عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 05-02-2012, 09:41 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

على كل صب من هواه دليل: ... سقام على حر الجوى، ونحول
وما زال هذا الحب داء مبرحا، إذا ما اعترى بغلا فليس يزول
بنفسي التي أما ملاحظ طرفها ... فسحر، وأما خدها فأسيل
تعبت بما حملت من ثقل حبها، ... وإني لبغل للثقال حمول
وما نلت منها نائلا غير أنني ... إذا هي بالت بلت حيث تبول
والشعر الآخر لدكين الحمار:
دهيت بهذا الحب منذ هويث، ... وراثت إراداتي فلست أريث
كلفت بإلفي منذ عشرين حجة، ... يجول هواها في الحشا ويعيث
ومالي من برح الصبابة مخلص، ... ولا لي من فيض السقام مغيث
وغير منها قلبها لي نميمة، ... نماها أحم الخصيتين خبيث
وما نلت منها نائلا، غير أنني ... إذا هي راثت حيث تروث
ففضحك زهير، وتماسكت، وقلت للمنشدة: ما هويت؟ قالت: هو هويب، بلغة الحمير. فقلت: والله، إن للروث رائحة كريهة، وقد كان أنف الناقة أجدر أن يحكم في الشعر! فقالت: فهمت عنك وأشارت إلى العانة أن دكينا مغلوبا؛ ثم انصرفت قانعة راضية.
وقالت لي البغلة: أما تعرفني أبا عامر؟ قلت: لو كانت ثم علامة! فأماطت لثامها، فإذا هي بغلة أبي عيسى، والخال على خدها، فتباكينا طويلا، وأخذنا في ذكر أيامنا، فقالت: ما أبقيت منك؟ قلت: ما ترين. قالت: شب عمرو عن الطوق! فما فعل الأحبة بعدي، أهم على العهد؟ قلت: شب الغلمان، وشاخ الفتيان، وتنكرت الخلان؛ ومن إخوانك من بلغ الإمارة، وانتهى إلى الوزارة. فتنفست الصعداء، وقالت: سقاهم الله سبل العهد، وإن حالوا عن العهد، ونسوا أيام الود. بحرمة الأدب، إلا ما أقرأتهم مني السلام؛ قلت: كما تأمرين وأكثر.
الإوزة الأدبية
وكانت في البركة بقربنا إوزة بيضاء شهلاء، في مثل جثمان النعامة، كأنما ذر عليها الكافور، أو لبست غلالة من دمقس الحرير، لم أر أخف من رأسها حركة، ولا أحسن للماء في ظهرها صبا، تثني سالفتها، وتكسر حدقتها، وتلولب قمحدوتها، فترى الحسن مستعارا منها، والشكل مأخوذا عنها، فصاحت بالبغلة: لقد حكمتهم بالهور، ورضيتم من حاكمكم بغير الرضا.
فقلت لزهير: ما شأنها؟ قال: هي تابعة شيخ من مشيختكم، تسمى العاقلة، وتكنى أم خفيف، وهي ذات حظ من الأدب، فاستعد لها. فقلت: أيتها الإوزة الجميلة، العريضة الطويلة، أيحسن بجمال حدفتيك، واعتدال منكبيك، واستقامة جناحيك، وطول جيدك، وصغر رأسك، مقابلة الضيف بمثل هذا الكلام، وتلقي الطارئ الغريب بشبه هذا المقال؟ وأنا الذي همت بالإوزة صبابة، واحتملت في الكلف بها عض كل مقالة؛ وأنا الذي استرجعتها إلى الوطن المألوف، وحببتها إلى كل غطريف، فاتخذتها السادة بأرضنا واستهلك عليها الظرفاء منا، ورضيت بدلا من العصافير، ومتكلمات الزرازير، ونسيت لذة الحمام، ونقار الديوك، ونطاح الكباش.

(1/15)


------------------------------

فدخلها العجب من كلامي، ثم رفعت وقد اعترتها خفة شديدة في مائها، فمرة سابحة، ومرة طائرة، تتغمس هنا وتخرج هناك، قد تقبب جناحاها، وانتصبت ذناباها، وهي تطرب تطريب السرور؛ وهذا الفعل معروف من الإوز عند الفرح والمرح. ثم سكنت وأقامت عنقها، وعرضت صدرها، وعلمت بمجدافيها، واستقبلتنا جائية كصدر المركب، فقالت: أيها الغار المغرور، كيف تحكم في الفروع وأنت لا تحكم الأصول؟ ما الذي تحسن؟ فقلت: ارتجال شعر، واقتضاب خطبة، على حكم المقترح والنصبة. قالت: ليس عن هذا أسالك. قلت: ولا بغير هذا أجاوبك. قالت حكم الجواب أن يقع على أصل السؤال، وأنا إنما أردت بذلك إحسان النحو والغريب اللذين هما أصل الكلام، ومادة البيان. قلت: لا جواب عندي غير ما سمعت. قالت: أقسم أن هذا منك غير داخل في باب الجدل. فقلت: وبالجدل تطلبيننا وقد عقدنا سلمه، وكفينا حربه، وإن ما رميتك به منه لأنفذ سهامه، وأحد حرابه، وهو من تعاليم الله. عز وجل، عندنا في الجدل في محكم تنزيله. قالت: أقسم أن الله ما علمك الجدل في كتابة قلت: محمول عنك أم خفيف، لا يلزم الإوزة حفظ أدب القرآن، قال الله، عز وجل، في محكم كتابه حاكيا عن نبيه إبراهيم، عليه السلام: " ربي الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت " . فكان لهذا الكلام من الكافر جواب، وعلى وجوبه مقال؛ ولكن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما لاحت له الواضحة القاطعة، رماه بها، وأضرب عن الكلام الأول، قال: " فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب، فلهت الذي كفر " وأنا لا أحسن غير ارتجال شعر، واقتضاب خطبة، على حكم المقترح والنصبة، فاهتزت من جانبيها، وحال الماء من عينيها، وهمت بالطيران. ثم اعتراها ما يعتري الإوز من الألفة وحسن الرجعة، فقدمت عنقها ورأسها إلينا نمشي نحونا رويدا، وتنطق نطقا متداركا خفيا، وهو فعل الإوز إذا أنست واستراضت وتذللت؛ على أني أحب الإوز وأستظرف حركاتها وما يعرض من سخافاتها.
ثم تكلمت بها مبسبسا، ولها مؤنسا، حتى خالتتنا وقد عقدنا سلمها وكفينا حربها، فقلت: يا أم خفيف، بالذي جعل غذاءك ماء، وحشا رأسك هواء، ألا أيما أفضل: الأدب أم العقل؟ قالت: بل العقل. قلت: فهل تعرفين في الخلائق أحمق من إوزة، ودعيني من مثلهم في الحبارى؟ قالت: لا قلت: فتطلبي عقل التجربة، إذ لا سبيل لك إلى عقل الطبيعة، فإذا أحرزت منه نصيبا، وبؤت منه بحظ، فحينئذ ناظري في الأدب. فانصرفت وانصرفنا.

__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59