عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-06-2014, 06:04 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,134
ورقة تضييق الاحتجاج بالسنة النبوية


مسالك المعاصرين في تضييق الاحتجاج بالسنة النبوية**
ــــــــــــــــــــــــــــ

10 / 10 / 1435 هــ
6 / 8 / 2014 م
ــــــــــــ

الاحتجاج _7351.jpg

البحث: من مسالك المعاصرين في تضييق الاحتجاج بالسنة النبوية: تقسيم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية- عرض ونقد–(*)

إعداد: محمد رمضاني

ــــــــــ

فقد اتفقت كلمة المسلمين على أن السنة النبوية مصدر أصيل من مصادر التشريع الإسلامي، يستنبط منها الأحكام الشرعية والآداب المرعية والحكم والمعارف والعلوم، لكونها وحيٌ أوحاه الله إلى خاتم أنبيائه محمد- صلى الله عليه وسلم-.

لكن رغم هذه الحقيقة اليقينية؛ إلا أن خصوم السنة وأعداءها أوجدوا مسالك وطرائق حاولوا من خلالها أن يطعنوا في حجية السنة النبوية ويضيِّقوا من دلالتها في تشريع الأحكام، بدعوى أن جزءا وافرا منها إنما صدر منه- صلى الله عليه وسلم- لا على وجه التشريع لأمته، وحُصِرَ هذا الجزء في ما خرج على سبيل التجربة أو ما تعلق بأمور الدنيا، كاللباس والأكل والنوم، وأمور المعايش كالزراعة والصناعة، وما توصل إليه الناس بتجاربهم الخاصة كالطب والعلاج والشؤون العسكرية ...وغيرها.

فكل ما تعلق بهذه الأمور مما صدر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- من الأقوال؛ إنما هو من اجتهاداته، ومن تصرفاته العادية النابعة أصلاً من بشريته، فلا يقتدى به فيها، ولا يتعلق بها تشريعٌ، ولا تدخلُ في مسمَّى الدين؛ لأنها حسب هذا الاتجاه من باب الرأي والإرشاد لا أكثر.

ولعلَّ الملفت هنا أن أول من أَصَّل لهذا المسلك هم بعض أفاضل المنسبين للعلم، غير أن خصوم السنة من العقلانيين والحداثيين استغلوا هذا الأمر فوسعوا من دائرة السنة غير التشريعية، وجعلوا هذا المسلك تكأة في تضييق الاحتجاج بمصدر التشريع الثاني في الإسلام.

وفي هذا البحث يستعرض الباحث هذا الرأي، ويكشفَ نصوص منظريه، متبعا ذلك بالتحليل والمناقشة على ضوء الأصول العلمية والقواعد الشرعية، وجاء ذلك في نقطتين رئيسيتين:

1- عرض لنصوص أصحاب هذا المسلك:

تحدث الباحث عن أول من أصَّل لهذا الاتجاه بتقسيم السنة النبوية إلى تشريعية وغير تشريعية، وعرض لنصوصهم في هذا الأمر، فعرض لكلام الشيخ ولي الله الدهلوي- رحمه الله -، في كتابه حجة الله البالغة، حين قَسَّم أحاديث النبي- صلى الله عليه وسلم-. ثم تبع ذلك بما ذكره الشيخ رشيد رضا بشأن هذا الأمر.

ويتلخص هذا الموقف بتقسيم السنة إلى قسمين:

الأول: ما سبيله تبليغ الرسالة، كعلوم المعاد وعجائب الملكوت، والشرائع والعبادات، وبيـان الأخلاق الصالحة وأضدادها وفضائل الأعمال... وكل ما مستنده الوحي.

أما الثاني: فما ليس من باب تبليغ الرسالة، مثل أحاديث الطب، وما مستنده التجربة.

كما عرض الباحث لما قاله الشيخ محمود شلتوت بشأن هذا التقسيم، حيث عقد بحثا في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) بعنوان: السنة تشريع وغير تشريع، قسَّم فيه كلَّ ما ورد عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أقوالٍ وأفعالٍ وتقريراتٍ، إلى سنةٍ تشريعيةٍ وسنةٍ غير تشريعيةٍ، وجعل تحت القسم الثاني: كل ما سبيله الحاجة البشرية، كالأكل والشرب والنوم والمشي والتزاور، والمصالحة بين شخصين بالطرق العرفية..الخ

كما عرض لرأي فهمي هويدي والدكتور محمد عمارة وغيرهم ممن انتصروا لهذا الرأي، ومن الأسماء التي بين مواقفها بخصوص النص النبوي وتقسيمه إلى سنة تشريعية وأخرى غير تشريعية محمود أبو رية وهو متشيع له مآرب مما يتفوه به.

2- ضبط معنى التشريع وبيان اللبس الواقع فيه:

تحت هذا العنوان أخذ الباحث في بيان المعنى الصحيح للتشريع لا كما فهمه من قسّم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية، حيث فهم هؤلاء أن التشريع يعني الإلزام وهو الأمر الذي وضحه الباحث ودلل عليه من خلال كتاباتهم.

وهو فهم خاطئ؛ لأن التشريع في مفهومه الشرعي أشمل من هذا المعنى الضيق الذي تَخَيَّرَه هؤلاء لهذه المصطلح، إذ التشريع في معناه عند العلماء هو "الحكم الشرعي لكل فعل من أفعال المكلفين سواءٌ كان الحكم هو الوجوب أم الحرمة أم الندب أم الكراهة أم الإباحة".

فعلى ضوء هذا لا يختص الشرع أو التشريع بجانب الإلزام فحسب؛ بل يعمه وغيرَه من الأحكام التكليفية والوضعية. فَمِنَ الخِطابِ أو الحكمِ- سواءٌ كان قرآنًا أو سنةً- ما هو ملزمٌ، ومنه ما هو غير ملزمٍ، وذلك لأن كلا من ذلك حكم؛ والحكم لا يكون إلا لله تعالى وحده.

وعليه بين البحث أن هذا الأمر يفتح بَاب شرٍّ عظيم على مصدر من مصادر التشريع الأصلية التي تُستقى منها الأحكام؛ ألا وهي السنة الشريفة، ويبيح لكل أحدٍ أن يأتي فيلغي من السنة ما لا يتوافق مع هواه، بحجة أن ما ألغاه وردَّهُ ليس من السنة التشريعية.

ثم أخذ الباحث في تفنيد ما استدل عليه هؤلاء من نصوص وبيان ما فيها من ضعف ووهن لا يقوى على تصحيح ما ذهبوا إليه.

الخاتمة:

وخلص الباحث من بحثه إلى أنه بعد دراسة مسلك تقسيم السنة إلى "تشريعية" و"غير تشريعية"، وتحليله ومناقشته؛ يتبين بجلاء أن هذا التقسيم غير صحيح- بذلك الاعتبار المذكور-، وهو محدثٌ تردُّه الأصول العلمية، وتقريره له آثاره الوخيمة على مصدر التشريع الثاني، بل على الشريعة بأكملها؛ لأن من لوازمه ردُّ كثير من الآداب والأحكام الشرعية المستنبطة والمستقاة من الأحاديث النبوية المندرجة تحت ما اعتبره أصحاب هذا المسلك غير تشريعيٍّ، وهذا ما حدث فعلا حيث تبنى كثيرٌ من الحداثِيِّينَ والعقلانيين ذلك الرأي، وأبدؤوا فيه وأعادوا، ووسعوا من الجزء غير التشريعي- بزعمهم- منها، وساعدهم على ذلك خفاء ضابط التفريق بين ما هو تشريعي، بل لا نكون مبالغين إن قلنا: إنه غير موجود بالمرة، لأن هذا التفريق غير قائم إلا في تصورات هؤلاء وأذهانهم.

والحديثان اللذان استدل بهما أصحاب هذا المسلك على نظريتهم في تقسيم السنة إلى "تشريعية" و"إرشادية" أحدهما ضعيف لا تقوم به الحجة، والآخر لا حجة فيه كما تقدم. والعلم عند الله

ــــــــــ

(*) بحث مقدم للمشاركة في مؤتمر النص الشرعي بين الأصالة والمعاصرة الذي تعقده الجمعية الأردنية للثقافة المجتمعية.
ـــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59