عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-29-2012, 10:05 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

أما الحذف فإنَّ الشاعر يعمد إليه لتزويد المتلقي بدلالات يتم الإيحاء بها خلال فضاء القصيدة، ويعني الحذف إزالة بعض كلمة أو كلمة أو كلام، تقول فدوى طوفان :
مددت نحوهم يديْ
ناديت في حزني وفي نحيبي
يا أخوتي لا تقتلوا حبيبي
لا تقطعوا العنق الفتي
سألتكم بالحب، بالقربى سألتكم وبالحنان ،
يا أخوتي لا تقتلوه
لا تقتلوه
لا تقـــ..... [31]
أن الحذف أسهم ـ هنا ـ في إيحاء دلالة سرعة تنفيذ القتل، وإن صراخ الشاعر توقف مع لحظتي الحذف / القتل» لا تقـــ ..... « بمعنى أنَّ فعل القتل قد تم فعلاً، ومن ثم تقاطع الحذف مع لحظة القتل .
ومن أمثلة الحذف التي تشتمل على دلالات جمالية قصيدة» نهاية « لبدر شاكر السياب، إذ قالت له فتاته :» سأهواك حتى تجف الأدمع في عيني وتنهار أضلعي الواهية « إنَّ الشاعر يعمد إلى تكرار العبارة التي قالتها فتاته، ولكنه في أثناء ذلك يعمد إلى حذف بعضها، مما يغّير‘ من دلالاتها وجمالياتها، غير أنَّ هذه العبارة المكررة تأخذ في الضمور والتناقص التدريجي، وتضمر معها دلالتها الأصلية لتصل درجة النقيض، وتكتنف هذه العبارة وحالاتها المتعددة الموقف النفسي الذي يعيشه الشاعر، ويمكن تقسيم هذا إلى عدة مراحل[32]
1 ـ» سأهواك حتى .. « نداء بعيد
تلاشت ؛ على قهقهات الزمان
بقاياه . في ظلمة .. في مكان ،

إنَّ الشاعر يسترجع هذه العبارة بوصفها نداء بعيداً، تكتنفه حالة الضياع والتلاشي المفعمة بالسخرية والعتمة .
2 ـ وظل الصدى في خيالي يعيد :
» سأهواك حتى سأهوى « نواح
كما أعوت في الظلام الرياح،
» سأهواك حتى .. ســ .. « ياللصدى
ويتكيء السياب ـ هنا ـ على توظيف العبارة بوصفها صدى يتكرر، ويوظف ظاهرة الصدى التي تقتطع ـ بحسب تكررها واعادتها ـ بعضاً من العبارة، فان عبارة»سأهواك حتى سأهواك « تدل على تكرار الفعل أهوى، أي سأهواك، وأهوى غيرك أيضاً، غير أنَّ هواك سيظل قائماً ما دام الحب الثاني لما يأتي بعد . أما عبارة» سأهواك حتى .. ســ .. « فإنها تدل على ظاهرة التردد التي أوحت بها ظاهرة الصدى التي تقطّع العبارة المحكية .
3 ـ اصيخي إلى الساعة الغائبة :
» سأهواك حتى .. « بقايا رنين
تحدين دقاتها العاتيه،
تحدين حتى الغدا ،
» سأهواك « ما أكذب العاشقين !
» سأهوا .. « ـ نعم .. تصدقين .
وينتقل بهذا السياب من حالة الصدى التي تقتطع الأجزاء إلى حوار مع فتاته، او مع عبارة فتاته، وهو حوار يتأسس على الحذف، ويصدر أحكاماً في ذلك . إن هناك تناغماً بين الحذوف المتكررة في العبارة والحالة الشعورية للشاعر، أي من الوصف إلى التردد إلى الحوار الذي يحدد فيه موقفه من فتاته بشكل نهائي .
ومن الجدير بالذكر أنَّ ممدوح عدوان يتعامل بكيفية معينة مع الحذف، يقول :
حينما صحت بهم :
» لا تبدلوا بالحرب أخبار الحروب «
قيل لي :
» إنَّ لم تجد ماءً تيمم «
قلت :» مولاي تطلع نحوهم «
لم يتكلم
قلت :» مولاي أما قلت لنا : إن الجهاد ... «
قطع الحاجب بالسيف النداء
و» علي « صامت لا يتكلم
حمل الحاجب صوتي في إناء
و» علي « صامت لا يتكلم
ولذا أعطيت سيفي لابن ملجم [33]
ويشتمل هذا النص على حذف دل عليه قطع العبارة المعروفه للامام علي:» إنَّ الجهاد باب من أبواب الجنة « ولهذا الحذف المقطوع دلالته، لأنَّ سياق القصيدة ينطوي على دلالة مرافقة تتوافق فيها حالة قطع العبارة من ناحية، وقطع رقبة الشاعر الذي يكررها، من ناحية أخرى، وكأن الشاعر يعبر من خلال الحذف ـ زمانياً ومكانياً ـ عن محاكاة لحظة القطع التي أدّاها السيّاف، وهي تتناغم تماماً مع قطع العبارة نفسها .
إنَّ الحذف ـ هنا ـ أدى دلالات فنية وجمالية، أضفت على النص دلالات مصاحبة ما كان للنص أن يعبر عنها إلا بهذه الكيفية من الحذف .
ومن أمثلة الحذف المبكرة في قصيدة» الوصية « لبدر شاكر السياب، حيث يقول :
إقبال، يازوجتي ******ه
لا تعذليني ما المنايا بيدي
ولست‘، ولو نجوت‘، بالمخلّدِ .
كوني لغيلان رضى وطيبه
كوني له أباً وأماً وارحمي نحيبه
وعلميه أنْ يذيلَ الَقلبَ لليتيم والفقير
وعلميه ...
ظلمة النعاس
أهدابها تمس من عيوني الغريبة [34]
أي أنَّ السياب لم يكمل وصيته، صحيح ان سياق النص يجعل المتلقي يستكمل هذه الوصية، بمعنى انَّ أثر الحذف الدلالي والجمالي عميق الأثر في المتلقي، وكأنه يسهم في ابداع النص ويستكمل بعض مكوناته .
وإذا كان الحذف يعني أن الشاعر يحذف بعض كلمة أو عبارة، ليدل بذلك على معنى مصاحب إيقاعيا ومكانيا، فإن التقطيع أو التشذير » تمزيق لأوصال الكلمة أو العبارة أو الصورة، وتفكيك لوحدتها الواحدة، بحيث تبدو كل جزئية منها ذات كيان مستقل معزول عن نظيره، رغم اتصاله السياقي به « [35]
ويتجلى التقطيع جليا في قصيدة « الصدى والكلمات » للشاعر جودت القزويني، إذ يعمد إلى تقطيع الكلمة للإيحاء بدلالات مصاحبة تؤكد الصدى ـ ماديا ونفسيا ـ الذي يعبر عنه الشاعر، وتتبدى ملامح التوتر الدرامي القائم على جمل فعلية متلاحقة :
أمشي ...
تبحر ساقي ..
يضحك مني الظل
تتنـزى فوق جبيني أفكار العتمة [36]

وتتجلى ملامح التصدية وتقطيع الكلمات كي تتناغم مع طبيعة التوتر الدرامي :
وأصرخ .. يآ .. نجمَ .. ة .. الأمسـ سِ
إني أصفِّقُ .. أُصَ .. فْ .. فِ .. ق .. و ..
تعالي فقدضاع صوتي [37]
ويصل الأمر ذروته في حالة تتماثل فيها تشظية الكلمة مع تشظي الصدى، وتشظية العالم الداخلي للشاعر ،يقول جودت القزويني :
وعاد الصدى
الصدى .. صدا .. صدا .. دآ .. دآ ,, دآ .. آ آ آ آ آ آ آ آ آ آ آآ آ آآآ آ آ آ آ آ آ
لقد ذبل العمر
واحترقت نجمتي في السماء !
إن تشظية الصدى ـ هنا ـ تعبير يتوافق فيه التشكيل الإيقاعي والمكاني للكلمات، حتى تتلاشى صوتيا وكتابيا، تماما، كما يتلاشى عمر الشاعر في الذبول والضمور، وتحترق نجمته ي السماء !
ومثل هذا ما كتبه سعدي يوسف عن مدينة الكوفة التي يغادرها :
لكن القرن الأول لم يعد الأول
ها نحن أولاء نغادرها
م
ش
ن
و
ق
ي
ن
على ماسورات مدافع دبابات .. [38]
إذ يوحي تناثر الكلمة وتشظيها بتساقط المشنوقين وتتابعهم، وبتكرار فعل التشظية، تماما كما تتساقط خرزات المسبحة، كما أن هذه الكلمة تتدلى « رأسيا كحبل المشنقة تماما»[39].


مصادر البحث ومراجعه :

أدونيس، الآثار الكاملة، دار العودة ، بيروت ، 1971 .
بدر شاكر السياب، ديوانه ، دار العودة ، بيروت ، 1971 .
جودت القزويني، المجموعة الشعرية الأولى، بيروت ، 1998 .
دافيد لوبتون، انتروبولجيا الجسد والحداثة، ترجمة محمد عرب صاصيلا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت ،1993 .
رضا بن حميد، الخطاب الشعري الحديث من اللغوي إلى التشكيل البصري، مجلة فصول، العدد : 2 صيف 1996.
صلاح عبد الصبور، أحلام الفارس القديم، دار الشروق ، بيروت ، 1986 .
عبد العزيز المقالح ، الشعر بين الرؤيا والتشكيل ، دار العودة بيروت ، 1981 .
قدوى طوقان، الأعمال الشعرية الكاملة، المؤسسة العربية للنشر ، بيروت ، 1993 .
كريم الوائلي، الخطاب النقدي عند المعتزلة، مصر العربية للنشر ، القاهرة، 1997 .
محمد بنيس ، ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، مقاربة بنيوية، دار العودة ، بيروت ، 1991 .
محمد تقي جمال الدين، نوارس الشجن، دار بغداد للطباعة ، كوبنهاكن ، 1991 .
محمد الماكري ، الشكل والخطاب ، مدخل لتحليل ظاهراتي ، المركز الثقافي ، بيروت ، 1991 .
مصطفى السعدني، البنيات الاسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، د.ت .
مصطفى السعدني، التغريب في الشعر العربي المعاصر، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، د.ت .
نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1983 م.
نقلا عن رجاء عيد، لغة الشعر قراءة في الشعر العربي الحديث ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، د.ت
وليد منير، التجريب في القصيدة المعاصرة، مجلة فصول، العدد الأول، صيف 1997 ص 181
ويليك » رينيه « بالاشتراك مع » اوستن وارين « : نظرية الأدب ، ترجمة محي الدين صبحي ، مراجعة حسام الخطيب ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1981
يوري لوتمان، تحليل النص الأدبي ،ترجمة محمد أحمد فتوح، دار المعارف، مصر، 1995.

[1] يوري لوتمان، تحليل النص الأدبي ،ترجمة محمد أحمد فتوح، دار المعارف، مصر، 1995، ص 27

[2] نفسه، ص 109 .

[3] عبد العزيز المقالح ، الشعر بين الرؤيا والتشكيل ،ص 111 .

[4] نفسه.

[5] نفسه ، ص 114 .

[6] محمد الماكري، الشكل والخطاب ص137 .

[7] كريم الوائلي، الخطاب النقدي عند المعتزلة، ص 120 .

[8] نفسه .

[9] نفسه، ص 139 .

[10] رينيه ويليك، نظرية الأدب، ص 151 152 .

[11] محمد الماكري، الشكل والخطاب، ص 133 .

[12] دافيد لوبتون، انتروبولجيا الجسد والحداثة، ترجمة محمد عرب صاصيلا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت ،1993، ص 151 .

[13] رينيه ويليك، نظرية الأدب، ص 150 .

[14] نفسه .

[15] رضا بن حميد، الخطاب الشعري الحديث من اللغوي إلى التشكيل البصري، مجلة فصول، العدد : 2 صيف 1996، ص 99 .

[16] نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، ص 162 163 .

[17] نفسه، ص 166.

[18] صلاح عبد الصبور، أحلام الفارس القديم، ص 35 .

[19] مصطفى السعدني، التغريب في الشعر العربي المعاصر، ص 35 .

[20] فدوى طوقان، الأعمال الشعرية الكاملة، ص 352 453 .

[21] بدر شاكر السياب، ديوانه ،ص 321 .

[22] محمد تقي جمال الدين، نوارس الشجن، ص 28 29 .

[23] رضا بن حميد، الخطاب الشعري الحديث ... ص 100 .

[24] محمد بنيس ، ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، ص 101 .

[25] نفسه، ص 102 .

[26] أدونيس، الآثار الكاملة، 1 /341 .

[27] مصطفى السعدني، البنيات الاسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث ،ص 19 .

[28] جودت القزويني، المجموعة الشعرية الأولى، 1998، ص 200 .

[29] نفسه، 201 .

[30] نفسه، ص 200 .

[31] قدوى طوقان، الأعمال الشعرية الكاملة، ص 463 .

[32] بدر شاكر السياب، ديوانه، ص 89 90 .

[33] نقلا عن رجاء عيد، لغة الشعر قراءة في الشعر العربي الحديث ن ص 230 .

[34] بدر شاكر السياب، ديوانه، ص 221 222 .

[35] وليد منير، التجريب في القصيدة المعاصرة، مجلة فصول، العدد الأول، صيف 1997 ص 181

[36] جودت القزويني، المجموعة الشعرية الأولى، ص272 .

[37] نقسه، ص 273 ـ 274 .

[38] نفسه .

[39] نفسه .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59