الفعلية في العربية
1 مرفق
الفعلية في العربية المرجع في المرفقات د . عبد الوهاب حسن حمد الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم والصلاة والسلام على حبيب الحقمحمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان. وبعد،فان موضوع هذا البحث موضوع مهم في الدراسات اللغوية والنحوية،فانه يبحث في دلالة الفعل وهو موضوع جدير بالبحث وبذل الجهد،أن نظرية العامل ومتاهات المنطق والفلسفة قد مدت بظلالها الكثيف على الدراسات النحوية فغفلت عن تلك اللمحات النادرة في الأسلوب العربي ومراميه وغطت درره وكوامن جماله وفتنته فأضحت هذه الدراسات تدور مع المنطق حيث دار تاركة البحث في أسرار الاختيار والتأليف في التراكيب العربية وما يعنيه السياق وطريقة الكلام إلاما جاء هنا وهناك موزعا في بطون الكتب من المخزون العربي الثر، فجزى الله أصحاب تلك الثمرات المباركة عن العربية كل خير ونحن عيال عليهم ولولاهم لضاع الكثير من كنوز لغتنا الخالدة التي شرفها الله فانزل بها كتابه المجيد وقد استعمل القرآن الفعل بكل انواعه وبجميع لواحقه وسوابقه وازمنته استعمالا فريدا معجزا فكان باعثا على البحث في درره التي لا تنفد ومعاني الفعلية لا تقتصر على الفعل بصيغه المعروفة، وانما تتجاوزها الى المصادر والصفات، لانهاتعمل عمل افعالها، وفيها مادة الفعل، وهي الحدث الذي يطلب فاعلا ومفعولا ومحلا وعلة، لذلك اتسع ميدان البحث لاستخراج معاني الفعلية ومزاياها. يقع البحث في أربعة مباحث تناولت في المبحث الأول معنى الفعل في العربية وأهميته وفي المبحث الثاني الزمن في العربية وفي الثالث الصيغ الزمنية في العربية واستعمالاتها، وفي الرابع أحكام الفعل الدائم، أن هذا البحث محاولة متواضعة أولية للسير في هذا الطريق المضني وحسبي منه لفت النظر إلىأمراحسبه مهما في الدراسات اللغوية والنحوية. وقل ربِ زدني علما إنه سميع مجيب الدعاء . المبحث الأول معنـى الفعـل في العربـية والفعل اصطلاحا : (( كلمة تدل على معنى مختص بزمان دلالة الإفادة ))([8])، أو ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة([9])، وقيل ما دل على حدث وزمان حاضر أو مستقبل نحو قام يقوم،وقعد يقعد وما أشبه ذلك([10])، يلاحظ اضطراب موقف ابن هشام في تقسيم الفعل فتارة يأخذ برأي البصريين القائل بتقسيم الفعل على ثلاثة : ماضي ومضارع وأمر وتارة يأخذ برأي الكوفيين، القائل بتقسيم الفعل على قسمين ( ماضٍ، ومضارع ) وان الأمر مضارع دخلت عليه لام الأمر فجزمته ثم حذفت حذفا مستمراً وتبعتها حروف المضارعةويرجح قول الكوفيين بقوله : (( وبقولهم أقول، لأن الأمرمعنى حقه أن يؤدى بالحرف، ولأنه أخو النهي، ولأن الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزمن، وكونه امرا أو خبرا خارج عن مقصوده، ولانهم قد نطقوا بذلك الأصل ))([11])،كما انه غفل عن القسم الثالث للفعل عند الكوفيين حيث جعلوا اسم الفاعل أو اسم المفعول قسما ثالثا من أقسام الفعل واصطلحوا على تسميته بالفعل الدائم([12]) وسيأتي تفصيل القول فيه والحقيقة أن ما ذكر من حدود للفعل قد أوجدت بونا شاسعا بين اللغة العربية،كما نطق بها أصحابها ومن ثم نزل بها الذكر الحكيم (( إنا أنزلناه قرآنيا عربيا لعلكم تعقلون – يوسف 2)) و(( بلسانعربي مبين – الشعراء195))، وكما دونت بها آدابهم وعلومهم وأفكارهم وبين النحو العربي الذي كان تعبيرا لقوالب الفكر المتأثر بالمنطق والفلسفة فليست العربية قاصرة في الدلالة الزمنية على كلمتي ( ماض ) و( مستقبل ) ،كما ذهب إلى ذلك ( وليم رايتW. Right )([13]) أو ( إن الزمان ليس شيئا أصيلا، وإن اقتران الفعل العربي به حديث النشأة،بعد أن وجدت صيغة ( فَعُلَ ) المتطورة عن صيغة ( فَعِلٌ ) وهي الصيغة التي يسمونها Prmonsive أو الفعل الدائم في تعبير الكوفيين ، والتي يعدونها اقدم من الفعل الماضي )([14])، كما ذهب الدكتور المخزومي حيث استنتج أن العربية ( إذا أرادت التعبير عن الفعل الماضي المطلق، والماضي التام والماضي غير التام، لم تجد من الأبنية إلا بناء ( فَعَل ) للتعبير عما لا يعبر عنه في الإنكليزية إلا بعدة صيغ، وإذا أرادت التعبيرعن المستقبل باختلاف مجالاته الزمنية لم تجد الا بناء (( يفعل )) للتعبير عن الحاضر والمستقبلْ )([15]) وهذا يعني أن العربية قد اهملت المجالات الزمنية التي يتضمنها الزمن الواحد كالماضي مثلاً، ولم يكن لديها من الأبنية ما تعبر به عن تلك المجالات ويقرر أيضا([16]) أن مثال ( فاعل ) لا دلالة له على زمان معين إذا لم يوصل بصلة من مضاف إليه أو مفعول ويوافقه الدكتور السامرائي([17])على رأيه ويقول : (( وقول السيد المخزومي السابق صحيح وهذا وهم من المستشرقين ومن تبعهم من العرب المحدثين وسيأتي تفصيل القول في الدلالات الزمنية للفعل واشير إلى أن رايت ( wright ) نفسه قد تنبه إلى مسألة الاستعمال في اللغة بعيدا عن تقسيم النحاة لصيغ الفعل حسب زمانه – حين لاحظ أن ( قد فعل ) تدل على وقوع الحدث قبل قليل من زمان التكلم([18]) , ورأي الاستاذين لا يجعل للقرائن الحالية أي وزن ولا يعتدان إلا بالقرائن المقالية، كما أن الدكتور السامرائي اختار امثلته بحيث يغلب عليها أن تكون مجرد صفات واغفل ما يمكن عده دالاً على الحدث والزمان ومستحقا لأنيوصل بالمتعلقات([19])،فليست صيغة ( فَعَل ) وحدها تدل على الزمن الماضي، بل قد لا تدل عليه أو قد تكون الدلالة مطلقة عامة فيحددها السياق وكذا صيغة ( يفعل ) و ( افعل ) و ( فاعل )، لأن الزمن الصرفي غير الزمن النحوي الذي يتعين من مجرى السياق، إن تعيين الزمن بدلالة اللفظ عليه بوضعه له وتقسيم الفعل على الأزمنة الثلاثة رأي بدأه سيبويه([20])، وتبعه النحاة([21])وبخاصة البصريين حيث قال : ( واما الفعل فأمثلة اخذت من لفظ احداث الأسماء،وبنيت لما مضى،ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع )([22]) ويقول في موضع آخر : ( ويتعدى إلى الزمان، نحو قولك ذهب، لانه بني لما مضى منه وما لم يمضِ، فإذا قال سيذهب، فانه دليل على أنه يكون فيما يستقبل من الزمان، ففيه بيان ما مضى وما لم يمض منه، كما أن فيه استدلالا على وقوع الحدث )([23]). ويثير حده هذا جملة قضايا : الأولى : اصل الاشتقاق ودلالة الفعل على الحدث . والثانية : الزمان وتخصيص كل صيغة به والثالثة : التقسيم الثلاثي للفعل. اما الأولى فهي مسألة خلافية ولم يقطع فيها برأي مثلها مثل اصل اللغة أهي توقيف أم اصطلاح؟ ثم إن للفعل الواحد ولا سيما الثلاثي مصادر متعددة فمن أي المصادر أخذ؟ وذلك كالفعل لقي – مثلا – فمن مصادره لقىً ولقاء ولقيان ولقيْ([24]). وقد أختص القرآن الكريم قسما من المصادر بمعنى معين كالصوم والصيام فقد اختص كلمة ( الصوم ) بمعنىالصمت قال تعالى (( إني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا – مريم 260)) ولم ترد كلمة الصوم في القرآن في غير هذا الموطن وكانها لما كانت بمعنى الصمت جيء بها على وزنه وخصها الله به، واما ( الصيام ) فقد وردت في تسعة مواطن من القرآن كلها بمعنى العبادة المعروفة([25])،واما دلالة الفعل على الحدث فهناك أفعال تخلو من الحدث وهي الأفعال الناقصة والأفعال الجامدة كليس ونعم وبئس، واما الزمان فدلالة الفعل عليه ليست بالصيغة وحدها ولا بمادته وانما بمقتضى السياق، ثم أن هناك أفعالا لا يراد بها الوصف ولا التحديد الزمني، كما سيأتي ؛ واما التقسيم الثلاثي ففيه عموم واطلاق وتخصيصه أو تحديده متوقف على مجرى السياق وطريقة تأليف الكلام، كما أن الماضي ليس قسيما للمضارع ولا المضارع قسيما للأمر من حيث الدلالة([26]). وقد رفضت مدرسة الكوفة أن يكون فعلالأمرقسما مستقلا بذاته، لأن دلالة الامر فيه عائدة الى اللام المحذوفة تخفيفا، وهي لام الأمر : ( واما صيغته فمن لفظ المضارع ينزع منه حرف المضارعة )([27])، وقال الفراء إن القسم الثالث هو اسم الفاعل العامل([28])، وزاد ابن جني على ( الحدث ) و( الزمان ) الدلالة على الفاعل، لأنكل واحد من الأفعال يحتاج إلى الفاعل حاجة واحدة،وهو استقلاله به،وانتسابه إليه،وحدوثه عنه،أو كونه بمنزلة الحداث عنه …ألاترى إلى الفعل ( قام ) ودلالة لفظه علىمصدره،ودلالة بنائه على زمانه،ودلالة معناه على فاعله ؟([29]). دلالة الفــعل والتضمين يعير معنى الفعل الظاهر بدليل تغير التعدية ، وبالتالي تتغير دلالته الزمنية ، نحو قوله تعالى (( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة – البقرة 55 )) ، فقد تعدى ( نؤمن ) بالام ، لانه تضمن معنى الانقياد ، لا الايمان هو التصديق بالقلب ، اما اللسان فيتعدى اللام ، والاول يتعدى بالباء . وفي قوله تعالى (( الم نر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤوهم أزّا – مريم 83 )) ، تضمن ( أرسلنا ) معنى سلطانا ، ولذلك تعدى بعلى . وفي قوله تعالى (( وزوجناهم بجور عين – الطور 20 )) ، تضن (زوجناهم ) معنى قرناهم ، لذلك تعدى بالياء . الزمن في العربية قال المستشرق زيجس بلاشير : (( إن تصريف الفعل العربي فقير إذا ما قورن مثلا بتصريف الفعل في اللغات الهندية الاوربية،وينبغي أن نلاحظ،أولا،إن لمفهوم الزمان وضعا غير متين ))([47])، لا يخفى على كل ذي حجا ما في هذا الرأي من ضعف،لانه لم يقم على استقراء صحيح لأساليب العربية وخصائصها المميزة وشرع المستشرق برجشتراسر يبين تلك الخصائص بقوله : (( ومما يزيدها – أي العربية – تمييزاً عن سائرها – ويعني اللغات السامية – تخصيص معاني أبنية الفعل وتنويعها،وذلك بواسطتين إحداهما : اقترانها بالأدوات،نحو ( قد فعل ) و ( قد يفعل ) و ( سيفعل ) وفي النفي ( لا افعل ) بخلاف ( ما فعل ) و ( لن يفعل )بخلاف : ( لا يفعل ) و ( ما يفعل ). والاخرى : تقديم فعل ( كان ) على اختلاف صيغه، نحو ( كان قد فعل ) و( كان يفعل ) و( سيكون قد فعل ) إلى آخر ذلك،فكل هذا ينوع معاني الفعل،تنويعا اكثر بكثير مما يوجد في أية لفة كانت،من اللغات السامية ))([48])، وإن سياق الكلام هو الذي يحدد نوعية الزمن المقصود من صيغة الفعل فقد تكون الصيغة الفعلية مهيأة، لأن تكون زمنا متى دخلت التركيب أما وهي صيغة مجردة فهي مجرد كلمة لا يصح أن ينسب إليها زمنا ماإلاعلى المجال التحليلي،كما تنسب معنى الظرفية للحرف ( في ) وهو منعزل عن السياق وذلك،لأنالزمان وظيفة للسياق والسياق معناه ملاحظة وظائف الكلمات واللغوي يهتم بالكلام وبصيغه([49])، لان النحو : هو القصد إلى أساليب العرب في الكلام([50])، وهو منهج علمي لدراسة العلاقات بين الأبواب النحوية[51] وعند استقراء الأساليب العربية استقراءاً سليما يتوضح أن كل فعل قد لا يقتصر على الزمان الذي حدده النحاة بل قد يتعداه بحسب ما يتطلب السياق، وقد لفت المحققون من العلماء انظار الدارسين الى قيمة العلاقات في النظم ودعوا الى استنباط اللمحات النادرة في الدلالات وغلى الأخذ بالاختيار والتأليف في الكلم وذلك (( أن لا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ويبنى بعضها على بعض وتجعل هذه بسبب من تلك ))([52])، وواضح أن الترتيب بين الكلمات في السياق هو أساس التماسك فيما بينها،وهو مبني على المعنى الذي يدور حول وظيفة الكلمة في التراكيب وعلى هذا فالزمن النحوي ليس هو دلالة الصيغة وحدها وانما راجع إلى السياق،وما تدل عليه الصيغة ليسإلااتجاها شكليا لا وظيفياً (( والزمن النحوي خير مثل لخروج اللغة عن دائرة المنطق ))([53]) وهذا ما ذهب إليه المحدثون فقد تناولوا الفعل من حيث ما يؤديه من وظائف لغوية في أثناء الجملة إذ أنه يدل على الاحداث وعلى أزمانها، ثم هو احد مقومات الجملة المهمة ولا سيما الجملة الفعلية إذ منه يستمد الاسناد، وهو اكثر اقسام الكلام شيوعا في العربية([54])، فالفعل كلمة قد تدل على الحدث، لأن منه ما لا يدل عليه، وانما يختص بالزمن كافعال الكينونة والمقاربات وقد لا يدل على زمن بعينه بل يدل على العموم الزمني ويحتاج إلى سوابق ولواحق وزوائد للتخصيص ولا يشترط وقوعه في أحد الأزمنة الثلاثة، لأنذلك يخرجه من المنهج النحوي الذي يهتم بوضع الكلمة في التركيب، فالزمن النحوي إذاً وظيفة تؤديها الصيغة في اثناء الجمل وسياق الكلام، وتحدده احوال وظروف المتكلم والمخاطب، فالافعال تدل على الحدث من حيث الاشتقاق وعلى الزمن المطلق من حيث صيغها الصرفية . |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:30 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع