ملتقى شذرات - السعي لترويض الذرات حقيقة أم خيال؟

هذا حديث أجرته مجلة newscientist الإلكترونية مع «براتيبها جاي» Pratibha Gai، أستاذة الفحص بالميكروسكوب الإلكتروني بجامعة يورك البريطانية، التي أحدثت ثقوباً دقيقة في ميكروسكوبات إلكترونية تزن ملايين الأرطال كي تصنع منها كاميرات سينمائية ذرية تصلح لتصوير الذرة. إنها تحاول فهم حياة الذرات:

يمكن للميكروسكوب الإلكتروني التقاط صور لذرة واحدة، ما الذي ترغبين في رؤيته علاوة على ذلك؟

- الميكروسكوبات الإلكترونية العادية لا تعمل إلا في الفراغ، وكثيراً ما لا يمكن لها العمل إلا في درجة حرارة الغرفة. لكن الكثير من التفاعلات الكيميائية تحدث عند درجات حرارة مرتفعة، وفي وجود غازات، فنحن هكذا لا نستطيع استخدام الميكروسكوبات حقاً للدخول إلى داخل التفاعلات أثناء حدوثها. نحتاج لكي نفهم هذه العمليات إلى أن نكون قادرين على ملاحظتها مباشرة.

ما الذي قررت عمله إذن؟

- واتتني فكرة فجأة، لماذا لا أحدث ثقباً يمر عبر عدسة الميكروسكوب، وأمرر من خلاله غازاً إلى حيث توجد العينة؟ هذا هو السبب في أني لست مضطرة لتفكيك الآلة، وكل شيء سيظل سليماً. لكن الأمر يطرح تحديات كبيرة، فضغط الغاز يزيد ببلايين المرات عند مروره خلال هذا الثقب الذي يبلغ قطره 5 ملليمترات عن ضغطه في بقية التجربة.

ما سعر الآلة التي نويت إحداث ثقب بها؟

- أكثر من مليون دولار أمريكي.

هل كنت متوترة؟

- هذا هو السبب في أني صنعت نموذجاً يحاكي الآلة الأصلية لأجرب فيه أولاً. وحين نجحت التجربة، حاولت إجراءها على الآلة الحقيقية. كان الجميع قد ذهبوا إلى اجتماع. أدخلت الغاز، وسخنته، وأدرت مفتاح فتح طريق الشعاع. حبست أنفاسي، ورفعت عيني لأنظر إلى شاشة جهاز العرض. إنه حقيقي هذه المرة، ورأيت للمرة الأولى في العالم الذرات وهي تفعل فعلها في التفاعلات الكيميائية، وتغير من تركيبها الذري. كانت لحظة مدهشة. كانت لحظة مثيرة تماماً.

فعلت هذا للمرة الأولى في عام 1993، فكيف غير الفهم الناتج عن هذه التجربة من العالم الآن؟

- نحن نستخدمه لنساعد على تحويل النباتات إلى وقود حيوي، خاصة الديزل الحيوي. رأينا باستخدام الميكروسكوب أن العيوب البسيطة الموجودة على سطح العامل المحفز كانت ذات فائدة قصوى للتفاعل. وقد سمح لنا هذا بتحسين الأداء ليعطينا المزيد من النواتج. كنا نعمل أيضاً على الجزيئات متناهية الدقة من المضادات الحيوية (التي تقاس بالنانومتر) لنسيطر على تلوث المزارع الطبية بالميكروبات، فحين نحفز بيئة الجرح، نرى أن هذه الميكروبات قوية بشكل لا يصدقه عقل.

إذن، لو فهمت كيف تعمل الذرات لتمكنت من جعل التفاعلات أكثر كفاءة؟

- لو استطعنا ترويض الذرات لتفعل التفاعلات التي نرغبها بدلاً من تركها تعمل ما تريده هي، لكان هذا أجدى اقتصادياً. ففي مجال الطاقة، يمكننا بدلاً من استخدام أطنان من المواد أن نستخدم فقط آلاف أو ملايين قليلة من الذرات لأداء نفس العمل. هذا سيوفر الكثير من المال من حيث المواد اللازمة.

هل سجلت براءة اختراع ميكروسكوبك المثقوب لضمان حقك في احتكاره؟

- أنا عالمة، وأؤمن بالبحث العلمي. لقد فعلت ذلك لأدرس التفاعلات الكيميائية. وبعد أن نشرت بحثي، أردت أن يكون متاحاً لغيري من الباحثات والباحثين. إذا سجلت براءة اختراع ما لضمان احتكاره لا يمكنك نشر جميع تفاصيل البحث. وأنا بنشري للبحث يمكن أن أساعد غيري من الناس، وقد نفعنا ذلك أيضاً في الحصول على منح، وتمويل للأبحاث.

بعض الناس يعتقدون أن الكيمياء مملة؟

- لا ألبتة، بل هي مدهشة ومثيرة.

لكنك حتى لم تبدأي حياتك العملية ككيميائية؟

- حين تركت المدرسة في الهند، ذهبت إلى جامعة كمبريدج لأدرس الفيزياء. في هذا الوقت، لم أكن مهتمة بالكيمياء خارج نطاق البحث الميكروسكوبي. لكني ذهبت بعد ذلك لأعمل مع أستاذ كيمياء في أكسفورد، وقد كان له الفضل الأكبر في إثارة حماسي نحو التخليق الكيميائي. ثم أدركت أن بإمكاني استخدام معرفتي بالفحص بالميكروسكوب الإلكتروني الذي تعلمته في كمبريدج لفهم ما صنعته. لقد كان مزيجاً هائلاً ومدهشاً من علمين. حضرت اجتماعاً، وقلت إن أحداً لم يفعل ذلك من قبل. وما لم تفعل شيئا جديداً – مجنوناً تماماً - لن يلحظ أي أحد ما تفعله، ويصدق هذا على النساء خاصة.

لا يمكن أن يضم مجال عملك عدداً كبيراً من النساء في ذلك الزمن الماضي؟

- كنت المرأة الوحيدة في دفعتي في كمبريدج. كان هذا أمراً محبطاً بعض الشيء، لأني أعتقد أن علم الفيزياء على الأقل في تلك الأيام – منذ ثلاثة عقود خلت - كان حكراً على الذكور.

وكيف تعاملت مع ذلك الوضع؟

- لقد قبلوني بوصفي عالمة، لكني أعتقد أن على المرأة أن تعمل أكثر من الرجل لتنال الاعتراف بجهودها. لم يكن لدينا في تلك الأيام قدوة نحتذي بها. وقد أدركت أن الظريف بالنسبة للعلوم أنك لو كان لديك فكرة، وخرجت ببعض النتائج، سيمكنك حقاً أن تنشرها، ولن يحتاجوا لأن يعرفوا أنك امرأة.

هل تعلمت شيئاً من هذه التحديات؟

- تعلمت أني يجب أن أكون صالحة للتنافس، ومن ثم يجب أن أعمل بمزيد من الجد. وما فعلته أني وجدت مكاني المناسب. والقائد في أي مجال ينبغي أن يركز على ما ينجزه لا على نوعه (من رجل أو امرأة). من المهم إذن البحث عن شيء جديد، لو كان في مجالك ناس آخرون، فلن تكون ناجحاً جداً ما لم تكن ذكياً.