الموضوع: قوة الايمان
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-17-2016, 02:38 PM
د. علي محمود التويجري غير متواجد حالياً
كاتب ومفكر
 
تاريخ التسجيل: Oct 2015
المشاركات: 29
افتراضي قوة الايمان


قوة العقل و الايمان
ان صفة القوة من الصفات التي لازمت الكون و الكائنات منذ أن خلقها الله و هو الاقوى بين هؤلاء و هو مصدرها لكل ما من شأنه ان يكون قويا و لو امتلك جبروت من خلق او سيخلق على البسيطة ممن او ما خلق الله أو اقتربت قواه الى الخور من المستويات و كذلك فانها لا يمكن ان تكون مجردة من عوامل كثيرة قد تحيط بها و يبقى موضوعها موضوع شائك بحد ذاته و له تفصيل كثير ما يهمني منه فقط في هذا الفصل من الخطاب هو علاقتها بالايمان و هنا تنبثق اسئلة كثيرة منها ما الايمان و ما علاقته بالقوه و هل الامر قوة الايمان ام ايمان القوة و مرادفاتها الكثيرة مثل المؤمن و المؤمنون و المؤمنات و غير ذلك من مقتربات هذه المفردة العجيبة التي ارقتني كثيرا عندما اردت استعمالها مع العقل و قوته و السبب في ذلك هو كثرة ما يخاطب الله عز و جل المؤمنون و كذلك الناس و كثرة السؤال المرافق للتعجب في ما جاء افلا يؤمنون افلا يعقلون او تعقلون بل ان التعمق و الغور في سببية هذا الامر هو كيف لي ان اجيب على سؤال لا ادري ان سأله الكثير ممن يقرأ مقالتي هذه الا و هو كيف يتسنى لمن وهبه الله ملكوت و ملك عقل كبير و راجح في امور الحياة العلمية المختلفة و فكره يقدح في كل شيء و لكنه مع ذلك قد ضل و اضل الطريق. اين يا ترى مكامن الخلل؟ هل في لب عقله ام ايمانه فيما يؤمن ام ماذا و اين يكمن هذا الخلل الجسيم؟
و لأجل ان لا اضيع و اضيع من معي فان مقياس كلامي هنا بل و في كل ما كتبت و سأكتب و ما يفكر به او سيكتبه الاخرون هو واحد لا غير قائم على ان الاصل في اي امر مهما كان و مهما كبر و صغر و بعد و قرب هو ليس ما نفكر به او نعتقد او نؤمن به و لا ما نعيشه و تعودنا عليه فاصبح بصمات تلفنا و لا نستطيع ان نخرج منها حتى و ان رأينا كل البراهين التي تفند ما نحن عليه و لكني اقول بان الامر الاهم من ذلك كله هو امتلاكك للحقيقة و اصلها القائم على الحجج و البراهين التي لا تقبل الشك و هي كالشمس في واضحة النهار اقول بغير ذلك كل ما عداه هو تيه بتيه بضلال و هنا يجب ان نضع المقاييس الدقيقة للمحاججة سواء مع انفسنا لنقنعها او مع كائن من يكون من الأخرين لانك بدون ان تقنع نفسك فليس لك القدرة لا محال من اقناع الآخرين.
ان سمو الدافع الذي يجعلني ان اكتب عن هذا الموضوع هو ان اضع يدي مع أيدي الآخرين على الكنز العظيم و ليت ما اقول هو مال و ذهب و زمرد و ماس لأوزعه على نفسي و غيري لهمّ الجميع اليه يركضون و لكني اقسم هنا بانه أغلى و أثمن من كل مال و كنوز الدنيا ما حوت من صبابة ما يلهث وراءه لا اقول كل الناس و لكن الاكثرية منهم و له يصبحون و يمسون.
ان اروع شريحة من البشر تفكرت بهذا الموضوع هم الانبياء عليهم السلام و يشترك جميعهم في امر كيفية الوصول الى حقيقة الوجود و الايمان بالله عز وجل و تصاعد ذلك عندهم و بتثبيت و عون من الله و كلهم و هم في تصاعد لامتلاكهم حقيقة الايمان كانوا في حسرة على الذين لا يؤمنون لأن من يكسبه و بشكل صادق فقد فاز الفوز العظيم و لكن فتنة الحياة لها دور كبير في تثبيط عزائم كثير من الناس و تبعدهم عن هذا الامر و لأجل ان يرى كل واحد منا اين هو من حقيقة الايمان فيجب ان يستخدم عقله و قلبه بشكل متناسق مع ما يمكن من البراهين التي ذكرتها في مقالات سابقة ليقف وقفة تقييم من شأنها ان يعرف نفسه في اي درجة من السلم التالي للايمان:-
أن تكون مسلماَ:- فهو مجرد اطلاق الشهادتين و هذا لا يتطلب الكثير حتى لأؤلئك الذين يسلمون الى الله من غير المسلمين و بالرغم من اهمية هذه المرحلة لمثل هؤلاء فانها قد لا تشكل امر يذكر لمن ولد و اهله مسلمون و كذلك لأن مثل هؤلاء لم يصلوا الى قرار أسلامهم الا بعد تبدر كبير قد لا يملكه او لم يمر به كثير من المسلمين بالولادة او الأنتماء.
أن تكون مؤمنا:- فيجب ان تؤمن بستة امور حددتها الآية الكريمة (( لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلْكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّين)) البقرة-١٧٧ مضافا اليها ان نؤمن بالقدر و نستسلم فيه الى الله عز و جل و ان الحياء جزء من الايمان.
أن تكون محسنا:- فانك تعبد الله كأنك تراه فان لن تكن تراه فانه يراك و هي درجة متقدمة تمثل سمو التقوى و العلاقة الطيبة مع الله لان من يصل الى هذا المستوى من الايمان فأنه يدخل في معادلة درجة و مستوى خروجه من اي ضيق بسمو درجة تقواه و حضور الله امامه حيث لا يحب و يجب ان لا يراه و كذلك حيث يحب و يجب ان يراه.
ان تكون صالحا:- و هي اعلى درجات الايمان و قد ترقى الى اعلى من درجات الانبياء كما تمنى ذلك يوسف عليه السلام حين قال (( رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًۭا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ)) يوسف-١٠١ و كذلك في وضع تسلسل هذه الدرجة في المقدمة كما ورد ذلك في الآية التالية من القرآن الكريم (( وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُو۟لَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُو۟لَٰٓئِكَ رَفِيقًۭا)) النساء-٦٩ فلينظر كل واحد منا اين هو من هذا السلم الذي يحتاج توالف متناغم بين العقل و الايمان كما ورد ذلك في الآيتين التاليتين من سورة يونس عليه لسلام ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ)) ((قُلِ ٱنظُرُوا۟ مَاذَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا تُغْنِى ٱلْءَايَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍۢ لَّا يُؤْمِنُونَ)) يونس-(١٠٠-١٠١).
لكن يبقى سؤال مهم جدا الا و هو ما هي الحدود الفاصلة بين درجات الأيمان هذه اي درجة المؤمن ثم المحسن و من ثم الرقي الى اعلاها بان تكون صالحا؟ و للجواب على ذلك قد يتطلب تفصيل و امثلة كثيرة و لكن أقول و بأختصار شديد و كما قال العلماء في الأجابة عن سؤال كيف يعرف المؤمن بان الله راض عنه فكان الجواب بمقدار تعلقك بحب الله من خلال تعلقك بقراءة القرآن و الخشوع في الصلاة و الحضور الصادق لصلاة الجماعة و ملاحظة و مراقبة الله عز و جل في صغيرها و كبيرها و خير ما أختم و اقول:-
ندرس السنة النبوية الشريفة:- من مصادرها الأمينة الصادقة و من ثم الدخول في عيش تفصيلها و بدقة لغرض محاولة جادة في توليفها و تطبيقها في كل مناحي الحياة التي نعيشها قدر ما نستطيع و نعمل على ان نتقدم في ذلك مع تقادم اعمارنا الى ان نلقى الله سائليه ان يتقبلنا في الفردوس الاعلى من الجنة مع محمد عليه الصلاة و السلام و آل بيته الأطهار و صحابته الكرام و مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اؤلئك رفيقا.
ان نعيش القرآن:- و كأنه يتكلم منا و فينا و معنا فتكون جل افكارنا و احاديثنا و اعمالنا متبعة له و خير ما نضعه من مقياس و من القرآن نفسه و ان كان كله صومعة الهوى و العشق للمؤمنين المحسنين الصادقين اقول بأن نختار الآيات الأولى من سورة المؤمنون ((قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ. ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ. وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ. وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ. إِلَّا عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ. وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَٰنَٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ. وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمْ يُحَافِظُونَ. أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ. ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ)) احد عشر آية فلنعيشها و نطبقها قدر ما نستطيع و هل بعد الفردوس من مطلب يسمو فوق ذلك؟ فليس بعدها اقرب الى الله و الخلود في نعيم ما بعده نعيم.
فلينظر كل واحد منا اين هو من هذه الدرجات و ليعمل مركزا عقله و قلبه و كل جوارحه ليعرف موقعه و درجته منها و في ذلك فليتنافس المتنافسون
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59