عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-21-2016, 09:09 AM
الصورة الرمزية صابرة
صابرة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 8,880
افتراضي تعبير بر الوالدين


قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) الإسراء 23-25 عن أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال : سأَلتُ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: أَيُّ الْعملِ أَحبُّ إلى اللَّهِ تَعالى؟ قال: الصَّلاةُ على وقْتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قال: بِرُّ الْوَالِديْنِ قلتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قال: الجِهَادُ في سبِيِل اللَّهِ متفقٌ عليه ، لقد أوصانا الله ورسوله الكريم على طاعة والدينا والعطف عليهم لأنّهم عانوا معنا كثيرآ حتى اصبحنا بهذا العمر فلولا تربيتهم لنا وعطفهم علينا لما وصلنا لهذه المرحلة التي نحن بها الآن . فقد جاء دورنا الآن لكي نجزيهم العرفان الذي قدموه لنا منذ صغرنا. إنّ للوالدين مقاماً وشأناً يعجز الإنسان عن دركه، ومهما جهد القلم في إحصاء فضلهما فإنَّه يبقى قاصراً منحسراً عن تصوير جلالهما وحقّهما على الأبناء، وكيف لا يكون ذلك وهما سبب وجودهم، وعماد حياتهم وركن البقاء لهم، حيث إنهما بذلا كلّ ما أمكنهما على المستويين الماديّ والمعنويّ لرعاية أبنائهما وتربيتهم، وتحمّلا في سبيل ذلك أشد المتاعب والصّعاب والإرهاق النفسيّ والجسديّ، وهذا البذل لا يمكن لشخص أن يعطيه بالمستوى الذي يعطيه الوالدان. اعتبر الإسلام عطاءهما عملاً جليلاً مُقدّساً استوجبا عليه الشّكر وعرفان الجميل، وأوجب لهما حقوقاً على الأبناء لم يوجبها لأحد على أحد إطلاقاً، حتّى أن الله تعالى قرن طاعتهما والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده بشكل مباشر فقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) سورة النساء، 36؛ لأنّ الفضل على الإنسان بعد الله هو للوالدين، والشّكر على الرعاية والعطاء يكون لهما بعد شكر الله وحمده، (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة العنكبوت، 8، وقد اعتبر القرآن العقوق للوالدين والخروج عن طاعتهما ومرضاتهما معصية وتجبّراً حيث جاء ذكر يحيى بن زكريا بالقول: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا) سورة مريم، 14. وفي المقابل بيَّن الله تعالى الحدّ الذي تقف عنده طاعة الوالدين في آياته الكريمة: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة لقمان، 15، فعندما يصل الأمر إلى معصية الله والشّرك به يتوقّف الإنسان عند هذا الحدّ فلا يطيعهما فيما أمرا لأنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن هذا الأمر مُتوقّف فقط على ما يشكّل معصية الله دون باقي الأمور لأنّ سياق الآية يستمرّ بالتّوضيح: (وصاحبهما في الدّنيا معروفاً)، فلا يعصيهما في باقي الأمور، وفي كلام لجابر قال: سمعت رجلاً يقول لأبي عبد الله: (إنّ لي أبوين مخالفين فقال: برّهما كما تبرّ المسلمين ممّن يتولّانا)، فطاعة الوالدين وبرّهما واجب سواء كانا مؤمنين أم لا. تتبيّن لنا أهميّة برّ الأم من حديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أبوك)) متّفق عليه ، وزاد في مسلم: (ثم أدناك أدناك). يتبيّن لنا أنّ الجواب الذي جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن متوقّعاً، فلقد قال عليه الصّلاة والسّلام: (أمّك)، نعم! هي أحقّ النّاس بالصّحبة والمودّة، ويستزيد الصّحابي النّبي عليه الصّلاة والسّلام ليسأله عن صاحب المرتبة الثّانية، فيعود له الجواب كالمرّة الأولى: (أمّك)، وبعد الثّالثة يشير -عليه الصّلاة والسّلام- إلى الأب، ثم الأقرب فالأقرب. لا يقلّ حقّ الأب أهمية وجلالاً عن حق الأم، فهو يمثل الأصل والابن هو الفرع، وقد أمضى حياته وشبابه وأفنى عمره بكدٍّ واجتهادٍ للحفاظ على أسرته وتأمين الحياة الهانئة لأولاده، فتعب وخاطر واقتحم المشقات والصعاب في هذا السبيل. ومن ميّزات الشّريعة الإسلامية أنّها أعطت كلّ ذي حقّ حقّه، ووازنت بين تلك الحقوق، فلم تغفل حقّاً وإن كان غيره أعظم منه، فهي شاملة كاملة تفي بحاجة البشر في كل مناحي الحياة، ومن ذلك ما شرّعته من أحكام خاصّة بالأسرة، فبّينت حقوق الآباء على الأبناء، وحقوق الأبناء على الآباء من غير إفراط ولا تفريط، ومنعت العقوق سواء من الآباء أو من الأبناء، قال أبو اللّيث السّمرقندي في تنبيه الغافلين: وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أن رجلاً جاء إليه بابنه فقال: إن ابني هذا يعقّني، فقال عمر رضي الله تعالى عنه للابن: أما تخاف الله في عقوق والدك، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أما للابن على والده حق؟ قال: نعم، حقّه عليه أن يستنجب أمه ـ يعني لا يتزوج امرأة دنيئة لكيلا يكون للابن تعيير بها ـ وحسن اسمه ويعلمه الكتاب، فقال الابن: فوالله ما استنجب أمي، ولا حسن اسمي، سماني جُعْلاً، ولا علمني من كتاب الله آية واحدة، فالتفت عمر رضي الله تعالى عنه إلى الأب وقال: تقول ابني يعقني! فقد عققته قبل أن يعقّك. قال الدّكتور محمد الزّحيلي في كتاب حقوق الأولاد على الوالدين في الشّريعة الإسلامية: قال بعض أهل العلم : (إن الله سبحانه وتعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يُسأل الولد عن والده)، فوصيّة الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائه ، قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ) سورة الإسراء، 31 وقال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) سورة النساء، 11 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف) الطبراني، 1\172. لا يقتصر برّ الوالدين على حياتهما بحيث إذا انقطعا من الدّنيا انقطع ذكرهما، بل إن من واجبات الأبناء إحياء أمرهما وذكرهما من خلال زيارة قبريهما وقراءة الفاتحة لروحيهما والتّصدق عنهما، وإقامة مجالس العزاء لهما على الدّوام، كما أن عليهم حق البرِّ لهُمَا في جملة أمور ذكرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل من أصحابه فقال: يا رسول الله هل بقي لأبوي شي‏ء من البرّ أبرهما به بعد وفاتهما؟ ورد في القرآن الكريم حقّين من حقوق الوالدين: الدعاء لهما ويبدو ذلك على لسان أكثر من نبي يدعو لوالديه كما هو من وصايا الله تعالى للإنسان حيث قال تعالى على لسان نبي الله نوحٍ: (رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارً) 28 سورة نوح، ، وعلى لسان إبراهيم: (رَبّنَا اِغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْم يَقُوم الْحِسَاب) سورة إبراهيم، 41 . الوصية حيث يقول تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين) سورة البقرة، 180 ، فالوصية حق على المؤمن وأول ما تؤدى للوالدين بحسب البيان القراني، وذلك للدلالة على أهمية بر الوالدين ووصلهما على الإنسان في حال حياته وبعد مماته من خلال التركة المادّية من أموال وأرزاق، كما لا يبخل عليهما بالنّصيحة والإرشاد إلى ما فيه صلاحهما، ولا ينسى طلب السّماح منهما لتقصيره تجاههما في الحياة الدنيا. إن نكران الجميل، وعدم مكافأة الإحسان ليعتبران من قبائح الأخلاق، وكلّما عظم الجميل والإحسان كان جحودهما أكثر جرماً وأفظع إثماً، ومن هذا المقياس نقف على خطر الجريمة التي يرتكبها العاق لوالديه، حتى عُدَّ العقوق من الكبائر الموجبة لدخول النار لأنّ العاق حيث ضميره مضحمل فلا إيمان له ولا خير في قلبه ولا إنسانية لديه، ولذلك حذّر الإسلام من عقوق الوالدين لما له من دلالات ونتائج، وقد حدّد تعالى المستوى الأدنى لعقوق الوالدين في كتابه المجيد حيث يقول جلّ وعلا: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) سورة نوح، 28 ، إذاً فلا رخصة لولد أن يقول هذه الكلمة من أقوال وأفعال كمن ينظر إليهما بحدةٍ مثلاً. بهذا نكون قد بيّنّا بعض الحقوق التي من الواجب القيام بها تجاه الوالدين، فهما أصل وجودنا في هذا العالم، وهما من تحمّلا وصبرا حتى كبرنا وأصبحنا ما نحن عليه الآن، لنحاول أن نردّ بعضاً مما أعطينا، ولنصنهما، ونطعهما فيما يرضي الله، ولنجعل أيامهما سعادة، ولنملأ قلبيهما بالرضى عنّا. تعبير عن أحبّ الأعمال إلى الله برّ الوالدين اهتمّ الإسلام ببرّ الوالدين والإحسان إليهما والعناية بهما، وهو بذلك يسبق النّظم المستحدثة في الغرب مثل: رعاية الشّيخوخة، ورعاية الأمومة والمسنين، حيث جاء بأوامر صريحة تلزم المؤمن ببرّ والديه وطاعتهما قال تعالى موصياً عباده: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً) الأحقاف:15، وقرن برهما بالأمر بعبادته في كثير من الآيات؛ برهان ذلك قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) الإسراء:23، وقوله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) النساء:36، وجاء ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد توحيده عز وجل لبيان قدرهما وعظّم حقهما ووجوب برهما. قال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) الأنعام:151، أي: ( برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أوامرهما ). أنواع بر الوالدين كثيرة بحسب الحال وحسب الحاجة ومنها: فعل الخير وإتمام الصّلة وحسن الصحبة، وهو في حق الوالدين من أوجب الواجبات. وقد جاء الإحسان في الآيات السابقة بصيغة التّنكير ممّا يدل على أنّه عام يشمل الإحسان في القول والعمل والأخذ والعطاء والأمر والنّهي، وهو عامّ مُطلق يدخل تحته ما يرضي الابن وما لا يرضيه إلّا أنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لا ينبغي للإبن أن يتضجّر منهما ولو بكلمة أفٍّ بل يجب الخضوع لأمرهما، وخفض الجناح لهما، ومعاملتها باللّطف والتّوقير وعدم التّرفع عليهما. عدم رفع الصّوت عليهما أو مقاطعتهما في الكلام، وعدم مجادلتهما والكذب عليهما، وعدم إزعاجهما إذا كانا نائمين، والتّذلل لهما، وتقديمهما في الكلام والمشي إحتراماً لهما وإجلالاً لقدرهما. شكرهما الذي جاء مقروناً بشكر الله والدّعاء لهما لقوله تعالى: (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) الإسراء:24. وأن يؤثرهما على رضا نفسه وزوجته وأولاده. اختصاص الأم بمزيد من البرّ لحاجتها وضعفها وسهرها وتعبها في الحمل والولادة والرّضاعة. والبرّ يكون بمعنى حسن الصّحبة والعشرة وبمعنى الطّاعة والصّلة لقوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لقمان:14، ولحديث: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات) متفق عليه الحديث. الإحسان إليهما وتقديم أمرهما وطلبهما، ومجاهدة النّفس برضاهما حتى وإن كانا غير مسلمين لقوله تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) لقمان:15. رعايتهما وخاصة عند الكبر وملاطفتهما وإدخال السّرور عليهما وحفظهما من كل سوء. وأن يقدم لهما كل ما يرغبان فيه ويحتاجان إليه. الإنفاق عليهما عند الحاجة، قال تعالى: (قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) البقرة:215، وتعتبر الخالة بمنزلة الأم لحديث: (الخالة بمنزلة الأم) رواه الترمذي. استئذانهما قبل السّفر وأخذ موافقتهما إلا في حجّ فرض قال القرطبي رحمه الله: (من الإحسان إليهما والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما). الدعاء لهما بعد موتهما وبر صديقهما وإنفاذ وصيتهما. دلّت نصوص شرعيّة على فضل بر الوالدين وكونه مفتاح الخير منها أنه سبب لدخول الجنّة: فعن أبي هريرة عن النبي قال: (رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه)، قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة ) ) رواه مسلم والترمذي. كونه من أحب الأعمال إلى الله: عن أبي عبدالرحن عبدالله بن مسعود قال: (سألت النبي أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ( الصلاة على وقتها ). قلت: ثم أي؟ قال: ( بر الوالدين ). قلت: ثم أي؟ قال: ( الجهاد في سبيل الله )) متفق عليه. إن برّ الوالدين مُقدّم على الجهاد في سبيل الله عز وجل: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ( أقبل رجل إلى النبي فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، فقال : ( هل من والديك أحد حي؟ ) قال: نعم بل كلاهما. قال: ( فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ ) قال: نعم. قال: ( فارجع فأحسن صحبتهما ) ) متفق عليه وهذا لفظ مسلم وفي رواية لهما: (جاء رجل فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد). رضا الرّب في رضا الوالدين: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النّبي قال: (رضا الرّب في رضا الوالدين، وسخط الرّب في سخط الوالدين) رواه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم. في البرّ منجاة من مصائب الدنيا بل هو سبب تفريج الكروب وذهاب الهم والحزن كما ورد في شأن نجاة أصحاب الغار، وكان أحدهم باراً بوالديه يقدمهما على زوجته وأولاده. وعكس البّر العقوق، ونتيجته وخيمة لحديث أبي محمد جبير بن مطعم أن رسول الله قال: (لا يدخل الجنة قاطع). قال سفيان في روايته: (يعني قاطع رحم) رواه البخاري ومسلم والعقوق: هو العقّ والقطع، وهو من الكبائر، بل كما وصفه الرّسول من أكبر الكبائر وفي الحديث المتفق عليه: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئاً وجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزّور، فما زال يردّدها حتى قلنا ليته سكت). والعقّ لغة: هو المخالفة، وضابطه عند العلماء أن يفعل مع والديه ما يتأذّيان منه تأذّياً ليس بالهيّن عُرفاً. وفي المحلى لابن حزم وشرح مسلم للنّووي: (اتّفق أهل العلم على أن بر الوالدين فرض، وعلى أن عقوقهما من الكبائر، وذلك بالإجماع ) وعن أبي بكر عن النبي قال: (كل الذنوب يؤخر الله تعالى ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الموت) رواه الطبراني . وبر الوالدين لا يقتصر على فترة حياتهما بل يمتدّ إلى ما بعد مماتهما، ويتّسع ليشمل ذوي الأرحام وأصدقاء الوالدين؛ (جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله. هل بقي من برّ أبواي شيء أبرّهما بعد موتهما؟ قال: نعم، الصّلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما بعدهما، وصلة الرّحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما) رواه أبو داود والبيهقي . ويمكن الحصول على البرّ بعد الموت بالدّعاء لهما. قال الإمام أحمد: ( من دعا لهما في التّحيات في الصّلوات الخمس فقد برهما. ومن الأفضل: أن يتصدّق الصّدقة ويحتسب نصف أجرها لوالديه ). تعبير عن مكانة الوالدين قرن الله عزّ وجلّ حق الوالدين بحقه في آيات كثيرة، مثل قوله عز وجل: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وقوله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وقوله سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهذه الآيات تدلّ على وجوب برّهما والإحسان إليهما وشكرهما على إحسانهما إلى الولد من حين وجد في بطن أمّه إلى أن استقلّ بنفسه وعرف مصالحه، وبرّهما يشمل الإنفاق عليهما عند الحاجة، والسّمع والطاعة لهما في المعروف، وخفض الجناح لهما، وعدم رفع الصّوت عليهما، ومخاطبتهما بالكلام الطّيب والأسلوب الحسن كما قال الله عز وجل في سورة بني إسرائيل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: ((أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين)) خرجه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. والأحاديث في وجوب برهما والإحسان إليهما كثيرة جداً. وضد البر: هو العقوق لهما، وذلك من أكبر الكبائر؛ لما ثبت في الصّحيحين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً: قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)، وفي الصحيحين أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل يا رسول الله: وهل يسب الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)، فجعل صلّى الله عليه وسلم التّسبب في سبّ الوالدين سبّاً لهما، فالواجب على كل مسلم ومسلمة الاهتمام بالوالدين والإحسان إليهما، ولاسيما عند الكبر والحاجة إلى العطف والبرّ والخدمة، مع الحذر كل الحذر من عقوقهما والإساءة إليهما بقول أو عمل، والله المسؤول أن يوفّق المسلمين لكل ما فيه رضاه، وأن يفقّههم في الدّين، وأن يُعينهم على برّ والديهم وصلة أرحامهم وأن يُعيذهم من العقوق وقطيعة الرّحم، ومن كل ما يُغضب الله ويباعد من رحمته، إنّه ولي ذلك والقادر عليه، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه. قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً . واخفض لهما جناح الذّلّ من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا). يقول حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما: ثلاث آيات مقرونات بثلاث، ولا تقبل واحدة بغير قرينتها 1- (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) [التغابن: 12]، فمن أطاع الله ولم يطع الرّسول لم يقبل منه. 2- (وأقيموا الصّلاة وآتوا الزكاة) [البقرة: 43]، فمن صلّى ولم يزكِّ لم يقبل منه. 3- (أن اشكر لي ولوالديك) [لقمان: 14]، فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه. ولأجل ذلك تكرّرت الوصايا في كتاب الله تعالى والإلزام ببرّهما والإحسان إليهما، والتّحذير من عقوقهما أو الإساءة إليهما، بأيّ أُسلوب كان، قال الله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) ، وقال تعالى: (ووّصينا الإنسان بوالديه حملته أُمُّهُ وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير)، وضّحت هذه الآيات ما للوالدين من جميل عظيم، وفضل كبير على أولادهما، خاصّة الأم، التي قاست الصّعاب والمكاره بسبب المشقّة والتّعب، من وحامٍ وغثيان وثقل وكرب، إلى غير ذلك ممّا ينال الحوامل من التّعب والمشقّة، وأما الوضع: فذلك إشراف على الموت، لا يعلم شدّته إلا من قاساه من الأمهات. وفي سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم جاء التّأكيد على وجوب بِرّ الوالدين والتّرغيب فيه، والتّرهيب من عقوقهما. ومن ذلك: ما صحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (رضا الرّب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما ). وروى أهل السّنن إلا التّرمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : (ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما)، وفي الصّحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: (يا رسول الله ! من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمّـك، قال: ثم من؟ قال: أمّك، قال: ثم من؟ قال: أمّك، قال ثم من؟ قال: أبوك)، وهذا الحديث مُقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البرّ؛ وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرّضاعة، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التّربية، وجاءت الإشارة إلى هذا في قوله تعالى: (ووصيّنا الإنسان بوالديه حملته أمّه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين) وروى الإمام أحمد بسند حسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال: (لا تشرك بالله شيئاً، وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنَّ والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك) إلى آخر الحديث. من عقوق الوالدين أن يدعهما من غير معيلٍ لهما، فيدعهما يتكففان الناس ويسألانهم، وأن يقدم غيرهما عليهما، كأن يقدم صديقه أو زوجته أو حتى نفسه. وأن يناديهما باسمهما مجرداً إذا أشعر ذلك بعدم احترامهما وتوقيرهما. قد يتجاهل بعض النّاس فضل والديه عليه، ويتشاغل عما يجب عليه نحوهما، ألا يعلم ذلك العاق أو تلك العاقة أن إحسان الوالدين عظيم وفضلهما سابق، ولا يتنكّر له إلا جحود ظلوم غاشم، قد غُلقت في وجهه أبواب التّوفيق، ولو حاز الدنيا بحذافيرها، فالأم التي حملت وليدها في أحشائها تسعة أشهر مشقّة من بعد مشقّة لا يزيدها نموه إلا ثقلاً وضعفاً، ووضعته كرهاً وقد أشرفت على الموت، فإذا بها تعلّق آمالها على هذا الطفل الوليد، رأت فيه بهجة الحياة وزينتها، وزادها بالدّنيا حرصاً وتعلقاً، ثم شُغلت بخدمته ليلها ونهارها، تُغذّيه بصحتها، تحوطه وترعاه، تجوع ليشبع، وتسهر لينام، إذا غابت دعاها، وإذا أعرضت عنه ناجاها، وإن أصابه مكروه استغاث بها، يحسب أن كلّ الخير عندها، وأن الشّر لا يصل إليه إذا ضمّته إلى صدرها أو لحظَتْه بعينها. وبعد هذا يكون جزاؤها العقوق والإعراض؟ أما الأب فالابن فيَكَدُّ ويسعى ويدفع صنوف الأذى بحثاً عن لقمة العيش لينفق عليه ويربيه، فإذا أقبل عليه احتضن حجره وصدره، يخوف كل النّاس بأبيه، ويعدهم بفعل أبيه، أفبعد هذا يكون جزاء الأب العقوق ؟ إن الإحباط أن يُفاجأ الوالدان بالتّنكر للجميل، وقد كانا يتطلّعان للإحسان، ويأملان الصلة بالمعروف، فإذا بهذا الولد يتناسى ضعفه وطفولته، ويعجّب بشأنه ويغره تعليمه وثقافته، ويترفع بجاهه ومرتبته، يؤذيهما بالتأفّف والتّبرم، ويجاهرهما بالسّوء وفحش القول، يقهرهما وينهرهما، فليحذر كل عاقل من التّقصير في حقّ والديه، فإنّ عاقبة ذلك وخيمة، ولينشط في برّهما فإنّهما عن قريب راحلين وحينئذ يعض أصابع الندم. تعبير عن أهميّة الوالدين في الإسلام (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) يعتبر الإسلام البرّ بالآباء من أفضل أنواع الطّاعات التي يتقرّب بها المسلم إلى الله تعالى؛ لأن الوالدين هما سبب وجود الأبناء في الحياة وهما سبب سعادتهم ، فقد سهرت الأم في تربية أبنائها ورعايتهم ، وكم قضت ليالي طويلة تقوم على رعاية طفلها الصّغير الذي لا يملك من أمره شيئًا ، وقد شقي الأب في الحياة لكسب الرّزق وجمع المال من أجل إطعام الأبناء وكسوتهم وتعليمهم ومساعدتهم على تحقيق أحلامهم ، لذا نلاحظ أن الله تعالى جعل طاعة الوالدين بعد الإيمان به، وبلغت وصيّة الله سبحانه وتعالى بالوالدين أنّه أمر الأبناء بالتعّامل معهما بالإحسان والمعروف حتى ولو كانا مشركين ، فقال تعالى : (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) إذا كان من الطبيعي أن يشكر الإنسان من يساعده ويقدم له يد المساعدة ، فإن الوالدين هما أحق الناس بالشكر والتقدير لكثرة ما قدّما من عطاء وتفانٍ وحب لأولادهما دون إنتظار مقابل، وأعظم سعادتهما أن يشاهدا أبناءهما في أحسن حال وأعظم مكانة، وهذه التّضحيات العظيمة التي يقدمها الآباء لابد أن يقابلها حقوق من الأبناء ومن هذه الحقوق التي وردت في القرآن الكريم : الطاّعة لهما و تلبية أوامرهما، التّواضع لهما ومعاملتهما برفق ولين، خفض الصّوت عند الحديث معهما، استعمال أعذب الكلمات وأجملها عند الحديث معهما، إحسان التّعامل معهما وهما في مرحلة الشيخوخة وعدم إظهار الضيق من طلباتهما ولو كانت كثيرة ومتكرّرة، الدعاء لهما بالرّحمة والغفران . أن أعظم صحبة للإنسان هي صحبة الوالدين ، وهى صحبة يرضى بها الإنسان ربه ويرجو بها حسن الثواب في الآخرة ، ومعنى الصحبة ، هو أن يحاول الإنسان أن يرد الجميل لوالديه ، ويعمل على رعايتهما ، وبخاصة إذا كبرا في السن واحتاجا إلى العون والرعاية . وجاء في الحديث أن رجلا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه و سلم- فقال: (يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك . قال: ثم من؟ قال: أمك . قال : ثم من؟ قال: أبوك). وقال -صلى الله عليه و سلم- : (إن الله يوصيكم بأمهاتكم (ثلاثاً) إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب). حرص الإسلام على إكرام الوالدين ورعايتهما ، وجعل ذلك جهادًا يعادل الجهاد في سبيل الله ، فلا يخرج أحد إلى القتال وأبواه أو أحدهما يحتاج إلى عونه. أتى رجل إلى رسول الله -صلّى الله عليه و سلم- يبايعه على الجهاد والقتال ، فسأله النبي -صلّى الله عليه و سلم-: (هل من والديك أحد ؟ قال الرّجل : كلاهما حي يا رسول الله ، قال -صلى الله عليه و سلم- : ارجع إلى والديك وأحسن صحبتهما). وفى رواية ثانية أن رجلاً من اليمن هاجر إلى النّبي -صلى الله عليه و سلم- يستأذنه في الجهاد ، فقال -صلى الله عليه و سلم-: (هل لك أحد باليمن ؟ قال: أبواي ، قال: أذنا لك ؟ قال: لا . قال : فارجع إليهما ، فاستأذنهما ، فإن أذنا لك فجاهد والإ فبرهما). لا ينتهي البر بالوالدين بموتهما أو بموت أحدهما ، بل يستمر إلى ما بعد الموت ، فقد روى إن رجلاً جاء إلى رسول الله -صلّى الله عليه و سلم- فقال: (يا رسول الله هل بقى من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال: نعم الصلاة عليهما ، والإستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما)،وفي الحديث حثّ على بر الوالدين في حياتهما وما بعدها ، ويكون ذلك بالاستغفار لهما ، والوفاء بالعهود والمواثيق التي عقداها في حياتهما، وإكرام أصدقائهما وصلة أرحامهما . الأباء هم الأباء مهما اختلفت ديانتهم عن دين أبنائهم يشعرون بالحبّ والمودّة تجاة أبنائهم ، وتربطهم بهم علاقة الدّم التي لا يمكن أن تضيع ، وفي الوقت الذي حرص فيه على الالتزام بالدين الحقّ دعا إلى برّ الوالدين من غير المسلمين وعدم عقوقهما ما داما لم يطلبا من أبنائهم ترك الإسلام أو معصية الله تعالى كما جاء في الآية الكريمة: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، وقد طلب الرسول -صلى الله عليه و سلم- من أصحابه البرّ بآبائهم غير المسلمين، تقول أسماء بنت أبي بكر الصديق رضى الله عنه: (قدمت على أمّي وهي مشركة في عهد رسول -صلّى الله عليه و سلم- فاستفتيت رسول الله -صلّى الله عليه و سلم- قلت : قدمت على أمّي وهي مشركة ، أفأصلها ؟ قال : نعم : صِلى أمّك)

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
" يا الله أنتَ قوتي وثباتي وأنا غصنٌ هَزيل "
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59