عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-18-2012, 07:25 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي تربية الشباب - الأهداف والوسائل


تربية الشباب - الأهداف والوسائل
المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،أما بعد: فقد كان من إيجابيات الصحوة الإسلامية اليوم أن قامت بجهد تربوي، وقدَّمت برامج لإعداد الناشئة ورعايتهم. وهو جهد متميز، وتجربة فريدة تُسجَّل لجيل الصحوة، ونتائجه التي نراها في الواقع ناطقةٌ بذلك. وهو جهد يفوق الإمكانات والطاقات العاملة فيه. ومع تميز هذا الجهد إلا أنه لا يزال يعاني من قصور ومشكلات، أفرزتها عوامل عدة، منها: 1- أنه يعتمد على فضلة أوقات المربين والمتربين؛ إذ هو يتم فيما فضل مَنْ أوقات العمل والدراسة، والنوم والراحة، والارتباطات الاجتماعية والعائلية. 2- أن الهوة الواسعة بين المتطلبات والإمكانات، وبين أعداد من يفتقرون إلى التربية وأعداد المربين، أدت إلى الاعتماد على عناصر تملك خبرة وتأهيلاً أقل مما ينبغي لمثل هذه المواقع. 3- عدم وجود برامج أُعدت بطريقة علمية لإعداد المربين وتأهيلهم، يضاف لذلك ضعف اعتناء كثير من المربين بالرفع من مستوى تأهيلهم؛ مما زاد من الممارسات المعتمدة على المحاولة والخطأ، وتعميم التجارب الشخصية المحدودة. 4- الفقر الشديد في الدراسات والكتابات التربوية التي تجمع بين الخبرة العلمية والتخصص، وتبتعد عن اللغة العلمية المتخصصة التي قد تصعب على كثير من المربين. 5- أن التجربة التربوية لجيل الصحوة تجربة فريدة، وفيها جوانب من الخصوصية أفرزت إشكالات وتساؤلات لم تكن مطروحة في الأدبيات التربوية المتخصصة، ومن ثم يصعب على المربين أن يجدوا في المكتبة التربوية ما يجيب بعمق على بعض تساؤلاتهم. 6- أن محاضن الصحوة التربوية تسير ضد التيار؛ فكثير من مجتمعات المسلمين ونظم التعليم، وأجواء المدارس، والأسر، كل ذلك في أحيان كثيرة يفسد ما يبنيه المربون. 7- أن كثيراً من المشكلات ومظاهر القصور التربوي في مجتمعات المسلمين انعكست على الأفراد، كالسطحية في التفكير، والتخلف الحضاري، وضيق الأفق، وضعف الثقة بالنفس….إلخ، مما أضاف على المربين عبئاً هائلاً، ويزيد الأمر تعقيداً أن المربين أنفسهم من أبناء هذه المجتمعات، فورثوا هذه الأمراض كغيرهم وصارت جزءاً من تفكيرهم(1) ومن أبرز مظاهر هذا القصور - الذي كان نتاج تلك العوامل وغيرها-: الضعف التربوي الذي يبدو لدى فئات كثيرة، وضعف الفاعلية والإنتاجية، وغياب المبادرة، وبروز حالات التساقط والتراجع….إلخ. ومع ذلك يبقى الجهد التربوي لجيل الصحوة جهداً يستحق الإشادة، ومظاهر القصور والضعف ينبغي أن تدفعنا إلى التصحيح والإصلاح، لا إلى النقد اللاذع والاستهانة بجهود العاملين، فلأن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة. ومن ثم تجيء هذه المحاولة من الكاتب لوضع بعض الإشارات والإضاءات للمربين، علَّها تسهم في وضع لبنة في هذا البناء الشامخ بإذن الله تعالى، وقد سعيت أن يكون هذا الكتاب كافياً لما يحتاجه المربي حديث الخبرة من أهداف تربوية ووسائل تعين على تحقيقها، وتحدثت فيه بإيجاز عن الأهداف التربوية وصياغتها، ثم عن أهم خصائص المرحلة وسماتها، وبعد ذلك تناولت الأهداف التربوية مقسماً لها على مجالات رئيسة، فأذكر في كل مجال هدفاً عاماً، ثم أتبعه بوسائل عامة، ثم أختم بذكر أهداف فرعية، وأشير في ثنايا كل هدف إلى بعض الوسائل المعينة على تحقيقه، وقد تتكرر بعض الوسائل لارتباطها بأكثر من هدف، كالقدوة على سبيل المثال. وحرصت قدر الإمكان على الإيجاز وعدم الاستطراد، إلا فيما أرى أن له أهمية، كما تجاوزت الحديث عن القضايا التي أعتقد أنها بدهية بالنسبة لجمهور المخاطبين بهذا الكتاب، كالحديث عن المضامين التربوية ونحو ذلك، وسيبقى ما يحتاج إلى إجمال أو تفصيل، أو ذِكْر أو إهمال قضية نسبية تختلف فيها الآراء. ومع أن فكرة هذا الكتاب ومعظم مادته كانت لدي منذ مدة مضت، إلا أني ترددت كثيراً في إصداره، وآثرت الانتظار والتريث لأهمية مثل هذا الموضوع، وأخيراً استعنت بالله في إصداره، وكلي أمل أن يقرأه المربون بعين النقد لا بعين التلقي، وأن يتعاملوا معه على أنه رأي شخصي لا مسلمات علمية، وأنه مهما اجتهد الكاتب في تحريره والاعتناء به فلن يخرج من أسر التجارب والخبرة الشخصية المحدودة في إطار الزمان والمكان، ولن يخرج من أسر القصور البشري، فما كان فيه من حق فبتوفيق الله وعونه، وما كان من قصور فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله بريئان مما أقول. ولا أنسى هنا أن أسجل شكري وتقديري لكل الإخوة الذي تفضلوا بقراءة مسودة الكتاب ووافوني بملحوظاتهم، وعلى رأسهم الدكتور محسن المحسن أستاذ أصول التربية المساعد، والدكتور خالد العودة أستاذ أصول التربية المساعد، والدكتور عبدالله العثيم أستاذ المناهج وطرق التدريس المساعد، والدكتور خالد بازيد استشاري الطب النفسي، والأستاذ عبدالرحمن المزروع المشرف التربوي، والأستاذ عبد الله البريدي، وغيرهم. والله أسأل أن يكون في هذا الجهد فائدة وعونٌ للمربين، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه،،،، محمد بن عبدالله الدويش الرياض7/3/1422ه ص ب 52960 الرياض 11573 dweesh@dweesh.com

-------------------

حاشية:

(1)(يدور اليوم في أدبيات الصحوة نقد لاذع لهذه الأمراض والمظاهر، لكن زوالها يحتاج لكسر الحلقة المفرغة، ففاقد الشيء لايعطيه، وإدراك المشكلة ليس وحده كافياً في حلها، وإن كان خطوة مهمة.).

الفصل الأول: الأهداف التربوية

إن العمل المنتج هو العمل الذي ينطلق من أهداف واضحة محددة، يعيها العاملون، ويوظفون الإمكانات والوسائل المتاحة لهم لتحقيقها. والهدف في اللغة -كما قال ابن فارس-: "الهاء والدال والفاء أصيل يدل على نصب وارتفاع، والهدف: كل شيء عظيم مرتفع، ولذلك سمي الرجل الشَّخيص الجافي: هدفاً...والهدف: الغرض...وأهدف لك الشيء: انتصب"(1) ويمكن أن نحدد مفهوم الهدف التربوي -بعيداً عن الجدل المنطقي حول أزمة التعريف- بأنه: التغير المرغوب الذي تسعى العملية التربوية إلى تحقيقه لدى الفرد أو لدى المجتمع. وثمة أمور لابد من مراعاتها ونحن نتحدث عن الأهداف: الأول: التوازن بين إهمال الأهداف والإغراق فيها؛ فالعمل دون هدف واضح محدد مدعاة للتخبط والاضطراب، ولذا قيل: إذا خرجت من منزلك بدون هدف فكل الطرق توصلك إلى المكان الذي تريد، وأولئك الذين يعملون دون أهداف واضحة تتنوع اجتهاداتهم، وتختلف طرقهم وأساليبهم بين يوم وآخر. ومع ذلك فالاعتناء بالأهداف ينبغي أن لا يؤدي إلى التحول إلى آلة، بحيث يتطلع الإنسان إلى أن يكون هناك هدف واضح ومحدد لكل عمل صغير وكبير يقوم به، وتكون كل كلمة أو توجيه قد صدرت عن تخطيط واعتبار. فالإنسان بشر يعتريه ما يعتريه، ولو استطاع الالتزام الصارم بالتخطيط في الصغيرة والكبيرة مدة محددة، فإنه لن يستطيع ذلك على المدى الأوسع. ثم إنه تخطر للمربي خواطر، وتجدُّ له قضايا، والإغراق في التحديد الدقيق المسبق والمفصل للأهداف يحول دون الاستفادة مما يجد من ذلك. فالاعتدال والوسطية سنة الله في خلقه وشرعه. الثاني: المناداة والمطالبة بتحديد الأهداف والانطلاق في العمل منها جزء من التفاعل مع تطور الحياة المعاصرة وتعقدها، وقد كان من نتاج هذا التطور نشأة علوم وتفرع تخصصات، كعلم الإدارة والتربية والاجتماع وعلم النفس، وسائر فروع العلوم الإنسانية التي لم تكن معروفة من قبل، كما كان من نتاج ذلك التفرع الدقيق في التخصصات. ومن ذلك تغير برامج طلب العلم ووسائله، الذي كان في إطار المساجد والحلق، فنشأت الجامعات بأنظمتها وبرامجها. وكما أن الأخذ بأسباب القوة المادية مطلوب اليوم، فالأخذ بهذه الأسباب التي هي من الأسباب المعنوية أمر له أهميته. الثالث: السعي للتأصيل الشرعي، والاستدلال بالنصوص الشرعية، والاهتداء بعمل النبي صلى الله عليه وسلم أمر له أهميته، بل هو مطلب لابد منه لضمان السير على المنهج الشرعي في الدعوة والتغيير، لكن مما ينبغي أن يلحظ في هذا الإطار: أ - أن من الأهداف ما يدخل تحت أصول شرعية عامة، كتقديم الأولويات، ورعاية المصالح ودرء المفاسد، وسد الذرائع….إلخ. وليس بالضرورة أن يكون لكل هدف دليل أو نص خاص. ب - من الأهداف ما أملته ظروف العصر، وأفرزه القصور التربوي السائد في مجتمعات المسلمين، وهذا لا يفتقر إلى استدلال؛ إذ هو جزء من صفات الإنسان السوي المنتج، لكن الواقع المعاصر أسهم في فقدانه. ومن الأمثلة على ذلك: تنمية المبادرة الذاتية، وكثير من الأهداف في الجانب العقلي. ج - أن كثيراً من الوسائل تدخل في إطار الأصل العام للوسائل وهو الإباحة؛ فكل وسيلة تؤدي إلى غاية دعوية مشروعة - ما لم تكن محرمة في ذاتها- فهي مباحة، وتعاطيها سائغ، وليس شرطاً أن يكون قد ورد فيها نص يدل على مشروعيتها، والمطالب بالدليل هو من يَمنع لا من يبيح(2) د - كثيراً ما نستدل على بعض الوسائل الواردة في ثنايا هذا البحث بما ورد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم من باب تدعيم الحديث في ذلك والتأكيد عليه، لكنه لا يعني افتقار جواز إتيان تلك الوسيلة إلى النص عليها كما سبق بيانه، وإن كانت الوسائل النبوية - ما لم تكن أملتها ظروف العصر وطبيعته - أولى وأجدى من غيرها. وظيفة الأهداف التربوية: يعد تحديد الأهداف التربوية نقطة الارتكاز والمنطلق الأساس في العمل التربوي، وتكمن أهمية الأهداف ووظيفتها فيما يلي:- 1- أنها تشكل الأساس والمنطلق في العملية التربوية كلها؛ إذ هي تعني حشد الطاقات والإمكانات للوصول لهذه الأهداف. 2- أنها تسهم في اختيار المربين وتتحكم في ذلك؛ فالمربي الناجح هو الذي يستطيع تحقيق هذه الأهداف وتحويلها إلى واقع ملموس. 3- أنها تسهم في تحديد البرامج والوسائل التربوية، فهي إنما تقام لتحقيق هذه الأهداف. 4- أنها تسهم وتتحكم في تحديد مضمون ومحتوى ما يقدم من معارف ومعلومات. 5- أنها تسهم في الاستثمار الأمثل لأوقات العاملين وجهودهم؛ فعدم وضوح الأهداف يؤدي إلى ضياع أوقات وجهود كثيرة. 6- أنها تمثل الأساس والمنطلق في تقويم العمل التربوي، فالتقويم إنما يتم بناء على مستوى ما تحقق من الأهداف(3) شروط صياغة الأهداف: حتى تؤدي الأهداف وظيفتها المرادة لابد من أن تتحقق فيها شروط عدة، ما بين شروط تحقق لها الانضباط بضوابط الشرع، وشروط في صياغتها ولغتها، ومن ذلك: 1-أن تكون مشتقة من الثوابت والأصول الشرعية، متفقة مع منهج أهل السنة والجماعة، بمفهومه الواسع الشامل. 2- أن تراعى في أولوياتها المقاصد الشرعية؛ فتعطي كل جانب ما يستحقه دون إفراط ولا تفريط، فلا تقدم السلوك مثلاً على الاعتقاد. 3- الواقعية بحيث تكون ممكنة التطبيق، فلا تكون مثالية موغلة في الخيال. 4- لشمول بحيث تشمل الجوانب التربوية للفرد والمجتمع كلها، ولا تكون قاصرة على مجال دون غيره. 5- أن تصاغ بطريقة علمية سليمة. 6- الوضوح والدقة، بحيث لا يختلف اثنان في تفسيرها. 7- أن تكون محددة غير عائمة، وألا يشتمل الهدف على أكثر من عنصر(4) مستويات الأهداف: تقسم الأهداف التربوية إلى ثلاثة مستويات: (أعلى ومتوسط ومحدد)، ويقسمها بعض من كتب في التربية الإسلامية إلى مستويات أربع، وتبقى مستويات الأهداف مجالاً للأخذ والعطاء،لأن فيها قدرًا من النسبية ومن التقسيمات الشائعة، مايلي: 1 - الغاية العليا: وهي تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى، ويجب أن تكون هذه الغاية هي التي تحكم سائر الأهداف، بل أن تكون جميع الأهداف موصلة إليها ومحققة لها، وهي غاية دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56) وعن ربيعة بن عباد قال: والله إني لأذكره يطوف على المنازل بمنى وأنا مع أبي غلام شاب ووراءه رجل حسن الوجه أحول ذو غديرتين، فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم قال: "أنا رسول الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً" ويقول الذي خلفه: إن هذا يدعوكم إلى أن تفارقوا دين آبائكم، وأن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلال. قال: فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب(5). بل الدعوة لتوحيد الله وعبادته هي غاية دعوة سائر الأنبياء {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:25). 2 - المستوى العام للأهداف: وهي التي تمثل الأهداف العامة لتربية الفرد والمجتمع المسلم وتكون مشتقة من الغاية وموصلة إليها. "والأهداف في هذا المستوى تفتقر إلى التحديد والواقعية، فهي عبارات عامة جداً يستريح لها القارئ فهماً وتنظيراً، ولكنه يجد صعوبة في ترجمتها لخبرات تربوية، كما أن المتربي لن يجد خطوات محددة يسير عليها، أو معالم بارزة ينتهي عندها"(6) لكنها ضرورية ولابد منها، وما يليها من الأهداف يشتق منها، ويوصل إليها، ومن أمثلة هذه الأهداف: - تحقيق البناء الإيماني في نفوس الطلاب. - رفع مستوى الصحة النفسية والاستقرار النفسي لدى الطلاب. 3 - المستوى المتوسط للأهداف: وهي الأهداف التي تختص بمرحلة دراسية أو عمرية أو مدة زمنية معينة، وهي تشتق من الأهداف العامة وتوصل إليها، وأغلب حديثنا في هذا الكتاب هو حول هذا المستوى. ومن أمثلة هذا المستوى: - تكوين الاعتزاز بالإسلام ومبادئه. - تنقية الدين من البدع والخرافات. - تعريف الطالب بقدراته وإمكاناته. 4 - المستوى المحدد للأهداف: وهي التي تكون خاصة بوحدة دراسية معينة، أو برنامج تربوي معين، وتشتق من المستوى المتوسط، وتكون أكثر تحديداً ودقة، ويجب أن تكون قابلة للقياس. ومن أمثلة هذا المستوى: - أن يستطيع الطالب تطبيق خطوات التفكير العلمي. - أن يفرق الطالب بين الركن والواجب في الصلاة. مثال يوضح مستويات الأهداف وتدرجها: ويوضح المثال الآتي تدرج الأهداف وفق المستويا ت المختلفة: فالإعداد الدعوي هدف عام اشتققنا منه أربعة أهداف متوسطة تؤدي إليه، وتحققه، ثم قمنا باختيار أحد الأهداف المتوسطة، واشتققنا منه أربعة أهداف محددة تؤدي إليه، كما يتضح من الشكل الآتي: وما سنذكره في هذا الكتاب حول الأهداف حديث عام، لا يغني المربي عن أن يضع خطة تفصيلية وأهدافاً محددة تتناسب مع طبيعة العمل الذي يقوم به، كما يتضح من الملحق.

----------------

الحاشية:

(1) (مقاييس اللغة 6/40.). (2) (انظر: لقاء الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمن (15/49)، قواعد الوسائل (317)، مجلة المشكاة (ع1) حكم التمثيل في الدعوة إلى الله). (3) (انظر: أهداف التربية الإسلامية. علي خليل أبو العينين (13-14)). (4) (انظر: أهداف التربية الإسلامية وغاياتها. مقداد يالجن (34-35) أهداف التربية الإسلامية. علي خليل أبو العينين (15-16). التخطيط والمتابعة بين النظرية والممارسة. طلال الغرياني (112-122).). (5) (رواه أحمد (15597).). (6) (علم النفس الدعوي (21)).

الفصل الثاني: خصائص المرحلة

المرحلة التي نتحدث عنها هي مرحلة الشباب، ويقع جزء كبير منها في مرحلة المراهقة، وهي مرحلة متميزة لها سماتها وخصائصها. ومن ثم فمن المهم التعريف بخصائص هذه المرحلة وسماتها، والحديث المفصل عنها يطول، لذا سنتحدث هاهنا بإيجاز عن أهم خصائص المرحلة وسماتها، وهذا لا يغني المربي عن الرجوع إلى الكتب المتخصصة للاستزادة حول هذا الموضوع. هناك أمور يشترك فيها معظم الناس وتسود في أغلب المجتمعات، وثمة صفات مرتبطة بالإنسان من حيث هو إنسان، إلا أن ذلك لا يعني أن المجتمعات والناس سيصبحون نسخة واحدة، فليس ما يصدق على أحدهم يصدق على سائر الناس، وهذا له صلة كبيرة بموضوع حديثنا. لذا فالعوامل المختلفة في المجتمعات تترك أثرها في حياة المراهقين، فيختلفون من عصر لآخر، ففي العصور السابقة التي كان يدخل فيها المراهق ميدان العمل في وقت مبكر، ويتزوج وهو صغير، كان المراهق أسرع نضجاً وأقل مشكلات من هذا العصر الذي تطول فيه مدة التعليم والاعتماد على الأسرة، ويتأخر الزواج وتحمل المسؤولية. وهم يختلفون من مجتمع لآخر، ويختلفون في المجتمع الواحد من بيئة لأخرى؛ فالمراهق في الريف والبادية يختلف عن المراهق في الحاضرة، والمراهق في المجتمع الصناعي يختلف عنه في المجتمع الزراعي، كما يختلف في المجتمع القبلي المترابط عنه في المجتمع المدني المعاصر الذي تقل فيه الروابط الأسرية والقبلية. ولذا فالمراهق في المجتمعات الإسلامية التي كانت تعيش صفاء الإسلام ونقاءه، لا يمكن أن يقارن بالمراهق الذي يعيش في حضارة العصر المادية التي اتسعت فيها ألوان الفساد والمؤثرات، ومن يقرأ السيرة النبوية يرى كيف كان الشباب - الذين عاشوا هذه المرحلة - في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في ميادين الجهاد ونصرة الدين، ولم يكونوا يعانون من هذه المشكلات التي يعاني منها المراهق اليوم(1). وكما يحصل الاختلاف بين المجتمعات، فهو كذلك بين الأفراد أنفسهم في المجتمع الواحد، بل في الأسرة الواحدة، ومع ذلك تبقى سمات مشتركة يلتقي فيها معظم المراهقين. مصطلح المراهقة: قال ابن فارس: "الراء والهاء والقاف أصلان متقاربان، فأحدهما: غشيان الشيء الشيء، والآخر: العجلة والتأخير. فأما الأول فقولهم رهِقه الأمر: غشيه.... قال الله جل ثناؤه: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} (يونس:26). والمراهق: الغلام الذي دانى الحلم… وأرهق القوم الصلاة: أخروها حتى يدنو وقت الصلاة الأخرى. والرَّهَق: العجلة والظلم. قال الله تعالى:{فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا} (الجن:13) والرَّهَق: عجلة في كذب وعيب" (2). والأصلان اللذان تدور حولهما هذه المعاني لهما صلة بهذا المصطلح. وذكر في لسان العرب معاني عدة للرهق منها: الكذب، والخفة والحِدَّة، والسفه والنُّوك، والتهمة، وغشيان المحارم وما لا خير فيه، والعجلة، والهلاك(3). ومعظم هذه المعاني موجودة لدى المراهق. الفرق بين المراهقة والبلوغ: البلوغ عند علماء النفس يعني "بلوغ المراهق القدرة على الإنسال، أي اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسية عند الفتى والفتاة وقدرتها على أداء وظيفتها، أما المراهقة فتشير إلى التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، وعلى ذلك فالبلوغ جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة" (4). مراحل المراهقة: مع أن المراهقة مرحلة لها خصائصها التي تميزها عما قبلها وبعدها من المراحل، إلا أن بعض المختصين يقسمونها إلى مراحل فرعية: المراهقة المبكرة (12-14) وتقابل المرحلة الإعدادية (المتوسطة). المراهقة الوسطى (15-17) وتقابل المرحلة الثانوية. المراهقة المتأخرة (18-21) وتقابل المرحلة الجامعية، وهذا حسب التقسيم الدراسي في معظم الدول العربية (5). ونظراً لأننا لسنا بصدد دراسة مفصلة، سنتناول الخصائص العامة للمرحلة دون التفاصيل التي تميز مرحلة فرعية عن أخرى. وتبدو سمات المراهق في جوانب النمو الآتية: أ - النمو الجسمي: لما كانت المراهقة تعني بداية دخول الشاب عالم الرجال، ودخول الفتاة عالم النساء، فمن سنة الله في خلقه أن يتهيأ جسمه لذلك، فينمو بما يؤهله للانتقال إلى المرحلة الجديدة. ويشمل النمو الجسمي مظهرين: النمو الداخلي (الفسيولوجي)، وهو النمو في الأجهزة الداخلية غير الظاهرة للعيان، ويشمل ذلك بوجه خاص النمو في الغدد الجنسية. أما المظهر الثاني: فهو النمو العضوي، ويتمثل في نمو الأبعاد الخارجية للمراهق، فيزداد طوله ووزنه، وتبدو العلامات التي تميز الشاب عن الفتاة، فيخشن صوت الشاب، ويبدأ نمو الشعر في مواطن معينة من جسمه، وفي المقابل يبرز الثديان لدى الفتاة، وتبدو لديها مظاهر الأنوثة. ويتميز النمو الجسمي في مرحلة المراهقة بسرعته الكبيرة، وقد ينشأ عنها عدم تناسق بين أجزاء الجسم المختلفة مما قد يسبب الحرج له، كما أن النمو الجسمي لا يسير في توازن مع سائر المظاهر، فقد يسبق النمو الجسمي النمو العقلي أو الاجتماعي: فينتظر منه مَنْ حوله أن ينتقل إلى عالم الرجال وهو لما يزال طفلاً بعد، وقد يحدث العكس فيتأخر النمو الجسمي ويُعامل على أنه طفل بينما هو يشعر أنه قد تجاوز ذلك. ب - النمو العقلي: تشهد مرحلة المراهقة الطفرة في النمو العقلي، وأبرز جوانب النمو في هذه المرحلة ما يلي: 1- اطراد نمو الذكاء، في الوقت الذي اكتمل فيه نمو المخ العضوي، ويتوقف نمو الذكاء في المتوسط عند سن الثامنة عشرة، وتصبح الفروق بعد ذلك عائدة إلى الخبرة(6)، فلو وجهت أسئلة للذكاء لا تعتمد على الخبرة لمجموعتين، الأولى في العشرين من العمر والثانية في الثلاثين فلن تجد فرقاً. 2- بروز القدرات الخاصة، ويقصد بها: النشاط العقلي المقتصر على مجال معين، وهي متعددة، ومن أبرزها: القدرة الرياضية التي تتعلق بالتعامل مع الأرقام والمعادلات، والقدرة اللفظية، والقدرة اللغوية، والقدرة المكانية التي تتعلق بالقدرة على التعامل مع المسافات والأحجام والاتجاهات، ويشمل التغير في القدرات الخاصة في مرحلة المراهقة مايأتي: 2-1- اتضاحها فهي ضئيلة في مرحلة الطفولة، وتتضح غالباً في الخامسة عشرة. 2-2- الثبات النسبي، فلو أجري قياس لها في الخامسة عشرة، ثم في الثامنة عشرة لكانت النتائج متقاربة. 2-3- اتضاح الفروق الفردية. 2-4- اتضاح الفروق بين الجنسين، فيتميز الرجال بالتفوق في القدرات الرياضية، والمكانية، والميكانيكية، والمنطقية الاستدلالية. وتتفوق النساء في القدرات: اللغوية، وإدراك العلاقات الاجتماعية. 3- تكوُّن الاتجاهات وتبلورها، والاتجاه: موقف عقلي تجاه موضوع معين يجعله يسلك سلوكاً واحداً في المواقف المتشابهة. ومن مخاطر الاتجاهات استمرارها غالباً وصعوبة تعديلها بعد سن المراهقة، وأن الشخص يبدأ يتعامل مع المواقف من خلال هذا الاتجاه، فالذي يتعارض معه يقوم بتأويله بما يتفق مع هذا الاتجاه. ومن الأمثلة على ذلك: أن يتكون لدى الشاب من خلال مواقف عديدة اتجاه سلبي ضد المتدينين. وحين يقابل بعد ذلك أشخاصاً متدينين يتسمون بحسن الخلق واللباقة فإنه سيفسر ذلك بأن هذه الأخلاق لأجل مصالح، أو أنها مجاملة...إلخ. 4- يظهر التفكير المجرد لدى المراهق، وهذا من أبرز التغيرات العقلية، والمقصود بالتفكير المجرد: القدرة على القيام بالعمليات العقلية دون التقيد بالمحسوس، فالطفل لا يفهم إلا المحسوس، أو ما يقرب له بصورة المحسوس، فهو يفهم الحب على أنه تصرفات والده أو والدته تجاهه، أما المراهق فيفهم الحب على أنه أمر قلبي، ويفرق بين حقيقة الحب ومظاهره. ومن مظاهر التغير في التفكير لدى المراهق: 4-1- التفكير في أمور جديدة، لم يكن يفكر فيها من قبل، ومن هنا ينشأ التفكير في الكون والحياة والخلق. 4-2- إثارة أسئلة لم يكن يسألها من قبل. 4-3- المبالغة في تحليل الأمور، وقد يناقش كثيراً من الأمور التي كان يعدها مسلمات فيما مضى. 4-4- المقارنة بين الكائن والممكن، فهو يستطيع تصور واقع أفضل من الواقع الذي يعيشه، وينتقد واقعه وتصرفات الكبار، أما في مرحلة الطفولة فقد كان يأخذ الأمور على أنها مسلمات. 4-5- استخدام الرموز للتعبير عن رموز أخرى، فيستطيع أن يستخدم نظاماً رمزياً من الدرجة الثانية، ولهذا فهو يستطيع تعلم الجبر، ويفهم التعبير المجازي والصور البلاغية. 4-6- القدرة على افتراض الفروض لمشكلة معينة، واختبارها والاختيار بينها. وتؤدي قدرة المراهق على التفكير المجرد ونقص الخبرة لديه إلى مشكلتين رئيستين، الأولى: المثالية في التفكير، والثانية: الحيرة بين البدائل. 5- يصبح التعلم منطقياً لا آلياً، ويبتعد عن طريق المحاولة والخطأ. 6- تزداد القدرة على التذكر عند المراهق وتقوى حافظته، وثمة فرق بين الأطفال والمراهقين في الحفظ، فالأطفال يميلون إلى التذكر الآلي، بخلاف المراهقين فهم يميلون إلى تذكر الموضوعات التي حفظت بطريقة منطقية. 7- تزداد القابلية على إدراك مفهوم الزمن، فيتوقع المستقبل ويخطط له. 8- ينمو الانتباه في مداه ومدته ومستواه، فيستطيع المراهق استيعاب مشكلات طويلة معقدة في سهولة ويسر، ويستطيع التركيز لزمن أطول من مرحلة الطفولة. 9- تزداد القدرة على التعميم وفهم التعميمات والأفكار العامة، فهو يعمم فهماً معيناً من خلال حدث أو أحداث تمرُّ عليه. 10- يخرج من التفكير السلبي إلى التفكر الإيجابي فيبحث عن المسؤولية، ويتساءل عن نظرة الناس له، ويشعر بالهامشية حين يكون منبوذاً، وبالقيمة حين يكون مسؤولاً. ويمثل الجانب العقلي أكثر الجوانب التي يفتقر معظم المربين اليوم إلى معرفتها، وهو أكثرها غموضاً لديهم، ففئة كبيرة من المربين لا تعرف عن المراهقة إلا أنها مرحلة طيش وعناد وسفه، ومرحلةٌ تظهر فيها مشكلة الشهوة، ويجهلون هذه الجوانب المهمة. ولاشك أن إدراك هذه الجوانب له أثره الكبير في صياغة الأهداف والبرامج التربوية، وأثره على اللغة التي ينبغي أن تسود في التعليم، وفي الحوار والإقناع. ولا ينبغي أن يتصدى امرؤ للتربية ويتحمل مسؤوليتها وهو يجهل صفات من يقوم على تربيته وخصائصه. ومرحلة تعميم التجارب الشخصية، والنظر للآخرين من خلال ما مرَّ بالشخص في مرحلة المراهقة، والمحاولة والخطأ، هذه المرحلة ينبغي أن نتجاوزها. ج - النمو الانفعالي: من أبرز سمات النمو الانفعالي لدى الشاب في مرحلة المراهقة: 1- مفهوم الذات، ويقصد به: الفكرة التي يحملها الفرد عن نفسه، فقد تكون سلبية، وقد تكون إيجابية، وهي تنشأ من ردود أفعال الآخرين تجاه الشخص، وهو يبدأ في مرحلة الطفولة لكن هناك تغيرات تلحق به في مرحلة المراهقة، ومنها: 1-1- الاستقرار والتبلور، حتى يصبح تأثره بما يقوله الآخرون عنه أو ما يحدث له ضعيفاً. 1-2- الانخفاض النسبي في مفهوم الذات لدى كثير من المراهقين، بسبب التغيرات التي يحتاج إلى التكيف معها، والإحباطات التي تمرُّ به. 1-3- التغير الجذري عند بعض المراهقين، فقد يحصل لدى بعضهم تغير جذري ينعكس على سلوكه فيتحول من طالب مجد مؤدب إلى مهمل كسول مشاغب. أو العكس. ويستفاد من مفهوم الذات كثيراً في علاج بعض مشكلات المراهقين، من خلال السعي لتغييره وتعزيز الشعور الإيجابي للمراهق تجاه ذاته. ومن هنا فالإفراط كثيراً في لوم المراهق وتأنيبه وانتقاده محدود الجدوى في علاج مشكلاته، بل ربما يزيدها تعقيداً. 2- الشعور بالأنا، ذلك الكيان المستقل عن والديه، إرادة وأحاسيس ومشاعر، مما يكون له أثر في ظهور الانفعالات التالية، كما يضغط عليه بأسئلة ملحة عن ماهيته وماذا يريد؟ 3- غزارة الانفعال وقوته، فانفعالات المراهق قوية وشديدة، فهو إذا أحب أو كره بالغ في ذلك، وإذا غضب يحطم ما بيده، ويتصرف تصرفات غير متزنة. ويضعف تحكمه فيها فقد يضحك في مواقف لا يليق أن يضحك فيها. 4- التذبذب الانفعالي وتقلب المراهق بين سلوك الأطفال وتصرفات الكبار. 5- الذاتية والاعتداد بالنفس، لذا فهو يملك حساسية مفرطة لنقد الآخرين له، ويعتقد أن الآخرين ينظرون إليه دائماً، ومن ثم يبالغ في الاهتمام بمظهره. 6- تبدو ظاهرة أحلام اليقظة لدى المراهق، فينتقل فيها من عالم الواقع إلى عالم الخيال، وهي - ما لم تخرج عن حد الاعتدال - لا تمثل مشكلة. د - النمو الاجتماعي: من أهم مظاهر النمو الاجتماعي لدى المراهق: 1- الاهتمام بالمظهر الشخصي والاعتناء به. 2- تحقيق الذات والميل إلى الاستقلال الاجتماعي، والانتقال من الاعتماد على الغير إلى الاعتماد على النفس. 3- الميل إلى الأصدقاء والارتباط بهم والثقة الكبيرة بهم، ومن هنا تنشأ لدى المراهق ظاهرتان: 3-1- الظاهرة الأولى: الصديق الحميم، حيث يرتبط بأحد أصدقائه ارتباطاً قوياً، فيتحدثان سوياً، ويذهبان سوياً(7). 3-2- الظاهرة الثانية: مجموعة الرفاق، حيث يشكل المراهقون مجموعات صداقة، وتتسم هذه المجموعة بمحدودية عددها، وشدة تماسكها، وقوة ضغطها على أفرادها. 4- الميل إلى الزعامة والإعجاب بالشخصيات اللامعة ومحاولة محاكاتها. 5- زيادة الوعي بالمسؤولية الاجتماعية، والمكانة الاجتماعية والطبقة التي ينتمي إليها(8). حاجات المراهق: يختلف علماء النفس اختلافاً واسعاً في تصنيف حاجات المراهق وترتيبها، وجزء كبير من هذا الاختلاف أمر اصطلاحي يتعلق بالتصنيف والترتيب، ومن أبسط التصنيفات، تصنيف النغيمشي، حيث صنَّفها إلى: أ- حاجات نفسية، وتشمل: الحاجة للعبادة، الحاجة للأمن، الحاجة للقبول. ب- حاجات اجتماعية، وتشمل: الحاجة للرفقة، الحاجة للزواج، الحاجة للعمل والمسؤولية. ج- حاجات ثقافية، وتشمل: الحاجة للاستطلاع، الحاجة للهوية الثقافية. وسيأتي تناول الحاجات بشيء من التفصيل في الجانب النفسي، بمشيئة الله تعالى. المراهق والتدين: تشهد هذه المرحلة اتجاهاً قوياً لدى الشاب والفتاة نحو التدين، ويتمثل في التفكير والتأمل، وفي الاعتناء بممارسة الشعائر الدينية، وقد أثبتت ذلك دراسات نفسية عديدة، حتى في المجتمعات التي يعتبر الدين فيها أمراً هامشياً، كالمجتمعات الغربية اليوم، فكيف بالمجتمعات المتدينة؟ إنها فطرة الله التي فطر الناس عليها، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الروم:31). عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا. كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَّرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً". وبيَّن صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر أن العوامل الطارئة هي التي تصرف المرء عن اتباع الدين، فقال: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنهالأهداف smile.gifفِطْرَة اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (الآية ….(9). ولما كانت هذه المرحلة هي مرحلة التكليف الشرعي، كان من حكمة الله أن تتجه النفس فيها للتدين، وأن يقوى فيها هذا الجانب. "وإذا كان الطفل منذ نعومة أظفاره يدرك عدداً من المعاني الدينية بتأثير هذه الفطرة التي أودعه الله إياها، فإن هذا الإدراك هو شعور غير محدد، فهو يبدي عدداً من الانفعالات، ويثير جملة من الأسئلة عن الله خالق الكون…فإن المعاني الدينية تتضح أكثر عند المراهق، بسبب نضجه العقلي الذي وصل إليه، فلا تكاد المراهقة تبلغ أوجها - حوالي السادسة عشرة تقريباً - حتى تكون مستويات المراهق الإدراكية قد تفتحت وتسامت، وذكاؤه قد بلغ أوجه، كما تتحدد في هذه المرحلة اهتمامات المراهق، ويتحرر من الشطحات والخيال، ويميل إلى القراءة والاطلاع، ويصبح قادراً على التجريد وإدراك المعنويات، وتجاربه في البيت والمدرسة والمجتمع قد تنوعت، كل تلك العوامل العقلية والاجتماعية تتضافر في إيجاد وعي ديني عند المراهق، يختلف عن الاهتمام الديني عند الأطفال…والمراهق كغيره يجد في الدين أملاً مشرقاً بعد يأس مظلم، ويجد فيه أمناً من خوف، وفكراً يسد فراغه النفسي وقلقه الانفعالي، وهذا كله يدفع بالمراهق إلى المبالغة في العبادة والتعمق فيها أحياناً" (10). والاتجاه نحو التدين عند المراهق فرصة ينبغي الاعتناء بها واستثمارها الاستثمار الأمثل حتى تسهم في تربية الشاب وإصلاحه، وهي فرصة"يمكن أن يعاد فيها تشكيل النفس كلها إن كانت في حاجة إلى إعادة التشكيل، فإذا كانت فترة الطفولة قد أفلتت - لأي سبب من الأسباب - فستتهيأ في الفترة التي نحن بصدد الحديث عنها فرصتان هائلتان لإعادة التشكيل، إحداهما هذه السابقة للبلوغ، والأخرى التي تحدث في مرحلة البلوغ" (11). وحين ننظر إلى هذا الجانب، وننظر من زاوية أخرى في سمات المرحلة وخصائص النمو ندرك حكمة الباري جل وعلا حين اختار هذا السن للتكليف؛ فشخصية المرء بكافة جوانبها تقوده نحو الشعور بأنه دخل عالم الرجال؛ ومن ثم يعيد النظر في ذاته ويتأمل حاله؛ فيدرك الغاية من خلقه، ويسعى للالتزام بالعبودية لله عز وجل. وبعد أن تحدثنا عن سمات المرحلة وخصائصها آن لنا أن نشرع في الحديث عن الأهداف التربوية، ولنبدأ بأهمها وأولاها ألا وهو الجانب الإيماني.

----------------------------

الحاشية:

(1) إن تقرير هذه الحقيقة لا يعني أن المراهق في المجتمع المسلم المعاصر لا يعاني من مشكلات أفرزها الواقع التربوي والاجتماعي والحضارة المعاصرة. (2)مقاييس اللغة (2/451). (3) لسان العرب (10/128-131). (4) سيكيولوجية المراهق المسلم المعاصر. ص 14. (5) انظر علم نفس النمو. حامد زهران (293). (6) روى الرامهرمزي (188) بإسناده عن الثوري رحمه الله أنه قال:"يُثغِر الغلام لسبع، ويحتلم لأربع عشرة، ويكمل عقله لعشرين، ثم هو التجارب" قال: وقد رُوِي نحو من هذا عن علي. (7) يفسر كثير من المربين هذه الظاهرة تفسيراً سيئاً، ويرون أنها من مظاهر العشق، ويبالغون في التعامل معها، ومع أنها قد تؤدي لشيء من ذلك، لكنها سمة طبيعية في هذه المرحلة، وليست بالضرورة مَرَضية. (8) تم تلخيص سمات المرحلة من المراجع الآتية: النمو في مرحلة المراهقة. محمد عماد الدين إسماعيل/ المراهقون. عبدالعزيز النغيمشي/ المراهق. نوري الحافظ/محاضرات في سيكيولوجية النمو. جامعة الزقازيق/ سيكيولوجية المراهق المسلم المعاصر. عبدالرحمن العيسوي/ علم نفس النمو. حامد زهران. علم نفس المراحل العمرية.عمر المفدى. (9) رواه البخاري (1358) ومسلم (2658). (10) الشعور الديني عند المراهق. عثمان جمعة ضميرية. مجلة البيان ع37 ص59-60. (11) منهج التربية الإسلامية. محمد قطب 2/202.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59