عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-16-2013, 09:49 PM
عابر غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19
افتراضي قُصَـيْر مِنّي .. وأنا من قُصَـيْر


ربما تدفعك المأساة للتوقف عند قول مريم " يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً " ..
وربما تغار من همّة العجوز ورقة بن نوفل إذ يقول : " يا ليتني كنت فيها جَذعَاً ، وإن يدركني يومك انصرك نصراً مؤزراً " ..

تحار جعبتك الإيمانية بالذي ينبغي تزويدك به ، فقد مرّ علينا في ثورتنا من المصائب أعظمها ، ومن الابتلاءات معظمها ، هل رأيتم مسلسلاً مئوياً اختصر في ساعة تلفزيونية ؟ عندنا أحداث البشرية اختصرت في ثورة .

إليكم المشاهد التالية :

أبو الفهد ، في الخامسة والعشرين من عمره ، عمود العائلة ، وزهرة أسرته ، وقرة عين والديه ، يفقده أهله يوم التشريقة القصيراوية ، حيث نزحت المدينة ليلاً ، ويُقطع الاتصال بهاتفه المتحرك ، ويصبح فؤاد أمه وأبيه فارغاً ، وبعد ثلاثة أيام ، يعود الاتصال لهاتفه المتحرك ، يختطف الأب الهاتف ويصغي بكل جوارحه للرّدّ ، يجيب الطرف الآخر : مينك أنت ؟
فيقول الأب ، أنا والد فلان ، وأنت عم تحكي من تلفونه ، وينو هو ؟
فيقول بقهقهة مدوية : إي هذا كان تليفونه ، هلق بعتنالكن إياه لعند الحور العين ، أنا ودّيتو ، مو هيك كان بدّو ؟ استناه هناك .

في الوقت الذي كان يُنحَر فيه أبو الفهد ، وتُنحَر أحلام أسرته ، كانت أحلام تنتصب واقفة لتسأل مطرباً هاوياً في برنامج عرب آيدول : أنت برشلوني ولا مدريدي ؟ أنت مدريدي وأنا برشلونية ، بس أنت تشبه رونالدو ، وغناءك مثل ميسي ، رشيق .. يرافق الحوارّ تصفيق وتصفير وترى الجمهور سكارى ، وهم سكارى .

لا بأس ..

لو انتقلنا إلى الميدان ، لوجدنا التباين موجوداً بمرارة بين كتائب المقاتلين التي جاءت لنجدة القصير ، ويصعب عليّ ذكر تلك المأساة .

هل أنت بعد هذا التمايز مع لوعة مريم أم همّة ورقة ؟

إياك يا قرة العين أن تبتئس بما يصنع من هم عالة على الحياة .

تذكّر الموقفين التاليين ، من خاتم النبيين ، وخليفته الأول :

1. يا عمّاه .. والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ، على أن أترك هذا الأمر ـ ما تركته ،حتى يظهره الله أو أهلك دونه .

2. والذي نفس أبي بكر بيده ، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث جيش أسامة كما أمر به رسول الله ، ولو لم يبقى في القرى غيري لأنفذته .
هذه مدرستنا ، وتلك عقيدتنا ، أنت من القُصَير ، فقط إن كنتَ تستطيع أن تقول للباطل : لا ، ولو قالت له الدنيا كلها : نعم ، وأن تقول للحق نعم ، ولو قالت له الدنيا كلها : لا ، وأن تدفع ثمن هذا أو ذاك من عمرك .

أنت من القُصَير ، فقط إن استطعتَ أن تكون في نفسك أكبر من الواقع الفاسد ، وعندها أنت في جند الله ، ومن سيوف الحق ، إما إن كنتَ أصغر من الواقع ، فأنت في جند الطاغوت ، ومن سيوف الباطل ، أو إن شئت فقل ، أنت من مريدي عرب آيدول .

أنت من القصير .. فقط إن كنتَ تؤمن بأنّ دماء هؤلاء الأحرار أريقت لحفظُ بقايا العقيدةِ والعزيمةِ في القلوبِ والشّعوب، ولتوقِد شعلةَ الأملِ والنّضالِ في ظلماتِ اليأسِ والاستسلام، وتُزَلْزِل الأسوارَ الشّاهقةَ في سجنِ الحاضرِ الرّهيب، إِلى المستقبلِ الكريم .

إنّ حجمَ الأشياءِ الحقيقيّ، هو حجمُها في النّفوسِ والأفكار ، فرُبَّ ألفٍ من النّاس كواحد ، ورُبّ واحد منهم كألف ، ورُبَّ حادثٍ واحدٍ، لَهُ في ألوفِ الأشخاصِ، ألوفُ الأحجامِ والآثار ، وعليه ، فالذي جرى في لقصير يجعلها فوق الحجوم .

سلام على القصير ، وعلى بساتين القصير ، ومآذن القصير ، وعلى الأرواح الطاهرة التي حلّت بفناء القصير ، وعلى كل نقطة دم من جريح لامست ثرى القصير ، وعلى المشردين الهائمين على وجوههم مغادرين أرض القصير ، وعلى كل قلب تعلّق بملحمة القصير ..

المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59