في سيرة رسول الله خبر
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى : ﴿ َإِنْ في سيرة رسول الله خبر ، قرأته ألف مرة ، ولكني ما انتبهت له إلا اليوم ، وهو أنه لما أراد الهجرة إلى المدينة ، خلف على بن أبي طالب ، ليرد الودائع التي كانت عنده إلى أصحابها ! ! الودائع ... ؟ كيف كان رجال قريش يستودعونه أموالهم وتحفهم ، مع ما كان بينه وبينهم ؟ لقد كان بين محمد وبين قريش لون من ألوان العداء ، قل أن يكون له في شدته مثيل ، هو يسفه دينهم ، ويسب آلهتهم ، ويدعوهم إلى ترك ما ألفوه ، وما كان عليه آباؤهم ، وهم يؤذونه في جسده وفي أهله وأصحابه ، شردوهم إلى الحبشة أولاً وإلى يثرب ثانياً ، وقاطعوهم مقاطعة شاملة ، وحبسوهم في الشعب ثلاث سنين . . . فكيف كانوا مع هذا كله يستودعونه أموالهم وكيف كان يحفظها لهم ؟ - هل يمكن أن يستودع حزب الشعب مثلاً أمواله رجلاً من الحزب الوطني ؟ - هل يأتمن الحزب الديموقراطي في أميركا مثلاً عضواً في الحزب الجمهوري على وثائقه ؟ - هل في الدنيا حزبان متنافران متناحران يودع أحدهما الآخر ما يخاف عليه من الضياع ؟ - هل في تواريخ الأمم كلها رجل واحد ، كانت له مثل هذه المنقبة ؟ رجل يبقى شريفاً أميناً في سلمه وفي حربه ، وفي بغضه وفي حبه - ويكون مع أعداء حزبه ، مثله في شيعته وصحبه ؟ - وتكون الأمانة عنده فوق العواطف والمنافع والأغراض ، وتكون الثقة به حقيقة ثابتة ، يؤمن بها القريب والبعيد ، والعدو الصديق ؟ إنها حادثة غريبة جداً ، تدل على أن محمداً كان في أخلاقه الشخصية طبقة وحده في تاريخ الجنس البشري ، وإنه لو لم يكن بالوحي أعظم الأنبياء ، لكان بهذه الأخلاق أعظم العظماء 📚كتاب (مقالات في كلمات) للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:37 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع