ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   شخصيات عربية وإسلامية (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=119)
-   -   محمد الماغوط (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=14743)

Eng.Jordan 06-24-2013 11:49 AM

محمد الماغوط
 
ولد الكاتب السوري محمد الماغوط في السلمية في عام 1924، وانتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وقد أدرج نفسه، بناءً على ظاهرة الأجناس الأدبية، تحت باب الشعر والكتابة المسرحية، وإن ذهب، في بعض المقابلات الأدبية التي أجريت معه في السنوات الأخيرة، إلى أنه لا يكترث كثيراً لإشكالية التجنيس، فما يهمه هو أن يكتب نصاً ما يعبر فيه عن فكرة ما، وللنقاد، بعد ذلك، أن يصنفوا ( مجلة العربي ).
وحين يكتب عن نفسه، يعرف نفسه بأنه إنسان عادي جداً، وليس عنده سوى الحزن. إنه إنسان فقير ومحطم يبحث عن الحرية في هذا الوطن العربي فلا يجدها، لأن الوطن العربي، - والكلام له - يختلف عن بقاع العالم قاطبة، بسبب افتقاده الحرية وانتشار رجال المخابرات فيه. وهو لا يؤمن بشيء، فطول حياته يركض وراء الحب والصداقة والحرية وفلسطين والقادة والأحزاب والشعر والمسرح والصحافة، ولم يصل إلا إلى الشيخوخة.
ولمحمد الماغوط موقف عدائي من اليسار تفصح عنه الفقرة التالية الواردة على لسانه:
"الأحلام ميتة في عيني، ففي طفولتي حاولت أن أصير لحاماً ففشلت، لأنني كنت آكل أكثر مما أبيع. وحاولت أن أصير خياطاً ففشـلت، لأنني كنت أغرز الإبر في لحم الزبون أكثر مما كنت أغرزها في ثيابه، وخاصة إذا كان تقدمياً (أعلام الأدب العربي المعاصر: سير وسير ذاتية، ج2، 1158).
وتفصح الفقرة السابقة عن عداء مبكر يكنه للتقدميين، وقد عاد وهو في السادسة والخمسين ليكتب مهاجماً اليسار كله، فكيف أبرز صورة اليسار؟
سوف أقف في هذه المقالة أمام قطعة ظهرت في كتابه النثري "سأخون وطني" الذي صدر عن دار نشر رياض الريس في لندن، دون أن تظهر على النسخة سنة الطبعة الأولى التي أرجح أنها 1987. ويضم الكتاب مائة واثنتين وثلاثين قطعة، تتراوح الواحدة ما بين ثلاث أو أربع صفحات تقريباً، ويقع الكتاب في أربع وسبعين وثلاثمائة صفحة من الحجم المتوسط. وقد قدم له الكاتب القصصي السوري أيضاً زكريا تامر، ومما ورد في المقدمة :
" محمد الماغوط أديب طريف، مثير للعجب، فهو قبل أن يخون، يؤلف كتاباً يكرسـه للإنذار بأنه يعتزم أن يخون وطنه وفي زمان تتم فيه أفعال الخيانة سراً، فأي وطن هو ذلك الذي سيخونه وعلناً وبفخر؟ الأوطان نوعان : أوطان مزورة وأوطان حقيقية. الأوطان المزورة أوطان الطغاة، والأوطان الحقيقية أوطان الناس الأحرار. أوطان الطغاة لا تمنح سوى القهر والذل والفاقة... ولذا فإن الولاء لها خيانة للإنسان" (ص9).
ولا أدري أيـن صنف النقاد العرب هذا الكتاب، وتحت أي جنس أدبي أدرجوه، وماذا كتبـوا عنـه. لقد كتب على الصفحة الرابعة، بالإنجليزية (Syria - Social and Customs)، ولم تظهر كلمة (Satire) التي تعني الأهجوة : قطعة الهجاء، ولعلني لا أجانب الصواب حين أدرج مقطوعات هذا الكتاب تحت جنس ال (Satire) أو الهجاء اللاذع.
وأستطيع القول إنه من خلال دراستي في الجامعات العربية لم أدرس هذا الجنس الأدبي إطلاقاً، بل إنني لم أسمع به. وقد بحثت عنه في بعض كتب الأجناس الأدبية والمعاجم المتخصصة فلم أخرج منها بطائل. فلم يعالجه، على سبيل المثال، د. عز الدين إسماعيل في كتابه "الأدب وفنونه" (ط1، 1955، ط8، 1983)، ولم يذكره د. نبيل راغب في كتابه "دليل الناقد الأدبي" (د.ت)، وإن لم تخني الذاكرة، فإن ما ورد عنه في كتاب مجدي وهبة "معجم المصطلحات الأدبية" لا يتجاوز الأسطر الثلاثة التي لا تشفي الغليل.
والـ (Satire) - الهجـاء اللاذع، كمـا يكتـب عنها الألماني (Dietrich ***er) هو، من حيث التعبير، ضرب من الاســتياء؛ استياء كاتبه من شيء يؤلمه في عالمه المحيط به. ويمكن أن يكون أكثر من مجرد رد فعل نفس حسـاسة. وقد يهدف كاتب قطعة الهجاء إلى تحسين الأخلاق، وقد يرمي إلى المشاركة السياسية. ويدعي الكاتب أنه يعرف أفضل، ويزعم أنه يريد تحقيق عدالة ذاتية، وفوق هذا فهو يرغب في الانتقام يقول(Lichtenberg) :
" من المؤكد أن الهجاء اللاذع الأول أنجز رغبة في الثأر. لقد كانت القطعة تكتب من أجل تحسين (سلوك) الناس المجاورين لكاتب قطعة الهجاء. وكانت تستخدم ضد العيب لا ضد فاسد السلوك. إنها - أي قطعة الهجاء - ضرب من التفكير المهذب الملطف الداجن ".
وما يرتبط مع الاستياء هو التهكم والعدوانية. يرغب صاحبها في الخصومة ويحركه الغضب المقدس. ولذلك فإن ما هو مفضل لكاتب هذا اللون من الكتابة النثرية هو التشنيع والفضح والتنديد والتقبيح والتشهير.
وقطعة الـ(Satire)، من حيث هي تصور، هي موضوع يساوي في عين كاتبه وضعاً سيئاً. ولكن ما يهاجمه صاحبها ليس من الضروري أن يكون دائماً صحيحاً. إنها تبدو موضوعات صحيحة من وجهة نظره، وعليه فليس كاتبها يسير دائماً نحو الأمام، كما يفترض الناس العاديون بسرور،تماماً كما أن كاتبها لا يقف دائماً إلى جانب الشيء المعتقد أنه صحيح.
ومن كتاب الـ (Satire) من يدخل في قطعته آراءه الخاصة، وعلى القارئ، أن يختبر الكتابة وأن يقارن ما يقوله الكاتب بما يعرف حقيقة عن المهجو.
وموضوعات الـ (Satire) هي الوضاعة والتفاهة في الشخصية، والعرف والمؤسسات. ويبدو ضبط سوء الأوضاع التي تشكل مادة للهجاء أمراً صعباً. وما هو محبب لكاتب قطعة الهجاء هو سوء الأوضاع القائمة التي غالباً ما تكون غير معروفة، فما يعريه الهجاء هو الفضائح السرية.
ويجب أن يفرق بين سـوء الحال في التعابير - أي الآراء ووجهات النظر والتعاليم - وبين سوء الحال في طرق التعامل. فالأولى تنجز من خلال التنوير، فيم تُحسم الثانية من خلال الكشف.
وقطعة الـ (Satire) من حيث هي نداء، هي كتابة من أجل أن يتعرف على سوء حالٍ ما، والعمل ما أمكن من أجل إلغائه. إنها نص مقنع، أو كما يعبر في المصطلح المعاصر : هي دعوة للفعل. ولا تريد القطعة أن تناقش موضوعاً ما بهدوء، وهي لا توازن الجدل بالجدل. إنها تعتقد أنها جزء من نقاش، حتى عندما يحتفظ (بالحقيقة) بالكلمة الأخيرة.
وثمة أجناس أدبية تتشابه مع قطعة الـ (Satire) في أسلوبها، ولكن السؤال هو : ما الذي يجعل منها (ساتيراً)؟ تتميز قطعة الـ (Satire) جمالياً من خلال تشويهها موضوعها بطريقة المبالغة. إنها تطرح موضوعها طرحاً مضحكاً، وتجعله موضع تندر بين الناس، وهي تضحك، بخاصة، أولئك الذين يتشابهون، في وجهة نظرهم للأشياء،مع وجهة نظر الكاتب لها.
وقطعة الـ (Satire) موجودة في كل مكان، وهي أيضاً موجودة في الآداب معظمها، وفي الأزمان كلها. ومنها ما يكون ذا نزعة تفاؤلية، ومنها ما يكون ذا نزعة تشاؤمية. ومنها ما تنتهي قيمتها بانتهاء زمن كتابتها، ولكن منها ما يصمد أمام التاريخ، ويقرأ في أزمنة لاحقة. (هذه المعلومات مأخوذة من كتاب " أشكال الأدب " الصادر في ألمانيا، في شتوتجارت، 1981).






" يا شارع الضباب " نموذجاً:

يبدو أن محمد الماغوط كتب قطعته هذه في الثمانينات تحديداً، واعتماداً على ما تقوله المعطيات الداخلية، فإنه كتبهـا في عام 1980، ويدلل علـى ذلك بقوله: " فمعنى ذلك أنـه لن ينقضـي العام الأول مـن الثمانينات إلاّ وأكون مثل " بول برينر " تماماً " ( ص 54 ).
وكان الماغوط، في حينه، في السادسة والخمسين من عمره، وهذا يعني أنه ما زال عدواً للتقدميين.
وتبدو القطعة قطعة هجاءٍ، لاذع جداً لليسار، وتسير على النحو التالي:
" يعلن أنا المتكلم في النص عن موقفه من المظاهرات التي تجري في العالم العربي، ويفصح عن رفضه. ويأتي بعد ذلك على لقاءاته بأربعة رجال يساريين ينتمي كل واحد منهم إلى فصيل يساري. ينتمي الأول إلى حزب شيوعي تابع للاتحاد السوفييتي، والثاني إلى جماعة ماوية، والثالث إلى التروتسكيين، والرابع إلى أقصى أقصى اليسار.
يعرض عليه الأول أن يذهب معه لحضور احتفال، فعنده حفلة تعارف، ولكنه يرفض. وحين يفترقان يقترب منه اليساري الماوي، فيعاتبه لأنه كان واقفاً مع يساري من جماعة موسكو، ويأخذ الماوي يشتم الأحزاب اليسارية التي تدور في فلك الاتحاد السوفييتي، ويحذر أنا المتكلم منها. وما إن يغادره حتى يقترب منه ناقد متطرف يفاتحه بوقوفه مع واحد من جماعة ماو، ويبدأ بشتم الماويين. وما يكاد ينصرف حتى يجد أنا المتكلم نفسه مع مخرج من أقصى أقصى اليسار، ليأخذ هذا بشتم التروتسكيين، ويدعو المخرج أنا المتكلم إلى الانضمام إلى لجنة أدبية للدفاع عن حرية الكاتب العربي، واللجنة يسارية. وهنا يشتم أنا المتكلم اليسار ويخاطب المخرج قائلاً:
" أخي... أمنوا لي خبزاتي ودخاناتي كل يوم وصندلين لولدي كل سنتين، وأنا ممنون شوارب ماركس ولينين وانجلز واسبارتاكوس "( ص 56 ).
ويبدو اليساريون في النص أفراداً يرفعون شعارات كبيرة لا يعملون على تحقيقها، وينشغلون بمهاجمة بعضهم بعضاً، ويبدو اليسار العربي يساراً إمعة، يساراً يعتمد على مقولات جاهزة ينقلها دون أن يفكر فيها.
لا يتكلم اليساريون جميعهم عن السلطة الغاشمة الظالمة، ولا يهاجمون الإمبريالية ومن يدور في فلكها، لأنهم منشغلون بخلافات داخلية بينهم. ولا يعتمد اليساريون على رؤاهم وأفكارهم، وإنما يحمل كل واحد منهم كتاباً لمفكر أوروبي، غالباً ما يكون غريباً. يدعم الأول أراءه باعتماده على تعليق لكاتب تقدمي إنجليزي. ويعتمد الماوي على كتاب الشيوعي الفرنسي ( ريجيس دويريه )، ويتكئ التروتسكي على مقابلة مع ( مكسيم رودنسون ) ليفضح أكاذيب الماويين. وفوق هذا كله فإن اليسار كله ليس سوى أفراد قليلين لهم رصيد بالعملة الأمريكية.وهذا ما يبديه أنا المتكلم حين يخاطب المخرج اليساري المتطرف:
" لجنة يسارية تنبت هكذا فجأة للدفاع عن الكاتب العربي. عن الفلاح العربي. عن الكندرجي العربي. لن أنتسب إليها قبل أن أعرف بالضبط كم عدد أعضائها وكم دولاراً رأسمالها " ( ص 56 ).
هذه هي صورة اليسار كما برزت في قطعة شارع الضباب. فهل كان اليسار كما بدا آنفاً؟
كيف نتعامل مع هذا النص؟
في أثناء قراءة هذا النص لا بد من استرجاع خصائص فن الساتير. لقد ذهب دارسو هذا الفن إلى أنه ضرب من استياء كاتبه من شيء يؤلمه في عالمه المحيط به. وما يؤلم الماغوط هنا هو سلوك أفراد اليسار الذي لا يعجبه، لأنهم منشغلون ببعضهم، ولأنهم يرفعون شعارات كبيرة لا يعملون على تحقيقها. ولنلاحظ أيضاً أن الماغوط لم يعبر عن استيائه من أفراد معينين، وإنما هجا سلوكاً ما يسلكه يساريون.
ويبدو الماغوط هنا كما لو أنه يعرف أفضل مما يعرفه اليساريون. إنه يريد تحقيق عدالة ذاتية. وعليه فليست المشكلة في العالم العربي في أي الفرق يحمل فكراً أصح. المشكلة تكمن في أننا نتكلم كثيراً ونفعل قليلاً، وما نريده هو الخبز والحياة الكريمة، لا الشعارات البراقة.
ولما كان الماغوط يعبر عن استيائه ،فقد لجأ إلى التشنيع والفضح والتقبيح والتشهير. شنع على اليسار الذي رفع شعار تحرير فلسطين، وأخذ يدعم مواقف الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ونسي فلسطين. وفضح اليسار الذي يدعو إلى الفعل وانتهى ثرثاراً لا يمارس من الأفعال إلاّّ شرب الفودكا وأكل لحم الغزال الذي يوجد في أعماق السهول الروسية، وشهر باليسار الذي يحمل أفكاراً أممية والذي يهاجم الرأسمالية ممثلة بأمريكا، في حين يكون رصيد أفراده بالدولار.
ولما كان كاتب الساتير يدعو إلى الفعل ، فإن الماغوط هنا يطلب من اليساريين أن يكفوا عن تكرار الشعارات ورفعها، ليقدموا على تنفيذها. هكذا ينهي قطعته بضرورة توفير الغذاء والملابس لأفراد المجتمع الذين لا تطعمهم الشعارات ولا تستر أجسامهم.
وما من شك في أن الماغوط يبالغ في زعمه ، ولا شك أيضاً في أنه يطرح موضوعه طرحاً مضحكاً. ولنلاحظ بعض العبارات الدالة:
يخاطب أحد اليساريين أنا المتكلم، ويدعوه إلى التفاؤل، ويبشره بأن فلسطين ستعود إلى أهلها بإرادة الشعوب وقواها التقدمية، فيرد عليه أنا المتكلم قائلاً: أليس هو الشعار المطروح منذ عام 1948 قبل الميلاد. ويجيبه اليساري: نعم.
وواضح هنا أن الماغوط يسخر من هذا اليساري، فلم تكن فلسطين سنة 1948 قبل الميلاد محتلة، ولم يرفع هذا الشعار إلا سنة 1948 بعد الميلاد. وإذا كان على القارئ أن يفحص ما يرد من معلومات في قطعة ( الساتير) وما يعرف في الواقع ، فإنه يجدر القول إن اليساريين ليسوا جاهلين إلى هذه الدرجة، بل إن أعضاءهم، إلى فترة قريبة، ومنذ الخمسينيات من القرن العشرين، كانوا الأكثر ثقافة من كثيرين من أفراد المجتمع العربي . وهذا مثال واحد فقط . هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن المرء حين يعود إلى تاريخ اليسار في المنطقة العربية ويدرسه يعرف أن اليسار دفع ثمناً باهظاً في الخمسينيات والستينيات ، بل وفي السبعينيات ، ولم يكن دائماً على الصورة التي برزت في نص الماغوط ، وإن كانت هذه الصورة ظهرت في فترة معينة، لعلها الفترة التي كتب فيها الماغوط نصه. ثمة أحزاب يسارية وفصائل يسارية قاومت الظلم ممثلاً في بعض الأنظمة العربية وفي الاحتلال الإسرائيلي وفقدت خيرة كوادرها وهي تناضل، لا وهي تثرثر.
والخلاصة أن الصورة التي أبرزها الماغوط لليسار، في قطعته هذه، ينبغي أن ينظر إليها في ضوء ما كانت عليه الأوضاع حين كتب الماغوط نصه ، وفي ما كان عليه الماغوط نفسه من اليسار ، وفوق هذا كله ، وهذا هو الأهم، وفق الجنس الأدبي الذي عبر الماغوط ، من خلاله، عن موقفه من اليسار.

18/12/2001
منقول


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:21 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59