عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-04-2017, 12:51 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي الدراسات المستقبلية ومشروع مصر 2020


الدراسات المستقبلية
ومشروع مصر 2020






د . إبراهيم العيسوى




سبتمبر 2000

مقدمـة
الدراسات المستقبلية ميدان من ميادين المعرفة يزداد الاهتمام به فى الدول المتقدمة ، ويترسخ دوره فى عملية صناعة القارات سواء على مستوى الدول أم على مستوى المؤسسات المدنية والعسكرية والشركات الكبرى . وقد شهد هذا الميدان - ولم يزل - تطورات متلاحقة فى منهجياته وأساليبه وتطبيقاته حتى صارت له مكانة مرموقة بين سائر ميادين المعرفة . ولم يعد ثمة حرج فى الإشارة إلى هذا الميدان باعتباره علما من العلوم الاجتماعية ، هو علم المستقبليات .
ولكن حظ الدول النامية بوجه عام ، والدول العربية بوجه خاص ، من الدراسات المستقبلية يسير للغاية ، واقبالها عليه ضئيل جداً . ولذلك مازالت مساهمة هذه الدراسات فى عمليات التخطيط وصناعة القرارات ضعيفة ، إن لم تكن غائبة كلية فى هذه الدول .
ومن هنا أهمية توسيع دائرة العلم بهذا النوع من الدراسات فى بلادنا ، وبما تهدف إلى تحقيقه من أغراض ، وبما تتبعه من منهجيات وأساليب للبحث فى المستقبل ، وبصلتها بعمليات التنمية والتخطيط وصناعة القرارات فى سياق السعى للخروج من التخلف وتحقيق التنمية . وهذا ما يسعى القسم الأول من هذه الكراسة إلى بيانه .
ويقدم القسم الثانى من الكراسة مثالاً لدراسة مستقبلية كبيرة تجرى فى مصر منذ أواخر عام 1997 ، ولم يزل العمل مستمرا فيها حتى الآن ، وهى الدراسة المعروفة بمشروع مصر 2020 . وفى هذا القسم شرح لخطوات الإعداد لهذه الدراسة ، وللأسباب التى دعت إلى القيام بها ، وبيان لمجالات البحث فى المشروع ، وعرض للسمات المميزة لمنهجية دراسة المستقبلات المصرية البديلة فيه ، مع إيضاح لأسلوب تنظيم العمل فى المشروع ، وإشارة إلى بعض منتجاته التى ظهرت أو هى على وشك الظهور حتى الآن . وأخيراً نقدم بياناً بعدد من الصعوبات التى واجهة المشروع ، والتى يتعين التفكير فى سبل فعالة للتغلب عليها .
وأنى لأرجو أن يسهم نشر هذه الكراسة فى تنشيط حركة الدراسات المستقبلية التى تشتد الحاجة إليها يوماً بعد يوم فى مصر وسائر أقطار الوطن العربى .
د . إبراهيم العيسوى
القاهرة - سبتمبر 2000 المستشار بمعهد التخطيط القومى
والباحث الرئيسى لمشروع مصر 2020
بمنتدى العالم الثالث بالقاهرة





























القسم الأول
الدراسات المستقبلية


الدراسات المستقبلية


من أبرز سمات العالم المعاصر أنه عالم يموج بالتغيرات المتلاحقة فى شتى ميادين العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة . كما أنه يشهد نمواً ملحوظاً فى درجة الترابط والاعتماد المتبادل بين الدول - وإن لم يكن هذا الاعتماد متكافئاً فى كل الأحوال . وفضلاً عن ذلك ، فإن أنواعاً كثيرة من التشابكات والتداخلات بين الظواهر والأحداث المختلفة صارت تجرى فى العالم المعاصر متجاوزة للحدود الوطنية للدول . ومع ازدياد كثافة هذه الأنواع من التشابكات والتداخلات ، أصبحت نسبة غير صغيرة ، ومتزايدة من القرارات التى تمس حياة الناس فى مختلف الأوطان تتخذ على نطاق عبر وطنى من جانب كيانات مختلفة ، لاسيما المنظمات العالمية والشركات متعدية الجنسيات . وتلك بعض خصائص ما أصبح يشار إليه بزمن العولمة أوالكوكبة (1) .
ومما لاشك فيه أن الأمة التى لا تمتلك خريطة واضحة المعالم والتضاريس لهذا العالم سريع التغير شديد التعقيد ، والتى لا تمتلك بوصلة دقيقة تعينها على تحديد مسارها الصحيح على هذه الخريطة ، هى أمة تعرض مستقبلها لأخطار عظيمة . ذلك أن مستقبل هذه الأمة لن يخرج فى هذه الظروف عن أحد احتمالين : الاحتمال الأول ، أن يأتى هذا المستقبل محصلة لعوامل عشوائية متضاربة ، أى أنه يخضع لاعتبارات من صنع المصادفة ، لا من صنع العقل والتدبير والمصلحة الوطنية . والاحتمال الثانى : أن تتحكم فى تشكيل هذا المستقبل قوى خارجية لا يهمها من مستقبل هذه الأمة إلا أن يخدم مصالحها هى ، سواء أكانت هذه المصالح متوافقة مع مصالح الناس فى هذه الأمة أم لم تكن . وفى الحالتين ، يصبح مستقبل الأمة مرهوناً بمقادير خارجية أو مصالح أجنبية ، أى أنه يصبح معلقاً بعوامل لا دخل لإرادة المواطنين فى هذه الأمة فى تشكيلها أو التأثير فيها . وهذا بالقطع وضع بائس . وما أتعس الأمة التى تجد نفسها فيه .


اصنع مستقبلك قبل أن يصنعه لك الآخرون
ولذا فإن الأمم القوية هى الأمم المدركة لما يحيط بها من تغيرات ، والواعية بما يزخر به العالم من تناقضات وصراعات ، وهى بالتالى الأمم التى تسعى لصنع مستقبلها ، أو على الأقل تسعى للمشاركة بفعالية فى صنعه . أما الأمم الضعيفة فهى الأمم الغافلة عما يجرى حولها، والتى تترك مستقبلها للمصادفات أو لأطماع الآخرين . فعندما لا تبادر الأمة إلى صنع مستقبلها ، ينشأ فراغ . ومن طبيعة الأشياء أن يسارع أصحاب المصلحة إلى ملء هذا الفراغ . ومن ثم فإنهم سيصنعون لتلك الأمة مستقبلها ، ولكن على هواهم وحسبما تقضى به مصالحهم .
إذا أردنا أن نشارك بفاعلية فى صنع مستقبلنا ، علينا إذن أن نمتلك الخريطة الواضحة لهذا العالم الجديد ، وأن نمتلك البوصلة التى نهتدى بها فى التعرف على الطريق إلى المستقبل الذى نريده - وهو ما يفترض ضمناً تحديد ملامح هذا المستقبل المرغوب فيه من جانبنا . وهنا يصبح السؤال : وما الطريق إلى امتلاك تلك الخريطة وتلك البوصلة ، وما السبيل إلى اختيار الطريق الذى يفضى إلى المستقبل الذى نطمح إليه ، وكيف يمكن اكتشاف ملامح هذا المستقبل المنشود . والجواب عن كل هذه الأسئلة يكمن فى عبارة واحدة : الدراسات المستقبلية ، أو بحوث استشراف المستقبل .
الدراسات المستقبلية حتمية
وقبل أن نتناول بالتفصيل أهداف الدراسات المستقبلية ، من المهم إدراك أمرين أساسيين فيما يتعلق بهذه النوعية من الدراسات : أولهما ، أن الدراسات المستقبلية باتت من الحتميات ، أى أنها صارت دراسات ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها . وهى لا تجرى ( كما كان يظن فى فترة سابقة ) من باب الرفاهية الثقافية أو التسلية الذهنية فى الدول الغنية
وحدها . بل إنها ضرورية للدول كافة على اختلاف حظوظها من الغنى أو الفقر ، ومن التقدم أو التخلف ، وذلك لما سبق إيضاحه من اعتبارات متصلة بالعالم الجديد وما يحفل به من تغير سريع واضطراب شديد ولا يقين متزايد ، فضلاً عن أهميتها لترشيد عملية صناعة القرارات .
إن الدراسات المستقبلية تشهد نمواً متسارعاً فى الدول المتقدمة التى تصنع العلم وتنتج التكنولوجيا ، فضلاً عن امتلاكها أسباب التقدم الإقتصادى والقوة العسكرية . كما أن الدول الرائدة فى هذا النوع من الدراسات ليست من دول التخطيط المركزى ، بل هى دول رأسمالية تسير على نظام اقتصاد السوق مع درجات متفاوتة من التدخل والتوجيه الحكومى . ويندر أن تجد دولة رأسمالية متقدمة لا تستند إلى دراسات لاستشراف المستقبل فى صنع قراراتها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية . كما يندر أن تجد شركة كبرى ، وبخاصة إذا كانت تنتمى إلى فصيلة الشركات متعددة أو متعدية الجنسيات ، لا يشتمل بنيانها التنظيمى على مركز أو قسم للدراسات المستقبلية والتخطيط الإستراتيجي . وإذا كان الأمر كذلك عند الأقوياء والمتقدمين من الدول والشركات الكبرى ، فإن الدول النامية التى لم تزل تسعى إلى بناء نفسها وتنمية اقتصادها والعثور على موقع أفضل لها على خريطة تقسيم العمل الدولى فى حاجة أشد إلى القيام بالدراسات المستقبلية ، لاسيما إذا كانت من الدول ذات الموقع الاستراتيجى المتميز أو المكانة السياسية البارزة التى تجعلها مستهدفة من جانب القوى الكبرى فى العالم ، فيحاولون التأثير على قراراتها وتوجهاتها ومستقبلها وسوف تكون لنا عودة إلى هذه المسألة فى ختام هذه الورقة .
الدراسات المستقبلية حقل من حقول المعرفة الجادة والعلم النافع
أما الأمر الثانى الذى يتعين إدراكه فى شأن الدراسات المستقبلية ، فهو أن هذه
الدراسات ، وإن كانت تتطلب بالضرورة قدراً من الخيال والقدرة الذاتية على التصور المسبق لما هو غير موجود أو غير معروف الآن ، إلا أن أنشطتها تختلف نوعياً عن الأنشطة التى تقع فى حقل الخيال العلمى أو فى ميدان التنجيم والرجم بالغيب . فما يطلق عليه اليوم الدراسات المستقبلية إنما يتمثل - على العموم - فى دراسات جادة تقوم على مناهج بحث وأدوات درس وفحص مقننة أو شبه مقننة ، وتحظى بقدر عال من الاحترام فى الأوساط العلمية ، وتنهض بها معاهد ومراكز بحثية وجمعيات علمية ذات سمعة راقية (2) . بل إن هذه الدراسات قد بلغت من النمو والرقى حداً يسمح بالحديث عن بروز علم اجتماعى جديد هو علم المستقبليات . فالأمر جد لا هزل فيه ، وعلى من يريد الخوض فيه أن يتخذ له ما يلزم من عدة وعتاد .
والآن نعود إلى أهداف الدراسات المستقبلية أو استشراف المستقبل . وهنا أسارع إلى القول بأن الهدف المباشر للدراسات المستقبلية ليس التخطيط أو وضع الاستراتيجيات ، وإن كانت هذه الدراسات تفيد دون شك فى إعداد العدة لوضع الخطط أو رسم
الاستراتيجيات . إذ أنها توفر لأهل التخطيط والاستراتيجيات جانباً مهماً من القاعدة المعرفية التى تلزم لصياغة الاستراتيجيات ورسم الخطط . فكل عمل تخطيطى جاد غالباً ما يكون مسبوقاً بنوع ما وبقدر ما من العمل الاستشرافى ( طرح بدائل أولية غالبا لمعدلات مختلفة للنمو والتراكم ) . ولكن شتان بين أن يأتى العمل الاستشرافى كمقدمة سريعة للعمل
التخطيطى ، وبين أن تتاح الفرصة لكى ينمو كعمل قائم بذاته ، يأخذ وقته اللازم ويستعمل المنهجيات المتعارف عليها ، وتستوفى مقوماته التى سنعرض لها فيما بعد .
كذلك ليس الهدف من الدراسات المستقبلية هو الإنباء بالمستقبل ، بمعنى تقديم
نبوءات ، أى تنبؤات غير شرطية وغير احتمالية بالأحداث المستقبلية . فكل ما تقدمه الدراسات المستقبلية من مقولات حول المستقبل إنما هى مقولات شرطية واحتمالية . ولذا تتعدد المقولات أو الرؤى أو السيناريوهات المستقبلية التى يقدمها الاستشراف ، نظراً لتعدد الشروط والاحتمالات التى تحيط بالحدث أو الأحداث المستقبلية موضع الاهتمام . وهذا الوضع ناشئ بطبيعة الحال مما تتسم به الأحداث المستقبلية من " لا يقينية " . ولا شك أن ما يتوصل إليه الاستشراف من سيناريوهات بديلة هو جزء مهم من أجزاء القاعدة المعرفية اللازمة للمخطط ، لاسيما إذا كان بصدد وضع خطط للمدى المتوسط أو الطويل ، وإن كانت هذه السيناريوهات البديلة لا تشكل فى حد ذاتها خططاً بالمعنى المتعارف عليه فى دوائر التخطيط وصنع القرارات .
أغراض الدراسات المستقبلية
ما الهدف الرئيسى للدراسات المستقبلية إذن ؟ يمكن أن نقول بصفة عامة أن غاية الدراسة المستقبلية هو توفير إطار زمنى طويل المدى لما قد نتخذه من قرارات اليوم . ومن ثم العمل ، لا على هدى الماضى ، ولا بأسلوب " من اليد إلى الفم " وتدبير أمور المعاش يوماً بيوم ، ولا بأسلوب إطفاء الحرائق بعد ما تقع ، بل العمل وفق نظرة طويلة المدى وبأفق زمنى طويل نسبياً . فهذا أمر تمليه سرعة التغير وتزايد التعقد وتنامى " اللايقينى " فى كل ما يحيط بنا ، وذلك فضلاً عن اعتبارات متصلة بالتنمية والخروج من التخلف سنوضحها
لاحقاً .
من جهة أخرى ، فإن ما تتيحه الدراسات المستقبلية من إضفاء طابع مستقبلى طويل المدى على تفكيرنا ، إنما هو علامة مهمة من علامات النضج العقلى والرشادة فى اتخاذ القرارات . ذلك أن ما نتخذه من قرارات اليوم ، وما نقوم به من تصرفات فى الحاضر سوف يؤثر بصورة أو بأخرى على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا من بعدنا . وإذا أردنا لهذا المستقبل أن يكون مقبولاً من وجهة نظرنا ، فعلينا أن نتخذ قراراتنا اليوم آخذين فى الاعتبار النتائج والتداعيات المحتملة لهذه القرارات على مدى زمنى طويل ، وليس فقط على المدى القصير أو المتوسط . وهنا تساعدنا الدراسات المستقبلية فى استطلاع هذه النتائج والتداعيات على المسارات المستقبلية . فإذا كانت النتائج والتداعيات تسهم فى تشكيل المستقبل المرغوب فيه ، فبها ونعمت . وإذا لم تكن تسهم فى ذلك ، فإننا نسعى لتعديل هذه القرارات حتى تأتى نتائجها وتداعياتها متوافقة مع المستقبل الذى نريده . وإذا تم ذلك ، فإننا نكون قد شاركنا بشكل إيجابى فى صنع المستقبل ، بدلاً من أن ننتظر فى سلبية مستقبلاً تأتى به المقادير ، أيا كانت صورته ، أو بدلاً من أن نقنع بالتواؤم أو التكيف مع ما قد يقع من أحداث مستقبلية . فالدراسات المستقبلية تساعدنا على التحكم فى المستقبل ، وجعله أفضل بدرجة ما مما لو كنا قد قعدنا فى انتظار وقوع هذا المستقبل وأهملنا التفكير فى مساراته البديلة المحتملة الوقوع .
وبشكل أكثر تحديداً ، يمكن القول أن الدراسات الاستشرافية للمستقبل تساعدنا على صنع مستقبل أفضل ، وذلك بفضل ما تؤمنه من منافع متعددة ، من أهمها ما يلى :
(1) اكتشاف المشكلات قبل وقوعها ، ومن ثم التهيؤ لمواجهتها أو حتى لقطع الطريق عليها والحيلولة دون وقوعها.وبذلك تؤدى الدراسات المستقبلية وظائف الإنذار المبكر ، والاستعداد المبكر للمستقبل ، والتأهل للتحكم فيه ، أو على الأقل للمشاركة فى
صنعه .
(2) إعادة اكتشاف أنفسنا ومواردنا وطاقاتنا ، وبخاصة ما هو كامن منها ، والذى يمكن أن يتحول بفضل العلم إلى موارد وطاقات فعلية . وهذا بدوره يساعد على اكتشاف مسارات جديدة يمكن أن تحقق لنا ما نصبوا إليه من تنمية شاملة سريعة ومتواصلة . ومن خلال عمليات الاكتشافات وإعادة الاكتشاف هذه ، تسترد الأمة الساعية للتنمية الثقة بنفسها ، وتستجمع قواها وتعبئ طاقاتها لمواجهة تحديات المستقبل .
(3) بلورة الاختيارات الممكنة والمتاحة وترشيد عملية المفاضلة بينها . وذلك بإخضاع كل اختيار منها للدرس والفحص ، بقصد استطلاع ما يمكن أن يؤدى إليه من تداعيات ، وما يمكن أن يسفر عنه من نتائج . ويترتب على ذلك المساعدة فى توفير قاعدة معرفية يمكن للناس أن يحددوا اختياراتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى ضوئها ، وذلك بدلاً من الاكتفاء - كما هو حاصل حالياً - بالمجادلات الأيديولوجية والمنازعات السياسية التى تختلط فيها الأسباب بالنتائج ، ويصعب فيها تمييز ما هو موضوعى من ما هو ذاتى .
وإذا سار الأمر على هذا النحو ، فإن الدراسات المستقبلية تسهم فى ترشيد عمليات التخطيط واتخاذ القرارات من بابين : الباب الأول هو باب توفير قاعدة معلومات مستقبلية للمخطط وصانع القرار ، أى توفير معلومات حول البدائل الممكنة وتداعيات كل منها عبر الزمن ، ونتائج كل منها عند نقطة زمنية محددة فى المستقبل . والباب الثانى هو باب ترشيد ما يجب أن يسبق عملية اتخاذ القرارات بشأن الخطط والسياسات من حوار وطنى على مستوى النخب وعلى مستوى الجماهير بقصد بلورة القضايا وبيان الاختيارات الممكنة ، وما ينطوى عليه كل اختيار من مزايا أو منافع ومن أعباء أو تضحيات . إذ تؤمن التنبؤات المشروطة التى تقدمها الدراسات المستقبلية فرصاً أوسع للاتفاق أو للاختلاف على أسس واضحة . كما أنها تمكن من المساعدة فى حسم بعض أوجه الخلاف من خلال إعادة صياغة " الشروط الابتدائية " لبعض أو كل البدائل محل النقاش ، وإعادة التحليل والحسابات فى ضوء الشروط المعدلة ، ومن ثم الدخول فى دورات نقاش متتابعة لتقريب وجهات النظر والتراضى على اختيار محدد .
ومثل هذا الأسلوب فى اتخاذ القرارات بمشاركة شعبية واسعة يمثل نقلة نوعية كبرى فى طبيعة الحوارات الوطنية التى كثيراً ما تفتقر إلى " الحوار " حقيقة ، وغالباً ما تكون مقصورة على تسجيل المواقف أو تبادل الاتهامات . ولو سمح للدراسات المستقبلية بأن تؤدى مثل هذا الدور فى " تنوير " و" تفعيل " المناقشات حول القرارات الوطنية ، فإن الحوار الوطنى سوف يكتسب حينئذ الكثير من السمات الحميدة للنقاش العلمى الذى عادة ما تكون مصادر الخلاف فيه واضحة ، والذى يمكن فيه التوصل إلى حلول عملية من خلال دورات متعددة للتصحيح المتتابع أو الاقتراب التدريجى من الحل الصحيح iterations or successive approximations
مهام الدراسات المستقبلية
تحقق الدراسات المستقبلية ما أشرنا إليه من أغراض من خلال إنجاز عدد من المهام المحددة . وقد يكون من المناسب أن نبدأ بالتعريف الذى قدمه أحد أعلام الدراسات المستقبلية " ويندل بيل " للمهام التى ينشغل بها حقل الدراسات المستقبلية ، وهى : " اكتشاف أو ابتكار ، وفحص وتقييم ، واقتراح مستقبلات ممكنة أو محتملة أو مفضلة " . وبشكل أكثر تحديداً ، يذكر " بيل " تسع مهام محددة للدراسات المستقبلية ، وهى(3) :
(1) إعمال الفكر والخيال فى دراسة مستقبلات ممكنة possible futures ، أى بغض النظر عما إذا كان احتمال وقوعها كبيراً أو صغيراً ؛ وهو ما يؤدى إلى توسيع نطاق الخيارات البشرية .
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59