ملتقى شذرات - فيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ

اللهمَّ اِجْعلْنا مِن السَّابِقينَ إليها بِرَحمتِكَ يا رَبَّ العالمينَ، الأَسِّرَةُ والأَرائِكُ عاليَةٌ شامِخَةٌ شاهِقَةٌ في جنَّاتِ النَّعيمِ لِماذا؟ لأنَّ كُلَّ مَن يَدْخُلُ الجنَّةَ فهوَ مَلِكٌ مُتَوَّجٌ، ومَمْلَكَتُهُ في الجنَّةِ مِن الاتِّسَاعِ بِمَكانٍ، أَعلَمَنا حبيبُنا صلى اللهُ عليه وسلَّمَ عن رَبِّنا تباركَ وتعالَى: ((أنَّ أدْنَى أهْلِ الجنَّةِ مَنزِلَةً، وهوَ آخرُ رَجُلٍ يَخرُجُ مِن النَّارِ، بعدَما تَطَيَّبَ وتَطَهَّرَ فيها، يَقولُ لَهُ رَبُّ العالمينَ اُدْخُلِ الجنَّةَ، ولكَ مِثْلُ الدُّنيا وعَشْرَةُ أمْثالِها مَعها)) يعنِي أقَلَّ إنسانٍ سيَدْخُلُ الجنَّةَ لَهُ مِثْلَ الدُّنيا بِطُولِها وعَرْضِها إحدَى عَشْرَةَ مَرَّةٍ، فما بالُنا بِمَن هُم سادَةُ عِبادِ اللهِ تعالَى: {مِن النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصالِحينَ} لا شَكَّ أنَّ مَنازِلَهم ومُلْكَهم في الجنَّةِ، مهما تَخَيَّلَ المُتَخِيِّلُونَ، فَلَنْ يَصِلُوا إلى مِقْدارِهِ، ولا إلى اتِّساعِهِ، ولا إلى عَظَمَتِهِ: {وإذا رَأَيتَ ثَمَّ رَأَيتَ نَعيماً ومُلْكاً كَبيراً} ومَع عَظَمَةِ هذا المُلْكِ الكَبيرِ، واتِّساعِهِ، إلَّا أَّن عبْدَ اللهِ يُعطَى قُوَّةً ومَقْدِرَةً على أنْ يَرَى جَميعَ مُلْكِهِ، مِن أوَّلِهِ إلى آخرِهِ، لِيَتَمَتَّعَ بِهِ جَميعاً، وأُعينَ على ذلكَ بِهذِهِ **السُّرُرِ المَرْفوعَةِ** العاليَةِ الشَّاهِقَةِ، والتي إذا أرادَ أنْ يَصعدَ عليها تَتَواضَعُ هيَ لَهُ حتى يَسْهُلَ عليهِ صُعُودِها، ثُمَّ بعدَ أنْ يَسْتَويَ عليها تَرْتَفِعُ بِهِ إلى ما شاءَ اللهُ، وكذلكَ إذا أرادَ أنْ يَنزِلَ بِمُجرَّدِ أنْ يَخْطُرَ على بالِهِ تَتَواضَعُ لَهُ لِيَنزِلَ عنْها، لِيَسيرَ في مَمْلَكَتِهِ، يَشرَبُ مِن أنْهارِها، ويَأْكُلُ مِن ثِمارِها، ويَتَمَتَّعُ بِخَيراتِها التي لا حُدودَ لَها، والتي مَهما تَخيَّلَ المُتَخيِّلونَ لَم يَصِلُوا إلى ذَرَّةٍ مِمَّا هُنالِكَ، كما أخبر حبيبُنا صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((فيها ما لا عَينٌ رَأَت، ولا أُذنٌ سَمِعت، ولا خَطَرَ على قَلبِ بَشَر)) وهوَ نَعيمٌ مُتَجَدِّدٌ، زائِدٌ زِيادَةً لا نِهايةَ لَها، ولا انْقِطاعَ لَها، قالَ جلَّ في عُلَاهُ: {لَهم ما يَشاءونَ فيها ولَدَيْنا مَزِيدٌ} إذاً لا مَلَل، لا كَدَر، لا خَوف، لا حُزن، لا هَمّ، لا غَمّ، لا مَرَض، لا كَذِب، لا غِيبة، لا نَمِيمة، لا زُور، لا بُهتان، لا مَوت، لا ظُلْم، لا حِقد، لا حَسد، لا ضَغائن، لا مَكر، لا خَدِيعة، {إلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً}.
اللهمَّ يا رَبَّنا لا تَحرِمْنا مِن مُرافَقَةِ حَبيبِنا صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وجِوارِهِ فيها في أعلَى عِلِّيينَ، بِرَحمتِكَ يا أرحمَ الرَّاحمينَ.

:1: