عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 05-02-2012, 11:20 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

صاحبا الجاحظ وعبد الحميد( التوابع والزوابع )

فقال لي زهير: من تريد بعده؟ فقلت: مل بي إلى الخطباء، فقد قضيت وطرا من الشعراء. فركضنا حينا طاعنين في مطلع الشمس، ولقينا فارسا أسر إلى زهير، وانجزع عنا، فقال لي زهير: جمعت لك خطباء الجن بمرج دهمان، وبيننا وبينهم فرسخان، فقد كفيت العناء إليهم على انفرادهم. قلت: لم ذاك؟ قال: للفرق بين كلامين اختلف فيه فتيان الجن.
وانتهينا إلى المرج فإذا بناد عظيم، قد جمع كل زعيم، فصاح زهير: السلام على فرسان الكلام. فردوا وأشاروا بالنزول. فأفرجوا حتى صرنا مركز هالة مجلسهم، والكل منهم ناظر إلى شيخ أصلع، جاحظ العين اليمنى، على رأسه قلنسوة بيضاء طويلة. فقلت سرا لزهير: من ذلك؟ قال: عتبة بن أرقم صاحب الجاحظ، وكنيته أبو عيينة. قلت: بأبي هو! ليس رغبتي سواه، وغير صاحب عبد الحميد. فقال لي: إنه ذلك الشيخ الذي إلى جنبه. وعرفه صغوي إليه وقولي فيه. فاستدناني وأخذ في الكلام معي، فصمت أهل المجلس، فقال: إنك لخطيب، وحائك للكلام مجيد، لولا أنك مغزى بالسجع، فكلامك نظم لا نثر.
فقلت في نفسي: قرعك، بالله، بقارعته، وجاءك بمماثلته. ثم قلت له: ليس هذا، أعزك الله، مني جهلا بأمر السجع، وما في المماثلة والمقابلة من فضل، ولكني عدمت فرسان الكلام، ودهيت بغباوة أهل الزمان، وبالحرا أن أحركهم بالازدواج. ولو فرشت للكلام فيهم طولقا، وتحركت لهم حركة مشولم، لكان أرفع لي عندهم، وأولج في نفوسهم.

(1/7)


----------------------------

فقال: أهذا على تلك المناظر، وكبر تلك المحابر، وكمال تلك الطيالس؟ قلت: نعم، إنها لحاء الشجر، وليش ثم ثمر ولا عبق. قال لي: صدقت، إني أراك قد ماثلت معي. قلت: كما سمعت. قال: فكيف كلامهم بينهم؟ قلت: ليس لسيبويه فيه عمل، ولا للفراهيدي إليه طريق، ولا للبيان عليه سمة. إنما هي لكنة أعجمية يؤدون بها المعاني تأدية المجوس والنبط. فصاح: إنا لله، ذهبت العرب وكلامها! ارمهم يا هذا بسجع الكهان، فعسى أن ينفعك عندهم، ويطير لك ذكرا فيهم. وما أراك، مع ذلك، إلا ثقيل الوطأة عليهم، كريه المجيء إليهم.
فقال الشيخ الذي إلى جانبه، وقد علمت أنه صاحب عبد الحميد، ونفسي مرتقبة إلى ما يكون منه: لا يغرنك منه، أبا عيينة، ما تكلف لك من المماثلة، إن السجع لطبعه، وإن ما أسمعك كلفة. ولو امتد به طلق الكلام، وجرت أفراسه في ميدان البيان، لصلى كودنه وكل برثنه. وما أراه إلا من اللكن الذين ذكر، وإلا فما للفصاحة لا تهدر، ولا للأعرابية لا تومض؟ فقلت في نفسي: طبع عبد الحميد ومساقه، ورب الكعبة! فقلت له: لقد عجلت، أبا هبيرة، - وقد كان زهير عرفني بكنيته - إن قوسك لنبع، وإن سهمك لسم، أحمارا رميت أن إنسانا، وقعقعة طلبت أم بيانا؟ وأبيك، إن البيان لصعب، وإنك منه لفي عباءة تتكشف عنها أستاه معانيك، تكشف است العنز عم ذنبها. الزمان دفء لا قر، والكلام، عراقي لا شامي. إني لأرى من دم اليربوع بكفيك، وألمح من كشى الضب على ماضغيك. فتبسم إلي وقال: أهكذا أنت يا أطيلس، تركب لكل نهجه، وتعج إليه عجه؟ فقلت: الذئب أطلس، وإن التيس ما علمت! فصاح به أبو عيينة: لا تعرض له، وبالحرا أن تخلص منه. فقلت: الحمد لله خالق الأنام في بطون الأنعام! فقال: إنها كافية لو كان له جحر. فبسطاني وسألاني أن أقرأ عليهما من رسائلي، فقرأت رسالتي في صفة البرد والنار والحطب فاستحسناها.
رسالة الحلواء
ومن رسالتي في الحلواء حيث أقول: خرجت في لمة من الأصحاب، وثبة من الأتراب، فيهم فقيه ذو لقم، ولم أعرف به، وغريم بطن، ولم أشعر له، رأى الحلواء فاستخفه الشره، واضطرب به الوله، فدار قس ثيابه، وأسال من لعابه، حتى وقف بالأكداس وخالط غمار الناس، ونظر إلى الفالوذج فقال: بأبي هذا اللمص، انظروه كأنه الفص؛ مجاجة الزنابير، أجريت على شوابير، وخالطها لباب الحبة، فجاءت أعذب من ريق الأحبة.
ورأى الخبيص فقال: بأبي هذا الغالي الرخيص، هذا جليد سماء الرحمة، تمخضت به فأبرزت منه زبد النعمة، يجرح باللحظ، ويذوب من اللفظ. ثم ابيض، قالوا بماء البيض البض، قال غض من غض، ما أطيب خلوة ******، لولا حضرة الرقيب! ولمح القبيطاء، فصاح: بأبي نقرة الفضة البيضاء، لا ترد عن العضة. أبنار طبخت أم بنور؟ فإني أراها كقطع البدور؛ وبلوز عجنت أم بجوز؟ فإني أراها عين عجين الموز. وموشى إليها وقد عدل صاحبها بدرهمين، وانتهشها بالنابين، فصاح: القارعة ما القارعة؟! هية! ويل للمرء من فيه! ورأى الزلابية، فقال: ويل لأمها الزانية، أبأحشائي نسجت، أم من صفاق قلبي ألفت؟ فإني أجد مكانها من نفسي مكينا، وحبل هواها على كبدي متينا، فمن أين وصلت كف طابخها إلى باطني، فاقتطعتها من دواجني؟ والعزيز الغفار، لأطلبنها بالثأر! ومشى إليها، فتلمظ له لسان الميزان، فأجفل يصيح: الثعبان الثعبان! ورفع له تمر النشا، غير مهضوم الحشا، فقال: مهيم! من أين لكم جنى نخلة مريم؟ ما أنتم إلا السحار، وما جزاؤكم إلا السيف والنار. وهم أن يأخذ منها. فأثبت في صدره العصا، فجلس القرفصا، يذري الدموع، ويبدي الخشوع. وما منا أحد إلا عن الضحك قد تجلد. فرقت له ضلوعي، وعلمت أن فيه غير مضيعي. وقد تجمل الصدقة على ذوي وفر، وفي كل ذي كبد رطبة أجر. فأمرت الغلام بابتياع أرطال منها تجمع أنواعها التي أنطقته وتحتوي على ضروبها التي أضرعته، وجاء بها وسرنا إلى مكان خال طيب، كوصف المهلبي:

(1/8)



__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59