عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-12-2013, 02:55 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي العولمة وأثرها على اقتصاديات الدول الإسلامية


شباط 2000ممجلة النبأ ـ العدد 42ذو القعدة 1420

محمد آدم
أولاً: المقدمة
أصبحت العولمة (MONDIALIZATION) من اكثر الكلمات استخداماً في الأدبيات المعاصرة. وقد تم تعريف العولمة على أنها إكساب الشيء طابع العالمية، وجعل نطاقه وتطبيقه عالمياً، وأضحت ظاهرة العولمة الهاجس الطاغي في المجتمعات المعاصرة، فهي تستقطب اهتمام الحكومات والمؤسسات ومراكز البحث ووسائل الإعلام. وتعاظم دور العولمة وتأثيرها على أوضاع الدول والحكومات وأسواقها وبورصاتها ومختلف الأنشطة الاقتصادية فيها.
ويعرف الدكتور إسماعيل صبري عبد الله العولمة والتي يفضل أن يستخدم مكانها مصطلح الكوكبة على إنها: (التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسية والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات حكومية)(1).
ولا أعلم لماذا ابتعد الدكتور إسماعيل صبري عبد الله عن المفهوم الدقيق للعولمة؟ والذي يعني هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي وانتشاره بعمق لا بل هيمنة النمط الأمريكي سيما وهو يقر بأن الرأسمالية كنمط إنتاج تتغير ملامحها وأساليبها في الاستغلال عبر الزمن، كما أنه يربط بين نشأة العولمة وانتشار الشركات متعددة الجنسية.
يتلازم معنى (العولمة) في مضمار الإنتاج والتبادل: المادي والرمزي مع معنى الانتقال من المجال الوطني، أو القومي، إلى المجال الكوني في جوف مفهوم تعيين مكاني جغرافي (الفضاء العالمي برمته)، غير انه ينطوي على تعيين زماني أيضاً، حقبة ما بعد الدولة القومية، الدولة التي أنجبها العـــصر الحديث إطارا كيانياً لصناعة أهم وقائع التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وقد يستفاد من ذلك أن المنزع الراهن نحو إنفاذ أحكام العولمة، إذ يضع حداً لتلك الحقبة، يدشن لأخرى قد لا تكون حقائق العصر الحديث ـ السائدة منذ قرابة خمس قرون ـ من مكونات مشهدها، وبالتالي يرسي مداميك ثورة جديدة في التاريخ، ستكون قوتها ـ هذه المرة ـ المجموعة الإنسانية بدل الجماعة الوطنية والقومية(2).
العولمة وفقاً لتحليل البعض فانها تعني: وصول نمط الإنتاج الرأسمالي عند منتصف هذا القرن تقريباً إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول، إلى عالمية دائرة الإنتاج واعادة الإنتاج ذاتها، أي إن ظاهرة العولمة التي نشهدها هي بداية عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية، وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضا، ونشرها في كل مكان مناسب وملائم خارج مجتمعات المركز الأصلي ودوله. العولمة بهذا المعنى هي رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت رسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره، قد تمت. بعبارة أخرى، أن ظاهرة العولمة التي نعيشها الآن هي طليعة نقل دائرة الإنتاج الرأسمالي ـ إلى هذا الحد أو ذلك ـ إلى الأطراف بعد حصرها هذه المدة كليا في مجتمعات المركز ودوله. في الواقع لان عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق بلغت حد الإشباع بوصولها إلى أقصى حدود التوسع الأفقي الممكنة وشمولها مجتمعات الكرة الأرضية كلها ـ باستثناء جيوب هنا وهناك ـ كان لابد لحركية نمط الإنتاج الرأسمالي وديناميكيته من أن تفتح أفقاً جديداً لنفسها وان تتجاوز حدوداً بدت ثابتة سابقاً على طريق نقلة نوعية جديدة بدورها تأخذ الآن الشكل المزدوج لعولمة دائرة الإنتاج ذاتها ونشرها في كل مكان مناسب تقريباً على سطح الكرة الأرضية، من ناحية وإعادة صياغة مجتمعات الأطراف مجدداً، في عمقها الإنتاجي هذه المرة وليس على سطحها التبادلي التجاري الظاهر فقط، من ناحية ثانية، أي إعادة صياغتها وتشكيلها على الصورة الملائمة لعمليات التراكم المستحدثة في المركز ذاته.
ويصف الدكتور علي عقلة عرسان نتائج العولمة بأسلوب أدبي حين يقول(3): وهكذا نجد أن العولمة تفسح المجال واسعا أمام أصحاب رؤوس الأموال لجمع المزيد من المال على حساب سياسة قديمة في الاقتصاد كانت تعتمد على الإنتاج الذي يؤدي إلى تحقيق ربح بينما اليوم فالاعتماد هو على تشغيل المال فقط دون مغارم من أي نوع للوصول إلى احتكار الربح، إنها مقولة تلخص إلى حد ما بعودة (شايلوك) المرابي اليهودي التاريخي محمّلا على أجنحة المعلوماتية والعالم المفتوح لسيطرة القوة المتغطرسة، وعودته المدججة بالعلم والتقانة تقلب القاعدة القديمة القائلة: إن القوي يأكل الضعيف، إلى قاعدة جديدة عصرية عولمية تقول السريع يأكل البطيء وسمك القرش المزود بالطاقة النووية ومعطيات الحواسيب وغزو الفضاء يستطيع أن يبتلع الأسماك الأخرى والصيادين الذين يغامرون إلى أبعد من الشاطئ.
يقضي منطق التطور الرأسمالي بالتوسع المستمر خارج الحدود هكذا بدأ أمره قبل قرون انتقلت الرأسمالية من حدود الدولة القومية والاقتصاد القومي إلى عالم (ما وراء البحار) في عملية من الزحف الاستعماري واسعة، شملت معظم مناطق جنوب الأرض بحثاً عن المواد الخام واليد العاملة الرخيصة والأسواق وهكذا تجدد قبل قرن حين خرج النظام الرأسمالي العالمي من طور (المزاحمة)أو (المنافسة الحرة) إلى طور الاحتكار الطور الإمبريالي. واليوم،في سياق الثورة التقانية الكبرى، يبلغ التوسع الرأسمالي ذراه، فيطيح بحدود جديدة، الحدود القومية داخل المعسكر الرأسمالي الميتروبولي نفسه. بعد أن أطاح منذ زمن بعيد بحدود المجتمعات التابعة المنتمية إلى منظومة الجنوب. إن هذا النمط الجديد من التوسع،اليوم، هو ما يطلق عليه اسم العولمة، وسمته الأساسية هي توحيد العالم وإخضاعه لقوانين مشتركة تضع حداً فيه لكل أنواع السيادة. ولقد بدأت علائم هذا المسار منذ ميلاد ظاهرة الشركات المتعددة الجنسيات، قبل عقود، لتصل اليوم إلى نظام التجارة الحرة الذي أقر دولياً، بعد مفاوضات (الغات) ووقع التعبير عنه مؤسسيا في منظمة دولية تحمل الاسم ذاته، وفي قوانين وتدابير يلغي مفعولها مفعول القوانين المرعية في الدول الوطنية(4).
لقد أدت الولايات المتحدة دوراً رئيساً في دعمها للرأسمالية وفي ظفر هذه الأخيرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين ففضلا عن كونها طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية اكبر سوق واكبر دولة مصدرة في العالم، جعلت الولايات من بناء اقتصاد عالمي رأسمالي حجر أساس في توجهها على الصعيدين السياسي والاقتصادي الدولي ولما كانت اكبر دولة مصدرة فان لها مصلحة إذاً في الإنماء الاقتصادي على الصعيد العالمي لكونه يغذي نموها الاقتصادي. وكي تحافظ على أنظمتها ومؤسساتها الرأسمالية في وجه التهديدات التي تكونها أنظمة اجتماعية اقتصادية أخرى وأهمها الشيوعية السوفيتية أنفقت الكثير على انتشار اقتصاديات رأسمالية في بلدان أخرى وعلى الأخص لدى عدويها السابقين ألمانيا واليابان وفي بلدان أخرى في أوروبا الغربية وفي شرق وجنوب شرقي آسيا بالإضافة إلى مشروع مارشال في أوروبا الغربية والى المساعدات الضخمة التي قدمتها إلى شرق آسيا بالإضافة إلى مشروع مارشال في أوروبا الغربية والى المساعدات الضخمة التي قدمتها إلى شرق آسيا استعملت الولايات المتحدة مساعداتها الخارجية لمناطق أخرى في العالم النامي وتعزيزاً للمؤسسات والاقتصادات الرأسمالية حيثما أمكنها ذلك(5).
ثانياً: العوامل التي أدت إلى ظهور العولمة
بعد انهيار الشيوعية وانفجار الاشتراكية من الداخل، وتفكك اليمين التقليدي، خرجت الليبرالية الجديدة باسم العولمة لتغزو كل الدول، وتدعو إلى حرية انتقال رأس المال، وإلغاء الحواجز الجمركية، وتطيح بالأنظمة، لتعزيز حرية المبادلات التجارية، مما أدى إلى تباعد بين النشاط المالي والنشاط الاقتصادي... فمن أصل 1500 مليار دولار تدخل العمليات اليومية على الصعيد العالمي هناك 1% فقط يوظف لاكتشاف ثروات جديدة ويُدوّر الباقي في إطار المضاربات(6).
ما هي العوامل التي أدت إلى بروز ظاهرة العولمة في الوقت الراهن؟ وهل هذا يرجع إلى انهيار نظام الدولة ذات الحدود المستقلة؟ وهل العولمة تتضمن زيادة التجانس أم تعميق الفوارق والاختلافات؟ وهل الهدف هو توحيد العالم أم النظم المجتمعية عن طريق الحدود المصنوعة؟ وهل العولمة تنطلق من مصادر رئيسية واحدة، أم تنطلق من مصادر متنوعة ومتداخلة؟ وهل تنطلق من عوامل اقتصادية وإبداع تقاني أم من خلال الأزمة الايكولوجية؟ وهل هي عبارة عن اتحاد لكل هذه العوامل أم أنه لا تزال هناك أبعاد أخرى؟ وهل العولمة تتميز بوجود ثقافات عامة أم مجموعة من الثقافات المحلية المتنوعة؟ وهل العولمة غامضة، أم أنها تحول بارز على المدى الطويل بين العام والخاص، وبين المحلي والخارجي، وبين المغلق والمفتوح؟ وهل هي استمرار لنمو الفجوة بين الفقراء والأغنياء على جميع المستويات؟ وهل العولمة تتطلب وجود حكومة عالمية(7)؟ إن جوهر عملية العولمة يتمثل في تسهيل حركة الناس وانتقال المعلومات والسلع والخدمات على النطاق العالمي. وتشمل الحركة والانتقالات التي تنتشر عبر الحدود ست فئات رئيسة وهي: البضائع، الخدمات، الأفراد، رأس المال، الأفكار، والمعلومات والمؤسسات.
ويهدف النظام الرأسمالي الذي يحكمه قانون تعظيم الأرباح الخاصة إلى التوسع وذلك عبر استثمار أرباحه والحصول على قروض من أسواق الرساميل. فإذا لم يتوسع يتعرض للركود والكساد والأزمات الدورية، والأمثلة التاريخية على هذه الأزمات كثيرة ومعروفة. ويؤدي التوسع إلى ظهور المنشآت الاقتصادية الكبرى عبر تركز وتمركز رأس المال(8). ومن أهم آليات تحقيق ذلك عمليات الدمج بين المنشآت الكبرى أو استيلاء منشأة كبرى على منشأة أصغر منها عن طريق الشراء أو غير ذلك. كما انه في عملية التوسع تتراكم فوائض مالية لا تجد أحياناً مجالات مربحة في استثمارات حقيقية تؤدي إلى زيادة الإنتاج والتجارة، بل تجد هذه الفوائض مجالاتها المربحة في المضاربة ضمن إطار الدولة الواحدة. كما أن هذه الفوائض تضغط لتأمين حرية انتقالها من دولة إلى أخرى عبر إزالة القيود على حركة الرساميل. ومن الواضح أن أهم سمة للنظام الرأسمالي العالمي الراهن هو ما يسمى بـ(العولمة) المالية(9).
يمثل النظام الاقتصادي المعاصر مرحلة جديدة من مراحل تطور الاقتصاد الرأسمالي العالمي. وقد يكون من الممكن تسمية هذه المرحلة بـ(العولمة) كما هي محددة أعلاه، أو اقتصادا دوليا أكثر تكاملاً واندماجاً.
يتسم النظام الاقتصادي العالمي المعاصر بعدد من الخصائص أهمها:
1. انهيار نظام بيريتون وودز.
2. تزايد دور وأهمية الشركات متعددة الجنسية في الاقتصاد العالمي.
3. تزايد دور وأهمية مؤسسات العولمة الثلاث (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، المنظمة العالمية للتجارة).
4. عولمة النشاط الإنتاجي.
5.عولمة النشاط المالي واندماج أسواق المال.
6. تغيير مراكز القوى الاقتصادية العالمية.
7. تغيير هيكل الاقتصاد العالمي وسياسات التنمية.
8. تراجع أهمية ودور مصادر الطاقة التقليدية والمواد الأولية في السوق العالمية.
يرى الاقتصادي المعروف الدكتور رمزي زكي(10)، إن أهم البصمات بروزاً في الاقتصاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة هو التدويل المطرد الذي اصبح يتسم به الاقتصاد العالمي، ويظهر التدويل في نظرة أولية كبروز متعاظم لدور العلاقات الاقتصادية الدولية. بالمقارنة مع النشاط الاقتصادي على الصعيد المحلي أو الوطني. وهذا واضح من خلال الدور المتعاظم الذي تقوم به وتقوده الشركات متعددة الجنسية العملاقة التي تمتد نشاطاتها وفروعها إلى مختلف أنحاء العالم، وتسيطر على شطر كبير ومتنام في عمليات إنتاج وتمويل وتوزيع الدخل العالمي مع العلم أن هذا الدور يكون أحيانا غير مباشر وغير ظاهر، فاصبح من الممكن الآن الحديث عن مستوى اقتصادي عالمي متميز بآلياته ومشكلاته وآفاق تطوره على المستويات الوطنية، وتصبح النظرة للعالم باعتباره الوحدة الاقتصادية الأساسية.




يتبع ...

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59