة الاحتلال في المنطقة الخضراء في بغداد. هذه القوى المرتبطة تاريخيا بالعقلية الفارسية الصفوية، ترى توازناتها ومصالحها السياسية المحلية في مواجهة العرب على أرض العراق الموحد، بالتشارك مع الغرب المتأسرل بقواه المباشرة المحتلة، أو المحاصرة الضاغطة بأساطيلها وقواعدها على أرض وشواطئ بحار المحيط العربي.

وقد شرعت هذه القوى في إرسال دعاتها من المرتزقة إلى دول الجوار العربي لاختراق حالة التأييد الشعبي العربي للمقاومة العراقية بغية حصارها وإنهائها عبر إغراءات مال النفط المسروق، ذلك بعد أن أفشلت قوى المقاومة المقاتلة مشروع هذه القوى على أرض العراق.

وغدا العراق بؤرة الثورة العربية الجديدة، وفصائل المقاومة الوطنية فيه على تنوعها مثلا وأملا للعرب في المجابهة والتحرير لاسترداد الأراضي المغتصبة وصنع مستقبلهم الواعد.


سليم نقولا محسن
تاريخ الماده:- 2005-06-12


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:04 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59