ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   أخبار ومختارات أدبية (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   عن رواية ساق البامبو لسعود السنعوسي (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=37711)

Eng.Jordan 06-23-2016 02:44 PM

عن رواية ساق البامبو لسعود السنعوسي
 
أيمن العتوم


غيمةٌ ماطرة ٌتستحضرُها أرضٌ بِكرٌ
https://i.gr-assets.com/images/S/pho...540_SY540_.jpg
تقدِمة:
كما لو كنتَ مُهيّأً لدمعةٍ قادِمة بفعل شوقٍ داخليّ وحنين جارف. وكما لو كان القلب ليس في مدى اختلاله مُلكًا لك فيهتزّ مثل جناح عصفورٍ في ليلةٍ شتويّة قارسة. وكما لو كان الوجع حاضرًا في كلّ حينٍ، ومرتسمًا في ثنايا كلّ عبارة، ومختبئًا تحت رفّة كلّ حرف. وكما لو كنتَ مستعدًّا لأن تتخلّى عنك لتتشكّل بوجوهٍ عدّة، وأرواحٍ متعدّدة، وهيئاتٍ مُتباينة. وكما لو كنتَ غيمةً ماطرة تستحضرها أرضٌ بِكرٌ مُجدِبة فيحدث التّلاقي الّذي يُعيد الحياة إلى الأرض بفِعل الكرم الفِطريّ في الغيمة... مثل هذا كلّه هو ما يحدث لِمَنْ يقرأ رواية الكويتيّ: (سعود السنعوسيّ) البديعة: (ساق البامبو).

مُلخّص:
الرّواية تتحدّث عن شخصيّة بطلها: (هوزيه) أو (خوسيه) أو (عيسى) الّذي يُولَد في الكويت لأبٍ كويتيّ هو (راشد)، وأمّ فلبّينيّة هي (جوزافين) كانت تعمل خادمةً في بيتِ أهل زوجها، تنشأ بينهما علاقة المُستمِع بالمتُحدّث، تُصغي المرأة ويبوح الرّجل بما لم يتمكّن ربّما من البوح به حتّى لأقرب النّاس إليه: (أمّه)، فتنشأ بينهما علاقة حُبّ صامتة، تتُوّج بزواجٍ عرفيّ، ينتج عنه إنجابٌ لم يكن في الحُسبان لولا تلك اللّحظة العابرة في مركبٍ قديم بعُرض البحر يقضي فوقه الأبوان الليلة الّتي ستشهد على ولادة شخصيّة البطل (عيسى).
يُخفي الأب (راشد) عن أمّه (غنيمة) خبر زواجه العرفيّ بــ (جوزافين)، ولكنّ الأمّ تعرف أنّ الخادِمة حاملٌ من انتفاخ بطنها، تُباغِتها بالسّؤال مُقرّرة سلفًا أنّ الخادمة قد مارست الفاحشة مع واحدٍ من الخدم، يتدخلّ (راشد) في لحظةٍ فارقة فيعترف أنّ الجنين الّذي في بطن (جوزافين) عائدٌ له، تُنكر الأمّ (غنيمة) بفعل الصّدمة... الإنكار يستمرّ لسنواتٍ وربّما لا ينتهي حتّى ولو انتهت الرّواية... تُنجِب (جوازفين) ابنها (عيسى)، ثمّ تحدث المصادمات بين الابن (راشد) وأمّه، وينتهي الأمر بحجز تذكرة طائرة لامرأته الفلبّينيّة ليرحّلها هي وابنهما إلى الفلبّين، واعِدًا أنّ (عيسى) سيعودُ يومًا ما إلى وطنه أو إلى جنّته المفقودة؛ الكويت... تظلّ الأمّ على حبّها الجنونيّ الصّامت لراشد وهي في الفلبّين، وتتلقّى منه الرّسالة تلو الأخرى، وتقرأ بعضها لـ: (هوزيه) أو (خوسيه) أو (عيسى) وتستمرّ في تمْنية ابنها بالعودة إلى بلاد الأحلام... في الفلبيّن تظهر شخصيّات جديدة، مثل جدّ (عيسى) وهو (ميندوزا) الّذي كان ضابِطًا في الجيش وتقاعد، وأمضى بقيّة حياته في المراهنة على صِراع الدّيكة، وخالته (آيدا) الّتي كانت بغيًّا وأنجبت ابنتها (ميرلا) الّتي وُلِدت يوم ماتتْ جدّته؛ (ميرلا) الّتي استقرّتْ نُطفتها في رحم أمّها الفلبّينيّة كانت قد انتزعتْ ملامحها من أكثر من يدٍ عابِثة من تلك الأيدي الّتي طافتْ بأمّها؛ غير أنّ وجهًا أوروبّيًا واحِدًا استطاع أن يحتلّ موضع السّيادة ليُشكّل مظهرها الخارجيّ في العينين الزّرقاوَين والوجه الأبيض. تظهر الميول المِثليّة عند (ميرلا) أو هكذا كانت تتظاهر لتصرف عنها (هوزيه) الّذي عشقها عِشقًا أسطوريًّا... تحدث بعض المفاجآت... تستمرّ رتابة الحياة في الفلبّين... تبحث الأمّ (جوزافين) عمّن يُساعد ابنها (عيسى) في العودة إلى الكويت، تستعين بـ (إسماعيل فهد إسماعيل) الرّوائيّ الكويتيّ الّذي استقرّ في الفلبّين بعد تحرير الكويت لستّ سنوات ليكتب روايةً تؤرّخ لزمن الاحتلال... يُخبرهما إسماعيل أنّ (راشد) قد وقع في أسر قوّات الاحتلال... فيما بعد يكتشفان ما هو أبعد من هذه الصّدمة الأوّليّة؛ فلقد استُشهد (راشد) ودُفِن في مقابر جماعيّة مع مجموعةٍ من المُقاوِمين في جنوب البصرة... يظهر (غسّان) صديق أبيه القديم، ويستخرج له أوراقًا ثبوتيّة يستطيع من خلاله العودة إلى وطن أبيه... في الكويت يعيش (عيسى) غربةً مُضاعفة في وطنه، وهناك تحدث سلسلة مُتشابكة من المتناقِضات، يعيشها البطل بكامل تفاصيلها، ومن خلال هذه المتناقِضات يُوجّه الكاتب سِهام انتِقاده إلى المجتمع الغاصّ بها... يلفِظ الوطن أبناءه، يقرّر (عيسى) في النّهاية العودة إلى الفلبّين، لم يكنْ يحمل من إرث الكويتيّين غير صوتِ أبيه، حتى جدّته (غنيمة) الّتي بكتْ يوم سمعتْ صوتَه الّذي يُشبه صوتَ ابنِها راشد لم تتمكّن من الاحتِفاظ بحفيدها من ابنها الغالي لأنّ المجتمع لا يتقبّل أن يندمج فيها ابنُ الخادِمة... يعود (هوزيه) إلى الفلبّين بعد أن يتزوّج من حبيبته (ميرلا) ابنة خالته، وتنتهي الرّواية بهذا، تارِكةً عددًا من التّشابكات والفلسفات الّتي يُمكن استخلاصُها من الرّواية...

خطايا المُجتَمع:
تحفل الرّواية بالنّقد الّذي يوجّهه الرّوائي (سعود السّنعوسيّ) إلى جملةٍ من القيم السّائدة في المجتمع، ويُقابِلها بالسّخرية حينًا، وبالمرارة أحيانًا أخرى، وتارِكًا المساحة حُرّة ثالِثةً للقارئ نفسه ليحكم على هذا المجتمع الّذي تسود فيه هذه المُعتَقدات.
أولى خطايا مجتمع عائلة (الطّاروف) وهي العائلة الّتي ينتمي إليها (راشد) والده للبطل، أنّ هذه العائلة لا تقبل بأن تتزوّج من عائلةٍ أخرى، أو تُزوّج بناتها إلاّ حسب تقاليد صارمة: (قبل أن تقع في الحبّ يجب أن تختار الفتاة الّتي تُحبّها. الرواية ص 37)، تقاليد قد تجرّ الويلات على الأطراف جميعها، فمثلاً راشد نفسه الّذي أحبّ فتاةً في الجامعة لم تقبل أمّه (غنيمة) أن تُزوّجه إيّاها ربّما لأنّ عائلة هذه الفتاة ليست بمستوى عائلة (الطّاروف) مِمّا اضطرّ (راشد) المُثقّف والواعي والقارئ أن ينحو بعاطفته تُجاه خادمةٍ لم يكنْ لها من ميزةٍ – كما تذكر الرّواية – إلاّ أنّها أجادت الإصغاء إليه. هذه الخطيئة لم تتوقّف هنا، بل أدّت إلى طرد الأمّ الفلبّينيّة، واضطرار (راشد) الزّواج من (إيمان) الّتي لم يعرفها ولم يُحبّها، وأنجبتْ له (خولة) الّتي كانت هي الأخرى ضحيّة هذه التقاليد، ومحكومة بقوانين العائلة الظّالمة، فلم تستطع – مثلاً – أن تُساعد أخاها البطل على الاندِماج في العائلة الممتدّة، واستسلمتْ أخيرًا للأعراف الّتي هي أقوى منها، وهربتْ باتّجاه عائلة أمّها، وأمّها (إيمان) تخلّت عن بيت الطّاروف، وتزوّجت بآخر ونسيتْ فيمن نسيتْ حتّى ابنتها (خولة) هذه!!!
من الخطايا كذلك، ما كانت تعتمده الأم الكبيرة (غنيمة) جدّة البطل من التّطيّر، كانت تؤمن بكثيرٍ من الخُزعبلات وتبني على أساسها حياتها، هذه الخُزعبلات استطاع الكاتب أن ينفذ من خلالها لنيتقد هذه الفئة من الجدّات المُترَفات اللّواتي يُنفقن الأموال والسّاعات في تفسير حلم أو مشهدٍ أو موقف...
يختزل الرّوائي البديع (سعود السّنعوسيّ) هذه المشاهد القاتِلة في عبارات مُقتضبة، ربّما سيكون من المفيد الإشارة إلى بعضها:
- "تعرّفتُ من خلال غسان على نوعٍ جديدٍ وفريدٍ من البشر. فصيلة جديدة ونادرة" ص192: هو هنا ينتقد أولئك الصّنف من الكويتيّين الّذي يرون أنفسهم بشرًا لا كسائر البشر.
- "إن كان الشّرطيّ سارِقًا... ماذا يفعل اللّصوص إذًا؟" ص 198: هو هنا ينتقد شريحة من اللّصوص الّذين ينتكّرون بزيّ شرطة ويقومون بسرقة نقود النّاس بادّعائهم التّفتيش على هُويّاتهم.
- "أبو سيّاف أو جماعته الّذين يموّلون نشاطهم عن طريق السّلب والنّهب وابتِزاز الشّركات ورِجال الأعمال الأثرياء..." ص209: ينتقد الجماعات الجِهاديّة الّتي تقوم بالتّفجيرات في أكثر من مكان، وتقتل – مثلاً – مُخرج فيلم (الرّسالة) الّذي تعرّف البطل من خلاله على شيءٍ من الإسلام، ويتساءل حين يُقارن بين القاتل (الجماعات الجهاديّة) والمقتول (مخرج فلم الرّسالة) من هو الإسلام منهما أو فيهما؟!
- "إذا ما سألكَ أحدُ الجيران أو خَدَمهم... أنتَ الطّبّاخ الجديد" ص 230: هذا ما قالتْه خولة له نقلاً عن جدّتهما (غنيمة)، انظر مستوى الازدِراء الّذي ينظرون به إليه، مع أنّه ابن عائلة الطّاروف، والوحيد الّذي يحمل اسم العائلة: عيسى راشد عيسى الطّاروف.
- "لم تكنْ جدّتي توافق على احتِكاكي ببقيّة أحفادها، ولا أن يعرفوا شيئًا من أمري؛ لأنّ السّمكة الفاسِدة كما تقول تُفسِد بقيّة الأسماك" ص 245: انظر إلى هذا المستوى من الدّونيّة الّتي تُعامله جدّته بها.
والمقام لا يتّسع لمزيدٍ من الشّواهد على سلسلة من الاحتِقارات والمظالم الّتي تعرّض لها وهو يعيش في الكويت..



خِلاف المُتوقّع:
أتقن السّنعوسيّ في هذه الرّواية اللّعب بمشاعر القارئ، والانتِقال بتوقّعاته من فضاءٍ إلى آخر، وحبسَ الأنفاس في أكثر من موقعٍ انتظارًا لنتيجةً ظلّ خيالُ القارئ يُطاردها دون أن يُمسِكَ بها، وهذا يُحسَب له في منزلة التّشويق الّذي هو أحد العناصر المهمّة في التّقنيات المُستخدمة في فنّ الرّواية، وحسبُنا أن نذكر مثالين أو ثلاثة للتّدليل على هذه النّقطة:
- الأوّل: حينَ مات (ميندوزا) ماتت بعده بأسبوع (إينانغ تشولينغ)، وطوال الرّواية من أوّلها حتّى صفحة 176 ظللنا نظنّ أنّ (إينانغ) ما هي إلاّ امرأةٌ طيّبة عند بعضهم، وساحِرة عند آخرين كان النّاس يُشفِقون علها أحيانًا بوضع بعض أطباق الطّعام أمام باب غرفتها دون أن يدخلوا الغرفة إمّا خوفًا أو تطيُّرًا، ولم يَدُرْ في خَلَدنا البتّة المُفاجأت الّتي صُعِقنا بها في نهاية هذه المرأة، فأوّل المفاجآت أن جدار غرفة (إينانغ) ظلّ طيّ الكتمان حتّى ماتت، وحينَ دخل بعض الجيران غرفتها رأوا صور الجدّ (ميندوزا) تزيّن هذه الجدران بأشكال مختلفة، وأوحى لنا الكاتب أنّ (ميندوزا) الجدّ الّذي خدم في سِلك العسكريّة له مُعجَبات ومن ضمنهنّ (إينانغ)، وهذا ما وقَر في ذهن (ميرلا) أيضًا، ولكنّ المفاجأة الّتي أطلقتْها (آيدا) كانت صاعقة؛ إذ تبيّن أنّ (إينانغ تشولينغ) هي أمّه لـ (ميندوزا)، وحينها لن تستطيع أن تُمسِكَ العبرات الذّارِفات من عينِك وأنتَ تتخيّل مدى قساوة الابن الّذي عزل أمّه في غرفةٍ لا يراها فيها أحدٌ ولا ترى أحدًا طوال هذه السّنين وكيفَ كتم عن الجميع تقريبًا خبر أنّه هذه العجوز الّتي تُزدَرى هذا الازدِراء هي أمّه. غير أنّ المفاجأة الأكبر ستكون حينَ يسأل البطل خالته (أيدا): (تلك العجوز والدة ميندوزا... من يكون والده) فيأتي الجواب الصّافِع: (ليس له أب...) وكأنّ الجواب يريد أن يُذكّر البطل بأنّه لا أب له، وإن كان في الحقيقة موجودًا إلاّ أنّه أبٌ غائبٌ أو مقتولٌ أو مفقودٌ أو سمّه ما شِئت.
- الثّاني: حينَ كانت (ميرلا) تصعد مع ابن خالتها البطل (عيسى) أو (هوزيه) أو (خوسيه) أحد المرتفعات الجبليّة الشّاهِقة السّاحرة في الفلبّين اشتعلتْ في نفس البطل الرّغبة الجِنسيّة، فحاول أن يقترب من (ميرلا) الّتي منعتْه من أن يحقّق رغبته، في تلك اللّحظة كُنّا نظنّ نحن القرّاء كما استطاع الكاتب أن يُوحي لنا أنّ (ميرلا) رفضتْ (عيسى) ولم تُمكِّنْه من نفسها لأنّ اختلاف الدّين بين الاثنين حال دون ذلك، ولكنّ المفاجأة أنّها قالت له: (سبب تافهٌ كهذا لن يحول بيني وبين رغبتي لو رغبتُ) (الرّواية ص117) فكانت المُفاجأة تختبئ خلف المقولة الأخرى لها: (لو لم تكُنْ رجلاً...) وهذا وضعْنا أمام ما توهّمْنا في تلك اللّحظة أنّها حقيقة وهي أنّ (ميرلا) مِثليّة... ولكنّ هذه الفاجأة ذاتها تضمحلّ في نهاية الرّواية إذْ تصعقنا مفاجأةٌ مُغايرة لها تمامًا، ونكتشف أنّ (ميرلا) ليستْ مِثليّة، وأنّ الحبّ كان مُتبادلا بينها وبين البطل، ولكنّه كان صامِتًا من جهتها، وصارِخًا من جهة بطلها.
- الثّالث: أنّ الكاتب أوحى لنا عبر صفحات طويلة في الثّلث الأخير من الرّواية أنّ (ميرلا) غابت عن الوجود فترةً طويلة، وانقطعتْ رسائلها، وووقعْنا في وَهْم أنّها انتحرتْ، وجاء الكاتب لنا بقصّة (إبراهيم سلام) الّذي يُترجم أخبار الفلبّينيّن من العربيّة إلى الفلبّينيّة، ورمى بين أيدينا بخبر فتاة فلبّينيّة تنتحر، فينصرف الذّهن إلى أنّها (ميرلا)، وتموت بالفعل (ميرلا) من ناحية الظّهور في هذا الثّلث الأخير من الرّواية، إلاّ أنّها تعود للظّهور بشكلٍ مُفاجِئ وصاعِق في النّهاية، وهي تنعم بالدّفء والأمان مع زوجها وابنهما، فيقول على لسان البطل: (سأترك ورقتي الأخيرة هذه لأتفرّغ لمشاهدة وجه صغيري المطمئنّ في نومه بين ذراعيّ أمّه) (الرّواية ص396).

السَّبْك الهرميّ والأفقيّ:
الرّواية بِناء، والبناء يحتاج إلى مهندسٍ لبيب، وبانٍ حكيم، ومعماريّ ساحر؛ هكذا صنع (السّنعوسيّ) في روايته؛ هذا الحشد من الشّخصيّات، على اختلاف أجناسِها وأعمارها وأمكنتها وأزمانها، وهذه العلاقات المُتشابِكة بينها كان يُمكن أن تصبح مقتلاً للرّواية لولا أنّها وجدتْ لاعِبًا مُحترفًا قادها في ملعبه الخاصّ عبر ما يقرب من (400) صفحة دون أن يُصيبها الشّلل أو النّمطيّة. ففي السّبك الهرمي انتظمَ الرّوايةَ عمودٌ مِحوريّ دارتْ حوله الأحداث، وانفرجتْ من حوله العُقَد. وفي السَّبْك الأفقيّ انتظمَ الرّواية خيطٌ ممتدّ كنهرٍ ممتدّ نبتتْ على جانبيه أفكار تلك الشّخصيّات وأوهامها وأحلامها وتناقضاتها. ومِمّا يُحسَب للكاتب أنّه اعتمد فِكرة العُقَد المتعدّدة، والذُّرا المتنوّعة، فأنتَ تجد لكلّ مجموعةٍ من الأحداث عُقدتَها الخاصّة، مِمّا يعني أنّ الرّواية لم تقم على عُقدةٍ واحدة، مِمّا يعني أكثر أنّ (السّنعوسيّ) أراد أن يُبقي عنصر الدّهشة قائمًا عبر مسيرة الرّواية بأكملها، وهذا يعني أنّنا أمام حَبْسٍ للأنفاس يتكرّر كلّما صعدْنا ذروةً جديددةً من ذُرا الرّواية!!

العبارات المُكثّفة:
حفلتْ الرّواية بالعبارات المكثّفة الّتي تلخّص موقفًا، أو تختزل فِكرةً، وبعضُ هذه العبارات تسرّبتْ إلينا من أجل أن يُسرّب من خلالها الكاتب مُعتَقداته وأفكاره، وهو – وإن بدا موضوعيًّا في كثيرٍ من الحالات هنا أو هناك – إلاّ أنّه قادَنا إلى منطقته المُضيئة الّتي يُريدنا أن نراها سواءً أكان ذلك بمعرفتنا أم من دونها.
من العبارات المُكثّفة الّتي تصلح أن تكون عنوانًا لمضامين واسِعة:
- "ليس المؤلم أن يكون للإنسان ثمنٌ بخس، بل الألم كلّ الألم أن يكون للإنسان ثمن" ص20.
- "قبل أن تقع في الحبّ... يجب أن تختار الفتاة الّتي تقع في حبّها". ص37.
- "إذا صادفْتَ رجلاً بأكثر من شخصيّة فاعلمْ أنّه يبحث عن نفسه في إحداها؛ لأنّه بلا شخصيّة". ص61.
- "مَنْ كان بوُسعه أن يقبلَ بأن يكون له أكثر من أمٍّ سوى مَنْ تاه في أكثر من.. اسم.. أكثر مِن... وطن... أكثر مِن... دين؟!" ص102.
- "نحنُ لا نكافئ الآخرين بغفراننا ذنوبهم، نحن نُكافِئ أنفسنا ونتطهّر من الدّاخل". ص167.
- "كلّما شعرتُ بالحاجة إلى شخصٍ يُحدّثني.. فتحتُ كتابًا" ص259.
- "اليد الواحدة لا تُصفّق، ولكنّها تصفع، والبعض ليس بحاجةٍ إلى يدٍ تُصفِّق له، بقدْر حاجته إلى يدٍ تصفعه، لعلّه يستفيق". ص277.
- "العُزلة زاويةٌ صغيرةٌ يقف فيها المرء أمام عقله، حيثُ لا مفرّ من المواجهة" ص302.
- "هو الحبّ الّذي يجعل للأشياء قيمة" ص 304.
- "لا يُقدِم على الانتِحار سِوى إنسانٍ جبانٍ فشل في مواجهة الحياة، وإنسانٍ شُجاع تمكّن من مواجهة الموت". ص 321.
- "المرأة بعاطفتها إنسانٌ يفوق الإنسان". ص 322.
- "بعضُ المشاعر تضيقُ بها الكلمات فتعانِق الصّمت". ص 350.
- "الكلمات الطّيّبة لا تحتاج إلى ترجمة، يكفيكَ أن تنظر إلى وجه قائلها لتفهم مشاعره وإنْ كان يُحدّثك بلغةٍ تجهلها". ص 354.
- "إنّ الّذي لا يستطيع النّظر وراءه؛ إلى المكان الّذي جاء منها لن يصل إلى وجهته أبدًا" ص383.

وبعدُ..
فإنّ الرّواية أوسع من أن تُحيطَ بها مراجعة عابرةٌ مثل هذه؛ عوالمها الممتدّة والمتداخلة في آنٍ واحدٍ تحفّزك على أن تكتب المزيد، غير أنّه يكفيكَ من السِّوار ما أحاط بالمِعصم، وعليه فهذه تحيّة وتهنئة أُزجيها إلى هذا الرّوائيّ الّذي استطاع أن يُمسِك بخيوط الحكاية، وينثر بيلسانها أمام أيدينا لننظر أيّها أزكى منظرًا، وأبهى جوهرًا، وأبلغ دلالةً.


اكسترا 09-01-2016 08:45 PM

دمتم بخير وعافية


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:04 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59