عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-19-2012, 11:21 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي عبد الله النديم سيرة عطرة… وحياة حافلة


نزيه حمزة


من منشورات اتحاد الكتّاب العرب


2000

-------------------
المقدمة


عبد الله النديم علم من أعلام الحرية وواحد من رجال مصر عاش في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهذه الفترة من الزمن كانت عصيبة في حياة الشعب المصري، كثرت فيها الأحداث متسارعة ومتشابكة، فقد أجهز الإنكليز على ثورة الفلاحين بعد أن كان المصريون قد مهدوا لها بنهضة تناولت مختلف جوانب الحياة المادية والثقافية والاجتماعية. وبتواطؤ مع السلطان والخديوي والإقطاعيين فشلت الثورة العرابية واحتل الإنكليز مصر.
وعبد الله النديم عايش الأحداث وانخرط فيها وكان لصيقاً بتياراتها السياسية بل وفي الوهج منها اقترب من دائرة الخطر وازداد فيها احتراقاً واشتعالاً وفي كل ذلك كان ينتضي قلمه سيفاً على أعداء شعبه، فقد أحب مصر وانغمس في ترابها وساح في دروبها وعرفها كما يعرف المرء كف يده، وقرأ الألم في عيون أبنائها وغناها زجلاً شعبياً عبر عن هم المصري وكربه وبلواه.. ومن أجل تقدمها حارب الجهل والتخلف وجهاً لوجه وكان صرخة رفض واحتجاج تمزق العذاب الذي نزل بأبنائها الفلاحين وعن كرامتهم دافع وعن حريتهم ناجز المستعمرين، وأمد شعبه بالعزم والحياة وقدح زناد الأمل في نفوس الفقراء وأضاء دروبهم المتربة وأكواخهم الطينية بوافر من الإيمان بحقهم في حياة نيابية ودستورية.
كان مثقفاً شعبياً نظيفاً صادقاً وشاهد عصر على مظالم إسماعيل وابنه توفيق، شيّد مع الفلاحين ثورتهم الوطنية ورأى فيها مشروعاً يفضي إلى مستقبل تسوده العدالة الاجتماعية لذلك أيدها وانخرط في صفوفها خطيباً سياسياً نال الصدارة بين قادتها ثم جندياً محارباً نافح بكلتا يديه عنها، وعندما انهار هذا المشروع لم يعتذر أو يندم على تأييده له واشتراكه فيه كما ندم الآخرون واعتذروا، بل طوى علم الثورة وإلى الريف فرّو فيه اعتصم، وذاب بين أبنائه كما يذوب النهار على مذبح الشفق.. وبهذين الموقفين: الاحتفاظ بعلم
الثورة والثقة بشعب مصر تفرد عن غيره من العرابيين.

وهذه الدراسة لم تكن الأولى لعبد الله النديم فقد سبقتها دراسات وأبحاث استفدت منها وعليها اعتمدت وفي مقدمتها دراسة الدكتور علي الحديدي.. ولعلي أقترب من الحقيقة إذا قلت:
أولاً : إن تلك الدراسات عن النديم غاصت في سرد الجزئيات عن حياته وعن قصة اختفائه في الريف مما أبعدها عن أهم ما في حياته من أعمال فكرية وأدوار نضالية كان من المفروض أن يركز عليها الباحثون والدارسون.
ثانياً : لم تلق مقالات النديم السياسية فيما أعلم تحليلاً على الرغم من أهميتها البالغة كما لم تعط أعماله الأدبية على الرغم من سذاجتها نظراً لظروف عصرها دورها في النهضة العربية.
ثالثاً : لم تتوسع الدراسات في مواقف النديم الطبقية ومحاولته الدائمة جذب الثورة العرابية إلى جانب الفلاحين وسعيه الدؤوب إلى تغذيتها بأبناء مصر الفقراء في وقت كانت القلة النادرة تدرك أبعاد الثورة الاجتماعية ولعل هذا الموقف لذلك الرجل أهم ما في حياته وسيرته السياسية.
رابعاً : لقد حاولت سد الفراغ الذي تركته تلك الدراسات وسعيت إلى تفسير علاقة النديم بالريف وانفردت بتفسير سبب اعتصامه فيه وما كان ذلك ليتم لولا الثورة الدائمة التي كان يمور بها الريف.
وبعد فلا أزعم أني وصلت الكمال في دراستي هذه فالكمال كله مع الجميع، فإن أصبت شيئاً منه فذلك عزاء وإن لم أصب فقد حاولت.


صلخد في 17/9/1999

¡¡¡





الفصل الأول :

الحياة السياسية


كان محمد علي باشا جندياً مغموراً من الجنود الذين وطئوا أرض مصر في طيات الحملة العسكرية التي بعث بها العثمانيون لإخراج الفرنسيين من مصر، ومنذ الأيام الأولى لوجوده على سواحل الإسكندرية أدرك هذا الجندي المغامر بذكاء أن الأرض خصبة لمن أراد جاهاً وثراءً، فالصراعات على السلطة كثيرة وقد استنفذت قوى الجميع ثم إن الشعب بعد هذا يتطلع إلى المنقذ شريطة أن يسحق المماليك المتخاذلين عن حماية البلاد والذين لم يروا في الشعب المصري إلا غنيمة تقدم لهم أسباب حياتهم الباذخة.
وبثاقب النظر درس محمد علي الأوضاع، فبعد أن خرجت الحملة الفرنسية حدثت تغيرات واستجدت أحوال، فالمماليك أصبحوا قوة ضعيفة مكروهة هزيلة بدت باهتة أمام التحدي الفرنسي ثم إن الإنكليز أخذوا ينظرون إلى مصر نظرة جديدة ترتكز على سياسة استعمارية معروفة والتي غدت مع قصب السبق مع مثيلتها الفرنسية.
وأدرك أن العثمانيين يفقدون قوتهم أمام التحدي الغربي العسكري والحضاري، وأن الشعب المصري أصبح بإمكانه ألا ينصاع لدولة الترك وسلطانها القابع في الآستانة وبدا لمحمد علي أن يستأثر بحكم مصر لنفسه ولأسرته من بعده ثم يعود حفيده إسماعيل للتفكير في هذه المسألة ذاتها عندما حصر الحكم في أكبر أبنائه ليستقل عن الدولة العثمانية ثم ليتجه بمصر نحو الغرب لو لم تباغته الثورة العرابية بشعارها العظيم: مصر للمصريين.
كان على أرض مصر بعد خروج الفرنسيين ثلاث قوى متناحرة؛ قوة الوالي العثماني والقوة الألبانية تلك الفرقة التي قدمت مع الجيش العثماني لتقاتل في صفوفه وكان من كبار زعمائها طاهر باشا ومحمد علي باشا، وثمة قوة المماليك التي أرهقها التناحر والتفكك وأصبحت وبالاً على الشعب المصري.
وبحق كان محمد علي قد استوعب ذلك وفهمه وبعد أن ثبت لديه أن الأرض خصبة عمل ما في وسعه كي يبقى في مصر ومنذ البدء اعتنق سياسة غفل عنها الكثيرون لا تكترث بالوسائل والأساليب ثم بعد ذلك أخذت الحوادث تتطور دون أن يكون بعيداً عن كل حدث أو مفصل فيها، ففي عام 1803 ثار الألبان على الوالي العثماني وطردوه وقد آزرهم في ذلك المماليك وأصبح الزعيم الألباني طاهر باشا الرجل القوي، غير أن الأحداث كانت له بالمرصاد وتجري حوله بما لا يتوقع إذ سرعان ما اغتيل ليفسح بموته الطريق أمام محمد علي وزعامته الصاعدة منذ ذلك الحين أخذ نجمه يتألق فشرع في استثمار النتائج واستغلالها وهو أقرب الناس إلى حادث الاغتيال ذاك.
وفي عام 1804 أرسل العثمانيون والياً اغتاله المماليك ولمّا تطأ قدماه السواحل المصرية وبذلك يصبح الألبان والمماليك فرقتين تنفردان بأرض مصر تتربص كل منهما بالأخرى ولكن الخوف من الدولة العثمانية كان يؤجل الانفجار بينهما ولو إلى حين.
أخذ محمد علي يبحث عن الحلفاء، فإلى جانب الفرقة الألبانية التي كسب ودها اتخذ الدولة العثمانية والتي كان يمثلها الوالي الجديد حليفاً ليضفي على مشروعه تبريراً شرعياً وليغطي أهدافه لأن الخليفة ما زال الأب الروحي لعموم طبقات الشعب على الرغم من تمزق هيبة الدولة، ثم اقترب من الشعب وهو يخفي في أعماقه مطامعه المادية في أكبر عملية تضليل عرفها القرن التاسع عشر، هذه المطامع التي لم تعرف الشبع أو الارتواء ولا غرابة في ذلك فقد كان هذا الرجل// عبقرية عثمانية بذاتها في المناورة وأساليب الالتواء والغدر والمكر//(1) وبالفعل استطاع أن يصل إلى السلطة عام 1805 عن طريق الزعامة الشعبية التي كان يمثلها عمر مكرم.
ومنذ البداية وعلى مدى ست سنوات أخذ يرسخ دعائم حكمه، فقاوم الإنكليز الذين احتلوا الإسكندرية آزره في ذلك المماليك، وبعد ذلك وما بين عامي 1811-1812 التفت إلى حلفاء الأمس فأباد أمراءهم في مذبحة شهيرة ذكرها المؤرخون كثيراً ولم يتوان عن مطاردتهم إلى جنوب البلاد وخارجها ثم صادر أراضيهم ووضع يده على ممتلكاتهم.
لم يبق أمام محمد علي إلا الشعب المصري فاندار عليه وقلّص نفوذ زعمائه وعلمائه وأذاب أدوارهم وأغرى من استطاع إغراءه منهم ونفى من استعصى عليه وممن ثبت على موقفه وعلى رأسهم عمر مكرم الذي انتزع محمد علي منه منصب نقيب الأشراف ويسجل التاريخ لهذا الرجل الشعبي موقفه الشريف من المستبد الناشئ فقد آثر مكرم المنفى //دون أن يلين أو يتراجع//(2) وبذلك يكون محمد علي قد ابتعد عن الشعب // مما سهّل على الغرب احتواءه//(3).
وكي لا يفقد دعائم حكمه حرص على رضى السلطان وشرعيته وأعطى بطانته أرضاً شاسعة معفية من الرسوم وسعى إلى تكوين طبقة موالية له ولأسرته تستمد// مكانتها من ارتباط مصالحها بحكومته لا من جذورها//(4) ومن هذه الحاشية نشأ كبار الملاكين من ذوات مصر ومن بينهم سوف تظهر شخصيّات لعبت أدواراً كبيرة في حياة البلاد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
ومع الزمن أخذت البنية الاجتماعية تتغير وكذلك البنية السياسية وأخذ الأوربيون يزحفون إلى البلاد من كل جنس ولون ومشرب وخاصة من الإنكليز يستثمرون وينهبون ما لا طاقة للفلاح المصري باحتماله ومن هنا فقد أصبح الإنكليز حلفاء لهذه البطانة يحرصون على مصالحها ويدعمون حكمها وبدا ذلك واضحاً في عهد الخديوي توفيق.
بعد أن تغيرت البنية السياسية في مصر أصبح محمد علي واحداً من أكبر الملاكين المغامرين الذين استغلوا الفرص واقتنصوها بعد أن توصل إلى الحكم عن طريق الدسائس والتحالفات المؤقتة والمتعددة التي جعلت منه بعد فترة وجيزة طاغية أوحد أزال خصومه بحذر وأناة مستخدماً لذلك شتى الأساليب السياسية والتصفيات الفردية.
ودون تأخير بنى محمد علي جيشاً على الطراز الأوربي كي يخيف الشعب والسلطان وكي يدعم مركزه ويعزز سلطته ومكانة أسرته ثم افتتح عدداً من المدارس العسكرية لتلقي العلوم الحربية الحديثة واستقدم من أجل ذلك الخبراء الأجانب وخاصة من فرنسا ليشرفوا على تدريب الجنود، وإلى جانب هذا افتتح المدارس المهنية والطبيعية ودور الترجمة ثم أوفد البعثات إلى دول أوربية وفي مقدمتها فرنسا.
وكي يحكم قبضته على البلاد شقّ الطرق وحفر الأقنية وبنى الترع على نهر النيل وأجبر الفلاحين على العمل فيها بدون أجر كما أجبرهم على زرع المحاصيل التي خصصها واختارها ثم أمرهم بتقديمها إلى الدولة بأسعار حددها لهم ثم احتكر الحبوب وربح بهذا أرباحاً طائلة مذهلة وشجع على زراعة القطن وأقام صناعات نسيجية وألحق جموع الفلاحين بالمعامل بالقوة مما كان له أسوأ الأثر على الزراعة والصناعة معاً فقد كان الفلاح المصري في هذه الآونة من تاريخ مصر يهرب عن أرضه // كما يهرب الإنسان من الهواء الأصفر والموت الأحمر//(5).
بفضل هذه النهضة التي اقتضتها ظروف العصر والتي لعب محمد علي فيها دوراً هاماً أصبحت مصر مرهوبة الجانب تتمتع بجيش قوي وإدارة محكمة يشرف عليها أفراد أسرته المالكة والبطانة الألبانية والتركية.
ولما كانت فكرة الاحتفاظ بحكم مصر محور سياسة محمد علي في الداخل والخارج أخذ يتطلع إلى جواره بعد أن لمس قوة في جانبه فعرض خدمات على السلطان عجز العثمانيون عن أدائها وكجندي مأجور حارب الوهابيين الذين كانوا يترعون بشكل أو بآخر إلى الاستقلال عن الأتراك والذين كانوا يحملون في دعوتهم المثل العربية الإسلامية التي ترى أن الخلافة يجب أن تكون محصورة في أيدي العرب، وبعد أن كسر شوكتهم، وبعد ذلك بسنتين فقط، وفي عام 1820 قام بعملية عسكرية في السودان أراد منها تشتيت المماليك الذين كانوا قد تجمعوا في الجنوب وأخذوا يتآمرون عليه، وبطلب من السلطان اشترك محمد علي في قمع حركات التحرر عن السلطنة العثمانية في جزيرة كريت وفي شبه جزيرة المورة عام 1824 وبذلك يكون قد رسّخ الاحتلال العثماني واستنزف خيرات مصر وأراق دماء عربية في حروب لا مصلحة للشعب العربي فيها. لقد أريقت دماء في هذه الأحداث ليشتري هيمنة تركية على بلاد غير بلاد الأتراك وبدماء غير دمائهم.
ويختتم محمد علي عمره المديد الذي انتهى بالجنون في حروبه في بلاد الشام فلأسباب عديدة سياسية واقتصادية لم تكن وحدوية كما يراها بعض المؤرخين قذف بابنه إبراهيم إلى بلاد الشام في التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1831 عن طريق البحر ثم دفع بجيش آخر عن طريق البر فاحتل غزة ثم حيفا وأخضع عكا وأعلن سيطرته على القدس ثم بعد ذلك أخذت المدن الشامية تتهاوى أمامه رغبة منها في الخلاص من آل عثمان مرّة ومخدوعة بمشروعه الوحدوي المزعوم مرّة أخرى والذي انتهى بسقوط كوكب حكم مصر الوراثي في حجره.
لم يعد محمد علي صالحاً للحكم وقبيل وفاته تنازل لابنه إبراهيم عام 1848 ويرى المؤرخون أن حكم ولده هذا كان امتداداً لحكمه وفي العام الذي تولى فيه توفي إبراهيم في حياة والده ولمّا يتمّ شيئاً من المشاريع التي تقدم صورة من عهده وبوفاته يكون قد أتاح الفرصة لابن أخيه عباس الأول ابن طوسون حيث ارتقى العرش عام 1848.
بدا حكم عباس هزيلاً إذا ما قيس بحكم جده فعلى الرغم مما قيل في حكم الجد يبقى حكماً سعى إلى النهضة والتحضر وحرص على إظهار مصر بمظاهر أوربية حديثة أدخلت النور إلى المجتمع المصري، وعلى ما يبدو لم تكن للحفيد مقومات الجد وشخصيته ذلك لأن عباس كان رجلاً مغلقاً غامضاً وكانت فترة حكمه التي امتدت من عام 1848 حتى عام 1854 مظلمة وغير ذات بال في حياة الشعب المصري ولعل إنشاء الخط الحديدي بين القاهرة والإسكندرية كانت البارقة الوحيدة التي قام بها وما عدا ذلك فقد عمل على إغلاق المدارس وتعطيل الصحف والمجلات التي كانت تصدر في عهد جده وبالإضافة إلى ذلك فقد نفى المفكر الرائد رفاعة الطهطاوي إلى السودان وعرقل الهيئات العلمية والفكرية ورفض أي تحويل جدي في حياة المصريين، وباختصار// كان عهده عهداً رجعياً أعاد البلاد إلى ظلام الجهل والتخلف//(6) ولم يترك من المدارس إلا ما كان يكفي لتخريج العدد اللازم لإدارة مرافق البلاد والتي أصبحت محدودة في الوقت الذي لا يبخل فيه على //المغنين والمهرجين والمنجمين الذين كان يستقدمهم من آسيا الصغرى ليرفهوا
عنه//(7).

بعد أن عثر على عباس مقتولاً في قصره بمدينة بنها تولّى الحكم بعده عمه سعيد عام 1854 ومنذ بداية عهده مشى على سياسة والده في توزيع الأرض على الطبقة الحاكمة التي أوجدها محمد علي يبتغي من ذلك تدعيم نظام حكمه وفي توزيع الأطيان بسخاء على الأجانب الذين //أصبحوا يمثلون جزءاً هاماً من حاشيته//(8) ومن المعروف عن سعيد هذا أنه استنّ سياسة الاستقراض التي شجعه عليها وزينها له المستشارون الفرنسيون.
وفي عهده ازداد التدخل الأجنبي في مصر يلتمس الدعم من طبيعة حكم آل محمد علي ومما يلقونه منه من الرعاية والحماية والتسهيل بحيث جعل هؤلاء الأوربيين يفدون إلى مصر في موجات تشبه الاجتياح كما يذكر الدكتور ذوقان قرقوط.
علاوة على إشراك الأجانب في ملكية الأرض فقد فرضت الضرائب العالية على الأراضي مما أدى إلى هروب الفلاحين ونزوحهم والاعتذار عن قبول الملكية نظراً لارتفاع الضرائب وبهذا تكون البلاد قد أفرغت ووقعت تحت وطأة الديون الأجنبية.
كان سعيد معجباً بنفسه شديد القسوة فظاً عاجزاً عن الحكم والإدارة وفي عهده بدأ أبناء العمد المصريين يترفعون إلى مصافي الضباط مما سيكون له أكبر الأثر في زرع بذور الثورة في صفوف الجند وفي عهده أيضاً كان الفرد العادي //لا حرمة لمسكنه ولا حرمة لما يملك بل كان مهدور الكرامة إذا لم يظهر آيات الخضوع والولاء لحاكمه//(9).
ذهب سعيد للاستشفاء في أوروبا وما أن عاد حتى وافته المنية عام 1863 وخلفه على الحكم ابن أخيه إسماعيل بن إبراهيم وبولايته تبدأ في البلاد حياة جديدة وبظروف جديدة أيضاً.
كان إسماعيل متعلماً ذكياً فناناً ذا مشرب أوربي فهو أول من درس وعاش في أوروبا من أسرة محمد علي مما أثر فيه وجعله يدخل النظام الدستوري بعد أن تولى الحكم في مصر ويشهد لـه التاريخ بأنه حاول أن ينقل البلاد من عصور الظلمة إلى حياة التمدن والنور، وفي مجمل حياته وسلوكه كان قد وقع تحت التأثير الأوربي، فبنى القصور وأنشأ الحدائق العامة والخاصة وافتتح الملاهي وأقام الحفلات والرحلات وهو الذي لم تعرف أهواؤه حدوداً أو قيوداً ولذلك كله أخذ يلتمس المال ليغطي هذه النفقات التي لم يعد أي منها بالنفع والفائدة على الفلاح المصري.
وبتشجيع منه وعلى مسمعه ومرآه تزايدت زحوف الأوربيين إلى مصر يجتازون البحر بما يشبه الغزو الاقتصادي ينشدون المال والثروة والعمل وتزداد الصورة أكثر وضوحاً إذا عرفنا أن الثورة الصناعية في أوربا كانت قد استكملت شروطها وأخذت تقذف العمال العاطلين والمنتجات الفائضة لديها على بقية بلدان العالم. إن هؤلاء الزاحفين ليعتصروا قلب الفلاح المصري ويرشفوا دماءه كانوا لا يدفعون الضرائب على بضائعهم وكانت رؤوس أموالهم تدخل إلى مصر دون قيد أو شرط، ولم تكفهم هذه التسهيلات فقد قاموا بأكبر عمليات التهريب إلى السواحل المصرية من بضائع ومخدرات وخمور.
وكي يغطي نفقاته المتزايدة اضطر إسماعيل للاستدانة من أوربا بالإضافة إلى الضرائب التي فرضها والتي استخدم في جبايتها من القهر ووسائط من الإذلال تفوق وصف المؤرخين كان السوط والكرباج والجلد والنفي أبسطها على الإطلاق، لقد كانت مشاريعه أكبر من أن تحتملها مصر آنذاك، وكانت نفقات القصر ونفقات الدولة شيئاً واحداً ولم تكن مصاريف الخديوي بأقل من مصاريف الدولة بكثير لذلك كان لزاماً أن ينهار اقتصادها بين يدي إسماعيل ويهوي بكامله في فترة حكمه، فانتشر الاستياء الشعبي في الداخل والخارج واتجهت أنظار الناس إلى تشكيل جمعيات سرية تقاوم الاستبداد والطغيان.
لقد كثر الناقمون على الدولة وسياستها وأقبل الناس على المقاومة والتخلص من حكم إسماعيل وبقية أفراد أسرته وكان هؤلاء الناقمون //هم قادة الحركة الوطنية الذين كانوا يجتمعون منذ أواخر عهد إسماعيل في بيت نقيب الأشراف السيد البكري//(10) وكان مما زاد في النقمة سياسة رياض باشا التركي رئيس الوزراء التي ارتكزت على القمع والعنف، فقد تعقب الصحف والمجلات وعطلها وكان كثيراً ما ينذرها متهماً إياها بإثارة الرأي العام وتعكيره، ووضع بموافقة إسماعيل عيوناً عليها وعلى الجمعيات ورصد تحركات رجال الحركة الوطنية وأحصى عليهم أنفاسهم وضبطها.
وفي عهده تداعى الوطنيون إلى حلوان وأسسوا حزباً سياسياً أسموه الحزب الوطني اشترك في صياغة برنامجه كل من: الأفغاني ومحمد عبده، وكان تنظيماً سياسياً يجمع في صفوفه أبناء الأمة // دون تميز في الدين أو المذهب ويسعى إلى إطلاق الحرية السياسية التي تعتبر حياة الأمة//(11)
أواخر عام 1879 نشر الحزب الوطني بيانه بيّن فيه مبادئه وأهدافه وافتتح جريدة له في باريس وأخذ يهاجم سياسة إسماعيل ورئيس وزرائه ويطالب بوضع حد للتسلط الأجنبي ويدعو إلى الحرية والحياة الدستورية وبذلك تكون الحركة الوطنية المصرية قد ولدت على يد المدنيين من رجالات الفكر والسياسة والذين سيغدو النديم واحداً منهم داعية لهم بخطبه السياسية ومقالاته الفكرية هذا ولم يطل الوقت حتى اتصلت هذه الحركة المدنية بالعسكريين الذين كان قد نشب خلاف بينهم وبين الحكومة وتبنى الفريقان مطالب الشعب وكان أحمد عرابي الضابط المصري الفلاح على رأس الحركة.
إحساساً منها بالخطر الداهم أخذت الأسرة المالكة تنحاز إلى جانب الإنكليز ثم ارتمت في أحضانهم في عهد توفيق، وفي ذات الوقت خشي الأوربيون على مصالحهم مما زادهم اقتناعاً باحتلال البلاد والتدخل فيها.
لقد دار صراع بين الإنكليز والفرنسيين على احتلال مصر وبرزت بريطانيا دولة أقوى وجدت في إسماعيل جسراً تعبر عليه إلى مصر وستبرر مناوراتها وأطماعها كل تصرفات هذا الخديوي المبذر. لقد حاول المرابون الأجانب إخفاء أغراضهم تحت مائة غطاء وغطاء وستجد بريطانيا الحجة الشهيرة في تلك الديون التي نالها إسماعيل والتي تتطلب إشرافاً أوربياً على موازنة مصر.
وفي محاولة منه لإنقاذ حكومته وإعادة الثقة إليها وفتح باب الاستقراض من جديد طلب إسماعيل خبراء بريطانيين ماليين فأوفدوا إلى القاهرة عام 1875 وقدموا تقريراً سجلوا فيه سوء الحالة المالية بسبب كثرة الإنفاق في وجوه عديمة الجدوى وأعقب ذلك تأسيس مصلحة الرقابة المالية.
أخذ الخوف يراود فرنسا الدائنة أيضاً فطلبت من إسماعيل إرسال خبرائها ليساعدوا في تنظيم المالية المصرية فوافق الخديوي //وأظهر رغبته في الأخذ بها//(12)، ولم يرض الإنكليز ونشروا تقرير لجنتهم فهبطت أسعار السندات المالية المصرية وأقبل الدائنون والمرابون على الخديوي يطالبون بأموالهم وبعد ذلك اتفقت الدولتان على //فرض رقابة مالية مباشرة على المالية المصرية//
(13) ثم شكلت لجنة أوربية لمراقبة مصروفات الحكومة المصرية وبناء على رغبة بريطانيا تشكلت وزارة جديدة رأسها نوبار باشا أحد الضالعين في عمالته للإنكليز اشترك فيها وزيران أحدهما فرنسي والآخر بريطاني أشرفا على وزارة المالية ووزارة الأشغال العامة وأقيم صندوق الدين العام وكان //حكومة صغيرة من الأجانب داخل حكومة مصر//(14) وبحجة الاقتصاد بالنفقات أحالت الوزارة الجديدة ألفين وخمس مائة ضابط عربي مصري على الاستيداع وكان ذلك بمثابة انقلاب على الجيش الذي أصبح يتبنى مبادئ الحركة الوطنية وأهدافها.

تظاهر الضباط واعتدوا بالضرب على الوزيرين الأجنبيين وأهانوا نوبار باشا فاقترب الخديوي من الضباط واتفق معهم على حل لمشكلتهم وأخبر قناصل الدول الأجنبية بخطورة الموقف وقدم الضباط إلى المحكمة فحكمهم ثم عفا عنهم وصرف رواتبهم المتقطعة، غير أن ذلك كله لم يخفف من الحقد الذي كان قد ملأ الشارع المصري عليه وعلى الإنكليز.
وبضغط من الحركة الوطنية استقال نوبار باشا وشكل الأمير توفيق ابن الخديوي إسماعيل الوزارة، وقدم الوطنيون مطالب تتضمن وضع حد للتدخل الأجنبي وتدعو إلى تحقيق المساواة بين المواطنين والأجانب وإعطاء الحرية السياسية وتطبيق القانون على الجميع وعندما وافق إسماعيل على هذا كله شكل شريف باشا الوزارة بعد استقالة وزارة الأمير توفيق.
أيّد الشعب الوزارة الوطنية الجديدة كما أيّدها أحمد عرابي أيضاً ورأى الوطنيون فيها انتصاراً لإرادة الأمة وتفاءل الناس وأملوا أن ينتهي التدخل الأجنبي والطغيان والفساد وأن تنتعش الحياة الدستورية، وعندما انحاز الخديوي إسماعيل إلى جانب المطالب الوطنية //وشارك في الاحتفالات بدار السيد البكري//(15) اعتقد الناس أن عهداً جديداً قد بدأ فازداد فرحهم وتعاظم.
اعتمد شريف باشا في سياسته على أن تكون الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب وضمن النواب حرية القول والفكر وحق النظر فيما يرونه حقاً لهم //كما رأى وقرأ في أوربا//(16) وكحسن نية لما وعد به ألغى نظام السخرة ولم يشرك وزيراً أجنبياً واحداً في وزارته وبذلك تكون الحركة الوطنية قد حققت بعض أهدافها في نظام يبين حقوق الشعب وواجبات الحاكم ويقيد صلاحياته ويحد من طغيانه.
وكما أشار الإنكليز فقد عزل السلطان الخديوي إسماعيل في التاسع والعشرين من حزيران من عام 1879 فانصاع للأمر دون أن يستفيد من السياسة المزدوجة التي سلكها ولم يعره الوطنيون اهتمامهم لأنه كان آخر حلفائهم وكان أيضاً قد دلف إلى صفوفهم متأخراً على مبدأ ركوب الموجة التي يرجو منها أن تقذفه إلى الشاطئ من غير أن تكون له قدرة السبّاح، لذلك لم ير بداً من أن يجمع أمواله وتحفه وأخذ يستعد للرحيل، وفي السادس والعشرين من حزيران وبكتاب آخر أجبره السلطان على التخلي عن العرش لولده توفيق ثم ركب عباب البحر إلى إيطاليا ثم إلى الآستانة ليكمل تآمره على البلاد.
كان توفيق على علاقة حسنة مع الحركة الوطنية وخاصة مع جمال الدين الأفغاني الذي رأى فيه أملاً وبارقة نور كما كان يقول له، وكالعادة ركب موجة الإصلاح في بداية عهده فخفف كثيراً من الضرائب وألغى عدداً منها وأبطل نظام السخرة والضرب بالكرباج عند تحصيل الضرائب وأموال الدولة وجعل قصور والده ملكاً للحكومة وأعلن أنه مؤيد للحياة البرلمانية وباختصار //فقد أظهر عطفاً على الأماني القومية//(17).
على هذه الأسس الإصلاحية شكّل شريف باشا وزارة جديدة سرعان ما أنجزت مشروع الدستور وعرضته على الخديوي الذي رفضه بضغط من الإنكليز والفرنسيين وتنكر لمبادئ الإصلاح ولكل ما كانت قد أنجزته الحركة الوطنية وتخلى عن مطالب الضباط في تحقيق أماني الأمة وأخذ يعمل على مقاومتهم بشتى الوسائل التي توفرت لديه.
باستقالة شريف باشا ووزرائه خضعت البلاد لحكم الخديوي المطلق وعادت إلى ما كانت عليه زمن والده وارتمى توفيق في أحضان الإنكليز يؤازره في ذلك الأمراء والأتراك وممن ارتبطت مصالحهم بمصالح الأجانب وجمع بين رئاسة الوزارة والدولة معاً حيث شكّل وزارة أشرك فيها شخصيات سيئة السمعة والتاريخ ومن الموالين للأجانب ثم أعقب ذلك نفي الأحرار وعلى رأسهم جمال الدين الأفغاني.
عبّر الشعب عن استيائه من هذه الردة بتلاحم صفوفه وانطوائه تحت راية الحركة الوطنية ورجالها وانقسمت البلاد إلى فريقين متباينين أحدهما يمثل الخديوي والإنكليز وأعوانهما والآخر يجمع أبناء الشعب المصري بجميع طبقاته وفئاته تتزعمه قيادة وطنية متمرسة حريصة على حقوق شعبها.
كلف رياض باشا بتشكيل وزارة جديدة رغبة منه في امتصاص نقمة الشعب، وكان رياض من السياسيين الموالين للإنكليز وعلى الرغم من قيامه ببعض الإصلاحات ظلّت وزارته موالية للإنكليز حيث أعادت المراقبة الثنائية الأجنبية على المالية المصرية.
وإزاء هذا فقد تلاحم الشعب والجيش وأصبح كل منهما يعبر عن مصالح الآخر ويحرسها والتقت الكلمة على المطالبة بدستور البلاد والدفاع عن مصالح الضباط وسرت النقمة في صفوف الجند وأخذ الناس ينظرون إلى الجيش على أنه المنقذ مما هم فيه من استبداد وفردية وبدا عرابي الأمل الذي يحمل مطالب //الجيش ومطالب الأمة على نحو لم يسبق لفلاح قبله في مصر منذ قرون ودار اسمه على كل لسان في القاهرة وسمع بذلك الاسم من لم يسمع به من الأجانب ورغب الكثيرون في رؤيته فقدموا إلى القاهرة يحملون إليه الهدايا وأصبح في رأي الناس حامي الأمة يؤيده العلماء الذين أعجبوا بجرأته وحميته//(18).
أمام هذه الوحدة الوطنية خشي توفيق أن تتكرر مظاهرة الضباط التي كانت قد جرت في عهد والده، فأخذ يشدد قبضته على من هو مصري الأصل منهم وثبت لدى هؤلاء أن الوزارة تريد أن تتخلص منهم فأخذوا يعقدون الاجتماعات السريّة //ودراسة الأساليب التي تكفل لهم حقوقهم//(19) وشكّلوا جمعية تتولى الدفاع عن مصالحهم وتقاوم طغيان وزير الحربية رفقي باشا وكان الضابط الفلاح أحمد عرابي رئيساً لهم وكانت هذه الجمعية //النواة الأولى التي انبثقت منها الثورة العرابية//(20).
كان عثمان رفقي وزير الحربية رجلاً //ساذجاً محدود الإدراك عنصرياً موالياً للإنكليز//(12) سعى إلى تطويق الضباط العرب المصريين والتضييق عليهم فأحال أحد أعمدة الحركة الوطنية الضابط عبد العال حلمي على الاستيداع وأساء معاملة زملائه الآخرين، وعندما احتجت الجمعية الوطنية وقدمت عريضة تشكو وزير الحربية لم تلق آذاناً صاغية ولم يجر التحقيق في تقريرها، ولإذلال الضباط العرب طلب عثمان رفقي منهم أن يعملوا في حفر الترع عند ذلك رفض أحمد عرابي الأمر قائلاً: إن حفر الترع ليست من اختصاص الجيش ولا من عمله.
وفي الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني لعام 1881 قدّم الضباط العرب عريضة ثانية إلى الخديوي ضمنوها شكوى على وزير الحربية ورئيس الوزراء وبعد فترة وجيزة صدر قرار بمحاكمتهم وإحالتهم على التأديب وفي مقدمتهم أحمد عرابي، وتقرر ذلك في الأول من شباط من عام 1881 وبعد محاكمة سريعة اعتقلوا وأدخلوا إلى السجن، غير أن رفاقاً آخرين لهم أنقذوهم بعد أن اقتحموا السجن في هجوم صاعق وأطلقوا سراحهم.
بعد هذه العملية العسكرية المحدودة أجبرت الحركة الوطنية الخديوي على إقالة عثمان رفقي وعين بدلاً منه محمود سامي البارودي الشاعر المعروف وأحد أقطاب التيار الوطني ومن كبار المقربين إلى أحمد عرابي، وفي هذه المرحلة لخص الوطنيون مطالبهم بنقطتين أساسيتين: إسقاط حكومة رياض وإنشاء نظام دستوري.
لم يستمر البارودي في وزارته طويلاً حيث أقاله الخديوي لكبح جماح الحركة الوطنية وعيّن بدلاً منه داوود يكن أحد أفراد الأسرة المالكة ومن الموالين للإنكليز، ومنذ بداية عهده أراد يكن أن يشتت الجيش وكان الضباط العرب بدورهم قد أدركوا ذلك فقرروا القيام بمظاهرة عسكرية في ميدان عابدين لعرض مطالب الأمة ورغباتها في الدستور وإسقاط حكومة رياض باشا.
كان يوم عابدين يوماً مشهوداً في التاريخ العربي الحديث هيأت له الحركة الوطنية المصرية وتوجّهت فيه إلى الشعب فأشركته بمجموع فئاته وطبقاته لينقذ البلاد وبرز أحمد عرابي في هذا اليوم قائداً جديراً بقيادة أمة استوعب أهدافها ومطالبها وأعلن أنه يريد أن تكون تظاهرة سلمية، وبفطنة وذكاء دعا الناس إلى انتشال البلاد والوقوف معه وطلب المحافظة على الهدوء والأمن وأبلغ رئيس الوزراء والخديوي أن قطع الجيش ستتوافد إلى ميدان عابدين، وكي لا يستغل الإنكليز هذه التظاهرة أنبأهم بنواياه ومطالبه //وأن لا خوف على رعاياهم فإنها ستكون مظاهرة سلمية تقتصر على أحوال البلد الداخلية//(22)، وفي التاسع من أيلول لعام 1881 امتلأت ساحة عابدين بقطع الجيش يحيط بها الشعب وكانت أول مواجهة عسكرية بين الحركة الوطنية وبين الخديوي توفيق الذي انحدر من قصره ليعالج الموقف بشخصه يرافقه القنصل البريطاني العام، وبعد مجادلة كلامية بين عرابي والخديوي واجهه عرابي بكلمته التي تناقلتها كتب التاريخ //لقد خلقنا أحراراً ولم نخلق تراثاً وعقاراً فو الله الذي لا إله إلا هو لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم//(23) وعندما احتدم النقاش بينهما خشي القنصل على حياة الخديوي فطلب منه أن يعود إلى قصره ثم ليوافق على طلبات الأمة بعد مداولات قصيرة وعلى الفور سقطت حكومة رياض وتشكلت وزارة جديدة بناء على رغبة الحركة الوطنية برئاسة شريف باشا جاء البارودي وزيراً للحربية فيها وكانت وزارة وطنية استبشر الشعب بها وأيّدها.
تعاظم التيار القومي واتسع ولم يعد في مقدور أحد كبح جماح الضباط العرب لذلك كان من غير المفاجئ أن يستعدي الخديوي الدولة العثمانية فأبرق إلى السلطان يخبره عن الحشد العسكري في ميدان عابدين ثم أبرق مرة ثانية وأخبر الآستانة بعدم قدرته السيطرة على الوضع وفي برقية ثالثة قال: إن التمرد قد انتهى وعلى أثر هذه البرقيات الثلاث كلّف السلطان عبد الحميد لجنة تقوم بدراسة الحالة الراهنة في مصر.
وصلت اللجنة إلى القاهرة وأبلغت الخديوي تأييد السلطان له ورغبتها في مساعدته، غير أن فرنسا وبريطانيا احتجتا عليها وزعمتا أنها تجاوزت حدودها وصلاحياتها لأنها طافت في معسكرات الجيش وثكناته من غير أن يكون ذلك من مهامها، وكي يتلافى السلطان غضب الدولتين أصدر أمراً بعودة اللجنة فعادت إلى الآستانة بنفس الباخرة التي قدمت عليها إلى مصر من غير أن تحقق شيئاً.
بموافقة من الخديوي شرع شريف باشا بإنشاء مجلس نيابي افتتحه توفيق بخطاب العرش جاء فيه قوله //سيكون جمعية تأسيسية تضع الدستور للبلاد//(24) وطلب من المصريين أن يكونوا يداً واحدة، وبعد ذلك قدّم شريف باشا إلى المجلس مشروع الدستور في الثاني من كانون الثاني من عام 1882 وقد تضمن النقاط التالية: توسيع نظام الشورى والعمل على حماية المصالح العامة وأن يراعي المجلس خير البلاد والحكومة وألا تفرض ضريبة إلا بعد موافقة مجلس النواب عليها وأن تشكل لجنة تدرس مشروع الدستور.
لم ترض فرنسا وبريطانيا على قرارات المجلس وأرسلتا مذكرة مشتركة في السابع من كانون الثاني من العام نفسه عن طريق وزير خارجية كل منهما جاء فيها //إن الحالة الراهنة تهدد الخديوي وتحد من سلطته وسوف تمنعان الأخطار عن حكومته//(25)، ثم وجهت الدولتان مذكرة أخرى تطلبان فيها أن يؤجل المجلس النيابي معالجة المسألة المالية.
وعند ذلك تفاقمت الأزمة، فقد رأى النواب في خطاب كل من فرنسا وبريطانيا تدخلاً في شؤونهم الداخلية واعتبروا المذكرة وسيلة تحث الخديوي على إلغاء النظام الدستوري الجديد وبداية تدخل عسكري في البلاد وأمام إصرار النواب هذا رضخ رئيس الوزراء ولمّا لم يلق موقفه أذناً صاغية منهم قدّم استقالته في الثالث من شباط من العام نفسه وكان هذا أول انقسام في صفوف الحركة الوطنية.
في الوزارة الجديدة التي شكّلها البارودي جاء فيها أحمد عرابي وزيراً للحربية وللبحرية معاً، وبعد أيام من تشكيلها قدّم الضباط العرب احتجاجاً إلى الخديوي على موقف فرنسا وبريطانيا من مجلس النواب وعندما اقتنع توفيق ولو مؤقتاً بصحة وجهة نظرهم أبلغ الباب العالي في الآستانة بضرورة منع العدوان المتوقع على مصر فأرسلت حكومة السلطان إلى كل من فرنسا وبريطانيا مذكرة جاء فيها إن الدولة التركية لا ترى مسوغاً لهما بإرسال مذكرة كهذه //لأن مصر جزء من أملاك الحضرة السلطانية وهذا خرق صريح للاتفاقات الدولية وتدخل في شؤونها//(26).
أقرت حكومة البارودي الوطنية حقّ مجلس النواب في معالجة القضايا المالية واندفع الشعب يؤيدها وفي ذلك بدت الحركة الوطنية في مظاهر التأييد هذه تياراً شعبياً عارماً ليس في مقدور أحد أن يتجاهله.
في هذه الظروف تعرّض أحمد عرابي وبعض أعوانه من الضباط العرب لمحاولة اغتيال فاشلة أحيل على أثرها أربعون ضابطاً للمحاكمة وفي العشرين من نيسان عام 1882 كان عثمان رفقي وزير الحربية السابق على رأسهم، وعندما صدر الحكم عليهم بالنفي إلى السودان لجأ الخديوي إلى تخفيف العقوبة عنهم وسمح لهم بالذهاب إلى الآستانة مع الاحتفاظ برتبهم ورواتبهم وهناك أكرمهم السلطان وأسكنهم أحد القصور ثم طلب أحد ملفاتهم كي يعيد النظر فيها.
اعتبر مجلس الوزراء المصري موقف السلطان تدخلاً في شؤون داخلية كان الخديوي وراءه فرفضه المجلس وقرر مقاومة كل تدخل من السلطان ولو كان ذلك بالقوة، ثم سرعان ما قطع الوزراء علاقتهم بالخديوي الذي قطعت الآستانة علاقتها به أيضاً لعدم سيطرته على وزرائه وبذلك تكون الطريق قد أصبحت معبدة أمامه إلى الإنكليز فسلكها وبدأ يطلب المساعدة منهم وأخذ يلح في ذلك عندما سرت شائعات في الشارع المصري تتحدث عن نية الحركة الوطنية بخلعه عن العرش.
في الحال وبعد اتصالات بين فرنسا وبريطانيا قررت الدولتان إرسال أسطول إلى مصر لحماية الخديوي وحاشيته فأخذ الأسطول طريقه ووصلت البوارج الحربية إلى ميناء الإسكندرية بالإضافة إلى دول أوربية أرسلت هي الأخرى بوارج حربية بحجة حماية رعاياها، وبعد أن استكمل الحشد العسكري طلبت فرنسا وبريطانيا استقالة حكومة البارودي وإخراج عرابي من البلاد ووضع عبد العال حلمي وعلي فهمي تحت الإقامة الجبرية ثم دعتا إلى تسريح الجيش المصري.
التف الشعب حول حركته الوطنية يؤازرها ويؤيدها وقابل التدخل العسكري بالتظاهرات الصاخبة والاستنكار الصارخ وبرز عرابي منقذاً وطنياً شامخاً ثابتاً وأدرك الوطنيون أن حماية ترابهم تقع على عاتقهم وحدهم، فرفضوا مطالب الدولتين وأبلغوا الخديوي بذلك وأخذوا يدعونه لمؤازرتهم في موقفهم هذا غير أنه كان قد قطع ثلثي الطريق باتجاه الإنكليز وقال: لقد وعد الدولتين بموافقته على ما تريدان وليس في مقدوره أن يتراجع.
في هذه الظروف الحرجة واجهت الحركة الوطنية انقساماً آخر في صفوفها بين قيادتها السياسية، فقد انحاز محمد سلطان وأعوانه من الإقطاعيين وكبار الملاكين إلى جانب الخديوي وطلبوا من النواب الحكمة والروية ثم تلا ذلك استقالة البارودي المفاجئة من رئاسة الوزراء //فارتكب بذلك إثماً يعيبه أشد العيب//(27) وبذلك تكون البلاد قد خضعت لحكم الخديوي المطلق.
قبل عرابي أن يظل وزيراً للحربية وللبحرية في وزارة راغب باشا الجديدة وقدّم الوزراء برنامجاً سياسياً يكفل للبلاد //الهدوء والسكينة ويرضي المواطنين ويضمن حقوق الأجانب المالية//(28)، وبجفاء قابل الإنكليز هذه الوزارة //لأنها وزارة في يد الحزب العسكري//(29) وبعد ذلك بثلاثة أيام عقد في الآستانة مؤتمر دولي لمعالجة المسألة المصرية تقرر فيه تقديم العون إلى الخديوي ليعيد الأمن إلى البلاد عند ذلك ردّت الحركة الوطنية بضرورة خلع الخديوي عن العرش لأنه استسلم إلى الأجانب وخاصة عندما انتقل إلى الإسكندرية ليكون على مقربة من الأسطول الإنكليزي.
بدأت البلاد تدخل في ظروف الحرب فقد اكتمل الزحف الأوربي واحتوت الدول الأوربية السلطان والخديوي، ومرة أخرى وجدت الحركة الوطنية نفسها وحيدة على الأرض بزعامة أحمد عرابي، وانسل من صفوفها كل من تتفق مصالحه مع مصالح الإنكليز من ذوي الاتجاه الانتهازي وممن وقعوا تحت تأثير الرشاوى والتهديدات التي بدأت تفتك بالنفوس، فتنكر أولئك لمبادئهم ووعودهم التي جاهروا بها وها هم الآن عازفون عنها.
عكف عرابي على تهيئة البلاد لحرب قادمة فشرع في تحصين الموانئ وترميمها ثم وزع السلاح واستنفر الشعب والجيش، عند ذلك طلب الإنكليز إيقاف المظاهر العسكرية وعندما رفض عرابي بدأ القصف الإنكليزي وفي الوقت الذي كان الوطنيون يرون أنفسهم أسياداً على أرضهم كان الخديوي يقول //لتحرق الإسكندرية، حرب بحرب على رأس عرابي ورؤوس أولاد الكلب الفلاحين//(30).
بعد خمس طلقات من بدء الهجوم الإنكليزي ردّت المدفعية المصرية كما أمر عرابي وعمّت الاشتباكات كل الجبهات بشكل أذهل المعتدين وأبدى الجيش المصري ومن ورائه الشعب ضروباً من البسالة، وفي وصف مؤثر لشاهد عيان الشيخ محمد عبده قال فيه //تحت نيران المدافع كان الرجال والنساء من أهالي الإسكندرية ينقلون الذخائر ويقدمونها إلى رجال المدفعية المصرية، يغنون ويلعنون الأميرال ومن أرسله//(31).
أرسل عرابي قطاراً خاصاً إلى الخديوي يطلب منه العودة إلى القاهرة والانضمام إلى الحركة الوطنية والخروج من حماية الإنكليز والوقوف مع الشعب في قتاله المشروع، ولكن القطار عاد فارغاً، ورداً على قرار الخديوي الذي أصدره بعزل عرابي من وزارة الحربية شكّل عرابي وفداً من هيئات اجتماعية وسياسية وكلّفه بمقابلة الخديوي ولكن هذا الأخير قابل الوفد بالرفض أيضاً.
شكّل الوطنيون مجلساً حربياً أصدر قرارين الأول منهما إبقاء عرابي وزيراً للحربية والثاني عدم الاعتراف بالخديوي وما يصدر عن مجلس وزرائه الذي شكّله بالإسكندرية وبذلك تكون الشعرة التي تربط الخديوي بالبلاد قد انقطعت.
وفي بيان أصدره توفيق طلب من الشعب أن يتخلى عن عرابي الذي وصفه بالخروج عن القانون وجاء في البيان //كل شخص يميل إلى عرابي عددناه عاصياً ومستحقاً جزاء العصيان//(32) بعد ذلك أقبلت الجنيهات الذهبية من الإنكليز والخديوي تخاطب القلوب وتغزو النفوس وتفتن العقول وأخذت تتخطّف بعض رجال الحركة الوطنية ومن التصق بها من الوجهاء والأعيان!. إن من يريد أن يتزيّد في هذه النقطة فليقرأ مذكرات شاهد العصر الإمام محمد عبده على الرغم من موقفه المعروف من الثورة العرابية وليقرأ كذلك تاريخ مصر السياسي ودراسة الأستاذ محمود الخفيف عن الزعيم المفترى عليه أحمد عرابي، إن من يقرأ فسوف يقتنع بأن جنوداً من الذهب عملت ما لم تستطعه عساكر جرارة تعوّد المغامرون أن ينثروها ثم ينالوها، لن نطيل ولنضرب صفحاً عن ذلك فقد تخلى مجلس الوزراء عن مهامه القومية وبدا مجلساً مترهلاً بعيداً عن الثقة التي أسبغها عليه الناس وانزلق من الصفوف الوطنية ليصطف إلى جانب الخديوي.
ويأتي دور السلطان التركي ذو العين البيضاء عبد الحميد الثاني الذي كان قد تذوق دماء حركات التحرر في بلاد البلقان وغيرها. إن هذا السلطان لم تقف حكومته على الحياد في مصر حين ذاك فقد أكّد //أن ممثله في مصر الخديوي توفيق وأن عرابي خارج عن القانون ويهدد أساطيل دولة حليفة للدولة العثمانية وأن عرابي ورفاقه بنظره عصاة//(33).
مهّد الخديوي للزحف الإنكليزي المشؤوم بمنشور يحث فيه الناس على تقديم العون للجيش البريطاني ثم تلا ذلك هجوم مدمر على القاهرة من الغرب، فالتقى الإنكليز بالحركة الوطنية وطلائعها في أبي قير وبعد قتال دام ثلاث ساعات ارتد المعتدون على أعقابهم ثم التقى الفريقان المتحاربان في الإسكندرية وكان النصر للجيش المصري أيضاً، وأعقب ذلك مناوشات كانت كلها لصالح المصريين، عند ذلك غيّر الإنكليز خطتهم وانتقلوا إلى منطقة الإسماعيلية.
كان عرابي قد تلقى تأكيدات بحياد قناة السويس من صاحب امتيازها المهندس الفرنسي المشبوه والمعروف فرديناند ديلسبس وكانت خطيئة قاتلة من عرابي عندما اقتنع بزعم هذا المهندس المتآمر ذلك لأن الإنكليز ردموا القناة بتواطؤ منه واحتلت قواتهم مدينة السويس وتقدمت قوة منهم إلى الإسماعيلية فاصطدم المصريون معها وهزموها، حين ذاك أخذت البوارج تقصف جموع الفلاحين المصريين الذين أحاطوا بجيشهم وأحدثت القنابل ذعراً في صفوفهم وبدأت المقاومة تتصدع، فخف عرابي ليحفر خندق دفاع شرق القاهرة كي يعيق دخول المعتدين إلى العاصمة ثم شنّ هجوماً بقرار من المجلس الحربي لم يثمر عن شيء وأخذ كل شيء يتداعى في معركة التل الكبير الشهيرة.
مرة أخرى شكّل الخديوي وفداً راح ينثر الذهب بين صفوف المدنيين والعسكريين فاجتذب بالمال قائد فرقة الاستطلاع وآخرين من ضبّاط الجيش العرابي، ولعب عثمان رفقي الدور ذاته //فأحدث تأثيراً كبيراً في صفوف الضباط//(34) وأخذ يقدم النصح إليهم بعدم جدوى القتال وينبغي عليهم أن يتجنبوا سوء العاقبة قبل فوات الوقت ثم أخذ يجتمع بالناس ويدعوهم إلى الابتعاد عن عرابي وحركته.
اجتمع المجلس الحربي الذي كان قد شكلته الحركة الوطنية وقرر الهجوم على نطاق واسع، ويشهد المؤرخون أن قتالاً ضارياً كان قد حصل أدى فيه المصريون من ضروب الشجاعة والتضحية ما يرضي الوطن والضمير وسجلوا فيه صفحات ناصعة البياض، ولكن الدسائس كانت تفتك بهم من صفوفهم ومن الخلف وفي محاولة يائسة قرر عرابي الدفاع عن القاهرة ولكن الجيش المصري كان قد تبعثر ولم يعد لديه قوة تمكنه من مواصلة القتال فأوفد مجلسه الحربي إلى الخديوي يطلب منه الكفّ عن القتال وعدم السماح للإنكليز بدخول القاهرة، لكن الوفد عاد بعد أن اعتقل اثنان من أعضائه.
وفي يوم مروّع دخل الإنكليز القاهرة وبعد بضعة أيام دخل الخديوي الظافر توفيق يرافقه محمد سلطان وشريف باشا اللذان كانا قد شكّلا وزارات وطنية بالأمس القريب وكان رياض باشا قد سبقهما ليقيم الزينة ويرفع الرايات واصطف خمسة آلاف جندي إنكليزي على جانبي الطريق //ليمر بين صفين طويلين خديوي مصر القادم إلى مقر حكمه//(35) وفي الساعة العاشرة من صباح الخامس والعشرين من أيلول من عام 1882 وصل في قطاره الخاص، وما أن نزل حتى تقدّم الأمراء والأعيان والوجهاء لأداء التحية وهتف الحاضرون له بطول العمر والنصر الأبدي.
لم تمض أيام على هزيمة مصر في ثورتها العرابية حتى سلّط الخديوي سيف الإرهاب في طول البلاد وعرضها، فقد اعتقل عرابي بعد أن أغمد سيفه وسلّمه واعتبر أسير حرب ولوحق الوطنيون، وتمكّن توفيق من إلقاء القبض على كثير منهم، وفتحت المحاكم العسكرية وبدئ بالتحقيق معهم، وصدرت الأحكام على أحمد عرابي والبارودي وعبد العال حلمي وعلي فهمي وعلي الروبي ومحمود فهمي وطلعت حكمت وغيرهم بالإعدام بعد أن نالوا من التعذيب والمهانة ما يفوق الوصف، ثم استبدل حكم الإعدام بالنفي المؤبد إلى جزيرة سيلان ولم يعودوا منها إلا بعفو من عباس الثاني، فعاد منهم من بقي على قيد الحياة أبيض الرأس منهوك الجسد وكان عرابي والبارودي من العائدين في بداية القرن العشرين.
لقد طالت عقوبات النفي عدداً من رجالات مصر وعدداً من الضبّاط وطرد قسم منهم من الخدمة العسكرية وقدر عدد الذين قدموا إلى المحاكمة //بثلاثين ألفاً//(36)، وحملت الصحف على الوطنيين واستؤجرت الأقلام المزيفة وأخذت تشوه الحقائق والتاريخ وسخط الأتراك على أبناء العرب واستولى اليأس على النفوس وفشت روح التخاذل وسحق زعماء الثورة وذلّ قادتها وتهاتروا فيما بينهم وتنكّر الناس لهم وأنكروا مبادئهم ودّبت الوشايات بين الصفوف وأصبح كل من لـه حقد على أحد يتهمه بمشايعة الثورة وامتلأت السجون وتفرّق الصحب واحداً بعد الآخر ليواجه كل مصيره بمفرده، وتبعثر الوطنيون الفارّون في جنبات البلاد وذابوا في صفوف الشعب كما تذوب قطرات الماء في الشاطئ الرملي، وفوق هذا فقد تبارى الشعراء في هجاء عرابي والعرابيين وعلى رأسهم أمير الشعر العربي.





المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59