عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-19-2012, 11:10 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

ملحــق إلى إذاعة لندن
موضوع
حقوق الإنسان في الإسلام


رداً على ما جاء في إذاعة لندن الناطقة باللغة العربية بتاريخ9/11/1998، من مقابلة ومناظرة بين مهاجم لحقوق الإنسان في الإسلام ومدافع عنه* إنني أجيب:
استمعت في التاسع من شهر تشرين الثاني إلى مناظرة إذاعية حول موضوع حقوق الإنسان في الإسلام الذي أثير في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد في جنيف من الشهر نفسه. وقد لفت انتباهي أن المهاجم لحقوق الإنسان في الإسلام جاء باتهامات للدين الإسلامي لا تقل ضلالاً عن تهجمات الصهاينة على الإسلام. ومما التقطته منه بشكل سريع:
- أن الإسلام يأمر بقطع الأيدي والأرجل وسائر أعضاء الجسم، في حالة السرقة، حتى الموت
- أن الإسلام يسرق حقوق المرأة، فهي ترث نصف حق الرجل، وجعل الرجل فوقها درجة.. الخ
- الإسلام يأمر بالجلد للزاني والزانية حتى الموت..
- الإسلام غير ديموقراطي
هذا، إلى آخر ما أحاطت به ذاكرتي بسرعة.
ومما لفت انتباهي أيضاً أن رد المدافع، عن الإسلام جاء مقتضباً للغاية ولم يزد عن قوله:
"العلة في المسلمين وليست في الإسلام"
ولم يفند ويدعم رده بالتفاصيل المقنعة التي تبين أن في هذه الأحكام تكمن حقوق الإنسان، مما جعل كفة المتهجم على الإسلام ترجح كثيراً على كفة المدافع، وفي نظر المسلمين بالذات، وأغلبهم جاهل بحقيقة الإسلام...
ولذا، فإنني أسمح لنفسي بأن أجيب على حجج المتهجم على الإسلام ونعته له بأنه ضد حقوق الإنسان، بشيء أكثر من التفصيل، مع اعترافي بأن بعض المسلمين في الوقت الحاضر ليسوا من الإسلام في شيء.
فيما يتعلق بقطع يد السارق..
- إن الإسلام قد أمر بقطع يد السارق أو السارقة، إلا أن كتب التاريخ، عن تلك الحقبة من الزمن لم تحدثنا عن وجود مقطوعي الأيدي والأرجل وسائر الأعضاء في الطرق بالمئات، بل- على العكس- عن مظاهر السعادة والرفاهية للشعوب بأسرها التي طالتها الفتوحات الإسلامية، بشكل لم يسبق لها مثيل قبلها، ولا بعدها. ويمكننا أن نفسر ذلك بالأسباب التالية:
1ً- لأن الإسلام، عن طريق الترغيب أو الوعيد قد حصَّن المؤمن ذاتياً من الداخل ضد المخالفات لتعاليمه ومنها السرقة. لقد صنع الإسلام بذلك ثورة من الإنسان على ما بداخل نفسه من عناصر الشر ودوافع الظلم والفساد والانحلال، وحقنه بفيض من مشاعر النبل والكرامة والعزة والرحمة. فكان المسلم يقبل بنفس طائعة على الأعمال الكريمة، ويحجم عن الأعمال الفاسدة التي نهى عنها الإسلام، أيضاً من ذاته. دون أن يحتاج إلى حسيب أو رقيب.. أو جزاء أو عقاب.
2ً- وليس أدل على ذلك من أنه لم يكن يوجد في بعض المدن الإسلامية (الكوفة) شخص واحد يستحق الزكاة أو يقبل بها، فالأموال التي كانت ترسل إليها كانت تعاد إلى بيت مال المسلمين، فكيف بوجود من يسرق ويستحق قطع اليد؟!
3ً- إن عدم وجود سارق واحد يستحق قطع اليد في العهود الإسلامية الزاهرة يعود، ليس فقط، إلى الترغيب في الجنة والترهيب من النار فقط، وإنما لعدم الحاجة إلى السرقة. لقد أتاح الإسلام فرص العمل وأمنه لجميع أفراد المجتمع، وحضَّ على دفع الحقوق للعاملين كاملة غير منقوصة "قبل أن يجف عرقهم"، وأنذر الذين يسرقون حقوق العامل من أرباب العمل بقطع أيديهم إذا اضطر العامل أن يعود إلى السرقة مرة أخرى.
"إن عاد عاملك إلى السرقة مرة أخرى قطعت يدك أنت"
أي يد رب العمل..
4ً- أما المحرومون من العمل (لا بدافع البطالة والتسريح والطرد كما يجري حالياً)، فهؤلاء لا وجود لهم في المجتمعات الإسلامية)، وإنما بسبب العجز، والبؤساء والمساكين، فقد جعل لهم الحق شرعاً في جزء مما حصل عليه العاملون من استثمار ثروات الأرض وخيراتها، والتي خلقها الله للناس أجمعين وليست بحسنة أو هبة..
]والذين في أموالهم حقّ معلوم للسائل والمحروم["62".
فكان ما تدره عليهم الزكاة يكفيهم، ليس فقط لحاجاتهم الأساسية، وإنما الكمالية أيضاً. ولذا، فلم يكونوا بحاجة إلى السرقة، وبالتالي لقطع الأيدي والأرجل وسائر الأعضاء حتى الموت..!
هذا، بالإضافة إلى التكافل والتضامن في المجتمع الإسلامي، حيث يتكفل المسلمون، من أنفسهم، بالمحتاجين من جيرانهم وأقربائهم وحتى الغرباء لشدة ما حضَّ الإسلام المسلمين على ذلك دون أن يشعروهم بذل السؤال
"وأوصاني بالجار حتى حسبت كأن الجار قد يرث"
وما زالت هذه العادة سائرة في المملكة العربية السعودية حتى الآن.
5ً- ولكي لا يدع الإسلام الناس مستسهلين قبول الصدقة، فقد كرم العمل والإنسان العامل أكثر من تكريمه للعابد، وجعل الذي يقدم الصدقة أفضل من يتلقاها: "اليد العليا خير من اليد السفلى".
لذا، فقد كان الناس يتسابقون على تقديم الصدقة (اليد العليا) أكثر منهم على قبولها (اليد السفلى)، مما لا يدع مجالاً لمن يسرق وتقطع أوصاله الحين، أن الباعة كانوا يدعون مخازنهم ودكاكينهم مفتوحة، ويذهبون لتأديه الصلاة دون أن تمتد إليها يد سارق واحد. وما زال في المملكة العربية السعودية هذا الإجراء ساري المفعول حتى الآن رغم بعد الزمن منذ ذلك الحين حتى الآن.
6ً- وليس أدل على عدم وجود من يسرق في ذلك.
إنهم بفضل التربية الرشيدة للإنسان في الإسلام لم يكونوا بحاجة إلى كافة أنواع الأجهزة الألكترونية لتفادي السرقات كما في مجتمعات حقوق الإنسان في عصرنا الحالي، هذه المجتمعات التي تحولت بجملتها إلى لصوص من كافة المستويات، من أعلى الهرم حتى أسفله. ولو كان علينا أن نطبق عقوبة الإسلام، في الوقت الحاضر، لما وجدنا، إلا النادر من الناس، كامل اليدين أو الأطراف -حسب قول المتهجم-. وهذا، ما يفسر جزءاً من خوفهم من الإسلام.
ففي الوقت الذي لم يكن هناك شخص واحد يستحق الزكاة في عهد الإسلام، وفي الوقت الذي كان يعتبر فيه أحد الخلفاء الراشدين نفسه مسؤولاً حتى عن الشاة الواحدة إن جاعت، "لو كان في أقصى المدينة شاة جائعة لكان عمر المسؤول عنها" يوجد في الوقت الحاضر، في ظل حقوق الإنسان، ما يزيد على أربع مليارات نسمة على وجه الكرة الأرضية حسب الافتتاحية المنشورة في جريدة لوموند ديبلوماتيك لشهر شباط لعام 2000، جائعة تستحق الزكاة، وبما فيها البلدان المدعية أنها ترعى حقوق الإنسان بالذات (في أمريكا، ربع السكان عليهم أن يكفوا حاجاتهم بما يقل عن دولار واحد في اليوم)، ودون أن يوجد مسؤول واحد يرى نفسه مسؤولاً عنهم، بل على العكس، إنهم يعتبرونهم غير أهل للحياة لعدم تلاؤمهم مع الحضارة الحديثة، وعليهم أن يرحلوا، فليس لهم على خوان الحضارة الحديثة شيئاً. هذا، دون الكلام عمن ماتوا ويموتون من الجوع يومياً، ومن يعانون من الحشرجات الأخيرة بؤساً وتشرداً وضياعاً...
إن لنا الحق أن نتساءل في ظل حقوق الإنسان هذه، إنها لأي إنسان؟!
لاشك أنها لحفنة من المسيطرين المتجبرين الطغاة، الذين وضعوا أيديهم الحديدية على كافة ثروات العالم في الكرة الأرضية بأجمعها، والتي خلقها الله لعباده قاطبة. إنهم مصاصي الدماء، ورجال الشركات العالمية الكبرى، وعلى رأسهم الصهاينة، وإلى جانبهم رجال أعمال من كافة البلدان يساعدونهم في مهمتهم ويتقاسمون معهم جزءاً من حصتهم من السرقة، إلى جانب مهربي المخدرات* الذين ارتقوا إلى الصفوف العليا بين المرموقين المحترمين أصحاب الحقوق في نظام حقوق الإنسان. وهؤلاء لا تتجاوز نسبتهم 2% من الشعوب في بلدان العالم الثالث، و 10% في البلدان المتحضرة.
ب- أما ما يتعلق بالزعم بإساءة الإسلام لحقوق المرأة، وسلبها حقها في الإرث إلى نصف حصة الرجل، فإنني أجيب:
إذا كان الإسلام قد حكم للمرأة بنصف حق الرجل من الإرث، فما ذلك إلا للأسباب التالية:
- إنه جعل واجب إعالتها على الزوج إن كانت متزوجة، وعلى الأخ إن كانت عزباء، وهذا ما لا تحلم به أية امرأة في كافة الشرائع والديانات الإلهية وغير الإلهية (فالمرأة في غير الإسلام، وخاصة في المجتمعات الغربية، لا تحلم حتى بكأس ماء لا تشارك في دفع ثمنه).
- وبذلك، فإن المال الذي ترثه المرأة هو حق لها وحدها لتدخره لمستقبلها فقط، فلا تحتاج إذا ما توفي زوجها أو أخوها أن تمد يدها لأحد، أو تتصرف تصرفاً مشيناً... ولذا، فهي لا تصرف درهماً واحداً من مالها على طعامها وشرابها وكسائها وسائر احتياجاتها.. في ظل حياة زوجها أو أخيها.
- بالإضافة إلى ذلك، جعل الإسلام المرأة مستقلة مالياً عن زوجها وأخيها تتصرف بمالها بمنتهى الحرية، وذلك على العكس من المدافعين عن المرأة في ظل حقوق الإنسان، حيث تحرم المرأة الغربية من الاستقلال المالي، ولا يحق لها أن تتصرف بما لها بحرية، أو تفتح به حساباً خاصاً بها في المصارف مستقلاً عن زوجها، كما أنها لا تنال من أجر على عملها إلا ثلث حق الرجل، للعمل نفسه.
- لقد رفع الإسلام من قدر المرأة ومكانتها حين الزواج، ففرض لها حقوقاً على الزوج ولم يدعها لقمة سائغة لكل عابر سبيل وكل مضلل، حتى أن الخليفة علي ابن أبي طالب(ع) أجبره الرسول على بيع درعه وفرسه لكي يجهز بقيمتيهما بيته قبل زواجه من ابنته فاطمة كرم الله وجهها، وذلك لكي لا يدع للمسلمين سابقة بتزويج بناتهم دون حقوق* وصان حقوقها في حال الطلاق لتعويضها عن شبابها الذي وهبته للرجل، ولتستطيع أن تمارس حياتها من جديد بالاعتماد على نفسها.
هذا، عكس ما وصلت إليه المرأة في ظل حقوق الإنسان المعاصر، حيث جعل جسدها مطية لكل مفترس أو عابر سبيل، وشجعها على ذلك بكافة الأساليب، موهماً إياها بأنه يمنحها حقها في الحرية، والتي هي -في الواقع- حرية الرجل بالتمتع بكل امرأة اشتهتها نفسه، وحريته في أن يلفظها، بعد حين، للتمتع بأخرى أصغر وأجمل.. وهكذا.. بعد أن يكون قد سحق نضارتها وشبابها دون أي تعويض أو حساب أو عقاب.
- ولشدة تكريم الإسلام للمرأة، لم يكلفها بأي جهد في رعاية شؤون بيتها، إذ أوجب على الزوج تأمين من يقوم بخدمتها، كما لم يكلفها حتى: بإرضاع طفلها. وكلنا يعلم انتشار وجود المرضعات على نطاق واسع في ظل الحضارة الإسلامية. ولذا، فقد كانت المرأة ترفل بثياب العز والكرامة وتسبغ السعادة والطمأنينة على الأسرة الإسلامية ولم يكن هناك مجال للجلد حتى الموت، لعدم وجود الزاني والزانية في الأسرة الإسلاميه، بينما كلهم زناة في ظل حقوق الإنسان... فلو طبق حكم الإسلام في الوقت الحاضر لما كنا نعلم منْ يجلد مَنْ...! ولذا فهم يخشون الإسلام...
- لقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حقها بالعلم "العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، كما ساوى بينهما في الحق في العمل في كافة الميادين، دون أن يطالبها بكثير من الواجبات وأعطاها ذات الأجر لذات العمل.
فأين المرأة في الإسلام من المرأة في حضن دعاة حقوق الإنسان حيث تعمل كادحة من الصباح حتى المساء، وبأجر لا يوازي ثلث أجر الرجل، وتعود إلى البيت مكدودة بعد أن تلملم أطفالها جارية من مؤسسة إلى أخرى.
وغالباً ما ينحصر عملها بأعمال تافهة عديمة الشأن (سكرتارية، عاملة هاتف.. الخ) فالأعمال الهامة محصورة قطعاً بالرجال.
- أما تفضيل الرجال على النساء بقوله تعالى:
]الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بعض[ "63"
]وللرجال عليهن درجة["64"
فإن كلمة قوامون لا تعني السيطرة والتحكم وإنما القيام بمسؤوليتها والقيام بمساعدتها، وحمل أثقالها، وطفلها، و*** حاجياتها، وكل ما يعتبر الإسلام أن جسم المرأة وكرامتها لا تسمحان بذلك. ولذلك فإنه شرحها بقوله: "بما فضل الله بعضهم على بعض" أي بما فضل الله الرجل على المرأة بعضلات قوية تقوى على الحمل وتحمل النساء. وحض الرجل على الرفق في معاملة النساء بقوله: "رفقاً بالقوارير" أي النساء*.
على العكس تماماً من الواجبات التي تلقى على جسم المرأة في مجتمعات حقوق الإنسان من قيام المرأة بكافة الأعمال الجسدية المرهقة في المنزل وخارجه. فقلما نجد رجلاً واحداً يتسوق حاجاته في الأسواق أو حاجات بيته، أو يحمل كيساً أو طفلاً أو سواه. وإذا ما اضطر لشراء خبز (باكيت بالفرنسية) فإنه يواريها في محفظته الدبلوماسية عن عيون الإنسان تحاشياً للعار (للأسف، فقد انتقلت هذه العادات إلى مجتمعاتنا الإسلامية، مع الغزو الاقتصادي والثقافي من الغرب، واعتبرت -فوق ذلك- من حقوق المرأة المسلوبة في عهد حقوق الإنسان). أي أن على المرأة أن تكافح لتنال حقها هذا في العبودية...
أما عن الديموقراطية في الإسلام فحدث ولا حرج
فالشورى في الإسلام تستفيض بها كتب الشريعة كقوله (تعالى)
]وأمرهم شورى بينهم["65"
وكان رأي الشورى مفروضاً ولو كان مخالفاً لرأي الرسول نفسه (ص) مثال: غزوة أحد.
والأمثلة لا تعد ولا تحصى على الديموقراطية والعدالة في الإسلام مما لا يتسع المكان هنا لسردها. ويكفي أن نذكر -على سبيل المثال- أن الخلفية عمر ابن الخطاب قال في معرض إحدى خطبه:
"إن رأيتم فيَّ اعوجاجاً فقوموني"
فأجابه أحد المستمعين:
"إن رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا"
فأجابه عمر:
"أحمد الله أنه وجد في أمة محمد من يقوم عمراً بسيفه إن أخطأ"
ولنا في قضية "الإزار الجريح" أفضل مثال على العدالة في الإسلام حيث اشتكى أعرابي للخليفة أن واليه داس على إزاره. فاستدعى الخليفة واليه بحضور الأعرابي وطلب من الأخير أن يدوس على إزار الوالي كما داس الوالي على إزاره...
فائتونا يا دعاة حقوق الإنسان بمثال مثله في ظل حقوق الإنسان في هذا الزمان...
ألا فاتقوا الله يا دعاة حقوق الإنسان في الإسلام. فإنه لم يطلب من الجار أن يرفع الفأس ويهوي به على رأس جاره (كدعاة الدين اليهودي، والدين منهم براء) ولا بإبادة شعب بكامله من رجاله لنسائه لأطفاله لشيوخه، بالفؤوس* ولم يجعل من كل عضو من أعضاء المرأة سلعة استهلاكية لرواج بضائعه، ولم يتاجر بالأطفال ويشرد الشعوب التي وقعت تحت حكمه، ويحكم عليها بالموت جوعاً، ويسلبها أوطانها وثروات بلادها، بل على العكس. كانت إسبانيا قبل الإسلام قاحلة جرداء لا تعرف معنى الزراعة، فجعلها الإسلام جنة يانعة، وكانت الهند تعتبر الأرض قبل الإسلام، مقدسة (كالبقرة) لا تمس بمحراث، ففجر فيها الثروات الدفينة لدرجة أنها أصبحت تملك أغنى ثروة طبيعية في العالم. لم يكن في الإمبراطورية الإسلامية شبر واحد من الأرض دون استثمار، إذ كانت القوافل تقطع الطرق الصحراوية التي تفصل بين المدن تحت ظلال الأشجار. ولذا، فقد عمت السعادة والبهجة والرفاهية كافة الشعوب التي استظلت بمظلة الإسلام، وفتحت الأبواب على مصراعيها لدخول الفاتحين المسلمين بناءً على طلب الشعوب المظلومة من حكم الرومان دون حروب أو قتال.
وكما قال أحد المؤرخين الإنكليز "ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب"...
لقد أوصى الإسلام في فتوحاته لنشر الدعوى الإسلامية بألا يقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً عجوزاً، ولا يقطعوا شجرة، وأن يكونوا رؤوفين بالعباد.
أي أن هذه الفتوحات كانت لصالح الشعوب ولم تكن للهيمنة والسيطرة وضد الشعوب بالذات، كالغازين الحاليين -باسم التطور- لكافة ثروات الشعوب وممتلكاتها. إنهم -في الواقع- يخوضون حروباً ضارية، بلا هوادة، منذ ما ينوف على قرن من الزمن ضد الشعوب بالذات، كافة الشعوب البريئة، بالثورات والثورات المضادة المفتعلة، يبيدون كرومهم وبساتينهم وحقولهم برمتها، يهجرونهم من ديارهم، من القرى إلى المدن فإلى البراكات (براكات الموت) يقضون على مهنهم ويدثرونها، يحولونهم عن ثقافاتهم وعلومهم ولغاتهم وحضاراتهم وكل ما يصبغ ذاتيتهم، ويقطعون موارد رزقهم من أية جهة كانت، ويفرضون عليهم الحصار لكي يموتوا جوعاً، إلى آخر ما هناك من أساليب الإبادة الجماعية في حروبهم فيما بينهم، باسم الحرية والديموقراطية، والتي هي -في الواقع- حرية المبتدعين لحقوق الإنسان بأنها تنحصر فيهم وحدهم كإنسان...
في ظل حقوق الإنسان هذه، سلب وطن بأكمله من شعبه، الذي كان يعرف منذ الخليقة باسمه (فلسطين). وأبيد القسم الأكبر منه، وشرد الأكثر، وحكم على الباقين، ليس فقط بقطع الأرزاق -الذي هو أمر وأشقى من قطع الأعناق- وإنما بالإبادة الجماعية السريعة والموت البطيء معاً. هذا، دون أن يصبح وضع الشعب اليهودي بأفضل مما كان عليه. فالشعب اليهودي -في الوقت الحاضر- في فلسطين، من أتعس الشعوب وأشقاها، دون الأخذ بعين الاعتبار للمظاهر البراقة. لقد حرموا من أوطانهم الأصلية، وأصبحوا عرضة للكره الشديد والرفض من الشعوب الأصلية، مع كل ما يرافق ذلك من عداوات سوف تزداد عمقاً للأبد. وكم من اليهود الشرقيين يشعرون في قرارة أنفسهم بالحسرة واللوعة لمفارقتهم أوطانهم الأصلية التي دفن فيها آباؤهم وأجدادهم الحقيقيون منذ قرون عديدة، ويحنون إلى المعاملة الحسنة التي كانوا يحصلون عليها من العرب في كافة البلدان العربية التي عاشوا فيها سوية.
مما لا شك فيه أن الصهيونية العالمية هي على رأس المبدعين والمخططين والمنفذين لكل هذه المآسي التي اصطبغ فيها هذا العصر. ولم ينج منها اليهود في كافة بقاع العالم. فالدولة اليهودية لم تقم حقاً على الهدف ******** المقدس، بل كان هذا هو المحرك للشعوب اليهودية المتدنية لوصول الصهيونية العالمية إلى الهدف الحقيقي وهو الهيمنة على العالم بأسره بكافة صنوفها. فقامت بحملة شعواء لاجتثاث اليهود الأمريكيين والأوروبيين والأفارقة والشرقيين من بلادهم وأوطانهم التي رسخوا فيها منذ قرون، وهم يحملون صبغتها في لون بشرتهم، وعيونهم وشعورهم. وأحجامهم وقاماتهم.. الخ، مع كل ما رافق ذلك من عذاب التشتيت والضياع. فشتات اليهود الفعلي بدأ -في الواقع- منذ تحريضهم على الهجرة إلى فلسطين، بدعوى أنها موطن أجدادهم الأقدمين بوثيقة مختومة من الإله رب العالمين. لقد تركوا -بالفعل- في بلادهم الأصلية، جثث آبائهم وأجدادهم الحقيقيين، بدمائهم التي مازالت ساخنة في قبورهم، لكي يأتوا وينبشوا القبور في فلسطين، ويهدموا الجوامع والمساكن بحثاً عن عظمة واحدة لأجدادهم الأقدمين، ولم ولن يعثروا على شيء، اللهم إلا إبادة الفلسطينيين، ومحو جذورهم وأصولهم وذريتهم...
فالدافع الديني ليس له وجود بالفعل بين 90% من يهود فلسطين، وأن الدينيين الحقيقيين فيها هم أكثر شعوبها فقراً وشظفاً في العيش، وخاصة الشرقيين منهم. وهم -في نظر الصهيونية العالمية- لا خير فيهم إلا كترسانة على الحدود، وفداءً لهم في الحروب، وأجرهم على الله، كما يقولون...
هذا هو الإنسان المصلح الذي ساد الكون في هذه الأيام، وسن القوانين لحماية حقوق الإنسان (التي هي- بالأصل- حقوقه وحده، والذي أخذ يتجرأ -بكل وقاحة- وظلم- على الإسلام.
ما هذه الحملات الظالمة -في الحقيقة- على الإسلام، إلا لأنهم يخشون الإسلام... نعم! إنهم يخشونه ويعتبرونه عدوهم الأكبر، في الوقت الذي ما عرف اليهود في التاريخ المعاملة الإنسانية الحقة، إلا من الإسلام* لقد عرفوا جميع أصناف الحروب والإبادة من العصور الغابرة حتى العصور الحديثة، ومن الشرق إلى الغرب، ولم يسددوا سهامهم إلا إلى جهة العرب المسلمين.. "اتق شر من أحسنت إليه" هذا صحيح ولكن... إذا اتجه الإحسان للئام:
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا"


"إن أنت أكرمت الكريم ملكته

نعم! إنهم يخشون الإسلام، وإنهم إذ يخشونه فما ذلك إلا لأن الإسلام جاء لسعادة الإنسان، وهم لإبادته وشقائه...
فالإسلام أينما حل، في عهوده الزاهرة، شحن عقول الشعوب بالخلق والعبقرية والإبداع، وأيقظها من كبوتها، فأبدعت بأيديها بالذات، حضارات فريدة من نوعها يعجز القلم عن رسمها، وحلق بها في سماء الكون، وأطفأ الشرور من ثناياها، وبذلك فلم يخشاها...
والإسلام لم يشمخ، ولم يتعال، ولم يصنف الشعوب إلى بهائم وبجم من دونهم، ولا إلى شعب الله وشعب الشيطان، حسب هواهم، بل حض على التواضع والرحمة والإنس في المعاشرة:
]ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال
طولا
["67"
] والله رؤوف بالعباد["68".
"الناس سواسيه كأسنان المشط"
ولا يكون المسلم مسلماً حقاً، مستحقاً لحب الله ورضاه إلا إذا قام بالقول والفعل بنفع عباد الله كافة
]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[
]أحبكم إلى الله أنفعكم لعباده[
أي لجميع عباده، لا لطائفة دون أخرى، ولا لدين دون آخر، ولا لجنس ولون وعرق على وجه الخصوص، ولم يفرق بين شعب الله وشعب الشيطان..
والإسلام، لم يضغط بكافة الأساليب الوحشية على الشعوب الأخرى لإبادة نسلها وتعقيمها، واستئصال أجهزتها، لإبادة نسلها واجتثاث أصولها، بل حض الشعوب على الإنجاب:
]المال والبنون زينة الحياة الدنيا["69"
وحض الأبناء على رعاية آبائهم في شيخوختهم، لا أن يدعوهم يموتون كما في البلدان المتطورة وحيدين لا يشعر بهم أحد إلا بعد أن تنتشر روائح جثثهم المتفسخة، فيهرع الجيران للإبلاغ عنهم، أو بين أيدي الغرباء الفظة في المصحات وبيوت العجزة
]وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً.. الخ["70"
وبذلك، رانت السعادة على الشعوب التي دخلت في الإسلام بشكل لم تعرفها في أي عهد من عهودها السابقة، وهكذا، فإن المتجول في أنحائها لم يجد أثراً لمقطوعي الأيدي والأرجل وسائر الأعضاء تزحف على بطونها...
أعتقد أنني بمثل هذه التفاصيل أستطيع -لحد ما- أن ألقي بعض الضوء على ما جاء في مناظرة السيدين المذكورين سابقاً حول حقوق الإنسان في الإسلام.
إن ما جئت به ما هو -في الواقع- إلا غيض من فيض، يحتاج إلى مجلدات لتغطيته، مما يتعذر على كافة العلماء والفقهاء أن يحيطوا به مجتمعين.
وهل يمكن لأية قوة الكترونية أو سواها، مهما كانت درجة فعاليتها، أن تحصي الذرات المنطلقة من شعاع من النور أضاء الكون بأسره من رب العالمين، وبلسان نبيٍ كريم؛ بجله تعالى بقوله:
]وإنك لعلى خلق عظيم["71"
صدق الله العظيم...


* اعتذار من عدم ذكر اسميهما.

* وتجار الجنس، من الطفل في المهد حتى ريعان الشباب من ذكور وإناث.

* يسخر الأغبياء والمغرضون من الإسلام في هذا المعرض، ويعتبرون بذلك المرأة بمثابة السلعة تشرى بالمال.. وإنني أجيبهم: هل من الأفضل في رأيكم أن تشتري المرأة الرجل بأن تدفع له "الدوطه"، وتقدم له المنزل والسيارة وزهرة شبابها على طبقٍ من الفضة!؟... وماذا سيحل بها إذا ما طلقها ورماها بعد ما ذبلت زهرة شبابها؟ أليست بحاجة إلى شيء من الضمان تعتمد عليه إلى أن تتوصل إلى تدبير سبل حياتها من جديد؟!

* لقد كرم الإسلام المرأة كطفلة بقول الرسول (ص): "من كانت له عدة بنات فرباهن فأحسن تربيتهن أدخله الله الجنة"، وحماها من ظلم الجاهلية ]وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنبٍ قتلت["66"؟
وكرمها شابة، زوجة كانت أو أخت -كما ذكرنا- وكرمها كهلة:
"الجنة تحت أقدام الأمهات"
ولم يذكر الآباء أو الذكور في هذا المقام. فعندما سأل أحدهم الرسول (ص) "من أحق الناس بحسن رعايتي" أجاب: "أمك"، سأل "ثم من؟" أجاب: "أمك" وسأل ثالثة: "ثم من؟" أجاب: "أمك"، وفي الرابعة أجاب الرسول: "ثم أباك".

* لم يتجرأ دعاة حقوق الإنسان على الاعتراض على ذلك، وشطبه -على الأقل- من مقدمة التوراة والإنجيل المشوهين بهذه العبارات، لئلا تنزل عليهم اللعنة والعقاب الصارم والغرامات المادية باتهامهم بوصمة العصر "ضد السامية"، ممن ليسوا -في الأصل- من السامية في شيء..

* اقرأ كتاب "إسرائيل وشعوبها" المترجم عن الفرنسية، للكاتبة، مع التعليق عليه. وهو قيد النشر في دار الرسالة- بيروت.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59