ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   أخبار ومختارات أدبية (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   كاد النعام يطير! (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=21612)

عبدالناصر محمود 04-12-2014 07:49 AM

كاد النعام يطير!
 
كاد النعام يطير!
ـــــــــــــــــــــ

{محمود محمد شاكر}
-------------

12 / 6 / 1435 هــ
12 / 4 / 2014 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ


https://scontent-a-fra.xx.fbcdn.net/...49444278_n.jpg


كاد النعام يطير!
-----------

لا بأسَ إذا أنا استمرأتُ الراحة، وجعلتُ هذه الكلمة أيضًا جمامًا من تَعب، فإنَّ الحمَّى قد أضرعتْني للملل، فوق الملل الذي كنتُ أجده من مدارسة تاريخ العصر القريب، منذ عهد نابليون ومحمد علي، إلى أيامنا هذه، لكي أعدَّ المقالة التي وعدتُ القرَّاء بها، وجعلت عنوانها "أباطيل وأسمار"، وأنا مفطورٌ على الملل من السخف المتشابه، وأشد مللاً من الغفلة عن إدراك هذا التشابه المتتابع، فاجتمع عليَّ من الملل ما آثرتُ معه أن أتخفَّف من الضيق والجد، وضراعة الحمَّى ببعض الباطل.

أليس مِن حقِّي أن أستلقيَ على ظهْري، وأضع ساقًا على ساق، وأجمع كفِّي مشبكَّة أصابعهما من وراء رأسي، وأخلع نظَّارتي، وأغمض عيني، وأتحدَّث على السجية، غيرَ متكلِّف ولا محتشم؟!

إنَّه مِن حقِّي أن أفعله بين أهلي وزُوَّاري وأصحابي بلا ريب، فإذا كان ذلك كذلك فينسحب عليه أنَّه من حقِّي أيضًا أن أفعلَه على الورق بين قرَّائي وأهل مودتي ممَّن يقرأ "الرسالة" أليس كذلك؟! وهكذا الدنيا، وإلاَّ فمعذرة، فهكذا أنا، رَضِي القرَّاء ذلك منِّي، أو كرهوه!

وخَطَر لي أن أقول للناس:
"كاد النعام يطير"، بل قد طار، ثم أقصُّ قصَّة وقعتْ، ورأيتُها بعيني، عليَّ أن أرويَها، وعليهم أن يُصدِّقوها، ولِمَ لا؟! أليس النعام طائرًا ذا جَناحَيْن؟ فما يمنعه أن يطير؟ ومَن الذي يملك أن يُكذِّبني فيما أقول، ومعي هذا الصِّدق، وهذا المنطق؟ وقد وجب ذلك؛ لأنَّه زمانٌ عجيب، ولأني لو حدثتُك أنَّ إنسانًا نَظَر في المرآة فلم تعجبه سحنتُه، فانطلق عامدًا إلى أقرب دار للتجميل، فدخل وخرج بعد ساعة وسيمًا وضيئًا، راضيًا عن نفسه، قد عاد مسنونَ الوجه بعدَ استدارة منفِّرة، أحورَ العينين بعد جُحوظ وحَوَل، أشمَّ العِرْنِين بعد الفطَسِ، أظْمَى الشفتين (أي رقيقهما) بعدَ الهَدَل (أي بعد غلظهما واسترخائهما كشفاه الزنج) - لو حدثتُك بهذا، وأني رأيتُه كذلك، ورأى نفسَه كذلك، لما كان شيئًا عجيبًا، ولوجب عليك أن تصدِّقني؛ لأنَّ الزمن الذي كان يُقال فيه: إنَّ "الخبر" هو الكلام الذي يحتمل الصِّدق والكذب، زمانٌ قديم كان يحتمل "اللتّ والعجن"، ونحن في زمان إلى التبسيط ما هُوَ، وإلى السُّرعة ما هو، فمِن التعقيد وإتلاف الوقت أن تجلس مجلس التنابلة، لا عملَ لك إلاَّ ابتغاءَ تكذيبي، وإلاَّ استهلاك نفسك وعقلك وزمانك في تقليب الكلام، وتشقيقه وتفصيصه، تزعم أنك تريد أن تَمِيزَ الصدق من الكذب، والخبيثَ من الطيِّب! أليس كذلك؟ نعم! هو ذاك وربِّ الكعبة! لا، ولا تنسَ أيضًا أنَّ الذي يُحدِّثك بهذا رجلٌ مذكور غير مغمور، وهو عندَ الناس رفيعُ القَدْر، مشهود له بالعِلم وصِدق الكلمة، وهو أيضًا متقادِم الميلاد، قد حلب الدهر أشطرَه، عَرَف وجرَّب، فمِن سفه الرأي أن تلجأَ إلى المماحكة؛ طلبًا لتفنيد ما يقول، فصدِّق وتوكَّل على الله.

أوه! ضاق صدري بهذا الكلام، ونَدَعُ هذا لنتحدَّثَ في ضرْب آخر، ولا أجد شيئًا يمدُّني بما أريد (في مثل هذا الموقف!!) سوى "صحيفة الأهرام"، ولا سيَّما إذا كان يوم جمعة، فإن بركة المستشار الثقافي شاملة غامرة، قد عمَّت وطمَّت!! وقرأتُ فيها كلمةً عليها توقيع الأستاذ الكبير "توفيق الحكيم" بخطِّ يده محفورًا على الزنك، وجعلها مقدمة للوَرْطة.

وإن كنت لا أدري:
الورطةُ، هي المسرحيات ذات الفصول الخمسة، أم هذه المقدمة؟ وصدِّقْني إذا قلت لك: لا أدري، فإنَّ الأمر قد اختلط عليَّ اختلاطًا شديدًا، لا أملك معه سوى التوقُّف، والْتماس المعونة من مُعِين، وبالطبع أنا لا أملك شيئًا سوى عقْلي، وعليه اعتمادي في الملمَّات، قرأت كلمة الأستاذ الكبير بعناية فائقة، ولا داعيَ للقَسَم، وحاولت أن أعتمد على "عقلي" مرَّات، مرَّة بعد مرَّة بعد مرَّة، حتى تعبت، وكدت أستعفي من إصراري على استخدام "العقل"، وراودتني نفسي أن أقومَ فأذهب إلى لويس عوض، وأسألُه أن يرفدني ويعينني ببعض هذا "السائل" الذي أُغلقت عليه جمجمتُه؛ فإني رأيتُه نافعًا للفَهْم ميسِّرًا للطبيعة، صالحًا معينًا على إدراك الخوافي والغوامض (مجرّب) كما يقول الطبيب ابن البيطار في مفردات الأدوية، إذا وصف للمرضى دواءً ناجحًا شافيًا، ومرة أخرى: أوه، ضاق صدري بهذا الكلام!

على رأس "ستِّين مسرحية" كتبها "توفيق الحكيم" لم يزلْ يحاول، ويبحث عن حل "لمشكلة اللغة المناسبة للتمثيلية العصرية في بلادنا"، مع الرجاء "من كلِّ صاحب رأي في المشكلة إيجاد حلٍّ عمليٍّ، لا أن يكتفيَ بالاعتراض الكلامي، فالآراء السلبيَّة لن تقدمنا خُطوة، نحن الآن أحوج ما نكون إلى الحلول الإيجابية التي تقترن بمشروع بنَّاء، ومحاولة فعليَّة للمعاونة على إيجاد مخرَج لِمَا يواجهنا من مشاكل"، وهذا نصُّ كلامه.

ولا أدري علامَ كل هذا؟
أليس الأستاذ قد وضع الحلّ، قبل أن يختمَ كلمته بهذا الرجاء؟ والمسألة سهلة جدًّا، لا أدري كيف غابت عن الناس منذ تكلَّم بها المبشِّرون الأوائل، من "سبيتا"، إلى "ويلككس"، إلى "لطفي السيد"، إلى "سلامة موسى"، إلى "لويس عوض"، وذيول بعدَ ذلك - وفي خلال ذلك - كثيرة.

مسألة بسيطة! فإنَّ أهل اللغات الحية، كما يقول الأستاذ (وهم بالطبع أذكياء جدًّا، وذوو بصر ومعرفة!) طالما عيَّرونا بأنَّ لُغتنا العربية صائرةٌ إلى زوال؛ لأنَّ الناس في تخاطُبهم لا يتكلَّمونها! - وهذا إنذارٌ أشرْنا إليه آنفًا، أنذَرَنا به المبشِّرون مثل "سبيتا"، ولا سيما "ويلككس" المبشِّر؛ محافظةً على حياتنا، وحياة اللغة العربية!

ويقول الأستاذ الحكيم أيضًا: إنَّ أهل المصلحة منهم (يعني ذوي الأغراض السيئة) يُمعِنون في إبهامنا بعمق الهُوَّة بين الفُصْحى والعامية - وهذا أيضًا ممَّا قالوه جميعًا، وأشرْنا إليه آنفًا، ولكن الأستاذ الجليل فكَّر كثيرًا، وانتهى إلى أنَّ الواقع الذي لاحظه اليوم، ولاحظه كثيرون، هو عكس هذا الزعم، فالعامية هي المقضيُّ عليها بالزوال، والفارِقُ بينها وبين الفصحى يَضِيق يومًا بعدَ يوم! وكفى الله المؤمنين القتال!

ثم أخذ يُدلِّل على ذلك بأدلته الكثيرة، بمهارة وحِذْق وإتقان؛ ليزيلَ الوهم، كما قال: "بوجود لغتين منفصلتين تقوم بينهما هُوَّة سحيقة؛ فإنَّ هذا الاعتقادَ هو الذي جعل كثيرًا من كتَّابنا يمعنون في تعميق الهوَّة بدون مبرِّر أحيانًا، لا لشيء إلاَّ لتأكيد انفصال العامية، وإظهارها بمظهر اللُّغة المستقلة"، وخلص إلى شيء سهل جدًّا هو: "أنه يرفُض الاعتراف بوجود لُغة منفصلة مستقلَّة اسمُها العامية، نترجم إليها العربية، كما لو كانت لغةً أجنبية، في حين أنَّ الموجود هو مجرَّد لهجة تخاطُب عربيَّة، استُخِدم فيها بعضُ الرُّخص، والاختزالات، والاستبدالات، كاستعمال الحاء بدلَ السِّين في الفعل المستقبل، فينطق "حاكتب" بدل "سأكتب"، وإلحاق الباء بالفعل المضارع تأكيدًا للحاضر، مثل: "بيكتب"... وهي على كل حال ليستْ من الضخامة التي تُبيح الزعمَ والاعتقاد بوجود لُغة مستقلَّة، منفصلة عن العربية... وإني كلما شغلتُ نفسي بملاحظة بعض المتكلِّمين عندنا، وجدتُهم على غير وعي منهم (هكذا والله العظيم) قد نَطَقوا لغةً عربية سليمة، تكاد تقترب من لغة الكتابة، فيما عدا ترْك الإعراب، ونطق القاف في قال، ويقول، بالهمزة أو الجيم، حسب المنشأ والمنطقة... فالهوَّة إذًا ليستْ سحيقةً إلى هذا الحد الذي يُبيح العمل على تعميقها، وشطر اللغة الواحدة شطرين، وجعلها لُغَتين، وقسم الشعب شعبين..." انتهى كلام الأستاذ الحكيم!!

ولا أدري، مرَّة أخرى، ماذا أقول؟! فمنذ أكثر من خمسين سَنَة، كتب المبشِّرون مثلَ هذا الكلام، وأعاد ترديدَه في سنة 1913 أحمد لطفي السيد، وسمَّاه "عقْد الصلح بين العامية والفُصحى"، ولم يزِدْ عليه الأستاذ الحكيم الكبير قُلامةَ ظفر، فإذا كنَّا بعد خمسين سنة لا نزال نردِّد أقوالاً، ونضع مشروعاتٍ قد أكل الدهرُ عليها وشَرِب، وتكلَّم فيها الناس كلامًا كثيرًا، فماذا يعني هذا؟

يعني أنَّنا نتوارث ألفاظًا نُديرها في حلوقنا، ثم نرجعها على الآذان أو في الورق، بلا أدْنى محاولة للنظر والتفكير، والإحاطة والاستيعاب، ولم يزدْ عملُ الأستاذ الحكيم على أن جلس ساعةً وفكَّر، ثم أرسل اللغة العامية إلى دار التجميل، فلما عادتْ قال لنفسه: هذه هي الفُصحى، وقال لنا: هذه هي الفصحى، ولا تجادلوا؛ لأنَّ الأمر لا يحتمل الجِدال، وقد جئتكم بالأدلة، "ونحن اليوم بسبيل بناء أمَّة موحَّدة في التفكير والعمل، ونتحدَّث عن إذابة الفوارق بين الطبقات (الله، الله!!)، فكيف يتمُّ ذلك بغير إذابة الفوارق في لُغة التخاطُب!! وللتدليل أيضًا أنشأ "الورطة مسرحية في 5 فصول" فإذا هي أشبهُ شيء بالفصحى (وإن كانت بصريح العامية!)، وينبغي أن نصدِّق ذلك، أولاً: لأنَّ العامية لُغة عربية، والفصحى لُغة عربية، كما أنَّ النعامة طائر، والعُقَاب طائر! هذا له جَناحان، ولها هي أيضًا جناحان، وإذًا فهما شيءٌ واحد أيضًا، فما هذه المشاكل التي ينشئها الراغبون في إقامة الحواجز، وفي القضاء على كلِّ تشابه بينهما، وفي تشويه معالِم اللُّغة العربية! كما ينشئها أيضًا هؤلاء "المتقعِّرون" ممن يحلو لهم تجنُّب الشائع الصحيح لمجرَّد أنَّ العامة عرفتْه! مسألة بسيطة!

وليس من همِّي الآن أن أناقش في بيان فضيلة هذا المشروع الجليل، وليس هذا أوانه، وسيأتي أوانه في بعض المقالات - إن شاء الله - وإن كان الأستاذ الدكتور علي عبدالواحد وافي قد أكثر وأجاد فيما كَتَب عن هذه الفروق التي يزعمها الناس بين العامية والفصحى، ولا يزال يفعل، ولكن الأستاذ الحكيم غيرُ مكلَّف بالاطِّلاع على شيء من ذلك؛ لأنَّه كاتبٌ عظيمُ القدر، رفيع الذِّكْر، قد مارس هذا الأمر دهرًا طويلاً، استغرق ستِّين مسرحية! هذا فضلاً عن كونه عضوًا في "المجمع اللغوي"، فليس عليه أن يطَّلع على ما يكتبه عامَّة الناس، وليس مِن حقِّ أحد أن يستدركَ عليه ما يتكلَّم به في اللغة.

ولكن بسوء خُلقي، وبما فُطِرت عليه من العِناد والمماحكة، وبما آتاني الله من الغُرور والجُرأة، وبطبيعة مولدي من أبوين صَعيديَّين، وبالجذور الممتدة إلى "عرق الثرى"، وهو أبي إسماعيلُ بن إبراهيم خليل الرحمن - عليهما السلام - أُحبُّ أن أناقش الأستاذ الكبير، لا في مشروعِه العظيم، ولا في الفروق بين العامية والفُصحى، بل في أدلَّته التي جاء بها، وإن كنت بلا شكٍّ أيضًا ممَّن يعترف على نفسه (والأمر لله) بأنه يحبُّ أن يتكلَّم فيما لا يعلم قوَّة واقتدارًا، وسأتخيَّر بعضَ هذه الأدلة لا على وجه الاستقصاء، ولا على الترتيب المنطقي البديع المتقن، الذي هو أحسن بدعًا، وأشد إتقانًا مِن "حوار الحكيم" الذي اشتهر به عند الناس.

فمثلاً، يقول الأستاذ الكبير في بعض أدلَّته على جواز إلغاء الإعراب في الحوار التمثيلي العصري المنطوق والمكتوب: "وتسكين الأواخر؛ أي: الوقف بالسكون، وعدم الإعراب (وهذا أسلوب فصيح جدًّا) هو أيضًا من صِفات لُغة التخاطُب السريعة في كل أمَّة عربية (شيء عظيم أيضًا) ولعلَّ الأمر كان كذلك أيَّام العرب القدامى (خذ بالك) في أوج حضارتهم، فقد كان يقال: "سَكِّن تَسْلَم"، وما نحسب الكلام والتخاطب في الأسواق في أيَّامهم كان بإعراب أواخر الكلمات، فالتسامح إذًا (وهي نتيجة منطقية، ولا يؤاخذني القارئ في إقحام نفسي، فهذه شيمتي كما وصفتُها) في الوقف في الحوار التمثيلي العصري المنطوق والمكتوب يجب ألاَّ يَقْدَح في عربية اللُّغة وسلامتها (بالطبع، وكيف لا يكون ذلك كذلك؟)، وقد قال ابن الأثير في كتابه "أُسْد الغابة": "إنَّ اللحن لا يَقْدح في بلاغة أو فصاحة".

وليس أحد بالطبع أيضًا أعلمَ بأخبار قُدامى العرب من أستاذنا الجليل، إلاَّ يكن لطول تحصيله، فلكونه عضوًا في "المجمع اللغوي"!! فهو بلا شكٍّ يعلم ما يقول، وإن كان أمثالنا لم يعرفوا لم قيل: "سَكِّن تَسْلَمْ" فأتانا بالأمر من فصِّه، ودلَّنا على أنَّ هذه الكلمة قيلت؛ لتكونَ منهاجًا يسير عليه المتكلِّمون والكاتبون أيضًا، وكنا نظن ظنًّا - ولظنٌّ في هذا الأمر لا يُغني من الحق شيئًا - أنَّها قيلت في رجل قرأ كتابًا فظلَّ يلحن، فيُراجَع فيلحن على وجه آخر، فلما ضاق سامعُه به قال له: "سكِّن تسلمْ"؛ يعني باللغة العامية: (ريحنا، يا أخي)، ولكن هذا ظنٌّ، والعلم عينُ العلم هو الذي جاءنا به الأستاذ، فحُقَّ علينا أن نترك الظنَّ المتوهَّم، إلى اليقين الثابت، وقد فعلْنا إن شاء الله، ورَضِي الله عن الأستاذ.

أما الدليل الآخر، فهو كلام ابن الأثير، وهو حُجَّة قاطعة في هذا الأمر، وبخاصة أنَّ كتاب "أُسْد الغابة" الذي ذكَرَه الأستاذ كتاب عظيم جدًّا، دَرَس فيه صاحبُه مسائل اللُّغة والفصاحة والبيان، وقد كنَّا نسمع من شيوخنا - رحمهم الله، وغفر لهم - ما أساؤوا من تربيتنا على الجَهْل، أنَّ هذا الكتاب الجليل "أسد الغابة" هو كتاب للحافظ عزِّ الدين أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيْباني، المعروف بابن الأثير الجزري، ألَّفه في ذكْر الصحابة وتراجمهم وأخبارهم (ولد سنة 555 هـ وتوفي سنة 630)، كان هذا ما علمناه سماعًا، فالآن ينبغي أن نصير إلى قول الثِّقات، لنعلمَ أنَّ شيوخنا قد ضلَّلونا عن الحق، استهانةً منهم بالعلم.

ولولا أنَّ الأستاذ - أبقاه الله - أراد لنا أن نصحِّح أخطاء شيوخنا، لَمَا ذكر اسمَ الكتاب نصًّا، ولاقتصر فقال: "وقد قال ابن الأثير: إنَّ اللحن.." دون أن ينصّ، هل يعقل أن يكتب أحد أعضاء "المجمع اللغوي" شيئًا إلاَّ لهدف، من إصلاح خطأ شائع، أو إزالة وهْم سابق، أو إذابة فوارق يمليها الجهل والتقعر؟!

ومِن جهل شيوخنا - غفر الله لهم -: أنَّهم حين علَّمونا، زعموا أنَّه كان لعزِّ الدين أبي الحسن علي بن محمد هذا، أخٌ آخرُ يقال له: "ضياء الدين أبو الفتوح نصر الله بن محمد بن محمد بن عبدالكريم الشيباني"، ويُعرف أيضًا بابن الأثير الجزري، وزعموا أنَّه ولد سنة 558 هـ، وتوفي سنة 637 هـ، وأنَّه ألف كتابًا يقال له: "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"، وهذا خلطٌ قبيح! فليس هذا الكتاب في أدب الكاتب والشاعر، كما عرفْنا اليوم، بل هو في موضوع آخر، لعلَّه علم التاريخ، ولعلَّ صوابه: "المثل السائر، في أخبار الأوائل والأواخر"، هذا أكبر ظنِّي؛ لأنه ينبغي أن نتعلَّم كيف نحسن الظن، وكيف لا، والظن أعلى مراتب اليقين إذا أحسن الإنسان كيف يظن، ويقول: "لعلَّ الأمر كان كذا وكذا"؟! وحسبك ما قاله أوس بن حجر في رثاء صَدِيق له من الأذكياء:
الْأَلْمَعِيَّ الَّذِي يَظُنُّ لك ال
ظَنَّ كَأَنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا

ومِن سوء تربية هؤلاء الشيوخ، ولا ندري أنستغفر لهم أم نسيء القالةَ فيهم: أنَّهم زعموا أنَّ ابن الأثير هذا قال: "إنَّ النحو يقع فيه الخطأُ كثيرًا، لا في الذي يخفَى منه، بل في الظاهر المشهور، وضَرَب على ذلك مثلاً ببيت المتنبي في صِفة ناقة.
وَتَكَرَّمَتْ رُكْبَاتُهَا عَنْ مَبْرَكٍ
تَقَعَانِ فِيهِ وَلَيْسَ مِسْكًا أَذْفَرَا

فجمع في حال التثنية؛ لأنَّ الناقة ليس لها إلا رُكبتان، فقال: "ركبات"، وهذا مِن أظهر ظواهر النحو، وقد خَفِي على مثل المتنبي، وقد كنَّا نجادلهم في هذا الذي قالَه ابن الأثير، ونقول لهم: إنَّ الله -تعالى- يقول في سورة التحريم ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ [التحريم: 4]، فجاء الجمْع في حال التثنية - وندَّعي أنَّ هذا الذي قاله المتنبي هو الصواب المحض؛ لأنَّ المثنى أكثر من واحد، فهو بمنزلة الجمع، وما دامتِ الناقة ليس لها إلا ركبتان، ولا يتوهم أن يكون لها أكثرُ من ركبتين، فاستعمال الجمع مراد به التثنية بلا ريب ولا اشتباه، كما في الآية.

ثم إنَّ ابن الأثير هذا - فيما زعموا - عقَّب على ذلك، فقال: "ومع هذا ينبغي أن تَعْلم أنَّ الجهل بالنحو، (بهذا النص والعمدة عليهم) يقدح في الجاهل به نفسِه؛ لأنَّه رسومُ قوم تواضعوا عليها، وهم الناطقون باللُّغة، فوجب اتباعهم".

ولا ندري كيف علمنا هؤلاء الشيوخ مثلَ هذا الكلام الفارغ؟ ولا كيف نسبوا مثلَ هذا الهراء إلى ابن الأثير؟ وأوهمونا أنَّ الخطأ في النحو "جهل"، وأنَّ هذا المخطئ في النحو "جاهل" يقدح فيه خطؤه! إنهم قوم متقعِّرون؛ لأنَّ الأستاذ الحكيم قد روى لنا حقيقةَ ما قال ابن الأثير على وجهه، فقال ما نصُّه: "إن اللحن لا يقدح في بلاغة أو فصاحة"، ومعنى ذلك أنَّ الكلام الذي ترفع فيه المفعول، وتنصب الفاعل، وتنطق فيه الإعراب سكونًا، وتقلب الذال فيه دالاً، وتجعل "الذي" "اللي"، وتقول فيه "ليه" مكان "لماذا"، (أو "لِمَ" على الأصحّ)، وتجعل الثاء مرة تاء، ومرة سينًا، فتقول: "تالت" في "ثالث" و"سابت" في "ثابت"، إلى آخر هذا، كله فصيح قاعِد على يافوخ اللغة، أو ناشئ في حِضنها، ولا ينبغي التخلِّي عنه لجهل هؤلاء الشيوخ الجَهَلة، ولولا أنَّ هؤلاء جميعًا جهلة ضربةَ لازِب لصحَّحوا أولاً الكلمة على ما رواها لنا الأستاذ توفيق الحكيم؛ لأنها هي المنطِق الصريح المعقول، ولاستدلوا بها على أنَّ هذا الذي يدَّعيه المدَّعون من الأخطاء النحْوية في كلام بعض الشعراء والكتَّاب، ليس خطأ، بل هو إذابة للفوارق بين لُغة التخاطُب ولغة الكتابة والشعر، سبقوا به الاشتراكيةَ بدهور طوال في "إذابة الفوارق بين الطبقات"!!

وأما ما حدَّثونا به عن الشيء الذي كتَبَه ابن الأثير، عن التفريق بين مفهوم معنى لفظ "الفصاحة"، ولفظ "البلاغة"، وجعله "الفصاحة" أمرًا متعلِّقًا بالألفاظ من حيث الحُسْنُ والقبح، و"البلاغة" متعلِّقة بتركيب هذه الألفاظ الحسنة لبلوغ أقْصى غاية المعنى المطلوب، وأنه مِن أجْل هذه المسألة في التفريق، قال: إنَّ الخطأ في بعض النحو، لا مدخلَ له في "الفصاحة"، أو في "البلاغة" من هذا الوجه؛ لأنَّه مقحم على المسألة، إلى كلام كثير قالوه - أقول: هذا كلُّه عبث منهم، غرَّروا بنا وأضلُّونا، وأدخلونا مداخلَ تضيِّع الوقت، وتستهلك العقول، بلا محصِّل يرجو الإنسان من الإلحاح عليه خيرًا، لا قليلاً ولا كثيرًا.

وكذلك تكون النتيجةُ المنطقيَّة: أنَّ هذا "اللَّتّ والعجن" في مسألة العامية والفصحى، إنَّما هو مضغ للألفاظ بلا فائدة، وأن العامية التي يزعمون ليستْ إلاَّ الفصحى نفسها: سليمة صحيحة، لا عيب فيها، وكل ما في الأمر أنَّنا أخذْنا ببعض "الرخص والاختزالات والاستبدالات وعدم الإعراب"، وفتحْنا ما يُنطق مضمومًا في الفصحى، وكَسرْنا ما هو مفتوح، وضممْنا ما هو مفتوح أو مكسور، وإن استغرق ذلك كلَّ كلمة في العبارة التي تَلْقَى في المسرح، أو في المدرسة، وبذلك زالتِ الفجوات، وذابتِ الفوارق، وعاد ما يسمُّونه عاميًّا سوقيًّا مبتذلاً، فصيحًا مُغرِقًا في الفصاحة! وانتهى الأمر!!

ولا يضرُّ أبدًا أن يختلف الناس في ذلك أيضًا ما شاء لهم الاختلاف، وأن يتكلَّم المصريُّ غيرَ ما يتكلَّمه الشامي، غيرَ ما يتكلَّمه أهلُ الجزيرة، غيرَ ما يتكلَّمه المغربيّ، غير ما يتكلَّمه السودانيّ، غير ما يتكلَّمه العراقيّ، ما داموا جميعًا عَربًا قد اتَّحدوا، أو هم في طريقهم إلى الوَحْدة، فكلُّ ما يتكلم به المتكلِّمون من هؤلاء وغيرهم جائِز، وهو فصيح لا شكَّ في فصاحته، وكيف لاَ وهم جميعًا عَرَب؟! فإذا قلنا: لا، ليس الأمر كذلك، كان ذلك حُجَّة على خيانتِنا للمبادئ، وإنكارنا للوَحْدة العربية؛ لأنَّ معنى ذلك أننا ما دُمنا نقول: إنَّ اللغة التي يتكلَّم بها الشعب ليستْ من العربية الفُصحى، فالشعب المصريُّ إذًا ليس بعربيّ، والسودانيُّ ليس بعربيّ، والعراقيُّ ليس بعربيّ، والمغربيُّ ليس بعربيّ، فهذا من أظهر الأدلَّة على أنَّ الذين ينفون عن عامية هذه الأمم جميعًا أنها عربية، إنما يخونون قضيةَ الوَحْدة العربية، وينسفونها من جذورها!!

كيف لا، وهؤلاء الذين يدَّعون أنهم يدافعون عن الفُصْحى قد خانوا الأمانة، وكَتَموا العلم، وتجاهلوا أنَّ الأمر منذ قديم، كان كذلك، وكان على هذا الوجه نفسِه، وإنما همُّ أحدُهم أن يجلس على الكرسي، ويضع ساقًا على ساق، ويتَّكئ على عصاه، ويسرح في ملكوت الله، ثم يأتي يعترض الناس بمِثل هذا التظاهر بالدِّفاع عن الفصحى، وهو لا يريد إلاَّ توسيعَ هوَّة الخلاف، مع تمام علمه بالدليل القاطع، الدالِّ على فساد رأيه، ولكنَّه يكتم هذا الدليل، مع وضوحه، وقرعه أسماعنا باللَّيْل والنهار، في التلفزيون، وفي الراديو، وفي الموالد، والمآتم، والأفراح حيث يقرأ القرآن بالقراءات السبع!!

وفي ذلك أوضحُ الدليل على أنَّ "لغتنا العربية من قديم كان المنطوق فيها المخالِف للمكتوب أمرًا شائعًا"، وهذا أمر يعرفه الذي درس "الأحرف السبعة" التي نزل بها القرآن[1] ولكنَّ المستخفِّين المستهينين العابثين، الذين لا يَرْعَوْن لشيء حُرْمةً يتغاضون عن هذا الدراسة، ويتكلَّمون بما يُفضي إلى إيجاد مشكلة لا أصلَ لها، فيها تفريقٌ قبيح يجعل الشعبَ الواحد شعبَين، بل شعوبًا لا عدَّ لها، بقدر ما في الشعوب العربية من الاختلاف في نُطق الألفاظ وتركيبها!

وماذا يُريد هؤلاء المفسِدون؟ أيريدون أن تبقى العربية - دون لُغات الناس جميعًا - (وهذا شيء لا شكَّ فيه، وإن خالفه الواقع في كلِّ أمَّة عند هؤلاء المفسدين) لغةً مكتوبة ومنطوقة أحيانًا على هيئة عند "المثقفين"، ومنطوقة على هيئة أخرى عندَ غير "المثقفين"؟ وما معنى أن تبقى "الثاء" و"الظاء" و"الذال" التي تخرج فيها اللسان، وقد بادتْ من لغات الدُّنيا جميعًا، فالإنجليزي الآن لا يقول "ذي"، ولكن "زي"، ولا يخرج للناس لسانه؟ وما معنى الفرْق بين الجيم المعطَّشة وغيرِ المعطَّشة؟ إلى آخر هذا الهراء كله، وقد مضى المثل، فإنَّ "المؤلفين المسرحيِّين في أوربا في العصور الماضية، كان لهم فضلُ الارتفاع بلغة التخاطب فوق المسارح، ممَّا جعل الناس يحاكونها في حياتهم اليومية"، وكانت وسيلتهم إلى ذلك أنهم استعملوا "الرخص، والاختزالات والاستبدالات وطَرْح تكاليف قواعد لغتهم"!! وجعلوا لغة العوام غير المتعلًِّّمين هي اللغةَ التي يُمثَّل بها، ويُكتب بها، ويُدرَّس بها في المدارس!! وهذا شيء يعرفه كلُّ مَن سافر إلى أوربة، ودرس لغة كلِّ قوم من أقوامها، واطَّلع على الطريقة التي تُدرَّس بها جميعُ العلوم!! فالقوم هناك متساهلون لا يُلزِمون أحدًا لا بنحو، ولا بصرف، ولا بمخارج ألفاظ، ولا بكلِّ هذا الهراء الذي يتبجَّح به المتصدِّرون للفتوى، المدَّعون أنهم إنما يدافعون عن الفصحى، وعن كيان الأمَّة العربية، وهم في كلِّ ذلك كَذَبة مبطِلون!

وإذًا، فعلينا هنا أن نفعلَ كفعلهم، حتى تكون لغتنا كلغتهم لغةً حيَّة، فنقذف بكلِّ هذا الذي ادعوه من النحو، منذ سيبويه إلى الأشموني، وبكلِّ هذا الالْتزام الكاذب بالذي يسمونه "مخارج الألفاظ"، ونلزم الناس بأن يقرؤوا المكتوبَ بلا جيم معطشة، وبلا إخراج لسان في "الثاء" و"الظاء" و"الذال"، وبلا مبالاة بمرفوع أو منصوب، وبلا نظر إلى ما يقولون في كُتب اللغة: كذا على وزن كَذا، فإنَّ هذا التقييد ضارٌّ أشدَّ الضرر، متلِف للوقت، مضيع للجهد، بل هو أحيانًا سوء أدب، فكيف تُخْرِج لسانك للناس مثلاً؟ أهذا أدب؟! ولماذا نتقعَّر في نطق القاف مثلاً، فنقول: "قرأ"، والأسهل والأحسن "أرأ"، ونقول "الحقائق" والجيِّد في لغة التخاطب "الحآي"؟! إلى أشياء لا تزال باقية، ينبغي أن تتناصر جميعُ وسائل الإعلام على إزالتها؛ لإذابة الفوارق بين طبقات الناس من ناحية، وطبقات كلمات اللُّغة من ناحية أخرى!! وإلاَّ بقيت لغةً طبقيَّة، فيها ما ينطق مرَّة بالقاف، ومرَّة بالهمزة ومرَّة بالتاء، ومرة بالسين، هذا هو المنهج، ومَن ظن أنه يُريد الاعتراض، فهو "اعتراض كلامي"، و"رأي سلبي"، مع وجود هذا "الحل الإيجابي"!

يؤسِفني أن أذهب هذا المذهب، ولكن ماذا أفعل، إذا كنت لا أزال رجلاً ممَّن يعدُّ نفسَه مدافعًا عن اللُّغة؟ ولا أجد مناصًا من إلْزام نفسي باتِّباع طريقة الأستاذ الحكيم، مع بعض التصرُّف، لأني أعدُّ عضوية "المجمع اللغوي" صفةً ملزِمة لي باتِّباع سبيله، وهو قد كتب دفاعًا عن اللغة، فلا أقلَّ من أن أكون له ناصرًا في هذا الذي "حارتِ البرية فيه"، وأنا امرؤ أكره التساهل لنفسي، وأكره الاستخفافَ، فلذلك تناولتُ حلَّه لهذه المشكلة بلا استخفاف وبلا استهانة، بل بِجِدٍّ واقتناع، ومدارسة ومذاكرة، لكي تنقشع عني هذه الغمامةُ التي طمست عقلي، بسوء تربية هؤلاء الشيوخ القُدماء، الذين أتْلفوا الكتب، وأفسدوا العقول، وزادوا فيها ونقصوا، وحرَّفوا وبدَّلوا، ولم يبالوا بالأمانة، ولم يعلموا أنَّ المعلِّم مؤتَمَن، وأنه ينبغي أن يؤدِّي الأمانة على وجهها إلى الجيل الذي يليه، بلا تلعُّب بالنصوص، ولا نقْل لها عن مواضعها التي قِيلت فيها؛ لأنَّ هذا المسلك قبيحٌ جدًّا، وكان لا يليق بهم إن كانوا حقًّا من أهل العلم، ومِن محبِّي الحق، ومِن الداعين إلى الإصلاح!! ورَحِم الله شيخَ المعرَّة إذ يقول:
مَنْ يَبْغِ عِنْدِيَ نَحْوًا أَوْ يُرِدْ لُغَةً
فَمَا يُسَاعِفُ مِنْ هَذَا وَلاَ هَذِي
يَكْفِيكَ شَرًّا مِنَ الدُّنْيَا وَمَنْقَصَةً
أَنْ لاَ يَبِينَ لَكَ الْهَادِي مِنَ الْهَاذِي

وأيُّ هذيان كناَّ فيه منذ اليوم، والأستاذ توفيق الحكيم ذو حظٍّ عظيم من الفضْل، وهو الهادي إلى كلِّ زيادة في الخير!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
[1] هذه الحُجج والبراهين اهتدى إليها الأستاذ الحكيم بلا استعانة بأحد من الناس، لا عربهم ولا عجمهم!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:38 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59