ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   الملتقى العام (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=16)
-   -   من ذكريات تجربة انتهت (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=55994)

صابرة 01-07-2019 05:32 PM

من ذكريات تجربة انتهت
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
-الـدُكـتورة :
كــفـاح أبو هـَنّود

سبعَ سنينَ ؛ وأنا أتلاشَى في الوحدة ..
أشياءَ كثيرة كانت تلتمعُ في عقلي ؛ وتُؤلمني بشدّة ..
رتمٌ مِن رتابة القَهر والأسى ؛ يتّسع ولا يتوقّف كل يوم !

أُقاوم الهَشاشة ؛ فتشدّني إلى دوّامتها .. وأَغرقُ كل يوم !

أُخرِج نفْسي ..
فأجدها مُبتلةً بكلِ هذا التَعب !

كانت الناسُ شحيحةً بالحُب ، وكان المكان سَخيّاً بكل مايؤذي الروح ..
كان المَكان فائضاً ؛ بكل أسباب الوحدة والوحَشة !

في كل ليلةٍ ..
أضعُ رأسي على المخَدّة ؛ كنت أتفقّد ما تشوَّه من قلبي !

نعم ..
كانَ قلبي دوماً ؛ هو رِهاني في مَعركة الحياة ، وكانت هذه المَدينة البائسة ؛ تتَسلل إليه بالهَزيمة كُل ليلة !

حاولتُ أن أتوَهّج كثيراً ؛ ولكنّي فَشِلتُ ..
فالمكان مُهَيءٌ للإنطفاء !

كل الطُرق المُؤدية للنَّجاة ؛ كانت تضيع فَجأة .. كأنّ يداً تحمي الصَخرة من الإَنفراج !

و َوراءها ؛ كان يقتلني الحَنين لأشياءَ كثيرة ..
للحُرية ، وللحُـب ، وللإنسانية ، وللتَسامح ، وللفـِكر الحـُرّ ، وللفَـرح !

كم هو مؤلمٌ ؛ أنْ تقبع في الذّكريات .. ويصبح الصمت الطويل ؛ هو نَجاتك !

تلك المسرّات الصغيرة ؛ فَقدتُها دفعةً واحدة ..
وفَقدتُ دَهشة الحياة ..
وابْتَلعَ صوت النّشاز كُل عالَمي !

وَطوال الوقت ..
لم أجد أحداً يتّسع لهذه الكثرة من الألم ، وصِرت أُصلّي لله ؛ أن يدَع يدي تَلمس الحياةَ ثانية !

حاولتُ الخَلاص عبر البُكاء ..
ثمّ جفّت الدُموع بَغتة ؛ مثل غَيمة انهمرتْ بغزارةٍ ثم فقدَتْ كل ماءها !

كُنت على استعدادٍ ؛ لمقايضة أَولويات كثيرة بفرصةِ نجاةٍ واحدة !

يـاه ..
كيفَ تعيد الأقدار تَرتيب أولوياتنا .. ؟ .. لكن المَنفى كانَ يتناهى في الإتّساع ..
ولاشيء ينجو في المنَافي !

أذْكُر أنّي قرأتُ عبارة :
( إنّك لن تفهم أبدا ؛ أنْ يفعلَ المرء كل مابوسعه دونَ جدوى ) ..
كمْ كان مُفزعاً ؛ أن لا يفهم سواي ذلك ..
وكم كان مفزعاً ؛ أن أعترفَ بأنّي كنت أبحث عن شخص أتقاسم معه الخَسارة ..
شخصٌ يُخَفف عنّي ثِقَل العَتمة !

في كل عامٍ ..
كانت تكبُر الفَجوة بيني وبينَ المكان !

كم هو مُروّع ..
أنَ تعيش على حافّة الهاوية طوال الوقت !

وكم هو مُروّع ..
أن تعرف عُمق الخَيبة في المكان !

لقدْ قضيتُ تلك السَنوات ..
وأنا أخافُ على صوتي أن يَتوارى !

ذاتَ يومٍ ..
قُلت للبحر أنّي أعرف مَذاق الألم جيداً ..
كانت تلك لحظة حَزينة .. أنْ تتوسّل لكل شيءٍ ؛ كي يتوقّف الجَزر !

يتَهادى الليلُ في سَيره ؛ ولا ينتهي ..
وكلّما أقصيتُ القلق َ؛ وجدْتّه فجأةً في انتظاري !

حاولتُ في تجربةِ النجاة ؛ أن أنتمي لِنَفسي كيْ أشعر بالأمان .. ثُـمَ اكتشفتُ ؛ أنّي أحكمتُ جيداً باب الزّنزانة على نَفْسي ..
وتكدّس الكلام في عُمقي !

هل كنتُ في مأمنٍ من كل هذا الألم ، وكنتُ ساذجةً إلى حدٍّ ظَننتُ ؛ أنّ بمقدورِ المَرء أن يبقى سعيدا ؟!

كيفَ وُلد هذا المُنعطف في حياتي .. ولماذا ؟

هل كنتُ بحاجةٍ ؛ إلى أن أنجو من تَرفي ؟!
هل كانت تلك العُزلة ؛ زنزانةَ المواجهة مع الحَقيقة ..
مع الجُزء الذي لا أعرفه عن الحَياة ؟!

كان مَشهد حياتي ناقصاً ..
وكانت تَجربة الألم ؛ قِطعَ الِّليجو التي اكتملَ بها الوعي !

كيف صَمت الضَحك ..
كيف توَقّفت الطمأنينة ..
وكيفَ ثار كل هذا التَعب في عُمري !

كنت أشعرُ بكل الوحدة عَميقة في دَمي ..
وصارت تُفزعني الَحياة !

مفرداتٌ ؛ مثل القَسوة ، الخَوف ، الأَلم ، الفَقد ، التَعب ، الإنتظار المُمِل ، التَناقضات ، الرَغبة في الصّراخ ، القَيد ؛ الذي ظلَ عالقاً في روحي ..
كُلها لم اخترْ منها شيئاً ..
لكنّها اختارتني بعناية !

كيف للإنسان ؛ أن يَفقد مبرر وُجوده .. ثم يَستمر !

كيف له يتقبَل الخَواء الغامر ؛ ويَصمت عن كُل الكلمات التي لأجلها كانَ يعيش !

كيف لهُ ؛ أن يَظل قَلِقا !
كيف لأُغنياته أن تُصبح كُلها ؛ حزينة !
كيف له ؛ أنْ يسمع صوت انطفاءِ الّلهفة فيه !
كيف يحدثُ ذلك .. ولماذا ؟

رُبما نحنُ نُدرك حين نسمع صوت السّجن وهو يُفتح ؛ أنَ مدرسة الألم هي التي نتَوهّج بعدها ؟ وَنُشرق بما صَمد فينا !

نحنُ في المدى المأهول بالنِّعَم ، وصوت الجَمال لا نزهر !

رُبما تشعّ ألواننا ..
لكنّها مثل قَوس قُزَح ؛ سُرعان ما يَغيب !

فقطْ ..
في المُعاناة ؛ نحنُ نَتجذّر للأَبد !

(من ذكريات تجربة انتهت ولله الحمد)

:1:


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:11 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59