ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=42)
-   -   تربية الشباب - الأهداف والوسائل (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=2368)

Eng.Jordan 02-18-2012 07:25 PM

تربية الشباب - الأهداف والوسائل
 
تربية الشباب - الأهداف والوسائل
المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،أما بعد: فقد كان من إيجابيات الصحوة الإسلامية اليوم أن قامت بجهد تربوي، وقدَّمت برامج لإعداد الناشئة ورعايتهم. وهو جهد متميز، وتجربة فريدة تُسجَّل لجيل الصحوة، ونتائجه التي نراها في الواقع ناطقةٌ بذلك. وهو جهد يفوق الإمكانات والطاقات العاملة فيه. ومع تميز هذا الجهد إلا أنه لا يزال يعاني من قصور ومشكلات، أفرزتها عوامل عدة، منها: 1- أنه يعتمد على فضلة أوقات المربين والمتربين؛ إذ هو يتم فيما فضل مَنْ أوقات العمل والدراسة، والنوم والراحة، والارتباطات الاجتماعية والعائلية. 2- أن الهوة الواسعة بين المتطلبات والإمكانات، وبين أعداد من يفتقرون إلى التربية وأعداد المربين، أدت إلى الاعتماد على عناصر تملك خبرة وتأهيلاً أقل مما ينبغي لمثل هذه المواقع. 3- عدم وجود برامج أُعدت بطريقة علمية لإعداد المربين وتأهيلهم، يضاف لذلك ضعف اعتناء كثير من المربين بالرفع من مستوى تأهيلهم؛ مما زاد من الممارسات المعتمدة على المحاولة والخطأ، وتعميم التجارب الشخصية المحدودة. 4- الفقر الشديد في الدراسات والكتابات التربوية التي تجمع بين الخبرة العلمية والتخصص، وتبتعد عن اللغة العلمية المتخصصة التي قد تصعب على كثير من المربين. 5- أن التجربة التربوية لجيل الصحوة تجربة فريدة، وفيها جوانب من الخصوصية أفرزت إشكالات وتساؤلات لم تكن مطروحة في الأدبيات التربوية المتخصصة، ومن ثم يصعب على المربين أن يجدوا في المكتبة التربوية ما يجيب بعمق على بعض تساؤلاتهم. 6- أن محاضن الصحوة التربوية تسير ضد التيار؛ فكثير من مجتمعات المسلمين ونظم التعليم، وأجواء المدارس، والأسر، كل ذلك في أحيان كثيرة يفسد ما يبنيه المربون. 7- أن كثيراً من المشكلات ومظاهر القصور التربوي في مجتمعات المسلمين انعكست على الأفراد، كالسطحية في التفكير، والتخلف الحضاري، وضيق الأفق، وضعف الثقة بالنفس….إلخ، مما أضاف على المربين عبئاً هائلاً، ويزيد الأمر تعقيداً أن المربين أنفسهم من أبناء هذه المجتمعات، فورثوا هذه الأمراض كغيرهم وصارت جزءاً من تفكيرهم(1) ومن أبرز مظاهر هذا القصور - الذي كان نتاج تلك العوامل وغيرها-: الضعف التربوي الذي يبدو لدى فئات كثيرة، وضعف الفاعلية والإنتاجية، وغياب المبادرة، وبروز حالات التساقط والتراجع….إلخ. ومع ذلك يبقى الجهد التربوي لجيل الصحوة جهداً يستحق الإشادة، ومظاهر القصور والضعف ينبغي أن تدفعنا إلى التصحيح والإصلاح، لا إلى النقد اللاذع والاستهانة بجهود العاملين، فلأن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة. ومن ثم تجيء هذه المحاولة من الكاتب لوضع بعض الإشارات والإضاءات للمربين، علَّها تسهم في وضع لبنة في هذا البناء الشامخ بإذن الله تعالى، وقد سعيت أن يكون هذا الكتاب كافياً لما يحتاجه المربي حديث الخبرة من أهداف تربوية ووسائل تعين على تحقيقها، وتحدثت فيه بإيجاز عن الأهداف التربوية وصياغتها، ثم عن أهم خصائص المرحلة وسماتها، وبعد ذلك تناولت الأهداف التربوية مقسماً لها على مجالات رئيسة، فأذكر في كل مجال هدفاً عاماً، ثم أتبعه بوسائل عامة، ثم أختم بذكر أهداف فرعية، وأشير في ثنايا كل هدف إلى بعض الوسائل المعينة على تحقيقه، وقد تتكرر بعض الوسائل لارتباطها بأكثر من هدف، كالقدوة على سبيل المثال. وحرصت قدر الإمكان على الإيجاز وعدم الاستطراد، إلا فيما أرى أن له أهمية، كما تجاوزت الحديث عن القضايا التي أعتقد أنها بدهية بالنسبة لجمهور المخاطبين بهذا الكتاب، كالحديث عن المضامين التربوية ونحو ذلك، وسيبقى ما يحتاج إلى إجمال أو تفصيل، أو ذِكْر أو إهمال قضية نسبية تختلف فيها الآراء. ومع أن فكرة هذا الكتاب ومعظم مادته كانت لدي منذ مدة مضت، إلا أني ترددت كثيراً في إصداره، وآثرت الانتظار والتريث لأهمية مثل هذا الموضوع، وأخيراً استعنت بالله في إصداره، وكلي أمل أن يقرأه المربون بعين النقد لا بعين التلقي، وأن يتعاملوا معه على أنه رأي شخصي لا مسلمات علمية، وأنه مهما اجتهد الكاتب في تحريره والاعتناء به فلن يخرج من أسر التجارب والخبرة الشخصية المحدودة في إطار الزمان والمكان، ولن يخرج من أسر القصور البشري، فما كان فيه من حق فبتوفيق الله وعونه، وما كان من قصور فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله بريئان مما أقول. ولا أنسى هنا أن أسجل شكري وتقديري لكل الإخوة الذي تفضلوا بقراءة مسودة الكتاب ووافوني بملحوظاتهم، وعلى رأسهم الدكتور محسن المحسن أستاذ أصول التربية المساعد، والدكتور خالد العودة أستاذ أصول التربية المساعد، والدكتور عبدالله العثيم أستاذ المناهج وطرق التدريس المساعد، والدكتور خالد بازيد استشاري الطب النفسي، والأستاذ عبدالرحمن المزروع المشرف التربوي، والأستاذ عبد الله البريدي، وغيرهم. والله أسأل أن يكون في هذا الجهد فائدة وعونٌ للمربين، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه،،،، محمد بن عبدالله الدويش الرياض7/3/1422ه ص ب 52960 الرياض 11573 dweesh@dweesh.com

-------------------

حاشية:

(1)(يدور اليوم في أدبيات الصحوة نقد لاذع لهذه الأمراض والمظاهر، لكن زوالها يحتاج لكسر الحلقة المفرغة، ففاقد الشيء لايعطيه، وإدراك المشكلة ليس وحده كافياً في حلها، وإن كان خطوة مهمة.).

الفصل الأول: الأهداف التربوية

إن العمل المنتج هو العمل الذي ينطلق من أهداف واضحة محددة، يعيها العاملون، ويوظفون الإمكانات والوسائل المتاحة لهم لتحقيقها. والهدف في اللغة -كما قال ابن فارس-: "الهاء والدال والفاء أصيل يدل على نصب وارتفاع، والهدف: كل شيء عظيم مرتفع، ولذلك سمي الرجل الشَّخيص الجافي: هدفاً...والهدف: الغرض...وأهدف لك الشيء: انتصب"(1) ويمكن أن نحدد مفهوم الهدف التربوي -بعيداً عن الجدل المنطقي حول أزمة التعريف- بأنه: التغير المرغوب الذي تسعى العملية التربوية إلى تحقيقه لدى الفرد أو لدى المجتمع. وثمة أمور لابد من مراعاتها ونحن نتحدث عن الأهداف: الأول: التوازن بين إهمال الأهداف والإغراق فيها؛ فالعمل دون هدف واضح محدد مدعاة للتخبط والاضطراب، ولذا قيل: إذا خرجت من منزلك بدون هدف فكل الطرق توصلك إلى المكان الذي تريد، وأولئك الذين يعملون دون أهداف واضحة تتنوع اجتهاداتهم، وتختلف طرقهم وأساليبهم بين يوم وآخر. ومع ذلك فالاعتناء بالأهداف ينبغي أن لا يؤدي إلى التحول إلى آلة، بحيث يتطلع الإنسان إلى أن يكون هناك هدف واضح ومحدد لكل عمل صغير وكبير يقوم به، وتكون كل كلمة أو توجيه قد صدرت عن تخطيط واعتبار. فالإنسان بشر يعتريه ما يعتريه، ولو استطاع الالتزام الصارم بالتخطيط في الصغيرة والكبيرة مدة محددة، فإنه لن يستطيع ذلك على المدى الأوسع. ثم إنه تخطر للمربي خواطر، وتجدُّ له قضايا، والإغراق في التحديد الدقيق المسبق والمفصل للأهداف يحول دون الاستفادة مما يجد من ذلك. فالاعتدال والوسطية سنة الله في خلقه وشرعه. الثاني: المناداة والمطالبة بتحديد الأهداف والانطلاق في العمل منها جزء من التفاعل مع تطور الحياة المعاصرة وتعقدها، وقد كان من نتاج هذا التطور نشأة علوم وتفرع تخصصات، كعلم الإدارة والتربية والاجتماع وعلم النفس، وسائر فروع العلوم الإنسانية التي لم تكن معروفة من قبل، كما كان من نتاج ذلك التفرع الدقيق في التخصصات. ومن ذلك تغير برامج طلب العلم ووسائله، الذي كان في إطار المساجد والحلق، فنشأت الجامعات بأنظمتها وبرامجها. وكما أن الأخذ بأسباب القوة المادية مطلوب اليوم، فالأخذ بهذه الأسباب التي هي من الأسباب المعنوية أمر له أهميته. الثالث: السعي للتأصيل الشرعي، والاستدلال بالنصوص الشرعية، والاهتداء بعمل النبي صلى الله عليه وسلم أمر له أهميته، بل هو مطلب لابد منه لضمان السير على المنهج الشرعي في الدعوة والتغيير، لكن مما ينبغي أن يلحظ في هذا الإطار: أ - أن من الأهداف ما يدخل تحت أصول شرعية عامة، كتقديم الأولويات، ورعاية المصالح ودرء المفاسد، وسد الذرائع….إلخ. وليس بالضرورة أن يكون لكل هدف دليل أو نص خاص. ب - من الأهداف ما أملته ظروف العصر، وأفرزه القصور التربوي السائد في مجتمعات المسلمين، وهذا لا يفتقر إلى استدلال؛ إذ هو جزء من صفات الإنسان السوي المنتج، لكن الواقع المعاصر أسهم في فقدانه. ومن الأمثلة على ذلك: تنمية المبادرة الذاتية، وكثير من الأهداف في الجانب العقلي. ج - أن كثيراً من الوسائل تدخل في إطار الأصل العام للوسائل وهو الإباحة؛ فكل وسيلة تؤدي إلى غاية دعوية مشروعة - ما لم تكن محرمة في ذاتها- فهي مباحة، وتعاطيها سائغ، وليس شرطاً أن يكون قد ورد فيها نص يدل على مشروعيتها، والمطالب بالدليل هو من يَمنع لا من يبيح(2) د - كثيراً ما نستدل على بعض الوسائل الواردة في ثنايا هذا البحث بما ورد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم من باب تدعيم الحديث في ذلك والتأكيد عليه، لكنه لا يعني افتقار جواز إتيان تلك الوسيلة إلى النص عليها كما سبق بيانه، وإن كانت الوسائل النبوية - ما لم تكن أملتها ظروف العصر وطبيعته - أولى وأجدى من غيرها. وظيفة الأهداف التربوية: يعد تحديد الأهداف التربوية نقطة الارتكاز والمنطلق الأساس في العمل التربوي، وتكمن أهمية الأهداف ووظيفتها فيما يلي:- 1- أنها تشكل الأساس والمنطلق في العملية التربوية كلها؛ إذ هي تعني حشد الطاقات والإمكانات للوصول لهذه الأهداف. 2- أنها تسهم في اختيار المربين وتتحكم في ذلك؛ فالمربي الناجح هو الذي يستطيع تحقيق هذه الأهداف وتحويلها إلى واقع ملموس. 3- أنها تسهم في تحديد البرامج والوسائل التربوية، فهي إنما تقام لتحقيق هذه الأهداف. 4- أنها تسهم وتتحكم في تحديد مضمون ومحتوى ما يقدم من معارف ومعلومات. 5- أنها تسهم في الاستثمار الأمثل لأوقات العاملين وجهودهم؛ فعدم وضوح الأهداف يؤدي إلى ضياع أوقات وجهود كثيرة. 6- أنها تمثل الأساس والمنطلق في تقويم العمل التربوي، فالتقويم إنما يتم بناء على مستوى ما تحقق من الأهداف(3) شروط صياغة الأهداف: حتى تؤدي الأهداف وظيفتها المرادة لابد من أن تتحقق فيها شروط عدة، ما بين شروط تحقق لها الانضباط بضوابط الشرع، وشروط في صياغتها ولغتها، ومن ذلك: 1-أن تكون مشتقة من الثوابت والأصول الشرعية، متفقة مع منهج أهل السنة والجماعة، بمفهومه الواسع الشامل. 2- أن تراعى في أولوياتها المقاصد الشرعية؛ فتعطي كل جانب ما يستحقه دون إفراط ولا تفريط، فلا تقدم السلوك مثلاً على الاعتقاد. 3- الواقعية بحيث تكون ممكنة التطبيق، فلا تكون مثالية موغلة في الخيال. 4- لشمول بحيث تشمل الجوانب التربوية للفرد والمجتمع كلها، ولا تكون قاصرة على مجال دون غيره. 5- أن تصاغ بطريقة علمية سليمة. 6- الوضوح والدقة، بحيث لا يختلف اثنان في تفسيرها. 7- أن تكون محددة غير عائمة، وألا يشتمل الهدف على أكثر من عنصر(4) مستويات الأهداف: تقسم الأهداف التربوية إلى ثلاثة مستويات: (أعلى ومتوسط ومحدد)، ويقسمها بعض من كتب في التربية الإسلامية إلى مستويات أربع، وتبقى مستويات الأهداف مجالاً للأخذ والعطاء،لأن فيها قدرًا من النسبية ومن التقسيمات الشائعة، مايلي: 1 - الغاية العليا: وهي تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى، ويجب أن تكون هذه الغاية هي التي تحكم سائر الأهداف، بل أن تكون جميع الأهداف موصلة إليها ومحققة لها، وهي غاية دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56) وعن ربيعة بن عباد قال: والله إني لأذكره يطوف على المنازل بمنى وأنا مع أبي غلام شاب ووراءه رجل حسن الوجه أحول ذو غديرتين، فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم قال: "أنا رسول الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً" ويقول الذي خلفه: إن هذا يدعوكم إلى أن تفارقوا دين آبائكم، وأن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلال. قال: فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب(5). بل الدعوة لتوحيد الله وعبادته هي غاية دعوة سائر الأنبياء {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:25). 2 - المستوى العام للأهداف: وهي التي تمثل الأهداف العامة لتربية الفرد والمجتمع المسلم وتكون مشتقة من الغاية وموصلة إليها. "والأهداف في هذا المستوى تفتقر إلى التحديد والواقعية، فهي عبارات عامة جداً يستريح لها القارئ فهماً وتنظيراً، ولكنه يجد صعوبة في ترجمتها لخبرات تربوية، كما أن المتربي لن يجد خطوات محددة يسير عليها، أو معالم بارزة ينتهي عندها"(6) لكنها ضرورية ولابد منها، وما يليها من الأهداف يشتق منها، ويوصل إليها، ومن أمثلة هذه الأهداف: - تحقيق البناء الإيماني في نفوس الطلاب. - رفع مستوى الصحة النفسية والاستقرار النفسي لدى الطلاب. 3 - المستوى المتوسط للأهداف: وهي الأهداف التي تختص بمرحلة دراسية أو عمرية أو مدة زمنية معينة، وهي تشتق من الأهداف العامة وتوصل إليها، وأغلب حديثنا في هذا الكتاب هو حول هذا المستوى. ومن أمثلة هذا المستوى: - تكوين الاعتزاز بالإسلام ومبادئه. - تنقية الدين من البدع والخرافات. - تعريف الطالب بقدراته وإمكاناته. 4 - المستوى المحدد للأهداف: وهي التي تكون خاصة بوحدة دراسية معينة، أو برنامج تربوي معين، وتشتق من المستوى المتوسط، وتكون أكثر تحديداً ودقة، ويجب أن تكون قابلة للقياس. ومن أمثلة هذا المستوى: - أن يستطيع الطالب تطبيق خطوات التفكير العلمي. - أن يفرق الطالب بين الركن والواجب في الصلاة. مثال يوضح مستويات الأهداف وتدرجها: ويوضح المثال الآتي تدرج الأهداف وفق المستويا ت المختلفة: فالإعداد الدعوي هدف عام اشتققنا منه أربعة أهداف متوسطة تؤدي إليه، وتحققه، ثم قمنا باختيار أحد الأهداف المتوسطة، واشتققنا منه أربعة أهداف محددة تؤدي إليه، كما يتضح من الشكل الآتي: وما سنذكره في هذا الكتاب حول الأهداف حديث عام، لا يغني المربي عن أن يضع خطة تفصيلية وأهدافاً محددة تتناسب مع طبيعة العمل الذي يقوم به، كما يتضح من الملحق.

----------------

الحاشية:

(1) (مقاييس اللغة 6/40.). (2) (انظر: لقاء الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمن (15/49)، قواعد الوسائل (317)، مجلة المشكاة (ع1) حكم التمثيل في الدعوة إلى الله). (3) (انظر: أهداف التربية الإسلامية. علي خليل أبو العينين (13-14)). (4) (انظر: أهداف التربية الإسلامية وغاياتها. مقداد يالجن (34-35) أهداف التربية الإسلامية. علي خليل أبو العينين (15-16). التخطيط والمتابعة بين النظرية والممارسة. طلال الغرياني (112-122).). (5) (رواه أحمد (15597).). (6) (علم النفس الدعوي (21)).

الفصل الثاني: خصائص المرحلة

المرحلة التي نتحدث عنها هي مرحلة الشباب، ويقع جزء كبير منها في مرحلة المراهقة، وهي مرحلة متميزة لها سماتها وخصائصها. ومن ثم فمن المهم التعريف بخصائص هذه المرحلة وسماتها، والحديث المفصل عنها يطول، لذا سنتحدث هاهنا بإيجاز عن أهم خصائص المرحلة وسماتها، وهذا لا يغني المربي عن الرجوع إلى الكتب المتخصصة للاستزادة حول هذا الموضوع. هناك أمور يشترك فيها معظم الناس وتسود في أغلب المجتمعات، وثمة صفات مرتبطة بالإنسان من حيث هو إنسان، إلا أن ذلك لا يعني أن المجتمعات والناس سيصبحون نسخة واحدة، فليس ما يصدق على أحدهم يصدق على سائر الناس، وهذا له صلة كبيرة بموضوع حديثنا. لذا فالعوامل المختلفة في المجتمعات تترك أثرها في حياة المراهقين، فيختلفون من عصر لآخر، ففي العصور السابقة التي كان يدخل فيها المراهق ميدان العمل في وقت مبكر، ويتزوج وهو صغير، كان المراهق أسرع نضجاً وأقل مشكلات من هذا العصر الذي تطول فيه مدة التعليم والاعتماد على الأسرة، ويتأخر الزواج وتحمل المسؤولية. وهم يختلفون من مجتمع لآخر، ويختلفون في المجتمع الواحد من بيئة لأخرى؛ فالمراهق في الريف والبادية يختلف عن المراهق في الحاضرة، والمراهق في المجتمع الصناعي يختلف عنه في المجتمع الزراعي، كما يختلف في المجتمع القبلي المترابط عنه في المجتمع المدني المعاصر الذي تقل فيه الروابط الأسرية والقبلية. ولذا فالمراهق في المجتمعات الإسلامية التي كانت تعيش صفاء الإسلام ونقاءه، لا يمكن أن يقارن بالمراهق الذي يعيش في حضارة العصر المادية التي اتسعت فيها ألوان الفساد والمؤثرات، ومن يقرأ السيرة النبوية يرى كيف كان الشباب - الذين عاشوا هذه المرحلة - في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في ميادين الجهاد ونصرة الدين، ولم يكونوا يعانون من هذه المشكلات التي يعاني منها المراهق اليوم(1). وكما يحصل الاختلاف بين المجتمعات، فهو كذلك بين الأفراد أنفسهم في المجتمع الواحد، بل في الأسرة الواحدة، ومع ذلك تبقى سمات مشتركة يلتقي فيها معظم المراهقين. مصطلح المراهقة: قال ابن فارس: "الراء والهاء والقاف أصلان متقاربان، فأحدهما: غشيان الشيء الشيء، والآخر: العجلة والتأخير. فأما الأول فقولهم رهِقه الأمر: غشيه.... قال الله جل ثناؤه: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} (يونس:26). والمراهق: الغلام الذي دانى الحلم… وأرهق القوم الصلاة: أخروها حتى يدنو وقت الصلاة الأخرى. والرَّهَق: العجلة والظلم. قال الله تعالى:{فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا} (الجن:13) والرَّهَق: عجلة في كذب وعيب" (2). والأصلان اللذان تدور حولهما هذه المعاني لهما صلة بهذا المصطلح. وذكر في لسان العرب معاني عدة للرهق منها: الكذب، والخفة والحِدَّة، والسفه والنُّوك، والتهمة، وغشيان المحارم وما لا خير فيه، والعجلة، والهلاك(3). ومعظم هذه المعاني موجودة لدى المراهق. الفرق بين المراهقة والبلوغ: البلوغ عند علماء النفس يعني "بلوغ المراهق القدرة على الإنسال، أي اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسية عند الفتى والفتاة وقدرتها على أداء وظيفتها، أما المراهقة فتشير إلى التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، وعلى ذلك فالبلوغ جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة" (4). مراحل المراهقة: مع أن المراهقة مرحلة لها خصائصها التي تميزها عما قبلها وبعدها من المراحل، إلا أن بعض المختصين يقسمونها إلى مراحل فرعية: المراهقة المبكرة (12-14) وتقابل المرحلة الإعدادية (المتوسطة). المراهقة الوسطى (15-17) وتقابل المرحلة الثانوية. المراهقة المتأخرة (18-21) وتقابل المرحلة الجامعية، وهذا حسب التقسيم الدراسي في معظم الدول العربية (5). ونظراً لأننا لسنا بصدد دراسة مفصلة، سنتناول الخصائص العامة للمرحلة دون التفاصيل التي تميز مرحلة فرعية عن أخرى. وتبدو سمات المراهق في جوانب النمو الآتية: أ - النمو الجسمي: لما كانت المراهقة تعني بداية دخول الشاب عالم الرجال، ودخول الفتاة عالم النساء، فمن سنة الله في خلقه أن يتهيأ جسمه لذلك، فينمو بما يؤهله للانتقال إلى المرحلة الجديدة. ويشمل النمو الجسمي مظهرين: النمو الداخلي (الفسيولوجي)، وهو النمو في الأجهزة الداخلية غير الظاهرة للعيان، ويشمل ذلك بوجه خاص النمو في الغدد الجنسية. أما المظهر الثاني: فهو النمو العضوي، ويتمثل في نمو الأبعاد الخارجية للمراهق، فيزداد طوله ووزنه، وتبدو العلامات التي تميز الشاب عن الفتاة، فيخشن صوت الشاب، ويبدأ نمو الشعر في مواطن معينة من جسمه، وفي المقابل يبرز الثديان لدى الفتاة، وتبدو لديها مظاهر الأنوثة. ويتميز النمو الجسمي في مرحلة المراهقة بسرعته الكبيرة، وقد ينشأ عنها عدم تناسق بين أجزاء الجسم المختلفة مما قد يسبب الحرج له، كما أن النمو الجسمي لا يسير في توازن مع سائر المظاهر، فقد يسبق النمو الجسمي النمو العقلي أو الاجتماعي: فينتظر منه مَنْ حوله أن ينتقل إلى عالم الرجال وهو لما يزال طفلاً بعد، وقد يحدث العكس فيتأخر النمو الجسمي ويُعامل على أنه طفل بينما هو يشعر أنه قد تجاوز ذلك. ب - النمو العقلي: تشهد مرحلة المراهقة الطفرة في النمو العقلي، وأبرز جوانب النمو في هذه المرحلة ما يلي: 1- اطراد نمو الذكاء، في الوقت الذي اكتمل فيه نمو المخ العضوي، ويتوقف نمو الذكاء في المتوسط عند سن الثامنة عشرة، وتصبح الفروق بعد ذلك عائدة إلى الخبرة(6)، فلو وجهت أسئلة للذكاء لا تعتمد على الخبرة لمجموعتين، الأولى في العشرين من العمر والثانية في الثلاثين فلن تجد فرقاً. 2- بروز القدرات الخاصة، ويقصد بها: النشاط العقلي المقتصر على مجال معين، وهي متعددة، ومن أبرزها: القدرة الرياضية التي تتعلق بالتعامل مع الأرقام والمعادلات، والقدرة اللفظية، والقدرة اللغوية، والقدرة المكانية التي تتعلق بالقدرة على التعامل مع المسافات والأحجام والاتجاهات، ويشمل التغير في القدرات الخاصة في مرحلة المراهقة مايأتي: 2-1- اتضاحها فهي ضئيلة في مرحلة الطفولة، وتتضح غالباً في الخامسة عشرة. 2-2- الثبات النسبي، فلو أجري قياس لها في الخامسة عشرة، ثم في الثامنة عشرة لكانت النتائج متقاربة. 2-3- اتضاح الفروق الفردية. 2-4- اتضاح الفروق بين الجنسين، فيتميز الرجال بالتفوق في القدرات الرياضية، والمكانية، والميكانيكية، والمنطقية الاستدلالية. وتتفوق النساء في القدرات: اللغوية، وإدراك العلاقات الاجتماعية. 3- تكوُّن الاتجاهات وتبلورها، والاتجاه: موقف عقلي تجاه موضوع معين يجعله يسلك سلوكاً واحداً في المواقف المتشابهة. ومن مخاطر الاتجاهات استمرارها غالباً وصعوبة تعديلها بعد سن المراهقة، وأن الشخص يبدأ يتعامل مع المواقف من خلال هذا الاتجاه، فالذي يتعارض معه يقوم بتأويله بما يتفق مع هذا الاتجاه. ومن الأمثلة على ذلك: أن يتكون لدى الشاب من خلال مواقف عديدة اتجاه سلبي ضد المتدينين. وحين يقابل بعد ذلك أشخاصاً متدينين يتسمون بحسن الخلق واللباقة فإنه سيفسر ذلك بأن هذه الأخلاق لأجل مصالح، أو أنها مجاملة...إلخ. 4- يظهر التفكير المجرد لدى المراهق، وهذا من أبرز التغيرات العقلية، والمقصود بالتفكير المجرد: القدرة على القيام بالعمليات العقلية دون التقيد بالمحسوس، فالطفل لا يفهم إلا المحسوس، أو ما يقرب له بصورة المحسوس، فهو يفهم الحب على أنه تصرفات والده أو والدته تجاهه، أما المراهق فيفهم الحب على أنه أمر قلبي، ويفرق بين حقيقة الحب ومظاهره. ومن مظاهر التغير في التفكير لدى المراهق: 4-1- التفكير في أمور جديدة، لم يكن يفكر فيها من قبل، ومن هنا ينشأ التفكير في الكون والحياة والخلق. 4-2- إثارة أسئلة لم يكن يسألها من قبل. 4-3- المبالغة في تحليل الأمور، وقد يناقش كثيراً من الأمور التي كان يعدها مسلمات فيما مضى. 4-4- المقارنة بين الكائن والممكن، فهو يستطيع تصور واقع أفضل من الواقع الذي يعيشه، وينتقد واقعه وتصرفات الكبار، أما في مرحلة الطفولة فقد كان يأخذ الأمور على أنها مسلمات. 4-5- استخدام الرموز للتعبير عن رموز أخرى، فيستطيع أن يستخدم نظاماً رمزياً من الدرجة الثانية، ولهذا فهو يستطيع تعلم الجبر، ويفهم التعبير المجازي والصور البلاغية. 4-6- القدرة على افتراض الفروض لمشكلة معينة، واختبارها والاختيار بينها. وتؤدي قدرة المراهق على التفكير المجرد ونقص الخبرة لديه إلى مشكلتين رئيستين، الأولى: المثالية في التفكير، والثانية: الحيرة بين البدائل. 5- يصبح التعلم منطقياً لا آلياً، ويبتعد عن طريق المحاولة والخطأ. 6- تزداد القدرة على التذكر عند المراهق وتقوى حافظته، وثمة فرق بين الأطفال والمراهقين في الحفظ، فالأطفال يميلون إلى التذكر الآلي، بخلاف المراهقين فهم يميلون إلى تذكر الموضوعات التي حفظت بطريقة منطقية. 7- تزداد القابلية على إدراك مفهوم الزمن، فيتوقع المستقبل ويخطط له. 8- ينمو الانتباه في مداه ومدته ومستواه، فيستطيع المراهق استيعاب مشكلات طويلة معقدة في سهولة ويسر، ويستطيع التركيز لزمن أطول من مرحلة الطفولة. 9- تزداد القدرة على التعميم وفهم التعميمات والأفكار العامة، فهو يعمم فهماً معيناً من خلال حدث أو أحداث تمرُّ عليه. 10- يخرج من التفكير السلبي إلى التفكر الإيجابي فيبحث عن المسؤولية، ويتساءل عن نظرة الناس له، ويشعر بالهامشية حين يكون منبوذاً، وبالقيمة حين يكون مسؤولاً. ويمثل الجانب العقلي أكثر الجوانب التي يفتقر معظم المربين اليوم إلى معرفتها، وهو أكثرها غموضاً لديهم، ففئة كبيرة من المربين لا تعرف عن المراهقة إلا أنها مرحلة طيش وعناد وسفه، ومرحلةٌ تظهر فيها مشكلة الشهوة، ويجهلون هذه الجوانب المهمة. ولاشك أن إدراك هذه الجوانب له أثره الكبير في صياغة الأهداف والبرامج التربوية، وأثره على اللغة التي ينبغي أن تسود في التعليم، وفي الحوار والإقناع. ولا ينبغي أن يتصدى امرؤ للتربية ويتحمل مسؤوليتها وهو يجهل صفات من يقوم على تربيته وخصائصه. ومرحلة تعميم التجارب الشخصية، والنظر للآخرين من خلال ما مرَّ بالشخص في مرحلة المراهقة، والمحاولة والخطأ، هذه المرحلة ينبغي أن نتجاوزها. ج - النمو الانفعالي: من أبرز سمات النمو الانفعالي لدى الشاب في مرحلة المراهقة: 1- مفهوم الذات، ويقصد به: الفكرة التي يحملها الفرد عن نفسه، فقد تكون سلبية، وقد تكون إيجابية، وهي تنشأ من ردود أفعال الآخرين تجاه الشخص، وهو يبدأ في مرحلة الطفولة لكن هناك تغيرات تلحق به في مرحلة المراهقة، ومنها: 1-1- الاستقرار والتبلور، حتى يصبح تأثره بما يقوله الآخرون عنه أو ما يحدث له ضعيفاً. 1-2- الانخفاض النسبي في مفهوم الذات لدى كثير من المراهقين، بسبب التغيرات التي يحتاج إلى التكيف معها، والإحباطات التي تمرُّ به. 1-3- التغير الجذري عند بعض المراهقين، فقد يحصل لدى بعضهم تغير جذري ينعكس على سلوكه فيتحول من طالب مجد مؤدب إلى مهمل كسول مشاغب. أو العكس. ويستفاد من مفهوم الذات كثيراً في علاج بعض مشكلات المراهقين، من خلال السعي لتغييره وتعزيز الشعور الإيجابي للمراهق تجاه ذاته. ومن هنا فالإفراط كثيراً في لوم المراهق وتأنيبه وانتقاده محدود الجدوى في علاج مشكلاته، بل ربما يزيدها تعقيداً. 2- الشعور بالأنا، ذلك الكيان المستقل عن والديه، إرادة وأحاسيس ومشاعر، مما يكون له أثر في ظهور الانفعالات التالية، كما يضغط عليه بأسئلة ملحة عن ماهيته وماذا يريد؟ 3- غزارة الانفعال وقوته، فانفعالات المراهق قوية وشديدة، فهو إذا أحب أو كره بالغ في ذلك، وإذا غضب يحطم ما بيده، ويتصرف تصرفات غير متزنة. ويضعف تحكمه فيها فقد يضحك في مواقف لا يليق أن يضحك فيها. 4- التذبذب الانفعالي وتقلب المراهق بين سلوك الأطفال وتصرفات الكبار. 5- الذاتية والاعتداد بالنفس، لذا فهو يملك حساسية مفرطة لنقد الآخرين له، ويعتقد أن الآخرين ينظرون إليه دائماً، ومن ثم يبالغ في الاهتمام بمظهره. 6- تبدو ظاهرة أحلام اليقظة لدى المراهق، فينتقل فيها من عالم الواقع إلى عالم الخيال، وهي - ما لم تخرج عن حد الاعتدال - لا تمثل مشكلة. د - النمو الاجتماعي: من أهم مظاهر النمو الاجتماعي لدى المراهق: 1- الاهتمام بالمظهر الشخصي والاعتناء به. 2- تحقيق الذات والميل إلى الاستقلال الاجتماعي، والانتقال من الاعتماد على الغير إلى الاعتماد على النفس. 3- الميل إلى الأصدقاء والارتباط بهم والثقة الكبيرة بهم، ومن هنا تنشأ لدى المراهق ظاهرتان: 3-1- الظاهرة الأولى: الصديق الحميم، حيث يرتبط بأحد أصدقائه ارتباطاً قوياً، فيتحدثان سوياً، ويذهبان سوياً(7). 3-2- الظاهرة الثانية: مجموعة الرفاق، حيث يشكل المراهقون مجموعات صداقة، وتتسم هذه المجموعة بمحدودية عددها، وشدة تماسكها، وقوة ضغطها على أفرادها. 4- الميل إلى الزعامة والإعجاب بالشخصيات اللامعة ومحاولة محاكاتها. 5- زيادة الوعي بالمسؤولية الاجتماعية، والمكانة الاجتماعية والطبقة التي ينتمي إليها(8). حاجات المراهق: يختلف علماء النفس اختلافاً واسعاً في تصنيف حاجات المراهق وترتيبها، وجزء كبير من هذا الاختلاف أمر اصطلاحي يتعلق بالتصنيف والترتيب، ومن أبسط التصنيفات، تصنيف النغيمشي، حيث صنَّفها إلى: أ- حاجات نفسية، وتشمل: الحاجة للعبادة، الحاجة للأمن، الحاجة للقبول. ب- حاجات اجتماعية، وتشمل: الحاجة للرفقة، الحاجة للزواج، الحاجة للعمل والمسؤولية. ج- حاجات ثقافية، وتشمل: الحاجة للاستطلاع، الحاجة للهوية الثقافية. وسيأتي تناول الحاجات بشيء من التفصيل في الجانب النفسي، بمشيئة الله تعالى. المراهق والتدين: تشهد هذه المرحلة اتجاهاً قوياً لدى الشاب والفتاة نحو التدين، ويتمثل في التفكير والتأمل، وفي الاعتناء بممارسة الشعائر الدينية، وقد أثبتت ذلك دراسات نفسية عديدة، حتى في المجتمعات التي يعتبر الدين فيها أمراً هامشياً، كالمجتمعات الغربية اليوم، فكيف بالمجتمعات المتدينة؟ إنها فطرة الله التي فطر الناس عليها، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الروم:31). عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا. كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَّرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً". وبيَّن صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر أن العوامل الطارئة هي التي تصرف المرء عن اتباع الدين، فقال: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه:)فِطْرَة اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (الآية ….(9). ولما كانت هذه المرحلة هي مرحلة التكليف الشرعي، كان من حكمة الله أن تتجه النفس فيها للتدين، وأن يقوى فيها هذا الجانب. "وإذا كان الطفل منذ نعومة أظفاره يدرك عدداً من المعاني الدينية بتأثير هذه الفطرة التي أودعه الله إياها، فإن هذا الإدراك هو شعور غير محدد، فهو يبدي عدداً من الانفعالات، ويثير جملة من الأسئلة عن الله خالق الكون…فإن المعاني الدينية تتضح أكثر عند المراهق، بسبب نضجه العقلي الذي وصل إليه، فلا تكاد المراهقة تبلغ أوجها - حوالي السادسة عشرة تقريباً - حتى تكون مستويات المراهق الإدراكية قد تفتحت وتسامت، وذكاؤه قد بلغ أوجه، كما تتحدد في هذه المرحلة اهتمامات المراهق، ويتحرر من الشطحات والخيال، ويميل إلى القراءة والاطلاع، ويصبح قادراً على التجريد وإدراك المعنويات، وتجاربه في البيت والمدرسة والمجتمع قد تنوعت، كل تلك العوامل العقلية والاجتماعية تتضافر في إيجاد وعي ديني عند المراهق، يختلف عن الاهتمام الديني عند الأطفال…والمراهق كغيره يجد في الدين أملاً مشرقاً بعد يأس مظلم، ويجد فيه أمناً من خوف، وفكراً يسد فراغه النفسي وقلقه الانفعالي، وهذا كله يدفع بالمراهق إلى المبالغة في العبادة والتعمق فيها أحياناً" (10). والاتجاه نحو التدين عند المراهق فرصة ينبغي الاعتناء بها واستثمارها الاستثمار الأمثل حتى تسهم في تربية الشاب وإصلاحه، وهي فرصة"يمكن أن يعاد فيها تشكيل النفس كلها إن كانت في حاجة إلى إعادة التشكيل، فإذا كانت فترة الطفولة قد أفلتت - لأي سبب من الأسباب - فستتهيأ في الفترة التي نحن بصدد الحديث عنها فرصتان هائلتان لإعادة التشكيل، إحداهما هذه السابقة للبلوغ، والأخرى التي تحدث في مرحلة البلوغ" (11). وحين ننظر إلى هذا الجانب، وننظر من زاوية أخرى في سمات المرحلة وخصائص النمو ندرك حكمة الباري جل وعلا حين اختار هذا السن للتكليف؛ فشخصية المرء بكافة جوانبها تقوده نحو الشعور بأنه دخل عالم الرجال؛ ومن ثم يعيد النظر في ذاته ويتأمل حاله؛ فيدرك الغاية من خلقه، ويسعى للالتزام بالعبودية لله عز وجل. وبعد أن تحدثنا عن سمات المرحلة وخصائصها آن لنا أن نشرع في الحديث عن الأهداف التربوية، ولنبدأ بأهمها وأولاها ألا وهو الجانب الإيماني.

----------------------------

الحاشية:

(1) إن تقرير هذه الحقيقة لا يعني أن المراهق في المجتمع المسلم المعاصر لا يعاني من مشكلات أفرزها الواقع التربوي والاجتماعي والحضارة المعاصرة. (2)مقاييس اللغة (2/451). (3) لسان العرب (10/128-131). (4) سيكيولوجية المراهق المسلم المعاصر. ص 14. (5) انظر علم نفس النمو. حامد زهران (293). (6) روى الرامهرمزي (188) بإسناده عن الثوري رحمه الله أنه قال:"يُثغِر الغلام لسبع، ويحتلم لأربع عشرة، ويكمل عقله لعشرين، ثم هو التجارب" قال: وقد رُوِي نحو من هذا عن علي. (7) يفسر كثير من المربين هذه الظاهرة تفسيراً سيئاً، ويرون أنها من مظاهر العشق، ويبالغون في التعامل معها، ومع أنها قد تؤدي لشيء من ذلك، لكنها سمة طبيعية في هذه المرحلة، وليست بالضرورة مَرَضية. (8) تم تلخيص سمات المرحلة من المراجع الآتية: النمو في مرحلة المراهقة. محمد عماد الدين إسماعيل/ المراهقون. عبدالعزيز النغيمشي/ المراهق. نوري الحافظ/محاضرات في سيكيولوجية النمو. جامعة الزقازيق/ سيكيولوجية المراهق المسلم المعاصر. عبدالرحمن العيسوي/ علم نفس النمو. حامد زهران. علم نفس المراحل العمرية.عمر المفدى. (9) رواه البخاري (1358) ومسلم (2658). (10) الشعور الديني عند المراهق. عثمان جمعة ضميرية. مجلة البيان ع37 ص59-60. (11) منهج التربية الإسلامية. محمد قطب 2/202.

Eng.Jordan 02-18-2012 07:26 PM

الفصل الثالث: الجانب الإيماني

حين نتحدث عن الإيمان بمفهومه الشرعي فنحن نتحدث عن الدين كله بكافة جوانبه، فالإيمان شعب أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. فالتربية الإيمانية بهذا المفهوم تشمل كافة جوانب التربية، بدءاً بتصحيح الاعتقاد والصلة بالله عز وجل، وانتهاءً بغرس الآداب العامة والخاصة، وتشمل كل ما يعين على القيام بواجبات الإيمان من علم ودعوة، وإعداد للإنسان للقيام بهذه المهام. لكنها تطلق باصطلاح أخص، يشمل جوانب الصلة بالله عز وجل وتحقيق التقوى والإيمان، وهو الاصطلاح السائد في الأدبيات التربوية اليوم بديلاً لاصطلاح (التربية الروحية) الذي يمثل تأثراً بالمصطلحات النصرانية والصوفية، وقد شاع هذا الاصطلاح وغيره نتيجة للاحتكاك الفكري بطوائف شتى من أهل الملل الأخرى والفرق الضالة، ونتيجة لضعف العلم الشرعي لدى كثير ممن يكتب في التربية الإسلامية والفكر الإسلامي. قال الشيخ بكر أبو زيد: "ومعلوم أن لفظ ********ة، وهذه البلاد فيها روحانية، وهذه المجالس فيها روحانية، وهكذا كلها مصطلحات صوفية لا عهد للشريعة بها، فعلى المسلمين تجنبها، وإن كان لها بريق، فعند تأمل البصير لها يجدها خواء، أو تشتمل على منابذة للشريعة بوجه ما" (1). والأولى الالتزام بالأسماء الشرعية (الإيمان، الإسلام، الصلاح، التقوى، الإحسان، الطاعة، المعصية، الفسوق....وغير ذلك). ففي غيرها من الألفاظ الطارئة محاذير عدة منها: 1- التشبه بأهل الملل الأخرى والطوائف الضالة. 2- أن هذه الألفاظ والأسماء لا تتلقى مجردة عن دلالاتها ومعانيها، ومن ثم يتسرب الانحراف إلى المعاني بعد أن كان في الألفاظ والأسماء. 3- أن الأسماء الشرعية لها معان ودلالات لا يفي بها أي اسم أو لفظ آخر. 4- أن الأسماء الشرعية تترتب عليها أحكام دنيوية كالعدالة التي تعد شرطاً لتولي التربية والتعليم، وقبول الشهادة والرواية…إلخ، وتترتب عليها أحكام أخروية، فالبعد عنها ينشأ عنه الخلط في هذه الأحكام. وسيكون حديثنا عن الجانب الأخص في التربية الإيمانية، والفصل إنما هو لضرورة البحث، وإلا فالكائن البشري كل لا يتجزأ، والإيمان هو الأصل وهو المبتدأ وإليه المنتهى. أهمية التربية الإيمانية: تبدو أهمية التربية الإيمانية وضرورة الاعتناء بها من خلال أمور عدة، من أهمها ما يلي: الأول: الإيمان هو أفضل الأعمال: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور" (2). وعن أبي ذر- رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله" قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها" (3). وعن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال(4). الثاني: الإيمان مناط النجاة يوم القيامة: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" (5). الثالث: تفاوت الناس يوم القيامة على أساس الإيمان: وهذا التفاوت له ميادين منها: أ - تفاضل أهل الجنة فيما بينهم؛ فعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" (6). ب - تفاوت العصاة من الموحدين في النار؛ فعن معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك -رضي الله عنه- وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره فوافقناه يصلي الضحى، فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة، هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاءوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم...الحديث، وفيه: فأقول يا رب، أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخرُّ له ساجداً، فيقال يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأخرجه، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً، فيقول: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل" (7). وفي حديث الشفاعة الطويل: "...فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبيَّن لكم من المؤمن يومئذ للجبار، وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم، يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا.. " (8) الرابع: الإيمان هو الأساس والأصل في التربية الإسلامية، وسائر الأمور إنما هي فروع وثمرات لهذا الأصل العظيم، فالسلوك والعلم الشرعي والجهاد والدعوة والكف عن الحرمات إنما هو ثمرة ونتيجة من نتائج تحقق الإيمان. وحين نعنى بتربية الإيمان في النفوس، ويأخذ الجانب الإيماني نصيبه وحظه نختصر خطوات عدة، ونوفر الجهد في ميدان ومجال واحد. الخامس: الإيمان هو الزاد للمرء في مواجهة الشهوات التي عصفت بشباب المسلمين اليوم، وهي مسؤولة عن حالات كثيرة من الإخفاق والتراجع. السادس: قوة الإيمان هي العلاج الأنجع لكثير من المشكلات التي يشتكي منها الشباب اليوم (قسوة القلب، ضعف العناية بالعبادات، الفتور...) والاعتناء بتقوية الإيمان والتقوى في النفوس خير من التداعي لعلاج هذه الأمراض بعد وقوعها. السابع: قوة الإيمان هي أهم ما يعين المرء على الثبات على دين الله، خاصة ونحن اليوم نعاني من كثير من حالات التقهقر والتراجع؛ لذا فحين سأل هرقل أبا سفيان -رضي الله عنه- عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب" (9). الثامن: قوة الإيمان هي أعظم حاجز بين المرء وبين مواقعة الحرام والمعاصي، قال تعالى عن الشيطان: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (النحل:99). وقال صلى الله عليه وسلم:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن" (10)، فالذي يحول بينه وبين الوقوع في هذه المعاصي وغيرها هو الإيمان. وحتى حين يواقعها العبد فالمؤمن هو أقدر الناس على الإقلاع والتوبة {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (الأعراف:201). هذه الأمور وغيرها تؤكد على المربين ضرورة إعادة النظر في مدى الاعتناء بالجانب الإيماني في تربيتهم، وأين موقعه ضمن أولوياتهم؟ والنظر السريع اليوم في واقع جيل الصحوة يدعونا إلى إعطاء الجانب الإيماني مزيداً من الرعاية والعناية. ويمكن أن يتمثل الهدف العام في الجانب الإيماني فيما يلي: الهدف العام في الجانب الإيماني: غرس الإيمان وتقويته: وهو يعني تعاهد الإيمان في نفوس الناشئة، والسعي لتنميته وزيادته. وسائل عامة في البناء الإيماني: إن الوسائل التي تعين على تحقيق التربية الإيمانية وعلى زيادة الإيمان في نفوس الناشئة لا تخفى على الشباب العاملين في الميادين التربوية، لكن نشير إلى أهمها هنا لما يرتبط في بعضها من تفصيلات ربما تكون مهمة. ومن هذه الوسائل: 1 - الاعتناء بالقرآن الكريم تلاوة وحفظاً وتدبراً: القرآن الكريم له أثره العظيم في إصلاح النفوس وتزكيتها، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، لذا فقد رأينا أثر الاجتماع على تلاوة القرآن الكريم وحفظه وتدارسه لدى شباب الصحوة اليوم، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" (11). ونحمد الله تبارك وتعالى أن وفَّق جيل الصحوة اليوم للاعتناء بالقرآن والتربية عليه، حتى صار حفظه وإتقانه هدفاً يتطلع إليه الشاب ويصرف زهرة وقته في تحصيله، وهذا أمارة تأس بالسلف الذين كانت لهم عناية بالغة بتعلم القرآن وحفظه. عن جندب بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة(12) فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً(13). وقال ابن عبدالبر: "طلب العلم درجات ومناقل ورتب لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله، ومن تعدى سبيلهم عامداً ضلَّ، ومن تعداه مجتهداً زلَّ، فأول العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهمه... " (14). وقال محمد بن الفضل بن محمد: سمعت جدي - يعني ابن خزيمة- يقول: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة، فقال: اقرأ القرآن أولاً حتى آذن لك، فاستظهرت القرآن، فقال لي: امكث حتى تصلي بالختمة، ففعلت فلما عيدنا أذن لي. وقال الإمام النووي: "كان السلف لا يعلِّمون الحديث والفقه إلا لمن يحفظ القرآن " (15). ويحكي ذلك ابن خلدون فيقول: "اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات " (16). ومما ينبغي أن يضاف للاعتناء بحفظ القرآن ما يلي: 1- الاعتناء بتلاوته والتلذذ بسماعه، وما أجمل أن يطلب الشباب من أحدهم حين يجتمعون في مجلس من مجالسهم أن يتلو آيات من كتاب الله عز وجل، وكذا كان يصنع عمر -رضي الله عنه-، فعن أبي سلمة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا رأى أبا موسى -رضي الله عنه- قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى؛ فيقرأ عنده(17). 2- الاعتناء بالتدبر، وتعويد الشباب عليه، وتدارس معاني القرآن الكريم. 3- الاعتناء بدراسة كتب التفسير، وعلوم القرآن وأسباب النزول… وغير ذلك مما له صلة بكلام الله عز وجل. 2- التفكر في المخلوقات: لقد أرشد القرآن الكريم في مواطن عدة إلى التفكر في مخلوقات الله تعالى، والاستدلال بعظمتها على عظمة خالقها عز وجل، وجعل ذلك من صفات أهل العقل والحكمة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأولِي الأَلْبَابِ} (آل عمران:190). والتفكر الحقيقي في مخلوقات الله يؤدي بصاحبه إلى الإيمان والتقوى واللجوء لخالقه عز وجل؛ ذلك أن آيات الله إنما يعقلها العالمون من عباده، ويتفكر فيها أولو الألباب. لذا فعلى المربي الاعتناء بهذا الجانب والاهتمام به، ومن الوسائل المحققة لذلك ما يلي: 1- دراسة آيات القرآن الكريم التي فيها الحديث عن عظمة الله عز وجل، ودراسة تفسيرها، وربطها بالواقع. 2- ربط العلوم المادية التي يدرسها الطلاب -وتتناول جانباً من عظمة خلق الله- بالإيمان، والحديث عن مظاهر عظمة هذا الخلق التي تدل على عظمة الخالق عز وجل، وألا تعرض مادة جافة. 3- حين يخرج الأب مع ابنه، أو المعلم مع تلامذته إلى الخلاء فيرى جمال المخلوقات وتناسقها فليذكرهم بالله عز وجل، وليربطهم بآياته سبحانه. 4- دراسة جوانب من نتاج العلم المعاصر التي اكتشفت حقائق تدل على عظمة خلق الله عز وجل(18). 3 - جلسات الذكر: لقد كان صلى الله عليه وسلم يعنى بمجالس الوعظ والتذكير، وكان أصحابه يجدون أثر ذلك في نفوسهم، ويفتقدونه حين يغدون إلى بيوتهم ويخالطون أهليهم. عن حنظلة الأسيدي- وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وما ذاك؟ " قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" ثلاث مرات(19). وأثنى صلى الله عليه وسلم على الذين يجتمعون على ذكر الله وطاعته، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً وتحميدًا، وأكثر لك تسبيحاً، قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا، والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم؛ إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" (20). وكان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اعتناء بمجالس الذكر، كما سيأتي في الحديث عن التعاون على أداء العبادة. 4 - المواعظ: الموعظة تحرك القلوب وتثير كوامن النفوس، وكثير من العصاة والمعرضين ارتدعوا عما وقعوا فيه من فسق وفجور بسبب موعظة استمعوا إليها. لذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعنى بالموعظة لأصحابه، يحكي أحد أصحابه وهو العرباض بن سارية -رضي الله عنه- عن موعظة وعظها إياهم النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي؛ فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ " (21). وحتى تترك الموعظة أثرها ينبغي أن تكون تخولاً (بين الحين والآخر)، وألا تكون بصفة دائمة. عن أبي وائل قال: كان عبدالله يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا(22). ومن المواطن التي تناسب الوعظ المواقف المؤثرة؛ فهي تهيئ النفوس، وتزيل قسوتها؛ فتكون أقرب للتأثر، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين وعظ أصحابه في جنازة أحد الأنصار. ومنها رؤية المربي للتقصير والإعراض من الناس، وكذلك فعل صلى الله عليه وسلم؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال: "عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" قال: فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه، قال: غطوا رءوسهم ولهم خنين، قال: فقام عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً….(23). 5- التعاون المشروع على أداء العبادات: النفس تضعف ويصيبها الفتور والتقصير، لكن المسلم حين يرى ما عليه إخوانه الصالحون يزداد همة ونشاطاً للعمل والاجتهاد فيه، لذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أتقى الناس وأقربهم لله تبارك وتعالى يزداد طاعة وهمة، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة(24).قال النووي عند ذكره لفوائد هذا الحديث:"ومنها زيادة الجود والخير عند ملاقاة الصالحين وعقب فراقهم للتأثر بلقائهم" (25). ومن صور التعاون المشروع على أداء العبادة: أ - الأمر بها والحث عليها، وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فإذا أوتر قال: "قومي فأوتري يا عائشة" (26). بل خرج صلى الله عليه وسلم من بيته ذات ليلة لابنته وصهره آمراً إياهما بالصلاة والتهجد، فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلة فقال: "ألا تصليان؟ " فقلت: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إلي شيئاً ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول: {وَكَانَ الأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (الكهف: 54) (27). ويوصي صلى الله عليه وسلم بهذا التعاون بين الرجل وزوجته مثنياً على من يفعله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رحم الله رجلا قام من الليل فصلى، ثم أيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، ثم أيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء" (28). ب - الاجتماع المشروع على العبادة، كالاجتماع على الذكر، وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك؛ فعن معاذ -رضي الله عنه- أنه قال: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة"، يعني نذكر الله تعالى(29). وعن الأسود بن هلال قال: كان معاذ يقول للرجل من إخوانه: اجلس بنا فلنؤمن ساعة، فيجلسان فيذكران الله ويحمدانه (30). وعن علقمة أنه كان يقول لأصحابه: امشوا بنا نزدد إيماناً(31). ومن ذلك الاجتماع أحياناً على أداء النافلة وصلاة الليل، على ألا يكون راتباً ودائماً. وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التطوع في جماعة فصلى معه ابن عباس، وصلى معه حذيفة، وصلى معه جابر، وصلى بأصحابه جماعة في بيت رجل من الأنصار. وبوَّب البخاري على هذا الحديث (باب صلاة النوافل جماعة)، قال ابن حجر في فوائد هذا الحديث: "وفيه ما ترجم له هنا وهو صلاة النوافل جماعة , وروى ابن وهب عن مالك أنه لا بأس بأن يؤم النفر في النافلة , فأما أن يكون مشتهراً ويجمع له الناس فلا, وهذا بناه على قاعدته في سد الذرائع لما يخشى من أن يظن من لا علم له أن ذلك فريضة" (32). وقيَّدنا الاجتماع بأن يكون مشروعاً حذراً من الاجتماع غير المشروع، كالاجتماع على الذكر الجماعي، أو اتخاذ صلاة النافلة جماعة هدياً راتباً وجمع الناس لها. 6 - الاعتناء بمعرفة الأسماء والصفات: إن من يقرأ كتاب الله تعالى يدرك كثرة الحديث عن الأسماء والصفات والإشارة إليها، ويرد ذلك في مواطن عدة: في الحديث عن عظمة الله تعالى وعن مخلوقاته، وعند الحديث عن الأحكام، والخوف والرجاء، والقصص والأخبار... وسائر المواطن، وكثرة إيرادها وتنوعه في القرآن يدل على عظيم أثرها. قال ابن القيم رحمه الله: "فالإيمان بالصفات ومعرفتها وإثبات حقائقها وتعلق القلب بها وشهوده لها هو مبدأ الطريق ووسطه وغايته، وهو روح السالكين، وحاديهم إلى الوصول، ومحرك عزماتهم إذا فتروا، ومثير هممهم إذا قصروا، فإن سيرهم إنما هو على الشواهد، فمن كان لا شاهد له فلا سير له ولا طلب ولا سلوك له، وأعظم الشواهد صفات محبوبهم ونهاية مطلوبهم، وذلك هو العلم الذي رفع لهم في السير فشمروا إليه".(33) قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "فالعلم بالله وصفاته أشرف من العلم بكل معلوم، من جهة أن متعلقه أشرف المعلومات وأكملها، ولأن ثماره أفضل الثمرات؛ فإن معرفة كل صفة من الصفات توجب حالاً عليه، وينشأ عن تلك الحال ملابسة أخلاق سنية، ومجانبة أخلاق دنية، فمن عرف سعة الرحمة أثمرت معرفته سعة الرجاء، ومن عرف شدة النعمة أثمرت معرفته شدة الخوف، وأثمر خوفه الكف عن الإثم والفسوق والعصيان، مع البكاء والأحزان والورع وحسن الانقياد والإذعان…." (34). ولا شك أن الإثبات للأسماء والصفات كما يليق بجلال الله وعظمته دليل على تعظيم العبد لله، وأمارة على سلامة معتقده، وأن الزلل في ذلك جسيم، ومن ثم كان الضلال في هذا الباب واسعاً، وولج فيه طوائف عدة، حمانا الله من الزيغ، ووفقنا لسلوك سبيل أهل الحق. لذا فعلى المربي الاعتناء بتدارس هذا العلم الشريف مع طلابه، وألا يكون مجرد حديث جاف، بل يربط بعظمة الله عز وجل والثناء عليه بما هو أهله، ويربط ذلك بآثارها السلوكية في حياة الإنسان. 7 - تذكر الموت والدار الآخرة: إن تذكر الموت والدار الآخرة مما يدفع الإنسان للعمل الصالح، ويزيده إقبالاً على الآخرة وبعداً عن الدنيا، لذا فقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على تذكر الموت والدار الآخرة، ودعا إلى ذلك؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكثروا ذكر هاذم اللذات -يعني الموت-" (35). ومن الوسائل التي تحقق ذلك: التذكير به، والحديث عن الدار الآخرة، والاعتناء بتلاوة آيات القرآن، وقراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها الحديث عن الآخرة ووصف حال أهلها. ومن ذلك الصلاة على الجنائز وشهودها، واتباع السنة في اتباعها إلى المقبرة، وتذكر حال أهلها. ومن الوسائل التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم زيارة القبور؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي؛ فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" (36). وعن ابن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها …." (37). 8 - التنافس والتسابق في الخير: لقد أثنى الله تعالى على عباده الذين يتسابقون بالخيرات ويتنافسون فيها، فقال تبارك وتعالى:{خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين:26) وقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133) وقال: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} (الحديد: 21) ووصف عباده المرسلين بهذه الصفة فقال:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} (الأنبياء: 90). وجاء في السنة الثناء على الذين يتسابقون إلى الخير ويتنافسون فيه، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً"(38). وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتسابقون إلى الخيرات ويتنافسون فيها؛ فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك عندي مالاً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟ " قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: "يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟ " قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: والله لا أسبقه إلى شيء أبداً(39). 9- القدوة الحسنة: القدوة الحسنة من أهم وسائل التربية الإيمانية وأعظمها تأثيراً، لذا فمن الأمور المهمة التي ينبغي أن يتصف بها المربي: السمت والهدي الحسن، وقد كان السلف يعنون بهذا الجانب كثيراً، ويرون أن من لايتسم بذلك لاينبغي أن يؤخذ عنه العلم أو يتلقى عنه. ومن أعظم الأدلة على أهمية القدوة وتأثيرها حديث الذين وفدوا المدينة مجتابي النمار، فعن جرير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة، فحثَّ الناس على الصدقة فأبطؤوا عنه حتى رئي ذلك في وجهه، قال: ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصُرَّة من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء" (40). فقد ترك هذا الموقف أثراً في نفوس الناس ودفعهم إلى الصدقة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حثهم على ذلك. ومن المواقف التي تتجلى فيها أهمية القدوة ودورها في التربية، ماحصل أثناء حفر الخندق، حين اشتكى له أصحابه صلى الله عليه وسلم الجوع فكشف عن حجرين على بطنه. "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتكلم ببنت شفة، لأن القدوة في مثل هذا الموطن هي التي تتحدث، لقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رداءه، فإذا مقابل كل حجر يربطه الصحابي على بطنه حجرين على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن لسان الحال يقول: إن كنتم تربطون حجراً فأنا أربط حجرين اثنين. ترى لو كان النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً على أريكته يأكل ويشرب والناس في الخندق يحفرون، في جوع وبرد شديدين، أكان هذا الأمر هيناً على النفوس؟ حتى وإن لم تنطق بكلمة" (41). وقد نصَّ أهل العلم على أنه حين تكون المصلحة في إظهار العمل ليقتدى به فهو أفضل، قال الحافظ ابن كثير: "وقوله "وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم" فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنه أبعد عن الرياء إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية" (42). وينبغي للمربي السعي للوقوف في موقف وسط بين إهمال القدوة، وبين تكلف فعل العمل الصالح وإظهار التخشع لأجل أن يقتدى به، فهذا قد يقوده إلى الرياء، وذلك مسلك خفي. وحين تصلح حاله، وتتحقق التقوى لديه، فلن يحتاج للتكلف، بل سيكون العمل والهدي الصالح سمتاً له. 10- الاعتناء بدراسة سير السلف: إن في سير السلف وأخبارهم من العبر والقدوة الشيء الكثير، لذا فالاعتناء بها وإبرازها، وربط الناشئة بهذا الجيل ورجاله يترك أثراً له أهميته في ميدان التربية. ومما ينبغي أن يُعنى به في هذا الميدان أن أقوال وأفعال آحاد السلف ليست حجة، بل لابد أن توافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وينبغي للمربين التنبيه على هذا الجانب، ومن ذلك ما يروى أن أحدهم صلى كذا وكذا سنة الفجر بوضوء العشاء، أو كان يقوم الليل كله، أو عاقب نفسه حين وقعت في خطيئة بصيام سنة….وغير ذلك، كل هذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. لكن لا يُسوِّغ ذلك الطعن فيمن نقل عنه شيء من ذلك، بل لابد من تربية الناشئة على توقير رجالات السلف والتأدب معهم، ومع ذلك حين يرون منهم ما يخالف الحق لا يتأسون به ويعتذرون لصاحبه، والطريقة التي يعلق بها المربي على مثل هذه الروايات لها أثر كبير غير مباشر في غرس هذه النظرة وهذا المنهج في التعامل مع سير السلف وأخبارهم، الذي يجمع بين توقيرهم واحترامهم، وبين قصر التلقي على ما يؤيده الوحي والنص الشرعي. أهداف فرعية في الجانب الإيماني: 1 - تقوية تعظيم الله في النفوس: وهذا هو الأساس الذي تتفرع منه سائر فروع الاعتقاد، وقد عاب تبارك وتعالى على أهل الزيغ والضلال أنهم لم يقدروه حق قدره فقال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر:67). وحين يستقر تعظيم الله تبارك وتعالى في النفس، ويملك صاحبه العلم الصحيح فإنه يسلم له اعتقاده، وتنضبط حياته بشرع الله تبارك وتعالى. فالذي يعظم الله تعالى لا يقدم بين يدي قوله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتردد في تصديق الأخبار والتزام الأوامر وترك المنهيات، ولا يتعلق قلبه بغير الله، ولا يتجه لمخلوق؛ فيصفو اعتقاده ويستقيم عمله، ويضع للمخلوقين منزلتهم التي يستحقونها. ومن الوسائل التي تعين على تحقيق ذلك: 1- الاعتناء بتلاوة القرآن الكريم وتدبر آياته. 2- التفكر في مخلوقات الله عز وجل؛ فيدرك من خلال ذلك عظمة خالقها عز وجل، وقد سبق الحديث عن هاتين الوسيلتين. 3- الاعتناء بتحقيق توحيد الأسماء والصفات ومعرفة الله عز وجل وسبقت الإشارة لذلك. 4- ترك تعظيم المخلوقين ورفعهم فوق منزلتهم، سواء أكانوا من أهل السلطان في الدنيا، أم كانوا من الأولياء والصالحين. 2 - تحرير القلب من التعلق بغير الله: إن كثيراً من أمراض الشبهات والشهوات ترتبط بتعلق القلب بغير الله، فأولئك الذين يلجؤون للسحرة والكهنة ويصدقون المشعوذين، وأولئك الذين يسيطر عليهم التطير والتشاؤم وسائر الأساطير إنما أتوا من تعلق قلوبهم بغير الله تعالى. وأصحاب الشهوات الذين فتنوا بها كذلك، فقلوبهم قد تعلقت بها واتجهت إليها وصارت هي قبلتهم. لذا كان لابد في التربية من تنقية القلوب وتخليصها من التعلق بغير الله والتوجه لسواه، سواء كان دافع ذلك شهوة أم شبهة. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وكل من علَّق قلبه بالمخلوقات أن ينصروه أو يرزقوه أو يهدوه خضع قلبه لهم وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك، وإن كان في الظاهر أميراً لهم مدبرا لهم متصرفاً بهم ; فالعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر; فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة ولو كانت مباحة له يبقى قلبه أسيراً لها تحكم فيه وتتصرف بما تريد; وهو في الظاهر سيدها لأنه زوجها. وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها لا سيما إذا درت بفقره إليها وعشقه لها، وأنه لا يعتاض عنها بغيرها ; فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور ; الذي لا يستطيع الخلاص منه.... وهذا لعمري إذا كان قد استعبد قلبه صورة مباحة، فأما من استعبد قلبه صورة محرمة: امرأة أو صبياً فهذا هو العذاب الذي لا يدان فيه، وهؤلاء من أعظم الناس عذاباً وأقلهم ثواباً؛ فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقاً بها مستعبداً لها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى، فدوام تعلق القلب بها بلا فعل الفاحشة أشد ضرراً عليه ممن يفعل ذنباً ثم يتوب منه ويزول أثره من قلبه، وهؤلاء يشبهون بالسكارى والمجانين " (43). وقال ابن القيم رحمه الله -حول حديث "من مات لايشرك بالله شيئاً.."-: "فاعلم أن هذا النفي العام للشرك -أن لا يشرك بالله شيئاً البتة- لا يصدر من مُصر على معصية أبداً، ولا يمكن مدمن الكبيرة والمُصر على الصغيرة أن يصفو له التوحيد حتى لا يشرك بالله شيئاً، هذا من أعظم المحال ولا يلتفت إلى جدلي لا حظَّ له من أعمال القلوب، بل قلبه كالحجر أو أقسى يقول وما المانع؟ وما وجه الإحالة؟ ولو فرض ذلك واقعاً لم يلزم منه محال لذاته، فدع هذا القلب المفتون بجدله وجهله، واعلم أن الإصرار على المعصية يوجب من خوف القلب من غير الله، ورجائه لغير الله، وحبه لغير الله، وذله لغير الله، وتوكله على غير الله، ما يصير به منغمساً في بحار الشرك، والحاكم في هذا ما يعلمه الإنسان من نفسه إن كان له عقل، فإن ذُلَّ المعصية لابد أن يقوم بالقلب فيورثه خوفاً من غير الله وذلك شرك، ويورثه محبة لغير الله، واستعانة بغيره من الأسباب التي توصله إلى غرضه؛ فيكون عمله لا بالله ولا لله، وهذا حقيقة الشرك، نعم قد يكون معه توحيد أبي جهل وعباد الأصنام، وهو توحيد الربوبية وهو الاعتراف بأنه لا خالق إلا الله، ولو أنجى هذا التوحيد وحده لأنجى عُبَّاد الأصنام، والشأن في توحيد الإلهية الذي هو الفارق بين المشركين والموحدين، والمقصود أن من لم يشرك بالله شيئاً يستحيل أن يلقى الله بقراب الأرض خطايا مصرّاً عليها غير تائب منها، مع كمال توحيده الذي هو غاية الحب والخضوع والذل والخوف والرجاء للرب تعالى" (44). 3 - تقوية التقوى في النفس: التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين {ولقد وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ} (النساء:131)، وقد تكرر الأمر بتقوى الله تعالى في كتابه، ورُبطت التقوى بأركان الإسلام وشعائره العظام، ففي الصيام يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183) وفي الحج يقول تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (البقرة:197). ومما يعين على تحقيق التقوى: 1 - الاعتناء بالأمر بها والحثُّ عليها، وقد كان هذا شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في خطبه كثيراً ما يأمر بتقوى الله، ويتلو الآيات التي ورد فيها الأمر بذلك (آية آل عمران، وآية النساء، وآية الحشر). وحين سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: "تقوى الله وحسن الخلق" (45). 2 - تدارس صفات المتقين في كتاب الله تبارك وتعالى، والسعي لتطبيقها وتمثلها. 4 - تقوية المراقبة لله تبارك وتعالى: "المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه" (46)، وهي منزلة عالية جعلها النبي صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب الدين، فقال في حديث جبريل المشهور: "والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". وعن عبد الله بن معاوية الغاضري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاث من فعلهن فقد طعم طَعْمَ الإيمان، مَنْ عبد الله وحده؛ فإنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدةً عليه كلَّ عام، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة، ولا الشَّرط اللائمة ولا المريضة، ولكن من أوسط أموالكم؛ فإن الله عز وجل لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره، وزكى عبد نفسه"، فقال رجل: ما تزكية المرء نفسه يا رسول الله؟ قال: "يعلم أن الله معه حيثما كان" (47). ومما يعين المربي على تحقيق ذلك: 1 - الوعظ والاعتناء به؛ وإنما تعظم ثمرته حين يخرج من قلب صادق، قال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري: إذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ونفسك، ولا يغرنك اجتماعهم عليك؛ فإنهم يراقبون ظاهرك، والله يراقب باطنك(48). ب - الاعتذار عما قد يطلبه المتربي - مما فيه مخالفة لأمر الله أو تقصير- بمراقبة الله واطلاعه. ج - كثيراً ما يحدث الابن أباه أو معلمه عن بعض ما يراه من مواقف فيها مخالفة شرعية، كالغش والاحتيال ونحو ذلك، وهو في الأغلب يسوقها خبراً عادياً أثاره فيه غرابته، فيجدر أن يعلق المربي على مثل هذه المواقف بأن أولئك الذين لا يراقبون الله تعالى لو كان لديهم أحد من البشر يخافونه لما اجترؤوا على المخالفة، وبأنهم سيدفعون ثمناً باهظاً بعد ذلك. د - الحذر من مراقبة الشاب بالصورة التي تجعله يترك المعصية إرضاء لمن يربيه، بل ربطه بالله عز وجل في هذا الجانب، وتنمية الرقابة الذاتية، حتى لو علم المربي بوقوع الشاب في معصية. 5 - العناية بأعمال القلوب: إن مناط النجاة يوم القيامة هو صلاح القلب واستقامته {يومَ لاينفعُ مالٌ ولابنونَ إلا مَنْ أتى الَله بقلبٍ سليمٍ}، ولذا فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن القلب هو ميدان الصلاح والفساد الحقيقي، وسائر الجسد إنما هو تبعٌ له، فقال: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" (49). ومن ثم كانت "التربية الإسلامية تولي الاهتمام الأكبر في تقويم السلوك إلى إصلاح القلب وتثبيت الإيمان فيه، فإذا استقام السلوك الداخلي استقام تبعاً له الخارجي لا محالة، بخلاف العناية بتقويم السلوك الظاهر فقط؛ فإنه يعتبر بناء على غير أساس، وكل بناء على غير أساس عرضة للانهيار" (50). قال ابن رجب رحمه الله:" فأفضل الناس من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه في الاقتصاد في العبادة البدنية والاجتهاد في الأحوال القلبية؛ فإن سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان" (51). وقال شيخ الإسلام رحمه الله:"والدين القائم بالقلب من الإيمان علماً وحالاً هو الأصل، والأعمال الظاهرة هي الفروع وهي كمال الإيمان" (52). وقال ابن القيم رحمه الله: "ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميَّزت بينهما؟ وهل يمكن أحداً الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه؟ وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم، فهي واجبة في كل وقت" (53). 6 - العناية بالفرائض: الفرائض هي الأساس والأصل، وأعظم ما يتقرب به إلى الله تبارك وتعالى كما أخبرنا بذلك عنه أعلم الخلق به صلى الله عليه وسلم فقال: فيما يرويه عن ربه: "وما تقرَّب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه " (54). ومن الأمور التي ينبغي أن يعنى بها المربي: الحرص على غرس تعظيم الفرائض والاعتناء بها ورعايتها لدى من يربيهم، وضرورة تقديمها على النوافل والتطوعات. واهتمام المربي بالفرائض والاعتناء بها لا ينبغي أن يقف عند مجرد تأكيد الإتيان بها وفعلها، بل الاعتناء بأدائها وإقامتها على الوجه الأكمل، وإتقانها وإحسانها، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيها. عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره" (55). ومن ذلك الاعتناء بتعليم المتربين أحكامها، والسعي لإتقانهم ما يتوقف عليه صحة الفرائض وبطلانها، ثم الاعتناء بتعليم آدابها وسننها وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فيها. 7 - تعظيم حرمات الله واجتناب المعاصي: إن من أمارات صدق الإيمان وقوته بُعْد العبد عن معصية الله تبارك وتعالى وتعظيمه لمحارمه. قال ابن مسعود -رضي الله عنه-:" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه فقال به هكذا - قال أبو شهاب بيده فوق أنفه-" (56). ومن ثم كان من أهم ما ينبغي أن يعنى به المربي غرس تعظيم حرمات الله ومعاصيه في نفوس من يربيهم. ومن الوسائل التي تعينه على ذلك: أ - تذكيرهم بشأن الذنوب والمعاصي وخطورتها، وأثرها على النفس(57). ب - ابتعاده هو عنها، ومجانبته إياها. ج - أن يروا منه تعظيمها واستنكاف إتيانها، وتأثره حين يرى أحداً يواقعها، وهو سلوك لا يستطيع أن يتكلفه من لم يستقر تعظيم حرمات الله في قلبه. د - أن يجنبهم المواطن التي تظهر فيها المعاصي، ويعوِّدهم على هجرها إن لم يستطيعوا إنكارها؛ لذا فقد عظَّم الشرع عقوبة المجاهر بالمعصية، ونهى عن مجالسة أهل العصيان إن لم يرتدعوا عن ذلك {فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}(النساء:140). ه - ألا يتساهل بمجاهرة أحد بها، وأن يناصحه حين يراه وقع فيها محذراً إياه من شؤمها وأثرها. 8 - الورع واجتناب الشبهات: الورع واجتناب الشبهات طريق لتحقيق الابتعاد عن الحرام؛ لأن من يواقع الشبهات يوشك أن يواقع الحرام، كما قال صلى الله عليه وسلم: " الحلال بيِّن والحرام بين وبينهما مُشبَّهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (58). والذين يُعدُّون للدعوة إلى الله تعالى وتوجيه الناس يتأكد في حقهم اجتناب الشبهات والورع عنها؛ إذ هم المرآة أمام الناس ينظرون إليهم ويتأسون بهم. وهذا يفرض على المربي الاعتناء بتحقيق ذلك في نفسه، والاعتناء بإبعاد المحاضن التربوية عن كل ما فيه شبهة شرعية، أو يوحي بشيء من الاستهانة بحدود الشرع وآدابه. ومما يؤسف له أننا نرى اليوم إهمالاً للورع الشرعي، فيتساهل بعض المربين في كثير من الأمور بحجة عدم النص على تحريمها، أو أن فيها خلافاً بين أهل العلم، ومن تأمل أحوال السلف وسيرهم رأى خلاف ذلك. وثمة فرق بين سلوك الشخص في ذات نفسه، وبين البرامج التي تقدم ليتربى عليها الشباب، وينتظر منها أن تغرس الورع والتقوى في نفوسهم. وثمة فرق أيضاً بين أن يمتنع الإنسان عن أمر تورعاً وبين أن يحرمه ويُؤثِّم من فعله. 9 - العناية بالنوافل: بعد تحقيق الإتيان بالفرائض لابد من الاعتناء بالنوافل؛ إذ هي سبب لتحقيق محبة الله تعالى: "...وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه... " (59). كما أن بها يكمل ما انتقص من فريضة العبد "...فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة... " (60). واعتناء الشاب بالنوافل والعبادة لله مما يزيده إيماناً وتقوى لله عزوجل، ومما يصلح كثيراً من أحواله. ومن الوسائل التي تعين المربي على تحقيق هذا الجانب: أ - اعتناء المربي نفسه بأداء النوافل والمحافظة عليها حتى حين يضيق به الوقت. وتطبيق المربي للسنة في أداء النوافل في المنزل مما يربي أولاده على الاعتناء بها، وهذه السنة قد غفل عنها كثير من طلبة العلم، حتى صار الناس يظنون بالذي يؤدي النوافل في البيت أنه لا يصليها. ب - توجيه المتربين وبيان منزلة النوافل وفضلها، وقد كان صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه إلى الاعتناء بالنوافل، كما ورد في حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- حين قصت أخته حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا التي رآها، فقال لها:" نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" فكان بَعْدُ لا ينام من الليل إلا قليلاً(61). ووجَّه عبدالله بن عمرو للاعتناء بقيام الليل، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عبدالله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل" (62). ج - أن يراعى في أوقات البرامج العامة التي تقدم للطلاب ترك وقت لأداء النوافل، وبيان ذلك للطلاب وحثهم عليها. د - أن يراعى المربي ذلك حين تكليفه لمن يربيه بأمر أو مهمة، فحين يطلب الأب من ابنه أداء مهمة عاجلة فليس من المستحسن أن يأمره بترك الراتبة، وحين يكون الأمر عاجلاً يوجهه إلى أن يؤديها في المنزل، أو بعد فراغه من المهمة إن كانت لا تطول.

----------------

الحاشية:

(1) معجم المناهي اللفظية ص 285. (2) رواه البخاري (26) ومسلم (83). (3) رواه البخاري (2518) ومسلم (84). (4) رواه مسلم (1885). (5) رواه مسلم (54). (6) رواه مسلم (2831) وأصله في البخاري دون موضع الشاهد. (7) رواه البخاري (7510). (8) رواه البخاري (7440) ومسلم (182). (9) رواه البخاري (71) ومسلم (1773). (10) رواه البخاري (2475) ومسلم (57). (11) رواه مسلم (2699). (12) الحَزَوَّر هو الغلام إذا اشتد وقوي وخدم، وهو الذي قارب البلوغ (اللسان 4/187). (13) رواه ابن ماجه (61). (14) جامع بيان العلم وفضله (2/166). (15) المجموع (1/38). (16) مقدمة ابن خلدون (537-538). (17) رواه الدارمي (3493). (18) انظر: مفتاح دار السعادة/ النحلة تسبح الله لمحمد حسن الحمصي/ غريزة أم تقدير إلهي لشوقي أبي خليل/ العلم يدعو إلى الإيمان/شريط وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً لأحمد الدعيج. (19) رواه مسلم (2750). (20) رواه البخاري (6408) ومسلم (2689). (21) رواه الترمذي (2676) وابن ماجه (42). (22) رواه البخاري (70) ومسلم (2821). (23) متفق عليه واللفظ لمسلم (2359). (24) رواه البخاري (3220) ومسلم (2308). (25) صحيح مسلم بشرح النووي (15/75-76). (26) رواه مسلم (744). (27) رواه البخاري (1127) ومسلم (775). (28) رواه أحمد (7362) وأبو داود (1308) والنسائي (1610) وابن ماجه (1336). (29) رواه ابن أبي شيبة في الإيمان (105). (30)رواه ابن أبي شيبة في الإيمان (107) وأبو عبيد في الإيمان (20). (31)رواه ابن أبي شيبة في الإيمان (104). (32) فتح الباري (3/79-80). (33) مدارج السالكين (3/350). (34) فتاوى العز ابن عبدالسلام 240-241. وانظر للاستزادة: مفتاح دار السعادة 2/90/ معارج القبول 1/126/ الأسماء والصفات لعمر الأشقر 18-38. (35) رواه أحمد (7865) والترمذي (2307) والنسائي (1824) وابن ماجه (4258). (36) رواه مسلم (976). (37) رواه مسلم (977). (38) رواه البخاري (615) ومسلم (437). (39) رواه الترمذي (3675) وأبو داود (1678) والدارمي (1660). (40) رواه مسلم (1017). (41) التربية الوقائية في الإسلام ومدى استفادة المدرسة الثانوية منها. خليل الحدري ص216-217. (42) تفسير ابن كثير (1/482). (43) مجموع الفتاوى (10/186-187). (44) مدارج السالكين (1/354-355). (45) رواه أحمد (7847) والترمذي (2004) وابن ماجه (4246). (46) مدارج السالكين 2/68. (47) رواه البيهقي (4/95)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1046). (48) مدارج السالكين 2/68. (49) رواه البخاري (52) ومسلم (1599). (50) الأهداف التربوية السلوكية عند شيخ الإسلام ابن تيمية (113). (51) المحجة في سير الدلجة (56). (52) مجموع الفتاوى (10/355). (53) بدائع الفوائد (3/710). (54) رواه البخاري (6502). (55) رواه مسلم (245). (56) رواه البخاري (6308). (57) من المراجع المفيدة في ذلك: مفتاح دار السعادة، وشعب الإيمان للبيهقي، ومدارج السالكين (منزلة التوبة). (58) رواه البخاري (52) ومسلم (1599). (59) رواه البخاري (6502). (60) رواه الترمذي (413) وابن ماجه (1426). (61) رواه البخاري (1122) ومسلم (2479). (62) رواه البخاري (1152) ومسلم (1159).

Eng.Jordan 02-18-2012 07:26 PM

الفصل الرابع: الجانب العلمي والعقلي

إن أي تربية تتجاوز البناء العلمي الشرعي، أو تعطيه مرتبة متأخرة بين المتطلبات التربوية،هي بعيدة عن المنهج النبوي؛ ذلك أن الجيل الذي يعاني من الضعف العلمي لن يقوم بالواجبات الشرعية في نفسه كما ينبغي، فضلاً عن أن يقوم بواجب الإصلاح والدعوة للناس. ويحتاج جيل الصحوة اليوم إلى أن يعطي الجانب العلمي القدر الذي يستحقه من الأوقات والجهود، أما حين يكون نصيبه فضلة الوقت والجهد، فسوف ينشأ جيل يعاني من البنيان الهش الذي سرعان ما ينهار، أو يأخذ ذات اليمين أو الشمال. ومما ينبغي مراعاته في هذا الجانب: 1- إعطاء الجانب العلمي الاهتمام اللائق به كما سبق، دون إفراط أو تفريط. 2- الاعتناء بتعليم كافة الشباب - بغض النظر عن تخصصاتهم العلمية والعملية - الحد الأدنى من العلم الشرعي، الذي يمكنهم من فهم المسائل الشرعية العلمية، والتعامل مع مصادر المعلومات بالطريقة التي تتناسب مع مستوياتهم. 3- ينبغي أن تسعى المحاضن التربوية إلى غرس الاهتمام العلمي في نفوس الناشئة، لا أن تكون البرامج العلمية مجرد استجابة لمطالب أو ضغوط ذوي الاهتمام العلمي. 4- هذا الميدان من أكثر الميادين التي يبدو فيها تفاوت القدرات والإمكانات، ومن ثم فلابد من مراعاة ذلك واعتباره؛ إذ يغلب على كثير من المحاضن والمؤسسات التربوية إعطاء برامج موحدة لجميع الطلاب في الميدان العلمي، وهي قضية يجب أن يعاد فيها النظر. ولئن كانت هناك معوقات كثيرة ترتبط بالمؤسسات التعليمية الرسمية، فالمؤسسات التعليمية الخاصة، والمحاضن التربوية تملك من المرونة والحرية ما يعينها على تصميم برامج تراعي فيها الفروق الفردية، وتفاوت الإمكانات والقدرات وتفاوت الحرص والاهتمام العلمي، وألا تقدم لطلابها نسخة مكررة من البرامج التعليمية. 5- ينبغي أن تمتد أهدافنا لتعنى بالتربية العقلية، وألا تقف عند حدود إعطاء الجانب العلمي والمعرفي، خاصة وأن "مرحلة الشباب تعتبر أحسن فترات حياة الفرد للتربية العقلية" (1). فمن خلال التربية العقلية الصحيحة يمكن تهيئة الأرضية المناسبة للتلقي العلمي، ومن خلالها يملك الشاب الآلية التي تعينه على التعامل الصحيح مع المعلومات والمعارف التي يتلقاها. كما يتجاوز أثر التربية العقلية الجانب العلمي إلى سائر مجالات حياة الشاب فلها نتائج مهمة "في حياة الفرد، وفي مشاعره وقيمه وأهدافه وتعامله وتعايشه وتصرفاته" (2). و"عن طريق التربية العقلية يكون الفرد قادراً على إصدار أحكامه الصائبة على الأشياء، واستفادته من أخطائه وأخطاء غيره، والانتفاع بتجاربه وتجارب الآخرين، وقدرته على حل المشكلات ومواجهة المواقف"(3). الهدف العام في الجانب العقلي والعلمي: تقوية البناء العقلي والعلمي. ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال الوسائل الآتية: وسائل عامة في البناء العلمي والعقلي: هناك وسائل عامة تعين على تحقيق البناء العلمي والعقلي لا يمكن إدراجها تحت هدف واحد، ومن هذه الوسائل: 1 - تطوير طرق التعليم والبرامج الثقافية: رغم تطور الفكر التربوي، وكثرة المختصين والمهتمين في هذا الجانب، فإن الطرق التقليدية في التعليم هي التي تسود اليوم في مدارسنا، وحتى التعليم الشرعي خارج نطاق التعليم الرسمي يتسم إلى حد كبير بهذه السمة. ولأجل الارتقاء بمستوى القدرات العلمية وتجاوز ما يعانيه الجيل اليوم من سطحية وضيق أفق، كان لابد من تطوير طرق التعليم، سواء من خلال الفصل الدراسي، أو من خلال الدروس العلمية والمحاضرات الثقافية والفكرية التي تقدم للناس في المسجد وخارج المسجد. ومن ملامح هذا التطوير الذي يمكن أن يسهم في الارتقاء بمستوى الشباب اليوم: 1- البعد عن الطرق الإلقائية الرتيبة، والاعتناء بالطرق الحديثة في التعليم. 2- البعد عن الطرق التي تركز على اتجاه واحد في الاتصال، ويكون دور المعلم فيها هو الملقي، ودور الطالب هو التلقي والاستماع. 3- مع أهمية الحفظ وحاجتنا إليه في العلم الشرعي، إلا أنه ينبغي ألا نعتمد عليه وحده، وألا يكون دور الطالب قاصراً على التذكر والاستدعاء فقط، بل لابد من الارتقاء إلى المستويات الأعلى منه في التحصيل (كالفهم والتطبيق والتحليل والتركيب والتقويم)(4). فحين يُقدَّم للطالب درس في تعليم صفة الوضوء، فليطلب منه التطبيق بعد ذلك، وليُقدم المعلم لهم فيلماً يسجل فيه مواقف عدة ويطلب منهم بناء على ذلك اكتشاف الأخطاء التي وقعت في الوضوء. ومثله معلم العقيدة، حين يتناول موضوع القضاء والقدر، فليطلب من الطلاب مثلاً قراءة سورة الأنفال واستخراج ما يتعلق بهذا الركن العظيم، وليطلب منهم بيان آثار الإيمان بالقضاء والقدر على حياة المسلم، وذكر صور الانحراف والأخطاء في مفهوم القضاء والقدر لدى المسلمين اليوم. 4- تطوير أساليب التقويم وطرقه، فبدلاً من أن يكون الواجب المنزلي يتعلق بأسئلة مباشرة يبحث الطالب عن إجابتها في الكتاب يُكلف المعلمُ الطالبَ مثلاً أن ينظر إلى المصلين الذين يقضون الصلاة، ويذكر عدداً من الأخطاء التي وقعوا فيها، وأن يقدم المعلم مقالة مكتوبة للطالب ويطلب منه نقدها وبيان ما فيها من سلبيات وإيجابيات. 5- إعطاء فرصة للطالب في تقويم ما يسمع ونقده، بل تشجيعه على ذلك ودفعه له، بدلاً من أن تكون مهمته منحصرة في السؤال عما أشكل عليه، وأحياناً يدعو المعلم لذلك بقوله، لكن غضبه وانفعاله ونقاشه الحاد لما يقوله الطالب مخالفاً لرأيه يسهم في وأد روح النقد والتقويم لدى الطالب. وينبغي مع ذلك أن يراعى الاعتدال؛ فالإفراط في ذلك قد يؤدي إلى مناقشة البدهيات والمسلَّمات، أو تخريج طلاب يجيدون فن الجدل والخصومة، أو يسيئون الأدب مع الأكابر. 2 - تطوير أساليب الخطاب ومضمونه: إن الاعتناء بمضمون ما يقدم للناشئة في الدروس العلمية والملتقيات الفكرية أمر له أهميته وأثره في بناء شخصية الطالب، ومن المقترح في ذلك: 1- الاعتناء باختيار الموضوع الذي يتحدث فيه المتحدث أو الكاتب، والبعد عن الموضوعات التقليدية التي ملَّ الناس منها وسئموها. 2- الاعتناء بمحتوى ما يقدِّم للناس، والإعداد الجيد له، وتقديم الجديد المفيد، حتى في تناول الموضوعات التي يتكرر طرقها يمكن للكاتب أو المتحدث أن يقدم الجديد في محتواها. 3- البعد عن تقديم النتائج المباشرة، والسعي للإقناع من خلال الأدلة العلمية الموضوعية، والوصول للنتائج من خلال المقدمات. 4- الاعتدال في الحماس للرأي والفكرة الشخصية، والتفريق بين الحكم الذي جاء بنص الشرع، وبين فهم فرد معين لمسألة أو نص شرعي(5). 3 - زيادة دور الطالب في التعلم: تعتمد الاتجاهات التربوية الحديثة على تفعيل دور الطالب في التعلم والتلقي، وألا يكون دوره قاصراً على مجرد الاستماع. ومما يعين على ذلك: 1- الاعتماد على الطرق الحديثة في التعليم وعدم التركيز على الطرق الإلقائية. 2- الاعتناء بالبحوث مع مراعاة أن تكون مناسبة لمستوى الطالب، وكلما كانت قصيرة، وتتطلب الوصول إلى نتائج معينة - دون أن تعتمد على مجرد النقل والجمع- أمكن أن تؤدي دورها. 3- تعويد الطالب الوصول إلى المعلومات بنفسه من خلال السؤال والمناقشة، مع مراعاة أن يكون النقاش معيناً للوصول إلى المعلومة، دون أن يكون استظهاراً لما سبق، أو سؤالاً لا يعرف إجابته إلا من سبق له إدراك هذه المعلومة، ومن تأمل سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجد العناية بهذا الجانب، كما في حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمار فقال: "إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم" فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم فسكت. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة" (6). قال ابن حجر: "قوله: (ووقع في نفسي) بيَّن أبو عوانة في صحيحه من طريق مجاهد عن ابن عمر وجه ذلك قال: فظننت أنها النخلة من أجل الجمار الذي أتى به , وفيه إشارة إلى أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال , وأن الملغز ينبغي له ألا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز باباً يدخل منه , بل كلما قرَّبه كان أوقع في نفس سامعه" (7). 4 - المحافظة على الطاقة العقلية: طاقات الإنسان مهما بلغت وعظمت فهي محدودة، وذلك لا يصدق على الطاقة البدنية فحسب، فالطاقة العقلية والنفسية تحكمها السنة نفسها، وحتى تستثمر هذه الطاقة وتوظف في ميادينها المناسبة لابد من حمايتها من أن تبدد فيما لا طائل من ورائه. لذا فإشغال العقل بالتساؤل والبحث في أمور الغيب، أو بما لا فائدة فيه من أبواب العلم، أو بالتفاصيل التي لا ضرورة لها ولا حاجة، ولا يترتب عليها خير ومنفعة في دين ودنيا، هذا الإشغال سيكون على حساب أمور أخرى هي أهم وأحوج، إذا افترضنا أن هذا المتسائل أدرك من وراء تحصيله شيئاً. لذا فقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم بربه من علم لا يتحقق من ورائه نفع ولا فائدة؛ فعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها؛ أنت وليُّها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يُستجاب لها" (8). ووجَّه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى سؤال الله ذلك، فعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله علماً نافعاً، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع" (9)، والدعاء يقتضي من المرء -مع الاستعانة بالله- سلوك الأسباب الموصلة إليه. ولا يقف الأمر عند حد تحصيل المرء لعلم لا ينفعه يأخذ حيزاً من ذهنه، بل يولِّد لديه اتجاهاً للتساؤل والبحث عن مثل هذه القضايا، ويصبح الانشغال بها ديدناً له. ويزداد تأكد الأمر في هذه المرحلة المهمة من العمر، التي تعد مرحلة البناء والإعداد، وتزداد الخسارة حين تبدد هذه الطاقة فيما لا طائل وراءه. 5 - التعويد على القراءة الواسعة: تمثل القراءة عاملاً مهماً في توسيع أفق الشخص وتنمية قدراته ومهاراته، ومن ثَمَّ فغرس حُبِّ القراءة لدى الناشئة يترك أثره في نموهم العلمي والفكري. ويمكن أن يتم التعويد على حُبِّ القراءة بطرق عدة، منها: 1- الإحالة إلى أحد الكتب المهمة والشيقة عند الحديث عن قضية من القضايا، وكلما كان الكتاب متوفراً وقريباً من الطلاب كان أقرب إلى تحقق هذا الهدف. 2- وصف الكتاب والحديث عنه وطريقة مؤلفه ومزاياه. 3- المسابقات العلمية ومن أفضلها في غرس القراءة الواعية المدركة: أن يطلب من الطلاب قراءة كتاب أو جزء منه، ثم يطلب منهم الإجابة على أسئلة محددة، وذلك بعد فراغهم من قراءته، أما الأسئلة التي تُعطى سلفاً فالغالب أن يبحث الطالب عن الإجابة في الكتاب دون أن يقرأه ويستوعب ما فيه. 4- اقتراح برامج متدرجة في القراءة، وذلك بأن تحدد للطلاب فئات (أ، ب، ج، د) مثلاً، وكل مجموعة تحوي كتابين أو ثلاثة، وتكون هذه الفئات متدرجة في الصعوبة وحجم الكتاب، فحين يتم الطالب قراءة فئة (د) ينتقل إلى فئة (ج) وحين يتمها ينتقل إلى فئة (ب) وإذا أشيع روح التنافس والمسابقة في ذلك ازداد الدافع لدى الطلاب. 5- الإهداء الخاص، وذلك بأن يقدم المعلم للطالب هدية خاصة تتمثل في كتاب مناسب لمستوى تحصيله وإدراكه. 6- تخصيص أوقات للقراءة، ويمكن أن يكون ذلك في حصص الانتظار، أو في برامج الأنشطة المدرسية، فيبقى الطلاب في المكتبة وعلى كل طالب أن يختار كتاباً مناسباً ليقرأ فيه. 7- تأمين الكتب المناسبة والشيقة في المنزل والمدرسة، ومواطن تجمعات الشباب ولقاءاتهم. 8- كتاب الشهر أو كتاب الأسبوع، وهو كتاب يُختار بعناية مما يناسب مستوى الطلاب، ويُعلن عنه مع صورة غلافه، وإذا أمِّن بسعر مخفض فهذا حسن. 9- زيارة المكتبات ودور النشر ومعارض الكتب، وإطلاع الشاب على محتوياتها وحثه على الشراء. 10- فاقد الشيء لا يعطيه، فحين يكون المعلم والمربي قارئاً، ويلمس تلامذته أثر ذلك في شخصيته، ويعتادون رؤية الكتب معه، واهتمامه بها، فإنهم سينشؤون على حُبِّ القراءة. وبدون البرامج العملية التي تربط الطلاب بالقراءة وتدعوهم لها، لن يكون كثرة الحديث عن أهمية القراءة ودورها ذا أثر فاعل. 6 - الربط بالمصادر العلمية والفكرية المناسبة: يحتاج الناشئ في البداية أن يوجَّه إلى اختيار المناسب في خضم الكم الهائل المتاح من مصادر التعلم، ومن ثم فتوجيهه للكتب المناسبة، والكتَّاب المناسبين، والدوريات الموثقة الرصينة، والأشرطة العلمية الفكرية، مما يعينه على توسيع أفقه، ويسهم في تحقيق البناء العلمي والعقلي لديه بشكل أشمل. ومع الحاجة إلى الانفتاح وزيادة دائرة اتصال الشاب بالمصادر العلمية إلا أنه لا يستغني عن الإرشاد والتوجيه مما يختصر عليه خطوات كثيرة. وهذا إنما يجيده المربي الناضج الذي يتسم بسعة الاطلاع والقراءة الواسعة، أما أولئك الذين دعت الضرورة إلى الاعتماد عليهم فعليهم أن يعرفوا قدرهم، وألا يجعلوا الشباب ضحية تفكيرهم المحدود، واطلاعهم القاصر؛ فيمارسوا في حقهم الاسترقاق الفكري وقد ولدوا أحراراً. 7 - تنويع مصادر التعلم: مهما بلغت قدرات المربي وطاقاته يبقى يمثل تجربة محدودة، وهو بشر يحمل من القصور والسلبيات ما يحمله غيره من البشر. لذا كان لابد لتوسيع أفق المتربي، وتنمية قدراته، وبناء شخصيته العلمية والفكرية من فتح قنوات أخرى غير هذه، ومن ذلك: 1- تنويع قراءاته وعدم الاقتصار على شريحة معينة من الكتَّاب في إطار زمني أو مكاني محدد. 2- اتصاله الفكري واستفادته من عدد كبير من الأشخاص، من خلال استضافة بعض المتحدثين بين آونة وأخرى، وزيارتهم واللقاء معهم، وكلما تنوعت تجارب هؤلاء واتسعت خبراتهم أسهم في استفادة الطالب منهم. 3- التخلص من الممارسة غير المقبولة التي يفرضها بعض المربين-بحسن نية- من خلال طول أمد بقاء تلميذه مرتبطاً به دون سواه، وفرض حصار فكري عليه، ورفض كل مالم يرد عن قناته التي يتحكم فيها، وما أصدق مقولة الفاروق هاهنا: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" وقديماً قيل: "لا تعرف خطأ أستاذك حتى تصاحب غيره". وينبغي التأكيد هاهنا على التعامل المعتدل مع مثل هذه المقترحات، وعدم التطرف في استخدامها، ومراعاة التدرج، وأن القفزات المحطمة قد تحول التلميذ الناشئ إلى أتون فوضى فكرية قبل أن يدرك، وثمة تجارب جنى أصحابها ثمرة التطرف في الانفتاح غير المتزن. إلا أن هذا التطرف والتسيب لا يعالج من خلال ممارسة الحصار والاسترقاق الفكري للأحرار من الناس. 8 - الاعتناء بطرق التعليم الفردي: توفر التربية المعاصرة نماذج من أساليب التعليم الفردي، التي يستطيع من خلالها الطالب أن يواصل التعلم بمفرده، دون الحاجة إلى معلم(10). والاستفادة من هذه التجارب واستثمارها، بعد تطبيعها بما يتناسب مع الأوضاع التربوية، مما يعين على الوصول إلى أهداف قد نرى أن قدراتنا تعجز عنها. والدعوة إلى استثمار طرق وأساليب التعلم الفردي لا تعني اعتبارها البديل الوحيد، فلا غنى للطالب عن الارتباط بمعلمه والاستفادة من كثير من خبراته. أهداف فرعية في البناء العلمي والعقلي: ثمة أهداف فرعية تؤدي إلى الهدف العام وهو تحقيق البناء العلمي والعقلي، وتتمثل أهم هذه الأهداف فيما يأتي: 1 - غرس الشعور بالحاجة للتعلم: قبل أن نبدأ بالتعليم أو تناول البرامج العلمية لابد من تهيئة الأرضية المناسبة لذلك، وإعداد المتربي ليقبل على العلم والتعلم، ويشعر بحاجته إليه، وأهميته له. ومما يعين على تحقيق هذا الهدف: 1- بيان فضل العلم وأهله، ومنزلته من بين سائر مايتقرب به العبد إلى ربه عز وجل، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعنى بذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حاثاً لهم: "من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر" (11). ومن المفيد والمهم دوام التذكير بفضائل العلم وأهله بين آونة وأخرى، ودراسة بعض الكتب المفيدة في ذلك(12). 2- استثمار المواقف التي يمر بها المتربي لإشعاره بالحاجة للعلم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء المسيء صلاته وصلى فقال له: "ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصل". فأعاده صلى الله عليه وسلم مراراً حتى أحس- رضي الله عنه - بالحاجة للتعلم فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلِّمني(13). 3- تناول بعض الموضوعات، وتقديم بعض البرامج العلمية التي تتناول جوانب يحتاج إليها الشاب بطريقة سهلة ومشوقة، تشعره بقيمة ما تعلمه، وأهمية الإقبال على العلم الشرعي. 4- وضع برامج لتداول وتوزيع الكتب والأشرطة العلمية المناسبة لمستوى الشاب والاعتناء بسماعها(14). 5- الاعتناء بإبراز سير العلماء ودراستها، والتركيز على أثر الجانب العلمي في شخصياتهم. 6- زيارة العلماء وطلاب العلم، وحضور مجالسهم وغشيانها، فلذلك الأثر القوي في إبراز شخصياتهم أمام الشباب، وفي تطلعهم إلى أن يسيروا على طريقهم. 2 - تعليم العلوم الضرورية: إن المسلم -بغض النظر عن موقعه في سلم الثقافة- يحتاج إلى قدر ضروري من العلوم الشرعية، يعرف بها ما يستقيم به دينه، ويسلم فيه اعتقاده، وتصح به عبادته. والشباب الذين يُعدُّون لتحمل المسؤولية والأمانة، ويهيؤون لحمل الدعوة، يحتاجون قدراً من العلوم الضرورية أكثر مما يحتاجه الآخرون. ومن ثم كان لابد من أن تعنى المحاضن التربوية بأن تقدم لأبنائها العلوم الضرورية التي لا يسع مسلم جهلها، وأن تسعى إلى تيسير هذه العلوم ليدركها ويعيها الجميع(15). ولما كانت الدول المعاصرة اليوم تضع حداً أدنى للتعليم الإلزامي لابد أن يصل إليه كافة مواطنيها، وهو السبيل لتوحيد الأطر المرجعية، وتكوين قدر مشترك من الثقافة لأبناء هذه الدول، فنحن أولى وأحرى أن نقدم لأبنائنا الحد الأدنى من العلم الشرعي والثقافة الشرعية، ليكون قدراً مشتركاً بين جيل الصحوة، وهذا القدر الضروري لن يُحوِّل جيل الصحوة إلى طلبة علم متخصصين، بل هو يسعى إلى محو الأمية الشرعية بينهم. 3 - تحقيق الفقه في دين الله تعالى: لقد عاب الله تعالى في كتابه -في غير ما موضع- الذين لا يفقهون فقال عز وجل:{فَمَالِهَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (النساء: 78 (وأثنى صلى الله عليه وسلم على من فقه في الدين، وقدمه على غيره ممن لم يزد على مجرد الحفظ والجمع للنصوص، وفي كل خير. عن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعَلِمَ وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" (16). وأخبر صلى الله عليه وسلم أن مِنْ إرادة الله الخير بالعبد أن يفقهه في الدين، فعن حميد ابن عبدالرحمن قال: سمعت معاوية - رضي الله عنه- خطيباً يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله" (17). وأوصى طائفةٌ من أهل العلم طالب العلم بالاعتناء بالفقه، قال ابن جماعة: " ولا يقنع بمجرد السماع كغالب محدثي هذا الزمان، بل يعتني بالدراية أشد من عنايته بالرواية، قال الشافعي رضي الله عنه: من نظر في الحديث قويت حجته. ولأن الدراية هي المقصود بنقل الحديث وتبليغه" (18). وهذا يعني ألا يركز على الحفظ وحده -مع أهميته- بل لابد من الاعتناء بتناول فقه نصوص القرآن والسنة والاستنباط منهما، والاعتناء بدراسة القواعد الشرعية ومقاصد الشريعة وفقهها، وحكمة التشريع، بالقدر الذي يتناسب مع إدراك الشاب وعقله في هذه المرحلة. 4 - تعليم مراتب العلم الشرعي: العلم ليس باباً واحداً، بل هو مراتب ودرجات، فعلوم المقاصد ليست كعلوم الوسائل، وصلب العلم وأسسه ليست كملحه ومتينه، قال الشاطبي رحمه الله: "من العلم ما هو من صلب العلم، ومنه ما هو من ملح العلم، لا من صلبه؛ ومنه ما ليس من صلبه ولا ملحه" (19). بل من العلم ما يكون وبالاً على صاحبه وغير نافع له، لذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذا العلم، فعن زيد بن أرقم قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها" (20). ولا يسوغ أن يكون الشاب ضحية اهتمامات شخصية غير متزنة لأحد معلميه ومربيه، يضخم جوانب من الجزئيات، ويجيد تشقيق المسائل وتفريعها والغوص في بعض الدقائق مقابل إهمالٍ لأسس من العلم لا غنى عنها. ومرحلة الشباب فيها قدر من التطلع إلى مثل هذا والبحث عن الغرائب، فما لم توجه التوجيه الصحيح وتستثمر فإنها تصبح داء معوقاً عن المنهج السليم في طلب العلم وتلقيه. 5 - تعظيم النصوص الشرعية: النصوص الشرعية مصدر لتلقي العلم الشرعي، وتعظيمها والوقوف عندها أمارة على صدق الإيمان، وسلامة المنهج. لذا فالاعتناء بغرس هذا الجانب أمر له أهميته، ولما كان الرعيل الأول يعرفون منزلة الوحي وأثره في النفوس تألموا لفقده وانقطاعه. عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال أبو بكر -رضي الله عنه- بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها(21). ومما يعين على تحقيق هذا الجانب: 1- أن يعتني المربي بالاستدلال على ما يعرضه بنصوص الكتاب والسنة. 2- التأدب مع نصوص الكتاب والسنة حين الحديث عمَّا ظاهره التعارض من النصوص. 3- عدم الاعتراض على النصوص الشرعية بأقوال العلماء وآرائهم، والتنبيه على خطأ من يعترض عليها بمثل ذلك، ورحم الله الإمام الشافعي حين ذكر حديثاً فسأله أحد أصحابه هل تقول به، فغضب وقال: "هل رأيت في وسطي زناراً؟ هل رأيتني خرجت من كنيسة؟ إذا حدثتكم بحديث ولم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب". إن هذا الموقف منه رحمه الله يغرس لدى تلامذته قدراً من تعظيم النصوص والوقوف عندها، وإنك لتعجب من طائفة يعظم عليهم ردّ قول شيخ من الشيوخ، ويجتهدون في الاعتذار له، ويهون عليهم كلام الله ورسوله، فحين يعترض عليهم معترض بنص من الوحي يجيبك أحدهم أن الشيخ أعلم منا بالنصوص، ولم يخالف هذا النص إلا لدليل آخر. وأسوأ من ذلك التعصب الحزبي، واتخاذ رأي جماعة من الجماعات مذهباً فقهياً جديراً بالاتباع(22). 4- حين يعترض التلميذ على رأي معلمه بنص شرعي، فإن كان لم يقف عليه فليتوقف عن رأيه، وإلا فليتأدب في توجيه دلالة النص. أما أولئك الذي يُغلِظُون على من يعترض عليهم بالنص فهم ينشئون تلامذتهم على الاستهانة بالنصوص وقلة تعظيمها. 6 - تحقيق التكامل العلمي: إن أسس العلوم الشرعية تمثل منظومة متكاملة، يرتبط بعضها ببعض ويكمله، فأصول الفقه لا غنى عنه لمستدل في باب الاعتقاد أو الأحكام، واللغة لا غنى عنها لكل طالب علم، وأسس علم الحديث يحتاجها كل مستدل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أيا كان مجال دراسته…إلخ. والمنتظر أن يتحقق لدى الشاب الحد الأدنى الذي لا يستغني عنه طالب للعلم من فروع العلوم الشرعية، لا أن يصبح متخصصاً وبارعاً في كل العلوم. نعم لابد من التخصص لكنه لا ينبغي أن يكون على حساب التكامل في تحصيل العلوم الشرعية الأخرى. 7 - تنمية المهارات العقلية: العقل هو الأداة التي يتم من خلالها التحصيل العلمي السليم، ومن المشكلات التي نعاني منها اليوم في تربيتنا الأسرية والمدرسية إهمال المهارات العقلية وعدم الاعتناء بها. وتبدو أهمية الاعتناء بتنمية هذه المهارات فيما يأتي: 1 - أنها ضرورية للبناء العلمي السليم. 2 - أنها تؤثر على كافة جوانب الشخصية؛ فالمرء يستخدم المهارات العقلية في التحصيل العلمي، وفي التعليم، وفي الجوانب الاجتماعية، وفي دعوته للآخرين، وفي حواره والتعبير عن فكرته. 3 - أنها ضرورية لمن يتصدون للدعوة والتغيير في المجتمعات. وقد تعامل بعض طلبة العلم بردة فعل مع الانحراف العقدي الذي انطلق من تقديم العقل على النقل، وأدى ذلك إلى التحسس من لفظة العقل، وإلى إهمال البناء العقلي وتهميش دوره، وحين نعود إلى كتاب الله تعالى نجد تكرار استخدام لفظ العقل ومشتقاته، والدعوة إلى تحكيم العقول وعيب الذين عطلوا عقولهم وأهملوها. إننا بحاجة إلى الاعتناء بالبناء العقلي وتنمية المهارات العقلية وتوظيفها مع وضع العقل في إطاره الطبيعي، تابعاً للشرع وخاضعاً له. ومن المهارات العقلية المهمة مايأتي(23): 7-1 القراءة الذكية: سبق الحديث عن القراءة وأهميتها في بناء الشخصية، وسبقت الإشارة إلى بعض الوسائل المقترحة لتنمية الرغبة في القراءة، ولارتباط هذا الحديث بالمهارة العقلية تم تأجيله إلى هنا. وحتى تكون القراءة أكثر ثمرة وأبلغ أثراً في بناء شخصية الشاب، لابد من تنمية مهارة القراءة الذكية لديه، ومما تشمله: 1 - القدرة على الاختيار المناسب لما يقرؤه. 2 - تعلم مهارات القراءة السريعة. 3 - تنمية القدرة على فهم المقروء، وبالأخص استيعاب الفكرة العامة التي يريد المؤلف إيصالها، والتفريق بين الفكرة العامة وبين الشواهد والأمثلة والتفريعات. 4 - تنمية القراءة الناقدة، التي تجعل الشاب يفكر ويقوِّم ما يقرؤه دون التلقي المجرد، وينبغي أن يلحظ هنا التدرج، ومراعاة قدرات الشاب وثقافته، وأنه يحتاج إلى مرحلة يعتاد فيها القراءة، ومرحلة يفهم فيها وتُبنى ملكاته العلمية، ومرحلة ينتقل فيها إلى القراءة الناقدة. ومن المناسب أن يوجه في بداية المرحلة إلى كتابات مناسبة وكُتَّاب مناسبين - كما سبق عند الحديث عن الربط بالمصادر العلمية والفكرية المناسبة-. لكن هناك قدر طبيعي من النقد والتقويم للأفكار يمكن أن ينمى لدى الشاب باعتدال وتدرج. وهذه المهارات يمكن أن تعلم للشاب من خلال برامج منظمة للقراءة، أما مجرد إلقاء دروس وتوجيهات حول القراءة وأساليبها فهذا محدود الجدوى والفائدة. 7-2 التعبير اللغوي السليم: التعبير اللغوي السليم مهارة مهمة تحتاج أن تبنى عند الشاب وتقوى عنده، ومما تشمله: 1 - القدرة على صياغة أفكاره والتعبير عنها تعبيراً سليماً. 2 - القدرة على استخدام اللغة الفصيحة في الحديث والبعد عن الألفاظ العامية. 3 - القدرة على استخدام المترادفات، لتهيئ له التعبير السليم بالقدر الذي يتناسب مع الموقف، فعبارة: أعتقد أني أستحق درجة أكثر من هذه الدرجة، أفضل من عبارة: لقد أخطأت في حقي يا أستاذ حين أعطيتني هذه الدرجة. ويحتاج الشاب لهذه القدرة في الحوار ودعوة الآخرين والتأثير عليهم، ومن استمع لبعض أحاديث الوعاظ والخطباء الذين يفتقدون هذه المهارة أدرك أهمية ذلك. ومن الوسائل المعينة على ذلك: 1 - إتاحة الفرصة للطلاب ليعلقوا في الدروس ويُبدوا مداخلاتهم، مع الحرص على تعويدهم على أن يكون حديثهم بلغة فصيحة. 2 - أن يرتقي المربي بأسلوبه وطريقته في حواره معهم حتى عند الحديث الفردي عن مشكلات شخصية، بدلاً من أن يكون حديثاً بلهجة عامية هابطة. 3 - تنظيم أنشطة تتيح فرصاً للشباب في الحديث الارتجالي أمام زملائهم، ويمكن أن تشمل: إلقاء خطب قصيرة، حوارات بين طالبين حول فكرة محددة...إلخ. 4 - تنظيم أنشطة تعوِّد الشاب على كتابة أفكاره، كالكتابة حول موضوع معين، أو وصف موقف، أو الحديث عن ظاهرة في المجتمع، مع مراعاة ألا يسيطر التركيز على الجانب الأدبي والبلاغي -رغم أهميته- على التعبير السليم والصحيح عن الفكرة. 7-3 الاستماع الناقد: كما أن الشاب يحتاج إلى القراءة السليمة الناقدة، فهو كذلك يحتاج إلى الاستماع السليم الناقد، بحيث يستطيع حين يستمع إلى متحدث أن يلخص الفكرة الأساسية التي أراد المتحدث إيصالها ويستطيع أن يصدر أحكاماً نقدية على ما سمع. ومن الشواهد التي تمرُّ بنا كثيراً وتعطي دلالة على افتقاد هذه المهارة، أنك حين تسأل جمهورا ممن صلى الجمعة عند خطيب معين عن موضوع خطبته وفكرتها العامة فإنهم يختلفون في تحديد ذلك، ويخلط كثير منهم بين الأفكار الفرعية والاستطرادات، وبين الموضوع الرئيس والفكرة العامة(24). وحتى تنمو هذه المهارة يحتاج الأمر إلى أن تتاح فرص منظمة للاستماع، من خلال: حضور خطبة، أومحاضرة عامة، استضافة أحد المتحدثين، استماع إلى شريط. ويقوم المربي بتلخيص الفكرة العامة، والإشارة إلى الأفكار الجزئية والشواهد، والتفريق بينها، وهذا ينجح أكثر في الاستماع للحديث المسجل إذ يقوم المربي بالاستماع له والإعداد المسبق حتى تكون أحكامه وتحليلاته أكثر دقة. ومن الأساليب التي يمكن أن يستخدمها المربي في التدريب على هذه المهارة: 1 - المطالبة بالاستماع إلى شريط في المنزل، وتلخيص الفكرة العامة للموضوع والأفكار الجزئية، وإبداء الرأي عموماً في طريقة تناول الفكرة. 2 - مطالبة الطلاب بعد حضور الخطبة أو المحاضرة بذلك. 3 - إجراء مسابقات في تلخيص الفكرة المسموعة ونقدها(25). 7-4 الاستنباط السليم: القدرة على الاستنباط والاستنتاج مهارة مهمة، تمكِّن الشاب من استخدام المعارف والمعلومات في مواقف جديدة. وثمة مجالات يمكن أن تعود على تقوية هذه المهارة، ومنها: 1 - تعويد الشاب على استنباط الفوائد والعبر من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، مع مراعاة العمق والبعد عن الفوائد المكررة التي اعتاد الشاب عليها(26). 2 - الاعتناء باستنباط الدروس والفوائد العملية عند دراسة السيرة النبوية والأحداث التاريخية، وسيأتي حديث مفصل عن ذلك في الجانب الدعوي. 3 - توظيف المواد الدراسية التي يتلقاها الطالب في المدرسة في تنمية القدرة على الاستنباط، كالرياضيات، والتاريخ، واللغة العربية. 4 - الاستفادة من الألعاب التعليمية؛ فكثير منها تنمي المهارات العقلية، ومن بينها مهارة الاستنباط، ويمكن للمربي أن ينظم بعض الألعاب والمسابقات التعليمية، التي تجمع بين تحصيل فوائد علمية، وتحقيق التسلية، وتنمية المهارات. 8 - تعليم أسس التفكير العلمي وطرق حل المشكلات: إن مجتمعات المسلمين اليوم تعاني من الفوضى والتخبط في طريقة التفكير، وجيل الصحوة جزء لا يتجزأ من هذه المجتمعات، يرث منها الأمراض التربوية السائدة. ومما يزيد الأمر تعقيداً في هذه المجتمعات أن المؤسسات التعليمية التي ينتظر منها الناس أن تقوم بالتربية السليمة أصبحت تركز بشكل أساس على مجرد شحن المعلومات وإعطائها بطريقة مباشرة دون بناء للشخصية العلمية، مما أسهم في تخريج جيل يفتقد البناء العقلي الصحيح. لذا كان لابد لكل مربٍّ من السعي لبناء العقلية الصحيحة لمن يتولى تربيته، ومن أهم ما ينبغي الاعتناء به: بناء أسس التفكير العلمي وطرق حل المشكلات. وتشمل خطوات التفكير العلمي: تحديد المشكلة، ثم فرض الفروض، ثم اختبارها، ثم الاختيار بينها. وهذا الأمر لا يمكن أن يتم من خلال السرد التقليدي لهذه الخطوات، أو تناول موضوعات نظرية حول أسس التفكير العلمي- وإن كان ذلك خطوة لابد منها -، ومن الوسائل المعينة على تحقيق ذلك ما يأتي: 1 - طريقة تناول المعلم للمعلومات وتقديمها للطلاب؛ فهي تسهم إلى حد كبير في بناء منهج التفكير العلمي لدى طلابه، فحين يتحدث عن ظاهرة أو مشكلة تواجه الطلاب في حياتهم اليومية، ينبغي أن يتناولها مستخدماً الخطوات المنطقية للتفكير العلمي، فيفترض الفروض ويناقشها ويختار بينها بطريقة علمية موضوعية. 2 - طريقة المعلم في الحوار والإجابة على تساؤلات تلامذته ومشكلاتهم لها دور فاعل في ذلك، فحين يأتي الطالب يشكو لمعلمه أن والده لا يأذن له بالمشاركة في حلقة القرآن التي في المسجد، فبدلاً من أن يعطيه الحل المباشر يسأله: ما الأسباب التي تظنها وراء هذا القرار؟ التلميذ: لا أدري. المعلم: افترض الأسباب الممكنة. التلميذ: تأثيرها على المستوى الدراسي، عدم ثقته بطلاب الحلقة، عدم معرفته لأهداف الحلقة. المعلم: هل تستطيع من خلال حواراتك السابقة معه أن تستنبط ما يقوي فرضية معينة؟….إلخ. 3 - التدريب على هذه المهارات أمر له أهميته، ف"كما أن المرء لا يستطيع أن يتعلم السباحة إلا بممارستها، كذلك فإنه لا يستطيع أن يتعلم التفكير وحل المشكلات إلا بممارستها وقتاً طويلاً". (27) 4 - صياغة البرامج بما يسهم في إعطاء الفرصة لممارسة التفكير العلمي، سواء في المحتوى كالتقليل من الاعتماد على العطاء المعرفي المباشر، والحفظ والاستظهار وحده، أو في الوسائل وطرق التعليم والتوجيه. 5 - أن تتضمن التكاليف والواجبات التي يعطيها المعلم لطلابه ما يعين الطالب على ممارسة خطوات التفكير العلمي، دون التركيز على الأسئلة التي يبحث فيها الطالب عن الإجابة من الكتاب مباشرة، أو على بحوث يكون دور الطالب فيها النقل بطريقة القص واللصق. 9 - تنمية الاتجاهات العقلية السليمة: وتتضمن الاتجاهات العقلية التي يحتاج إليها الشاب في هذه المرحلة، ما يأتي(28): 9-1 الحيدة والموضوعية: تعد الموضوعية والبعد عن الذاتية من أهم سمات التفكير العلمي السليم، ويمكن تعريف التفكير الموضوعي بأنه:" مجموعة الأساليب والخطوات والأدوات التي تمكننا من الوقوف على الحقيقة، والتعامل معها على ما هي عليه بعيداً عن الذاتية والمؤثرات الخارجية" (29). إن كثيراً من الأحكام التي نصدرها على الأشخاص والظواهر والأشياء هي أحكام ذاتية، فهي نتاج انطباع ورأي شخصي، وليس نتاج أسس ومنطلقات موضوعية. ومن أهم الوسائل المعينة على تنمية التفكير الموضوعي لدى الشاب: 1 - الاعتناء بالموضوعية فيما يقدم للشاب من معارف وأحكام على الظواهر والأشياء والأشخاص. 2 - تعويد الشاب على التفريق بين الانطباع الشخصي الذاتي وبين الحكم الموضوعي. 3 - تكوين جو يسمح بالحوار البناء، والتعود على ضبط الحوار بالأسس الموضوعية، والبعد قدر الإمكان عند الحوارات عن إطلاق الأقوال دون مستندات علمية موضوعية. 4 - إتاحة الفرصة للشاب لسماع آراء أخرى-بما يتناسب مع قدراته ومستواه العلمي والفكري- ومناقشتها وتقويمها في ضوء أسس علمية موضوعية. 9-2 الدقة عند ممارسة الأنشطة العلمية والعقلية: من أهم الاتجاهات العقلية السليمة التي تعين على البناء العلمي: التعويد على الدقة عند تحليل الحقائق وفحص الأدلة (30) وإصدار الأحكام، وإطلاق التعميمات. ويشمل ذلك التمييز بين الحقائق المختلفة والتفريق بينها، والدقة عند الاستدلال، والقدرة على تمييز الأدلة الصحيحة من الباطلة، ومناقشة الأدلة. وغياب الدقة يؤدي إلى عدم الاستيعاب للفكرة، والخلط بين الحقائق والأحكام والتعميمات، والاستدلال على الحقائق بأدلة غير صحيحة. والنقاش المتأني للأفكار والأحكام التي يصدرها الشاب، وتوسيع الحوار معه فيها يزيد من قدرته وتمكنه من الدقة والتأني. 9-3 احترام آراء الآخرين وأفكارهم: من الاتجاهات العقلية السليمة التي يحتاجها الشاب؛ احترامه آراء الآخرين وأفكارهم. ومن احترام أفكار الآخرين وآرائهم: القبول بالرأي المخالف، والتعبير الموضوعي عند سياق آراء الآخرين، والفصل عند التعبير عنها بين الآراء والحكم الشخصي عليها. ومن احترامها: الاعتدال والموضوعية في نقاشها، والفصل قدر الإمكان بين الرأي والفكرة وبين صاحبها، فلا يذم الشخص نتيجة رفض فكرته أو نقدها، ولا يكون من معايير قبولها كونها فكرة فلان أو رأيه. ومن الوسائل المعينة على تحقيق ذلك: 1 - إتاحة الفرصة للشاب لسماع الآراء الأخرى، بالقدر الذي يتناسب مع نموه العلمي والفكري. 2 - تخلي المربي عن الاستبداد الفكري، والحماس لآرائه، واعتياده عرض آرائه بصورة معتدلة. 3 - مراعاة المربي لتطبيق هذه المبادئ عند عرضه أفكار الآخرين وآراءهم، وهذا من أهم العوامل وأكثرها تأثيراً، سلباً أو إيجاباً، ولذا نرى أن أولئك الذين ينشؤون في مدارس فكرية تتسم بتبني آراء متطرفة، ولا تتقبل الرأي الآخر، نرى أمثال هؤلاء يتسمون بالقسوة والفضاضة في التعامل مع آراء الآخرين. 4 - تهيئة بيئة تسمح بآراء أخرى مخالفة، والبعد عن الإصرار على رأي واحد فيما يستوعب أكثر من رأي. 10 - التخلص من معوقات التفكير السليم: ثمة معوقات عدة تحول دون التفكير السليم، وتشكل حاجزاً يشل القدرات والإمكانات العقلية ويختزلها، وفيما يلي نشير إلى أهم هذه المعوقات مراعين الإيجاز قدر الإمكان، تاركين المجال أمام المربي للتفكير في الوسائل والأساليب التي تعينه على تحقيق هذا الهدف. 10-1التعصب: التعصب من أكبر المعوقات التي تشل التفكير وتحول دون وصوله إلى النتائج بشكل سليم، وله صور عدة، منها: 1 - التعصب لآراء الآباء والأجداد ومعتقداتهم، وهذا قد عاق كثيراً من الأمم عن الاستجابة لدعوة الأنبياء، وكان منطق هؤلاء {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (الزخرف:22). 2 - التعصب المذهبي، ومن أبرز صوره في الأمة التعصب لآراء الأئمة المتبوعين ومدارسهم الفقهية. 3 - التعصب الحزبي، وهي صورة نشأت حديثاً مع انتشار الحركات والجماعات الإسلامية، وهو من أخطر أنواع التعصب نظراً لارتباطه بالمدارس التربوية. والمؤمل من المربين المخلصين اليوم أن يكسروا هذه الحلقة المفرغة التي أضحت تدور فيها فئات واسعة من جيل الصحوة، وأن يتجاوزوا في تربيتهم التعصب الحزبي، ليبنوا لنا جيلاً يتجرد ويستعلي على الولاءات الضيقة، ويجيد التفريق بين العمل المؤسسي الذي يستثمر الطاقات ويوجهها وبين الحزبية والتعصب. 4 - التعصب للآراء والمواقف الشخصية والإصرار عليها والتمسك بها. 10-2 المبالغة والغلو: المبالغة والغلو مظهران من مظاهر فقدان الموضوعية والاعتدال في التفكير، والمبالغة لها صور عدة، منها: 1 - المبالغة في الحماس للفكرة، وإعطاؤها أكبر من حجمها(31). 2 - القطع في الأمور الظنية(32)، وتحويل الآراء في المسائل الاجتهادية إلى أحكام شرعية يضلل من يخالف فيها. 3 - تضخيم الأمور وإعطاؤها أكبر من حجمها، وهذا يقع فيه بعض المربين كثيراً عند الحديث عن الأخطاء ومحاولة علاجها، فيحول الصغيرة إلى كبيرة، ويجعل وقوع الشاب في معصية من المعاصي هو الخطوة نحو الانحراف والضلال. ولاشك أن استعظام المعصية وعدم الاستخفاف بالذنب كل ذلك أمر لابد من أن يسعى المربون إلى تحقيقه، لكن مع الحذر من آثار المبالغة في ذلك، فهي تقود إلى اليأس والإحباط، بل إلى الاستسلام للانحراف(33). واتباع المنهج الشرعي النبوي في الجمع بين الترهيب والترغيب، والخوف والرجاء والتوازن بينهما أمر لابد من الاعتناء به واستحضاره. 10-3 التعميم الخاطئ: من الأعمال والممارسات العقلية التعميم، وهو يعني إلحاق الحكم على موقف أو ظاهرة من الظواهر بموقف آخر. ومن أبسط بدهيات التعميم اتفاق الموقفين في منطلقات الحكم وأسبابه. حين تتحدث عن العلاقة بين تعليم الوالدين والتربية الصحيحة للأطفال قد يعترض عليك معترض بأن فلاناً أميّ ومع ذلك استطاع تربية أولاده تربية صحيحة، وحين يتحدث متحدث عن مشروع أو فكرة، فقد يستشهد على جدواها وصحتها بأنه يعرف من طبقها. وهو أسلوب نمارسه كثيراً في تفكيرنا، وأسوأ صوره ما يحصل من بعض الدعاة والمتحدثين، إذ كثيراً ما يرد في أمثلتهم واستشهاداتهم تعميم لنموذج شاذ. وهذا الأسلوب يمارس نتيجة افتراض سبب واحد للظاهرة هو المؤثر فيها، وهذا يعني التلازم بين وجوده ووجودها، ويغفل كثير منا عن أن الظواهر الاجتماعية نادراً ما ترتبط بسبب واحد أو عامل واحد، بل هي ترتبط بعوامل ومؤثرات عدة، والأمر لا يقف عند هذا الحد بل هذه العوامل تختلف درجة تأثيرها في الظاهرة، بل ينتج عن تفاعل عاملين فأكثر تأثير من نوع آخر. وحتى تتضح الصورة أكثر، فإنا نفترض أن تربية الطفل تتأثر بمؤثرات منها: مستوى تعليم الوالدين، والعلاقة بينهما، وأسلوب التنشئة الذي يمارسانه، والبيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الطفل، والمدرسة التي يتلقى تعليمه فيها...إلخ. فكل هذه العوامل تؤثر في تربيته، ثم إن درجة تأثير تعليم الوالدين تختلف عن درجة تأثير البيئة الاجتماعية..وهكذا، وينتج من تفاعل درجة تعليم الوالدين مع طبيعة العلاقة بينهما مؤثر آخر؛ فتأثير الأب الأمي الذي يختلف كثيراً مع زوجته، ليس كتأثير الأب المتعلم الذي يختلف مع زوجته..وهكذا. لكننا نتجاوز كل هذا التعقيد في الظاهرة ونختزله من خلال عامل واحد يبدو لنا. 10-4الالتزام بالأفكار الذائعة:(34) يميل كثير من الناس إلى التسليم بالأفكار الذائعة والمنتشرة، ولايكلفون أنفسهم عناء التفكير فيها أو مناقشتها. وقد يعود ذلك إلى الكسل الفكري، أو إلى ضعف القدرات العقلية والفكرية، أو إلى الخوف والحذر من مخالفة الآخرين. وتسهم أجواء التسلط والاستبداد الفكري في وأد الأفكار المخالفة أو الواعدة. إن إتاحة الحرية في التفكير، وفي التعبير عن الرأي المخالف، وإعطاء آرائنا وأفكارنا حجمها وقدرها الطبيعي، وعدم تحويلها إلى أحكام وثوابت، أمرٌ يسهم في إيجاد بيئة وجيل لايحمل الأفكار لمجرد أن الآخرين قالوها أو تحمسوا لها. ومن الأمور المهمة في ذلك التفريق بين الأفكار وبين الفتاوي العلمية في النوازل، وبين الأحكام الشرعية، ووضع كل في إطاره الصحيح. 10-5 نظرية المؤامرة:(35) يسود عند الشعوب الإسلامية، وعند المتدينين بوجه أخص الاعتقاد بنظرية المؤامرة، ويبالغون في تصور المؤامرات التي تحاك في الظلام، ويعطون الأعداء وأصحاب القرار أكبر من حجمهم، فيتصورون أن كل صغيرة وكبيرة من تصرفاتهم محسوبة الخطوات، وأن الشغل الشاغل لهؤلاء هو حرب الإسلام وأهله. وهذا التفكير نتاج مؤثرات عدة، منها: 1 - كثرة حديث الإسلاميين عن الأعداء ومؤامراتهم، وكثرة استماع الناس لهذا الحديث. 2 - العقلية البسيطة التي تتسم بها المجتمعات الإسلامية اليوم، والتي تفهم الأحداث فهماً بسيطاً وساذجاً، فالاعتقاد بالمؤامرة يريح من افتراض خلفيات ودوافع متداخلة وراء الأحداث. 3 - ضعف الثقافة السياسية وقلة الوعي بالواقع(36). 4 - ضعف الفاعلية وغياب فرص العمل المنتج؛ وهذا يجعل التفكير بالمؤامرة مهربا نفسياً ومخلصاً من العبء والشعور بالمسؤولية. ولاشك أن الأمة مستهدفة، وأن المسلمين محاربون، لكن حين نتكلم عن أحداث محددة ومواقف معينة ونفترض التآمر، فالواجب أن يكون منطقنا علمياً موضوعياً يستند إلى أدلة وبراهين واضحة. إن الاعتدال في عرض كيد الأعداء، والتركيز على أن الداء هو في داخلنا، والتعود على الحديث العلمي المنطقي سيعين على تخليص عقول طلابنا من التعلق بعقدة المؤامرة. 11- التدريب على أشكال التفكير السليم: مع الالتزام بالمنهج العلمي في التفكير يحتاج الشاب إلى أن يربى ويدرب على أشكال التفكير السليم(37)، وتشمل: 11-1 النقد الذاتي بدل التبريري: ويعني الأسلوب الذي يُحمِّل فيه صاحبه نفسه المسؤولية عما يحدث له ولايرميها على كاهل الآخرين. وحتى حينما يصيبه ما يصيبه من جراء ظلم الآخرين أو تآمرهم، فإنه المسؤول في النهاية عن النهوض بنفسه، وعن التفاعل مع الموقف بما يتناسب معه، فيسيطر عليه التفكير العملي؛ فهو أمام الأمر الواقع الآن فماذا عليه أن يفعل؟!. وفي غزوة أُحد جاء التعقيب في كلام الله على الشعور الذي سيطر على المؤمنين، وجاء التأكيد بأنهم هم المسؤولون عما أصابهم {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران:165). 11-2التفكير الشامل بدل الجزئي: من أشكال التفكير السليم أن ينظر الشاب إلى الظواهر نظرة شاملة، وأن يتعامل مع الموقف من جميع جوانبه، دون أن يسيطر عليه جانب واحد أو جزئية من الجزئيات. وهذا مما نفتقده كثيراً، فتعاملنا مع الظواهر والمواقف في الأغلب تعامل جزئي، وتتحكم خلفياتنا المرجعية في اختيار محتوى ما ننظر إليه وما نهمله. ولعل الأحكام التي نصدرها على الأفراد أو الجمعيات أو المشروعات الإسلامية اليوم تمثل هذا الجانب. 11-3 التفكير التجديدي بدل التقليدي: والتفكير التجديدي هو الذي يتطلع للتجديد ويتجاوز المجالات والأنماط التقليدية. وثمة اهتمام جيد في الأوساط الدعوية اليوم بالتجديد، لكنه يحتاج إلى دعم وتسديد، وإلى توجيه صحيح وترشيد؛ فالتجديد في مواقف كثيرة يدور في قوالب نمطية، أو يتجه إلى المظاهر، وأحياناً يغيب الهدف فيتحول التجديد إلى غاية في حد ذاته. وحتى ينمو الفكر التجديدي يحتاج إلى دعم ومساندة، ويحتاج إلى أن تشجع الأفكار الجديدة، وأن يتعامل باعتدال مع ما لا يناسب منها حتى لا يؤدي إلى الإحباط والفشل. 11-4 التفكير الجماعي بدل الفردي: ويشمل ذلك التفكير في مصالح الجماعة أكثر من مصالح الفرد؛ فيفكر الشاب في مصالح الأمة، وفي مصالح مجتمعه الواسع والمحدود دون أن يقتصر تفكيره على إطاره الفردي المحدد. كما يشمل ذلك ممارسة التفكير بصورة جماعية، والاستنارة بآراء الآخرين والاستعانة بأفكارهم. وقد أرشد الله تبارك وتعالى إلى ذلك فقال: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} (سبأ:46). والتفكير الجماعي ليس مجرد إضافة أفكار الآخرين إلى فكرته بل إن النقاش المشترك، والبناء على أفكار الآخرين وتطويرها يولد فكرة جديدة لايمكن أن يوصل إليها بدون ذلك، أو بمجرد جمع الأفكار المتناثرة. ومما يسهم في ذلك تهيئة مجالات في الأجواء التربوية للنقاش والتفكير الجماعي، وتطوير الأفكار، وهذا ينمي أيضاً عند الشاب احترام أفكار الآخرين والاعتدال في التعامل معها، ومن أفضل الموضوعات التي يمكن أن تكون ميداناً للتفكير الجماعي المشترك الأساليب والتجارب الدعوية، ووسائل الخروج من المشكلات الشخصية؛ إذ طبيعة هذه المجالات ترتبط بالأفكار أكثر من ارتباطها بالحقائق والقطعيات العلمية. 11-5 التفكير السنني: من سنة الله تبارك وتعالى في خلقه أن جعل أمور الناس وحياتهم تسير وفق سنن ثابتة، وحتى الخوارق والمعجزات لا تنفك عن العمل والجهد البشري، فانظر إلى قصة نوح كيف أمره الله أن يصنع السفينة ويركبها مع المؤمنين، وإلى قصة مريم كيف أمرها الله أن تهز الجذع، وإلى قصة موسى كيف أمره الله أن يضرب بعصاه البحر، وإلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، إن هذه المواقف رغم ما فيها من خوارق فإن الله تبارك وتعالى أمر البشر أن يأخذوا بالسبب. وانظر إلى أهل الكهف كيف أن الله حفظهم بأن ناموا في كهف لا تدخله الشمس وكان يمكن أن يتم ذلك ولو ناموا في الشمس والعراء. لقد غاب هذا التفكير عن كثير من المسلمين اليوم، وربما أسهمنا في مزيد من الوأد له، وثمة عوامل تؤدي إلى الارتقاء بالتفكير السنني، منها: 1 - الاعتناء بدراسة سنن الله في خلقه، ومصادرها كثيرة ومتاحة(38). 2 - الاعتناء بدراسة القصص القرآني دراسة عميقة، وتحليل المواقف فيها، دون الاكتفاء بالسرد أو مجرد الوعظ والحديث العام. 3 - دراسة المواقف التاريخية بدءاً بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تاريخ الأمة. 4 - عند الحديث عن النصر والتمكين للإسلام، وعن تأييد الله لعباده، لابد من التركيز على أن ذلك إنما يتم بفعل السبب وبذل الجهد. 5 - عند تناول المشكلات التي تمر بالفرد ينبغي -مع التأكيد على الإيمان والتسليم بالقضاء والقدر- التركيز على مسؤولية الفرد عما يصيبه وعن النهوض بنفسه وتجاوز المشكلات. 12 - تعليم مهارات البحث العلمي: كما أن التعليم يعطي المرء ما يحتاجه من علوم، فإن المتعلم كثيراً ما تطرأ لديه مسائل وقضايا جديدة، فلا يسوغ أن يبقى عالة على الآخرين، ولا أن يقتصر دوره على السؤال عن كل قضية تجِدُّ لديه. لذا كان من الأهداف التي ينبغي أن يعنى بها في هذا الجانب أن يُعلَّم الطالب مهارات البحث العلمي التي تتناسب مع مستواه وقدراته، فيُعلَّم كيف يبحث عن تفسير آية في كتاب الله؟ وإلى أي كتاب من كتب التفسير يتجه حين يريد معرفة سبب النزول، أو معنى له ارتباط بالإعراب، أو بكلمة غريبة؟ وكيف يبحث عن حكم أهل العلم على حديث ما بالصحة أو الضعف، وما الكتب التي تعينه على ذلك حين يكون الحديث في الأحكام، أو في الأذكار أو في الآداب؟ وكيف يعرف معنى كلمة غريبة في السنة أو في لغة العرب؟ أو يجد تعريفاً بطائفة من الطوائف المشتهرة، أو عَلَمٌ من الأعلام؟ وكيف يتعامل مع كتب الفقه والتفسير…؟ إلخ. ويُعَلَّم كيف يكتب بحثاً يتناسب مع قدراته؟ وما طريقة التعامل مع المصادر والمراجع…؟إلخ. وهذا الهدف لابد أن يتم في المكتبة، ويُركَّز في تحقيقه على التدريب العملي إلى أن يتقن الطالب هذه المهارات، وأن يقتصر في الجانب النظري قدر الإمكان على ما يعينه على الأداء العملي. ويضاف لذلك ضرورة تعلم الموضوعية في التفكير والبحث، والتفريق بين الآراء والانطباعات الشخصية، وبين الأحكام الموضوعية المستندة للدليل والبرهان. 13 - تنمية القدرة على التعلم الذاتي: مهما طالت المدة التي يقضيها الشاب في تلقيه وتعلمه فلابد أن يصل لمرحلة الفطام العلمي والفكري، واعتماده على مجرد التلقي والتفاعل مع البرامج المقدمة له غير كاف في نمو شخصيته. ومما يعين على استمراره في ميدان النمو والتحصيل: أن تُنمَّى قدرته على التحصيل الذاتي وبناء نفسه بنفسه. ويمكن أن يتم ذلك من خلال وسائل عدة، منها: 1- القراءة والتعويد عليها، وسبق الحديث عن ذلك. 2- أن تضمن الواجبات والتكاليف التي تعطى للطالب ما يعينه على التعلم الذاتي، دون أن تكون وسيلة لتقويم التحصيل فقط، ومن ذلك أن يكلف بقراءة صفحات محدودة من كتاب معين والإجابة بعد فهمها على أسئلة محددة، لا تعتمد على التذكر والاستدعاء وحده. 3- إعداد برامج ومصادر علمية تعين على التعلم الذاتي، والاستفادة من الوسائل العلمية الحديثة في تفريد التعليم: كالتعلم الإتقاني، والتعليم المبرمج…وغيرها. 14 - تنمية الإبداع والابتكار: يمثل الاعتناء بالجوانب الإبداعية والابتكارية جانباً مهماً من جوانب اهتمامات التربية المعاصرة اليوم. ولئن كانت التحديات المعاصرة تتطلب الاعتناء بتربية الجانب الإبداعي والابتكاري، فالذين يُعدون للقيام بأعباء الدعوة والإصلاح هم أحوج الناس إلى ذلك، ومن ثم فلا غنى للمربين عن الاعتناء بهذا الجانب. ومن الأمور التي تعين على تحقيق التربية الإبداعية ما يأتي: 1- تشجيع الإبداع والابتكار، ودعم الأفكار الإبداعية. 2- تطوير أساليب التعليم والعرض بما يسهم في زيادة القدرات الإبداعية والابتكارية. 3- التدريب على التفكير الإبداعي والابتكاري. 15 - ال تربية على التفكير العميق والتحليل: تعد السذاجة والسطحية في النظرة للأمور وتقويمها سمة من سمات مجتمعات المسلمين اليوم. والتربية التي تقتصر على إعطاء المعلومات والمعارف لا تتجاوز بالمتربي هذه المشكلة بل ربما أسهمت في تكريسها. ومن الوسائل التي تعين على تنمية هذا الجانب لدى المتربي: 1- العمق في شخصية المربي، فالمربي السطحي الساذج يكرس هذا النمط من التفكير لدى تلامذته، لذا لابد من الاعتناء بهذا الجانب عند تحديد معايير من يختار للتربية، وحين يُضطر إلى الاعتماد على عناصر تعاني قصوراً في ذلك فلابد أن تُتاح الفرص للطلاب للاستفادة من غير هؤلاء المربين من خلال قنوات أخرى. 2- العمق في تناول القضايا العلمية والفكرية، والابتعاد عن التناول السطحي الساذج.

---------------------

الحاشية:

(1) الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب. عمر الشيباني ص458. (2) دور الأسرة في تربية أولادها في مرحلة البلوغ. عبدالرحمن عبدالخالق الغامدي. ص271. (3)دور الأسرة في تربية أولادها في مرحلة البلوغ. عبدالرحمن عبدالخالق الغامدي. ص271. (4) انظر للاستزادة:الأهداف السلوكية لهدى محمود سالم، علم النفس الدعوي ص29فما بعدها. (5) هذه المسألة نعاني منها كثيراً؛ إذ نبالغ في الحماس لأراء وأفكار شخصية نسبية، ونتناولها بصورة قطعيات تتوافر عليها دلائل المعقول والمنقول، ومن شأن هذا المسلك أن يسهم في تربية جيل لا يجيد الاعتدال والإنصاف للمخالف. (6) رواه البخاري (72) ومسلم (2811). (7) فتح الباري (1/ 194). (8) رواه مسلم (2722). (9) رواه ابن ماجه (3843). (10) انظر على سبيل المثال: الاحتياجات الفردية وإتقان التعلم. (11) رواه الترمذي (2682) وأبو داود (3641) وأحمد (21208) وابن ماجه (223). (12) من المراجع المفيدة في ذلك:جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع لابن جماعة،أخلاق العلماء للآجري، المجموع شرح المهذب للنووي. (13) رواه البخاري (303) ومسلم (397). (14) المقصود بذلك ليست أشرطة الخطب والمحاضرات، إنما أشرطة الدروس العلمية، وهي مع أهميتها لا تلقى الإقبال الكافي من الشباب، مع أنها من أهم أسباب التحصيل العلمي التي تيسرت في هذا العصر. (15) مع أهمية هذا الجانب إلا أنه لا يحظى بالاهتمام، وهو حري بأن تتجه إليه جهود جماعية مشتركة، بدلاً من الكم غير المُرشَّد من النشرات والكتيبات والبحوث غير العملية. (16) رواه البخاري (79) ومسلم (2282). (17) رواه البخاري (71) ومسلم (1037). (18) تذكرة السامع والمتكلم ص 187، ومما ينبغي الاعتناء به أن الفقه في الاصطلاح الشرعي أوسع من معناه الاصطلاحي السائد اليوم والذي يعني معرفة الأحكام الشرعية الفرعية، والأصل أن لا تحمل نصوص الكتاب والسنة على اصطلاح حادث. (19) الموافقات 1/53. (20) رواه مسلم (2722). (21) رواه مسلم (2454). (22) انظر كلاماً نفيساً للشنقيطي في أضواء البيان حول تفسير قوله تعالى في سورة محمد: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}. (23) انظر: الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب، عمر محمد التومي الشيباني. ص464. (24) ربما تكون بعض صور هذه المشكلة تعود إلى الخطيب نفسه الذي لا يركز على فكرته، بل ربما يعطي الاستطرادات والموضوعات الجانبية قدراً أكبر من الفكرة الرئيسة التي يريد إيصالها. (25) يلاحظ الاعتدال في موضوع النقد، فإن المبالغة فيه تؤدي بالشاب إلى الجرأة غير الموزونة في إصدار الأحكام على الآخرين، وإلى احتقارهم، والحرمان من الاستفادة مما لديهم. (26) كان للكاتب تجربة في هذا المجال أثناء تدريسه لمقرر التفسير في المعهد العلمي، فكان يطالب الطلاب باستنباط الفوائد والأحكام من الآيات، ويعزز الفوائد التي يأتي بها الطالب من خارج الكتاب، وقد واجه صعوبة في البداية إذا كانت معظم الفوائد التي يأتي بها الطلاب تقليدية وبنص الكتاب، وبعد مدة ارتقت قدرتهم على الاستنباط، وقدرتهم على نقاش المعلم في ذلك. (27) الوعي التربوي. جورج شهلا وآخرون. 167. (28) انظر كتاب: التفكير العلمي لدى طلاب التعليم العام في المملكة العربية السعودية. محمد شحات الخطيب وآخرون. (29) فصول في التفكير الموضوعي. عبدالكريم بكار. ص(45). (30) المقصود بالأدلة هنا جميع البراهين الموصلة إلى أحكام معينة، فهي أعم من الأدلة على الأحكام الشرعية. (31) انظر: مجلة البيان عدد (154). (32) انظر: من أجل انطلاقة حضارية شاملة. عبدالكريم بكار ص(64). (33) واجهت الكاتب مواقف ومشكلات عدة يفسرها بأنها نتيجة الغلو في التعامل مع الأخطاء، ومن ذلك حالات كثيرة من الإحباط نتيجة وقوع الشاب في العادة السرية، أو شعوره بالنفاق والازدواجية، وقد يسعى للقضاء على ذلك بالاستسلام للانحراف واختيار طريق الضلال. (34) انظر: البحث العلمي مفهومه وأدواته وأساليبه ص(57). (35) انظر: أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة للقرضاوي ص(89) وفصول في التفكير الموضوعي لبكار ص (228). (36) من المشكلات اليوم أن مسألة هل نكون واعين أم مغفلين تحتاج إلى نقاش أو استدلال، وأن من صفات طالب العلم أن يكون بعيداً عن الوعي بالواقع حتى لاينشغل عن العلم (أي مغفلاً ساذجاً) وأن يترك الأمور المعاصرة من سياسية واقتصادية لأهلها. (37) انظر: أهداف التربية الإسلامية لماجد عرسان الكيلاني (64-72). (38) انظر على سبيل المثال: منهج كتابة التاريخ الإسلامي لمحمد السلمي، حتى يغيروا ما بأنفسهم لجودت سعيد، من أجل انطلاقة حضارية شاملة لعبدالكريم بكار، السنن الإلهية د.محمد الأشقر.

Eng.Jordan 02-18-2012 07:26 PM

الفصل السادس: الجانب الخلقي والسلوكي

تبدو أهمية الاعتناء بالجانب الخلقي والسلوكي من خلال أمور: الأول: أن حسن الخلق منزلة عالية في الدين، ويكفي في ذلك أن الله تبارك وتعالى عدَّه من صفات المتقين {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران:133) وأثنى تبارك وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4). وأعلت السنة النبوية من منزلة حسن الخلق، ومما ورد في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"(1)، وجعل صلى الله عليه وسلم أحاسن الناس أخلاقاً أحبهم إليه وأقربهم منه مجلساً فقال: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً…" (2)، وجعل صلى الله عليه وسلم حسن الخلق شأن خيار الأمة فقال: "إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً" (3). وقد عني السلف بهذا الجانب عناية تليق به، وتناوله مَنْ كَتَبَ في أدب العالم والمتعلم، وعقد طائفة من مصنفي كتب الحديث أبواباً في ذلك، بل صنَّفوا مصنفات مستقلة فيه، وكان هذا التصنيف في مرحلة مبكرة، مما يعني أنه لم يكن من باب الترف الفكري، أو من فضول العلم، بل عدُّوه مما ينبغي أن يبدأ به طالب العلم. الثاني: أن مرحلة الطفولة والشباب هي المرحلة التي تتأصل فيها الجوانب الأخلاقية والسلوكية بشكل يصعب تغييره فيما بعد، فالأخلاق الحسنة أو السيئة التي تتأصل في النفس في هذه المرحلة تصحب الإنسان في الأغلب بقيةَ عمره. الثالث: أن الحياة والأوضاع الاجتماعية المعاصرة تشهد خللاً في الميدان الخلقي والسلوكي، والمؤسسات التعليمية لا تولي هذا الجانب القدر اللائق به. الرابع: أن الخلق مرآة تنعكس فيها شخصية المرء، ويقيسه الناس بها، وكثير من الناس يجد القبول والمكانة لدى الآخرين بل ربما أعطوه فوق منزلته لخلقه الحسن، وفي المقابل كثيرٌ ممن يرفضه الناس وينفرون منه يكون الباعث على ذلك سوء خلقه، وربما كان فيه صلاح وعلم وخير. لذا فأولئك الذين يُعدَّون لقيادة الناس وتوجيههم ودعوتهم هم أول من يحتاج للتخلق بالخلق الحسن، حتى يربوا الناس على ذلك ويصبحوا قدوة لهم، وقبل ذلك حتى يقبل الناس عليهم ويسمعوا منهم، وقد امتن الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بأن رزقه الرحمة واللين، وأخبر أنه لو فقد ذلك لتركه الناس وأعرضوا عنه فكيف بغيره صلى الله عليه وسلم {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159). لهذه الاعتبارات وغيرها كان الجانب الخلقي والسلوكي ميداناً مهماً من ميادين التربية. الهدف العام في الجانب الخلقي: تنمية الأخلاق الحسنة. يعدُّ هذا الهدف عنواناً جامعاً شاملاً لجوانب التربية السلوكية والخلقية، وسائر الأهداف إنما هي فرع له وتفصيل. ولقد جاء الشرع بالحثِّ على محاسن الأخلاق والنهي عن مساوئها مطلقاً، ونصَّ على جوانب من الخلق الحسن، وجوانب من الخلق السيئ، وترك جوانب من تفصيل ذلك وضوابطه لأعراف الناس التي تختلف باختلاف الزمان والمكان. فالمروءة ومعاليها من محاسن الأخلاق، بل هي مرتبطة بالعدالة وقبول الشهادة والرواية، لكن تفاصيل ما يخرم المروءة وما لا يخرمها تختلف باختلاف الزمان والمكان، والكرم خصلة كريمة محمودة باتفاق العقلاء، وقد حضَّ عليها الشرع بل ربطها بالإيمان "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"، لكن أساليب الكرم وتطبيقاته تحكمها أعراف الناس من عصر لآخر. ومع أهمية تفاصيل جوانب التربية الخلقية، إلا أن ذلك لا يغني عن النظرة المجملة التي تسعى لغرس الخلق الحسن لدى المتربي في الجملة، بحيث يصبح هذا الخلق سجية له وطبيعة، ويسعى لتمثل معالي الأخلاق والبعد عن سفاسفها. وسائل للتربية الخلقية والسلوكية: تدور معظم جوانب التربية الخلقية والسلوكية حول هدف واحد هو غرس محاسن الأخلاق، وتنقية النفس من ضدِّها، وما ذُكر إنما هو تفريع وتفصيل لهذا الهدف. ومن ثم فالوسائل المعينة على تحقيق الجوانب الأخلاقية تملك قدراً من الاشتراك، ومن هذه الوسائل: 1 - القدوة الحسنة: يمثل سلوك الأب والمعلم عاملاً مهماً في بناء الجانب الخلقي، وحين لا يتمثل المربي الخلق الحسن، تكون نهاية كثير مما يقوله مع مَنْ يربيه عندما يتلفظ به. إن الأب أو المعلم الذي يكون سريع الغضب والانفعال، أو الذي يعطي المواقف أكثر مما تحتمل، لا يمكن أن ينتج جيلاً يتسم بالحلم والأناة. وكذا حين يكثر المربي من تذكير من يربيه بسلبيات الماضي وأخطائه، فلن يغرس لديه العفو والتسامح. ومن ثم يتأكد في حق المربي مراجعة سلوكه وخلقه مراجعة هادئة بين آونة وأخرى، ويحزم مع نفسه في التخلق والتأدب بما يريد أن يغرسه لدى من يربيهم، والعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، كما قال صلى الله عليه وسلم. وقد كان المربي الأول صلى الله عليه وسلم قدوة للمربين من بعده في تعامله، يحكي ذلك عنه خادمه أنس -رضي الله عنه- حين يقول: "فخدمته في السفر والحضر ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه: لِمَ لَمْ تصنع هذا هكذا؟ "(4). 2 - الاعتناء بشمائل النبي صلى الله عليه وسلم: لقد اختار الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم واصطفاه لحمل الرسالة،وها هو عبد الله بن مسعود صاحبه رضوان الله عليه يشهد على ذلك ويقول: " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه؛ فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ"(5). وقد وصفه عز وجل بذلك فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4) وقال أيضا:ً{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159). ويصفه أنس بن مالك -رضي الله عنه- بقوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له أبو عمير -قال: أحسبه فطيماً- وكان إذا جاء قال:"يا أبا عمير، ما فعل النغير؟" نغر كان يلعب به، فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح، ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا(6). وسئلت عائشة - رضي الله عنها - عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن(7). وقد اعتنى طائفة من أهل العلم بجمع شمائله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه، وأُلِّفت في ذلك مؤلفات خاصة. فيجدر أن تكون هذه الموضوعات ميداناً مهماً يتدارسه الشباب ويعتنون به. وينبغي ألا يقتصر الأمر على مجرد الدراسة النظرية بل يتجاوز ذلك فيسعى المربي لاستخدام وظائف التفكير العليا، والسعي للمقارنة واستخلاص النتائج وتطبيق ذلك على الواقع. 3 - مجالسة العلماء الربانيين: العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم حملة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله، ومن ثَمَّ كان لا غنى لطالب العلم عن صحبتهم ومجالستهم والتأدب بأدبهم، وقد اعتنى السلف بذلك وأكدوا على أن مهمة العالم لا تقف عند مجرد التحديث وسماع المرويات، بل تتجاوز ذلك إلى تعلم السمت والأدب والهدي. قال ابن المبارك: أيها الطالب علماً ائت حماد بن زيد فاكتسب حلماً وعلماً ثم قيده بقيد ودع الفتنة من آثار عمرو بن عبيد قال أبو العالية:"كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى صلاته، فإن أحسن الصلاة أخذنا عنه، وإن أساء لم نأخذ عنه"(8). وقال إبراهيم:"كنا نأتي مسروقاً فنتعلم من هديه ودله"(9). وأوصى حبيب الشهيد وهو من الفقهاء ابنه فقال:"يابني، اصحب الفقهاء، وتعلم منهم، وخذ من أدبهم؛ فإنه أحب إلي من كثير من الحديث"(9). وقال ابن وهب: ما استفدت من أدب مالك أكثر مما استفدت من علمه. ومن ثم فلا غنى للشاب عن مجالسة أهل العلم الربانيين والاستفادة من علمهم وسمتهم وخلقهم، وحري بالمربي أن يسعى لتعزيز هذا الجانب، ومن وسائله: 1- الالتزام بحضور دروسهم ومجالسهم. 2- زيارتهم واللقاء بهم بين آونة وأخرى. 3- استقبالهم ودعوتهم لزيارة أنشطة الطلاب وبرامجهم. وحري بالذين مَنَّ الله عليهم بقدر من العلم أن يعطوا الناشئة من أوقاتهم ويحتسبوا ذلك في صالح ما يقدمون. 4 - دراسة أبواب الأدب والسلوك: لقد اعتنى السلف في مرحلة مبكرة بالآداب والسلوك، وكان من مظاهر هذه العناية: 1- تصنيف كتب خاصة بالأدب والسلوك بعامة، وبأدب طالب العلم والمعلم بخاصة، ومن ذلك: الأدب المفرد للبخاري، أخلاق العلماء للآجري، جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله لابن عبد البر، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، والفقيه والمتفقه وغيرها. 2- أن كثيراً من المصنفين في الحديث عقدوا أبواباً في كتبهم للأدب والزهد. 3- اعتبارهم الأدب والسلوك باباً من أبواب العلم يُتعلم ويُعتنى به، بل يُرحل من أجله. إن الاعتناء بهذه الدراسات، واختيار مواد مناسبة منها تعرض للناشئة في برامجهم ومناهجهم العلمية يمكن أن يسهم في بناء الجانب الخلقي وتربيته لديهم. ومن نتائج الاعتناء بهذه الدراسات ربط الناشئة بحياة السلف وكتبهم، وهو أمر تفتقده كثير من المناهج التربوية المقدمة للناشئة اليوم. 5 - الثناء على المواقف الإيجابية: كما أن نقد المظاهر السلبية مطلب تربوي يسهم في تصحيحها وتقويمها، فالثناء على المواقف الإيجابية يسهم في تعزيزها. والثناء قد يكون ثناء على صفة أو سلوك معين، وقد يكون ثناء على فرد أو طائفة. وقد كان صلى الله عليه وسلم يستخدم هذا الأسلوب، فمن ثنائه على الصفات قوله صلى الله عليه وسلم:"الحياء خير كله"(10). ومن ثنائه على الطوائف قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم"(11). ومن ثنائه على الأفراد قوله لأشج عبد القيس: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة" (12). أهداف فرعية في التربية الخلقية والسلوكية: وهذه الأهداف الفرعية تؤدي إلى تحقيق الهدف العام المتمثل في بناء الخلق الحسن: 1 - تنقية النفس من الأخلاق السيئة: إن بناء الخلق الحسن في النفس لابد أن يصاحبه تنقيتها مما ترسب لديها من الأخلاق السيئة، أو ما يسمى ب(التخلية ثم التحلية)؛ ذلك أن الشاب قد ينشأ في بيئة يغلب عليها الخلق السيئ أو يصحب صحبة غير صالحة فيألف الخلق السيئ ويصبح جزءاً من طبيعته، ومن ثم لابد من جهد يُبذل في اقتلاع هذه الصفات وتنقية النفس منها. وحين جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يوصيه أوصاه بقوله: "لا تغضب" فاستقلَّ هذا الرجل هذه الوصية وكرر سؤاله، فكرر عليه النبي صلى الله عليه وسلم الوصية نفسها: "لا تغضب" ورددها مرراً (13). 2 - تحقيق العفة والبعد عن الفواحش: وهو هدف له أهميته وخطورته، فقد حذَّر صلى الله عليه وسلم من شأن الفواحش، وبيَّن خطورتها على الأمة، وأنها أشد الفتن التي تركها بعده، فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"(14). ولعظم شأن حفظ الفرج، جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مما تُضمن به الجنة، فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة"(15). ويتأكد هذا الجانب والعناية به في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن وأشرعت أبوابها، وصارت وسائل الإغراء والإثارة تلاحق الشباب والفتيات في كل موطن. ولما كانت هذه المشكلة من أكثر ما يتساءل عنه المربون، رأيت أن أبسط الحديث فيها وأتوسع أكثر من غيرها. إن نقطة البداية الصحيحة في التعامل مع هذه المشكلة تتمثل في سلوك أسباب الوقاية منها قبل وقوعها، ومن أسباب الوقاية: 1- التوعية بمخاطر الانسياق وراء دواعي الشهوة المحرمة، وخطورة الفواحش وآثارها، وقد حذَّر من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، حين أخبر أن هذه الفتنة من أخطر الفتن التي تواجه أمته. وأخبر صلى الله عليه وسلم أن ذلك من أكثر ما يدخل الناس النار، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: "تقوى الله وحسن الخلق"، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: "الفم والفرج"(16). 2- تيسير فرص الزواج المبكر، كما أوصى بذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"(17). وقد عُني سلف الأمة بذلك الأمر، روى البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا، قال: فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً (18). وفي رواية لأحمد بن منيع: وذلك قبل أن يخرج وجهي (أي يلتحي). وقال طاوس: لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج (19). ولقد اهتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بتزويج الشباب، فكانوا يحثون الآباء على تزويج أبنائهم، فيقول عمر رضي الله عنه: "زوجوا أولادكم إذا بلغوا، ولا تحملوا آثامهم" (20).وقد نادى عقلاء الغرب بالزواج المبكر ورأوا فيه حلاً للمشكلات التي يعانون منها، يقول ول ديورانت: "كان البشر في الماضي يتزوجون باكراً، وكان ذلك حلاً صحيحاً للمشكلة الجنسية، أما اليوم فقد أخذ سن الزواج يتأخر، كما أن هناك أشخاصاً لا يتوانون عن تبديل خواتم الخطبة مراراً عديدة، فالحكومات التي ستنجح في نص القوانين التي تسهل الزواج الباكر ستكون جديرة بالتقدير؛ لأنها تكشف بذلك أعظم حل لمشكلة الجنس في عصرنا هذا". وينبغي السعي لتذليل العقبات المادية التي تقف دون الزواج، من خلال الدعم والمساعدة، وإقناع الشباب بأن الزواج لن يكون بوابة للفقر والفاقة، قال تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} (النور:32). وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النكاح سبب لعون الله وتوفيقه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله "(21). وينبغي كذلك تذليل العقبات النفسية والاجتماعية التي قد تكون عائقاً عن المبادرة بالزواج. 3- سد الذرائع التي توصل وتقود إلى مقارفة الفاحشة، وقد عني الشرع بذلك، ومعظم آيات سورة النور تتحدث حول هذا الجانب. ومما ينبغي أن يراعى في ذلك: 3-1- التفريق بين الأبناء والبنات، وبين الأبناء مع بعضهم في المضاجع، وقد أمر بذلك صلى الله عليه وسلم فقال: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع" (22)، وينبغي مراعاة ذلك في الدور والمدارس التي يبيت الطلاب فيها. 3-2- غض البصر، وقد أمر الله تعالى به، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بغض أبصارهم، ونهاهم عن إطلاقه، والنظر الحرام هو البداية الأولى، وهو الشرارة التي توقد نار الشهوة. بل إن الأعداء الذين لا يحكمهم دين ولا خلق بدؤوا يدركون أهمية غض البصر وأثره في العفة، يقول أحد العلماء الألمان: "لقد درست علم الجنس وأدوية الجنس فلم أجد دواء أنجح وأنجع من القول في الكتاب الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ...} (النور:30)". 3-3- الابتعاد بالمتربين عن الأماكن التي يكثر فيها الاختلاط والتبرج، ويتعرضون فيها للنظر الحرام، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من ذلك فقال: "إياكم والجلوس في الطرقات"، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدٌّ نتحدث فيها، فقال: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقَّه" قالوا:وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " (23). فلما كان الجلوس في الطريق سبباً للوقوع في المخالفة والمعصية نهاهم عن الجلوس في الطريق ابتداءً. 3-4- الابتعاد بهم عن المجالس التي يكثر فيها الحديث عن أمور النساء وأخبارهن، كما يجري في مجالس بعض كبار السن الذين يتساهلون كثيراً في الحديث في ذلك، وأقل ما في هذا أنه مخل بالمروءة والأدب، إن سلم صاحبه من الإثم(24). 3-5- الابتعاد عن الخلوة بالأمرد، وقد حذَّر السلف من ذلك مع أنهم أهل الورع والتقى، ومن ذلك ما رواه البيهقي في الشعب عن بعض التابعين قال: "كانوا يكرهون أن يحدَّ الرجل النظر إلى الغلام الجميل" (25). وروى أيضاً عن بعض التابعين: "ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضارٍ من الغلام الأمرد يقعد إليه" (26). وروى عن الحسن بن ذكوان قال: "لا تجالسوا أولاد الأغنياء؛ فإن لهم صوراً كصور النساء، وهم أشد فتنة من العذارى" (27). وروى عن عبد الله بن المبارك أنه قال:دخل سفيان الثوري الحمام، فدخل عليه غلام صبيح، فقال: "أخرجوه؛ فإني أرى مع كل امرأة شيطاناً، ومع كل غلام بضعة عشر شيطاناً" (28). وقد اقتضى الواقع التربوي اليوم ضرورة مخالطة هؤلاء ومعاشرتهم، ومما يزيد المشكلة كون كثير من المربين غير متزوجين، فالدعوة إلى المنع من اللقاء بهم غير واقعية، والحاجة لمخالطتهم ينبغي ألا تشغل المربين عن مراعاة الضوابط الشرعية في معاشرتهم، والبعد قدر الإمكان عن الخلوة وما في حكمها. 3-6- إبعاد الفتيان عن التشبه بالنساء، أو المبالغة في التزين والعناية بالمظاهر، ولذلك لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال(29). هذه بعض الذرائع التي يمكن أن تكون طريقاً للوقوع في هذه الشهوة المحرمة. ومهمة المربي فيها تتمثل في إبعاد هذه الذرائع عن البيئة التربوية وتنقيتها منها، وتوجيه المتربين إلى البعد عنها، وإغلاق الأبواب التي تقودهم إلى الحرام. 4- إبراز النماذج والقدوات في العفة والتسامي، ومن أعظم هذه النماذج ما ذكره الله تبارك وتعالى من قصة يوسف عليه السلام، والعناية بهذه القصة ودراستها ومقارنة ذلك بالواقع وإغراءاته مما ينبغي أن يكون له نصيب مهم في المناهج والبرامج التي تقدم للشباب والفتيات اليوم. 5- تقوية الإرادة والعزيمة في النفس، والأخذ بزمامها، وتعويدها ألا يستجيب لها في كل ما تدعو إليه وتأمر به، وسيأتي الحديث عن عوامل تقوية الإرادة في الجانب النفسي بمشيئة الله. 6- تنمية دافع الحياء: والحياء له أثره الكبير في حماية صاحبه من مواقعة الرذائل، ولذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم مقولة العرب: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" مما أدركه الناس من كلام النبوة الأولى(30). وحين اجتمع الحياء مع خشية الله لدى امرأة من المسلمين غاب عنها زوجها التزمت طريق العفة، وهاهي تعبر عن ذلك بقولها: تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرّقني ألا خليل أداعبه فلولا خشية الله والحياء لحُرِّك من هذا السرير جوانبه "ومن فضل الله أن درجة الحياء تزداد لدى البالغ أكثر من المراحل السابقة؛ لتكون وقاية للشاب البالغ" (31). 7- إشغال الشاب بمعالي الأمور وملء اهتماماته ووقته بالأعمال الجادة المثمرة، فهي تصرف طاقته، وتشغله عن التفكير في الشهوات، وتبعده عن مواطنها. 3 - حفظ اللسان والمنطق: لقد أعلى الشرع منزلة حفظ اللسان، ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة" (32)، قال ابن حجر رحمه الله: "فالمعنى من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه أو الصمت عما لا يعنيه، وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن الحرام…وقال ابن بطال: دلَّ الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه, فمن وُقي شرهما وُقي أعظم الشر" (33). وحفظ اللسان والمنطق يشمل البعد عن الألفاظ المحرمة شرعاً، سواء كانت متعلقة بحق الله، أم بحق المخلوق كالسبِّ والشتم والسخرية، ويشمل بذاءة اللسان، والتصريح بما يستحيا منه، وهذا الأمر مما شاع للأسف واعتاده طائفة من الناس، وأهل الصلاح والتقى أولى بأن يبتعدوا عنه، فهو مظهر من مظاهر قلة الحياء، وخلق من أخلاق السوقة وأهل السوء. ومن الأدب الشرعي أن يكنى عما يستحيا منه، فجاءت التكنية في نصوص الكتاب والسنة عن الجماع بإتيان الرجل زوجته، {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} (البقرة:222) "إذا أتى أحدكم أهله"، بل كنَّى العرب عما يخرج من الإنسان باسم موضعه الغالب وهو المكان المنخفض، ثم جاءت الألفاظ الشرعية بالتكنية عنه ب(قضاء الحاجة)، ولا يأتي التصريح إلا حين الحاجة إليه لبيان حكم لا يُبين إلا به، أو لإقامة حدٍّ وحكم شرعي. وحفظ اللسان يحتاج إلى ترويض ومجاهدة للنفس، وتعويد لها على المنطق الحسن، واختيار الألفاظ والبعد عن الفحش، وهذا مما يشق ويحتاج لمجاهدة، قال ابن القيم رحمه الله: "ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار، ويتورع من استناده إلى وسادة حرير لحظة واحدة، يطلق لسانه في الغيبة والنميمة والتفكه في أعراض الخلق، وربما خصَّ أهل الصلاح والعلم بالله والدين والقول على الله ما لا يعلم، وكثير ممن تجده يتورع عن الدقائق من الحرام، والقطرة من الخمر، ومثل رأس الإبرة من النجاسة؛ لا يبالي بارتكاب الحرام" (34). 4 - التربية على الجدية: إن من يعد للدعوة إلى الله تبارك وتعالى ونصرة الدين يعد لمهمة عالية لا يقوم بها إلا الجادون الصادقون من الناس، ومن ثم كان لابد من الاعتناء بتنشئة جيل جاد يكون أهلاً لتحمل المسؤولية والقيام بتبعة نصر الدين والذبِّ عنه. ومن الأمور التي تعين على غرس الجدية: 1- أن يكون المربي شخصية جادة، يرى فيه تلامذته القدوة الحسنة والنموذج الصادق. 2- التعامل بجد مع الأمور الجادة، فالبرامج الجادة، والمقترحات والأفكار الجادة لا ينبغي أن يكون فيها مجال للهزل. 3- الانضباط في المزاح فهو البوابة للتربية الهزيلة، ومن صور الانضباط في ذلك: 3-1 قلة المزاح وعدم الإكثار منه؛ فإن من كثر كلامه كثر سقطه. 3-2 ألا يخرج المزاح عن الوقار والهيبة التي ينبغي أن يتسم بها طالب العلم، وله أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان لا يخرجه المزاح عن وقاره وسمته. 3-3 ألا يكون المزاح في غير المواطن المناسبة له. 4- الاقتصاد في برامج الترويح والتعامل معها باعتدال(35). 5 - التربية على العزة والشجاعة: من الصفات التي تمثل أهمية بالغة في بناء شخصية الداعية إلى الله عز وجل: العزة والشجاعة. العزة التي تدفعه إلى الاستغناء عما في أيدي الناس، أو التطلع إلى نوالهم وتوقيرهم، والشجاعة التي تدعوه إلى اتخاذ القرار المناسب حين يحتاج إليه، وتدعوه للانتصار على نفسه حين تدعوه بداعي العجز أو الهوى، ثم هي بعد ذلك تهيئ المرء للمهام العظام حين تُراد منه، من قول كلمة الحق والجهاد في سبيل الله حين ترفع الأمة رايته. ويتأكد هذا المعنى اليوم؛ إذ إن معظم مجتمعات المسلمين لا تغرس هذه المعاني في نفوس الناشئة؛ بل هي تعودهم الاستكانة والخضوع، والخوف والخور حتى من الأشباح. وهذه الأخلاق ميدان للتفريط والإفراط، ومن ثم فهي تفتقر إلى الاتزان، فالغلو في العزة يحولها إلى أنفة وكبر واعتداد بالنفس وتمسك بحظوظها، والغلو في الشجاعة يحولها إلى تهور وطيش وسفه. وقد أمر الشرع بخفض الجناح للوالدين، ووصف من نالوا منزلة حبهم لله وحبه لهم بالذلة على المؤمنين. ومما يعين على تحقيق هذا الجانب: 1- الاعتدال في أسلوب تعامل التلميذ مع أستاذه، والبعد عن الغلو في الخضوع والتعظيم، كما يفعل جهلة أهل البدع. 2- الاعتدال في العقوبة وترك الإغلاظ فيها، فكثير ممن يُقسى معه في العقوبة تنشأ لديه عقد من الخوف والخور. 3- عدم التحقير والإهانة، والبعد عن الألفاظ التي تنبئ عن قلة الاحترام والتوقير، والخطأ يعالج باعتدال، وليس مبرراً لاستخدام أساليب التحقير والمهانة؛ فإن اعتياد الشاب على سماعها من معلمه ووالده يضعف العزة لديه، ويهيئه لتقبل الهوان. 4- التعويد على تحمل المخاوف الطبيعية، وعدم المبالغة في التخوف عليه من الانفراد والخروج في المكان المظلم ونحو ذلك، كما تفعل كثير من الأمهات. 6 - التربية على الوقار ومعالي المروءة: من شروط تحقق العدالة: البعد عما يخل بالمروءة، ومن ثم كان مما ينبغي أن يُتعاهد في الناشئ غرس معالي المروءة ورعايتها. لذا فقد اعتنى من كتب في أدب المتعلم بهذا الجانب، ذكر ابن جماعة في آداب الساكن بالمدرسة "ولا يتمشى في المدرسة، أو يرفع صوته بقراءة أو تكرار أو بحث رفعاً منكراً، أو يغلق بابه أو يفتحه بصوت…ونحو ذلك، لما في ذلك كله من إساءة الأدب على الحاضرين والحمق عليهم" (36). وذكر منها "ويتجنب ما يُعاب؛ كالأكل ماشياً، وكلام الهزل غالباً، والبسط بالنعل، وفرط التمطي والتمايل على الجنب والقفا، والضحك الفاحش بالقهقهة" (37). لذا على المربي الحرص على أن يبعد عن البيئة التربوية كل ما يخل بالمروءة، وأن يبتعد هو عن ذلك ليكون قدوة حسنة لطلابه، وأن يتدارس معهم هذه الآداب والأخلاق. 7 - التربية على السمت والهدي الحسن: كان السلف رضوان الله عليهم يعنون بالسمت والهدي والأدب، ويعدونه باباً من أبواب العلم لا ينفصل عنه. قال مالك: "إن حقاً على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متبعاً لأثر من مضى من قبله" (38). وقال إبراهيم: "كنا نأتي مسروقاً فنتعلم من هديه ودله" (39) وقال ابن سيرين: "كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم" (39) وروى ابن المبارك عن مخلد بن الحسن: "نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من حديث" (39) وأوصى حبيب الشهيد وهو من الفقهاء ابنه فقال: "يا بني، اصحب الفقهاء، وتعلم منهم، وخذ من أدبهم؛ فإنه أحب إلي من كثير من الحديث" (39) 8 - التربية على الأدب مع الأكابر: من محاسن الأخلاق رعاية الأكابر وإنزال الناس منازلهم، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم منزلة هذا الخلق فقال: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا"(40). وارتباط الطالب مع معلمه وطول لقائه معه يقود إلى التبسط ورفع الكلفة، مما يدفع ببعضهم إلى إساءة التعامل مع الأكابر والجفاء بحقهم. ونحن بحاجة إلى أن يحضر الشاب مجالس الكبار، ويشاركهم أحاديثهم وحوارهم، وفي الوقت نفسه يرعى الأدب معهم وينزل الناس منازلهم. ومما يسهم في تحقيق هذا الجانب - بالإضافة إلى التأكيد عليه والتناول المعرفي-: 1- تنبيه الشاب بصورة مناسبة حين يتجاوز حدود الأدب مع غيره، مع مراعاة ألا يولد ذلك لديه النفرة من مجالسة الكبار ومشاركتهم أحاديثهم. 2- احتفاظ المربي بقدر من الاتزان في التعامل مع مَنْ يربيه، بحيث تبقى الصلة صلةً بين معلم وطالب، وبين أب وابنه، ولا تتحول إلى صلة زمالة وصداقة؛ فلا يفرط في المزاح، ولا يتعامل معه بما ينافي وقار الكبار. 3- عند وقوع بعض التجاوزات من الطالب ينبغي على معلمه أن يتعامل معها بطريقة مناسبة، فتقبلها يعزز هذا التصرف لديه، ويشعره بأنه تصرف مقبول، والإغلاظ معه يولد آثاراً غير حميدة، ومن ثم فتجاهل التصرف بطريقة لبقة تشعره بأن هذه الكلمة وهذا الموقف غير مناسب، وتغني عن التصريح. هذه الطريقة في التعامل مع هذه المواقف - التي كثيراً ما تقع- تسهم في وضوح الصورة بين ما ينبغي فعله مع الأكابر وما لا ينبغي. 4- أن يلمس ممن يربيه رعايته هو لهذا الجانب، بتوقير معلميه واحترامهم، والاعتراف لهم بالفضل والسابقة، ولو صار الآن زميلاً لهم، بل لو فاقهم في بعض المجالات، وهذا دأب أهل العلم الذين تربوا عليه، نراهم يقدرون شيوخهم ويلهجون بالثناء عليهم والدعاء لهم، مع أن بعضهم قد يكون ممن فاق شيخه علماً وشهرة. وأن يلمس التلميذ من معلمه الأدب مع الكبار وأهل العلم والرأي ولو خالفهم في بعض آرائهم؛ فحين يرى الطالب ذلك كله من معلمه يترك فيه أثره بإذن الله عز وجل. 9 - التربية على رعاية آداب المجالس: للمجالس آداب لابد من رعايتها والاعتناء بها، وورود هذا التوجيه في القرآن الكريم دليل على أهمية ذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا} (المجادلة11)، وورد الأمر برعايتها في السنة النبوية، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم - وفي حديث أبي عوانة: من قام- من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به"(41). وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه"(42). ومهما قام المربي بتوجيه من يربيه وتعليمه آداب المجالس، فإنه ما لم يشارك في هذه المجالس، فيحضر فيها، ويقول رأيه، ويشارك في الحديث…، ما لم يُوضع أمام التجربة العملية فلن يكفي البناء المعرفي المجرد. ولذا كان الصغار والشباب يحضرون مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، بل ويقتربون منه، ولم يُعدَّ ذلك سوء أدب أو مدعاة له. فقد أكل عمرو بن سلمة وهو غلام صغير في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وطاشت يده في الصحفة، وكانت هذه المشاركة فرصة ليعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أدباً من آداب الطعام، وبقي هذا النص يستدل به المسلمون على مدى الزمان، فعنه - رضي الله عنه - قال: أكلت يوماً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً فجعلت آكل من نواحي الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مما يليك" (43). وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم والأشياخ عن يساره، فقال: "يا غلام، أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟ " قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحداً يا رسول الله، فأعطاه إياه(44)، والاستدلال بهذا النص لا يقف عند حدود حضور هذا الشاب مجلسه صلى الله عليه وسلم، بل كان عن يمينه وبجواره، ولم يعد أحد من الحاضرين ذلك من سوء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم. وكان من وصية عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده: " وجالس بهم أشراف الرجال وأهل العلم منهم، وجنِّبهم السفلة والخدم فإنهم أسوأ الناس أدباً…". ومما يعين على ذلك أيضاً تدارس آداب المجالس والتعرف عليها، والاعتناء بالمجالس التي يجلسها الطالب ولو مع زملائه وأقرانه؛ فتراعى فيها آداب المجالس ليكون ذلك سلوكاً وسمتاً لهم لا يحتاجون إلى تكلُّفه. وربما أدت الخلطة وزوال الكلفة بينهم إلى الإخلال ببعض هذه الآداب، فلا بد حينئذ من تصحيح ذلك، والتأكيد على أن الأدب لا ينبغي أن يتجاوز بحجة ذلك. 10 - التربية على الرجولة والخشونة والبعد عن الترف: إن من إفرازات الحضارة المعاصرة اليوم أن غدت بعض مجتمعات المسلمين تعاني من انتشار مظاهر الترف، مما ولَّد جيلاً من المترفين لا يطيق حياة العزيمة والجد، وهو جيل يبحث عن الراحة والكسل، ويتقاعس عن معالي الأمور. ومن ثم أصبح على التربية اليوم عبءٌ أكثر من ذي قبل، وصارت بحاجة إلى أن تجعل غرس معاني الرجولة والبعد عن حياة الترف والترهل هدفاً من أهدافها التربوية. ومن وسائل الوصول إلى هذا الهدف وتحقيقه: 1- غرس مفهوم الجدية، وبيان مساوئ حياة الترف والبطالة. 2- التقليل من مظاهر الترف في البرامج المقدمة للشباب، مع مراعاة الاعتدال والتدرج في ذلك، ولتكن البداية في إيجاد فرق بين حياة الشاب في المنزل، وحياته في مثل هذه البرامج، بل الواجب على الأب أن يخفف من مظاهر الترف في تربيته لأبنائه. 3- تنظيم بعض البرامج الجادة كالرحلات والبرامج العلمية التي تعوِّد الشباب والأبناء على الجدية والرجولة، وعلى التخلي عن بعض ما اعتادوه من حياة مترفة منعمة(45). 11 - التربية على العزيمة والبعد عن الكسل: العجز والكسل داءان ينخران في الإنسان، ويقعدان به عن مصالح دينه ودنياه، وحين يعتاده المرء يصبح سجية له؛ فتثقل نفسه، وتضعف همته، وتفوته مجالات الخير في الدنيا والآخرة، والعاجز الكسول هو الذي "لا يزال في حضيض طبعه محبوساً، وقلبه عن كماله الذي خُلق له مصدوداً منكوساً، قد أسام نفسه مع الأنعام راعياً مع الهمل، واستطاب لقيمات الراحة والبطالة، واستلان فراش العجز والكسل، لا كمن رفع له علم فشمَّر إليه، وبورك له في تفرده في طريق طلبه فلزمه واستقام عليه، قد أبت غلبات شوقه إلا الهجرة إلى الله ورسوله، ومقتت نفسه الرفقاء إلا ابن سبيل يرافقه في سبيله" (46). ولسوء هذين الداءين كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منهما؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر" (47). وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبعد عن العجز فقال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" (48). ولا بد من المبادرة بتخليص الشاب من هذه الخصلة الذميمة في وقت مبكر قبل أن تستفحل وتتحول إلى خلق يصعب اقتلاعه. ومما يعين على ذلك تعويده على الاستيقاظ المبكر، وعدم طول البقاء في الفراش، وتعويده على المبادرة إلى إنجاز الأعمال وترك التسويف، والاتزان في أوقات الراحة وترك الإطالة فيها. كما أن المرء يحتمل في حياة الجماعة ما لا يحتمله لوحده، فمعيشته أجواءً جادة مع صحبته وممارسته لأنشطة تحيي العزيمة، مما يعينه على التحمل وترك الإخلاد إلى الراحة. 12 - التربية على اغتنام الأوقات: الوقت هو عمر الإنسان وهو حياته؛ فالمرء أيام كلما مضى يوم مضى بعضه كما قال الحسن رحمه الله. والمسلمون اليوم يعانون من إهمال الوقت وتضييعه، ويديرون أوقاتهم بطريقة سيئة، وللصالحين وطلبة العلم نصيب من ذلك. إننا قد لا نبالغ إذا قلنا: إن الرجل الجاد في تعامله مع وقته ينتج أضعاف ما ينتج أقرانه، ومن ثم فالتربية التي تعنى بغرس احترام الوقت وحسن اغتنامه ستخرج جيلاً يؤدي أضعاف ما يؤديه غيره. ومما يعين على ذلك: 1- معرفة أحوال السلف في حرصهم على أوقاتهم واغتنامهم لها، ففيها عبر عظيمة؛ فهي تعلي الهمة وتزيد العزيمة، وتجعل المرء يحتقر نفسه وجهده(49). 2- الاستفادة من الأساليب الحديثة في إدارة الوقت والتعامل معه(50). 3- التعويد على استغلال أوقات الانتظار، وعدم بقائه في المنزل ينتظر صاحبه وهو فارغ غير مستفيد من وقته. 4- التعويد على القراءة؛ لتصبح سجية وطبيعة له، فمن لا يقرأ يصعب عليه أن يستفيد من وقته. 5- الانضباط قدر الإمكان في المواعيد والأوقات، وتعويد الشاب على احترام أوقات غيره. 6- ترك أوقات فراغ للشاب؛ وعدم إشغاله طيلة الوقت، وتوجيهه إلى أنشطة يمكن أن يستثمر فيها وقته؛ فمن لم يكن لديه وقت فراغ يتعامل فيه بمفرده فلن يعتد على اغتنام وقته(51). 13 - التربية على النظام في الحياة والتفكير: تسود الفوضوية اليوم في حياة المسلمين، وتسيطر على جوانب كثيرة من حياتهم، فحياة المنزل، والعلاقات الاجتماعية، والمؤسسات الإدارية…كلها تتسم بالفوضوية. ويبدو أثرها على نمط تفكيرهم، فأفكارهم تبدو غير مركزة ولا محددة، وكذا حديثهم وحوارهم. وهذه السمة العامة في المجتمع لابد أن تترك أثرها على الدعاة والمربين - كما سبق في أكثر من موضع- ومن ثَمَّ كان لابد من الاعتناء بالتربية على النظام في الحياة والتفكير. ومن وسائل تحقيق ذلك: 1- اعتناء المعلم بتنظيم أفكاره وخواطره حين يعرضها. 2- تنظيم الحوار والنقاش الذي يدار في الفصل، من خلال تركيز المعلم على تحديد جوانب الاتفاق والخلاف، وحصر دائرة النقاش، وإجادة الاستماع للآخرين….إلخ. 3- التنظيم غير المتكلف في البيئة المنزلية والمدرسية وسائر المؤسسات التربوية، ووجود أنظمة واضحة محددة يعتاد الجميع على الالتزام بها.

-------------------

الحاشية:

(1)رواه أحمد (24492) وأبو داؤود (4798). (2) رواه الترمذي (2018). (3) رواه البخاري (6035) ومسلم (2321). (4) رواه البخاري (2768) ومسلم (2309). (5) رواه أحمد (3589). (6) رواه البخاري (6203) ومسلم (659). (7) رواه مسلم (746). (8)رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (409). (9)جامع بيان العلم وفضله(1/127). (10)رواه مسلم (37). (11)رواه البخاري (2486) ومسلم (2500). (12)رواه مسلم (18). (13)رواه البخاري(6116). (14)رواه البخاري (5096). (15)رواه البخاري(6474). (16) رواه أحمد (7847) والترمذي (2004) وابن ماجة (4246). (17) رواه البخاري (5066) ومسلم (1400). (18) رواه البخاري (5096). (19) رواه ابن أبي شيبة (4/127). (20) أورده ابن الجوزي في مناقب عمر (208) وانظر: بدير محمد بدير، منهج السنة النبوية في تربية الإنسان، مكتبة الدعوة الإسلامية بالمنصورة، الطبعة الثانية، 1413ه ص(120). (21) رواه الترمذي (1655) والنسائي (3218) وابن ماجه (2518). (22) رواه أحمد (6650) وأبو داود (495). (23) رواه البخاري (6229) ومسلم (2121). (24) مما يؤسف له أن بعضاً من المنتسبين للصلاح والعلم الشرعي يكثر حديثهم في ذلك بصورة لا تليق. (25) شعب الإيمان (5395) 4/358. (26) شعب الإيمان (5396) 4/358. (27) شعب الإيمان (5397) 4/358. (28) شعب الإيمان (5405) 4/360. (29) رواه البخاري (5885). (30) رواه البخاري (3483). (31) دور الأسرة في تربية أولادها في مرحلة البلوغ. ص377. (32) رواه البخاري (6474). (33) فتح الباري (11/315). (34) عدة الصابرين ص 70. (35) سيأتي الحديث عن الترويح بشيء من التفصيل في الجانب الاجتماعي. (36) تذكرة السامع والمتكلم (282). (37) تذكرة السامع والمتكلم (299). (38) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/165). (39) جامع بيان العلم وفضله (1/127). (40) رواه الترمذي (1920) وأبو داود (4943) وأحمد (6896). (41) رواه مسلم (2179). (42) رواه البخاري (6269) ومسلم (2177). (43) رواه البخاري (5377) ومسلم (2022). (44) رواه البخاري (2351) ومسلم (2030). (45) انظر حول موضوع الترف مجلة البيان، ع 85، 86. (46) مفتاح دار السعادة لابن قيم الجوزية (1/46). (47) رواه البخاري (2823) ومسلم (2706). (48) رواه مسلم (2664). (49) انظر في ذلك: قيمة الزمن عند العلماء لعبد الفتاح أبي غدة. (50) انظر: إدارة الوقت لنادر أبي شيخه. (51)يعمد بعض المربين إلى إشغال معظم وقت الشاب حفاظاً عليه، ولا شك أن المقصد خير، لكن ذلك يعوده على انتظار أن يشغل الآخرون وقته، وحين يتهيأ له فراغ فقد لا يتعامل معه بصورة صحيحة، إضافة إلى أن ذلك يشغله عن القيام بواجباته المدرسية، ويعزله عن ارتباطاته الاجتماعية، وربما تضايق بعض الآباء من هذا المسلك.

Eng.Jordan 02-18-2012 07:27 PM

الفصل السابع: الجانب الاجتماعي

يشكل البناء الاجتماعي جانباً مهماً في التربية الإسلامية؛ إذ الفرد لا يمكن أن يحيا حياة سوية مستقيمة دون أن يعيش في مجتمع يلجأ إليه ويشعر بالأمان في كنفه، ومن ثم كان السجن الانفرادي عقوبة يعاقب بها المجرم، وجاء الشرع بتغريب الزاني عاماً عن بلده، كل ذلك يعطينا الدليل على قيمة المجتمع في حياة الإنسان. لذا فالتربية التي تتعامل مع الإنسان باعتباره كائناً منفصلاً تعد تربية قاصرة، وكان لاغنى لأي بناء تربوي أن يعنى بالجانب الاجتماعي وتنميته. كما أنه لابد لنا من الاعتناء بالجانب الاجتماعي لأننا نستهدف إخراج فئة من الشباب يكون لهم تأثير في مجتمعاتهم، ويسهمون في بنائها وتوجيهها الوجهة السليمة، وما لم يملك هؤلاء الخبرات والمهارات الاجتماعية، وما لم نضع ضمن أهدافنا الاعتناء ببناء الجانب الاجتماعي لديهم، فلن يستطيعوا تحقيق التغيير الذي تتطلع إليه مجتمعاتهم. وقدرتهم على التغيير في مجتمعاتهم والتأثير فيها لا تنتهي عند مجرد تربيتهم باعتبارهم أفراداً، ولا عند مجرد قدرتهم على الحديث والخطاب مع الآخرين، بل هو أمر فوق ذلك كله. ومن جانب آخر فالمجتمع يترك أثره على الأفراد الذين يعيشون فيه، وحين نريد تنشئة فئة من الناس تخالف بعض الاتجاهات السائدة في المجتمع فالأمر فيه من الصعوبة ما فيه، ومن ثم فلا غنى لنا عن السعي لمزيد من الإصلاح الاجتماعي والمحصلة النهائية رعاية أولادنا وشبابنا. الهدف العام في الجانب الاجتماعي: تنمية الجانب الاجتماعي. وسائل عامة في الجانب الاجتماعي: 1 - تعليم الآداب والأحكام الشرعية في الحياة الاجتماعية: جاءت أحكام الشرع شاملة لكل نواحي الحياة، وما من ميدان من ميادين الحياة إلا ولله فيه حكم يُتعبد المسلم به، "ومن مقتضيات ذلك كله أن يكون لدى المسلم علم بجملة كبيرة من الأحكام الشرعية المتعلقة بالحياة الاجتماعية، كآداب الكلام والطعام والشراب، وآداب المشي والجلوس والنوم، وآداب التعامل مع الكبار والصغار والمعلم والصديق وغيرهم، وآداب الاستئذان على الوالدين، وآداب المساجد، وآداب الطريق والسيارة، والأدعية الخاصة بكل ناحية من هذه النواحي، وغير ذلك من أنماط السلوك الاجتماعي التي ينبغي على المسلم الوقوف عليها"(1). ومن ثم لابد من الاعتناء بتعليم هذه الأحكام والآداب وتدارسها، والسعي لتطبيقها في البرامج والأنشطة التي تقدم للطلاب. 2 - الأنشطة والبرامج الترويحية: ينظر كثير من الناس إلى برامج الترويح على أنها مضيعة للوقت وإفساد له، وأن تعاطيها إنما هو من باب إتيان الضرورات. ومن زاوية أخرى فإن هذا الجانب أخذ لدى الناس أكثر من حقِّه في هذا العصر، حتى انتشرت ألوان من الترويح المحرم، وارتبط بالترويح المباح جوانب قد تخرجه إلى دائرة الحرام، أو صار طاغياً مفسداً للأوقات. ومع ذلك كله يبقى اعتناء المربين ببرامج الترويح وتنظيمهم لها أمراً له أهميته للأمور الآتية: 1- أن ممارسة الترويح كان هدياً نبوياً، فقد كان صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا؟ قال: "إني لا أقول إلا حقاً" (2). 2- أن الترويح يلبي حاجة نفسية مهمة، فها هي عائشة -رضي الله عنها- تحكي عن نفسها فتقول: "كان الحبش يلعبون بحرابهم فسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر، فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو" (3). 3- أن الترويح يذهب الملل والسآمة، وينشط النفس لمعاودة العمل، لذا أوصى الغزالي مؤدب الصبيان أن يأذن لهم بالترويح فقال: "وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكُتَّاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب المكتب، بحيث لا يتعب في اللعب؛ فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائماً يميت قلبه، ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً" (4). 4- أن الترويح له أثر مهم في تفريغ الطاقة الهائلة التي يمتلكها المراهق، لذا كثيراً ما يوصي علماء النفس عند تناولهم موضوع الشهوة الجنسية لدى المراهق بالاعتناء بالأنشطة الرياضية. 5- أن إقامة المربين للأنشطة الترويحية للشباب وتنظيمها لهم يقدم بديلاً يصرفهم عن الأنشطة الترويحية السلبية، كمشاهدة الأفلام والمسلسلات، أو التسكع في الطرقات والأسواق. كما يقدم لهم بديلاً عن ممارسة الترويح مع أصدقاء السوء، وكثير من الشباب كان سبب وقوعهم مع أصدقاء السوء ممارستهم للأنشطة الترويحية معهم. 6- أن ذلك يمكن أن يكون مُرَغِّباً للشباب في المشاركة في الأنشطة الثقافية والتربوية التي يصاحبها برامج في الترويح، وقد كان صلى الله عليه وسلم يرغِّب الناس على الإسلام بما يحبونه من متاع الدنيا، عن أنس -رضي الله عنه- أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنماً بين جبلين فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أي قوم، أسلموا، فوالله إن محمداً ليعطي عطاءً ما يخاف الفقر. فقال أنس: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها(5). 7- أن تنظيم البرامج الترويحية يمكن أن يستثمر في تحقيق بعض المعاني التربوية المهمة ومنها: 7-1 تعويد الشباب على تهذيب الألفاظ و***** اللسان؛ إذ الرياضة التي يمارسها الشباب اليوم تولِّد لدى أصحابها حماسة ربما أخرجتهم عن اتزانهم ووقارهم، وحين يمارسون الرياضة في الأجواء السليمة يعتادون حسن المنطق وتهذيب اللسان. وليس مقصدنا في تهذيب اللسان البعد عن الألفاظ المحرمة، فهذه قضية لا نقاش فيها هنا، بل ما هو أبعد من ذلك من حسن العبارة والحلم والهدوء اللائق بالمسلم. 7-2 تعويدهم على جعل الترويح وسيلة لا غاية، وعلى إعطائه الاهتمام الذي يتناسب معه دون إفراط وتجاوز، كما هو الحال لدى كثير من شباب المسلمين اليوم. 7-3 تعويدهم على المعاني الجماعية، وعلى العيش في إطار أخوي. 7-4 تنويع مجالات الترويح وبرامجه بحيث تشمل بعض البرامج الترويحية ذات البعد الثقافي والعلمي، وألا يقتصر الترويح على الأنشطة الرياضية وحدها(6). 3 - إنشاء الجمعيات الاجتماعية: مع تعقد الحياة اليوم أصبحت كثير من الأعمال التي تتم بطريقة فردية يصعب أن تؤدى إلا من خلال عمل وجهد جماعي، ومن ذلك الأعمال الاجتماعية. ومن ثم فإنشاء الجمعيات الاجتماعية وإحياؤها مطلب مهم، وهو بالإضافة إلى كونه ميداناً تؤدى من خلاله الأنشطة الاجتماعية، فهو يدرب الشباب والناشئة على العمل الاجتماعي والمهارات الاجتماعية، كما يدربهم على العمل الجماعي ويعودهم عليه، ويتيح فرصة مهمة لرفع الكفاءة الإدارية والتدريب على مهارات إدارة العمل الدعوي. ويمكن للمربي أن يدفع بطلابه إلى إنشاء مثل هذه الجمعيات، وقد تكون جمعيات مصغرة تتناسب مع حجم العمل والقدرات التي يمتلكها الشباب. ومن الجمعيات التي يمكن إنشاؤها جمعيات في الحي، كجمعيات تهتم بالصدقة أو الزكاة، أو تلمس الأسر المحتاجة، أو رعاية أسر السجناء، أو توزيع فائض الأطعمة والولائم، أو إيجاد فرص عمل للعاطلين....إلخ. كما يمكن أن تنشأ جمعيات داخل المدارس، كجمعيات تهتم بأصحاب الظروف المادية الصعبة، أو جمعيات لعلاج ظاهرة التدخين أو لمساعدة الشباب الضعاف دراسياًّ...الخ. وفتح المجال أمام الشباب في مثل هذه الأعمال يمكن أن يولِّد أفكاراً وأعمالاً رائعة ربما لا يجيدها غيرهم. 4 - التعاون مع الجمعيات الخيرية: توجد جمعيات خيرية قائمة في مجتمعات المسلمين، وكثير من هذه الجمعيات تقوم أعمالها على التعاون والتبرع، وقلما تملك موظفين متفرغين. ولو قام المربون بتوجيه بعض طلابهم للعمل يوماً واحداً في الأسبوع مع هذه الجمعيات وتولي مهام محددة فيها لأنتج ذلك بإذن الله نتاجاً طيباً. ومع ما في هذا العمل من قيام بالواجب الشرعي، وأداء لجزء من رسالة الدعوة والدعاة تجاه المجتمع، فهو فرصة مهمة لتدريب الشباب على مهارات العمل الاجتماعي، ولزيادة الدافع الاجتماعي لديهم. إن مثل هؤلاء هم الذين سيتولون هذه الجمعيات والأعمال مستقبلاً، وهذه الأعمال تحتاج إلى شخص لديه الدافع والحماس للعمل، ولديه الشعور بالقدرة على الإنجاز، ويمتلك المهارات اللازمة لمثل هذا العمل. وكل ذلك لا يمكن أن يتحقق بمجرد تبني الشاب لمفاهيم يحولها في المستقبل إلى عمل منتج، وما لم يبدأ بالإعداد في هذه المرحلة فسنفقد كثيراً ممن يمكن أن يكونوا عاملين منتجين، أو ستدار هذه الأعمال بأنصاف عاملين. أهداف فرعية في البناء الاجتماعي: من الأهداف الفرعية المهمة في الجانب الاجتماعي ما يلي: 1 - ربط الشاب بالرفقة الصالحة: يحرص كثير من الآباء على حماية أبنائهم من أسباب الفساد، وقد يدفعهم هذا الحرص إلى عزلهم عن الرفقة والصحبة خوفاً عليهم، وهذا مسلك غير سليم؛ ذلك أن "الرفقة مطلب نفسي لا يستغني عنه الإنسان، وخصوصاً في مرحلة المراهقة، وبوجود الرفقة المنسجمة يتم قضاء الأوقات وتبادل الآراء والخبرات وبث الآمال، والتشارك في الأحاسيس والمشاعر…ويتعذر منع الشاب المراهق عن الرفقة أو فرض العزلة عليه، وهو أمر يصطدم مع طبع الإنسان وجبلته، ويحرمه من حاجة نفسية مهمة؛ ولذلك كان السجن الانفرادي عقاباً قاسياً؛ لأنه يعزل الإنسان عن حاجة من حاجاته المهمة، ويحرمه من الاجتماع بالناس والاختلاط بهم، وبث همومه وأحزانه وأشجانه إليهم" (7). لذا على الوالدين الاعتناء بهذا الجانب المهم من الجوانب التي تسهم في بناء شخصية الشاب، ويراعى في ذلك: 1- المبادرة قدر الإمكان في ربط الشاب بصحبة صالحة؛ إذ إنه حين يرتبط بغير الصالحين يصعب تخليصه منهم، وهذا يجيب على تساؤل يثيره كثير من المربين حول جدوى الارتباط الدعوي مع طلاب المرحلة الإعدادية -المتوسطة- فالمبادرة في ذلك تحميهم من الارتباط بصداقات يصعب تخلصهم منها فيما بعد، كما سبق في خصائص المرحلة. 2- ألا تُفرض عليه الصداقة فرضاً، بل يوجَّه لها بطريقة عفوية، كاختيار المدرسة، والاتفاق مع الآباء أنفسهم، والزيارة أو الرحلات المتبادلة بين الأسر، وتكليفه بمهام مشتركة مع بعضهم، ومشاركته في الأنشطة المدرسية والمراكز الصيفية ونحوها من الميادين التي تجمع أمثال هؤلاء. 3- ينبغي أن يعتني الأب برفقة ابنه، ويحسن استقبالهم، ويشجعه على دعوتهم إلى المنزل. 4- ينبغي تجنب المعايير غير الصحيحة لاختيار الأصدقاء، ككونهم من الجيران، أو من الأقارب، أو أن الأب يعرف أسرهم وآباءهم…إلخ. وغني عن التأكيد أنه في المحاضن التربوية التي تجمع الرفقة الصالحة ينبغي أن تؤصل هذه المفاهيم لا أن تكون مجرد روابط اجتماعية. 2 - التعويد على تحمل المسؤولية: من الحاجات الملحة للشاب في هذه المرحلة: الحاجة للمسؤولية، وهي تشعره بأنه بلغ مصاف الرجال ومنزلتهم، إضافة إلى أنها تصرفه عن كثير من مظاهر العبث واللهو وتشعره أنه فوق ذلك كله، وبالإضافة إلى ذلك فالاعتناء بتنمية هذا الجانب يخدم الأمة، ويهيئ لها طاقات فاعلة ومؤهلة لأداء الأدوار الإيجابية. ومن تأمل في أحكام الشرع رأى هذا الأمر جلياً، فالشاب حين البلوغ يتحمل كافة المسؤوليات التي يتحملها الكبار، ويخاطب بكافة الأحكام والتكاليف الشرعية، "وقد كان محمد صلى الله عليه وسلم في شتى المناسبات يدرب أصحابه على حمل المسؤولية؛ ليضطلعوا بأعباء القيادة من بعده، فكان يستشيرهم في كل مناسبة، وكثيراً ما يعدل عن رأيه إلى رأيهم؛ لأن في رأيهم صواباً" (8). ومن الأمور التي تعين المربي على تحقيق هذا الهدف: 1- بيان مفهوم البلوغ وما يترتب عليه من أحكام، وأنه يعني أن الشاب قد بلغ مبلغ الرجال. 2- الاعتناء بأخذ رأي الشاب والحوار معه، من خلال المنزل وإشراكه في القرارات المناسبة التي تتخذها الأسرة، ومن خلال الصف الدراسي، أما الأنشطة غير الصفية فتمثل ميداناً واسعاً لذلك. 3- وضع الشاب في مواطن يتحمل فيها المسؤولية، وتكليفه بمهام تشعره بذلك، كتكليفه ببعض الأعباء والمهمات الأسرية - مع مراعاة عدم الإثقال في ذلك - ومن ذلك تكليفه ببعض الأعمال المدرسية، كإدارة بعض الأنشطة المتناسبة مع قدراته(9). 4- أن يحيل المربي ما يمكن إحالته من الأعمال التي يمارسها إلى الطلاب أنفسهم، ومن تأمل واقع كثير من المربين وجد أنهم يشغلون أنفسهم بمهام إدارية واجتماعية يمكن أن يتولاها الطلاب أنفسهم، وتفويض المربي لهذه المهام يحقق هدفين: الأول: تفرغه لمهام أكبر، وتمتعه بسعة من الوقت وهدوء بال تجعله أقرب إلى نفوس طلابه. الثاني: الاعتماد على الشباب وتحميلهم المسؤولية، وهذا ضروري في بنائهم الاجتماعي السليم. ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم رأى اعتناءه بهذا الأمر جلياً واضحاً، فقد ولَّى طائفة من الشباب من أصحابه كتابة الوحي، وقيادة السرايا والجيوش، والإمامة في الصلاة، والإمارة، وكان يرسلهم في مهام ليبلغوا رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وسرد الشواهد في ذلك يطول(10). 3 - الإعداد الحياة المادية: يمثل الإعداد للحياة المادية اليوم مطلباً تربوياً مهماً، ويتأكد الاعتناء بهذا الجانب في المؤسسات والقطاعات التربوية الدعوية؛ فهي تهدف إلى تحقيق الاستقامة لدى المرء، وكثيراً ما تتجاهل الجوانب التي يحتاج إليها في حياته الدنيا، بل ربما وقفت عائقاً دونها لأجل أن يتاح وقت أطول للمتربي يتلقى من خلاله التربية في هذه المؤسسات الدعوية. ومما يؤكد أهمية هذا الأمر أن الشرع قد اعتنى بهذا الجانب، فقد ورد الأمر بطلب الرزق، عن الزبير بن العوام- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه"(11). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو - أحسبه قال إلى الجبل- فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس"(12). وقد نهى الشرع عن سؤال الناس وتكففهم وذمَّه، كما في حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر- أو كلمة نحوها-"(13). ويزداد تأكد هذا الأمر مع تقلص فرص العمل وصعوبتها في كثير من المجتمعات الإسلامية. وتتمثل المجالات التي يمكن للتربية أن تعتني بها لتحقيق هذا الهدف ما يلي: 1-3 تكوين الاتجاه الإيجابي نحو العمل: تعاني شرائح من مجتمعات المسلمين من اتجاهات سلبية تجاه العمل اليدوي والحرفي، أو تجاه مجالات معينة من مجالات العمل. والخطوة الأولى في التربية على قيم العمل تتمثل في تكوين الاتجاه الإيجابي وتعزيزه، فما لم يوجد الدافع فكل الخبرات والمهارات لا قيمة لها. ومن الوسائل التي تعين على تحقيق هذا الهدف: 1 إبراز الجانب الشرعي والنصوص التي تحث على طلب الرزق وتحصيله، وتحث على العمل والكسب، مع إبراز ما ورد في ذم المسألة والعيش عالة على الآخرين. 2- علاج الاتجاهات السلبية تجاه العمل الحرفي والمهني. 3- إبراز هذا الجانب في سير الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كما ورد في القرآن عن موسى من رعيه للغنم، وكما ثبت في السنة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم" فقال أصحابه: وأنت؟ فقال:"نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة"(14). 4-إبراز هذا الجانب في سير الصحابة رضوان الله عليهم وسير السلف من بعدهم، فإن مما يعوق بعض الشباب عن ذلك اعتقاد أنه يتعارض مع الصلاح والتقوى. 2-3 إكساب الخبرات: لقد تعقدت الحياة المادية اليوم، وصعبت متطلبات الحياة، فالمطالب الضرورية للحياة زادت وأصبحت في خارج القدرة المادية لكثير من الناس. فالسكن والنقل والأثاث والغذاء...الخ لم تكن مشكلة فيما مضى، وكانت متاحة للغني والفقير، أما اليوم فهي تستهلك جزءاً كبيراً من مداخيل الناس. وفرص الكسب هي الأخرى تعقدت؛ ففيما مضى كان الإنسان يعيش في مزرعته أو مع ماشيته فيتقوت منها ومن يعول، أما اليوم فمصاريف الزراعة والرعي صارت فوق طاقة الكثيرين، ناهيك عن عدم كفاية مداخيلها. ومن ثم كلما ارتقى مستوى تعليم الفرد وازدادت خبرته زادت فرص حصوله على مصدر رزقه. وبناءً عليه فإن من مسؤولية المربي فتح المجال أمام الشاب لمنحه الخبرات التي تزيد من تأهيله لفرص العمل. وهذا لا يعني أن تتحول المحاضن التربوية إلى مراكز مهنية وتدريبية، لكن مما يُنتظر منها ما يأتي: 1- تشجيع الشاب على التفوق الدراسي ومساعدته على ذلك، وتنظيم البرامج التربوية بما لا يؤثر على التحصيل الدراسي. 2- إتاحة الفرص للالتحاق ببعض الأنشطة والبرامج التدريبية التي يرغب الشاب في الالتحاق بها؛ إذ الملاحظ أن كثيراً من المربين يصرفونهم عنها، ويزهدونهم فيها. 3- استثمار الإجازات الصيفية وتخصيص جزء من الأنشطة الصيفية لتنمية هذه الجوانب، ومع وجود قدر من الاعتناء، بذلك فهو يحتاج إلى تعزيز وترشيد بحيث يكون مثمراً ومحققاً للهدف. 4- التواصل بين المؤسسات التربوية (كحلقات التحفيظ والجمعيات الخيرية والدعوية..) وبين الخيرين من العاملين في القطاع الخاص وبوجه أخص في الإعداد والتدريب، ومن خلال ذلك يمكن تقديم برامج خاصة وجماعية إما دعماً للأنشطة التربوية، أو تخفيضاً للتكلفة، أو لإيجاد بيئة منضبطة ومحافظة. 3-3 تنمية المثابرة والعزيمة: من أهم قيم العمل ومتطلبات نجاح العامل المثابرة والعزيمة، لذا لا نزال نرى كثيراً من الشباب حين يلتحقون بمجال من مجالات العمل سرعان ما يملون ويسأمون، أو لا يجيدون التلاؤم مع بيئة العمل، فهذا يدعو إلى الاعتناء بتنمية روح المثابرة والعزيمة لدى الشاب وتقوية هذا الجانب لديه. ولعل ما سبق تناوله عند الحديث عن العزيمة والبعد عن الكسل (في الجانب الخلقي والسلوكي) يعين على ذلك. 4-3 تنمية تقدير المسؤولية: من المشكلات التربوية للجيل المعاصر غياب تقدير المسؤولية وتحملها؛ فالتربية المعاصرة تُعوِّد الطالب على التلقي السلبي، وعلى الاعتماد على الآخرين، ويبقى إلى أن يتجاوز العشرين من عمره وهو عالة على والديه. وهذا له أثره السلبي في تأهله للعمل، ومن ثم كان جديراً بالمربي أن يعنى بتنمية الشعور بتقدير المسؤولية لدى الشاب، من خلال تأصيل مبدأ المسؤولية في طبيعة الأنشطة التي يتلقاها ويشارك فيها، مع مراعاة أن يكون ذلك بالقدر الذي يتناسب مع قدراته وإمكاناته،وبما لا يكون منفراً ومعوقاً له عن الاستمرار في هذه الأنشطة. بالإضافة إلى تهيئة فرص عملية لتحمل المسؤولية، وقد سبق الحديث عن ذلك. 5-3 تنمية مهارات إتقان العمل: إتقان العمل يزيد من فرص النجاح في الأعمال الشخصية،كما أنه يتيح لصاحبه فرصاً أكبر في القطاعات الأهلية. ولا نزال نرى معظم الناس اليوم سواء أكانوا منتجين أم مستهلكين لخدمات وسلع معينة يتقبلون دون نقاش أعمال جنسيات معينة، ويدفعون لهم أضعاف ما يدفعونه لغيرهم؛ لأن هؤلاء اشتهروا بإتقانهم لهذه الأعمال. وتعد مرحلة الشباب مرحلة مهمة في تنمية مهارات إتقان العمل، وهو سلوك يتعلمه الشخص ويتسم به أكثر من مجرد ارتباطه بحرفة أو عمل مهني. ومن ثم فتنمية هذا السلوك لدى الشاب في دراسته، وفي ممارسته للأنشطة الثقافية والاجتماعية، كل ذلك سيترك أثره على إتقانه لعمله الوظيفي فيما بعد. ومن الوسائل المعينة على تنمية هذا الجانب: 1- مطالبة الشاب بمزيد من الإتقان فيما يقوم به وينفذه من أنشطة(15)، ويمكن أن تكون الحوافز والمسابقات وسيلة مساعدة في ذلك. 2- تنظيم أنشطة تتطلب قدراً أكبر من الإتقان، واستثمارها فرصة للتدريب على ذلك. 3- جعل الإتقان سمة للبرامج وأنظمتها، والارتقاء بمستوى الضبط لها؛ فهو يحول الإتقان إلى سلوك شخصي مستقر لدى الشاب. 4- التزام المربي بمراعاة ذلك فيما يقدمه من برامج وأعمال، ومن أقرب الأمثلة على ذلك الموضوعات الثقافية التي يقدمها لطلابه، فكلما لمسوا منه الاعتناء والإتقان أثَّر ذلك في اكتسابهم لهذا السلوك. 6-3 الارتقاء بالوعي الاجتماعي والاقتصادي: مما تتسم به بعض البيئات التربوية استهلاكها لوقت الشاب وعزله عن كثير مما يدور في المجتمع. وبغض النظر عن سلامة هذا الموقف أو عدم سلامته إلا أن من المهم علاج بعض الآثار الناجمة عنه. إن طائفة من الناشئة لا يزال بمعزل عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، ولن يستوعبها إلا بعد جيل قادم، وربما برزت أمام الجيل القادم مشكلات أخرى. ومن ثم فنشر قدر من الوعي بهذه التغيرات، والاعتناء بتحقيق قدر من الفهم للنواحي الاقتصادية والاجتماعية أمر له أثره في إعداد الشاب للعمل والحياة المادية. 4 - تنمية مشاعر البر والصلة: إن البر والصلة من أعظم الأخلاق والمعاني الاجتماعية التي دعا إليها الشرع، بل قد كانت شعاراً لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، عن عمرو بن عبسة السلمي - رضي الله عنه - قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً، فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً جُرَءَاءُ عليه قومُه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ قال: "أنا نبي" فقلت: وما نبي؟ قال: "أرسلني الله" فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: "أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان، وأن يوحِّد الله لا يشرك به شيء" (16). والمربون اليوم ليسوا بحاجة إلى الاستطراد في الحديث عن أهمية هذا الجانب، وحتى الفئة المستهدفة تعيه من حيث الأصل، إلا أنها بحاجة لمزيد من الرعاية، وإلى أن تسهم المحاضن التربوية في تنمية هذا الجانب وتعزيزه لديها. ومن الوسائل المهمة التي تعين على تحقيق هذا الجانب: 1- تناوله والحديث عن أهميته والتذكير به بين آونة وأخرى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعنى بذلك مع أصحابه رضوان الله عليهم. 2- أن يكون المربي قدوة في ذلك، ويلمس تلامذته منه اعتناءه بهذا الجانب، فهو حين يعتذر عن حضوره لبعض المناسبات أو البرامج معتذراً بوالديه ورعايته لهما؛ حين يفعل ذلك يترك أثراً أعظم من أثر الكلمات والتوجيهات التي يلقيها عليهم ويعتني بها. 3- تقدير أعذار من يعتذر من الطلاب بوالديه أو صلة أقاربه، بل تشجيعه على ذلك، ويكفي في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمنع من المشاركة في الجهاد - حين يكون تطوعاً - دون إذن الوالدين(17)؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال: "فهل من والديك أحدٌ حي؟ " قال: نعم بل كلاهما، قال: "فتبتغي الأجر من الله؟ " قال: نعم، قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما" (18). 4- تشجيع الطلاب على حضور المناسبات واللقاءات العائلية والاجتماعية، ومراعاتهم في ذلك. 5 - تنمية القدرة على بناء علاقات اجتماعية ناجحة: (19) النجاح في بناء العلاقات الاجتماعية أمر لا غنى للداعية عنه، وهو مفتاح تأثيره على الأقربين الذين هم أولى بدعوته من سائر الناس، كما أنه لا غنى له عنه ليعيش حياته الاجتماعية، ومن ثم تبدو أهمية الاعتناء بتنمية هذه القدرة لدى الشباب. ومن وسائل تحقيق ذلك: 1- إبراز أهمية الجانب الاجتماعي والحاجة له. 2- تنمية الجانب الخلقي الذي يجعل الشاب مقبولاً من الآخرين، وقد سبق الحديث بالتفصيل عن الجانب الخلقي والسلوكي. 3- تحقيق قدر من الاندماج الاجتماعي والتخفيف من العزلة التي يعيشها كثير من الشباب الصالحين تجاه المجتمع(20). 4- تنمية مهارات التعامل مع الآخرين والتعويد على احترامهم. 5 - تنمية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية: وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى، وصوَّره تصويراً دقيقاً في قوله: "مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينةً؛ فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذَّوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: ما لك؟ قال: تأذيتم بي ولابد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونَجَّوْا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم" (21). إن"الفرد مرتبط ارتباطاً شديداً بمجتمعه، ومن الصعوبة التعايش بدون المجتمع أو بمعزل عنه، فالمجتمع مصدر أنسه وأمنه وسعادته، وعلى الفرد واجبات ومسؤوليات نحو مجتمعه" (22)كما أن له حقوقاً ينبغي على المجتمع أن يعنى بتقديمها له. ومن الأمور التي تعين على تحقيق الشعور بالمسؤولية الاجتماعية: 1- الاعتناء بإبراز النصوص والأحكام الشرعية المتعلقة بالجوانب الاجتماعية(23)، وهي كثيرة، ومنها على سبيل المثال: عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كل سُلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة" (24). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس"(25). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة"(26). وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه"(27). وهذه نماذج فقط، وإلا فالنصوص كثيرة في هذا المجال، وإنما استطردت هنا لتأكيد أهمية هذه الجوانب؛ فمن المربين من يهملها، ويرى أن عزل الشاب عن بيئته وإشغاله ببعض الأنشطة التربوية أو العلمية وانهماكه فيها أولى. 2- الاعتناء بتأصيل المنهج الشرعي في الخلطة والعزلة، وأن مخالطة الناس ومعايشتهم والصبر على أذاهم خير من اعتزالهم، عن يحيى بن وثاب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -قال: أظنه ابن عمر- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" (28). 3- الاعتناء ببيان الجوانب الإيجابية والمشرقة في المجتمع، والسعي للحفاظ عليها وتدعيمها، والأمر لا يعني التفاخر والوطنية الضيقة، بقدر ما يعني تعزيز المكتسبات والاعتناء بها(29). 4- تنمية الشعور بالمسؤولية الدعوية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإسهام في حماية المجتمع من عوامل الفساد، وهذا الأمر مما يعين الشاب المسلم على العيش في المجتمعات المعاصرة اليوم، التي تعاني ألواناً من الانحراف، ويبتعد به عن الغلو والشطط والموقف السلبي من المجتمع. 5- الاعتدال في نقد الأوضاع الاجتماعية، وتوجيه ذلك فيما يحفِّز على السعي للإصلاح والتغيير؛ إذ الإفراط في النقد المجرد يورث السلبية، ويدعو الفرد للهروب من المجتمع. 6- إشراك الشاب في الأنشطة الاجتماعية، كالجمعيات الخيرية التي تعنى بالمحتاجين، والإسهام في تقديم الخدمات العامة للناس، ولعل ما نراه اليوم في موسم الحج من جهود يبذلها طائفة من الخيرين تبرعاً وإحساناً في توزيع الصدقات والمواد الغذائية على الحجاج يمثل الخلق والمنهج الشرعي. 7 - التمكين لقيم المجتمع وعاداته الإيجابية:(30) مما يميِّز المجتمعات الإسلامية عن سائر المجتمعات الأخرى أنها تملك رصيداً متميزاً من القيم، فهي مهما بلغت في التغير والانحراف،ومهما انفتحت على المجتمعات الأخرى لا تزال تدين بالإسلام، ولا يزال كثير من أنساقها الاجتماعية يلتزم بأصل القيم الإسلامية، بغض النظر عن درجة الالتزام، وقربه وبعده عن المفاهيم الشرعية النقية. وبقدر ما تحمل الدعوة الإسلامية على عاتقها مسؤولية تغيير القيم المنحرفة في المجتمع؛ فجزء كبير من مسؤوليتها يتمثل في الحفاظ على رصيد المجتمع من القيم الإيجابية. وهذه القيم مهددة بالزوال والتلاشي ما لم يتم الحفاظ عليها وتأصيلها، ومن وسائل تأصيلها تربية الناشئة عليها. ومن هذه القيم ما تتميز به مناطق الأرياف والقبائل من محافظة وستر واعتناء بالعرض، وتماسك اجتماعي، وكرم ونخوة...الخ ومما ينبغي على المربى أن يعتني به لتحقيق هذا الهدف: 1- تعزيز هذه القيم في نفوس الشباب وتثبيتها. 2- التأصيل الشرعي لها، وخاصة ما له ارتباط بالعادات الاجتماعية والقبلية كالكرم والنخوة والغيرة؛ إذ قد يكون الدافع للالتزام به ليس دافعاً شرعياً إنما مجاراة العادة والعرف. 3- تنقية هذه القيم من الممارسات الخاطئة وتعميمها،كالأنفة والنفرة التي تصد صاحبها عن الخضوع للحق والتسليم له. 8 - تنمية روح التعاون والعمل الجماعي: إن مما يعاني منه المسلمون اليوم غلبة الفردية على كثير من مشروعاتهم وأعمالهم، وغياب روح العمل الجماعي والمؤسسي، لذا كان لا غنى للتربية عن السعي لبناء روح العمل الجماعي لدى الناشئة، ولذلك ثمرات عدة، منها: 1- أنه يحقق صفة التعاون والجماعية التي حثَّ عليها القرآن الكريم والسنة النبوية {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "يد الله مع الجماعة" (31). 2- عدم الاصطباغ بصبغة الأفراد، ذلك أن العمل الفردي تظهر فيه بصمات صاحبه واضحة، فضعفه في جانب من الجوانب، أو غلوه في آخر، أو إهماله في ثالث لابد أن ينعكس على العمل. 3- الاستقرار النسبي للعمل، أما العمل الفردي فيتغير بتغير اقتناعات الأفراد، ويتغير بذهاب قائد ومجيء آخر، يتغير ضعفاً وقوة، أو مضموناً واتجاهاً. 4- العمل الجماعي والمؤسسي أكثر وسطية من العمل الفردي؛ إذ هو يجمع بين كافة الطاقات والقدرات، التي تتفاوت في اتجاهاتها وآرائها الفكرية مما يسهم في اتجاه الرأي نحو التوسط غالباً، أما العمل الفردي فهو نتاج رأي فرد وتوجه فرد، وحين يتوسط في أمر يتطرف في آخر. 5- الاستفادة من كافة الطاقات والقدرات البشرية المتاحة، فهي في العمل الفردي مجرد أدوات للتنفيذ، تنتظر الإشارة والرأي المحدد من فلان، أما في العمل المؤسسي فهي طاقات تعمل وتبتكر وتسهم في صنع القرار. 6- العمل الجماعي والمؤسسي هو العمل الذي يتناسب مع تحديات الواقع اليوم؛ فالأعداء الذين يواجهون الدين يواجهونه من خلال عمل مؤسسي منظم، تدعمه مراكز أبحاث وجهات اتخاذ قرار متقدمة، فهل يمكن أن يواجه هذا الكيد بجهود فردية؟ ومن الوسائل المعينة على بناء الروح الجماعية: 1- تنظيم الأعمال الجماعية، كإعداد بحث أو تقديم ورقة عمل من طالبين فأكثر، أو القيام بمهام دعوية بصورة مشتركة. وهذه الوسيلة لها أهميتها؛ إذ هي تغرس لديهم هذه المعاني وتعلمهم إياها بالممارسة. 2- التعويد على لغة الحوار وإدارة النقاش، فالعمل الجماعي لابد فيه من اختلاف الآراء ووجهات النظر، وهذا يحتاج إلى قدرة في التعامل مع الرأي المخالف، وتقريب وجهات النظر، وهي مهارة لا يمكن أن تكتسب بدون تدريب وممارسة، ويعني ذلك أن يراعى هذا الجانب في البرامج الثقافية المقدمة للطلاب، بحيث تشتمل على ما يثير الحوار والنقاش ليعتادوا عليه. 3- إحياء مفهوم الاستشارة والاستنارة بآراء الآخرين، فذلك يعوِّد الشاب على التنازل عن رأيه، والتخلي عن التعصب له. 4- الاعتدال عند نقد الآخرين من الدعاة، أو عند نقد المشروعات والأفكار الدعوية، فشعور الشاب بخطأ أعمال الآخرين أو جهودهم، أو اختلافه معهم مما يعوقه عن مشاركتهم والعمل معهم بروح جماعية(32). 9 - التربية على الاهتمام بأحوال المسلمين: الاهتمام بأحوال المسلمين أمر له أهميته، وقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بالإيمان، وأخبر أنه من صفات المؤمنين فقال: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى" (33). وفي رواية "المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله" (34). وقنت صلى الله عليه وسلم لبعض المستضعفين من أصحابه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد: "اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف" (35). وحين أصيب طائفة من أصحابه صلى الله عليه وسلم حزن عليهم وقنت يدعو على أعدائهم فعن أنس-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من بني سليم، قال: بعث أربعين أو سبعين -يشك فيه- من القراء إلى أناس من المشركين فعرض لهم هؤلاء فقتلوهم، وكان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهدٌ، فما رأيته وجد على أحد ما وجد عليهم(36). وكان صلى الله عليه وسلم أيضاً يهتم بما يصيبهم من البأس والشدة والفقر، كما سيأتي عند الحديث عن الوسائل. ويمكن أن يتم ذلك من خلال أمور عدة منها: 1 - الاهتمام بأخبار المسلمين، وعرضها أمام الناشئة، وتعريفهم بأحوالهم، وما يحصل لهم من ضراء وسراء، ولاشك أن لذلك أثره الكبير في معرفتهم بهم ابتداءً، وفي التفاعل مع قضاياهم، وينبغي أن يتبع المربي ذلك بيان الواجب والمهمة التي يمكن أن يؤديها المخاطب. وهاهو صلى الله عليه وسلم يخبر أصحابه بما علمه وجهلوه من أخبار إخوانهم، عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفر وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب -وعيناه تذرفان- حتى أخذ سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم" (37). ولعل ما تقوم به المنظمات الإسلامية اليوم من لقاءات وندوات للتعريف بهموم المسلمين وقضاياهم مما يسهم في تربية الجيل على الاهتمام بأحوال إخوانهم المسلمين. 2 - التبرع لهم ودعوة الناس لذلك حين تصيبهم فاقة أو حاجة، ولنا أسوة في النبي صلى الله عليه وسلم، فعن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر -بل كلهم من مضر- فتمَّعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: "{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخر الآية {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيَبًَا} والآية التي في الحشر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} تصدق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره" حتى قال: "ولو بشق تمرة" قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (38). وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ادخروا ثلاثاً ثم تصدقوا بما بقي" فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله، إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وما ذاك؟ " قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت؛ فكلوا وادخروا وتصدقوا" (39). 3 - الدعاء والقنوت لهم، ودعوة الناس لذلك، وفي قنوته صلى الله عليه وسلم للمستضعفين، وعلى من قتلوا القراء دليل على ذلك. 4 - الدعوة لنصرهم والوقوف معهم كما قال تعالى:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْر} (الأنفال: 72). 5 - إنشاء صندوق في المدرسة أو المنزل، أو التجمعات العائلية، يدفع فيه المشارك مساهمة شهرية ولو محدودة، تنفق في مصالح المسلمين العامة(40) وإعطاء تقرير سنوي عن منجزات الصندوق مما يزيد هممَ المشاركين فيه ويعليها. 10 - غرس الشعور بشرف الانتماء للأمة الإسلامية: من نعمة الله تبارك وتعالى على المسلمين أن جعلهم أمة واحدة، وامتن عليهم عز وجل بأن نقلهم من حال الفرقة والصراع إلى حال الاجتماع والائتلاف، فقال {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانا} (آل عمران: 103). وهذه الأخوة لا تقف عند حدود هذه الأمة وحدها فبعد أن ساق الله أخبار الأنبياء عقَّبَ على ذلك بقوله: {نَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (الأنبياء:92) فهي أخوة تجتاز حاجز الزمن لتربط جميع المؤمنين بالله برباط واحد. ومن الوسائل التي تعين على تحقيق هذا الهدف: 1- تجلية مفهوم الولاء والبراء، وأن المسلمين إخوة وأمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم، وأن قضية الولاء والبراء ترتبط بالعقيدة، وليست مجرد أدب من آداب السلوك. 2- دراسة التاريخ الإسلامي والاعتناء به، ودراسة سير الأنبياء والسابقين من المؤمنين؛ فذلك يقوي الشعور بوحدة الانتماء للأمة بمفهومها الواسع الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان. 3- التخلي عن النعرات الوطنية والقومية الضيقة، فهذا من أعظم ما يضعف الأخوة الإيمانية، ولهذا حكى تبارك وتعالى عن المنافقين قولهم: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ}(الأحزاب:13) "فنادوهم باسم الوطن المنبئ عن التسمية فيه، إشارة إلى أن الدين والأخوة الإيمانية ليس لهما في قلوبهم قدر" (41).

--------------------

الحاشية:

(1) أصول التربية الإسلامية. أمين أبو لاوي. (63). (2) رواه الترمذي (1990) وأحمد (8276). (3) رواه البخاري (5190). (4) إحياء علوم الدين 3/73. (5) رواه مسلم (2312). (6) انظر في موضوع الترويح: الترويح التربوي. لخالد العودة. (7) المراهقون ص (62). (8) سبيل الدعوة الإسلامية. محمد أمين المصري ص56. (9) انظر في ذلك: المراهقون ص (112-116). (10) انظر في ذلك: المراهقون والمنهج النبوي في دعوة الشباب. (11)رواه البخاري (1471). (12)رواه البخاري (1480) ومسلم (1042). (13) رواه الترمذي (2325) وأحمد (17750). (14) رواه البخاري (2262). (15) فرق بين هذا الأمر وبين ما يسلكه بعض من يصفهم الناس بالتعقيد، وهذا الصنف يبدو في بعض المديرين الذين يصرون على مستوى من المثالية، ويضخمون الشكليات، فكتابة خطاب عادي ربما تطلبت منهم التعديل مرات عدة، وهذا السلوك يجب أن يحذره المربي، فهو إن تقبله المتربون خرَّج جيلاً يعنى بالشكليات، وإن لم يتقبلوه صار اتجاههم نحو المربي سلبياً. (16) رواه مسلم (832). (17) من الأساليب الخاطئة ما يمارسه بعض المربين مع طلابهم - نتيجة الحرص على مشاركتهم في بعض البرامج - دعوته لإهمال شأن والديه، وعدم قبول اعتذاره المتعلق برعايتهما أو استئذانهما، وكأن هذا البرنامج تتوقف عليه نصرة الدين ورفعة رايته، والقاعد عنه من المخلفين المتثاقلين للأرض. (18) رواه البخاري (3004) ومسلم (2549). (19) الأسس النفسية والاجتماعية لرعاية الشباب. عمر التومي الشيباني. (20) مع مراعاة الحذر من الاندماج في المجتمعات المنحرفة والسيئة. (21) رواه البخاري (2686). (22) دور الأسرة في تربية أولادها في مرحلة البلوغ. عبد الرحمن الغامدي. ص 367. (23) انظر: التربية الروحية والاجتماعية في الإسلام. أكرم العمري. (24) رواه البخاري (2989) ومسلم (1009). (25) رواه البخاري (1240) ومسلم (2161). (26) رواه البخاري (2320) ومسلم (1553). (27) رواه ابن ماجه (237). (28) رواه أحمد (22588). (29) بعض المجتمعات المحافظة يسود فيها لون من الثناء المبالغ فيه، وتحقير الآخرين، وكأنهم وحدهم المؤهلون لفهم الدين والتحدث باسمه. (30) الأسس النفسية والاجتماعية لرعاية الشباب. عمر التومي الشيباني. (31) رواه الترمذي (2166). (32) أتمنى أن نصل إلى مستوى أن ننتقد الأفكار والمواقف بحرية، ثم نفصل بينها وبين الأشخاص. ولا تزال كثير من موضوعات الخلاف بين الإسلاميين مما يقبل الرأي والرأي الآخر، وأتمنى أن يسعى المربون إلى تخليص الجيل الجديد من الروح المتشنجة في التعامل مع المخالفين لهم في الرأي. (33) رواه البخاري (6011) ومسلم (2586). (34) رواه مسلم (2586). (35) رواه البخاري (4598) ومسلم (675). (36) رواه البخاري (3170) ومسلم (677). (37) رواه البخاري (3757). (38) رواه مسلم (1017). (39) رواه مسلم (1971) وأصله في البخاري. (40) انظر: مهمات المناهج الدراسية في بناء المجتمع المسلم. محمود شوق. ص 35. (41) تفسير السعدي ص 608.

Eng.Jordan 02-18-2012 07:27 PM

الفصل الثامن: الجانب النفسي

يرتبط الجانب النفسي بسائر جوانب الإنسان ارتباطاً واضحاً، ويترك أثره عليها.فالانفعالات الإيجابية مثلاً " تنشط عمل القلب والتنفس، وعمل الجهاز الهضمي وجهاز المناعة. والإنسان الآمل الفرح أكثر قدرة على المبادرة والابتكار وسرعة البديهة عند القيام بالعمليات العقلية أو العلمية، ويسهل عليه التفكير والتغلب على الصعوبات التي تعترض طريقه…أما الانفعالات السلبية كالخوف والغيرة والحزن والحسد والغم والخيبة، فتؤثر بصورة سلبية على جسم ونفس الإنسان، فعمل أجهزة الجسم وأنسجته تتأثر بالانفعال السلبي وتؤثر سلبياً على صحة الإنسان؛ فتؤدي الكآبة والحزن والغم إلى إضعاف نشاط القلب وتسارع النبض في حال ضعف امتلاء الأوعية بالدم، وإلى التنفس السطحي البطيء، وإلى اضطراب هضم الطعام وجهاز المناعة والغدد. أما عن الحالة النفسية، ففي حال الكآبة والحزن يغدو الإنسان بعيداً عن الدقة غير مطابق للواقع، مما يوقع الإنسان تحت تأثير مختلف أنواع الخداع والأوهام، وتنخفض الحساسية انخفاضاً شديداً، ويغدو التفكير ضعيفاً وذاتياً، وقد يبدو أن إرادة الإنسان تصبح أقوى في حالة الغضب أو الخوف الشديد غير أن الواقع ليس كذلك، فالقرارات المتخذة في حال الانفعال تكون غالباً متسرعة وبدون تفكير" (1). ويكفي في أهمية الصحة النفسية وبيان أثرها على الإنسان كثرة استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من الحزن والهم، عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال" (2). ولقد كان من نتاج الحضارة المعاصرة أن زادت مشكلات الناس النفسية وصعوباتهم، ونكتفي بهذا الشاهد من كلام أحد المختصين، حيث يقول. "إن مقدار انتشار حالات الاضطرابات النفسية والاهتمام بها في العالم يمكن أن يظهر أمامنا في مثال نأخذه من الولايات المتحدة، يذكر مؤلف كتاب: "أنماط السلوك الشاذ" أن حوالي 50% من المرضى الذين تستقبلهم المستشفيات يعانون من أحد الاضطرابات النفسية ذات الدلالة، أو أنهم بكلمة أخرى يعانون من أمراض عاطفية حادة، كان هذا هو الحال قبل ربع قرن من الزمن"(3). فكيف به الآن؟ وهذا مما يؤكد على أهمية الاعتناء بالجانب النفسي في تربية الشباب. الهدف العام: تحقيق الاستقرار النفسي والصحة النفسية. وهذا يعني أن يكون الشاب متمتعاً بالصحة النفسية، سالماً من المشكلات والأمراض النفسية. ومن الجوانب التي تؤكد على أهمية الاعتناء بالصحة النفسية للشاب ما يأتي: 1- أنها تزيد من قدرة الشاب على فهم نفسه وإمكاناته، فلا يتعداها، وعلى تحديد طموحاته وآماله في ضوء إمكاناته، وعلى تقبل التغيرات التي تطرأ. 2- أنها تساعد على بناء اتجاهات نفسية سليمة نحو نفسه ونحو الناس والحياة، وتبعد شبح اليأس والقنوط. 3- أنها تزيد من قدرته على عقد صلات ناجحة وعلاقات طيبة. 4- أنها تزيد من قدرته على الثبات والجلد حيال الأزمات والشدائد والمشكلات (4). 5- تزداد أهمية هذا الجانب في حق من يتصدون للدعوة والتغيير في المجتمعات، فما لم يكونوا يملكون قدراً من الاستقرار والصحة النفسية فلن يكونوا مؤهلين للتعامل مع الناس بشكل صحيح، فضلاً عن قيادتهم وتوجيههم. ولا يعني الحديث عن أهمية الاعتناء بالجانب النفسي تحويل المحاضن التربوية إلى دور رعاية نفسية، أو أن يعيش المربي في هاجس وأوهام في مراعاته لأحوال من يربيهم، بل أن يولي هذا الجانب الاهتمام اللائق به دون إفراط أو تفريط. ومن الأمور التي تعين على تحقيق الاستقرار النفسي والصحة النفسية، وتُجنب الشاب المشكلات النفسية ما يلي: 1- تعريف الشاب بنفسه والهدف الذي وجد من أجله، وطبيعة المرحلة التي يمرُّ بها، وما وهبه الله من قدرات جسمية وعقلية ونفسية، والأسباب المعينة على تسخيرها فيما فيه سعادة الدنيا (الاستقرار النفسي) والفلاح في الآخرة. 2- تعليق الشباب بالدار الآخرة، وأنها المتاع الحقيقي، والحياة الباقية، وحين تعلو قيمة الدار الآخرة في النفوس تولد التطلع إلى معالي الأمور والاستهانة بالمصائب والمحن التي تواجه الإنسان، ويشعر أنه سينساها حين يضع أول قدمه في الجنة -جعلنا الله من أهلها- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قط؟ هل مرَّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤساً قط؟ هل مرَّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط"(5). عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له"(6). 3- إعطاء الدنيا منزلتها اللائقة بها، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعنى بذلك؛ فيُحذِّر أصحابه من الدنيا، ويبين لهم هوانها على الله؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفته فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: "أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ " فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به قال: "أتحبون أنه لكم؟ " قالوا:والله لو كان حياً كان عيباً فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت، فقال: "فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم" (7). إن ترك المربي الإسهاب في الحديث عن مُتع الدنيا وزخرفها، وتعليقه العاجل حين يأتي ذكر شيء من ذلك، والاعتناء بدراسة حقيقة الدنيا ووصفها في القرآن والسنة، إن ذلك كله يسهم في تهوين شأن الدنيا لدى الناشئة، والذي تهون لديه الدنيا لا يقلق على ما يريده من متاعها، ولا يحزن على ما يفوته منها. 4- تلمس المربي لحاجات من يربيهم ومشكلاتهم، والسعي لمعاونتهم في حلها، ويكفيهم في أحيان كثيرة شعورهم بأن هناك من يشاركهم همومهم ويشاطرهم أحزانهم، مع الحذر من الإفراط في مراعاة ذلك لدى الشاب؛ لأنه يزيد من شعوره بالمشكلة. 5- تنظيم برامج الترفيه والترويح للشباب والناشئة، مع مراعاة الاعتدال في ذلك، وقد سبق الحديث عن الترويح بالتفصيل في الجانب الاجتماعي. وسائل عامة في البناء النفسي: 1 - العدل في التعامل: العدل خلق شرعي عظيم، وعليه قامت السموات والأرض، وهو سمة للمسلم الصادق في حياته كلها، ويتأكد الأمر عند تعامل الوالد مع أولاده، أو المعلم مع تلامذته، وجاءت السنة النبوية مؤكدة وجوب العدل بين الأولاد، عن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير - رضي الله عنهما- وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله،قال:"أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟" قال: لا، قال:"فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال: فرجع فردَّ عطيته(8). وما ذلك إلا لأن الإخلال به ينشأ عنه مفاسد عدة من إيغار الصدور وإثارة البغضاء، بل هو مؤد إلى تكريس الأحقاد، وقد يصل الحال لدى بعضهم كما فعل إخوة يوسف حين قالوا {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (يوسف:8). وحين ينشأ الشاب في بيئة لا تلتزم بالعدل فسوف يترك ذلك أثره عليه، سواء أكان مُفضَّلاً على غيره، أم فُضِّل غيره عليه. وينشأ الإخلال بالعدل في المحاضن التربوية في حالات كثيرة؛ فيبدو من المربي اهتمام زائد ببعض الشباب لأنه يتوقع منهم أكثر من غيرهم. ومما ينبغي أن يراعيه المربي هنا: أن الاعتبارات التي يراها مسوغة لتفضيل بعض أولاده أو تلامذته على بعض قد لا تكون مقنعة لديهم، ومن ثم فلا بد أن يربط تمييز أحدهم -إن كان في تمييزه مصلحة ظاهرة - بأمور موضوعية مدركة للجميع. 2 - الاهتمام ومراعاة المشاعر: الاهتمام بالآخرين يترك أثره البارز في نفوسهم، وهو دليل على حسن خلق صاحبه وتواضعه، لذا فلا غرو أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك النصيب الأوفى، عن عثمان - رضي الله عنه - قال: إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير، وإن أناساً يعلموني به، عسى أن لا يكون أحدُهم رآه قط.(9) ومن اهتمامه صلى الله عليه وسلم البالغ بأصحابه مراعاة مشاعرهم، ومن ذلك: أن الصعب بن جثامة الليثي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بودان فردَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم" (10). وذكر الشواهد من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يضيق عنه هذا المقام، فسيرته مليئة بالشواهد على كمال خلقه صلى الله عليه وسلم. ومن صور اهتمام المربي ومجالاته: سؤال الشاب عن أخباره وتفقد أحواله، والمحافظة على الموعد الذي يعطى له؛ أو الوقت الذي يصرف من أجله، والاستماع والإنصات له، وإجابة تساؤلاته بعناية. وكما أن الإهمال يترك أثره السلبي على الشاب، فالإفراط في الاهتمام به يترك أثراً من نوع آخر، فلابد من الاعتدال في ذلك. 3 - الاعتدال في رعاية الشاب: الاعتدال سنة الله تبارك وتعالى في خلقه؛ فالخلق قائم على أساس الاعتدال والتوازن، كما أنه سنة له في شرعه، فالشرع جاء بالاعتدال وهو وسط بين نقيصتين. ومن ثم فالتربية التي تخرج عن حد الاعتدال تخالف طبيعة الكائن البشري وما جبله الله عليه، وتخالف المنهج الشرعي القائم على الاعتدال والوسطية. وللخروج عن الاعتدال في التربية صور عدة تترك أثرها السلبي في البناء النفسي، منها: الصورة الأولى: الإجحاف على النفس والمشقة عليها، وإهمال بعض الحاجات والجوانب النفسية، وهو موقف يتعرض له الشاب المقبل على الله كثيراً؛ فالشاب يتميز بالحماسة والاندفاع، فهو حين يدرك فضائل الأعمال الصالحة، أو يتوب بعد صبوة قد يشق على نفسه، ويبالغ في العبادة، ويهمل رعاية سائر مطالب النفس، ومن ثم فعلى المربي أولاً أن يعتدل في حديثه مع الشاب ودفعه للعمل الصالح حتى لا يؤدي به ذلك إلى الخروج عن الاعتدال. وعليه ثانياً: أن يوجه الشاب حين يرى منه مبالغة وخروجاً عن المنهج الشرعي في ذلك. وهو منهج اعتنى به النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يوجِّه أصحابه إلى الاعتدال وينهاهم عن المشقة على النفس؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن ينجي أحداً منكم عملُه" قالوا:ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة، سددوا، وقاربوا، واغدوا، وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا" (11). وحين رأى من أحد الشباب جنوحاً إلى التشديد والغلو، دعاه وأخبره بما ينبغي عليه فعله، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون فجاءه، فقال: "يا عثمان، أرغبت عن سنتي؟ " قال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب. قال: "فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان؛ فإن لأهلك عليك حقّاً، وإن لضيفك عليك حقّاً، وإن لنفسك عليك حقا، فصم وأفطر، وصلِّ ونم" (12). ومثله قصته صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - وهي مشهورة. ولقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعنون بأداء هذا الواجب تجاه إخوانهم؛ عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال: كل فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: نم فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن، قال: فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صدق سلمان" (13). الصورة الثانية: القسوة في العقوبة: إن العقوبة أسلوب تربوي، وهو أمر لا بد منه للمتربي، وقد دعا الشرع إلى العقوبة حين يتطلب الأمر ذلك، ومن ذلك أمره تبارك وتعالى بعقوبة المرأة التي يخاف منها النشوز {وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} (النساء:34). وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الأولاد على الصلاة حين يبلغون عشر سنين. وحتى تؤتي العقوبة أثرها المراد منها دون نتائج عكسية لا بد فيها من الاعتدال، فلا تكون قاسية مبالغاً فيها بل بقدر ما يحقق المصلحة ويردع المعاقب، ولا تكون مشعرة بالغضب والكراهية وحب الانتقام، كما ينبغي ألا يكثر المربي من اللوم والتأنيب ويذكر صاحبه بذلك، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر" (14). فمع أن هذه الأَمَة قد وقعت في ذنب عظيم وخطيئة كبيرة، إلا أن إقامة الحد كانت كافية في زجرها فلا ينبغي المبالغة والتثريب عليها. وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الهدي في سنته العملية؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب قال: "اضربوه" قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: "لا تقولوا هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان" (15). والإفراط في العقوبة والقسوة فيها يولد آثاراً نفسية غير محمودة، وينشئ لدى الأولاد الرغبة في الانتقام والكراهية والحقد على الآخرين، أو يولد لديهم الخضوع والذل والاستكانة(16). الصورة الثالثة: التدليل: وهي صورة مقابلة لتلك الصورة السابقة، إذ تزداد فيها العواطف لدى المربي تجاه من يربيه، فيبالغ في مراعاة مشاعره، وإظهار العطف والشفقة عليه، وهو أمر يحصل كثيراً لدى الأمهات، ويكثر مع الولد الوحيد أو الأخير أو الذكر بين الإناث، أو ولد الزوجة الأخيرة. كما يقع ذلك من بعض المعلمين الذين لا يجيدون ضبط عواطفهم؛ فحين يعجبون بأحد الطلاب يظهر منهم اهتمام غير طبيعي تجاهه، وإفراط في مراعاة مشاعره والتجاوب مع طلباته. ومع أن هذا اللون من الخطأ يتفق العامة والخاصة على ذمه، بل يعيِّرون الأبناء به، إلا أنه كثيراً ما يقع، فأول من يتضرر منه الشخص الذي يلقى هذه العناية الزائدة، فينشأ ضعيفاً فاقداً للثقة في نفسه، وينتظر من الآخرين أن يعاملوه بالمعاملة نفسها، وإلا اتهمهم بالقسوة والفظاظة، أو عدم معرفة قدره، وعدم محبتهم له. 4 - تدعيم الدور الاجتماعي للمدرسة: رغم أن التربويين يتفقون على أن دور المدرسة ينبغي أن لا يقف عند مجرد التلقين والعطاء المعرفي، فإن مدارسنا لا تزال تقف عند هذا الجانب، فالوقت الذي يقضيه الطالب في المدرسة وقت أكاديمي بحت، والوقت الاجتماعي يكاد يتلاشى، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك عدم ارتياح أطفالنا للذهاب إلى المدرسة، ونفرتهم منها. والمدرسة مؤسسة تربوية يفترض أن يوجد فيها من النضج والتكامل ما يؤهلها لعلاج جوانب القصور التي تحدث في التربية المنزلية وتلافيها. إن مدارسنا اليوم بحاجة إلى أن تعتني بتعزيز الدور الاجتماعي، وأن تكون ميداناً للوفاء بحاجات الطالب الاجتماعية والنفسية. وبحاجة إلى أن يشعر المعلمون أن مهمتهم لا تقف عند مجرد تدريس الكتاب المقرر للطالب، بل تتجاوز ذلك إلى مزيد من الرعاية والاهتمام التربوي، والشعور بأن المعلم ينبغي أن يكون بمثابة الوالد الحنون للطالب. 5 - تحقيق الاستقرار الأسري: الأسرة محضن مهم يجد فيه الأولاد الرعاية والعطف والحنان، ويشعرون فيها بالأمن والطمأنينة، ولذا نجد ارتباطاً واضحاً بين فقدان الاستقرار الأسري والجنوح والانحراف. وينشأ فقدان الاستقرار الأسري من حالات الطلاق، فيتشتت الأولاد بين بقائهم مع أمهم التي قد تكون بلا زوج فيعيشون حالة من التسيب والانفلات، وقد تكون مع زوج آخر فلا يجدون منه حنان الأب واهتمامه. أو يبقون مع والدهم فيفقدون حنان الأمومة وعاطفتها. وقد ينشأ ذلك من تزوج الأب زوجة أخرى وقلة بقائه مع أولاده وعدم اهتمامه بهم. وقد ينشأ من كثرة الخلاف والشجار والصراع بين الوالدين، وكثيراً ما يكون ذلك أمام الأولاد مما يقلل من شعورهم بالأمن والطمأنينة، ويعطيهم صورة سيئة عن الحياة الأسرية التي ستواجههم في المستقبل. إن هذا يحتم على الوالدين أن يفكروا كثيراً قبل الاسترسال مع خلافاتهم، وأن يدركوا أثر وضعهم الأسري على أولادهم الذين هم أغلى ما يملكون. وهو يضيف عبئاً على المربي يتمثل في تعرف حالة أسر الطلاب، والسعي قدر الإمكان لمساعدة من يحتاج منهم، وإيجاد البديل العاطفي والاجتماعي المناسب لهم، والسعي للإصلاح حين يكون المجال مناسباً. 6 - تفعيل دور الأسرة: تعاني بيوت كثير من المسلمين اليوم من قلة الوقت الذي تقضيه الأسرة مع أولادها، وقد نتج ذلك من خلال عوامل عدة، منها: 1- كثرة غياب الأب عن المنزل، وقلة الوقت الذي يقضيه مع أولاده، وهذا منع لهم من إشباع حاجات فطرية مهمة. 2- انشغال الأم عن رعاية أولادها وترك ذلك للخادمة التي لن يجدوا عندها من الرعاية والاهتمام ما يجدونه عند الأم؛ فيترك ذلك أثره على بنائهم النفسي والاجتماعي(17). 3- طول الوقت الذي تقضيه الأسرة مع وسائل الإعلام -وبخاصة التلفزيون- مما يذهب فائدة كثير من اللقاءات والاجتماعات الأسرية، التي أصبح يسودها الصمت والإنصات لما يبثه التلفزيون، وهذا"ما دفع بعض الكتاب والمفكرين لأن يطلقوا على جهاز التلفزيون صفة (المجمع المفرق) لأنه جمع الناس أجساماً وأبداناً، ولكنه فرَّقهم أفكاراً ووجداناً ومشاعر" (18). 4- حياة الرخاء المادي التي اتسمت بها طائفة من بيوت المسلمين، فأصبح للشاب والفتاة غرفة مستقلة، وأصبح كثير منهم يذهب للمدرسة ويأتي مع السائق، بدلاً من الذهاب مع والده. هذه العوامل وغيرها أدت إلى تقليص الوقت الذي تقضيه الأسرة مع أولادها، مما يقلل من تلقيه لقيم الأسرة التربوية. وأدت أيضاً إلى فقدان الجو الاجتماعي الأسري، وفقدان الرعاية والاهتمام من الوالدين، مما يترك أثره البالغ على الجانب الاجتماعي والنفسي لدى الأولاد. لذا كان لابد من إعادة الاعتبار لدور الأسرة، ولابد للأبوين من مراجعة كثير من أنماط حياتهم الأسرية وتعديلها وفق ما يتيح للأولاد ميداناً يلقون فيه الرعاية والاهتمام، وتسهم الأسرة فيه في غرس القيم التربوية لديهم. 7 - تفريغ الطاقة: يحمل الإنسان طاقة هائلة في نفسه، وهذه الطاقة "طاقة حيوية محايدة تصلح للخير وتصلح للشر، تصلح للبناء وتصلح للهدم، كما يمكن أن تنفق بدداً بلا غاية ولا اتجاه، والإسلام يوجهها الوجهة الصحيحة في سبيل الخير، والمهم كذلك أنه لا يختزنها أكثر مما ينبغي، فالاختزان الطويل بلا غاية عملية مضرة بكيان الإنسان، وكثير جداً من ألوان المرض النفسي التي يتحدث عنها علم النفس التحليلي والأطباء النفسانيون مردها إلى طاقة مختزنة بلا مبرر لم تجد منصرفها الطبيعي، ولم تجد منصرفها الصحيح" (19). وحين نعود إلى تاريخ الأمة نرى أن طاقة الشباب كانت تفرغ في ميادين تسهم في تربيتهم والارتقاء بهم، وهي في الوقت نفسه ميادين منتجة للأمة. ومن ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل، فكان الشباب يسابقون إلى ميادين الجهاد، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم في كل غزوة يستعرض الجيش ليرد من لم يتأهل لذلك. وحين استقرت الدولة الإسلامية رأينا الشباب يتوجهون إلى حلق العلم ويسابقون إليها، ولذا فأنت لا تكاد تفقد في أي كتاب من كتب أدب الطلب الحديث عن السن التي يبدأ فيها السماع والحضور لمجالس العلم؛ إذ كان تسابق الصغار إليها ظاهرة بارزة في تلك المجتمعات. وكان ذلك من أبرز العوامل التي جعلت الشباب آنذاك لا يعانون من المشكلات التي يعاني منها جيل اليوم. ومن ثم لابد من أنشطة وبرامج منتجة تتناسب مع طاقة الشباب الهائلة لتسهم في توجيهها واستثمارها، وفي حمايتهم في الوقت نفسه من الانجراف والتأثر. 8 - ملء الفراغ: لقد عني الإسلام بملء الفراغ، فما من أمر نهى عنه أو حرمه إلا وأوجد البديل، فبدلاً من مجالس الخمر واللهو شرع الاجتماع على الذكر وتعلم كتاب الله، وبدلاً من أعياد الجاهلية شرعت أعياد الإسلام، وبدلاً من سماع الغناء شرع سماع القرآن(20). ومن ذلك ملء الوقت بما ينفع ويفيد، فالشاب حين يعاني من الفراغ في وقته يصيبه الملل والسآمة، ويبحث عما ينفس به، وقد يكون البديل بوابة ومدخلاً للسوء، وكثير من الصداقات مع جلساء السوء انطلقت نتيجة المعاناة من وقت الفراغ، ومن ثم فالأنشطة التي تملأ وقت الفراغ -ولو كانت قليلة الفائدة- لمن لا يحسن الاستفادة من وقته يعتبر أمراً له أهميته ووجاهته. ومن ملء الفراغ ملء الاهتمامات، فكثيراً ما يكون الشاب يعيش اهتمامات غير جادة، ويتعلق باللهو العابث، وربما المحرم، فالأولى في تربية هؤلاء أن يعنى - بدلاً من نهيهم وصرفهم عن ذلك - بغرس الاهتمامات والقضايا الجادة لديهم، فينصرفون تلقائياً عن التعلق باللهو والعبث الفارغ. 9 - غرس الثقة بالنفس: تعتبر الثقة بالنفس جانباً له أهميته في دفع الشاب للعمل والإنتاج، كما أنها ضرورية لتجاوزه كثيراً من المشكلات التي تواجهه، ويتأكد الاعتناء بها في هذا العصر حيث إن مجتمعات المسلمين ومؤسساتهم التربوية تربي على فقد الثقة بالنفس، ومن ثم كان الاعتناء بها من أهم الضرورات التربوية. ومن الوسائل التي تعين على ذلك: 1- تضييق الفجوة بين طموحات الشاب وتطلعاته، وبين قدراته الفعلية، التي ربما أسهم بعض المربين في توسيعها؛ ذلك أن الرغبة الملحة لدى المربي في إعلاء همة من يربيه ورفع طموحه، وكثرة إيراده للنماذج المتميزة في أبواب الخير والبر، تدعو الشاب للتطلع إلى أعلى مما يطيق، وحين لا تتحقق له طموحاته يصيبه الشعور بالفشل والإحباط، وليس ذلك دعوة إلى إهمال الاعتناء بالنماذج والقدوات بل هو أمر ضروري كما سبق في أكثر من موطن، لكن الأمر يحتاج إلى حكمة في كيفية التعامل معها، وكيفية ربط الشاب بها حتى لا تقوده إلى الإحباط والفشل(21). 2- حين يكلف الشاب بأداء عمل ما، ينبغي عدم الإسراف في مطالبته بإتقان العمل(22)، خاصة في الأعمال التي لم يألفها ويعتد عليها بعد، بل ينبغي إقناعه أن معيار النجاح يتدرج وليس مستوى واحداً ينبغي أن يصله مرة واحدة. 3- تجنب نعته بصفات سلبية(23)، وهذا أسلوب يمارسه كثير من الآباء، بل بعض المعلمين للأسف، فقد "يلجأ كثير من الآباء إلى انتقاد أبنائهم والسخرية والاستهزاء بهم ولمزهم ونبزهم بالألقاب، بسبب فشلهم في المواقف الاجتماعية، وتعثرهم في المناسبات، أو بسبب تخوفهم وترددهم وانسحابهم، وهذا الأسلوب لا يعالج المشكلة، بل يزيدها تعقيداً واستفحالاً؛ إذ إنه اتجاه سلبي في المعالجة، لا يعطي البديل ولا المجال ولا المعالم الضرورية لتغيير الحالة والموقف" (24)، ومثله ما يلجأ إليه بعض المعلمين من وصف الطالب بالإهمال والكسل، أو الغباء والبلادة. 4- الحكمة في التعامل مع التجارب الفاشلة؛ فالشاب لابد أن يتعرض في البداية لتجارب يفشل فيها في تحقيق بعض أهدافه، فلا بد للمربي حينئذ من التعامل مع هذه التجارب بحكمة تمكنه من تزويده بالخبرة، بطريقة لا تؤدي لإيجاد الإحباط لديه. 5- عدم المبالغة في التدليل(25)، وسبقت الإشارة إلى ذلك. 6- الثناء المعتدل على التجارب الناجحة؛ فهو يشعره بالقبول من الناس وثقتهم فيه، كما يوقفه على جوانب النجاح لديه؛ إذ إن كثيراً من الناس لا يدرك جوانب النجاح في نفسه، حتى يسمعه إياها الآخرون. 7- تكليفه ببعض المهام والمسؤوليات التي تتناسب مع قدرته، والتدرج في ذلك، وهذا منهج نبوي كان يرعاه النبي صلى الله عليه وسلم مع الشباب من أصحابه، وقد سبق بيان طائفة من ذلك. 8- عدم تدخل الآباء في كل صغيرة وكبيرة كما يصنع بعض الآباء؛ ف"الأولاد الذين ينشؤون في هذا الجو يكبرون متصفين بالتردد وضعف الشخصية، وعدم القدرة على القطع برأي في موقف ما" (26). 10 - تحسين مفهوم الذات: سبقت الإشارة إلى مفهوم الذات عند الحديث عن خصائص المرحلة، وأنه عبارة عن الفكرة التي يحملها الفرد عن نفسه، وأنها تنشأ من ردود أفعال الآخرين تجاه الشخص، قد تكون سلبية وقد تكون إيجابية. ورغم أن مفهوم الذات في حالات كثيرة يخالف الواقع إلا أن الشاب غالباً ما يسلك وفقه(27). ومن الأمثلة التي تواجه الميادين التربوية كثيراً حين يُنظر إلى أحد الشباب على أنه هازل ولا يصلح للأعمال الجادة، أو أنه لا يصلح للمجالات العلمية أو الدعوية...إلخ. فإن هذا يستقر لديه، ويعتقد في نفسه أنه فعلاً لا يصلح لهذه الميادين. وقد تكون العوامل التي أسهمت في تشكيل مفهوم الذات عوامل أسرية ومنزلية، وقد تكون مدرسية، وقد تكون نتيجة البيئة التربوية التي يعيشها، وكثيراً ما تكون مختلطة ومزيجة بين أكثر من مصدر. وحين يكون مفهوم الذات لدى الشاب سلبياً -وهذا يحصل في حالات كثيرة- فعلى المربي الاجتهاد في رفع هذا المفهوم، من خلال السعي إلى تغيير فكرة الشاب عن نفسه، وتوظيف ما يعرفه المربي من تاريخ الشاب وحياته في تغيير هذا المفهوم. أهداف فرعية في البناء النفسي: 1 - إشباع الحاجات النفسية تمثل الحاجات النفسية مطلباً ملحاً للإنسان، وبخاصة في مرحلة الشباب التي هي ميدان حديثنا. وتبدو أهمية تناول الحاجات النفسية من خلال جوانب عدة، منها: 1- أنها تعين المربي على معرفة الشاب وما يتطلع إليه ويسعى له، ومعرفة المربي بمن يربيه أمر له أهميته، ولا أدل على ذلك من اهتمامه صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وتنوع وصاياه لهم كل حسب احتياجاته. 2- أن الحاجات تدفع صاحبها لأن يسعى لتحقيقها، ويسلك وسائل عدة لذلك، ولا يمتنع منها إلا ببديل يرى أنه أولى منها، وحين يمنع منها يترك ذلك أثره عليه. 3- يمكن استثمار كثير من الحاجات في توجيه الشاب لأنشطة مفيدة تسهم في إصلاحه وتوجيهه، كالحاجة إلى الصداقة، والاطلاع، وفهم النفس…ونحو ذلك. لذا صار من المهم أن يتعرف المربي على الحاجات النفسية للشاب في هذه المرحلة، وسوف يسهل عليه بعد ذلك بدرجة كبيرة مراعاتها والسعي لمساعدة الشاب على تحقيقها. ويختلف علماء النفس اختلافاً واسعاً في تصنيف الحاجات النفسية للشباب وترتيبها، ومن أفضل ما قدم في ذلك الدراسة التي أجراها عمر المفدى بتكليف من مكتب التربية العربي لدول الخليج، وشملت عينة الدراسة (1907) موزعة بين الطلاب والطالبات، في المرحلتين المتوسطة والثانوية في عواصم دول الخليج. لذا فإنها تعد مصدراً مهماً للمربين في هذه المنطقة لتعرف الحاجات النفسية للشاب. وخلصت الدراسة إلى تصنيف الحاجات النفسية وفقاً لما يلي: أولا:ً حاجات نفسية مهمة جدَّا للطلاب والطالبات في جميع المراحل: وتتمثل في (رضا الوالدين/ الطمأنينة الروحية/ الصداقة/الإنجاز/ الرغبة في مساعدة الغير/ الرغبة في مساعدة الآخرين/ الأمن وراحة البال/ فهم النفس-عند الطالبات فقط-) ثانياً: حاجات نفسية مهمة للطلاب والطالبات في جميع المراحل: وتتمثل في:(الرعاية من الغير/ فهم الناس/ التغيير والتنويع/ الترفيه عن النفس/ المعرفة والاطلاع/ تنمية المواهب/ الاستقلال الذاتي"عدا طلاب المرحلة المتوسطة فقد كانت متوسطة الأهمية لديهم"/ فهم النفس "عند الطلاب فقط") ثالثاً: حاجات نفسية متوسطة الأهمية لجميع الطلاب والطالبات في جميع المراحل: وتمثلت في حاجة واحدة وهي: الحصول على إعجاب الآخرين(28). فالحاجة إلى رضا الوالدين تجعل الوالد يحرص على إشعار ابنه بالرضا عنه والثقة فيه، وقديماً قيل: رحم الله والداً أعان ولده على بره. أما الحاجة للترفيه، والتغيير والتنويع، والصداقة، وتنمية المواهب، والمعرفة والاطلاع….فهي حاجات يمكن للمربي أن يحققها من خلال البرامج العديدة التي يقدمها للشاب، فتحوي جوانب من الترفيه، وتبتعد عن الرتابة، وتشمل على فرص تبدو فيها القدرات والمواهب، وتمكِّن الشاب من تنميتها. كما ينبغي للأسرة أن تعنى بتحقيق ذلك من خلال البرامج الاجتماعية والرحلات الترويحية، وإتاحة الفرصة ليتهيأ في المنزل ما يعين الشاب على رعاية مواهبه. أما ما يتعلق بفهم النفس فينبغي للمربي أن يُعرِّف الشاب بما يحتاج إليه من طبيعة المرحلة التي يعيشها، ويجيبه على تساؤلاته الملحة حولها، حتى لا يلجأ إلى البحث عن ذلك عند أصدقائه وزملائه الذين قد لا تكون معلوماتهم صحيحة، أو موجهة الوجهة السليمة، وعلى الوالدين والمعلمين الاعتناء بمصارحة الشباب وتعريفهم بطبيعة المرحلة التي يمرون بها. أما ما يتعلق بالحاجة إلى الرغبة في مساعدة الغير ونحوها فينبغي للمربي أن يسعى لتوفير الفرص المناسبة التي تتيح للشاب تحقيق هذه الحاجة، بل توجيهها الوجهة السليمة، من خلال المشاركة في البرامج الاجتماعية، ومساعدة المحتاجين والمعوزين. وتتيح الجمعيات الخيرية، والمبرات الاجتماعية ميداناً مناسباً لذلك، كما ينبغي تعويد الشاب على مساعدة زملائه، وتعرف حاجاتهم، والسعي للتعاون معهم في حلِّها، من خلال ما يطيقه هو، أو يكون فيه وسيطاً بينهم وبين أهل الخير والإحسان. ومما ينبغي للمربي مراعاته في التعامل مع الحاجات النفسية: 1- الاعتدال في التعامل معها والنظرة إليها، حتى لا تؤدي إلى حساسية أو دلال مفرط. 2- أن تأخذ مكانها الطبيعي، وأن يعود على إشباعها بصورة منضبطة ومعتدلة؛ فلا تسيطر عليه وتحكمه ويسعى لإشباعها على حساب الجد في وقته، فنحن نريد شباباً جادين، يعدون لحمل راية الإسلام والذبِّ عنه، لا فئة من الباحثين عن المتعة، الذين تقف اهتماماتهم عند الحياة الدنيا. 3- أن تضبط بضوابط الشرع، فلا يؤتى منها ما يخالفه. 2 - توجيه الانفعالات وضبطها: عرف علماء النفس الانفعالات بتعريفات عدة منها أنه: تغير مفاجئ يشمل الفرد كله نفساً وجسماً(29). ويختلف عن العاطفة بأن العاطفة: استعداد نفسي ينشأ عن تركيز مجموعة من الانفعالات حول موضوع معين، مما يكوِّن لدى الشخص اتجاهاً وجدانياً تجاه هذا الموضوع(30). ومن أبرز الانفعالات التي تبدو في مرحلة المراهقة: الخوف، والقلق، والغضب. ويتميز المراهق بحدة انفعالاته وشدتها، وسرعة استجابته لها، إلا أن هذه الحدة تخف تدريجياً مع تقدم السن وتزايد الخبرة. ولا بد أن تبقى هذه الانفعالات لدى الشاب في هذه المرحلة، ويتمثل دور التربية تجاهها فيما يأتي: 1- فهم منشأ هذه الانفعالات والظروف المحيطة بها أو المغذية لها، سواء في البيت أو في المدرسة أو المجتمع. فالشاب الذي يعيش في أسرة غير مستقرة، أو يعامل من قبل والديه بقسوة وعنف، أو دلال مفرط، يؤثر ذلك على انفعالاته. 2- توجيه هذه الانفعالات التوجيه الحسن، وتعويده على أن يكون الخوف من الله أكثر من الخوف من المخلوقين، وغرس الشجاعة والثقة بالنفس لديه مما يعينه على التغلب على الخوف مما يواجهه، وتقوية التعلق بالدار الآخرة وإعطاء الدنيا منزلتها اللائقة بها حتى يخف القلق لديه تجاه المستقبل الدنيوي. ومثل ذلك الغضب بأن يعوِّد على أن يكون غضبه إذا انتهكت حرمات الله عز وجل، وألا يغضب للأهواء والحظوظ الشخصية. 3- الضبط والاعتدال، فزيادة الخوف والقلق قد تؤدي به إلى وسواس، أو اضطراب نفسي كالاكتئاب مثلاً، وكذا الغضب قد يقوده إلى تصرفات يندم عليها ويجني عاقبتها. وحتى الخوف الشرعي يجب أن يضبط ويعوده المربي على التوازن حتى لا يتحول إلى يأس وقنوط، وهذا يعني الاعتدال في تناول أمور الوعيد، والجمع بين الخوف والرجاء والترغيب والترهيب باعتدال، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم. ومثل ذلك الغضب لله والغيرة على حرماته، فينبغي للمربي أن يغرس لديه الرفق في الإنكار، والأسلوب الحسن، والصبر وطول النفس، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في مواقف كثيرة. ومما ينبغي الاعتناء به تعويده على سلوك المنهج الشرعي في التعامل مع الغضب، وتعويده على الحلم وكظم الغيظ(31). 3 - توجيه العواطف وضبطها: "إن العاطفة مهمة للإنسان في حياته؛ لأنها تدفع الإنسان إلى فعل الأشياء التي يتعاطف معها، وتدفعه إلى ترك الأشياء التي يكرهها بدافع داخلي، بشرط أن تكون العاطفة وراء العقل، وأن يكون العقل قائدها، وإلا ستكون تصرفات الإنسان غير معقولة تسيره العاطفة لا العقل، والعاطفة بدون العقل قد تسوق الإنسان إلى المهالك، وتجعل حياته في شقاء" (32). و"تربية العواطف والسمو بها ذو أهمية كبيرة في حياة المسلم بصفة عامة، والمراهق المسلم بصفة خاصة، ذلك أن العواطف تعمل على تنظيم انفعالات المراهق تنظيماً يؤدي إلى اتزان شخصيته وتكاملها، كما أن تربيتها تحقق للفرد المسلم مستوى أعلى من الصحة النفسية، كما يحقق له مستوى أعلى من التوافق والتكيف الاجتماعي، فالعواطف في جملتها تعمل على توجيه سلوك المراهق وتنظيمه نحو ما يحقق له القدر الأكبر من إشباع دوافعه الفطرية والمكتسبة بصورة يرضى عنها المجتمع المسلم" (33). ويحسن في بداية حديثنا عن توجيه العواطف أن نعرِّف ببعض الجوانب المتعلقة بالعواطف. أنواع العواطف: تقسم العواطف بحسب موضوعها الذي تدور حوله إلى ثلاثة أقسام: 1- عواطف تدور حول موضوعات مادية، مثل عاطفة حب الأم لابنها والأب لأولاده، والقارئ لكتاب معين. 2- عواطف تدور حول موضوعات جمعية كعاطفة المرء نحو عائلته أو حيه أو مدرسته التي تعلم فيها، أو زملائه في الجمعية أو الفصل الدراسي. 3- عواطف تدور حول موضوعات مجردة كعاطفة الميل إلى المثل العليا كالأمانة والصدق والإيثار(34). العاطفة السائدة: العاطفة السائدة - كما يعرِّفها علماء النفس- هي تلك العاطفة التي تكون لدى شخص ما فتسيطر على ما لديه من عواطف أخرى، وتكون مُوجِّهة لسلوكه، فقد تكون العاطفة السائدة لدى شخص ما نحو جمع المال، أو السلطة والشهرة… فتكون بقية العواطف تابعة لهذه العاطفة(35). ومن أهم ما يعين على تحقيق التربية العاطفية السليمة، ما يلي: 1 - غرس محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في نفس الشاب حتى تكون هذه المحبة فوق كل شيء، حينها تكون هي السائدة والسائقة، وما بعدها تبع لها، فلا يحبُّ إلا ما يحبه الله، ولا يرضى إلا بما يرضي الله، ولا يأتي مما تريد نفسه إلا ما يُرضي الله. وهذا المعنى هو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" (36). وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" (37). وتحقيق هذا الهدف يختصر على المربي خطوات كثيرة، ويريحه من مشكلات عدة، فحين تكون محبة الله ورسوله هي السائدة فسوف تُسيِّر بقية عواطف الإنسان. 2 - ملء الفراغ العاطفي، فالنفس لابد أن تتجه بعواطفها هنا أو هناك، ومن ثم فهي ما لم تشغل بالخير ستشغل صاحبها بغيره، ولقد راعى المنهج التربوي الشرعي هذا الجانب، فوجَّه النفس لمحبة الصالحين وذوي القربى وأهل الإحسان، وبغض أهل السوء والفساد، ورحمة من يستحق الرحمة، والإغلاظ على من يستحقه. واعتناء المربي بتحقيق هذه الجوانب لدى من يربيه يوجِّه العاطفة الوجهة السليمة، ولا يبقي فيها مكاناً للتوجه بالعواطف إلى ما يسخط الله عز وجل. 3 - إشباع الحاجة العاطفية، فالإنسان يحتاج إلى أن يجد المشاعر العاطفية الإيجابية تجاهه، ومن ثم فأولئك الذي حُرِموا حنان الوالدين، وعاشوا في أجواء تفتقد لهذا الإشباع، هؤلاء يعانون من مشكلات كثيرة في حياتهم النفسية. لذا على الأب أن يعتني بهذا الجانب، وأن يشعر أولاده بالعطف والحنان، وأن لهم في قلبه منزلة عالية، وله أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحداً فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "من لا يَرحم لا يُرحم" (38). ولو ذهبنا نستقصي ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب لضاق بنا المقام. وينبغي للمعلم كذلك أن يشعر تلامذته بالشفقة والرعاية والحنو باعتدال، دون إفراط أو تفريط. 4 - تنقية النفس من العواطف المنحرفة، وهي تكثر في هذه المرحلة؛ فقد يميل الشاب إلى حبِّ فتاة أجنبية عنه، أو عشق زميل له، ويؤدي به ذلك إلى مخالفات شرعية، وقد كثرت الشكوى من ذلك. ولا سبيل لحل هذه المشكلة إلا بتحقيق ما سبقت الإشارة إليه من محبة الله ورسوله، ومحبة الصالحين المحبة الشرعية كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحبه إلا لله". وقد أفضنا في الحديث عن هذا الأمر في الجانب السلوكي، فليرجع إليه. 4 - الوقاية من الانحرافات والاضطرابات النفسية: كما أن المربي يحتاج إلى أن يعنى بتحقيق الصحة النفسية والاستقرار النفسي لدى الشاب، فهو كذلك بحاجة إلى الوقاية من الاضطرابات والمشكلات النفسية وحسن التعامل معها. وهذا يتطلب من المربي زيادة الوعي بالمشكلات والاضطرابات النفسية والتعرف عليها، والأمر لا يعني كما سبق أن يتحول إلى أخصائي نفسي لكن أن يملك قدراً من الثقافة النفسية التي تتناسب مع مهمته. ومما ينبغي مراعاته في ذلك: 1- تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الطب النفسي، ومنها: 1-1- النظرة السائدة لدى المربين والمتربين التي ترى أن المتدينين لا يصابون بالأمراض والمشكلات النفسية(39). 1-2- النظرة الأخرى التي تفسر المشكلات النفسية بنقص الإيمان والتدين، وهو وإن كان عاملاً مهماً إلا أنه ليس بالضرورة العامل الوحيد، ومثل هذا التفسير له أثره على من يصاب بمرض نفسي، فيشك في إيمانه ويبالغ في اتهام نفسه مما يزيد من معاناته. 1-3- النفرة من الطب النفسي والتخوف من التعامل معه. 2- التعريف بأبرز المشكلات والأمراض النفسية المنتشرة التي يمكن أن يواجه بها الشاب، كالاكتئاب، والوسواس القهري....إلخ 3- حسن التعامل مع الشباب والاستماع لهمومهم ومشكلاتهم والسعي لمساعدتهم بالرأي والتوجيه، مما يجعل المربي قريباً منهم يستشيرونه في مشكلاتهم وهمومهم. 4- اجتناب التعامل الخاطئ مع المشكلات النفسية الذي يزيدها تعقيداً، ومن أبرز ذلك التعامل القاسي والتأنيب لمن يصاب بالوسواس، وهي حالة تحدث في مواقف كثيرة، والبعد عن لوم المصاب بهذا المرض وكثرة تحديثه عن تلاعب الشيطان به. 5 - تهذيب الدوافع وإشباعها بالطرق المشروعة: تعرف الدوافع بتعريفات عدة، منها أنها:"حاجة ناقصة تتطلب الإشباع، ويظل الفرد متوتراً حتى تشبع هذه الحاجة بدرجة معينة.."(40). ويقسم بعض علماء النفس الدوافع إلى ثلاثة أقسام: الأول: الدوافع العضوية، وتشمل حاجات الجسد كالنوم والطعام والشراب. الثاني: الدوافع الدنيوية وتشمل الحاجات المادية والنفسية غير المباشرة كالتملك والانتماء والاستطلاع. الثالث: الدوافع الأخروية مثل العبادة والحاجة الإيمانية(41). ومما ينبغي مراعاته هنا تلافي الاصطدام بالدوافع العضوية، ومن صور ذلك: 1- عدم حرمانه من النوم حين يحتاج إليه، وترك مطالبته بأداء واجبات وأعمال مادام يعاني من الرغبة في النوم، ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة النافلة حين يكون المرء مدافعاً للنوم، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: "ما هذا الحبل؟" قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، حلُّوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد" (42). وترك النبي صلى الله عليه وسلم وقت الصلاة الفاضل مراعاة لهذا الأمر، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال:مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك، فقال حين خرج: "إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة" ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى(43). 2- ألا يُمنع من الذهاب لقضاء الحاجة حين يكون محتاجاً لذلك، ويخطئ بعض المعلمين حين لا يأذن للطالب في هذه الحالة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذه الحالة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان"(44)(45). أما الدوافع الدنيوية فتحتاج إلى التعرف عليها وكيفية إشباعها وتهذيبها بالطرق السليمة، أما الأخروية فيجب أن تتجه العملية التربوية كلها لتحقيقها؛ إذ لا نجاة بدونها. 6 - تحقيق الحب في الله والبغض فيه: الحب عاطفة قلما يخلو منها إنسان، ومن ثم فلابد من أن تصرف في المصرف الشرعي، فهو يلبي هذه الحاجة في النفس، ويحقق فيها هذا الأمر القلبي المهم، ويصرفها عن أن تصرف في ميدان قد ي*** عليها الوبال في الدنيا والآخرة. والحب في الله تبارك وتعالى ليس أدباً من الآداب فحسب - كما يتصور بعض الناس- بل هو أمر مرتبط بالإيمان، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم شرطاً في إدراك حلاوة الإيمان ولذته، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" (46). وهو مع ذلك يحقق آثاراً ونتائج مهمة منها: أنه يربط الشاب بالصالحين، فحين يشعر أنه يتعبد بحبهم لله عز وجل تقوى صلته معهم وتزداد، ويحرص على معاشرتهم ولقائهم، وتحميه في المقابل من معاشرة أهل السوء والفساد. ومنها أنها تمثل ميداناً تصرف فيه الطاقة العاطفية، حتى لا تتحول إلى العشق والغرام، والتعلق بالجنس الآخر. ومنها أنها تترك أثرها في سلوك الشخص؛ فمحبته للصالحين تدعوه للاقتداء والتأسي بهم. ومن الوسائل المعينة على تحقيق الحب في الله والبغض في الله: 1- التعريف بفضائل الأخوة في الله والحب فيه، وما أعدَّه الله للمتحابين فيه في الدنيا والآخرة(47). 2- ربط الشاب بالقدوات الصالحة من سلف الأمة وتعريفه بهم، والاعتناء بدراسة سيرهم. 3- ربط الشاب بالقدوات المعاصرة، والصحبة الصالحة وتعريفه بهم، وترتيب البرامج والأنشطة المشتركة معهم، وسبق الحديث عن هذا الجانب وأهميته. كما ينبغي الاعتناء بتأصيل معنى الحب في الله، وأن المقصود المحبة التي من أجل الله عز وجل، والحذر من التعلق بالأشخاص لاعتبارات عاطفية، فهو يقود إلى نتائج سيئة. 7 - تقوية الإرادة: تمثل الإرادة عاملاً مهماً في شخصية الإنسان، بل هي ترتبط بالهداية والضلال، فالضلال إما أن يكون لشبهة لبست على صاحبها الحق بالباطل، أو شهوة ضعفت إرادته عن مقاومتها. لذا عقد ابن القيم رحمه الله باباً في كتابه إغاثة اللهفان بعنوان: أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مدركاً للحق، مريداً له، مؤثراً له على غيره. وكثير من حالات الحَوْر بعد الكَوْر لدى الشباب اليوم تنتج من ضعف الإرادة. ومن الأمور التي تعين على تقوية الإرادة: 1 - التعويد؛ فالسلوك لا يمكن أن يتحقق بمجرد قرار يتخذه الفرد في نفسه، ولا يمكن أن نغرسه في نفوس أبنائنا بمجرد توجيه أو أمر نصدره إليهم. فلا بد من تعويد وتدريب للنفس، حتى يصبح هذا السلوك سلوكاً طبيعياً للنفس تؤديه بتلقائية. وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن من يتخلق بالخلق الحسن يعينه الله فيتحقق لديه هذا الخلق. عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - إن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده فقال: "ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر"(48). ومن الأمور المهمة في ذلك التعويد على ضبط العواطف والانفعالات، وعدم الاستجابة المطلقة لها. 2 - تنمية القدرة على الحسم؛ فالتردد يمثل عائقاً مهماً من العوائق التي تحول بين الإنسان والسلوك الذي يريد؛ لذا فالذين يعتادون حسم الأمور واتخاذ القرار يجتازون عقبات يقف دونها غيرهم، ومن ثم فتعويد الشاب على اتخاذ القرار الواضح في حياته، والالتزام بما يتخذه مما يقوي إرادته. 3 - غرس الثقة في النفس؛ فنظرة الإنسان لنفسه تمثل عاملاً مهماً في حفزه على العمل ورفع همته إليه، ومن ثم كان للثقة بالنفس أثرها الفعال في قوة الإرادة، فالواثق بنفسه هو الذي يتطلع للنجاح ويتجه للعمل، خلافاً للمحبط واليائس، وسبق الحديث عن الثقة بالنفس. 4- إشعاره بالإنجاز؛ فالمواقف المتنوعة التي تمرُّ على الفرد في حياته تمثل ميداناً مهماً يقيس من خلاله نفسه ويختبرها، وتلقي بظلالها على حياته ومواقفه بعد ذلك. فالنجاح الذي يحققه يدفعه لمزيد من النجاح، ويرفع مستوى تطلعه وطموحه، ويزيده رصيداً من الثقة بإمكاناته وقدراته. وفي المقابل فالفشل يقوده إلى مواقف أخرى من الفشل، ويشعره بالإحباط وعدم الثقة بالنفس. ومن ثم فإشعاره بجوانب من النجاح في حياته، والتعامل مع الخطأ بحكْمة مما يعزز ثقته بنفسه ويقوي إرادته. 5- الاعتدال في توجيه الخطأ؛ ذلك أن وقوع المرء في الخطأ، أو إشعاره من قبل الآخرين بذلك قد يولِّد لديه إحباطاً وشعوراً بالفشل واليأس من إصلاحه، فينتج عن ذلك أثر عكسي. ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وجد ذلك الهدي القويم في التعامل مع الخطأ، فهو يعتني صلى الله عليه وسلم ببيان الخطأ لمن يقع فيه حين يقتضي الموقف البيان، لكنه لا يتحول إلى نظرة ثابتة ترسخ الشعور بالفشل والإحباط لدى الواقع في الخطأ، أو تؤدي به إلى الشعور بأن هذا الخطأ أصبح أمراً ملازماً له لا يفارقه. ومن الشواهد على ذلك قصة أسامة - رضي الله عنه - حيث يرويها بنفسه فيقول: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكفَّ الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أسامة، أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ " قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم(49). وبعد هذه الواقعة أمَّره صلى الله عليه وسلم على جيش أكبر من ذلك، ألا وهو الجيش الذي سيغزو الروم. 6- الاعتناء بالعبادات الشرعية فهي تترك أثرها في النفوس، وتمدها بالزاد الذي يعينها على السير في الحياة بالطريقة الصحيحة.

تم بحمد الله

-----------------

الحاشية:

(1) علم النفس النبوي، قاسم هشام صباح، مؤسسة الرسالة. 144-145. (2) رواه البخاري (6369) ومسلم (2706). (3) الصحة النفسية: دراسة في سيكولوجية التكيف. نعمي الرفاعي ص23. نقلاً عن الأحمد ص37. (4) الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب. عمر التومي 528. (5) رواه مسلم (2807). (6) رواه الترمذي (2465) وابن ماجه (4105). (7) رواه مسلم (2957). (8) رواه البخاري (2587) ومسلم (1623). (9) رواه أحمد وحسنه أحمد شاكر. (10) رواه البخاري (1825) ومسلم (1193). (11) رواه البخاري (6463) ومسلم (2816). (12) رواه أبو داود (1369). (13) رواه البخاري (6139). (14) رواه البخاري (2234) ومسلم (1703). (15) رواه البخاري (6777). (16) انظر: أصول علم النفس. أحمد عزت راجح ص 607-608. (17) انظر: علم النفس الدعوي ص87. وانظر أيضاَ: المؤثرات السلبية في تربية الطفل المسلم وطرق علاجها لعائشة جلال (230-239) وخطر المربيات غير المسلمات على الطفل المسلم لخالد الشنتوت. (18) الطفل المسلم بين منافع التلفزيون ومضاره. محمد عبد العليم مرسي. مكتبة العبيكان. 1418ه. ص137. وانظر أيضاً: ولدك والتلفزيون لعدنان الطرشة. (19) منهج التربية الإسلامية (1/251). (20) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، وإغاثة اللهفان، ومنهج التربية الإسلامية (1/254). (21) انظر مجلة البيان العدد (157) مقال بعنوان: بعض مايروى عن السلف يؤدي إلى الإحباط. (22) التربية النفسية للطفل. عكاشة الطالبي. (88). (23) التربية النفسية للطفل. عكاشة الطالبي. (41). (24) المراهقون للنغيمشي (54). (25)التربية النفسية للطفل. عكاشة الطالبي. (41). (26) أسس الصحة النفسية. عبدالعزيز القوصي. ص 176-177. (27) انظر علم نفس المراحل العمرية. عمر المفدى ص 322. (28) انظر: الحاجات النفسية للشباب ودور التربية في تلبيتها. عمر المفدى. مكتب التربية العربي لدول الخليج. وللاستزادة: إشباع الحاجات النفسية وعلاقته بالتدين. خالد السعدي. رسالة ماجستير غير منشورة. جامعة الإمام. (29) المدخل إلى علم النفس لعبد الله موسى، نقلاً عن: تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس للزعبلاوي.ص 275. (30) انظر: علم النفس أصوله وتطبيقاته التربوية. مصطفى فهمي. ص 141. (31) انظر في ذلك: إحياء علوم الدين، الفكر التربوي عند ابن القيم، تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس، لا تغضب لزاهر الشهري. (32) البيت السعيد في ضوء الإسلام ص 149. (33) تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس. محمد السيد الزعبلاوي. ص 307. (34) انظر: علم النفس أصوله وتطبيقاته التربوية. مصطفى فهمي. مكتبة الخانجي ص 146. (35) المصدر السابق. ص 151. (36) رواه البخاري (16) ومسلم (43). (37) رواه البخاري (15) ومسلم (44). (38) رواه البخاري (5997) ومسلم (2318). (39) انظر: مفاهيم خاطئة حول الطب النفسي. محمد الصغير. (40) مقدمة في الإدارة. علي عبدالوهاب. نقلاً عن علم النفس الدعوي ص 67. (41) علم النفس الدعوي. عبدالعزيز النغيمشي ص72. (42) رواه البخاري (1150) ومسلم (784). (43) رواه البخاري (571) ومسلم (639). (44) رواه مسلم (560). (45) انظر: علم النفس الدعوي. (46) رواه البخاري (16) ومسلم (43). (47) من المراجع المهمة في ذلك: جامع الأصول. كتاب الصحبة/ الحب في الله وحقوق الأخوة لأحمد فريد. (48) رواه البخاري (1469) ومسلم (1053). (49) رواه البخاري (4269) ومسلم (96).

-----------------

المصادر والمراجع

1- إحياء علوم الدين.أبو حامد الغزالي. دار الحديث: القاهرة. 1412ه 2- إدارة الوقت. نادر أبو شيخه. دار مجدلاوي: عمان. 1991م 3- أسس الصحة النفسية. عبد العزيز القوصي. مكتبة النهضة المصرية: القاهرة. 4- الأسس النفسية والاجتماعية لرعاية الشباب. عمر التومي الشيباني. الدار العربية للكتاب: طرابلس. ليبيا. 1987م 5- الأسماء والصفات في معتقد أهل السنة والجماعة. عمر الأشقر. دار النفائس: عمان. 1413ه. 6- إشباع الحاجات النفسية وعلاقته بالتدين. خالد السعدي. رسالة ماجستير غير منشورة. جامعة الإمام. 7- أصحاب الأخدود. ياسر برهامي 8- أصول التربية الإسلامية. أمين أبو لاوي. توزيع دار ابن الجوزي. 1419ه 9- أصول علم النفس. أحمد عزت راجح. بدون ناشر أو تاريخ نشر. 10- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. محمد الأمين الشنقيطي. 1403ه 11- إعلام الموقعين عن رب العالمين. ابن قيم الجوزية. تحقيق وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد. 12- إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان. ابن قيم الجوزية. المكتب الإسلامي: بيروت 1409ه. 13- التربية الروحية والاجتماعية في الإسلام. أكرم العمري. مركز الدراسات والإعلام دار أشبيليا:الرياض.1417ه 14- الأهداف التربوية السلوكية عند شيخ الإسلام ابن تيمية. مكتبة المنارة: مكة. 1408ه 15- أهداف التربية الإسلامية وغاياتها. مقداد يالجن. دار الهدى: الرياض. 1409ه 16- أهداف التربية الإسلامية. علي خليل أبو العينين. مكتبة إبراهيم حلبي:المدينة 1408ه 17- أهداف التربية الإسلامية. ماجد عرسان الكيلاني. مؤسسة الريان: بيروت. 1419ه 18- أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة. يوسف القرضاوي. مؤسسة الرسالة: بيروت. 1412ه. 19- الأهداف السلوكية. مهدي محمود سالم مكتبة العبيكان. 1418ه. 20- الإيمان. أبو عبيد القاسم بن سلاَّم. المكتب الإسلامي: بيروت. 1403ه 21- الابتلاء والمحن في الدعوات. محمد أبو فارس. 22- الاحتياجات الفردية وإتقان التعلم. نادية عبد العظيم محمد. دار المريخ: الرياض. 1411ه 23- الاعتصام. أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي. المكتبة التجارية: مكة المكرمة. 24- الإيمان. أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة. المكتب الإسلامي: بيروت. 1403ه 25- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم. شيخ الإسلام ابن تيمية. تحقيق ناصر بن عبدالكريم العقل. 1404ه. 26- البحث العلمي مفهومه أدواته وأساليبه. ذوقان عبيدات وآخرون. دار الفكر: عمان. 1992م. 27- بدائع الفوائد. ابن القيم الجوزية، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض. بدون تاريخ. 28- بناء البيت السعيد في ضوء الإسلام. مقداد يالجن. دار المريخ. 1408ه. 29- التخطيط والمتابعة بين النظرية والممارسة. طلال الغرياني. بدون ناشر. 1412ه. 30- تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم. ابن جماعة. رمادي للنشر. 1415ه. 31- تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس. محمد السيد الزعبلاوي. مكتبة التوبة. 1414ه. 32- التربية النفسية للطفل. عكاشة عبد المنان الطالبي. دار الجيل: بيروت. 1419ه. 33- التربية الوقائية في الإسلام ومدى استفادة المدرسة الثانوية منها. خليل الحدري. جامعة أم القرى: مكة 1418ه. 34- الترويح التربوي. خالد العودة. دار المسلم: الرياض. 1414ه. 35- تفسير القرآن العظيم. ابن كثير. ت حسين زهران. دار الكتب العلمية. ط1. 1406ه. 36- التفكير العلمي لدى طلاب التعليم العام في المملكة العربية السعودية. محمد شحات الخطيب وآخرون. مكتبة العبيكان: الرياض. 1418ه. 37- التفكير العلمي. فؤاد زكريا. ذات السلاسل: الكويت. 1989م. 38- تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن. عبدالرحمن بن ناصر السعدي. 39- جامع الأصول من أحاديث الرسول. ابن الأثير. ت عبد القادر الأرناؤوط. دار الفكر. ط2. 1403ه. 40- جامع بيان العلم وفضله. الخطيب البغدادي. دار الكتب العلمية. 41- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. ت محمود الطحان. مكتبة المعارف. 1403ه. 42- الحاجات النفسية للشباب ودور التربية في تلبيتها. عمر المفدى. مكتب التربية العربي لدول الخليج: الرياض. 1414ه. 43- الحب في الله وحقوق الأخوة. أحمد فريد. 44- حتى يغيروا ما بأنفسهم. جودت سعيد. مطبعة زيد بن ثابت. 1404ه. 45- حكم التمثيل في الدعوة إلى الله. عبدالله بن محمد آل هادي. 1410ه. 46- خطر المربيات غير المسلمات على الطفل المسلم. خالد الشنتوت. بدون ناشر. 1412ه. 47- دور الأسرة في تربية أولادها في مرحلة البلوغ. عبد الرحمن الغامدي. دار الخريجي للنشر والتوزيع:الرياض. 1418ه. 48- سبيل الدعوة الإسلامية. محمد أمين المصري. دار الأرقم: الكويت. 1400ه 49- سلسلة الأحاديث الصحيحة. محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي: عمان. 1404ه 50- سنن أبي داود. ت كمال الحوت. دار الجنان. ط1. 1409ه. 51- سنن ابن ماجه. ت محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر. 52- سنن الترمذي. ت أحمد شاكر. دار إحياء التراث العربي. 53- سنن الدارمي. ت مصطفى البغا. دار القلم. ط1. 1412ه. 54- سنن النسائي. ت عبد الفتاح أبو غدة. مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب. ط.1406ه. 55- سيكولوجية المراهق المسلم المعاصر. عبد الرحمن العيسوي. دار الوثائق. 1407ه. 56- شعب الإيمان. أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي. دار الكتب العلمية: بيروت. 1410ه 57- صحيح الجامع الصغير وزيادته. محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي: بيروت. 1406ه. 58- صحيح سنن أبي داود. محمد ناصر الدين الألباني. مكتب التربية العربي. ط1. 1409ه. 59- صحيح سنن ابن ماجه. محمد ناصر الدين الألباني. مكتب التربية العربي. ط2. 1408ه. 60- صحيح سنن الترمذي. محمد ناصر الدين الألباني. مكتب التربية العربي. ط1. 1408ه. 61- صحيح سنن النسائي. محمد ناصر الدين الألباني. مكتب التربية العربي. ط1. 1409ه. 62- صحيح مسلم بشرح النووي. مراجعة خليل الميس. مكتبة المعارف. ط1. 1410ه. 63- الطفل المسلم بين منافع التلفزيون ومضاره.محمد عبد العليم مرسي.مكتبة العبيكان.1418ه. 64- عدة الصابرين. ابن قيم الجوزية. دار الكتب العلمية: بيروت. 65- علم النفس أصوله وتطبيقاته التربوية. مصطفى فهمي. مكتبة الخانجي: القاهرة. 1396ه 66- علم النفس الدعوي. عبدالعزيز النغيمشي. دار المسلم:الرياض. 1415ه 67- علم النفس النبوي. قاسم هشام صباح. مؤسسة الرسالة: بيروت. 1415ه 68- علم نفس المراحل العمرية. عمر المفدى 69- علم نفس النمو. حامد عبدالسلام زهران. عالم الكتب: القاهرة. 1999م. 70- العلم يدعو إلى الإيمان. 71- غريزة أم تقدير إلهي. شوقي أبي خليل. 72- الغضب. عبدالعزيز بن محمد النغيمشي. دار المسلم: الرياض. 1415ه. 73- فتاوى شيخ الإسلام عز الدين بن عبدالسلام. مؤسسة الرسالة: بيروت. 1416ه. 74- فتح الباري شرح صحيح البخاري. ابن حجر العسقلاني. دار الكتب العلمية. 1410ه. 75- فصول في التفكير الموضوعي. عبدالكريم بكار. 76- الفكر التربوي عند ابن القيم. حسين الحجاجي. دار حافظ: جدة. 1408ه 77- قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية. مصطفى بن كرامة الله مخدوم. دار أشبيليا: الرياض. 1420ه. 78- قيمة الزمن عند العلماء.عبد الفتاح أبو غدة.مكتبة المطبوعات الإسلامية:حلب.1410ه. 79- لاتغضب. زاهر الشهري. دار الشريف: الرياض. 1415ه. 80- لسان العرب. ابن منظور. دار صادر. 81- اللقاء الشهري مع فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين. عبد الله بن محمد الطيار. دار الوطن: الرياض. 1415ه. 82- المؤثرات السلبية في تربية الطفل المسلم وطرق علاجها.عائشة جلال.دار المجتمع. 1412ه. 83- مجلة البيان. المنتدى الإسلامي. لندن. 84- مجلة المشكاة. تصدر عن مركز المشكاة للاستشارات الإعلامية والاجتماعية. الكويت. 85- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. الهيثمي. دار الكتاب العربي. 86- مجموع الفتاوى. شيخ الإسلام ابن تيمية. جمع عبد الرحمن بن قاسم. 1389ه. 87- المجموع شرح المهذب. النووي. دار الفكر. 88- محاضرات في سيكيولوجية النمو. جامعة الزقازيق. 89- المحجة في سير الدلجة.الحافظ ابن رجب الحنبلي. دار البشائر الإسلامية: بيروت. 1404ه. 90- المحدث الفاصل بين الراوي والواعي. الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي. ت محمد عجاج الخطيب. ط3. 1404ه. 91- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.ابن قيم الجوزية.دار الحديث: القاهرة. 92- المراهق. نوري الحافظ. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 1990م. 93- المراهقون. عبدالعزيز النغيمشي. مطابع دار طيبة. 1411ه. 94- مسند الإمام أحمد. الإمام أحمد بن حنبل الشيباني. ترقيم محمد عبدالسلام الشافي. دار الكتب العلمية. ط1. 1413ه. 95- المصنف. ابن أبي شيبة. 96- معارج القبول. حافظ بن أحمد الحكمي. دار ابن القيم: الدمام. 1410ه. 97- معالم في الطريق. سيد قطب. دار الشروق. 98- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث الشريف. مطبعة بريل بمدينة ليدن. 1967م. 99- معجم المناهي اللفظية. بكر أبو زيد. دار العاصمة: الرياض. 1417ه. 100- معجم مقاييس اللغة. ابن فارس. دار الفكر. 101- مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي. طارق ******. دار المسلم: الرياض. 1419ه. 102- مفتاح دار السعادة. ابن قيم الجوزية. 103- مقدمة ابن خلدون. عبدالرحمن بن محمد بن خلدون. دار إحياء التراث العربي:بيروت. 1408ه. 104- من أجل انطلاقة حضارية شاملة. عبدالكريم بكار. 105- مناقب عمر 106- مناهج الجدل في القرآن الكريم. زاهر عواض الألمعي. 107- المنهاج النبوي في دعوة الشباب. سليمان بن قاسم العيد. دار العاصمة. ط1. 1415ه. 108- منهج التربية الإسلامية. محمد قطب. دار الشروق. ط8. 1408ه. 109- منهج السنة النبوية في تربية الإنسان. بدير محمد بدير مكتبة الدعوة الإسلامية بالمنصورة. الطبعة الثانية. 1413ه 110- منهج كتابة التاريخ الإسلامي. محمد صامل السلمي. 111- مهمات المناهج الدراسية في بناء المجتمع المسلم. محمود شوق. 112- الموافقات.أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي.دار الكتب العلمية:بيروت. 1411ه. 113- النحلة تسبح الله. محمد حسن الحمصي. 114- النمو في مرحلة المراهقة. محمد عماد الدين إسماعيل. دار القلم. 1402ه. 115- الوعي التربوي. جورج شهلا وآخرون. 116- ولدك والتلفزيون. عدنان الطرشة. دار الكتاب والسنة. 1418ه. 117- الطريق إلى الصحة النفسية عند ابن قيم الجوزية وعلم النفس. عبدالعزيز الأحمد. دار الفضيلة: الرياض. 1420ه.

المصدر: riyadhedu.gov.sa/alan/fntok/islam/index.htm


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 09:15 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59