ملتقى شذرات

ملتقى شذرات (https://www.shatharat.net/vb/index.php)
-   أخبار ومختارات أدبية (https://www.shatharat.net/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   أوراق الورد (https://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=61633)

Eng.Jordan 02-06-2020 10:43 AM

أوراق الورد
 
أوراق الورد
الرافعي



فاتحة مصطفى صادق الرافعي


إنه ليس معي إلا ظلالها ، ولكنها ظلال حية تروح وتجيء في ذاكرتي ، وكل ما كان ومضى هو في هذه الظلال الحية كائن لايفنى وكما يرى الشاعر الملهم كلام الطبيعة بأسره مترجما إلى لغة عينيه أصبحت أراها في هجرها طبيعة حسن فاتن مترجمة بجملتها على لغة فكري....


كان لها في نفسي مظهر الجمال ومعه حماقة الرجاء وجنونه ثم خضوعي لها خضوعا لا يفنى فبدلني الهجر منها مظهر الجلال ومعه وقار اليأس وعقله ..ثم خضوعي لخياي خضوعا لا يضرها....


وما أريد من الحب إلا الفن فإن جاء من الهجر فن فهو الحب......

كلما ابتعدت في صدها خطوتين رجع لي صوابي خطوة..

لقد أصبحت أرى ألين العطف في أقسى الهجر ولن أرضى بالأمر الذي ليس بالرضا ولن يحسن عندي مالا يحسن ولن أطلب الحب إلا في عصيان الحب أريدها غضبى فهذا جمال يلائم طبيعتي الشديدة وحب يناسب كبريائي ودع جرحي يترشش دما فهذه لعمري قوة الجسم الذي ينبت ثمر العضل وشوك المخلب وما هي بقوة فيك إن لم تقو أول شيء على الألم...

أريدها لا تعرفني ولا أعرفها لا من شيء إلا أنها تعرفني وأعرفها ....تتكلم ساكتة وأرد عليها بسكوتي صمت ضائع كالعبث ولكن له في القلبين عمل كلام طويل..

Eng.Jordan 02-06-2020 10:45 AM

زجاجة عطر





وأهدى لها مرة زجاجة من العطر الثمين وكتب معها….

يا زجاجة العطر :اذهبي إليها وتعطري بمس يديها وكوني رسالة قلبي لديها…

وها أنذا أنثر القبلات على جوانبك ، فمتى لمستك فضعي قبلتي على بنانها ، وألقيها خفية ظاهرة في مثل حنو نظرتها وحنانها، والمسيها من تلك القبلات معاني افراحها في قلبي ومعاني أشجانها..

وها أنذا اصافحك فمتى أخذتك في يدها فكوني لمسة الأشواق ..وها أنذا أضمك إلى قلبي فمتى فتحتك فانثري عليها في معاني العطر لمسات العناق.

Eng.Jordan 02-06-2020 10:46 AM

إنها ******ة يا زجاجة العطر وما أنت كسواك من كل زجاجة ملأت سائلا ، ولا هي كسواها من كل امرأة ملأت حسنا ، وكما افتتنت الصناعة في إبداعك واستخراجك افتتنت الحياة في جمالها وفتنتها…حتى لأحسب أسرار الحياة في غيرها من النساء تعمل بطبيعة وقانون، وفيها وحدها تعمل بفن وظرف وأنت سبيكة عطر كل موضع منك يأرج ويتوهج ،وهي سبيكة جمال كل موضع فيها يستبي ويتصبى؟

وما ظهرت معانيك إلا أفعمت الهواء من حولك بالشذا ، ولا ظهرت معانيها إلا افعمت القلوب من حولها بالحب .

وكلتاكما لا تمس أحد منهما إلا تلبس بها فلا يستطيع أن يخلص منها.

أنت عندي أجمل أنثى في الطيب من بنات الزهر ، وهي عندي أجمل أنثى في الحب من بنات آدم..

قولي لها يا زجاجة العطر إنك خرجت من أزهار كأنها شعل نباتية ، وكانت في الرياض على فروعها كأنه تجسمت من أشعة الشمس والقمر فلما ابتعتك وصرت في يدي ، خرجتِ من شعل غرامية وأصبحت كأنك تجسمت من أِواقي وتحياتي ولمسات فكري، ولذلك أهديتك…

وقلي لها إن شوق الأرواح العشقة يحتاج دائما إلى تعبير جميل كجمالها ، بليغ كبلاغتها ينفذ إلى قلب ****** بقوة الحياة سواء رضي أو لم يرض وهذا الشوق النافذ كان الأصل الذي من أجله خلق العطر في الطبيعة ، فحينما تسكب الجميلة قطرة من الطيب على جسمها ، تنسكب في هذا الجسم أشواق وأشواق من حيث لا تدري ولا تدري …ولذلك بعثتك..

وقولى لها انك اتساق بين الجمال والحب، فحين تهدَي زجاجة العطر من محب إلى حبيبته فإنما هو يهدي إليها الوسيلة التي تخلق حول جسمها الجميل الفاتن جو قلبه العاشق المفتون ولو تجسم هذا المعنى حينئذ فنظره ناظر لرآها محاطة بشخص أثيري ذائب من الهوى واللوعة يفور حولها في الجو ويسطع ولذلك يا زجاجة العطر أرسلتك…..

أيها العطر كانت أزهارك فكرة في فن الحسن توثبت وطافت زمنا على مظاهر الكون الجميلة كي تعود آخرا فتكون من فن الحب وفي ذلك مازجت الماء العذب ولامست أضواء القمر والنجوم وخالطت أشعة الشمس واغتسلت بمائة فجر منذ غرسها إلى إزهارها لتصلح بعد ذلك أن يمس عطرها جسم ******ة ويكون رسالة حبي لديها…

أيها العطر لقد خرجت من أزهار جميلة وستعلم حين تسكبك على جسمها أنك رجعت إلى أجمل أزهارك وأنك كالمؤمنين تركوا الدنيا ولكنهم نالو الجنة ونعيمها…

Eng.Jordan 02-06-2020 10:46 AM

القمر



وكانت تأنس بضوء القمر ويعجبها نوره على الحديقة خاصة فسألته مرة أن يناجي هذا الجميل في رسالة فقال حبا وكرامة..(للقمر) وكتب:


إني لأراك أيه القمر منذ عقلت معاني ما أرى ولكنني لم أعرف أنك أنت كما أنت إلا بعد ان وضع الحب فيها بينك وبين من اهواها كما يوضع التفسير إلى جانب الكلمة الدقيقة …

عندئذ وصلتك قرابة الجمال بوجهها فاتصل بك شعوري وبت على بعدك في أفلاك السماء تسبح أيضا في دائرة قلبي واستةيت متسقا كأن عملك لي أن تتم فن جمالها بإظهارها أجمل منك وأمسيت عندي ولك مثلها شكل السر المبهم المحيط بالنفس المعشوقة ، يدخل كل جمال في تفسيره ولا يكمل تفسيره أبدا…

ومن شبهك بوجهها أزهر الضوء فيك ما يزهر اللحم والدم فيها، فتكاد أشعتك تقطف منها القبلة ، ويكاد جوك يساقط من نواحيه تنهدات خافته وتكاد تكون مثلها يا قمر مخلوقا من الزهر والندى وأنفاس الفجر…

أما قبل حبها فكنت اراك أيها القمر بنظرات لا تحمل أفكارا …

كنت جميلا ولك جمال ورق الزهر الأبيض وكنت في رقعتك المضيئة تشبه النهار مطويا بعضه على بعض حتى يرجع في قدر المنديل…وكنت ساطعا في هذه الزرقاء ولكن سطوع المصباح الكهربائي على منارة قائمة في ماء البحر وكنت زينة السماء ولكن كما تناط مرآة صغيرة من البلور إلى حائط فتشبه من صفائها موجة ضوء أمسكت ووضعت في إطار معلق..


وكنت يا قمر ...كنت ملء الوجود ولكنك ضائع في فكري...


************


وأما بعد حبها فأمسيت أراك أيها القمر ولست إلا طابع الله على أسرار الليل في صورة وجه فاتن كما أن كل وجه معشوق هو طابع الله على أسرار القلب الذي يحبه..


فأنت فاتن تحاكي في ضوئك وجهها لولا أنك بلا تعبير..


وانت ساطع بين النجوم ولو تجسمت صورة من أجمل ضحكات ثغر معشوق لكانتك ولو تجسمت القبلات المنتثرة حول هذا الثغر لكانتها..


وأنت زينة السماء ولكن السماء منك كمرأة سحرية اطلعت فيها حورية من حور الجنة فأمسكت خيال وجهها في لجة من النور ، فأنت خيال وجهها..


وأنت يا قمر .....أنت ملء الوجود ولكنك أيضا ملء فن الحب


****************


أتذكر أيها القمر إذ طلعت لنا في تلك الحديقة وتفيأت بنورك عليها فغمرت أرضها وسماءها بروح الخلد حتى وقع في وهمنا انك وصلتها من سحر أشعتك بطرف من أطراف الجنة فهي ناحية منها..؟

أتذكر وقد رأيتك ثمة قريب من ******ة تصب عليها النور حتى خيل إلى أنها إحدى الحور العين متكئة في جنتها على رفرف خضر وقد وقف لخدمتها قمر..

أتذكر إذ نزلت علينا بآيات سحرك فخيلت لي أن العالم قد تحول فيها هي إلى صورة جميلة مرئية أمست لي وحدي فملكت العالم كله في ساعة من حيث لم أملك إلا الحب..

أتذكر ساعة جئتها بها من فوق الزمن وكان فيها للحديقة جو من زهر وجو من قمر وجو من امراة أجمل من القمر ومن الزهر..


*********************


أترى يا قلبي كأن في الوجود الذي حولنا أنوثة وذكورة فهو بالقمر تحت الليل يعبر عن نفسه تعبيرا نسائيا في منتهى الرقة ، لأنه قوي شديد وفي غاية التفتر لأنه مشبوب متضرم وفي غاية الدلال، لأنه في كمال الإغراء وفي أقصى الحياء ، لأنه يبعث بهذا الحياء فيما حوله أقصى الجرأة...

تعبير امرأة معشوقة جميلة ترف بأندائها وليس فيها إلا صفات...

وبالشمس على النهار يعبر الوجود عن نفسه تعبير رجل مقدام ليس فيه غير القوة والحركة والاندفاع ..

تعبير رجل جبار يحمل عزائمه التي يحترق بها وليس فيه إلا صفات النار(في الهامش: هذا رأي لنا لم نجده لأحد فكأن من المرأة مظلمة أبدا كليالي المحاق ومنها مضيئة ولكن على تفاوت باختلاف الأسباب ومنها ليلة البدر وهي ******ة عند محبها...كلها جمال ووحي وضوء ورقة وسحر...)

أترى يا قلبي كأن مدينة الحياة في النهار بصراعها وهمومها تحتاج إلى قفر طبيعي يفر إليه أهل القلوب الرقيقة بضع ساعات، فلذلك يخلق لهم القمر صحراء واسعة من الضوء يجدون فيها بعد تلك المادية الجياشة المصطخبة روحانية الكون وروح العزلة وسكينة الضمير ويدو فيها كل ما يقع عليه النور كأنه حي ساكن بفكر..


أترى ياقلبي كأن ضوء القمر صنع صنعة بخصائصها ليبعث في القلوب معاني القلوب الروحية من الفكر والحب كما صنع نور الشمس ليبعث في الأجسام قواها ومعانيها المادية من الحياة والدم..


أترى يا قلبي كأن هذا القمر يلقي إنما يلقي النور على الحلم ******** اللذيذ الغامض الذي يحلم به كل عاشق من أول درس في الحب ساعة ترسل ******ة إلى قلبه رسالة عنها ، ولا يحلم بمثله في غير العشاق إلا أعظم الفلاسفة ، وفي آخر دروس فلسفته وبعد أن تكون الليالي الطويلة قد أطلعت في سماء عمره قمر الشيخوخة من شعره الأبيض...


أترى ياقلبي أن هذا القمر تليسكوب يكبر صوره العواطف حين تبث في ضوئه فلا يطلع على ******ين أبدا إلا كبر أحدهما في عين الآخر..


أترى ياقلبي إنه ليس في الحب إلا عواطف مكبرة يثيرها دائما وجه ****** فلابد أن يكون وجه ****** طالعة فيه روح القمر؟؟


أتى يا قلبي.....آه أترى....

Eng.Jordan 02-06-2020 10:51 AM

صلاة في المحراب الأخضر


شجراتي


"ولما غضبت ويبس ما بينهما ضاق بهجرها فانصرف إلا شجرات كان يخلو إلا نفسه في ظلها ونضرتها ونسميها وما فيها وما حولها وظن أنها تنبت شيئا في جدب الهوى أو ترمي بظل على رمضاء القلب فكان في وهمه كالذي يحاول أن يجد نساء من الشجر ..وهناك كتب هذه الرسالة في الربيع ...والتي بعدها في الشتاء.....


لي صديقات نم الشجر أعرفهن ويعرفنني منذ سنوات وهن ينزلن مني بعض الأحيان منزلة الحب لأن فيها شيئا من دلال النساء الخفرات أجد أثره في قلبي ولا أجد برهانه على لساني فإذا هممت أن أبن عنه وأبتغيه بالعبارة أخفته العبارة حتى لا يزيده البيان إلا غموضا وسوء معرض ولكن لكن إذا مضيت أفكر فيه تبينته أشد تبين فأحسست في ظلهن المستحي ونسيمهن المتنهد وغصونهن المنثنية شمائل حبيبة إلا نفسي ورأيت لها معاني لا تقع إلا في القلب ثم لا تقع نته إلا في الموضع الذي مسته يوما نفحة أو قبلة أو تنهد..


وإنما قيمة الأشياء بما فيها من أثر القلب أو بما لها من في القلب من أثر ولرب شيء تافه لا خطر له ولا غناء فيه ثم يكون في يد ك محب من حبيبه النائي أو الممتنع الهاجر فإذا هو قد تحول بموقعه من القلب إلى غير حقيقته فأطلعه الهوى من مطلع آخر ليس في الطبيعة فيرتفع ثم يرتفع حتى كأنه عند صاحبه ليس شيئا في الدنيا بل الدنيا شيء فيه ويكون ماهو كائن وينبعث منه روح ذات جلال أقل ما فيه أنه فوق الجلال الإنساني


هذه صغار الحياة حتى خالطها القلب أصبحت في الحياة أكبر كبائرها كأن قلب كل إنسان هو النقطة المحدودة له من الكون والكون كله مبعثر من حوله فلا بداية لشيء ولا نهاية لشيء ولا قرب ولا بعد ولا صغر ولا كبر ما يكون له قياس إلى القلب .........

والحب قدرة إنسان على قلب إنسان فهو من ثم قدرة قدرة على الكون التنصل بالعاشق وهو بهذه القدرة أشبه بألوهية لو ساغ في الظن أن توجد ألوهية عاجزة عن كل شيء إلا عن التصرف في مخلوق واحد وهو بكل ذلك إما حقيقة كبرى او سخرية كبرى.....


*************


تقوم شجراتي على مسيل من الماء في قاصية بعيدة عن المدينة وتراهن فوق الماء صفا إحداهن إلى إحداهن كأن هناك بقعة من الجنة قامت فيها قصور الزمرد على طريق أرضها من الفضة البيضاء المجلوة .


وأراهن كلا سنة يتجردون من الأوراق ليكتسين أوراقا مثلها لا تخلفها في شيء من الهيئة ولا تباينها في معنى الطبيعة ولكن بين ما يخلعن وما يلبسن تزيد فيهن الحياة وتشب الروح وتتجدد القوة فتلقى الشجرة أوراقها وتستقبل الشتاء مقشعرة جرداء لتظهر في الربيع كاسية جميلة ، جديدة في حسنها تتبرج بروحها قبل ثيابها ، كالحسناء الفاتنه أو ما يتحرك في دمها الحب...


كذلك لا تتبرج الروح إلا خارجة من شقاء أو مقبلة على شقاء ، وما أشبه الحب في الناس بهذا الربيع في الشجر هو الطريق الأخضر يمتد إلى الجدب واليبس والألم وإما إلى غاية منسية مهملة في الجفاء أو السلوة!


و>هبت في ضحوة النهار إلى صديقاتي أحييهن كعهدي بين حين وحين وما أكرمه عهدا لمن لا يختلفن من ملل ولا يتغيرن من ك>ب ولا يتبدلن من خيانة فلما جئتهن تحفين بي وتناولن قلبي يمسحنه ويتحببن إليه واقبلن يغازلنه ويأخذن فيه مأخذ من تحب فيمن يحبها حتي لم أشعر منه إلا ما اشعر من زهرة فيها أرجها العاطر أو ثمرة فيها ماؤها الحلو أو نبتة فيها لونها الأخضر...


ونبهن فيه برفقهن هذه القوة المتواضعة المظلومة التي تتوجه بالإنسان إلى ربه فتكون عبادة وإلى الناس فتكون رحمة وإلى بعض الناس فتكون الحب،فإني لتحت ظلالهن الوارفة وكأنني من السمو لتحت اجنحة الملائكة ، وإني لمع أغصانهن النضرة وكأني من السرور أداعب أطفالا صغارا تبسم لي وإني لبين أنفاسهن وكأني من النشوة مع الخيال الذي اتخيل...


تجلت علي القوة التي تحول الشعاع إلى ظل ، والهواء إلى نسيم والزمن إلى ربيع فكنت في الشجر الصامت شجرة متكلمة وانسللت من الطبيعة إلى طبيعة غيرها ووقفت بين عفو الله وعافيته في هذا المحراب الأخضر ومن ٌلبي المتألم أرسلت إلى السماء هذه التسابيح ذاهبة مع تغريد الطير ..


*************


يامن غرسني في الحياة كهذا الغراس بين الماء والنور ولكنه جعل جذوري كلها مستقرة مثله في الطين ..


يامن لا يؤتيني معنى شريفا ساميا على هذه الأرض إلا إذا عرفت بإزائه معنى وضيعا سافلا ، ولا ينضج ثماري ويحليها إلا بعد ان تنبت فجة مرة لا تذاق...


يا خلقني إنسانا ولكنه قضى على أن أقطع الحياة كلها أتعلم كيف أكون إنسانا ، كالبذرة : تقضي عمرها في إخراج شجرتها ونموها حتى إذا كملت الشجرة قطعت لأغراض أخرى غير التي من أجلها نبتت...


يا من وهب عبادة العقل بين هذه النواميس التي لا تعقل حتى لا يتم أبدا عقل إنسان ولا تكمل أبدا حكمة حكيم فيظل باب الخطأ مفتوحا لأكبر العقول واصغرها ، وتكون الحيرة قاعدة من قواعد العقل ، ليخرج من ذلك أن يكون التسليم قاعدة من قواعد القلب..


يا من جعل من شفائنا بالعلم داء آخر من العلم حتى لا يرتفع المضر من الأرض ولو صار اهل الأرض كلهم علماء....


يا من جعل النــاس في الحياة كأوراق الشجر ، من اليابسة التي تتقصف إلى جانب الخضراء التي ترف ، ثم إذا الناس جميعا كالأوراق جميعا ،يبست فارفتت(يعني تفتت) فطارت بها الريح تذروها فلا يعلم مستقرها ومستودعها إلا هو ..


ويامن خصني بهذا القلب العاشق الذي يتألم ويضطرب حتى عندما ألمس كتابا أعرف ان فيه قصة حب وهو مع ذلك يتكبر على كل آلامه ولا يخضع أبدا إلا جوابا على خضوع آخر فكأنه لا يدنيني ممن أحبهم إلا لأعرف ما أكرهه فيهم ، وهو من فرط رقته آلة إحساس جامدة لا قلب حي..!


ويامن جعل هذا القلب فيَّ كجناح الطائر لا يطير ولا يرتفع ولا يسمو ولا يتقاذف إلا إذا نشر هو جناحه الآخر فلا ابحث عن الحب لأجد ******ة وجمالها وحبها ، بل قوتي وسموي وكبريائي


يا إلهي :تقدست وتباركن، إني لا أنكر حكمة آلامي فما أنا إلا كالنجم :إن يسخط فليسخط ما شاء إلا ظلمة ليله التي تشب لونه وتجلوه ولولاها لما رأت العين شعاعة تلمع.....


لم تعطني يا رب ما أشتهي كما أشتهيه ولا بمقدار مني ، وجعلت حظي من آمالي الواسعة كالمصباح في مطلعه من النجوم التي لا عدد لها ولكن سبحانك اللهم لك الحمد بقدر ما لم تعط وما أعطيت ، لك الحمد أن هديتني إلى الحكمة وجعلتني أرى أن نور المصباح الضئيل الذي يضيء جوانب بيتي هو أكثر نورا في داخل البيت من كل النجوم التي ترى على السطح وإن ملأت الفضاء...


سبحانك اللهم ، إن هذا الشجر ليتجرد ويذوي ثم لا يمنع ذلك ان يكون حيا يتماسك ويشب وإنه ليخضر ويورق ثم لا يعصمه ذلك أن يعود إلى تجرده ويبسه ، فما السعادة أن نجد الزينة الطارئة ولا الشقاء أن نفقدها ، وما الشجرة إلا حكمة منك لعبادك تعلمهم أن الحياة والسعادة والقوة ليست على الأرض إلا في شيء واحد هو نضرة القلب..!
سبحانك ، إن الساخط على الحياة والحياة منك ، ليس إلا كورقة في شجرة قد بدا لها فسخطت شجرتها وعملها ونظامها ولونها وانتزعت نفسها وهوت في التراب لتخلق أوهامها وتخرج من نفسها على ما تحب شجرة جمال ولون وثمر فإذا هي اهون على الأرض والسماء من أن تكون إلا ورقة يابسة قد هلكت حمقا وارفتت رغما وهوانا


وضاعت فيما يضيع.





سبحانك .سبحانك.


اللهم لا تجعل ما يرفعني يقذفني.


ولا ما يمسكني يرميني.


ولا ما ينضرني يجفو بي..


**************


ولما فرغت من ابتهالاتي ، اتكأت على حبيبة منهن وجعت أفكر وأنا أحس كأن كل شجرة تضع قبلة ندية على قلبي أو كأن غصنا مطلولا ينفض طل الصباح قطرات في دمي ..


وسالت نفسي: لم لا يكتس الشجر كل عام جنسا من الورق ، فإذا اخضر هذا العام احمر من قابل ، ثم يصفر في الذي بعده ، ثم يكتسي من الوشي الأزرق في الذي يتلوه ، ثم يطلع في الديباج الأسود وهلم إلى عدد الألوان خالصة او متمازجة؟؟


أذلك لأن الطبيعة عاجزة عن التفنن ، أم لأنها شحيحة مقتصدة ؟أم لأن تركيب العام قائم على أن تبقى الحقيقة قائمة كما هي لا تتغير ، ام لأن كل شيء يستمر على ونيرة واحدة ليظهر جانبا معينا من حكمة الله؟ فينشئ جانبا معينا من ذوق الإنسان وفكره ، أم العالم كله كلمات صريحة تقول لهذا الإنسان :...إنك أنت وحدك المتقلب المتلون؟


*************


ثم مددت يدي فصرت غصنا من تلك الأماليد الناعمة اللينة، فإذا هو ريان تجد مس الماء في قلبه ، ولكنه اقبل في يدي بعد قليل على الموت وأنشأ يذوي مضمحلا ، فجعلت اتأمله فلم أرَ جزعا ولا خورا ولا إشفاقا من أمر يأتي ولا إشفاقا من أمر يأتي ولا حنينا إلى شيء مضى ، فعلمت أن القوة كل القوة ألا يجزع الحي ، فإذا هو لم يجزع يجبن ، وإذا أمن الجبن لم يستذله شيء ولم يكن الشقاء في رأيه شقاء بل مصادمة بالحياة لبعض نواميس الحياة ومضى كما هو جزءا على وضعه في الكل الذي هو فيه فتساوق مع الكل وبقوة هذا الكل ، فامن المنافرة واتقى على نفسه آلامها فإن لم ينعم بشيء فقد نعم بأنه راض مطمئن وما في المهنا أكثر من الرضا!


قال لي ذلك الغصن الأملد وهو يموت في يدي ويعاج سكراته : أيها الإنسان الضعيف ، هاأنت ذا تراني رؤية العين وتعرف بي سرعة انقطاع الحياة وتستيقن مني ان ما يجيء بطيئا يذهب حين يذهب سريعا، وأن طرفة عين من ساعة الموت تمسح السنسن الطويلة والعمر المتقادم وتقفل الباب على هذا العالم كله فكن غصنا في شجرة الحياة، ولكن اعلم مثلي أن الشجرة لا تعلمك مثبتا فيها بالمسامير ولا مشدودا إليها بقوة أزلية ، فلك منها المنبت على أن تمون قابلا للكسر ، ولك منها الزينة على أن تكون قابلا للتجرد وإنما أنت فيها كما أنت لتظهر فيك حقيقتها كما هي فليس لك أنت حقيقة .


أيها الإنسان ، إن للشجرة تماثيل يرفعها الله في كل مكان يوجد فيه الإنسان لتقول له كن دائما ذا فروع لتظلل بأبنائك موضعك من التاريخ ، كريما في حياتك تعطي مما تأخذ كن طاهرا تعرف كيف تستمد من كل شيء شيئا واحدا يعيش عليك ، كن مع جنسك مختلف الظاهر على جرثومتك وموضعك فذو ثمر أو زهر أو شوك....... ولكن ابق مع غيرك من الناس على قانون واحد.


يا شجراتي ما أنتن إلا من بعض صور الحب ولكن حبكن من النعمة والعافية ، إذ لا تنتهي في النفس معاني شهواتها ، بل معاني لذاتها فقط..


أنتن المثل الهنيء الذي لا بؤس فيه ولا حظ كالمعبد الذي تحمل إله الآلام والأوجاع لتنسى فيه هنية من الزمن ولهذا يقبل عليكن الحكماء وأهل النفوس الحاسة والطباع الرقيقة ، ياتون بالأنفس الذابلة والقلوب المتوهجة في ضعفة وسأم ليرجعو في هذه وهذه باللون الأخضر وبرح النسم في قوة عزيمة..


**************


لا بؤس ولا حظ في القاعدة الطردة التي تجري على وتيرة واحدة وكن حين تختار الحكمة الإلية شخصا بعينه لتجري عليه الحكم الشاذ من القاعدة وتهيئ له الأحوال الشاذة فهناك إما حقيقة البؤس وإما حقيقة الحظ .وما أصل الهم والشقاء في الإنسان إلا أن كل إنسان يتمنى لنفسه ان يشذ من قاعدة ما..........

Eng.Jordan 02-06-2020 10:51 AM

قال القمر



ياليل : هيجت أشواقا أداريها .....فسل بها البدر :إن البدر يدريها
رأى حقيقة هذا الحس غامضة ....فجاء يظهرها للناس تشبيها
في صورة من جمال البدر ننظرها...وننظر البدر يبدو صورة فيها
**************
يأتي بملء سماء من محاسنه...لمهجتي وأراه ليس يكفيها
وراحة الخلد تأتي في أشعته ..... تبغي على الأرض من في الأرض يبغيها
وكم رسائل تلقيها السماء بها .....للعاشقين فيأتيهم ويلقيها
*************
يقول للعاشق المهجور مبتسما :......خذني ×يالا أتى ممن تسميها
وللذي أبعدته في مطارحها ......يد النوى ، أنا من عينيم أدنيه
وللذي مضه يس الهوى فسلا:......أنظر إلى ولا تترك تمنيها
*********
أما أنا فأتاني البدر مزدهيا .....وقال جئت بمعنى من معانيها
فقلت : من خدها ، أم من لواحظها .....أم من تدللها أم من تأبيها
أم من معاطفها أم من عواطفها..........أم من مراشفها ام من مجانيها
أم من تفترها ، أم من تكسرها .......أم من تلفتها أم من تثنيها!؟
كن مثلها لي .جذبا في دمي وهوى ...أو كن دلالا وكن سحرا وكن تيها
فقال وهو حزين : ما استطعت سوى ........أني خطفت ابتساما لاح من فيها





نظراتها....

أكتب إليك يا حبيبت كتاب عيني ، إذ أكتب عن نظرتك *****ية التي أجد لها في قلبي معرض فن كامل من صور المعاني الجميلة فإن نظرة الحب تقع موقعها في العين وحقيقة معناها في القلب ، كأختها قبلة الحب :هي في الفم وحلاوة طعمها في الفكر..

أتدرين يا حبيبتي كيف أراك ، إن في عيني من أثر حبك ما جعل في نظري قوة خلق معنوي تريني كل شيء من فوق معانيه...كأني خلقت فيه جمالا أو معنى ، أو خلقت فيه القدرة على أن يسمو في روحي ويرتفع بها فوق ما هو في نفسه وحقيقته وعلى الجملة فكأني أسبغ الفن على المادة ، فإذا كل شيء يُرى هو في عيني شيء ألبس مجازا أو استعارة أو نحوهما مما يحقق فيه مع صنع مادته عمل فكري وخيالي..

في نظري من أثر حبك حس من الفكرة ، فهو نظر وتقدير معا والأشياء لديه مادة وعبارة سواء ، والإدراك به حقيقة وخيال جميعا، وبكل ذلك فالجمال في نظري جمال في نظري جمال من ناحيتين: حسنه في ذاته ...وحسنه في خيالي الذي يجعله أسمى من ذاته.

ولو أردت مثلا أضربه لقلت لك : خذي جمالين في معنى واحد فإني أنشأت حديقة زهر .ولكني لا أقول لك أنت غرست حديقة بل أقول لك غرست الفجر..

ومن ذلك يبدع لي الحب فكرة عنك لو هي كانت في خاطر ملك من الملائكة يمر بها في السماوات لما زادت ولا ارتفعت عما هي في نفسي ولو دخل بها الجنة....بهذه الفكرة أراك وفيك الجمال النسوي كله فإذا نظرت إلي غيرك لم أر فيها إلا شخصها هي حسبه..( هامش حسب :فقط والهاء هاء السكوت للوقوف على الكلمة)
كذلك أراك بحس الشاعر الذي يضيف دائما إلى الحياة والطبيعة زوائده وفنونه ، ولكني اراك أيضا بحس الطفولة التي تضيف غليها الحياة والطبيعة دائما مثل تلك الزوائد والفنون فما احسبني رأيتك مرة إلا وكأني رأيت فيك اول أنثى وكأنما الحب هو بدأ الدنيا مرة ثانية من أولها ، أي ولادة خيالية : إن لم تولد بها الأشياء في أشكال جديدة فبألوان جديدة ، أي زخرفة الوجود كله ونقشه لعين العاشق بجمال المعشوق كأن الوجود بيت قد طلي ونقش وزخرف لأنه ستدخله عروس الحب!
وانظري الآن يا حبيبتي صور نظراتك من قلبي فإن لها بعثات من ورائها بعثات وفيها المعاني من تحتها المعاني..

فهذه نظرات تمتد تأمر تشعرني قوة سلطانها كأنها تقول :أريـــد...أريــد...ثم لا يرضيها الرضا فكانها تقول أريد منك أكثر مما أريد...

ونظرات تجيء تشعر النفس قوة سحرها فلا تتفتر بها عيناك حتى أرى الحياة وقد ملأت وجهك بفن من الأنوثة الساحرة كأنما ابدعته لك خاصة..

ونظرات من عين ساجية ساكنة الطرف كأنها تقول لي : إن نظراتي إليك بعض أفكاري فيك...

ونظرات بتقطع الطرف بيني وبينك فيها ..كأنها تقول لي أفهمت ....

ونظرة طويلة صارمة لها سيماء قاض محقق تبحث فيّ عن توكيد لتهمة أو براءة!

ونظرات من عين تسال متجاهلة وقد شطرت بصرها كأن فيها فكرين أحدهما يقول أعرفك والآخر يقول لا أعرفك...

ونظرات ******ة لألآت بعينيها كأنها تقول لقلبي أنت جرئ كالفراشة ...ولكن على الشعلة المحرقة .

ونظرات الجميلة المزهوة كأن فيها شيئا أعلى من أرواحنا يوضح لمحات من الجمال الأزلي ..

ونظرات الضاحكة اللعوب تنفر وتتدلل كأنما تقول لي :

إنها تحس أفكاري تداعبها وتلمسها .
ونظرات الخفرة الحيية التي كأنما تحاول أن تخفي سر قلبين تحت كسرة طرف ضعيفة...

ونظرات أراها محدجة كما تنظر من روعة وفزع حين لا فزع ولا روعة ،فأعلم أن الجمال يهاجمني بسلاح خوفه..

وهذه نظرة _نظرة واحة _يقول من يعرف أساب معاني الحب :إنها ربما كانت أخت القبلة ....فهي قصيرة لا ينفتح بها الجفن حتى ينطبق....

وهذه نظرة طويلة قوية في جذبها ، فربما كانت أخت العناق..

وهذه نظرة يجشع فيها بصر لأن تهمة لك من عيني التقت مرة باعتذار لي من عينك .

وهذه نظرة من معنيين تحتمل كليهما إساءة الدلال إلى وإحسانه علي ..

وهذه نظرة بين اللقاءين (لقاء الغضب ولقاء الرضا)تجذب في قلبي الخوف والأمل بمقدار واحد......

تلك يا حبيبتي صور نظراتك في معرض قلبي وتقابلها هناك الصور الأخرى التي لا تريدين أن أصفها لك ،،،لأنها الصور المسكينة ....صور أحلامي....
**********************

Eng.Jordan 02-06-2020 10:51 AM

قال القمر



ياليل : هيجت أشواقا أداريها .....فسل بها البدر :إن البدر يدريها
رأى حقيقة هذا الحس غامضة ....فجاء يظهرها للناس تشبيها
في صورة من جمال البدر ننظرها...وننظر البدر يبدو صورة فيها
**************
يأتي بملء سماء من محاسنه...لمهجتي وأراه ليس يكفيها
وراحة الخلد تأتي في أشعته ..... تبغي على الأرض من في الأرض يبغيها
وكم رسائل تلقيها السماء بها .....للعاشقين فيأتيهم ويلقيها
*************
يقول للعاشق المهجور مبتسما :......خذني ×يالا أتى ممن تسميها
وللذي أبعدته في مطارحها ......يد النوى ، أنا من عينيم أدنيه
وللذي مضه يس الهوى فسلا:......أنظر إلى ولا تترك تمنيها
*********
أما أنا فأتاني البدر مزدهيا .....وقال جئت بمعنى من معانيها
فقلت : من خدها ، أم من لواحظها .....أم من تدللها أم من تأبيها
أم من معاطفها أم من عواطفها..........أم من مراشفها ام من مجانيها
أم من تفترها ، أم من تكسرها .......أم من تلفتها أم من تثنيها!؟
كن مثلها لي .جذبا في دمي وهوى ...أو كن دلالا وكن سحرا وكن تيها
فقال وهو حزين : ما استطعت سوى ........أني خطفت ابتساما لاح من فيها





نظراتها....

أكتب إليك يا حبيبت كتاب عيني ، إذ أكتب عن نظرتك *****ية التي أجد لها في قلبي معرض فن كامل من صور المعاني الجميلة فإن نظرة الحب تقع موقعها في العين وحقيقة معناها في القلب ، كأختها قبلة الحب :هي في الفم وحلاوة طعمها في الفكر..

أتدرين يا حبيبتي كيف أراك ، إن في عيني من أثر حبك ما جعل في نظري قوة خلق معنوي تريني كل شيء من فوق معانيه...كأني خلقت فيه جمالا أو معنى ، أو خلقت فيه القدرة على أن يسمو في روحي ويرتفع بها فوق ما هو في نفسه وحقيقته وعلى الجملة فكأني أسبغ الفن على المادة ، فإذا كل شيء يُرى هو في عيني شيء ألبس مجازا أو استعارة أو نحوهما مما يحقق فيه مع صنع مادته عمل فكري وخيالي..

في نظري من أثر حبك حس من الفكرة ، فهو نظر وتقدير معا والأشياء لديه مادة وعبارة سواء ، والإدراك به حقيقة وخيال جميعا، وبكل ذلك فالجمال في نظري جمال في نظري جمال من ناحيتين: حسنه في ذاته ...وحسنه في خيالي الذي يجعله أسمى من ذاته.

ولو أردت مثلا أضربه لقلت لك : خذي جمالين في معنى واحد فإني أنشأت حديقة زهر .ولكني لا أقول لك أنت غرست حديقة بل أقول لك غرست الفجر..

ومن ذلك يبدع لي الحب فكرة عنك لو هي كانت في خاطر ملك من الملائكة يمر بها في السماوات لما زادت ولا ارتفعت عما هي في نفسي ولو دخل بها الجنة....بهذه الفكرة أراك وفيك الجمال النسوي كله فإذا نظرت إلي غيرك لم أر فيها إلا شخصها هي حسبه..( هامش حسب :فقط والهاء هاء السكوت للوقوف على الكلمة)
كذلك أراك بحس الشاعر الذي يضيف دائما إلى الحياة والطبيعة زوائده وفنونه ، ولكني اراك أيضا بحس الطفولة التي تضيف غليها الحياة والطبيعة دائما مثل تلك الزوائد والفنون فما احسبني رأيتك مرة إلا وكأني رأيت فيك اول أنثى وكأنما الحب هو بدأ الدنيا مرة ثانية من أولها ، أي ولادة خيالية : إن لم تولد بها الأشياء في أشكال جديدة فبألوان جديدة ، أي زخرفة الوجود كله ونقشه لعين العاشق بجمال المعشوق كأن الوجود بيت قد طلي ونقش وزخرف لأنه ستدخله عروس الحب!
وانظري الآن يا حبيبتي صور نظراتك من قلبي فإن لها بعثات من ورائها بعثات وفيها المعاني من تحتها المعاني..

فهذه نظرات تمتد تأمر تشعرني قوة سلطانها كأنها تقول :أريـــد...أريــد...ثم لا يرضيها الرضا فكانها تقول أريد منك أكثر مما أريد...

ونظرات تجيء تشعر النفس قوة سحرها فلا تتفتر بها عيناك حتى أرى الحياة وقد ملأت وجهك بفن من الأنوثة الساحرة كأنما ابدعته لك خاصة..

ونظرات من عين ساجية ساكنة الطرف كأنها تقول لي : إن نظراتي إليك بعض أفكاري فيك...

ونظرات بتقطع الطرف بيني وبينك فيها ..كأنها تقول لي أفهمت ....

ونظرة طويلة صارمة لها سيماء قاض محقق تبحث فيّ عن توكيد لتهمة أو براءة!

ونظرات من عين تسال متجاهلة وقد شطرت بصرها كأن فيها فكرين أحدهما يقول أعرفك والآخر يقول لا أعرفك...

ونظرات ******ة لألآت بعينيها كأنها تقول لقلبي أنت جرئ كالفراشة ...ولكن على الشعلة المحرقة .

ونظرات الجميلة المزهوة كأن فيها شيئا أعلى من أرواحنا يوضح لمحات من الجمال الأزلي ..

ونظرات الضاحكة اللعوب تنفر وتتدلل كأنما تقول لي :

إنها تحس أفكاري تداعبها وتلمسها .
ونظرات الخفرة الحيية التي كأنما تحاول أن تخفي سر قلبين تحت كسرة طرف ضعيفة...

ونظرات أراها محدجة كما تنظر من روعة وفزع حين لا فزع ولا روعة ،فأعلم أن الجمال يهاجمني بسلاح خوفه..

وهذه نظرة _نظرة واحة _يقول من يعرف أساب معاني الحب :إنها ربما كانت أخت القبلة ....فهي قصيرة لا ينفتح بها الجفن حتى ينطبق....

وهذه نظرة طويلة قوية في جذبها ، فربما كانت أخت العناق..

وهذه نظرة يجشع فيها بصر لأن تهمة لك من عيني التقت مرة باعتذار لي من عينك .

وهذه نظرة من معنيين تحتمل كليهما إساءة الدلال إلى وإحسانه علي ..

وهذه نظرة بين اللقاءين (لقاء الغضب ولقاء الرضا)تجذب في قلبي الخوف والأمل بمقدار واحد......

تلك يا حبيبتي صور نظراتك في معرض قلبي وتقابلها هناك الصور الأخرى التي لا تريدين أن أصفها لك ،،،لأنها الصور المسكينة ....صور أحلامي....
**********************

Eng.Jordan 02-06-2020 10:52 AM

من قلمها..


وهذه فصول منتزعة من رسائلها نشرناها مقتضبة تلمح بمعانيها لمحا ليكون في هذا الاقتضاب شيء من الإبهام فتكون مع الإبهام كأنها لم تنشر ، مادامت هي تقول إنها لم تكتبها لتنشر....

فلسفة تأخير الرد..
أخرت جواب رسالتك لتجيب عنب بظنك وستجيب بأنواع متناقضة من يسوؤك ويسرك وتضع في أجوبتك مئة نعن ومئة لا ثم يأتيك بعد كلامي فينزل من نفسك منازل لا منزلة واحدة ، إذ تقابله بكل ما قدرت في نفسك من قبل ، فيسرك على قدر ما أحزنت هذه النفس ، ثم يعطيك من اليقين ما يسرك من ناحية أخرى بمحو الظن!!
هذه سياسة بعض ما يحتاج إلى الشرح في بعض علاقات النفوس يكون السكوت الطويل فيها هو أطول شرح للكلام الذي يأتي بعده....يفسره تفسيرا غير مكتوب...
*****



طفولة فلسفية..

أظن هذه الفترة التي انقضت في سكون ظاهر كانت كلها أحاديث ، أحاديث طويلة لم تعلم ..
إذا أنا سألتك مرة :أين البرهان ...لم يعجزك أن تأتي به من بلاغتك،وقد لا تكون ثمة قضية يقوم برهانها ، ولكنك تجعل البلاغة الساحرة نفسها قضية على ما ترسم ،كأنك مهندس منطق وبذلك تطمئن دائما لتأثير قوة يراهينك ،أي لإقناعي أنا.راضية أو غير راضية...

أما أنا فأقدم براهيني بسذاجة الأطفال الذين لا يعرفون ولا يستطيعون إلا أن يكونوا أطفالا وأقوى برهان الطفل أن يكون الطفل نفسه برهان عليه ....فما عساك تقول أترى الطفل هو عنك أيضا قضية بلاغة؟..

لله من الكناية إليك! ما أشدها طربا وأشدها صعوبة في وقت معا ، فأنا أخافك لأنك تستشف من الأحرف مالا يتبينه سواك من الصفحات ، وغريب أنني مع شدة هذا الخوف لا أكاد أمسك القلم حتى أسير به أو يسير بي أو نسير معا..ليس في أحد تروية ولا حذر ،كأنني أخاطب نفسي أو هو يكتب مذكراتي ...أي من قلبي لقلبي ...أتعجبك هذه الطفولة في الحديث...

نعم هي ألفاظ كالتي في ألسنة الأطفال ، لا في تلك التي في الكتب أو في صناعة البيان ، ولكن إذا أنت لم تغض عن ظاهرها فأين إذا الحفاوة بالمكنونات التي لا يراها إلا من خبئت له.....؟

******

Eng.Jordan 02-06-2020 10:53 AM

قياس الأشياء في الحب...

كم أراك تحتاط بطريقة ناعمة لا تصدم كبرياء النفس إلا قليلا ولكن أيذهب عنك انها حين تصدمها قليلا تكون قد صدمتها وكفى ..

ليس كل قليل هو قليلاً(هذا الضمير في مثل الموضع يسمى ..ضمير فصل ...وهو حرف لا اسم ) ولا كل كثير هو الكثير فقياس الأشياء بين الأصدقاء(انظر !!) لا يكون في الأشياء ذاتها بل في صلة الإحساس التي تكون في أنفسهم ...لأنها إنما تقدر بمقادير الشعور لا بمقادير المادة ...
أما رأيت هذه الصلة الوثيقة أيام كنت مريضا ...قد جعلتك مريضين!!

إذا كنت على ثقة من هذه القضية فأنا الآن راضية عن هذه الابتسامة الطويلة التي أثق أنك تبتسم بها وإن كنت لا أراها...



البربرية



باركت الوخزة التي فجرت منك هذه الآيات الساحرة وكدت أدعو لك بالآلام والأوجاع مادت لا تكتب إلا من جرح ………….أتعجبك تمنيات هذه الصديقة البربرية

ألا فليهنأ بك هذا القلم الذي اوتيتهفن ما كتبت به سيبقى دائما على آفاق هذه اللغة سحابة وحي تحمل تنزيلها.

وتالله من يتذوق طعم البراءة التي تقطر بها براعتك ، ليظل من بعدها في جوع دائم كجوع الأغنياء للذهب.

أرام تبتسم الآن بسمة الرضا : أفيعجبك ثناء هذه الصديقة البربرية…؟


السيد


تقول إن حبك مسرف وعداوتك متقصدة وإن هذا الحب كخضوع المستبد، والاستبداد في نفسه قوة فهو إذا خضع كان واثقا أن خضوعه قوة أيضا وإن هان وإن ذل..


يا صديقي السيد …نعم ثم نعم ولكن كلمتك تجعلني أرى في صلتنا هذه نوعا من تطفل الفتاة على سيادة الرجل ، إذا تقتحم بها الفتاة وإذ تجرء ألا تضع هذه الصلة موضعها الطبيعي؟ إن هي إلا خضوع وطاعة وعبودية للسيد…..


أليس كذلك ايها السيد…..


أما والله إن الرجل مهما يغلب نفسه ويحملها على الرقة ليصليها بنعومة الأنوثة من جانبها المصقول الناعم، فلا بد ان تغلبه نفسه مرارا حتى تظهر حقيقته الجافية الخشنة التي خلق منها ولها..

ولو أن حجرا أحد جوانبه ماس رقيق وسائر جوانبه الاخرى حجر ثم مسته الحياة فتمثل بشرا سويا لكان رجلا متحببا متظرفا مثلك يا سيدي ….وهو من جانب واحد يعتبر المحب ، أي الماس ومن ثلاثة جوانب يعتبر السيد أي …أي الحجر…!!>>


السيد ايضا…..


لا يسوؤك أيها الصديق ! فوالله ما أنا بالتي ترغب الإساءة إلى عدو …فكيف بها إلى صديق …وإلى صديق عزيز ؟؟أيغضب السيد من وصفه بالسيد…..!


ولكن ما كانت الصداقة لتحمل في يدها ميزان العدل لكل كلمة وكل معنى وكل إشارة، بل إنها لتصفح كثيرا عن كثير لتجعل الحق الذي لها أن تستوفيه كاملا كأنها حق عليها تؤديه كاملا فتكبر بتسامحها وتنمو…


كن أنت الحاكم على نفسك انتصافا لما ظلمت به نفسا أخرى …


وإني اهز يدك بقوة تؤكد لك أن حرارة الإخلاص هي ابدا قوية من أنها إخلاص، متجددة من أنها قوية، باقية من أنها متجددة………

وبكل هذا هي الحب وهي الصداقة…


هو المرض ولكن


نعم هو المرض الذي استحق منى كل هذه العناية ، ولكنه المرض على أنه في جسمك


أنا إنسانية اعطف على كل احزان العالم ، ولكني لو تألمت لكل المتألمين لما أثاروا في نفسي إلا الجزء الأصغر مما تثيره فيًّ آلام صديق…


ولو تألمت بنفسي أو لنفسي لاحتملت ، ولكن المي بك وشفاؤه فيك …فهو الم وجزع واضطراب … أتألم بثلاثة من حيث لا تتألم انت إلا بأحدها…


نعم إن المرض هو الذي أثار فيّ كل هذا ، ولكنه المرض على انه في جسمك !!!!


جو طليق وحرية..

أنت كما تقول : في الجو الطليق وفي حريتي المعبودة ، يحويني الفضاء وأحويه ولا قيد ولا حد ولكن مع كل هذا فهناك هماك في الجو جاذبية ، وهناك للحرية أشواق ، وما يعين لنا حدود مسراتنا إلا آلامنا…

أضيفك كلمتك إلى سجل هفواتك في حق هذه المخلوقة التي لا ذنب لها سوى طيبة نفسها …ومن استحق أن تكون طيبة نفسه من ذنبه ، فقد استحق أن تكون من عقابه عند نفسه أتريد مني التوبة عن أن أكون لك طيبة النفس……؟

Eng.Jordan 02-06-2020 10:53 AM

افتح للشمس ….


أعجب لقلبك ، يأبى أن يحتبس في هذه الفكرة المظلمة التي توهمك أني أسأت إليك وقصدت بالمهانة ....هل القلب يعادي صاحبه أحيانا فيعاديك قلبك ويأبى عليك إلا أن تصر وتكابر وتغلق النافذات كلها ثم تذهب تتهم الشمس ؟؟


ما حيلة الشمس في الحيطان والأبواب التي أنت تقيمها ؟؟

افتح لها تدخـــــــل...


من بعـــــــــــيد..


أكاد والله أنسى أني بعيدة عنك هذا البعد كله ، بعدا يتقاذف بكلماتي مسافات ومسافات إلى أن تؤدي إليك شعوري ولا أعلم هل يسلبها البعد هذه الصيغة الحقيقية التي أراها لها وانا أكتبها....وأراها لها حين تتركني ذاهبة إلى البريد؟


وأنا على هذا البعد حين أقرؤك أراك وإنك لأقرب إليّ ممن هو أقرب إلى ، وأشعر بالكلمات حارة متنفسة بين يدي كساعة كتابتها ....كأن قلبي كان عندك وأنت تكتبها فلما جاءته .جاءته على عهده بها ....


هناك مهما ابتعدت دائرة أنس لنفسي تسكن إليها وتتعلق بها ، ولا تجعل محيط أفكارها إلا منها ، فأنا بنفسي في هذه الجهة البعيدة التي تفصلك عني ..ولكني بها أيضا في المكان الذي أنت فيه ...




***



هاأنذا يا حبيبتي أجلس لكتاب الشوق ، وفي يدي القلم ومعانيك مني قريبة تكاد تحس وتلمس على تباعد ما بيننا ....لأن ما فيك هو في قلبي.


وهذه عينك الظاهرة دائما بمظهر استفهام عن شيء ، لأن وراءها نفسا متعنتة تأبى أن ترضى ...أو حائرة لا تكفيها معرفة أو غامضة تريد ألا تفسر ، أو على الحقيقة لأن وراءها نفسا فيها التعنت والحيرة والغموض ، إذ عرفت أنها معشوقة...


هذه عينك من وراء البعد تلقي علي نظرات استفهامها فتدع كل ما حولي من الأشياء مسائل تطلب جوابها من حضورك ومرآك لا غير وبذلك يهفو إليك القلب بأشواق لا تزال تتوافى ، فلا تبرح تتجدد ، فهي لا تهدأ ولا تسكن و ، وكأن غيابك سلب الأشياء في نفسي حالة عقلية كانت لها ، كما سلبني أنا حالة عقلية..


وآه من تباريح الحب! إنها لوحوش من الأحزان ثائرة ، فكل راجفة من رواجف الصدر كأنها من حر الشوق ضربة مخلب على القلب...


الشوق ...وما الشوق إلا صاعقة تنشئها كهرباء الحب في سحاب الدم يمور ويضطرب ويصدم بعضه بعضا من الغليان، فيرجف فيه حين الرعد القلبي يتردد صداه آه آه آه...

******

والآن يا حبيبتي ألقت عينك الساحرة عليّ نظرة استفهام أخرى بالصبابة ورقة الشوق، فأحسست بروحي كالغصن المخضر أثقله الزهر وقد طفقت أزهاره تتفتح وتسلم النسيم ودائع الجنة من نفحاتها وتسليماتها عليك..


وأشعر بالقلم في يدي وكأن له شأنا مع الكلمات التي أكتبها لك ، فهو يخطها حرفا حرفا ، ويقبلها كذلك حرفا حرفا...وكأنه الساعة ذو هيئة إنسانية (الريشة) التي فيه تمتد إلى الكلام امتداد الشفة الظمأى بالقبلات الكثيرة المخبوءة فيها!


وأشعر بالقرطاس وكأنه قد علم أن سيحمل أشواقي وأسرار قلبي فلا يعد صحيفة ورق تموج بالألفاظ بل صحيفة صدر ملأها جو من التنهد....آه آه آه ....

******

وبنظرة استفهام أخرى من عينيك أشعر بحقيقتك النسوية من حولي حافة بي..فمرتجة في صدري ، فملقية على قلبي المسكين من كل خطرة شوق لسعة ألم ...

نعم إنك يا حبيبتي ترسلين الأنوار في هذا القلب ، غير انها لم تكن أنوارا إلا من أنها شعلا مضطرمة ، والمحب الذي يضيئه عشقه ويظهر للجمال، وجوده الغرامي ، إنما ينيره احتراقه وفناء وجوده الذاتي ، كل قدر من النور بقر مضاعف من الاحتراق...


وكذلك البطل العظيم في الحرب تنهش من لحمه السيوف ويثقب في عظامه الرصاص وما مرقه الموت بهذه ولا تلك ولكن مزقه مجده !!


أما إنك يا حبيبتي لو ضربتني بسيف لقتلتني قتلة معطرة ...


أما إنك لو ضربتني بسيف لما كانت قد زدت بسيفك وضربتك على أن تكوني خلقت الحسن في نظرة قاسية من نظرات عينيك..

وهكذا علمتني حقيقتك أن الحب إن هو إلا تفسير كل شيء في العالم تفسيرا من القلب

******

أنت ممزوجة بآلامي وآلامي منك هي أشواقي ، وأشواقي إليك هي أفكاري ، وأفكاري فيك هي معانيك في نفسي ...ومعانيك هي الحب ....

ولكن ما هو الحب إلا ان يكون آلامي و أشواقي وأفكاري ومعانيك في نفسي .؟


ولروحك أنفاس تناسمني فأستنشقها مهما انصدعت المسافات بيننا ، كأن ما ملء النفس يملء الكون فمن شعوري الدائم بانسكاب روحك في روحي ينبعث غرامي ويرصد بهواك لي في منفذ كل معنى لى نفسي ، ومن هذا تنبعث أشواقي الحزينة ما دمت لا أراك وإذا كان الغرام هو سكر الروح بالروح ، فما الشوق إلا التمرد العنيف من حواس الجسم المحب إذا حرم أن يسكر بالجسم الذي يحبه ...

******

في بعدك لا أشعر بالزمن يفنى من الساعات والأيام ، بل مني ومن حياتي ، فأنا من بعدك أذوب ، أذوب فناء ، أي أذوب شوقا ، وأفنى صبرا وعمرا بين كل ساعة وساعة!


يا رحمة للمشتاق حين يكون فيما حوله وهو بعيد عنه ، وقد يتكلم بالكلمة وهو مسيرة شهر من معناها ....ويعيش في سكوت ملأته أرواح ألفاظ محبوبة تريد بما وسعه أن تتكلم ..ولا يمكن أن تتكلم ...إذ الفم الجميل الذي ينطقها بعيد في وديعة النوى ، ويروي أنه هو وحبيبه ناحية فكرية من نواحي الدنيا بعيدة عن الناس والأشياء ، كأنهما معتكفان في عزلة ، ومع ذلك ف****** عنه في بعـيد ، فكأنما المسكين غريب في دنياه وفكره معا ...ويحس الآلام لا تنتهي ،إذ كانت هي أشواقه الدائمة الحنين إلى من يهواه ، فالألم فيه يبدأ ولا يزال يبدأ....

ومن ذلك فأشواقي لك يا حبيبتي دائما تبدأ ولا تزال تبدأ ...وأنا دائما في أولها ..

آه من هذه الأفكار الحزينة التي جاءت تبحث عن دموعي ...

وما هذا المعنى الناري الذي يطير في دمي ...

وما هذا الرعد القلبي الراجف يتردد صداه :آه آه آه...

Eng.Jordan 02-06-2020 10:53 AM

رسالة الطيف


ألم بي طيفها بالأمس ، فاقتحم بناء النسيان الذي رفعته بيني وبينها وألقيت كبريائي في أساسه حتى لا يرجف ولا يتصدع وأعليته بهمومي منها وشددته بعزائمي وثقتي وجعلته بإزائها كالمعبد من الزنديق إن لا يكن لا يسخر من ذلك إلا هذا فما يلعن هذا إلا من ذلك....

ولم ينكشف الليل حتى رأيت معبدي أطلالا دارسة قد خلعتها روح السماء فلبستها روح الأرض فتحول كما يتحول الزاهد في سمته ووقاره وتعففه إلى الشحاذ في تبذله وحرصه وإلحافه، وتصدع فنونا وتبدل أشكالا وسرى طيفها في نيتي مسرى الزلزلة الراجفة في بقعتها من أرضها تشق في الأرض والصخر والجبل ما يشق المقراض قي سرقة من الحرير (يعني شقة من الحرير الرقيق والجمع سَرَق) بل اسرع وأقطع وأمضى ...ولو حدث بعد الذي فعل طيفها أن مدفعا من المدافع ألقى ظله على الأرض فانفجرت من ظله القنابل تخرب وتدمر وتأتي على ما تناله والمدفع ذاته قار ساكت لقلت عسى ولعله ، وأمر قريب ، ولعل المدفع كان امراة...


*****************

ولكن تحت أطلال نسياني وما تخرب من عزيمتي انكشف لي كنز من الخيال دخلته وملكته، ولم أر فيه الدر والجوهر والألماس والياقوت في جسم الأرض ، بل رايت فيه ******ة تسطع من جسمها البديع حقائق كل هذه الجواهر الكريمة حتى لكأنها والله في غرابة الحلم حسناء من در و ألماس وجوهر وأشعة تتلألأ ، وما شئت أن ارى صفاء ولا جمالا ولا حسنا ولا فتنة إلا رأيت فيها ......


طيف جاء الروح المهجورة ب******ة فاستنشتها كما هي نسمة طائفة على روضة من الورود ومر بروحي التي جفتها هي وجرحتها مرورا أنعم من لمس الشفة للشفة ، وغمرها بمحاسن تملؤها ذوقا وطيبا ، وتحول هو معها روح قبلة مشهاة على انتظار طويل ففيه مسها ولذتها وحلاوتها .


وفي الحلم يتجلى ****** لمحبه كما هو داخل في نظام عقله وكما هو مستقر في امانيه ، فيكون على ذلك كأنه من خلق النفس وتصويرها، فتفتن به أشد الفتنة وكأنها لم تر معانيه في أحد قط ولا فيه هو نفسه ، ومن هذا قلما ناجى ****** في رؤياه أو طارحه الهوى أو الحديث أو نوله مما يشتهي إلا انتبه المحب وكأنه لم يلم به من هذا كله شيء ، بل ذاب هذا كله في دمه حلاوة روح لها طعم ومذاق...


يا للرحمة من طيف يعذب العاشق بالرحمة ...إذ ينقل ****** كله إلا ****** نفسه ....ويحقق المحب أمانيه إلا بهذه الاماني ويختم على ظلمة الصدر بألوان من نهار يموت قبل النهار ....وفي عالم معذب من الهواجس والخيالات العاشقة المستلبة إرادتها ، ينصب عالم نعيم من الهواجس والخيالات المعشوقة مستلب الإرادة أيضا فكأنها سخرية النفس من جنون صاحبها........ ياللرحمة.

وتحت أطلال نسياني وما تخرب من عزيمتي . . . ظفرت بقصورة كأنها من مقاصير الجنة لها جو عبق نافج مليء من الإحساس الخالد والشعور الطروب ، كما مليء بالأسرار والألغاز ، ترف عليه معاني الضحكات والنظرات والابتسامات . . تمازجه تعابير الصوت والموسيقى والثياب الحريرية والروائح العطرة يسبح في ذلك كله جلال الحب وجمال المحبوب وروحي العاشقة ! !

وارتفعت حقيقتنا كلينا إلى عالم الكنايات والمجازات والاستعارات ، فكان الحب ثمة يتخذ شكله السماوي فيتسع بالإدراك في كل شيء إذ يجعل الحاسية كأنها من حواس الخلود . فلا نهاية لمسرة تتصل بها ، ولا نهاية للذة تخالطها . ومن ذلك لا نهاية لأفراح قلبي في الحلم . . .

وكانت هي كل تقاسيمها تعبيرات معنوية حتى لكأنها صورة متجسمة من أوصاف بارعة في الحب والجمال خصصت بعلمها أنا وحدي إذ لا يمكن أن يهتدي إليها إلا فيها وحدي وكنت مع طيفها كأني ملقى في حالة من حالات الوحي لا في ساعة من ساعات الكرى ...

ورايت حبا رائعا اشعرني إذ ملكته في تلك الخطرات أن الإنسان قد يملك من الجنة نفسها ملكا وهو على الأرض في دار الشقاء إذا هو احتوى بين ذراعيه من يحبه . . .

**********

وقالت نفسها لنفسي : هلمي يا حبيبتي في غفلة من هذين العقلين العدوين نهدم عليهما المنطق الذي يعذبنا بأقيسته وقضاياه وإنما نحن روحان فوق الأقيسة والقضايا .

هلمي إلى حكم الحب في رقدة الفلسفة العنيدة القائمة بصاحبينا قيام محكمة بقاضيين جاهلين معا مكابرين معا فلا يرى كلاهما إلا أن صاحبه هو الجاهل وبذلك تتضاعف البلية منهما متى حكما . . . !

هلمي من وراء هذين المتغاضبين إلى شريعة الرضافليست إحدانا من الأخرى إلا كالصدى يجيب على الكلمة بالكلمة نفسها . . . إذ ليست إحدانا إلا الأخرى . . .

*********



عاد الحب أكبر من كلمة ..ورجع الرضا أكبر من ابتسام الشفتين وصارت الأذرع حدودا بعد أن كانت على فضاء وفراغ وحيا طيفها وسلم . . .


حيا وسلم ثم صافح تاركا


يده على الكبد التي أدماها


وأتى ليعتذر الغزال ، ولجلجت


كلمات فيه ، ففي فمي أخفاها


ودنا ليغترف الهوى فتهالكت


أسراره ، فرمت به فرماها


قلب ****** متى تكلم لم تجد


كلما ، ولكن اذرعا وشفاها...

Eng.Jordan 02-06-2020 10:54 AM

لمـاذا لمـــاذا؟


وكتب إليها :


قرأت كتابك وهو أسطر قليلة ، ولكنها إما ساحرة أو مسحورة ، فلقد خيل إلي أنها تنتهي ، إذ كنت فيها كأني أطارد معنى فارا مذعورا لا تمسكه الألفاظ فلا يبرح فوق السطور ، إذا بلغ آخرها وثب إلى أولها فإذا كان في أولها عاد إلى آخرها دواليك بدأ وعودا . ويتلجلج مثل ذلك في صدري فلا ينتهي حتى ينتهي عنه


تقولين يا حبيبتي : أي شيء عندك هو جديد في ؟ ولماذا لا تراني رؤيتك غيري ؟ وكيف بعدت في نظرك المسافة بين وجه امرأة ووجه امرأة أخرى ؟ وهل في وجوه النساء طريق متشعبة تذهب برجل يمينا وتلوي بغيره شمالا ، وتتوافى إلى غاية وتتفرق عن غاية ؟ ثم ما الذي جعلني عندك لغزا لا تفسير له ، وجعل النساء من دوني واضحات مفسرات كألفاظ الحياة الجارية في العادة والواقع المبذولة بمعانيها لمداولة الأخذ والعطاء ، على حين تزعم أني كالعبارة العقلية التي يضرب فيها الظن على وجوه شتى ، وأني كما تقول كلمة بسرها ؟


لا أكاد افهم يا صديقي (لاحظ أنه كان يناديها يا حبيبتي وكانت لا تكتب له إلا يا صديقي !!!!!)معنى كلمة بسرها ولا معنى قولك الذي قلت لي :إن الحب فيك انت كتعتيق الخمر يضيف إليها الوقت كل يوم أسرارا وقوى وخيالا وعملا وسطوة ورقة واراه في سواك كتعتيق الماء ....

لماذا لماذا ؟ ليس عندي جواب كلامك إنما هو عندك إذ تجاوز قدر معرفتي يا صديقي . . .
**********


وأما قبل . . . يا صديقتي فلا أزال أقول لك ما قلته : إن من النساء في مقابلة أشعة النفوس معاني . فمعنى كحائط ومعنى كمرآة . وواحدة تمسخ ظلا طامسا أراني فيها تحت الشعاع كأني ظل ممدود على التراب .والأخرى تبرق وتتلألأ وأراني فيها سويا كاملا كأني خلقت في ضوئها .
ومن النساء في مقابلة أهواء القلوب معان فمعنى كالقفر ، ومعنى كالحديقة ، وواحدة يكون وجودها حول فراغها ... والأخرى وجودها القلب فهو حولها .

لماذا لماذا ؟ لأن الإنسان غامض وتفسيره ليس فيه ولا بد من تفسيره وإلا كان كل شيء عبثا .إن الوجود كله مفسر للطفل تفسيرا صغيرا مثله في حب أمه وحنانها . .



وكذلك تبدأ الحياة من أول أنفاسها بالحب ولعل أول قبلة على وجه الطفل من أمه ساعة ينفصل منها إنما هي استقبال الحب لهذا الإنسان الجديد ومسه من شفتي أمه بالطابع الذي لو قرئ نقشه لكان هكــــذا : أنت وحدك . . .


فإذا كبر الوليد فلابد من تغير التفسير حالا بعد حال ولا يزال كذلك تغيره الأشياء والحوادث حتى يبلغ أسلوب الفلسفة العليا إذا انتهى إلى العشق وحينئذ تكون قبلة ******ة إنما هي استقبال الحب لهذا الإنسان المتجدد ومسه من شفتي حبيبته بالطابع الذي لو قرئ نقشه لكــــان " أنا وحــــدي"


لذا أنت يا حبيبتي الفلسفة العليا وأنت "كلمة بسرها" أما غيرك من النساء فجمالها عندي جمال الشكل لا جمال السر . . .


ومن ثم فهي مفسرة واضحة إذ لا يرى قلبي فيها ما يعسر فهمه ولا ما يبحث عن تفسيره ولا ما يفسر لي معنى من المعاني .

ومن ذلك فليس الجمال المعشوق إلا انطواء الجميل على أسرار مبهمة وبذلك فكل نظر في المرأة لا يرجع إلا بزيادة الوضوح فيها يعلو منها وما ينزل ، على حين كل ما في ******ة يزيد على تكرار النظر غموضا كأنه شيء جديد ويأبى جمالها ان يفسر ، إذا كان تفسير الشيء إنما هو إضافته إلى ما فرغت النفس منه . . .


إن جمالك أيتها ******ة ليس جمالك كما تظنين وإلا فقد شركتك الحسان فيه . لكنه بكلمة واحدة فن قلبي أنا .
والحياة التي تفيض عليك تملؤك وتملؤني معا ولذلك فكل معنى منك له معنى آخر في .




يا للجلال


في عينيك يا حبيبتي سحر ظاهر بمعاينيه يلقى الحب على من ينظر إليه.

أهو سر الضرورة الذي يشعرنا من معانيك الرحيمة بمعانيك القاسية، أم هو روح اضطراب مجهول أودعتك إياه ليخلق حولك العواطف القلبية؟

أم هو استبداد الجمال الذي خصصت به ليكون قلبك وحده في قوة القلوب كلها..

أم هو ذلك المعنى الخالق الذي يفيض على جمالك تميز جملتك البديعة في شيء شيء وفي حسن حسن؟

أم أنت أنت وذلك السر في عينيك معنى أنت؟

دائما يضيف وجهك على كلامك بلاغة إلـهية..

ولو نطقت بألفاظ القوة التي تشبه أجراسها صلصلة السلاح لخرجت من شفتيك متنهدة...

ولو تكلمت بأشد ألفاظ القسوة لذابت في حلاوة شفتيك...ومتى نطقت باسمي خرج من فمك سكران....

أي سر هذا الذي يجعلك على كل أحوالك تفيضين بالقوة كأنما بنيت على شكل لا يزال يجمعها في نفسه ويبثها من نفسه؟

وإنه ولا ريب طابع الجاذبية على القوة ..

وأي إبداع هو الذي يظهرك في محاسنك مظهر كون خلق كله من الزهر وهو جميل في مجموعه بأجزائه وفي أجزائه بمجموعه!!

إنه ولا ريب طابع الألوهية على المعجزة.

حولك ما نحسه ولا نعرف منه إلا أنه حولك وحسب.والجو الذي أنت فيه ينعكس على جمالك في صورة سحرية فلو أنني طفت العالم كله لرايته من حولي أينما كنت وأبصرت وجهك دائما امام عيني كأني محدود بك في حدود مسحورة تدعك حيث أنت وتمضي معي حيث أكون!

وما الوجود إلا انسياب قوى المادة بعضها في بعض وفي هواك تنساب القوى من روحك إلى روحي فالأصل الذي بني عليه الكون في منافعه بنيت أنت عليه في محاسنك كأنه هو يعرض قوانينه التي تحس ولا تُرى في صورة منك تُحس وترى وتزيد على الرؤية أنها آخر حدود العشق ...

أما والله لو ناديتك بغير اسمك لوضعت لك اسما من معانيك ...ولو سميتك بهذه المعاني لما ناديتك إلا بهذا الاسم العظيم.....يا نسوية العالم.....

Eng.Jordan 02-06-2020 10:54 AM

استمداد فلسفة

وكتب إليها

جاءني كتابك ، بل جئتني أنت في كتابك ، فضممت الصحيفة إلى قلبي ضمة عرفتك فيها من خفقات هذا القلب واضطرابه !وقبلت الكلمات قبلا شعرت من سحرها في نفسي أن هذه الألفاظ قد خرجت من فمك الوردي فجاءت عطرا وحياة وجمالا ونقلت في الكتاب جوا رقيقا نديا كان مطيفا بشفتيك عند كتابتها كأنه نسمة من الفجر حول وردة تتنفس بعطرها الذكي .


كلما قرأت لك شيئا نفذ إلى روحي بالعطر الذي عطرك الله به . كأن الكلام بيننا أثير تسبح فيه مادة نفسينا : ولو كل الجميلات في العالم لفظن كلمة واحدة ثم لفظتها أنت لكنت أنت وحدك القادرة على أن تصنع روح الجمال وروح الحب وروح المرأة في تلك الكلمة لأن روحي لا تعرف الجمال والحب في المرأة إلا فيك .


تريني حين أقرأ كتابتك بين سحرين تظاهرا من ألفاظك ومعانيك فتجدينني كالنائم تخلق الذاكرة في خياله أجسام المعاني المحفوظة لتخرج له من الاسم صاحب الاسم وترد عليه من الحكاية واقعة الحكاية ، وتجرد منه شخصا لا حقيقة له ينطلق في عالم مسحور ليست له حقيقة ويألم النائم ويلذ كأنه من اليقظة لم يزل !


يذكرني هذا بما جادلتك فيه يوما من أن هناك عالما معنويا يخلق مما ننساه ونحن ننتقل إليه أحيانا بالنوم ، وأن هذا تمثيل لمعنى الخلود أو هو بعض أدلته ، إذ لست أرى الموت إلا رجعة الروح إلى عالم أنشئ لها من أعمالهاا في رحمة الله ونقمته ، فنحن على الأرض نبني لأرواحنا في السماء ، ومنا من يبتني لنفسه المدينة العظيمة بخيراته وحسناته ومن يبني لروحه السجن الضيق الوعر بآثامه وجرائمه !!

مالي أراني قد اندفعت إلى ما وراء الحياة ؟ولكن هل الحب إلا روحانية ترجع بنا إلى ما وراء أنفسنا لتضيف بعض المجهول إلى وجودنا ، وتزيد لنا نعيم الدنيا وآلامها ما لا يزيده شيء آخر غير الحب ؟


لو سألتني من هو العاشق لأجبتك إنه لن يكون عاشقا إلا من أحس أنه قذف به في الابتسامات والنظرات بمرة واحدة إلى مهبط السموات فيشعر أن نعيمه أهناأ من نعيم الأرض وأن عذابه أشد من عذابها وكأنه غذ يتنعم لم يصب أسباب النعيم بل أسباب الخلود في الجنة ، وإذ يتألم لم يجد مادة الألم . بل مادة نارية خالدة على قلبه .


كذلك لا يبدأ الحب إلا من آخر الدنيا فهو دائما على طرفها ، ولو نصب ميزان لعاشق من العشاق المتيمين ووضعت كرة الأرض بكنوزها وممالكها في كفة منه ثم وضع حبيبه في الكفة الأخرى لرجحت هذه عنده لأن فيها حبيبه وقلبه ، وبقيت الأخرى كأن لم يكن فيها شيء وإن كان فيها المشرق والمغرب!


وأعجب من هذا أننا نجد من الزهاد والمتنسكين من يقطع دهره كله متعبدا منصرفا عن الدنيا إلى ما بعدها جاعلا لسان حواسه الأرضية دائما سماوي اللغة ثم لا يجد من يقول إنه كالملائكة على حين أن الكلمة الأولى التي يقولها العاشق في وصف حبيبه ساعة يمس قلبه : إنه كالملك وإنه من السماء وإنه قانون من قوانين القدر وإنه الوجود كله مختصرا في نفس إنسانية ، والطبيعة كلها ممثلة في ذات لذات أخرى وإنه مظهر من مظاهر التقديس لا تحيط به إلا معاني الجلال والعبادة فلا يزال القلب يركع أمامه ويسجد !!!


أتذكرين ما قلته لك ذات مرة وقد رأيت كلبك الصغر الجميل كأنه من تراميه عليك ومن معاني نظراته لك –عاشق يريد أن تفهميه . . فقلت لك : إنني أراه يحبك بقوة أحسبها تحاول أن تقلبه إنسانا يحب . فإن كان هذا الحيوان ولم يزد عن معاني الوفاء والأمانة شيئا ، فليت شعري كيف تصنع هذه القوة في الإنسان وهي فيه أمانة ثم رغبة زائدة عليه ، ووفاء ثم غاية أعلى منه وحب إنساني ذاهب إلى طرفه الإلهي وشيء معلوم ثم شيء مجهول في المعلوم ؟


إنها والله لن تدعه إنسانا ابدا ما دامت لا تدعه في نفسه . آه . آه . !


ما أرى الحب إلا قوة تخرج النفس وتشيعها في الوجود كله أو تدخل الوجود كله إلى النفس وتدعه شائعا فيها ، ولهذا فمهما يبلغ من سعة العالم فإنه لن يمتلئ عند المحب إلا بواحد فقط . هو الذي يحبه .

أعرف هذا منك أيته العزيزة لأني في هذا البعد أراك في كل مكان حتى لكأن هذا الوجود كله ورقة تصوير حساسة مصوبة بآلتها إلى قلبي تلتقط رسمك منه وتلقيه على كل شيء صرفت إليه عيني ، وهذا – ولا ريب- معنى من معاني اللا نهاية فلعل ناموس الحب لم يخلق إلا لترك منه الإنسانية ما يقرب لها الفكرة ما لا ينتهي ، فمادة ****** الممثلة في جسمه لا تفنى بل هي تنصب من عيني محبه على كل شيء وملء كل شيء .

****** محدود بعاشقه فقط . . . وهذا مثال يقرب للعقل كيف يفهم الخلود الذي لا ينتهي لأنه أبدا ممتد مع الخالق الأزلي الذي لا ينتهي ولا يفنى .


عذرا أيتها ******ة فمهما أكتب فلا يزال وراء الكلام ذلك المعنى الدقيق الذي لا يظهره الكلام وذلك المعنى المعجز الذي هو بلاغة فوق البلاغة . ذلك المعنى الجميل هو أنت . . . . .



وألم الحب

اما ألم الحب فذاك حين يأتي على اللحم والدم معنى لو تجسم لكان هو الذي يصهر الحديد في موج من لهب النار ويحطم الصخر في زلزلة من ضربات المعاول . . .

هناك الألم المدمر لا يكابده إلا إنسان كأنما يراد خلقه مرة ثانية فيهدم ويبني أو يزاد تنقيحه فيغير ويحول ..

وأعظمه لأعاظم الحكام والشعراء فهم وحدهم الخارجون دائما عن هندسة الحياة المنسجمة وهم وحدهم الذين يتحول كل شيء في أنفسهم إلى حقيقة عاملة فلا يبرحون في تغيير ومن ثم فلا بد فيهم من هدم . . .

ولا بد لهم من آلام على قياس العظمة تكون لكل منهم كالبراهين عن نفسه أنه غير إله وأنه حين يكون بين حكمتين غنما يكون بين ضربتين . . .

تجد الشاعر العظيم وإنه ليكاد يملأ الكزن ، فلا يضرب بالحب إلا الضربة الداوية تنطبق بها أقطار المشرق والمغرب. . .

وإنه لضغط بالوجود نفسه على بعض الناس ، كضغط الأرض بآلاف الأجيال على بعض الفحم المطمور في أعراقها ليتحول فيكون منه الألماس الكريم المتلألئ !.. ألا ما اهولها قوة في تبيض الأسود بطبيعته ، إلى جوهر النور بطبيعته ، وفي خلق شمس وألماسية وهاجة ، ولكن من ظلمة حالكة انعقدت في التراب . .

وما أهول مثلها من الآلام في مضاعفة الحكيم أو الشاعر بقدر إنسانيتين ، ليتسع لبؤس من الأشقياء وسرورها جميعا ، وليكون على مدرجة بين الخليقة وخالقها وليقى دائما من ضغط الوجود عليه كأنه محصور في عمر ساعة ألم قد جمدت حوله !

أولئك يتأوهون لا بالأنين كغيرهم من الناس ولكن برعد الأرواح يرجف إذ تنفجر بكهربائها ، ويبكون لا بالدموع ، ولكن بسحائب من معانيهم يؤلفها القدر ويراكمها ويضربها فيسوقها لتمطر على ناحية الجدب الإنساني

أولئك يتألمون لا بالألم ولكن بتمزيق في أنفسهم كتمزيق الأرض حين تودع أسرار الزرع ويتوجعون لا بمقدار عمل الواحد منهم بنفسه ولكن بمقدار عمل الدنيا به ، وليسمنهم البائس الحزين الذي نزل به الألم رغما وذلا ، ولكن البائس الجميل الذي اتخذته الحكمة ليبدع الصورة الكلامية من جمال نفسه لجمال الكون شعرا وبيانا وفنا . .

في موضع تقع الشرارة لتنطفئ ، وقد تنطفئ قبل وقوعها . . . وفي موضع آخر تقع وكأنها ولدت ثمة لتحيا وتكبر . . .فإذا هي من بعد نار تعمل أعمالها . . .وكذلك الألم ومن يتألمون . . . "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة "

ومن قسوة القدر على الشاعر العظيم أن لا يجعل حبه حبا خالق الوحي إلا في امرأة على قدر تألهه عظة وسخرية .

يقول عنها : ما أحوجني إلى معجزة نبي تحول الحجر الذي في ضلوعها إلى القلب . . . وتقول هي عنه :ما أحوجني إلى بعض الملائكة والشياطين ليكشف لي سر نفسه المخبوءة تحت مكان الصبر في قلبه !

ويعيشان في الحب كما يعيش اثنان في قصة . . . وضعها مؤلف خيالي فأحكم عقدتها . . .وتخاصم سعادة كل منهما سعادة الآخر ويعملان كما يعمل الغني الشحيح . يفقد الحياة لينال الدنيا . ثم إذا سأت ذلك المسكين الأعظم : ما لذة هذا الحب الأليم اللهفان ؟ قال لك لذته أنه حب . . .

هي حينئذ كل العذوبة السيالة في روحه وهي بذاتها كل الاقذاء التي ألقيت في ينبوع نفسه ، وآلامها ميلاد حقيقي لمعانيه ، ولذاتها أكفان حقيقية لموتى هذه المعاني إذا أريد لها الموت ، وكلما يضع الآلام والأوجاع فيه يضع منها النور في كلماته !

من كونها هي في قلبه يشعر أن الكون فيه ، حتى ليقول في وحيه للجبال الراسية على أعضاد الأرض : آلمتني يا أعضائي . . .

وتقي في حياته ألوان عينيها وخديها وثغرها ألوانا وألوانا ، فإذا حياة فنية مزخرفة منقوشة بأبدع وأجمل مما في الطبيعة ورياضها وألوانها .

ولاتصالها بموضع السر من روحه تشعر السر العجيب سر الحب الذي يحير العاشق حين تفتنه من يهواها فيحسب كأن الجنس كله مستحيل وأمكنت واحدة ، أو كأن الجنس كله ممكن واستحالت واحدة .فكأنه لا جنس بل واحدة فقط

وتتصرف به في دلالها وهواها تارة وضدها ، فيراها حينا كما ينظر طفل إلى سكرة ، وحينا كما ينظر المريض إلى مقبرة

وإذا هي أنفقت أهلكت بلذة .... وإذا هي امتنعت أنفقت بألم . . . داء لا يدري أنى ي}تى له

يارحمة للمحب الذي يتوجع بآلامه وحقائقها ثم بمعانيها في روحه وأمانيه ثم بالصبر عليهما :ثلاثة آلام في ألم واحد.

ويا آلام الحب ، أنت ثقيلة ثقيلة ، لأنك نظام التراب في روحانيتي !

ويا آلام الحب أنت جميلة جميلة لأنك إشراق السر الأعلى في نفسي.

ويا آلام الحب أنت حبيبة ولو أنك آلام ....بل حبيبة لأنك آلام ...





شجرات الشتاء

يممتهن اليوم فإذا هن ذابلات عليهن الضحى عريانا وكن من ورقهن في حلل الظل ، وفيهن انكسار ذي العارية وكان يتجمل بعاريته ثم ردها فما يتوارى إلا من الأعين التي كان يتعرض لها من قبل ، ويحس أنه أصبح لحنا من خطأ فاحش في لغة النعمة واليسار ، لا يكاد يظهر نفسه إلا قيل له : يا غلطة تحتاج إلى من يصححها ...
ورأيتهن واقفات في مثل ذلك الحزن النسائي الغرامي الذي يخلط المرارة في حلاوة المرأة الجميلة فتبدي عن عاطفة مسكينة لا يصورها لك إلا أن ...أن تتخيل جزع لؤلؤة تخسى أن تتحول إلى حصاة ..
ذليلات ذليلات كأنهن مطلقات الربيع ....
****
وقالت لي صديقة منهن : لقد كنت في جانب منا ، أفمنحرف أنت إلى الجانب الآخر ؟ وكان لك فينا من رأي الحب ما يكسونا مع كسوتنا ، أفيكون لك من رأي البغض ما يجردنا مع تجردنا ؟ أم ستقول : طاووس انسل ريشه الجميل فرده القبح دجاجة ، وشجرة سلبت زينتها فعادت كأن لم يخلقها الله ولكن أقانها نجار . . .أم انت رادنا إلى المسخ فمجر علينا حكم الرجل على المرأة ، متى قبحت في عينه قبحت في قلبه إذ لا يطلب إلا معنى فيها تحت الرونق لمعنى فيه تحت الدم ، فإذا هي لم تعد من إيمانه . . .كفى ذلك وحده أن يجعلها من كفره ...
أظالمني أنت فتعرف لي ذلا بعد عوة ، وتصف لي خضوعا بعد كبرياء ، ولا تضع بإزائي في ميزان قلبك إلا المعاني الثقيلة التي تلقيها تزن بها ما تكره لكي تمتلأ نفسك منه بغضا وكراهة ؟
*****
كلا يا صديقتي ! إنما تتحولين لأجد منك معنى جديدا في نفسي . فكأنك تخرجين مني رجلا في الربيع ورجلا في الشتاء ، وكأني أعرف بك كيف أتحول في بعض معاني الحياة من نسيم إلى عاصفة ، أنت ك******ة المخلصة التي تبالغ في إصفاء الود ، فتمتنع وتهجر لتهب محبها الفكر في جمالها كما وهبته النعمة بجمالها ، فيصيب اللذة ومعناها ، ثم يجد الشوق الذي يضاعف معناها ، فإني رأيت الذي لا يفكر في معاني الجمال حين يمتنع ويبعد لا يدرك كل معانيه حين يمكن ويدنو. *** ومن امتلأ مِن فقد السرور ، كان حقيقا أن يكون هو الذي يمتلئ من وجوده ، فاللذة لذة واحدة بنفسها ، ولكنها تتعدد بموقعها وبحالتها بمقدار فهمها وبقوة الشوق إليها ، وما أشبه النفس في هذا المعنى بقصر العروس ، إن لم تتقدم العروس معانيها فتزين القصر وتزخرفه وتكسوه وتجعل في كل مكان منه جمالا يومئ إليها وزينة تشاكلها وحسنا يتمها أو يفسر منها –لم تكن العروس على القصر إلا أرملة .
كلا يا شجراتي ، فلست ظالما فأجري عليكن حكم المرأة في شتاء حبها ، فإن المرأة متى بردت . . .ظهرت كالسحب الثقيلة المطبة بأرجائها السوداء : لها في سمائها لون الوحل قبل أن تستوحل بها الأرض . . . . وبها من الظلمة ملء ليل طويل يموت فيه النهار الطالع وشمسه معا . . .ويكلح بها وجه الحب ويبرد ويظلم لتكون في بلائها مادة إنسانية تقع منها صاعقة . . .
آه لو أن شجرة لم تحمل كل أغصانها إلا من قشور الثمر المطروحة في الطريق ، لكانت هذه المرأة أسخف منها ، ولو أن شجرة حين أورقت لم تورق من جذعها إلى بواسقها وأعاليها إلا بأجنحة الذباب . . .ليتقذر صاحبها .لأشبهتها هذه المرأة !! كلا يا شجراتي ، فقد ذهب ربيعي مثلكن ولم يكن ربيعا في قلبي ، فسأقضي شتائي وأنتظر أنا وجذوري ، إنه عهد ليس أشقى منه لوعة ولا أسعد منه ذكرى إذا جعلنا نحن إلى حياة ليست في حياتنا ، بل ذهبت عنا بحبيب نأى أو حبيب هجر.
***
عجبا!ماذا يحدث في الحياة من هنات وهنات ؟ تمرض الشجرة فصلا من سنتها وتشرف على الموت فصلا آخر ثم يطير فيها لهب الشمس فإذا هي تغلي بالشعاعا وعليها ضبابة خضراء من غليان ألوان الشمس في جوفها ، فليس من جمال إلا وبعض مادته في أصلها من القبح كما ترى ، يظهر لك في الطبيعة الجميلة ، لأنها عدوة التصنع ، ويخفى في النساء الجميلات ، لأنهمن عدوات الطبع ، حتى أجمل ما في المرأة ا لجميلة ، لا تراه بعيدا من أقبح ما فيها حتى دلال المرأة التي تحبها ، فهو بعينه لو حققت ، هو معنى ظريف رقيق من . . من . . وقاحتها . . .
****
أين الجزء المسكر في الكأس إلا مع غير المسكر فيها ؟ وأين المرأة الجميلة إلا مع مكروهاتها يغرك منها ما يغر ؟


لهفي لأشجار المحبة مر فصل ربيعها

جد الهوى في عرسها ليجد في تقطيعها

كل الفتوق لها الرقاع ترم من تصديعها

وإذا تمزقت المحبة حرت في ترقيعها ....!

Eng.Jordan 02-06-2020 10:55 AM

في العتاب.


" وكتب إليها مرة كتاب هوى ، فتفترت في الرد عليه تريد أن يطول به الانتظارفيؤلمه ، أو تريد أن تزيد به الشوق فيؤلمه أو كأنها تطمعه بألا تطمعه ليتألم "!!

فلما انتهى فيه دلالها إلى الضجر ، كتب إليها هذه الرسالة يؤلمها بها وجعلها على طريقة السجع التي كان يتراسل بها فحول الكتاب في القرن الرابع للهجرة وما بعده ، لأنها هي تكره هذه الطريقة وتجد لها ألما في نفسها ، ولذلك مضى بها مسجوعة إلى آخرها ، ليبالغ في إيلامها والتهكم بها وبفلسفتها ، وردت في الرسائل بكل ذلك إرادتها ، وهذه هي الرسالة :

كتبت إليك من أيام يشفع لها قربك من نفسي فلا أقول إنها بعيدة وتمر قديمة ولكن ما في هذه النفس منها ومن آلامها يجعلها دائما جديدة وكأنها تجري بي إلى الفناء فهي تطول إلى غير حد ، وتأخذ معنى اليأس الذي يمضي به الأمس فتقي به في معنى الأمل الذي يأتي به الغد ، والأيام تعد بالأرقام ولكنك أنت جعلت هذه الأيام تعد بانها لا تعد .

وانتظرت رد كتابي أو ورقة من شجر عتابي ، فما زالت تتقطع الساعة من الساعة ويلتقي اليوم باليوم ، ويذهب اللوم إلى العتاب ويجيء العتاب إلى اللوم ، وكتابك على ذلك كأنه مغمى عليه لا هو في يقظة ولا هو في نوم . . .

فسبحان من علم آدم الأسماء كلها لينطق بها وعلمك أنت من دون أبنائه وبناته السكوت . . .والسلام عليك في ازلية جفائك التي لا تنتهي .أما أنا فالسلام على يوم ولدت ويوم أموت .!!

ما هذا يا سيدتي وليس خيط عمري في إبرتك ولا ما يتمزق من أيامي تصلحه (ماكينة الخياطة )بقدرتك ، وإن كنت أنا أقل من (أنا )فلست أنت باكثر من( أنت ) وما علمنا أنك مع القدر تحركت ولا مع القدر سكنت !!

أتحسبينك لما خفت المحاكم في قتلي جعلت تقتلين بهجرك أيامي ، ولما عرفت أنك من اشد سروري أردت أن أعرف كذلك أنك من اشد آلامي ، أم أنت في نورك وظلامك تريدين أن تنقصي من الأعمار كما ينقص منها الليل والنهار ؟ أم تحسبيننا خلقنا بهذه الرقة لنعرف بها كيف يتحجر قلبك ويجمد وأنبتنا الله في مزرعة العمر ليجيئنا منك صاحب المزرعة فيحصد ؟ أم انت خلقت في يد الله إرادة ماضية وخلقنا عليها اتكالا ، وجئنا على الطاعة شكلا واحدا وجئت أنت من يد الله في الكبرياء أشكالا ...؟

فإن كان قلبك يا سيدتي قلبا غير القلوب فما نحن شيئا غير الناس ، وإن كنت هندسة وحدها في بناء الحب ، فما خلقت أعمارنا في هندستك للقياس ، وهبي قلبك خلق مربعا ، أفلا يسعنا ضلع من أضلاعه ، أو مدورا أفلا يمسكنا فحيطه في نقطة من انخفاضه أو ارتفاعه ، وهبيه مثلثا فاجعلينا منه بقية في الزاوية ، أو مستطيلا فدعينا نمتد معه ولو إلى ناحية ....!

ما بال كتابنا يمضي ((سؤالا ))من القلب فيبقى عندك بلا ( جواب ) ونبنيه نحن على (( حركة ))قلوبنا فتجعلينه أنت مبنيا على السكون . . ثم لا محل له من الإعراب . . .وما بالنا نقطع في انتظار الرد مسافة من هجرك، ولو طار فيها البريد لانتهى بكل الحسنات والسيئات إلى السماء . ولو طاف الأرض لتقدم حتى لا يبقى في الأرض أمام ، وتأخر حتى لا يبقى في الأرض وراء ، فإن كنت تضنين أن توجهي إلينا من عرشك خطابا ، أو تنزلي علينا من سمائك كتابا ، فقد أقفل باب النبوة من قبلنا ..فما هذا الباب ؟ واحتجب الوحي من زمن بعيد ...فيا سيدتي ما هذا الحجاب ؟

لقد هممت أن أعاقب القلم الذي كتبت به إليك فأحطم سنه ، وأجعله من ناحيتي في خبر كان حتى لا يبقى من ناحيتك في خبر (إنه)، وقلت :كيف –ويحك-سودت وجه صحيفتي بما هو في سواده مداد مع المداد ، وفي نفسه سواد أقبح من السواد ؟ فقال : وهل أنا في نغمات حبك إلا عود ، وهل صورت إلا حركات وجدك من قيام وقعود، وسل الدواة من أمدها ، والصحيفة من أعدها ، وسل أناملك كيف كانت تضغط على كأنها تسلم على ******ة سلاما ، ولا تخط إليها كلاما ، وسل نفسك كيف كانت في حركتي تضطرب ، وقلبك كيف كان من كلمة يبتعد ومن كلمة يقترب ؟


فما نعلم يا سيدتي وقد أحببناك أنعدك من ذنوب الزمان أم من أعذاره وهل نأخذك في الحب من وقائعه أم في الجفاء من أخباره ؟ فإن أبيت أن تكوني منا إلا كالسماء من أرضها ، وأن نكون من ك كالسُّنة من فرضها ، وأبيت أنت وأنت مفرد الحسن إلا أن نعدك أنت وكبرياءك مثنى بألف ونون ، وإلا أن تكوني على غير ما نريده ثم لا نكون إلا كما أردت أن نكون فإن خاطبناك قالنا يا فلانتان ... ويا أيتها ******تان ويا غضباوان وراضيتان وأنشدنا في هواك : ((ولو كان هم واحد .. .ولكنه هم وثان .. .))وإن أبيت إلا ما نأبى ولم ترضي مع صدقنا في حبك إلا كذبا ، قلنا لك بلغة اليأس منك : لشد ما أصاب الزمان فينا وأخطأ فليصب بك أو ليخطئ ، وكثيرا ما أعطانا الدهر وأخّ ، فلتكوني فيما يأخذ أو يعطي ، ونقول مع الذكر والنسيان ، وما عسى أن ينقص العالم بإنسانة أو إنسان ، ومن ظن (بصرفنا )عن نفسه أنه كبير ، جعلناه من (نحونا ) في باب التصغير ، ومثلنا لا يتكلم غلا بفائدة ، ولا يسكت إلا بفائدة فإن أخطأنا معك في واحدة أصلحنا واحدة ، وما أكثر ما يجد الكاتب إذا عز عليه أن يعاتب ، وفي ذكائك لا محالة ، بقية الرسالة .


ولعلنا ولعلك ..... والسلام !

Eng.Jordan 02-06-2020 10:56 AM

وهم الجمال



" وبعد أن تكافأت مقادير نفسه واعتدلت من اضطرابها وأشرف على السلوان ، كتب هذه الرسالة ":

هذه رسالة احسبها برئت في معناها من السلوة والحب جميعا ، وخرجت بموضعها عن الرضا والغيظ معا ، ولم تجئ من برد على الكبد ولا من في الصدر ، فلا يخيل إلي فيها أني أنسكب في نعبيري كما كان يعتصرني هذا القلم في غيرها حنينا وغراما، أو سخطا وموجدة .


أكتبها وقد تكافأ جانبا الحب في نفسي هونا هونا ، واعتدلت مقاديرها شيئا شيئا ، فلا أعتد بسبب تصغر به الحقيقة الكبيرة ، أو تكبر الصغيرة ، أو يجاوز بعنى حده ، أو يقصر بمعنى آخر عن حقه ولا أحجر فيها على كلام صحيح أن يتصرف بقدر بقدر أدلته وبراهينه لما أخشى من سوء موقعه في الحب ، ولا أطلق فيها لكلام مزور أن يتزايد في مغالطته وكذبه لما أرجو من حسن أثره عند ****** .


وأكتبها وقد أصبحت أرى وجهها الذي تحمله كالصورة يحملها الحائط ، وعدت أراها هي وأمثالها من ******ات كفقاقيع الرغوة في ألوانها وجمالها واتفاخها ..... وفراغها، وصرت أعتقد ان الهول الهائل من النساء الجميلات إن هو إلا كذلك الرعب المخيف من جبال الثلج في القطب لا يمسك الجبل الشامخ بما حوله إلا خيوط واهنة من غزل الماء لو قطعتها نسمة لانهار وانكفأ.


وأكتبها وقد خرجت إلى دنيا الناس وكنت في الحب وإياها كالمنقطع في صحراء ضل فيها ضلال القفر ، واختب مكن خبال الوحشة ، فهو يرى اجتماع اثنين في ذلك التيه وقيامهما معا كأنه تكوين دولة من الدول العظمى ..


************


إن البلاغة التي كتبت بها رسائلي من قبل وما احتلت لها به وما صورت من فنونها ، هي بعينها التي تنتهي في هذه الرسالة إلى أن جمال المرأة الجميلة ليس في ذات نفسه إلا أسلوبا من الخداع ، كالذي يكون في تزويق الكلام وتمويه الحقيقة ببلاغة التركيب ، غير أنه أسلوب حي من لحم ودم ...ثم تزيد المرأة بفنونها تزويرا وتعمية لأن جمالها في صورة أخرى من صوره الكثيرة هو نفسه الرق والاستعباد محببا في خلقة جميلة ليطلب ويعشق . استعباد حي متى بدأ استمر يقوى ولا يضعف . وينمو ولا ينقص ومن هذا كان قيد الجمال لا ينفك أبدا إذا غل به أسيره من العاشق ، بل يكسر كسرا ، ويصبح فيه أمر العاشق من حبيبه كالاستقلال من الأمم المستعبدة : لا يعطي بل يأخذ ، ولا بد فيه من الجرأة والمصابرة والاقتحام وسلاح من الأسلحة أيها كان ، إما حاطما أو مفزعا أو متهددا أو محتالا أو سلاح الرضا أو سلاح الثمن . . . وما غليها لابد من سطوة ينقلب بها الأسير المستعبد إلا أن يكون ملكا بوجه من وجوه التملك في تلك المنطقة الإنسانية *****ية المسماة في لغات الناس ب****** . . .

******************

وفكر المحب كالسائل الذي يغلي ، فما دامت ناره من تحته فهو كله لا مقر له بين أعلاه واسفله / وما دام يهدر على فورته فكله في الأعلى وكله في الأسفل وكله بين ذلك ولا قرار له على وضع إلا أن ينكسر وينفثئ .


وكل شيء جميل في الطبيعة تراه يتخذ من هذا الأصل شبها عند متأمله والناظر فيه ، حتى لكأن الجمال يقول للإنسان : إذا أردت أن تسر أيها الإنسان وتبتهج بي فلا تفهمني في نفسي أنا بل في نفسك أنت ولا تأخذني على ما أنا للوجود والطبيعة بل على ما أكون لك ولأغراضك ولا تدعني لذاتي بل غيرني في وهمك وخواطرك ، فإنك إن غيرتني فقد خلقتني وإن خلقتني فقد جعلتني لك .


******************

وعلى ذلك فجمال المرأة المعشوقة إن هو إلا خرافة رجل من الناس وبكونها خرافة عادت لا حقيقة لجمالها وكأن الحب إن هو إلا زيادة شعاع في العين تنظر النفس به نظرا نظرا نافذا إلى موضع لذتها أو فكرها أو هواها ، فإذا خطف هذا الشعاع على من يضيء في وجهه بالحب ، نقل إليه النفس ببقيتها ووهمها جميعا فاختلط على تلك الصورة فهما هناك شيء واحد : الوهم هو اليقين واليقين هو الوهم ، فكل شيء من ذلك الجمال هو عقيدة ثابتة لا موضع فيها لجدل ولا مساغ لنقض ولا محل لرد ، وحينئذ لا يكون أكبر عمل المحبوب في سياسته وتدبيره إلا أن يلم أو يوفق بين عقله هو وبين جنون عاشقه ، وأن يحاول الملاءمة بين حياة الخيال الشارد في إرادة هذا الجنون وبين حياة الواقع الراهن فيه هو ، وبذلك فلن ترى حبيبا إلا هو من محبه بمنزلة الطبيب من مريضه يطب له أو يزيد في علته ، أو يهلكه . . .هذا حين ينبعث ذلك الشعاع فأما حين يخمد فمنذا الذي تراه مطيقا أن يصعد السماء إلى النجم الذي انطفأ ليضيئه كما كان يضيء ؟


************


والطفل يرى في أمه البداية والنهاية جميعا ، لأن طفولته ستار بينه وبين ما وراءها وكذلك العاشق يرى في حبيبته بداية ونهاية معا ، لأن حبه ستار بينه وبين ما عداه ويحصره بين أول وآخر في امرأة واحدة ، أفلا يكفي هذا دليلا على بلاهة العاشق وغرارته وأن الحب كالانتكاس إلى الطفولة في جهة واحدة من جهات النفس ؟

وترى الصغير إذا فارقته أمه نظر حوله ليستشف ما انفصل من آثارها المحبوبة على كل الأشياء التي يفيها حنين نفسه وكذلك يفعل المحب في كل ما مسته حبيبته ، حتى كل شيء عليه لمحة منها . . . حتى ليرى بعض الأشياء يكاد يبتسم له . . . وبعضها يكاد يرنو إليه وبعضها يكاد يتدلل ويصــــد .


**********************


خلقت المرأة لتلد الإنسان ، وهي تلد هذه الحقيقة في الإنسانية ولكن وجهها يلد في الإنسانية الضلالة .

****************

قال الشيطان : أنا لون هذه المرأة الجميلة حين أكون منافقا . . . ولون هذه المرأة القبيحة إذ أكون صريحا . .


قلنا : فلعله لذلك لا تتجمل إلا الجميلة ليتم بها نفاق الشيطان . .


*************************


والسلام عليـــــــــــــــــــــــــها


((هذه كانت آخر رسائله في حب صاحبته تلك ))


((لكنه أنشأ بعد ذلك من وحي هذا الحب في ومن ذكرياته يطالعها القراء في وحي القلم ورسائل أخرى بعثها إليها بعد عشر سنين من القطيعة ولم نجد صورة منها فيما خلف من أوراقه ))


أحببتها جميلة لأوجد بها الجمال في معاني ذوقي ، ورقيقة لأسيل منها بالرقة في عواطفي ونزعاتي ، وظريفة لأزيد بها في نفسي طبيعة مرح وابتهاج ومتوازنة لتدخل في طباعي الانسجام والوزن وصحة التقدير وناعمة لتخلص بروحي من خشونة الضرورات القاسية في الحياة ، ومتفترة لألقي من تفترها على بعض أيامي فتنقلب حبيبة بما تمنع وتصد ورشيقة لتهب خيالي سر التوثب والحركة وجذابة لأجد بها المغناطيس الذي يجذبني في الإنسانية إلى مصدري الأعلى .

وأحببتها وهي بجملتها فن وجمال ووحي لأرجع وأنا بجملتي حسن وانفعال وإدراك ..


وكنت كأنما أضرب من الحياة في قفر من المعاني الجافية لا أتوسم نضرة ولا أهتدي إلى حقيقة جميلة ، فأرسلتها الحقائق السامية التي تعشقها نفسي تقول في جمالها : تعالي إلينا من هنا . . .إن الطريق من هاتين العينين .


لا أقول إنه قد وقف نمو الكلمة *****ية التي تزداد وتعظم بتجدد الأيام إذ كل يوم في الحب هو دائما أول حب .


ولا أقول إن ذلك الاسم الجميل قد أنزل على عرش الفكرة التي كانت تملكه الوجود لأنها أملكته قلبها .

ولا اقول عن الذكرى قد سلط عليها النسيان فصفاهها من حوادثها وأيامها .


ولا أقول إن الذي كان في النفس جنونا وعقلا من معاني الحب قد رجع في النسيان كالكلمة المكتوبة على ورقة ، حُبس في الورقة معناها إلى أن يوجد من يقرؤه فيخرجه.

ولا أقول إنها قد بطلت القوة المتضاعفة من الجمال وكانت تجعل كل ما يؤلم من الناس يؤلم منها هي أضعافا ، وكل ما يسر من الناس يسر منها هي اضعافا ، كأن الذي هو إنساني في الخلق ليس إنسانيا فيها .


ولا أقول إنه قد اختفى من ذلك الوجه برهانه الذي كان يقوم بسحره الساحر دليلا مقحما في كل قضايا ******ة المتناقضة ، فلا تتوافى وهي متناقضة إلا على نتيجة واحدة هي أنها حبيبة ، مهما تأت أو تدع فليس بشيء منها على هوان .

ولا أقول إنه ليس بين ما تعجب به وما تزدريه إلا رجعة خطوة منقلبة وأنها هي قد خطتها فليست هي بعد ..


ولا أقول إن روضة الحب قد انتهت إلى أيامها المقشعرة التي تظهر فيها كل أشجارها حاملة من اليبس والتجرد إعلان فصل آخر . .


ولكني أقول . . . . . . والسلام عليهــــــــــــــــــــها.


******************


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:37 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59