ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   أخبار الكيان الصهيوني (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=32)
-   -   سعديا جاؤون (1) (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=35310)

عبدالناصر محمود 02-14-2016 08:32 AM

سعديا جاؤون (1)
 
التأثير الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: سعديا جاؤون (1) ـــــــــــــــــــــــــ

(نبيل محمد سعيد عبدالعزيز)
ـــــــــــــ

5 / 5 / 1437 هــ
16 / 2 / 2016 م
ــــــــــ

http://www.albayan.co.uk/RSC/Uploads...2016085105.png




دأب اليهود على الادعاء ببقاء دينهم صافياً نقياً منذ نشأته في القرن الثالث عشر قبل الميلاد أي حوالي 3200 عام، كما ادعوا بأن ثقافتهم اليهودية كانت هي الأساس الذي اعتمدت عليه الديانتان النصرانية والإسلام؛ حيث نبعت النصرانية من رحمها واستلهم الإسلام من وحيها. وقد راق هذا الزعم لكثيرٍ من المشككين في الإسلام (قديماً وحديثاً) فمالوا إلى القول بأن اليهودية هي الجذور الأولى التي يعود إليها أصل الإسلام، وذلك نظراً لتشابه كثير من العقائد والشرائع بين الديانتين.

وقد فصلنا في المقالات الخمس السابقة كيف انتحل مُنظم اليهودية الحديثة وواضع أركانها موسى بن ميمون الآراء الفلسفية التي كانت رائجة في زمانه وقبل زمانه، وصبغها بصبغة دينية، وبثها في صلب الديانة اليهودية، حتى صارت هذه الآراء أصلاً من أصول الدين، بعد أن صارت مؤلفات ابن ميمون حجر الزاوية في اليهودية. وعمل ابن ميمون ليس بفريد في تاريخ اليهودية، فقد تأثر الكثيرون غيره من علماء اليهود تأثراً بالغاً بالبيئة الإسلامية المحيطة بهم، واتخذوا لأنفسهم المعارف والمناهج العلمية العربية في ما يتعلق بالدين والفلسفة والعبادات والأخلاقيات والنحو والتفسير (وهو ما سنتناوله بالتفصيل في مقالاتنا القادمة بإذن الله تعالى).

فالبرغم من أن جوهر وصايا التوراة هو عدم التشبه بالأمم الأخرى، وهو الأمر الذي جعل اليهود يحيطون أنفسهم بسياج لصد أية تأثيرات أجنبية، فإنه من الواضح أن الإسلام قد راق لبعض اليهود فاستثناه أحبارهم من المحظورات، وينقل الدكتور محمد جلاء إدريس عن نفتالي فيدر قوله: "وبالنسبة لدين العرب، فقد اجتمعت فيه عناصر مختلفة ساعدت على إعداد القلوب وتهيئتها لاستقبال تأثير هذا الدين مثل اتحاد الأصل واللغة وتقارب الطباع، وفوق ذلك كله التوحيد الخالص الذي يتميز به هذا الدين، الأمر الذي جعل علماء الجاؤنيم يُخرجون المسلمين من إطار سائر الأمم في ما يتعلق بقوانين التلمود، وسار على نهجهم موسى بن ميمون الذي لم ير الإسلام ديناً وثنياً بينما اعتبر النصرانية كذلك، ثم سار ابنه الحبر أبراهام الميموني إلى أبعد من ذلك فأخرج المسلمين من حكم (لا تقلدوا عادات الأمم) وأفتى بأن الذي يحاكي عاداتهم لا يعتبر خارقاً للحكم الإلهي، ولا شك أنه بهذا قد فتح باباً أوسع لتأثير البيئة المحيطة على النهج اليهودي".(1)

جديرٌ بالذكر أن السلسلة السابقة وصفت في بعض الفلسفات بالإسلامية مع مخالفتها لكثير من صحيح الإسلام، وذلك استناداً لما هو مشهور من نسب الفلسفات إلى البيئات الثقافية والحضارية التي نشأت فيها، ومن ذلك ما ذكره الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل"، حين عد حنين بن اسحاق النصراني النسطوري من فلاسفة الإسلام.(2) وذلك مع موقف الشهرستاني العام من الفلاسفة، والذي كشف عنه في كتابه "مصارعة الفلاسفة" الذي رد فيه على ابن سينا وغيره من الفلاسفة(3) ولما كان موضوع الفلسفة مجرد عارض وليس أصلاً في السلسلة فلم أتناوله إلا بقدر المضطر للضرورة وبقدر الضرورة، ولم أرغب في التوسع فيه والإطالة وذكر ما هو معلوم من الدين للقارئ المسلم، خوفاً من تشتيت الأذهان وصرف الأنظار عن الغرض الرئيسي من المقالة.

ونتناول في هذه السلسة بإذن الله – تعالى - أحد أهم وأبرز أعمدة الديانة اليهودية وهو الحبر اليهودي سعديا بن يوسف جاؤون، وُلد سعديا جاؤون (سعيد بن يوسف الفيومي) في أبو صوير (محافظة الفيوم) بمصر سنة 882م، ثم نُفي أبوه من مصر، وسافر إلى فلسطين، وتوفي في يافا. وفي فلسطين تعلم سعديا من أبو كثير يحيي بن زكريا الكاتب الطبري (نسبة إلى طبريا - فلسطين). ولكنه وهو في العشرين من عمره لما كان موجوداً في مصر ألف كتابين: أحدهما كتاب في مفردات التوارة، والثاني رسالة في النحو والصرف والأسلوب والشعر، كما جرت له مراسلات مع الحبر إسحاق بن سليمان الإسرائيلي القيرواني (850 - 932م). ولا توجد معلومات عن حياة سعديا جاؤون في الفترة ما بين سنة 921م - 950م. كما أنه غير معلوم السبب في مغادرته لمصر. إلا أنه كان في حلب في سنة 921م، ومن حلب سافر إلى بغداد، فوصلها في سنة 922م. ولما صار في العراق التحم في الصراع الذي كان قائماً آنذاك بين هارون بن مائير (رئيس مدرسة أورشليم) وبين زعماء الجالية اليهودية في العراق، وهو صراع كان يدور أساساً حول تحديد مواعيد الأعياد اليهودية والتقويم اليهودي بعامة، وقد ناصر سعديا زعماء الجالية ضد هارون بن مائير. وفي الوقت نفسه أخذ في الرد على القرائيم(*)، وعلى بعض الهراطقة اليهود مثل حيوي البلخي. وعُين سعديا رئيساً لمدرسة سورا، كبرى المدارس اليهودية في العراق، لكنه وقع في صراع مع زعماء الجالية اليهودية في العراق، اضطر في إثره إلى التخلي عن منصب الجاؤون. وتوفي سعديا في سنة 942 م ببغداد.(4)

وكان سعديا جاؤون أول كاتب يهودي يكتب مؤلفاته باللغة العربية، ونتناول في المقال القادم بإذن الله تعالى مؤلفاته الدينية وملامح ومواضع تأثره بالفكر الإسلامي.
----------------------------
(1) محمد جلاء محمد إدريس (د)، التأثير الإسلامي في الفكر الديني اليهودي، ص 21 - 22.
(2) محمد بن عبدالكريم الشهرستاني، الملل والنحل، صححه وعلق عليه: أحمد فهمي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1413هـ - 1992م، ص 501 - 502.
(3) محمد عبد الكريم الشهرستاني، مصارعة الفلاسفة، تحقيق وتقديم وتعليق: سهير محمد مختار، 1976م - 1396هـ، مطبعة الجبلاوي، القاهرة.
(*) القرائيم: فرقة يهودية أسسها (عنان بن داود) في العراق، في القرن الثامن الميلادي، وانتشرت أفكارها في كل أنحاء العالم، وهي لا تؤمن بالشريعة الشفوية "المشنا"، وإنما يؤمنون بالتوراة فقط. (انظر: عبدالوهاب المسيري (د)، اليهود واليهودية والصهيونية. الموسوعة الموجزة، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثالثة، 2006م، المجلد الثاني، ص 124 - 127).
(4) عبد الرحمن بدوي (د)، ملحق موسوعة الفلسفة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1984م، ص 180.


--------------------------

عبدالناصر محمود 02-17-2016 08:53 AM

التأثير الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: سعديا جاؤون (2)
 
التأثير الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: سعديا جاؤون (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(نبيل محمد سعيد عبدالعزيز)
ـــــــــــــ

8 / 5 / 1437 هــ
17 / 2 / 2016 م
ـــــــــــ

http://www.albayan.co.uk/RSC/Uploads...2016111413.png




عاصر سعديا جاؤون ازدهار الحركة العلمية والثقافية للمسلمين، واطلع على ما خلفه علماء المسلمين من مؤلفات ومعارف، كما قرأ عن المناقشات والمجادلات العلمية بين المدارس الفكرية المختلفة، كمدرستي أهل السنة والمعتزلة في العقيدة، ومدرستي الكوفة والبصرة في النحو، ومدرستي الحجاز والعراق في الفقه والتشريع(1). وفي الوقت نفسه فقد عايَشَ سعاديا الوقت الذي كانت اليهودية تعاني فيه من أزمة حقيقية، نتيجةً لانتشار الإسلام ودخول كثير من اليهود فيه، أو الشك في دينهم أو محاولة إصلاحه(2). فآلى سعديا على نفسه - متأثراً بعلماء الكلام المسلمين - أن يبين أن الدين اليهودي يتفق كل الاتفاق مع العقل والتاريخ، فأخرج في حياته القصيرة التي لا تتجاوز خمسين عاماً مقداراً ضخماً من المؤلفات، معظمها لا يماثلها في سجل التفكير اليهودي في العصور الوسطى إلا مؤلفات ابن ميمون(3).
وكتب سعديا جاؤون عدة رسائل في الشريعة اليهودية، جمع الكثير منها ونشرها J. Muller في باريس سنة 1897م. وتشتمل على رسالة في الميراث، ورسالة في الوصايا الـ 613(*)؛ وتفسير قواعد التأويل الثلاث عشرة، أجوبة مجموعة. أما مؤلفاته في العقيدة اليهودية فكتابه الرئيسي فيها هو كتاب "الأمانات والاعتقادات"، وقد كتبه باللغة العربية، ويقول سعديا إنه ألف هذا الكتاب ليقدم إلى إخوانه في الدين من اليهود دليلاً يهتدون به في مواجهة التشويش الذي أحدثته الفرق الدينية والمنازعات الكلامية التي سادت القرن العاشر الميلادي، ومن أجل محاربة المشككين في الدين مثل حيوي البلخي(**). فهو في الجملة جدال ضد الفرق والمذاهب التي رأى سعديا أنها ضالة أو منحرفة عن جادة الديانة اليهودية، كما تصورها سعاديا(4). ويرى ول ديورانت أن كتاب "الأمانات والاعتقادات" هو أعظم رد في الدين اليهودي على الخارجين عليه(5).
بدأ سعديا كتابه "الأمانات والاعتقادات" - على غرار كتب علم الكلام الإسلامية - بالكلام عن المعرفة، فقال: إن مصادرها ثلاثة: الإدراك الحسي، والمبادئ الضرورية، والبرهان العقلي بالقياس المنطقي. ثم أضاف على هذه المصادر الثلاثة - التي يقول بها الفلاسفة - مصدراً رابعاً، هو النقل الديني الصحيح. ويرى سعديا أن هذا المصدر ضروري لمن لا يستطيعون التفكير العقلي المنطقي. كما يرى اتفاق المعقول والمنقول الصحيح، ويؤكد أنه لا تعارض بين ما جاء في النصوص الدينية وما يقرره العقل، لكنه اضطر في سبيل هذا إلى الاعتماد على التأويل حينما لا يتفق النص الديني في الظاهر مع ما يقضي به العقل. وبعد هذا المدخل المعرفي، يتناول سعديا العقائد الرئيسية، وهنا نراه ينقل عن المعتزلة مجمل آرائهم في هذه المسائل، ولا يكاد يختلف عنهم في شيء. فهو يبدأ كتابه - بعد هذه المقدمة - بالحديث عن الخلْق، ويقرر أن الخالق خلق الكون من العدم. ويسوق على هذا أربعة براهين: الأول منها يستند إلى فلسفة أرسطو، والثلاثة الباقية مستمدة من علماء الكلام المسلمين. ثم ينتقل سعديا إلى الحديث عن ذات الله تبارك وتعالى وصفاته، مؤكداً على أن الله لم يضطر إلى خلق العالم، بل خلقه بمحض إرادته. وقد خلقه ليعبده المخلوقون بالتزام أوامره ونواهيه، وهو ما يؤدي بهم إلى السعادة. وكما أخذ سعديا عن المعتزلة آراءهم في الإلهيات، كذلك فعل في ميدان الأخلاق، فقد قال إن الإنسان حر مختار في أفعاله، وبرر ذلك بأن قال إن من إكرام الله للإنسان أن جعله يكتسب الجزاء الحسن بواسطة أفعاله التي هو مسؤول عنها، ولهذا يجب أن يكون الإنسان حر الإرادة، وإلا لم يكن مسؤولاً عن أفعاله(6).
وتناول سعديا في الفصل الثالث من كتابه موضوع الأوامر والنواهي. فقال إن الأوامر والنواهي التي أعطاها الله لبني إسرائيل تنقسم على نوعين: نوع يقضي به العقل، ويستطيع الإنسان أن يكتشفه بعقله، ونوع يقوم على المنقول في الشريعة، ولا أساس له في العقل. ويضيف بأن القوانين العقلية تندرج تحت ثلاثة مبادئ عقلية أساسية: الأول هو أن العقل يتطلب أن يشكر المرء لمن أحسن إليه. ولهذا فمن المعقول أن يأمر الله الإنسان بشكره وحمده بواسطة العبادة. والثاني هو أن العقل يقتضي ألا يسمح العاقل بأن يُهان. ولهذا فإن ما يقتضيه العقل هو أن يمتنع الإنسان من إهانة الله، وذلك بأن يحلف باسم الله زوراً، أو أن يصفه بصفات التشبيه بالإنسان، والمبدأ الثالث هو أن العقل يقتضي ألا يضر الناس بعضهم بعضاً. ولهذا كان المعقول أن ينهى الله عن السرقة، والقتل، والزنا، وإيذاء الغير بأية طريقة من الطرق. ويشير سعديا إلى أنه حتى القوانين النقلية من الممكن أن نجد لها سنداً من العقل، أو أن نكتشف فيها وجه الحكمة، فمثلاً النهي عن العمل في يوم السبت يمكن تبريره - بحسب سعديا - بأن الراحة من الأعمال المادية في يوم السبت تمكن من التفرغ للتأملات الروحية في يوم معين من أيام الأسبوع(7).
ويصف Erwin Rosenthal هذا التقسيم بقوله: إننا مدينون لسعديا في التمييز بين أوامر التوراة تلك التي يحكمها العقل، وتلك التي جاءت عن طريق الوحي، على أن مبعثه المتكلمون، وهم طائفة من علماء المسلمين(8).
وفي الفصل الأخير من كتابه "الأمانات والاعتقادات" تناول سعديا بعث الموتى، والمسيح المنتظر، والخلاص. وأطال القول في واجبات الإنسان في هذه الحياة كيما يحصل على السعادة الحقة، وهو يقول إن البعث سيحدث بعد خلق عدد معين من النفوس(9).
ويعلق ول ديورانت على آراء سعديا جاؤون بقوله: "ولقد تأثر سعديا إلى حد كبير بفقهاء الإسلام وسار على نهجهم في الشرح والإيضاح، بل إنه استعار منهم في بعض الأحيان أساليب الجدل والنقاش. وقد انتشرت آراؤه في جميع أنحاء العالم اليهودي، وتأثر بها ابن ميمون، وهل أدلَّ على هذا من قول ابن ميمون: لولا سعديا لكادت التوراة أن تختفي من الوجود"(10).
جديرُ بالذكر أن ابن النديم أورد في كتابه الفهرست في سياق حديثه عن التوراة التي في يد اليهود وأخبار علمائهم ومصنفيهم، ما نصه: "ومن أفاضل اليهود وعلمائهم المتمكنين من اللغة العبرانية، ويزعم اليهود أنها لم تَرَ مثله: الفيومي. واسمه سعيد، ويقال: سعديا. وكان قريب العهد، وقد أدركه جماعة في زماننا، وله من الكتب: كتاب المبادئ؛ كتاب الشرائع؛ كتاب تفسير إشعياء؛ كتاب تفسير التوراة نسقاً بلا شرح؛ كتاب الأمثال، وهو عشر مقالات؛ كتاب تفسير أحكام داود؛ كتاب تفسير النكت، وهو تفسير زبور داود عليه السلام؛ كتاب تفسير السفر الثالث من النصف الآخر من التوراة: مشروح، كتاب تفسير كتاب أيوب؛ كتاب إقامة الصلوات والشرائع، كتاب العبور، وهو التاريخ"(11). واللافت للنظر هنا أن ابن النديم لم يذكر كتاب "الأمانات والاعتقادات" ضمن هذه المؤلفات، والذي انتهى سعديا من تأليفه عام 934م(12). بالرغم من أن شهرة سعديا تعود لأمرين أحدهما وضعه هذا الكتاب، والثاني نقله التوراة إلى اللغة العربية(13). وهو العمل الذي سنسلط عليه الضوء في مقالنا القادم بإذن الله تعالى.
-----------------------
(1) عبد الرازق أحمد قنديل (د)، الأثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي، مركز بحوث الشرق الأوسط، جامعة عين شمس، 1984م - 1404 ه، ص179.
(2) عبدالوهاب المسيري (د)، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، الموسوعة الموجزة، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثالثة، 2006 م، المجلد الثاني، ص38.
(3) ول وايريل ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة: محمد بدران، الجزء الثالث من المجلد الرابع - 14، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، بيروت، ص44.
(*) الفرائض الستمائة وثلاثة عشر: هي الشرائع التي أوحي بها إلى موسى في سيناء، ومن بينها ثلاثمائة وخمس وستون شريعة ناهية، أي "لا تفعل"، بما يتناسب مع أيام السنة الشمسية، ومائتان وثمانٍ وأربعون شريعة مفروضة، أي شريعة "افعل"، بما يتناسب مع عدد أعضاء جسم الإنسان. (انظر: رشاد الشامي (د)، موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية، المكتب المصري لتوزيع المطبوعات، القاهرة، 2003م، ص315).
(**) حيوي البلخي: مفسر يهودي وناقد للتوراة ظهر في آواخر القرن التاسع الميلادي، أصله من بلخ في فارس، وقد ألف كتاباً فيه ما يزيد عن مائتي اعتراض على الأصل الإلهي للتوراة. واتفق اليهود على اعتباره من الهراطقة.
(4) عبدالرحمن بدوي (د)، ملحق موسوعة الفلسفة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1996م، ص180 - 181.
(5) ول وايريل ديورانت، مرجع سابق، ص44.
(6) عبدالرحمن بدوي (د)، مرجع سابق، ص181.
(7) المرجع نفسه، ص182.
(8) Erwin I. J. Rosenthal, Studia Semitica, Volume 1: Jewish Themes, Cambridge University Press, 1971. p174.
(9) عبدالرحمن بدوي (د)، مرجع سابق، ص182.
(10) ول وايريل ديورانت، مرجع سابق، ص45.
(11) ابن النديم، الفهرست، تحقيق: إبراهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1997م، ص34 - 35.
(12) عبدالرحمن بدوي (د)، مرجع سابق، ص183.
(13) جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الثالثة، 2006م، ص364.


-------------------------

عبدالناصر محمود 02-22-2016 08:57 AM

التأثير الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: سعديا جاؤون (3)
 
التأثير الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: سعديا جاؤون (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــ

(نبيل محمد سعيد عبدالعزيز)
ـــــــــــــ

13 / 5 / 1437 هــ
22 / 2 / 2016 م
ــــــــ


http://www.albayan.co.uk/RSC/Uploads...2016021014.png





ترجم سعديا جاؤون التوراة من اللغة العبرية إلى اللغة العربية التي كانت قد أخذت مكانتها بين اليهود بدلاً من اللغة الآرامية، وقد حاول سعديا في ترجمته أن يجعل النص التوراتي بسيطاً في متناول عقلية وإدراك القارئ العادي. ومهد سعديا لكل سفر من الأسفار التي ترجمها بمقدمة يشرح فيها الهدف من هذه الترجمة، والهدف من السفر نفسه، وما يكون قد اشتمل عليه السفر من أحداث ومدلول تلك الأحداث. وكانت ترجمته العربية خالية من الصفات التشبيهية حيث تخلص فيها من التجسيم والتشبيه وخلع الصفات البشرية على الله تبارك وتعالى. ومن ذلك قوله في تفسير سفر تكوين 1: 26(*)، حيث نجد سعديا يقول: " وقال الله نصنع إنساناً بصورتنا يشبهنا مسلطاً..." فهو يقصـد من شرحه هنا أن الله - سبحانه - سيخلق إنساناً على هيئته في الحكم والقيادة.(1)
وكتب سعديا عن التوراة تفسيرين، وهي طريقة اتبعها مع بقية أسفار العهد القديم، التي تناولها بالترجمة والشرح والتفسير.
التفسير الأول: وهو عبارة عن نقل النص من العبرية إلى العربية، أو على حد تعبيره التفسير البسيط أو القصير، وإن كانت ترجمته العربية لا تعتبر في الواقع ترجمة بمفهومها الضيق، ولكنها ترجمة في معظمها تفسير وتوضيح، أحياناً بإضافة كلمة واحدة، أو بإضافة حرف فقط، ولقد نبه بنفسه إلى ذلك في مقدمته لترجمة الأسفار الخمسة حيث قال: "ولما رأيت ذلك رسمت هذا الكتاب تفسير بسيط نص التوراة فقط محرراً بمعرفة العقل والنقل، وإذا أمكنني أن أودع إياه كلمة أو حرف ينكشف به المعنى والمراد لمن يقنعه التلويح من القول فعلت ذلك وبالله استعين على كل مصلحة أقصدها من أمر دين ودنيا". وقد كتب هذه الترجمة أو هذا التفسير القصير كما يتضح من قوله في مقدمة التفسير إلى جماهير الشعب اليهودي في عصره الذين تعلموا وفهموا اللغة العربية كما فهمها.
أما التفسير الثاني لسعديا على التوراة: فهو التفسير الطويل والذي أشار إليه أيضاً في مقدمة ترجمته لأسفار موسى الخمسة بقوله: " وإن كان هو أراد بعد ذلك الوقوف على تشريع الشرائع العقلية وكيفية صناعة السمعية، وبماذا يزول طعن كل طاعن على قصص في الكتاب طلب ذلك من الكتاب الآخر إذ هذا المختصر ينبهه على ذلك ويقتضيه قصده".(2)
ويعد تفسير سعديا جاؤون للتوراة تحولاً جوهرياً وأساسياً في تفاسير التوراة ومناهج المفسرين، حيث وضع لتفسيره أسساً من القوانين المعجمية ومبادئ النحو ومناهج التفسير العقلي.(3) كما يعد تفسير سعديا المحاولةَ الأولى المنظمةَ لليهود في تفسير النص التوراتي بظاهره وعدم التكلف في تحميل الألفاظ معنى مجازياً إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك.(4)
واتخذ سعديا جاؤون سبيل النقل والعقل في شرحه وتفسيره كما اعتمد على المأثور من أقوال السلف، وهو ما يطابق منهج الإمام محمد بن جرير الطبري(**) - رحمه الله - في التفسير والذي كان معاصراً لسعديا، وإن كان يكبره سناً إذ ولد الطبري عام 224هـ وتوفي في بغداد عام 310هـ.(5) ويمكن أن نقف على التشابه الواضح بين منهج كلٍّ من الإمام الطبري وسعديا في التفسير، مما يؤكد تأثُّر الأخير بالمنهج الإسلامي ونقله عنه بما يتلاءم مع ظروف وطبيعة النص العبري. بيد أننا عندما نقارن بين الالتزام بأسس تطبيق المنهج عند كلٍّ من الإمام الطبري وسعديا، نجد الإمام الطبري يوثق ما يقتبسه بإرجاع الأقوال إلى قائليها عن طريق سلسلة من الرواية والسند، بينما نجد أن سعديا لم يشر إلى شيء من ذلك على الإطلاق، ولولا أنه قد عين بنفسه في مقدماته أنه يعتمد على النقل وما يُجمع عليه القوم لَمَا أمكن القول بتفسيره بالمأثور. ولعل ذلك يرجع إلى أنه كان ينقل النص العبري إلى اللغة العربية في قالب تفسيري حاول فيه أن يتضمن آراء السلف وما اتفق عليه أحبار اليهود في أمور العقيدة والشريعة دون أن يذكر سنداً أو رواية كما فعل الإمام الطبري.(6)
ونجد الأثر الإسلامي أيضاً جلياً في مفاهيم سعديا جاؤون في مسألة المُحكم والمتشابه، حيث يقول الرابي سعديا جاؤون في مقدمته للتوراة: "بما أن أسس أغراض المقرا (التوراة) هي الثلاثة معارف المذكورة آنفاً وهي: الفكرة والنص والمأثور، وبما أن كل قول يكون بالضرورة إما محكم (موضوع لتفسير واحد) أو متشابه (يتأول على كل وجه)، وبما أن كل نص قائم على هذا النموذج، والتوراة على هذا المنوال، وحيث إن التوراة وضعت بإحدى اللغات، فمن الضروري على كل مفسر أن يفهم أي قول يتطابق مع الأفكار السابقة عليه ومع المأثورات المتأخرة مثل المحكم، وأما ما لا يتطابق مع هذين الاثنين، يكون كالمتشابه". ومن الواضح تبني سعديا جاؤون هذا المفهوم استناداً إلى التقسيم الذي ورد في الآية الكريمة }هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ{ ]آل عمران: 7[.(***)(7) حيث لا توجد في التوراة أدنى إشارة - من قريبٍ أو من بعيد - لمثل تلك التقسيمات أو المفاهيم والمصطلحات.
كما ظهر تأثر سعديا جاؤون أيضاً بمنهج علماء المسلمين في تعامله مع مسألة الغريب والمشكل من ألفاظ التوراة؛ فسعديا في شرحه لنص التوراة وجد فيها بعض الألفاظ التي لم يتكرر ورودها، ولم يعرف لها أصلاً معيناً، فجمعها وأحصاها في كتابه المسمى تفسير السبعين لفظة المفردة، وقيل إنها تسعين. وأخذ في شرحها عن طريق تتبع أصولها بالمقارنة بينها وبين اللغتين الآرامية والعربية، وكما اعتبر المسلمون عبدَ الله بن العباس - رضي الله عنهما - أولَ من نبه إلى الدراسات اللغوية المقارنة في الإسلام بشرحه غريبه ومشكله، كذلك اعتبر اليهود سعديا جاؤون في كتابه السبعين لفظة المفردة مؤسس علم فقه اللغة المقارن.(8)
جدير بالذكر أن التأثير الإسلامي امتد على سعديا جاؤون في تفسيره للتوراة ليصل إلى تأثره بالهجاء المستخدم في القرآن الكريم والذي أُخذ مما رواه علماء الرسم عن المصاحف التي أرسلها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلى البصرة والكوفة وبقية الأمصار الإسلامية، والذي يعرف بالخط العثماني أو الرسم العثماني للمصحف(****). ففي ترجمة سعديا وكتابته العربية بالخط العبري يقول: "قال الله للثعبان إذ صنعت هذا بعلم فأنت ملعون من جميع البهائم، وجميع وحش الصحراء، وعلى صدرك تسلك وتراباً تأكل كل أيام حيوتك". وفي مقدمته للترجمة عندما يتحدث عن الشرائع الواردة في التوراة يقول: "كمياتها وكيفياتها غير منصوصة في الكتاب مثل كمية الصلوة وكمية الزكوة". فمن الهجاء المستخدم هنا لألفاظ (حيوتك، الصلوة، الزكوة) نجد أنه قد استخدم رسم المصحف العثماني نفسه في ذلك ورسم الألف واواً، كما في قوله تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوةِ{ ]البقرة: 153[. وقوله: }وَأَقَامَ الصَّلَوةَ وَآتَى الزَّكَوةَ{ ]البقرة: 177[. وقوله - جل شأنه -: }وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَوةٌ{ ]البقرة: 179[.(9)
-------------------------
(*) جاء النص كما يلي: (وَقَالَ اللهُ: "لِنَصنَع الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَمِثالِنا، ولْيَتَسَلَّطْ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وطَيْرِ السَّمَاءِ والْبَهَائِمِ، وَجميع وُحوش الأَرْضِ، وكُلِّ ما يَدِبُ على الأرضِ"). انظر: الترجمة العربية المشتركة للكتاب المقدس، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، لبنان، العهد القديم - الإصدار الثاني 1995م، الطبعة الرابعة.
(1) عبد الرازق أحمد قنديل (د)، الأثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي، مركز بحوث الشرق الأوسط، جامعة عين شمس، 1984م - 1404 هـ، ص 188، ص 431.
(2) المرجع نفسه، ص 188 - 190.
(3) موشيه مردخاي تسوكر، التأثير الإسلامي في التفاسير اليهودية الوسيطة (من مقدمة كتاب: تفاسير الرابي سعديا جاؤون لسفر التكوين)، ترجمة: أ. د. أحمد محمود هويدي، مركز الدراسات الشرقية، جامعة القاهرة، سلسلة فضل الإسلام على اليهود واليهودية، العدد 6، 2003 م، ص 18، ص 43.
(4) عبد الرازق أحمد قنديل (د)، مرجع سابق، ص 430.
(**) أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري، الإمام الجليل، المجتهد المطلق، صاحب التصانيف المشهورة، وهو من أهل آمل طبرستان، ولد بها عام 224هـ، ورحل من بلده في طلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، سنة 236هـ، وطوف في الأقاليم، فسُمع بمصر والشام والعراق، ثم ألقى عصاه واستقر ببغداد، وبقي بها إلى أن توفاه الله سنة 310هـ. انظر: محمد حسين الذهبي (د)، التفسير والمفسرون، مكتبة وهبة، القاهرة، الجزء الأول، ص 147.
(5) عبد الرازق أحمد قنديل (د)، مرجع سابق، ص 425 - 426.
(6) المرجع نفسه، ص 430، ص 432.
(***) تجدر الإشارة إلى أنه قد تعددت الآراء في تعريف المحكم والمتشابه المذكورين في هذه الآية الكريمة، بيد أننا إذا نظرنا إلى سياق الآية نخلص إلى ترجيح رأي الإمام الطيبي - رحمه الله - في قوله أن المحكم هو اتضح معناه، والمتشابه بخلافه. انظر: جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، المجلد الثالث، ص 3 - 12.
(7) موشيه مردخاي تسوكر، مرجع سابق، ص 47.
(8) عبد الرازق أحمد قنديل (د)، مرجع سابق، ص 435.
(****) عرَّف الزركشي الرسم العثماني بقوله: خط يُتبع به الاقتداء السلفي، كما سماه المارغني بالخط الوقفي. وتعددت تعاريف العلماء للرسم العثماني في الاصطلاح، فعرفه الجعبري بأنه: مخالفة الرسم القياسي ببدل أو زيادة أو أصله أو فرعه أو رفع لبس ونحوه. وقيده المارغني بقوله: علم تعرف به مخالفاتُ خطِّ المصاحف العثمانية لأصول الرسم القياسي. وعرفه الزرقاني بأنه: الوضع الذي ارتضاه عثمان بن عفان ومن كان معه من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - في كتابة كلمات القرآن الكريم وحروفه. وعرفه محمد طاهر الكردي بأنه: ما كتبه الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - من الكلمات القرآنية في المصحف العثماني على هيئة مخصوصة لا تتفق مع قواعد الكتابة. انظر: نمشة بنت عبدالله الطواله، إعجاز الرسم القرآني بين المثبتين والنافين، مجلة الدراسات القرآنية، الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه، العدد 10، 1433هـ، ص 400.
(9) عبد الرازق أحمد قنديل (د)، مرجع سابق، ص 192 - 193.



---------------------------


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:08 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59