عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-24-2016, 07:34 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,217
ورقة من هدم المعبد؟! (2 / 2)

من هدم المعبد؟! (2 / 2)
ــــــــــــــ



(مركز التأصيل للدراسات والبحوث)
ـــــــــــــــــ

15 / 6 / 1437 هـ
24 / 3 / 2016 م
ـــــــــــــ








إنَّ سنن الاجتماع البشري لا تُسقِط جماعةً أو أُمةً أو دولةً بفعل خارجي، بل غالبا ما يكون العامل الخارجي كاشفا عن سقوط داخلي بالأساس. وهو قانون لا يتخلف عن أي تجمع بشري مهما كان. حتى ولو كانت أمة محمد –عليه الصلاة والسلام. فقد جاء في الحديث: (لن يستحِلَّ هذا البيتَ إلَّا أهلُه، فإذا استحَلُّوه فلا تَسَل عن هلَكةِ العرَبِ، ثمَّ تظهَرُ الحبَشةُ فيُخرِبونَه خَرابًا لا يعمُرُ بعدَه أبدًا، وهم الَّذينَ يستخرِجونَ كَنزَه)، صحيح ابن حبان: رقم 6827؛ وفي حديث آخر: (إنَّ اللهَ زوَى لي الأرضَ حتَّى رأَيتُ مَشارِقَها ومغاربَها، وأعطاني الكَنزينِ: الأحمرَ والأبيضَ، وإنَّ مُلْكَ أمَّتي سيبلُغُ ما زُوِي لي منها. وإنِّي سأَلْتُ ربِّي لِأمَّتي ألَّا يُهلِكَهم بسَنةٍ عامَّةٍ، وألَّا يُسلِّطَ عليهم عدوًّا مِن غيرِهم فيُهلِكَهم، ولا يلبِسَهم شِيَعًا ويُذِيقَ بعضَهم بأسَ بعضٍ. فقال: يا مُحمَّدُ إنِّي إذا أعطَيتُ عطاءً فلا مرَدَّ له، إنِّي أعطَيتُك لِأمَّتِكَ ألَّا يُهلَكوا بسَنةٍ عامَّةٍ، وألَّا أُسلِّطَ عليهم عدوًّا مِن غيرِهم فيستبيحَهم، ولكن ألبِسُهم شِيَعًا، ولوِ اجتمَع عليهم مَن بينَ أقطارِها حتَّى يكونَ بعضُهم يُهلِكُ بعضًا، وبعضٌ يُفني بعضًا، وبعضُهم يَسبي بعضًا. وإنَّه سيرجِعُ قبائلُ مِن أمَّتي إلى التُّركِ وعبادةِ الأوثانِ). وفي الحديث ذاته: (وإنَّه إذا وُضِع السَّيفُ فيهم لم يُرفَعُ عنهم إلى يومِ القيامةِ)، صحيح ابن حبان: رقم 6714.

وإذا كان الأمر كذلك فما يحل بالأمم الأخرى والديانات السابقة هو محل عبرة واتعاظ، فالسنن الاجتماعية والكونية تجري على الجميع. وفي الحديث: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوا القذة بالقذة)، تحذير وتنبيه! أما التحذير فمن الوقوع في ذات المزالق والانحرافات وأما التنبيه إلى كونها ستقع لأن أمراض التدين لا تتخلف عن أمة من الأمم.

صكوك الغفران:
----------

توجت الكنيسة تصرفاتها الشاذة وبدعها الضالة بمهزلة لم يعرف تاريخ الأديان لها مثيلاً، وحماقة يترفع عن ارتكابها من لديه مسكة من عقل أو ذرة من إيمان، تلك هي توزيع الجنة وعرضها للبيع في مزاد علني، وكتابة وثائق للمشترين تتعهد الكنيسة فيها بأن تضمن للمشتري غفران ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبراءته من كل جرم وخطيئة سابقة ولاحقة، ونجاته من العذاب المطهر، فإذا ما تسلم المشترى صك غفرانه أبيح له كل محظور وحل له كل حرام: فماذا عليه لو زنى وسرق وقتل، بل لو كفر؟!
ولم يتوقف الأمر على الأحياء فالكنيسة الرءوم لكل المسيحيين شملت الكل برحمتها، وأتمت الفرحة لزبونها فأباحت له أن يشتري لمن أحب "صك غفران"، وما عليه بعد دفع الثمن إلا كتابة اسم المغفور له في الخانة المخصصة فيغادر المطهر فوراً ويستقر في ظلال النعيم مع المسيح والقديسين.[1]
لقد تأسست هذه البدعة على مبدأ مكانة القساوسة كوسطاء بين الرب وخلقه، فعن طريقه تؤدى الصلاة، ويتناول العشاء الرباني، وهو الذي يقوم بالتعميد، وبمراسم وطقوس الزواج والموت، ويتقبل الاعترافات من المذنبين. وما كان يمارسه القس من غفران الذنوب للمعترف بخطاياه كان باسم المسيح الإله يتم!
لقد كان الهدف من هذه الصكوك تجسيد أماني رعايا الكنيسة -الذين كانوا يذهبون لقتال المسلمين مؤمنين بنصرة المسيح وعون الرب فيهزمون في كل مرة- في تحقيق كسب محقق "جنة الخلد" في الآخرة!
وهي وإن قوت سلطة الكنيسة وهيمنتها المطلقة إلا أنها ارتدت بعد ذلك عليها شرا وكرها؛ فرغم المردود المالي الكبير الذي عاد على الكنائس نتيجة هذه المهزلة التاريخية التي يسبق إليها، حتى أصبحت الكنيسة فاحشة الثراء وأصبحت أسعار الصكوك زهيدة وفي متناول غالب الرعايا. ومع تراكم الثراء وزيادة النفوذ أصبحت الكنيسة في تنافس مع الملوك من ناحية والإقطاعيين من ناحية أخرى، إلى درجة خضوعهم لها رغبا ورهبا.

كان من آثار هذه القضية طغيان الكنيسة الأعمى، والغطرسة الباغية، ولم لا تطغى وتستبد وقد عبدها الناس من دون الله وقدسوا تعاليمها دون تعاليم المسيح؟! ولم لا تغتر وتتجبر وهى تملك المجتمع من ناصيته وتتحكم في الضمائر وتسيطر على الأرواح كما تشاء، وترفع من أحبت إلى أعلى عليين، وتقذف من أبغضت في دركات الجحيم، وتنصب هذا قديساً وذاك شيطاناً مريداً؟!
تلك هي الصورة الإيجابية التي خلفتها هذه المهزلة للكنيسة، وعليها اقتصرت نظرة آبائها، فدفعهم الغرور إلى المضي قدماً، وازدادوا نهماً غير عابئين بالنتائج ولا حافلين بالعواقب.
لكن سنة الله لا تحابي أحداً ولا تجامله، فكل شيء جاوز حده انقلب إلى ضده، والزبد يذهب جفاءً، وهكذا كانت صكوك الغفران مسماراً في نعش الكنيسة وبدايةً لنهايتها، وكانت خسارتها بها عظيمة عظم جنايتها.[2]

وشيئا فشيئا بدأت الهالة القدسية المحيطة برجال الدين تتبخر. وابتداء الناس يعتقدون أنهم كانوا مخطئين في ذلك الاندفاع الأعمى والتسليم الأبله. وعمَّق ذلك الاعتقاد تنافس القساوسة على بيع الصكوك مقروناً به سيرتهم السيئة وجورهم الفاضح، وعجب الناس إذ رأوا كثيراً من الأشرار والطغاة والمجرمين يتبوءون مقاعدهم في الملكوت ببركة الصكوك التي منحها لهم رجال الدين، فكان ذلك إيذاناً بالشك في قداسة رجال الدين أنفسهم ومدى صلاحهم واستحقاقهم للملكوت في ذواتهم.[3]

مخالفة العقل والحماقات المختلفة:
----------------

أدت حماقات الكنيسة المختلفة إلى نقمة الطبقة الحاكمة من الملوك والأباطرة، ونقمة الأمراء والنبلاء، ونقمة الإقطاعيين والتجار، وكان يسيطر على الجميع شعور موحد بالعداوة لها والحقد عليها. لذلك لم تكد بوادر الاستنكار ضد تصرفاتها -لا سيما صكوك الغفران- تبرز للعيان حتى انتهزها الملوك والأمراء فرصة سانحة لحماية الحركات المعارضة، وتأجيج سعيرها، ولولا أن بعض المصلحين الكنسيين -ولوثر خاصة- وجدوا الحماية والعطف من الأمراء والنبلاء لما نجوا من قبضة الكنيسة ونتائج قرارات حرمانها.

كما أن هذه الحماقات ومهزلة صكوك الغفران خاصة ساعدت -بصفة مباشرة- على هدم التعاليم الدينية من أساسها، والاستهتار بكل المعتقدات والأصول الإيمانية بجملتها، وأسهمت في انتشار فكرة إنكار الآخرة والجنة والنار التي لا يقوم دين بغيرها.[4]
ولما كانت تحريفات الكنيسة تخبطات عشوائية لا ترتكز على قواعد محددة، وليس لها ضوابط رادعة، فقد ظل المجال فسيحاً لإضافات أكثر وثغرات أعمق، وكان للمطامع الدنيوية والرغبات الشخصية الفضل الأكبر في دفع الموجة قدماً وتوجيهها كما يراد. يضاف إلى ذلك الحماقات التي ترتكب بطريق السذاجة والبله من بعض المنتسبين إلى الدين، ولا تجد من ينكرها أو يحاصرها، فتصبح مع مرور الزمن طقوساً وشعائر دينية.[5]

إن كثيرا من عقائد الكنيسة تحولت إلى أساطير وخرافات وتصورات متناقضة، كما تحولت العبادات والشعائر إلى طقوس غير معلومة الهدف ولا مفهومة الحكمة، وإنما تمارس من منطلق التسليم التام الذي يبحث في حقيقة ثبوتها ومقاصد تشريعها ومعانيها التعبدية أو الأخلاقية.
لقد أضافت الكنيسة إلى لغز "الثالوث" عقائد وآراء أخرى تحكم البديهة باستحالتها، ولكن لا مناص من الإيمان بها والإقرار بشرعيتها على الصورة التي توافق هوى الكنيسة، كقضية الاستحالة في العشاء الرباني، وعقيدة الخطيئة الموروثة وعقيدة الصلب والعذراء والطقوس السبعة، كل هذه فرضتها على الأتباع بحجة واحدة: هي أنها أسرار عليا لا يجوز الخوض فيها أو الشك في صحتها. وكان العامل المساعد على إنجاح محاولاتها الذي تتمثل فيه صورة الطغيان الديني جلية واضحة ما ذكرناه من احتكارها للمصادر الدينية، ذلك الذي جعلها حاجباً، لا يستطيع أحد دخول الملكوت إلا بواسطته، ولا يمكنه الاتصال بالله إلا من طريقه، وهي حق لا مرية فيه ما دامت الكنيسة هي التي قررته إذ هي معصومة عن الخطأ منزهة عن الزلل.[6]

حتى باتت المسيحية المحرفة تفتقر في كثير من تعاليمها إلى الإقناع العقلي، والبرهان المنطقي لإثباتها، نظراً لتنافيها مع الفطرة وبداءة التفكير. لذلك اضطرت الكنيسة إلى تعويض نقص بضاعتها من الأدلة بادعاء الخوارق والمعجزات، قاصدة التمويه على العقول الضعيفة، واستغفال النفوس الساذجة. وكانت خوارق الكنيسة وشعوذتها تتراوح بين الرؤى المنامية ذات التهويل البالغ، وبين التكهن المتكلف بالمغيبات وحوادث المستقبل، وبين تحمل الأساليب واستجداء شتى الوسائل لشفاء الأمراض المستعصية؛ يتبع ذلك أمور أخرى كتعليق التمائم والرقى والتمتمات المجهولة، واستعمال إشارة الصليب، وتعليق صور القديسين، ومحاربة الشياطين، وطرد الأرواح الشريرة، وصد الكوارث والأوبئة، واستنزال النصر في الحروب وغير ذلك. وكان من السهل على العقلية الأوروبية الهمجية أن تتقبل هذه السخافات، وتصدق الكنيسة في كل شيء بفضل الإرث الوثني الذي ظل متغلغلاً في أعماقها.[7]
استغلت الكنيسة بلاهة وسذاجة أتباعها، ففرضت عليهم مثل هذه العقائد الغريبة الممجوجة! لكن الفطرة البشرية لابد أن تستيقظ مهما طالت غفلتها، وذلك ما تم بالفعل، فقد أدَّى إسراف الكنيسة في الاستخفاف بعقول البشر ومعاندة الفطر الإنسانية إلى تلك الثورة العارمة ضد الكنيسة، التي ابتدأت منذ اتصال أوربة بنور الإسلام، وانتهت بانهيار الكنيسة وفقدانها معظم نفوذها وهيمنتها في القرن الماضي.[8]

الطغيان والتوحش:
---------------

يحيل الشيخ الدكتور سفر الحوالي أسباب ظهور العلمانية، كما في الباب الثاني من كتابه (العلمانية)، إلى الطغيان الكنسي، والذي تناوله في الفصل الأول من هذا الباب. وقال الشيخ تحت عنوان: (أسباب طغيان رجال الكنيسة): "الطغيان في ذاته مرض خطير يدمر النفس الإنسانية ويمسخ سماتها، ويحيل الكائن البشري إلى روح شيطانية ماردة. ومن خصائص هذا المرض أن أعراضه لا تصيب إلا ذا نفس هزيلة، أتيح لها وسائل تفوق طاقتها ومساحة أكبر من حجمها، ولم يكن لديها وازع خلقي أو رادع إيماني يكبح جماحها ويضبط سلوكها. ولا يكون الطغيان -كذلك- إلا مظهراً للشعور بالنقص لدى النفس الطاغية، إذ تحاول بواسطته ستر نقيصة داخلية مؤرقة أو تسويغ مسلك معوج يعجز عن تبريره المنطق السليم والإقناع الهادئ. فالطغيان يبدأ وسيلة خاطئة، وينتهي مرضاً مدمراً لا شفاء له إلا الموت القاصم.
وحين يصدر الطغيان من حاكم وثني أو زعيم دنيوي؛ فإنه يكون معقولاً إلى حد ما، وإن كانت فظاعته لا يسوغها عقل ولا ضمير، أما حين يصدر الطغيان عن رجال يراهم الناس "قديسين" ورسل سلام وطلاب آخره، فذلك مما يشق على النفس احتماله، ويبعد عن الذهن قبوله؛ لا سيما إذا كانوا رجال دين يجعل المحبة شعاره والتسامح ميزته ويقول لأتباعه: من لطمك على خدك الأيمن فأدر له الآخر أيضاً، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً، ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين!"[9].
لقد سبق "رجال الدين" عصرهم في الناحية التنظيمية، إذ كانوا مؤسسة تنظيمية مركبة تركيباً عضوياً دقيقاً، من القاعدة العريضة الممتدة في كافة الأصقاع والأقاليم إلى قمة الهرم المتمركزة في روما. وهذه الميزة أكسبتهم نفوذاً مستمراً لا يقبل المنافسة، وجذوراً عميقة يصعب اقتلاعها. ولذلك نلاحظ أن كثيراً من الأباطرة المتمردين على الكنيسة يفشلون دائماً في مواجهتها، ويرتدُّون صاغرين إلى الانضواء تحت ظلها، كما أن العالم الغربي المسيحي لم يستطع التخلص من قبضة الكنيسة إلا بعد الثورة الداخلية التي قادها المصلحون الكنسيون، والتي أدت إلى إضعاف الهيكل التنظيمي والسلطة المركزية وتشتيت ولاء الأفراد.

والنفس البشرية أينما كانت لا تخلو من حب الطغيان إذا تهيأت لها أسبابه وليس كخشية الله تعالى واستشعار رقابته وضعف الإنسان إزاء قدرته حاجز لها عنه، ولما كانت الكنيسة مفلسة من ذلك فقد آل الأمر إلى أن تكون هيئتها التنظيمية شركة دنيوية تطمح إلى النفوذ الاجتماعي والمغانم الزائلة، ثم تمكنت بوسائل شتى من أن تصبح قوة استبدادية غاشمة.[10]
ويعيد الشيخ الدكتور سفر الحوالي هذا الطغيان الكنسي إلى الاضطهاد البالغ الذي تعرض له أتباع المسيح -عليه الصلاة والسلام- من بعده؛ حيث أدى إلى تحول الدعوة المسيحية إلى دعوة سرية، نتيجة ما كان يقع على حملتها من تعذيب وتنكيل. وهذا بدوره أدى إلى انحصار المصادر الدينية للمسيحية في أيدي فئة قليلة من الناس، وإلى اقتصار حق شرحها وتأويلها عليهم وحدهم. فلما انقضت عصور الاضطهاد، واعتنقت الدولة الرومانية الدين الكنسي، احتفظ رجال الكنيسة بحق قراءة وشرح الكتب المقدسة، ولم يستوعبوا العهد الجديد.

ولأن رجال الكنيسة ورثوا عن أحبار اليهود صفاتهم الممقوتة من التعصب الأعمى، واتباع الهوى واحتكار الرأي، ظلت مصادر الدين الكنسي حكراً عليهم، لا تقع عليها يد لباحث أو ناقد من غير رجال الدين، وكان باستطاعة الكنيسة أن تفرض كل شيء باسم الإنجيل، وهى آمنة من أن أحداً لن يقوم حيالها بأدنى معارضة.[11]

وما ساعد الكنيسة على ممارسة هذا الطغيان هي بيئة المجتمع الذي كان معظمه من الأميين السذج الذين ألفوا العبودية والخضوع المستمر للقوى المسيطرة، وكانوا على درجة كبيرة من الضحالة الفكرية، كما كان سكان أوروبا قبائل همجية تعيش أسوأ مراحل التاريخ الأوروبي كله، لا سيما العصور الأولى من القرون الوسطى، التي تسمى العصور المظلمة، واعتنق هؤلاء الديانة الرسمية للإمبراطورية، وأحلوا عبادة المسيح محل عبادة الإمبراطور، لكنهم لم يتعرضوا ليقظة إيمان حقيقي، كتلك التي هز بها الإسلام نفوس معتنقيه، ورفع مستواهم الروحي والعقلي إلى آفاق عظيمة، بل ظلوا على تلك الحال من الهمجية والانحطاط حتى مطلع العصر الحديث.
لذا كان من الطبيعي للجماهير الغفيرة أن تنساق وراء عقولها السطحية وعواطفها الساذجة، فتصدق كل ما تسمع، وتؤمن بكل ما يقال، وكان رجل الدين هو كل شيء بالنسبة لها، فلم يكن هنالك أي أثر لعالم أو مؤرخ أو باحث، بل كان الظلام المطبق يسيطر على الحياة من كافة نواحيها، ورجل الدين هو الوحيد الذي يملك بصيصاً ضئيلاً، يتمثل في معرفته للقراءة والكتابة، وكونه الموجه الروحي للمجتمع. وبيئة هذه حالها، وأمة هذه صفاتها، جديرة بأن توفر للطاغية حماية كافية ومناخاً صالحاً لفرض طغيانه في المجال الذي يريد، وإشباع رغبته التسلطية كما يشاء.[12]

هذه الأوضاع والعوامل مجتمعة، وهي السلطة الكهنوتية المنظمة، والمصادر غير المكشوفة، والبيئة البدائية، جعلت من الكنيسة مارداً جباراً وطاغوتاً جائراً يملك كل مقومات البقاء ولوازم الاستبداد، ويريد أن يسيطر على كل شيء وفق إرادته وهواه. ولم تدع الكنيسة جانباً من جوانب الحياة دون أن تمسكه بيد من حديد، وتغله بقيودها العاتية، فهيمنت على المجتمع من كل نواحيه الدينية والسياسية والاقتصادية والعلمية، وفرضت على عقول الناس وأموالهم وتصرفاتهم وصاية لا نظير لها البتة.[13]

---------------------------------
[1] العلمانية: ص110- 111.
[2] انظر: العلمانية: ص116- 117.
[3] انظر: العلمانية: ص118.
[4] انظر: العلمانية: ص119- 120.
[5] انظر: العلمانية: ص75.
[6] انظر: العلمانية: ص128- 129.
[7] انظر: العلمانية: ص105- 106.
[8] انظر: العلمانية: ص99.
[9] العلمانية: ص123- 124.
[10] انظر: العلمانية: ص124- 125.
[11] انظر: العلمانية: ص125- 126.
[12] انظر: العلمانية: ص126- 127.
[13] العلمانية: 127.

--------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59