عرض مشاركة واحدة
  #75  
قديم 12-03-2013, 08:58 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,159
ورقة

العلمانية في مصر
ـــــــــــــــــــــــــ

29 / 1 / 1435 هــ
3 / 12 / 2013 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(د. محمد هشام راغب)
-----------------


توفيق الحكيم .. صانع الأقنعة



بدأ الحكيم مقاله المشئوم عن "حياد مصر" بقوله:

" لن تعرف مصر لها راحة، ولن يتم لها استقرار . ولن يشبع فيها جائع الا عن طريق واحد: يكفل لها بذل مالها لإطعام الجائعين والمحتاجين ، وتكريس جهدها للتقدم بالمتخلفين، وتوجيه عنايتها الى الارتقاء بالروح والعقل فى مناخ الحرية والأمن والطمأنينة.. وهذا لن يكون أبدا مادامت الأموال والجهود تضيع بعيدا عن مطالب الشعب، بدافع من مشكلات خارجية ودولية تغذيها الأطماع الداخلية والشخصية .. ما هو الطريق إذن الى واحة الراحة والاستقرار وطعام المعدة والروح والعقل ؟ ..ان هذه الواحة المورقة المزدهرة اسمها " الحياد ".

نعم ... إن مستقبل مصر الحقيقى هو في حياد مثل حياد سويسرا والنمسا .. هذا الحياد الذي أنقذهما من المنازعات والتيارات التي ألقت بكثير من الدول في خضم بحار مضطربة من السياسات المتعارضة .. وقد اعترف العالم لسويسرا والنمسا بهذا الحياد، مع أن مبررات حيادهما أقل فائدة بكثير للعالم من حياد مصر".

وأنهى الحكيم مقاله بهذه العبارة الركيكة:

" فرأيي الذى أومن به وسأظل أدعو اليه، هو هذا الحياد لمصر .. هذا الحياد الضرورى لها والمفيد لأشقائها العرب .. حياد مصر الذى يجعل منها الصدر الحنون للجميع .. فلا تشعر مصر أنها فى حالة رهن دائم، وأن مصيرها ومستقبلها وكيانها مرهون فى "بنك رهونات" النزاعات والمشكلات التى تعرقل جهودها فى إطعام شعبها وفى التقدم النافع لها ولأشقائها .. إنى أعرف الصعوبات القائمة فى هذا الطريق .. فمن الأفراد والجماعات والدول من يريد زج مصر فى المعترك، ليستخدمها لمنفعته أو لمصلحة طرف ضد طرف .. ولكن المخلص الحقيقى لمصر .. والناظر النزيه بعين الفائدة إلى منطقتنا وإلى الإنسانية سيرى الحق كله فى هذا الرأي .. وإني أعرضه اليوم لينظر فيه الشرفاء المخلصون فى كل مكان .. ولن أكف عن العمل من أجله، وسأكون مع كل فرد أو حزب أو هيئة تجعله من شأنها واهتمامها وبرنامجها ..".



وفي الحقيقة إن هذه الرؤية لم تكن جديدة على توفيق الحكيم، بل عبر عنها بوضوح وقناعة أشد قبل ذلك بأربعين عاما، فقد كتب رسالة إلى الدكتور طه حسين في مجلة الرسالة بدأها بفوله:

"يا دكتور

يعنيك طبعاً أن تعلم كيف يرى الجيل الجديد عملك وعمل أصحابك، إن رسالتي إليك ليست حكماً يصدره الجيل الجديد، إنما هي تفسير لذلك العمل، لك أن تقره ولك أن تنكره. لا ريب إن العقلية المصرية قد تغيرت اليوم تحت عصاك *****ية، كيف تغيرت؟ هذا هو موضوع الكلام، إن شئون الفكر في مصر حتى قبل ظهور جيلك كانت قاصرة على المحاكاة والتقليد، محاكاة التفكير العربي وتقليده، كنا في شبه إغماء، لا شعور لنا بالذات، لا نرى أنفسنا ولكن نرى العرب الغابرين، لا نحس بوجودنا ولكن نحس بوجودهم هم..".



ثم مضى في رسالته الطويلة وقال في ثناياها:

" ومن المستحيل أن نرى في الحضارة العربية كلها أي ميل لشؤون الروح والفكر بالمعنى الذي تفهمه مصر والهند من كلمتي الروح والفكر. إن العرب أمة عجيبة، تحقق حلمها في هذه الحياة، فتتشبث به تشبث المحروم، وأبت إلا أن تروي ظمأها من الحياة وأن تعب من لذتها عباً قبل أن يزول الحلم وتعود إلى شقاوة الصحراء، وقد كان. إن موضع الحضارة العربية من (سانفونية) البشر كموضع الـ (سكِيْرتزو) من سانفونية بيتهوفن: نغم سريع مفرح لذيذ!!

لا ريب عندي أن مصر والعرب طرفا نقيض: مصر هي الروح، هي السكون، هي الاستقرار، هي البناء، والعرب هي المادة، هي السرعة، هي الظعن، هي الزخرف!" اهـ.

إن هذه المقتطفات القصيرة هي جزء من رسالة طويلة كلها تدندن حول هذا المعنى وحول ضرورة إبعاد العقلية المصرية عن فكر العرب وتراثهم وحضارتهم. إن نفرة توفيق الحكيم – أو قل احتقاره – للحضارة العربية لا يحتاج لدليل أوضح من كلماته السابقة، ونحن نعلم أن الحضارة العربية هي في حقيقتها الحضارة الإسلامية لا غير. والرجل يراها حضارة جائعة للمادة محرومة لشئون الروح وهي مفارقة عجيبة أن يصف "مفكر" الحضارة الإسلامية بهذا الوصف الجائر. من الصعب معرفة السبب في "إخفاء" توفيق الحكيم لمعتقده هذا كل تلك السنوات، إلا أن يكون المناخ السياسي في مصر قد حال دون ذلك، ثم واتته الفرصة بعد توقيع السادات معاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، وقطيعة العرب لمصر بعدها، فرآها الحكيم فرصة لإحياء فكرته القديمة التي ألح بها على الدكتور طه حسين قبل أربعين عاما.



وقد انضم اليه في ذلك الجنون من النخبة "المستنيرة"، كتيبة من "الفراعين الجدد" مثل:حسين فوزى ولويس عوض ووحيد رأفت يؤكدون ما قاله ، ويتحدثون عن الغزو العربى الإسلامى لمصر ، وعن مصر الفرعونية وحضارة 5000 سنة ..الخ. لقد حاول الحكيم وفرقته العلمانية تمرير هذا الفكر المنحرف ضد عروبة مصر من منظور علماني، فقط لاقتران التعريب بالإسلام والفتح الاسلامى. ولقد تداول كثير من الأدباء حينئذ مقولات بأن توفيق الخكيم حاول أن يقدم قرابين تقربه للترشح لجائزة نوبل قبل موته بهذه الأفكار السياسية الرامية لتغيير هوية مصر.

لقد بدا وقتها أن انحدار الرجل ما له من قرار، لكنه لم يتوقف عند هذا وأبى إلا أن يختم حياته بما هو أفظع، فنشر أربعة مقالات في الأهرام بعنوان "حديث مع وإلى الله" فيها من التجديف والتخليط والانحرافات العقدية وعدم تقدير الله تعالى حق قدره.



يتبع ...

د. محمد هشام راغب

---------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59