عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-20-2013, 12:51 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي الجوهـر اليهودي



Jewish Essence
«الجوهر» هو مجموعة الخصائص الثابتة فيظاهرة ما أو هو ما لا يتغيَّر بتَغيُّر المكان أو الزمان. وفكرة الجوهر اليهوديالخالص (الثابت) هي فكرة كامنة وراء عديد من المفاهيم والمصطلحات والنماذجالتفسيرية المُستخدَمة في دراسة الجماعات والعقائد اليهودية، مثل: «التاريخاليهودي»، و«الشخصية اليهودية»، و«العبقرية اليهودية»، و«الجريمة اليهودية»،و«الشعب اليهودي»، و«العرْق اليهودي»، و«الإثنية اليهودية». فكل هذه المصطلحاتتفترض وجود هذا الجوهر اليهودي الخالص الثابت الذي يجعل من يهودية اليهودي النقطةالمرجعية الأساسية لتفسير سلوكه. أما العناصر غير اليهودية، مثل السياق الحضاريالإنساني الذي يوجد فيه أعضاء الجماعات اليهودية، أو حركيات المجتمعات التي ينتمونإليها، أو تفاعلهم مع أعضاء الأغلبية، بل والعناصر الإنسانية المشتركة مع بقيةالبشر، فهي عناصر يُفترَض فيها أنها عَرَضية تنتمي إلى السطح ولا تفيدنا كثيراً فيتفسير الظواهر اليهودية، حيث يتم تفسير هذه الظواهر من الداخل فقط.

ففيحالة دراسة تاريخ يهود بولندا، على سبيل المثال، يتم التركيز على ما جاء في التوراةوالتلمود وعلى الحياة داخل الشتتل، ولا يظهر العالم الخارجي غير اليهودي إلا علىهيئة هجمات ومذابح ضد اليهود أو تسامح معهم. ولكل هذا، تبدو حياة أعضاء الجماعاتاليهودية وكأنها لا علاقة لها بحياة كل البشر، وتختلف تماماً عن حياة الأقلياتالأخرى. ويَبرُز الجوهر اليهودي باعتباره محركاً أساسياً للأحداث. وغني عن الذكر أنالمعادين لليهود يتبنون النموذج نفسه ويرددون، على سبيل المثال، أن عزلة اليهود هيتعبير عن جوهرهم الانعزالي، وأن اشتغالهم بالتجارة تعبير عن نزوعهم الطبيعي إلىالاشتغال بأمور المال، وأن اتجاههم نحو الصحافة الإباحية هو تعبير عن نزوعهم الأزلينحو الشر.

وهذا النموذج التفسيري الذي يفترض وجود الجوهر اليهودي، هو نموذجصهيوني بشكل واع أو غير واع حيث إن كلاًّ من الصهاينة والمعادين لليهود يُسقطون عناليهود إنسانيتهم ولا يرونهم بشراً يتسمون بالقدر نفسه من الخير والشر الذي تتسم بهبقية البشر. لكن مفهوم الجوهر اليهودي هو تعبير عن نموذج اختزالي عنصري، مقدرتهالتفسيرية منخفضة للغاية، إذ أنه يستبعد كثيراً من تفاصيل الواقع ومستوياته وبنيته. فلا يمكن فهم وضع اليهود في بولندا إلا بالعودة إلى حركيات التاريخ البولنديابتداءً من تَوسُّـع بولندا وضمها أوكرانيا، مروراً بظهور الإمبراطوريات الثلاثالمجاورة لبولندا (روسيا وألمانيا والنمسا)، وانتهاءً بتقسيم بولندا. كما لا يمكنفهم الشتتل إلا في ضوء نظام الأرندا البولندي الذي كان يخدم مصالح طبقة النبلاءالبولنديين (شلاختا). كما أن علاقة يهود بولندا بمجتمعهم لا تختلف كثيراً عن علاقةأية أقلية بالأغلبية التي تعيش بينها.

وقد يكون هناك بعض الأنماط المتكررةوالسمات المشتركة التي تسم وجود كثير من الجماعات اليهودية. ولكن هـذه السمات ليستأساسية، وبالتالي فإن مقدرتها التفسيرية ضعيفة. وهذه السمات مرتبطة بعشرات التفاصيلوالسمات الأخرى النابعة من البيئات المختلفة التي يوجد فيها أعضاء الجماعاتاليهودية. وإذا كانت ثمة سمة أو سمات أسـاسـية متكررة في معظم الجماعات اليهودية،فهي اضطلاعهم بدور الجماعة الوظيفية وتَصاعُد الحلولية الكمونية داخل النسق الدينياليهودي. وهاتان السمتان ذاتهما تأخذان أشكالاً مختلفة. فهناك جماعة وظيفية قتاليةاستيطانية في جزيرة إلفنتاين في مصر الفرعونية، وهناك جماعة وظيفية استيطانية فيقبرص العثمانية، وجماعة وظيفية وسيطة في أوربا حتى عصر النهضة. وهذه السمة بالذاتليست مقصورة على أعضاء الجماعات اليهودية وإنما هي سمة مشتركة تجمع بينها وبينأقليات أخرى (مثل الصينيين في جنوب شرق آسيا).

وفيما يتصل بتَصاعُدالحلولية الكمونية داخل النسق الديني اليهودي وهيمنتها عليه تماماً، حتى أصبحتاليهودية، في معظم أنحاء العالم، ديانة حلولية كمونية واحدية، فهذا بدوره ليسمقصوراً على اليهودية وإنما هو تعبير عن نمط أكثر عمقاً وكموناً، إذ يُلاحَظ أنالعقيدة المسيحية أيضاً قد بدأت تهيمن عليها الحلولية الكمونية بعد حركة الإصلاحالديني. كما أن لاهوت موت الإله (وهو تعبير عن حلولية كمونية بدون إله) هو اتجاهديني طالما ساد في المجتمعات العلمانية الغربية، وليس أمراً مقصوراً على اليهودية.

طبيعـــــة اليهــــــود
The Nature of the Jews
«طبيعةاليهود» عبارة تتواتر في كثير من الدراسات التي تُكتَب عن الجماعات والعقائداليهودية، وتفترض أن ثمة جوهراً يهودياً كامناً في أي يهودي يُعبِّر عن نفسه منخلال «طبيعة يهودية» ويتجلى في العقائد اليهودية ويحدِّد رؤية اليهود للواقعوسلوكهم. ولذا، فإن أعضاء الجماعـات اليهودية ـ حسب هذا المفهوم ـ يعملون بالتجارةوالربا والأمور المالية بسبب طبيعتهم، وهم يعيشون في عزلة ويرفضون الاندماج للسببنفسه. لكن هذا المفهوم تعبير عن نموذج تفسيري اختزالي عنصري يتبناه الصهاينةوالمعادون لليهود، ويُبْرز اليهود كتجمع بشري يتمتع بقدر عال من الوحدة والاستقلالوله حركيات مستقلة عن بقية البشر. وغني عن القول أن هذا المفهوم يُفسِّر الواقع كلهبصيغة واحدة بسيطة جاهزة، ومن ثم فهو يتجاهل واقع أعضاء الجماعات اليهوديةالمُركَّب غير المتجانس، وهو واقع لا يخضع لقانون عام ولا ينضوي تحت نمط متكررواحد.

الأخلاقيـــات اليهوديــــة
Jewish Ethics or Morality
«الأخلاقيات اليهودية» عبارة تفترض أن ثمة أنماطاً سلوكية يهودية متكررةتُعبِّر عن جوهر يهودي وطبيعة يهودية وشخصية يهودية تنعكس في رؤية أخلاقية محددة. وهي أنماط متكررة باعتبار أن هذه الأخلاقيات ثابتة لا تتغيَّر، وأينما وُجد يهود فيأي زمان ومكان فإن المتوقع أن يسلكوا السلوك اللاأخلاقي نفسه الذي ينم عن الرغبة فيتحطيم الآخرين والتآمر ضدهم. وبسبب هذه الأخلاقيات اليهودية المزعومة، يتسم سلوكاليهود بحب العزلة عن الآخرين وعدم الولاء للدولة والانحلال الجنسي، كما أنهم لهذاالسبب ينخرطون بأعداد كبيرة في المحافل الماسونية وينضمون إلى صفوف دعاة العلمانيةالشاملة، كما أنهم عادةً ما يعملون بالتجارة والربا والأعمال المالية. ومصدر هذهالأخلاقيات، حسب هذه الرؤية، هو كتب اليهود المقدَّسة كالعهد القديم والتلمود،ويُضاف إلىها الآن بروتوكولات حكماء صهيون، وهي كتب تعبِّر عن طبيعتهم وجوهرهم. لكنهذا النموذج التفسيري متهافت تماماً، فسلوك اليهود يختلف باختلاف الزمان والمكان. ومن هنا يجري حديثنا عنهم، لا باعتبارهم أعضاء شعب يهودي، وإنما باعتبارهم أعضاءجماعات يهوديـة.

ومن المعروف أن أعضاء الجماعــة اليهودية لم يعزلوا أنفسهمفي بابل ولا في الجزيرة العربية قبل الإسلام، ولا في إسبانيا الإسلامية، بل اندمجواإلى حدٍّ كبير في محيطهم الحضاري. أما في آشـور والصين، فقد انصهروا تماماً. وكانالعبرانيون القدامي بدواً رُحلاً، وعملوا بالزراعة (وليـس بالتجارة أو الربا) حيناسـتقروا في كنعان. وكذلك، فإن ولاء يهود ألمانيا في القرن التاسع عشر لدولتهم كانكاملاً إلى درجة أن نسبة مئوية ضخمة منهم تَنصَّرت حتى أنهم أصبحوا جزءاً لا يتجزأمن الشعب الألماني. كما أن ولاء الأمريكيين اليهود للولايات المتحدة من القوة بحيثإنهم يموتون من أجلها. أما عداء اليهود للأغيار فإنه ليس مطلقاً، فقد ساعدواالمسلمين في الفتح الإسلامي، سواء في فلسطين أو في إسبانيا. كما أن انحلالهم الجنسيغير مطلق أيضاً، فظاهرة الطفل اليهودي غير الشرعي أو البغيِّ اليهودية كانت غيرمعروفة تقريباً في أوربا حتى منتصف القرن التاسع عشر. وأما الماسونية والعلمانية،فإن اليهودية الأرثوذكسية تعاديهما بشراسة، وهكذا. ولا يصعب على أي دارس مُتحيِّزأن ينتقي مجموعة من التفاصيل والقرائن مُنتزعة من سياقها الزمني والمكاني للتدليلعلى أية مقولة عامة، كأن يأخذ قرينة من المدىنة أيام الرسول علىه الصلاة والسلام،وأخرى من إسبانيا أثناء الغزو المسيحي، وثالثة من روسيا في القرن التاسع عشر، ثميستخدمها جميعاً لإثبات مقولة ما مثل « عدم ولاء اليهود » متجاهلاً كل القرائنالأخرى، كتلك التي ذكرناها.

والصورة العامة التي ترسخت في أذهان الكثيرينعن أعضاء الجماعات اليهودية تعود ولا شك إلى الرؤى الإنجيلية الخاصة بالشعب المختارالذي لا يسلك سلوكاً حراً وإنما يُعبِّر دائماً عن قصد إلهي. كما أن اضطلاع أعضاءالجماعات اليهودية بدور الجماعة الوظيفية الوسيطة في الغرب، ساهم في ترسيخ هذهالصورة الإدراكية. فالجماعات الوسيطة لا تدين بالولاء للأغلبية، وتستخدم عادةًالمعايير الأخلاقية المزدوجة باعتبار أن أعضاء الجماعة يتمتعون بالقداسة، أما أعضاءالأغلبية فهم مباحون لا قداسة ولا حرمة لهم. ولكن المصدر المباشر لهذه الصورةالسلبية للأخلاقيات اليهودية هو يهود اليديشية في مرحلة ضعفهم وتَفسُّخهم في العقودالأخيرة من القرن التاسع عشر حتى ثلاثينيات القرن العشرين، إذ تركزت نسبة كبيرةمنهم في تجارة البغاء حتى أصبحت شخصية القواد اليهودي والبغي اليهودية أمراًشائعاً. كما أن نســبة المهاجرين منهم كانت مرتفعة للغاية. والمهاجر في كثير منالأحيان، شخصية غير منتمية لا ولاء لها، كما أن معدلات العلمنة بين المهاجرينمرتفعة للغاية. وهكذا، فإن الصورة العنصرية النمطية السائدة عن الأخلاقيات اليهوديةقد يكون لها أساس واقعي، ولكنها تنتمي إلى زمان ومكان محدَّدين، كما أنها فقدتكثيراً من فعاليتها إذ اختفى يهود اليديشية تقريباً وظهرت أنماط سلوكية جديدة بينأعضاء الجماعات.

وتنتشر فكرة الأخلاقيات اليهودية بين المعادين لليهود،ولكنها شائعة أيضاً بين الصهاينة الذين يعطونها مضموناً إيجابياً. فالأخلاقياتاليهودية تعبير عـن العبقرية اليهودية التي تجعل من اليهودي مبدعاً قادراً علىالتماسك الاجتماعي، محباً لقومه وقوميته اليهودية وأرضه... إلخ. وغني عن القول أنرؤية المعادين لليهود لا تختلف في بنيتها عن رؤية الصهاينة، فاليهود في نظرهم هماليهود، يسلكون دائماً السلوك نفسه أينما وُجدوا.

الماديــــةاليهوديــة
Jewish Materialism
لمصطلح «المادية» معنيان:

1
ـالمعنى الفلسفي: الإيمان بأن العالم كله مادة تتحرك وأن كل ما يبدو وكأنه ليس مادة (العقل والروح والنفس والفكر والوعي) إنما هو في واقع الأمر مادة ويمكن تفسيره منخلال مقولات مادية، وأن كل الظواهر الإنسانية العقلية والروحية ما هي إلا جزء منبناء فوقي يمكن أن يُرَد في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير إلى المادة (البناءالتحتي). وأن كل شيء في الكون يمكن تفسيره تفسيراً مادياً لأن كل التغيرات لها سببمادي. ولذا، فإن التفسيرات المادية هي التفسيرات الوحيدة الممكنة، كما أن العقلالإنساني ليست له أية فعالية سببية ولا علاقة له بحركة الكون الذي يتحرك بذاته،والكون لا يوجد فيه غرض ولا سبب ولا هدف ولامعنى ولا يوجد إله ولا غيب (وراءالطبيعة)، فالمادة وحركتها أزليتان ولا يوجد سبب أو محرِّك أوَّل. وقد تتغير أشكالالظواهر المادية وقد تتبدل تجلياتها ولكن المادة لا تُخلَق ولا تُستحدَث من العدم،ولا توجد حياة أزلية سوى المادة.

2
ـ المعنى الدارج: وهو حب النقود (التييشار إليها على أنها «مـادة»). فيُقال «فلان مادي» بمعنى أنه يحب المال حباً جماً.

والمدلولان قد يغطيان رقعة مشتركة، فالإنسان المادي (بالمعنى الفلسفي) قديكون محباً للمال، والمحب للمال قد يكون مادياً بالمعنى الفلسفي، ولكنهما على أيةحال مختلفان، فالمادية بالمعنى الفلسفي رؤية شاملة للكون تغطي علاقة الإنسانوالطبيعة والإله، أما المادية بالمعنى الدارج فهي تنصرف إلى جانب واحد في الطبيعةالبشرية وهو حب المال.

وإذا نظرنا إلى عبارة «المادية اليهودية» بالمعنىالفلسفي، فإننا سنواجه صعوبات بالغة، فاليهودية عقيدة دينية يؤمن كثير من أتباعهابالإله واليوم الآخر والملائكة والشياطين والثواب والعقاب، ومن ثم لا يمكن الحديثعن المادية اليهودية بهذا المعنى. ومع هذا، يمكن من قبيل التحفظ أن نقول إن الطبقةالحلولية الكمونية داخل التركيب الجيولوجي اليهودي التراكمي تتبدَّى (في مرحلة وحدةالوجود) في شكل رؤية مادية، كما أنها تخلق لدى المؤمن تَقبُّلاً للفكر الماديبالمعنى الفلسفي. ولعل هذا يفسر ظهور النزعات المشيحانية التي عادةً ما تصبح حركاتعدمية بالمعنى الفلسفي، كما يفسر ظهور كثير من الفلاسفة الماديين من أصل يهودي (منأهمهم إسبينوزا وماركس).

ويمكننا الآن تَناوُل عبارة «المادية اليهودية»بالمعنى الدارج. وهنا أيضاً لا يمكننا أن نتحدث عن أعضاء الجماعات اليهوديةالمختلفة في كل زمان ومكان باعتبار أنهم محبون للمال حباً جماً. ومثل هذه المقولاتالتحليلية معادية لليهود وصهيونية في آن واحد لأنها تفترض وجود جوهر يهودي واحد لايتغيَّر بتَغيُّر الزمان والمكان.

والدراس لتواريخ الجماعات اليهوديةسيكتشف أن حب اليهود للمال لا يختلف في معدله كثيراً عن حب أعضاء الأغلبية له. فيهود الجزيرة العربية قبل الإسلام كانوا يتصفون بصفات الكرم والسخاء (إلى درجةالتبذير)، شأنهم في هذا شأن العرب في عصرهم، بينما نجد أن يهود الولايات المتحدةيتصفون بأنهم أكثر حرصاً وتقتيراً، وهذا جزء من ميراثهم البروتستانتي التعاقدي الذييؤكد على قيم التقشف الذي يؤدي إلى التراكم المالي (المادي). وكان كثير من يهود شرقأوربا من يهود اليديشية يتهمون اليهود الأمريكيين بالبرود والحرص الزائد، وهذا يعودإلى أن يهود شرق أوربا جاءوا من مجتمعات شبه زراعية ومن خلفية سلافية لا تعرفالتقتير والتراكم أو لا تشجعه (على عكس اليهود الأمريكيين من أصل ألمانيبروتستانتي)

ومع هذا، يمكن القول بأن أعضاء الجماعات اليهودية في الغربيميلون، أكثر من غيرهم، إلى جمع المال ومراكمته. ولكن هذا لا يُفسِّره يهوديتهموإنما يُفسِّره أنهم أعضاء في جماعات وظيفية لابد أن تقوم بمراكمة الخبرات والأموالوأن تمارس قدراً عالياً من ضبط النفـس في عمـليات الاسـتهلاك (وشـيلوك مثل جيد علىذلك). والدارس للجماعات الوظيفية (خصوصاً الوسيطة)، سيجد أن أعضاءها (يهوداً كانواأم باكستانيين أو صينيين) يتسمون بالصفات نفسها تقريباً. والصينيون في وطنهم غيرمعروفين بالبخل أو الحرص الشديدين، ولكنهم حينما تحولوا إلى جماعات وظيفية، أصبحوا «ماديين» يحبون المال حباً جماً. والباكستانيون مشهورون بكرمهم الزائد في بلدهم،بينما نجد أن البريطانيين (المعروفون بحرصهم البالغ) يتهمون الباكستانيين المقيمينفي بلادهم بأنهم بخلاء.

تهـــــويد المجتمـــــع
Judaization of Society
«تهويد المجتمع» عبارة استخدمها ماركس في كتابه المسألة اليهودية، وهيتفترض وجود جـوهر يهودي ثابت، له ملامـح مـعينة، يتم تعميمه على المجتمع، الأمرالذي يتناقض مع فكر ماركس، ولذا فالأمر يتطلب قدراً من التعمق. وقد يكون من المفيدألا نبدأ بالجوهر اليهودي وإنما بالإنسان الوظيفي، عضو الجماعة الوظيفية، الذي يدخلفي علاقة تعاقدية نفعية باردة مع مجتمع الأغلبية، ولا يكترث بقيم المجتـمع ويعيـشعلى هامشـه أو في مسامه. هذا النمط الإنساني كان مُهمَّشاً، شأنه في هذا شأنالجماعة الوظيفية. ولكن مع تحوُّل المجتمعات الغربية (ثم بقية المجتمعات في العالم) من الزراعة إلى الصناعة تم إشاعة نموذج الإنسان الوظيفي. وقد وصف كارل ماركس هذهالعملية بدقة بالغة في البيان الشيوعي في إطار حديثه عن دور البورجوازية الثوري فيالتاريخ، تلك البورجوازية التي سحقت تحت أقدامها جميع العلاقات الإقطاعيةوالبطريركية والعاطفية، ولم تُبق أية صلة بين الإنسان والإنسان إلا صلة المصلحةالجافة والدفع الجاف نقداً وعداً. وأغرقت الحمية الدينية وحماسة الفرسان ورقةالبورجوازية الصغيرة في مياه الحساب الجليديةالمشبعة بالأنانية، وجعلت الكرامةالشخصية مجرد قيمة تبادل لا أقل ولا أكثر، وقضت على الحريات الجمة، المُكتسَبةوالممنوحة، وأحلَّت محلها حرية التجارة وحدها، هذه الحرية القاسية التي لا تُشفقولا تعرف الشفقة أو الرحمة. فالمجتمع البورجوازي مجتمع تعاقدي تحل فيه قيمة التبادلمحل القيم الإنسانية كافة، ويُعرِّف البشر في ضوء نفعهم وتسود فيه النظم المعرفيةوالاقتصادية والأنانية التعاقدية. وقد أشار ماركس إلى التجربة الرأسمـالية (البروتسـتانتية) الكـبرى في أمريكا الشـمالية بقوله: "إن مامون (إله المال) هوالوثن الذي يعبدونه هناك بجميع قوى أجسادهم وأرواحهم. فالأرض في نظرهم ليست سوىبورصة وهم موقنون بأنهم لا مصير لهم في الحياة الدنيا سوى أن يصبحوا أغنى منجيرانهم. لقد استولت المتاجرة على جميع أفكارهم وليس لديهم تسلية أخرى سوى تبديلأمتعتهم"، وهم "لا يتحدثون إلا عن المنفعة والربح" و"النبوءة الدينية أصبحت سلعةتجارية".

ورغم أن اليهود لم يكونوا وحدهم الضالعين في هذه العملية (كمايعرف ماركس تماماً) إلا أنه وصفها بأنها عملية «تهويد». وحتى نفهم هذا التعميمالماركسي الكاسح، يجب أن نشير إلى أن ماركس كان يرى أن روح الرأسمالية مُستمدة مناليهودية (لا البروتستانتية كما قال فيبر). ولعله كان يعني أن النموذج المعرفيالذري المتفتت الأناني الذي يُشكِّل جوهر الرأسمالية - في نظره - يوجد في اليهوديةبشكل أكثر تبلوراً منه في المسيحية ("جوهر اليهودية هو المتاجرة وأساسها المنفعةالعملية والأنانية" - "تحتوي اليهودية على عنصر عام ومناهض للمجتمع"). وسيادة النمطالمعرفي الكامن في اليهودية يعني في واقع الأمر الانتصار الكامل للرأسمالية. واليهودي، بالنسبة إلى ماركس، هو سيِّد السوق المالية، وبواسطته أصبح المال (إلهإسرائيل الطماع) قوة عالمية، وأصبحت الروح العملية اليهودية هي الروح العمليةللشعوب المسيحية.

ويمكن القول بأن ماركس كان لا يفرِّق بين كلمة «يهودي» و«تاجر»، ومن ثم نجده يقرن بشكل ضمني بين "اليهودي" من جهة و"التاجر" و"البروتستانتي" من جهة أخرى وبين "اليهودية" من جهة و"المتاجرة" و"المنفعةالعملية" و"الأنانية" من جهة أخرى. فهو يقول: "التبادل التجاري هو الإله الحقيقيلليهود وأمامه لا ينبغي أن يعيش أي إله آخر" - "المال هو إله إسرائيل الطماع ولاإله سواه" - "لقد أصبح المسيحيون يهوداً" أي بورجوازيين. وتاريخ التحوُّل التدريجيللمجتمـعات الغربية وهـيمنة العـلاقات البورجوازية التعاقدية هو في واقع الأمرتاريخ التهويد التدريجي لأوربا، وهو أيضاً تاريخ علمنة إله إسرائيل وتحويله إلى إلهالعالم، فالبنكنوت (الرب العملي لإسرائيل) أصبح رب العالم الغربي الرأسمالي. وهذاالترابط العضوي بين اليهودية والبورجوازية هو الذي أدَّى إلى ظهور قومية اليهودالوهمية وقومية التاجر وقومية رجل المال (وربما كانت هذه الملاحظات هي أساس مفهومأبراهام ليون عن الطبقة/الأمة). ومن ثم "لن يُحرِّر المجتمع نفسه إلا بتحرُّره منالمتاجرة والمال، وبالتالي من اليهودية الواقعية"، وحين "ينجح المجتمع في إلغاءالجوهر العملي لليهودية، [أي] المتاجرة وشروطها، عندئذ يصبح وجود اليهوديمستحيلاً".

لقد حوَّل ماركس الكينونة اليهودية إلى وظيفة، ومن ثم يمكنناالحديث عن "التاجر" و"اليهودي" باعتباره «الإنسان الوظيفي». والسمات الأساسية لهذاالتاجر/اليهودي/الوظيفي هي أنه إنسان مجرد، يوجد خارج إطار العلاقات الأوليةالمُتعيِّنة، ويدخل في علاقة تعاقدية محايدة وباردة مع أعضاء المجتمع، وتم تعريفهفي إطار وظيفته أو دوره الوظيفي لا في إطار إنسانيته المُتعيِّنة، أي أنه إنسان ذوبُعد واحد، مُتشيِّئ، مُتسلِّع، لا قداسة له، يدور في إطار المرجعية النهائيةالمادية وفي إطار نموذج الطبيعة/المادة (وهذه هي السمات الأساسية لعضو الجماعةالوظيفية). ومن ثم، فإن تهويد المجتمع يعني في واقع الأمر تحويل كل أعضاء المجتمعإلى مادة بشرية تُوظَّف وتحوسل، وتعني سيادة النظم المعرفية والاقتصاديةالبورجوازية إحلال المجتمع التعاقـدي الذري المُفتَّت المبني على الأنانية (جيسيلشـافت) محل المجتمع العضوي المترابط التقليدي (جماينشافت).

وقد قامماركس بعملية التعميم الكاسحة هذه وهو واع لها تمام الوعي، ولذا فهو كان يتحدث عن «تهويد المجتمع» باعتباره مجازاً كاشفاً، وليس باعتباره حقيقة إمبريقية. فماركس لميكن يُفكر في اليهودي وإنما في الإنسان الوظيفي، أي الإنسان الذي يتوحَّد تماماً معوظيفته ويفقد إنسانيته وينظر للآخرين باعتبارهم وظيفة (مصدر ربح - مصدر متعة) فيفقدهم إنسانيتهم المركبة.

وماركس لا يختلف كثيراً عن كثير من المفكرينالاشتراكيين أو علماء الاجتماع الغربي. فألفونس توسينيل يُحذِّر قُراءه من أنهيستخدم كلمة «يهودي» لا بمعناها الشائع وإنما بمعنى «مصرفي» أو «مراب» أو «تاجر». ومن قبله تحدَّث شكسبير عن تاجر البندقية وهو يعني في واقع الأمر "يهودي البندقية". ويتحدثون في أدبيات علم الاجتماع الغربي عن الصينيين باعتبارهم "يهود جنوب شرقآسيا" واللبنانيين باعتبارهم "يهود أفريقيا"، وهكذا. كما يشيرون إلى "المهن والحرفاليهودية"، أي المهن والحرف التي عادةً ما يقوم بها أعضاء الجماعات اليهودية. وكلهذه الاستخدامات تبيِّن أن المعنيَّ هو «الإنسان الوظيفي» وليس «اليهودي»، ولكنيُطلَق عليه «اليهودي» من باب إطلاق الجزء على الكل.

ولتوضيح وجهة نظرنايمكن أن نضرب مثلاً عكسياً، أي حين يُطلَق على اليهودي اسماً غير اسمه، فيُلاحَظ أنكثيراً من المهاجرين العرب واليهـود إلى أمريكـا اللاتينية يضطلعون بدور الجماعةالوظيفية، ولكن بدلاً من أن يُطلَق على العربي عضو الجماعة الوظيفية كلمة «يهودي» يحدث العكس إذ يُطلَق على كل من اليهود والعرب - كجماعة وظيفية - لفظة «لوس توركوس los turquos» الإسبانية، أي «الأتراك». ويُسمَّى تجار بعض دول شرق أوربا (بغض النظرعن انتمائهم الإثني الفعلي) «اليونانيون» أو «الأرمن». ونحن هنا أمام أربعة دوال أوأسماء مختلفة (يهودي - تركي - يوناني - أرمني) تشير إلى مدلول أو مُسمَّى واحد وهوعضو الجماعة الوظيفية المالية أو «الإنسان الوظيفي». ولذا، قد يكون من الواجب أننضع في اعتبارنا أننا حينما نتحدث عن «الوظائف اليهودية» فإننا في واقع الأمر نتحدثعن وظيفة قد يقوم بها اليهودي في مكان وزمان ما، ولكن قد يقوم بها شخص آخر في مكانوزمان آخر. فالوظيفة (وسماتها) يجب أن تكون المقولة التحليلية لا الجوهر اليهودي أوالشخصية اليهودية. وفي هذه الحالة، فإننا سندرك الواقع بطريقة أكثر تركيبية وحركية،إذ أننا لن نبحث طوال الوقت عن اليهودي الجوهري أو اليهودي الخالص (ذي الأنفالمعقوف والظهر المحدودب الذي يرتبط بوظائف طفيلية أو مشينة، حامل الأفكارالعلمانية الشاملة الذي يفكك نسيج المجتمع لأنه لا ولاء له، يقضي سحابة ليله فيقراءة البروتوكولات ويقضي نهاره في تنفيذ خططه الشيطانية التي تعلمها في الليل) فمنالأجدى لنا أن نبحث عن «اليهودي الوظيفي» أو بالأحرى «الإنسان الوظيفي» الذي يضطلعبالدور الوظيفي ويتسم بصفات عضو الجماعة الوظيفية فيدخل في علاقة تعاقدية باردة معالمجتمع ويُعرَّف في إطار دوره ووظيفته ويُعرِّف هو المجتمع في إطار المنفعة. وهذاالإنسان قد يكون يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً أو بوذياً أو شخصاً لا ملة له ولادين.

وفي تَصوُّرنا أن النظام العالمي الجديد سيقوم بتحويل قطاعات عديدة فيالمجتمعات الإنسانية (نخب ثقافية وسياسية محلية - قيادات ثورية سابقة - قطاعاتاقتصادية) إلى جماعات وظيفية تعمل لصالحه، وذلك في محاولته تفكيك مجتمعاتنا بعد أنفشل في عملية المواجهة وبعد تزايد نفقات المواجهة العسكرية. وهذه النخب تقيم بينناوتتحدث لغتنا وترتدي زينا وتقيم الصلاة معنا في مواقيتها، وبعضهم مستمر في استخدامالخطاب الثوري أو الخطاب الديني، حتى بعد أن تحولوا إلى جماعة وظيفية تعمل لصالحالاسـتعمار الغـربي، أي حتى بعـد أن تم تهـويدهم (بالمعــنى الماركسي). ومما يَجدُرذكره أن بعض هذه العناصر التي تمت حوسلتها لصالح الاستعمار الغربي ستضطلع بالدورالوظيفي (اليهودي) المُوكَل لها، أحياناً عن وعي وأحياناً أخرى بدون وعي. ولذا، فإنالبحث عن اليهودي الجوهري هو بحث عنصري لا طائل من ورائه،ولا يؤدي إلا إلى عدمإدراك عملية التفكيك التي يضطلع بها اليهود الوظيفيون أو بالأحرى البشر الوظيفيونمن أبناء العرب والإســلام.ولهـذا، فإن الأجدى هو أن نبحث عن الإنسان الوظيفي.

وقد ساهم وضع الجماعات اليهودية كجماعات وظيفية في المجتمعات الغربية فيتوليد الصور الإدراكية النمطية التي تُشكِّل أساس معاداة اليهود في الغرب. فعداءكثير من الناس لليهود واليهودية هو في جوهره عداء للعلمانية الشاملة (المادية - الطبيعية - العدمية) ولوظيفيتها التي تحـوِّل العالم (الإنسـان والطبيعة) إلى مادةاسـتعمالية ولا تكـترث بقيم أو مطلقات، ولا تعرف سوى قانون مادي واحد، يدور حولثنائية بسيطة: العرض والطلب، والربح والخسارة، والقوة والضعف، والذكاء والغباء،والبقاء والهلاك. ولا تعرف غايات سوى مراكمة الثروة وتحقيق المتعة واللذة، دونتساؤل عن أي مضمون أخلاقي أو أي معنى كلي أو نهائي، أي أنه عداء للإنسان الوظيفيالذي يدخل في علاقة نفعية تعاقدية مع المجتمع ولا يعرف التراحم ولا يعرف سوى وظيفتهولا يحترم حرمات أو محرمات، والذي يؤدي وجوده في أي مجتمع إلى تفتُّت النسيجالمجتمعي وتآكُل القيم.

كان ماركس - كما أسلفنا - يُسمِّي الإنسان الوظيفي «اليهودي»، ويُسمِّي عملية الانتقال من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعيالرأسمالي عملية «تهويد». ولكن ماركس كان يفعل ذلك مدركاً الطبيعة المجازيةلاستخدامه، فهو كان يعرف الطبيعة الاجتماعية العامة لهذه العملية الانقلابية. ولكنالوجدان الشعبي غير قادر على إدراك ترابط الظواهر الاجتماعية، ولذا فهو يُركِّز علىالعناصر المباشرة الواضحة. وأكثر العناصر وظيفية ورواد الوظيفية هم أعضاء الجماعةاليهودية (فهو عنصر تعاقدي - نفعي - غريب معتزل.. إلخ). ولذا فهم الجوهر الثابتوالعنصر الواضح والسبب المباشر لعملية التحوُّل المؤلمة. وكان كثيراً من أعضاءالجماعات اليهودية يضطلعون بدور الجماعة الوظيفية، ولكن لم يكونوا هم وحدهم الذينيضطلعون بهذا الدور. ومع هذا ارتبط الإنسان اليهودي بالإنسان الوظيفي في الوجدانالشعبي الغربي، بل وتم التوحيد بينهما بحيث أصبح الإنسان اليهودي هو الإنسانالوظيفي بامتياز. ومن خلال عملية التعميم والاختزال، تم استبعاد كل أعضاء الجماعاتالوظيفية غير اليهودية وتم إدراك كل اليهود باعتبارهم جماعة وظيفية بحيث أصبح كليهودي إنساناً وظيفياً وأصبح كل إنسان وظيفي يهودي، إلى أن أصبح الإنسان اليهوديوحده، دون غيره من البشر، الإنسان الوظيفي.

ولذا بدلاً من إدراك ظواهر مثلتآكُل القيم وتزايُد الاغتراب وسيادة العلاقات التعاقدية وانتشار الإباحيةباعتبارها نتاج عملية اجتماعية انقلابية كبرى. وبدلاً من إدراك أن الإنسان الوظيفيهو ذاته الإنسان العلماني (الشامل) والإنسان الطبيعي/المادي الذي لا انتماء ديني أوإثني له وأن هذا الإنسان ليس ثمرة مؤامرة يهودية وإنما نتيجة عمليات اجتماعية لايتحكم فيها اليهود، فهم جزء صغير من كل أكبر، بدلاً من كل هذا تم التركيز علىاليهودي وحده دون بقية أعضاء المجتمع باعتباره مسئولاً عما يحدث من تفتُّت مجتمعيوإباحية وانتقال من التراحم إلى التعاقد. وأصبح اليهودي هو وحده المسئول عن كلالشرور من انحلال وتفسخ وتشيئ وتآكُل مؤسسات الأسرة وغيرها من المؤسسات الوسيطةالتي تحمي الفرد، وزاد الحديث عن «الجوهر اليهودي» و«الخطر اليهودي» و«الثورةاليهودية» وغيرها.

والنموذج التفسـيري المركب الذي نطرحه يدور حول ما نسميه «الإنسـان الوظيفي» الذي يمكن أن يكون يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً أو بوذياً، أوبدون ذمة ولا دين، مادام يدخل في علاقة تعاقدية نفعية باردة مع المجتمع ويُعرَّف فيإطار دوره ووظيفته ويضطلع بالوظائف التي يُفترَض أن اليهودي يضطلع بها. ولذا قديكون من الأدق والأشمل تحليلياً أن نتحدث عن وظيفة ما، قد يقوم بها اليهـودي (فيمكان ما)، وقد يقـوم بها شـخص آخـر (في مكان آخر). فالوظيفة، لا الجوهر اليهودي، هيالتي يجب أن تكون المقولة التحليلية.

وقد استخدمت سوزان هاندلمان تعبير «يهودي» بنفس طريقة ماركس ولكن في سياق جديد. فهي تذهب إلى أن المثقف اليهودي بسببوضعه داخل الحضارة الغربية (طرد وتشتيت ونفي) أصبح عنصراً من عناصر الاستنارةالمظلمة والتفكيك. فوجَّه كل طاقته، في بداية الأمر، نحو تفكيك وتقويض الشريعةاليهودية ثم توجَّه إلى ثوابت الحضارة الغربية نفسها يحاول تقويضها وتفكيكها.

ولكن المثقف اليهودي الذي يقوم بالتفكيك يدَّعي أنه يقوم بالتفسير وحسب،ولكنه في واقع الأمر يقوم بما سمته سوزان هاندلمان «الهرمنيوطيقا المهرطقة»، ذاتالطابع التفكيكي العدمي.
وتضيف سوزان هاندلمان أن أي مثقف يقوم بعمليةتفسير تهدف إلى تقويض وتفكيك كتب حضارته المقدَّسة، وفي نهاية الأمر كل مقدَّساتهاوثوابتها، هو يهودي بالمعنى الوظيفي.

العرْق اليهودي
Jewish Race
«العرْق» هو جملة السمات البيولوجية (مثل حجم الجمجمة ولون الجلد أو العيون أوالشعر... إلخ) التي يُفترَض وجودها في جماعة بشرية وتَميُّزها بشكل حتمي (بيولوجي) عن غيرها من الجماعات. وكلمة «عرْق» ترادف أحياناً كلمة «سلالة» أو «جنس» أو «دم». وهناك تقسيمات عدّة للسلالات أو الأعراق أو الأجناس البشرية المختلفة أو الدماءالتي تجري في عروقها.

وهناك اتجاه صهيوني يؤمن بأن ثمة عرْقاً يهودياًمستقلاً، وأن أساس الهوية اليهودية والشخصية اليهودية هو الانتماء العرْقي. ولعلالمفكر الصهيوني موسى هس (1812 ـ 1875) مؤسِّس الفكرة الصهيونية (في ديباجتهاالاشتراكية) هو أول من طرح تعريفاً لليهود على أساس بيولوجي أو عنصري حين ذكر أنالعرْق اليهودي من الأعراق الرئيسة في الجنس البشري، وأن هذا العرْق حافظ على وحدتهرغم التأثيرات المناخية فيه، فحافظت اليهودية على نقاوتها عبر العصور. وقد تنبأ هذاالمفكر الصهيوني بأن الصراع بين الأجناس سيكون أهم الصراعات، وأسهم في المحاولةالرامية إلى التمييز بين العنصرين الآري والسامي، وهو التمييز الذي قُدِّر له أنيكون بعد عدة سنوات أحد المفاهيم الأساسية التي تبناها مُنظِّرو الفكر العنصريالأوربي. وقد داعبت هرتزل فكرة الهوية العرْقية، فترة من الزمن على الأقل فاستخدمعبارات مثل «الجنس اليهودي» أو «النهوض بالجنس اليهودي»، كما أنه كان يفكر في تمييزاليهود عن غيرهم على أساس بيولوجي. وعندما قام هرتزل بأول زيارة له إلى معبد يهوديفي باريس، كان أكثر ما أثار دهشـته التشـابـه العرْقي الذي تصوَّر وجوده بين يهودفيينا ويهود باريس: « الأنوف المعقوفة المُشوَّهـة، والعيون الماكرة التي تسترقالنظـر ». كما يقول ماكس نوردو الذي يُعَدُّ واحداً من أهم مفكري العنصرية الغربية (حتى قبل تَحوُّله إلى الصهيونية)، في لغة لا تقبل الشك وتخلو تماماً من الإبهام، « إن اليهودية ليست مسألة دين وإنما هي مسألة عرْق وحسب ».

ولا يخرج مارتنبوبر في تعريفه لليهودي عن هذا الإطار، رغم استخدامه مصطلحه الحلولي الكموني العضويلنقل فكرته، فقد تحدَّث عن: « أزلية الأجيال كجماعة يربطها الدم. فالدم قوةمُتجذِّرة في الفرد تغذيه، والدم هو الذي يحدد المستويات العميقة لوجودنا، ويصبغصميم وجودنا وإرادتنا بلونه. والعالم من حوله إن هو إلا آثار وانطباعات، بينما الدمهو عالم الجوهر ». ونظراً لأن الدم الذي يجري في عروق اليهود يربطهم بالتربة، فقدكان بوبر يشير إلى اليهود باعتبارهم آسيويين « لأنهم إذا كانوا قد طُردوا منفلسطين، فإن فلسطين لم تُطْرَد منهم».

ويبدو أن مسألة الدم هذه لم تكنشائعة في صفوف الفلاسفة والصهاينة المتأثرين بالتراث الألماني وحسب، بل كانت شائعةفي صفوف الصهاينة الأنجلو ساكسون أيضاً. فقد ادَّعى الزعيم الصهيوني نورمانبنتويتش، في حديث أدلى به في عام 1909، أن اليهودي لا يمكن أن يكـون مواطناًإنجليـزياً كاملاً مثل هـؤلاء الإنجليز الذين وُلـدوا « لأبوين إنجليزيين وانحدروامن أسلاف خلطوا دماءهم بالإنجليز لأجيال كثيرة ». وعرَّف الأمريكي لويس برانديزاليهودية، في خطاب ألقاه في عام 1915، بأنها « مسألة تتعلق بالدم ». وذكر أن هذهالحقيقة لقيت قبولاً من جانب غير اليهود الذين يضطهدون اليهود، ومن جانب اليهودالذين يُحسِّون بالفخر «عندما يُبدي إخوانهم من ذوي الدم اليهودي تفوقاً أخلاقياًأو ثقافياً أو عبقرية أو موهبة خاصة، حتى إذا كان هؤلاء النابهون قد تخلوا عنالإيمان بالدين، مثل إسبينوزا أو ماركس أو دزرائيلي أو هايني».

ويبدو أنالصهاينة حاولوا، على طريقة المفكرين العنصريين في الغرب، أن يُثبتوا أنهم عرْقمستقل بطريقة « علمية » وليس فقط على طريقة بوبر الفلسفية. ولذا، فإننا نجد فيصفوفهم كثيراً من «العلماء » المهتمين بهذه القضية. وقد أشار عالم الاجتماعالصهيوني آرثر روبين إلى "الكتابات المتعلقة بقضية الجنس اليهودي" وأورد في كتابهاليهود في الوقت الحاضر أسماء كثير من «المراجع القيمة» في ذلك الموضوع. ومن بينالأسماء التي يذكرها اسم عالم صيهوني هو إغناتز زولتشان (1877 ـ 1948) الذي وصفاليهود بأنهم « أمة من الدم الخالص لا تشوبها أمراض التطرف أو الانحلال الخلقي ». وقدَّم روبين نفسه تعريفاً عرْقياً لليهود بيَّن فيه أنهم «استوعبوا عناصر عرْقيةأجنبية بدرجة محدودة، ولكنهم في أغلبيتهم يمثلون جنساً متميِّزاً، على عكس ما هوسائد في دول وسط أوربا».

وكان اللورد بلفور، الصهيوني غير اليهودي، يفكرفي اليهود على أساس عرْقي، وربما كان من المهم هنا أن نتذكر أن إحدى المسوداتالأولى لوعد بلفور كانت تدعو إلى إقامة « وطن قومي للجنس اليهودي »، وهي جملة تحملفي طياتها تعريفاً بيولوجياً واضحاً للهوية اليهودية.

ثمة، إذن، إجماعصهيوني على التعريف العرْقي لليهودي. وهو أمر متوقع ومفهوم، فقد كانت الصهيونيةتبحث عن الشرعية من أوربا لا من اليهودية، ولذا كان علىها أن تصبح عرْقاً مستقلاًلأن العرْق المستقل وحده هو الذي من حقه أن تكون له دولة مستقلة (حسب الإطارالمعرفي السائد في أوربا العلمانية). ولكن من الواضح أن تعريف اليهودي كعضو في عرْقمستقل أمر مغرق في الخيال والوهم، إذ يدحض واقع الأقليات اليهودية بسهولة مثل هذهالأساطير. وكان على الصهاينة بالذات أن يتعاملوا لسوء حظهم مع يهود بيض ويهود سودوبضعة يهود صفر إلى جانب الكثير من الظلال اللونية. وكما أشرنا من قبل، فقد كانهرتزل معجباً بالنظرية العرْقية، ولكنه كان صديقاً لإسرائيل زانجويل (1864 ـ 1926) الروائي الإنجليزي والزعيم الصهيوني اليهودي ذي الأنف الطويل والشبيه بأنوف الزنوجوالشعر الكث الحالك السواد، وكانت نظرة واحدة إلىه تكفـي، على حدّ قول هرتزل نفسه،لدحض أي تصور عرْقي لليهــود.

وثمة سبب آخر لاختفاء التعريف العرْقي لليهوديرتبط بالمجال الدلالي لكلمة «عرْق»، إذ أنه بحلول الثلاثينيات كانت الحياة فيالغرب قد تحولت عن العنصرية التي فقدت إلى حدٍّ كبير ما كانت تحظى به من قبولوتأييد في الأوساط العلمية. وكما يقول الزعيم الصهيوني ناحومسوكولوف: بعد أن عشناعصراً أصبحت فيه كلمة «عنصر» أو «عرْق» معادلة للقسوة والبربرية، فإن معظم الناسينفرون من استخدام هذا المصطلح . ويُضاف إلى هذا أن علم الأجناس قد أظهر أن هذاالمصطلح لا يمكن أن يُطبَّق حقاً على اليهود، وذلك رغم أنه كان من المعتاد تماماًالإشارة إلى اليهود في عصر ما قبل هتلر على أنهم «جنس»، وكان الكثيرون يعتقدون أنيهودية المرء مسألة تتعلق بمولده وسماته.

ولذا، كان لابد من العدول عناستخدام كلمة «عرْق». وبـدلاً من ذلك، بدأ تعريف اليهودي على أساس إثني، أي علىأساس التراث والثقافة المشتركة، ومن ثم حلت الإثنية محل العرْقية كنقطة مرجعيةوكأساس للهوية. لكن التعريف الإثني لا يختلف في جوهره عن التعريف العرْقي، فكلاهمايفرز نظرية في الحقوق (العرْقية أو الإثنية) تعطي صاحب الهوية العرْقية أو الإثنيةمزايا معينة وقوة مطلقة تنكرها على غيره من البشر. (انظر الباب المعنون «ثقافاتأعضاء الجماعات اليهودية [تعريف وإشكالية]»).

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59