إن موقف الرسول عليه الصلاة والسلام يوم الفتح من أهل مكة المعتدين أعظم هرم للأخلاق الفاضلة والتوضع لا يقدم عليه إلا نبي مرسل، موقف لم يعرفه التاريخ، ولن يعرف له مثيلًا في العفو والصفح. أكثر من عشرين عامًا قضاها مشركو مكة في حرب هذه الدعوة والصدّ عن سبيلها، ومعاداتها، وما تركوا من حيلة إلا جربوها، وطريق إلا سلكوه ليحولوا بين الناس وبين هذا الدين وكم تفننوا في تعذيب الأتباع، والنيل منهم، والتضييق عليهم، بل طاردوهم حتى خارج الجزيّرة.
ثم شنوا ضدهم ثلاثة حروب، ومع هذا كله يدخل -صلى الله عليه وسلم- مكة -ومعه عشرة آلاف مقاتل- متواضعًا خاشعًا لله، "وهذا التواضع في هذا الموطن عند دخوله -صلى الله عليه وسلم- مكة في مثل هذا الجيش الكثيف العرمرم، بخلاف ما اعتمده سفهاء بني إسرائيل حين أُمروا أن يدخلوا باب بيت المقدس وهم سجود. أي ركّع. يقولون: حِطّة، فدخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون: حنطة في شعرة .
تقبل تحياتي ووتقديري.
__________________
|