عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 11-07-2013, 03:57 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

الفصل الثالث:
الشعر بين المحتوى والشكل
عند الفلاسفة الإسلاميين




اعتبار اللغة وسيلة الكشف عن الفكر مُسلّمة لدى الفلاسفة الإسلاميين. ولم يكن بد للغة من أن تتنزّل في هذا التصور منزلة الحامل للمعنى، كالمشير الذي يومئ إلى الشيء، أو الصوت الحسي الظاهر الدال على المعنى العقلي الخفي، ذلك أن التناول المنطقي للظاهرة وضع الفلاسفة في إسار التركيز البدهي على المعنى، إذ لولاه لما كان تلفظ، ولانعدم بذلك كل سلوك لغوي. فإذا انضاف إلى ذلك كون التناول الفاحص للغة أو الألفاظ ليس إلا من توابع البحث في المنطق أو الفكر، أو أنه –كما يقول ابن سينا: "لو أمكن أن يتعلم المنطق بفكرة ساذجة، إنّما تلحظ فيها المعاني وحدها، لكان كافياً"(1)، أمكن التسليم مبدئياً بأنه في عرف الفلاسفة فإنّ كل بحث في اللغة إنما هو من مقتضيات الفكر، وأنه تبعاً لذلك يتأكد التمييز بين حقلي الألفاظ والمعاني، ليشكل كلّ منها خطاً يوازي الآخر ويحاذيه.
ولمّا كانت عملية التفكير لا تتم إلا باللفظ بإقرار الفلاسفة أنفسهم(2)، وأن عملية التفكير نفسها تتفاوت وتتنوع، وأنها إذا تجسّدت في مسلك تعبيري يستهدف إحداث تعبير فني عبر مدارج الكلام البليغ باتت لحمة الألفاظ والمعاني أشدّ ما تكون تآلفاً، وأصبحت الفعالية إذ ذاك لمقدرة الذهن على توظيف الألفاظ لتدل على مقاصد الفن. من هنا تنحسر علائق الدلالة المباشرة على المعاني وينتفي تلازم المدلول بدال محدد أو العكس، ويتضاءل –إن لم ينتفِ- حضور التصور المنطقي الضابط لوظائف الألفاظ في الدلالة الإشارية، ذلك أن التعبير عن المعاني المقصودة في وظيفة الكلام الأدبي ليست خلاصة لمحاصرة منطقية للمعنى، بل هو البيان الذي يراه ابن سينا في أن يحسن المتكلم "العبارة عن المعاني التي تهجس في ضميره فيحتاج إلى نقل صورها المتخيلة أو المعقولة إلى ضمير من يخاطبه"(3) وما دام البيان يتجسد في حسن التعبير عن المعاني الهاجسة في الضمير أمكن الإقرار بتصور الفلاسفة لمستوى من الكلام يتجاوز الإبانة العادية إلى تحسين الإبانة بغية إحداث تأثير في المتلتقى، وهذا حقل الكلام البليغ عامة سواء أكان خطابة أم شعراً.
الكلام العادي والكلام الأدبي

فانطلاقاً من رصد ثنائية الاستعمال في الظاهرة اللغوية بين الكلام العادي والكلام الأدبي، حدّد الفلاسفة إطار الشعر والخطابة حيث يتنزل هذان الفنان ضمن سياق القول البليغ وإن تفاوتا في الدرجة. ويعتمد الفلاسفة الإسلاميون رصد أشكال الانزياح عن الكلام العادي في إصطلاحات مختلفة كالتجوّز والتوسّع والعدول وإخراج القول غير مخرج العادة، ذلك أن المنظور الوظيفي هو الذي يحدد خصائص بنية القول، فكما يرى الفارابي أن "الأقاويل المبتذلة كلها قد يبلغ بها المقصود في تفهيم السامع"(4)، لأن وظيفة الإفهام التي يحققها القول المبتذل لا تتطلب خصائص فنية في النص: "أما الأقاويل التي ليست مبتذلة، فمنها أقاويل شعرية وخطبية وما جرى مجراها"(5)، فانتفاء الأقاويل المبتذلة من حقل الشعر وما قاربه من فنون تخصيص لنوعية خطاب تتجسد فيه اللغة في مستوى انتقائي لتحقيق الطرافة والجدة وإزاحة المشهور والمبتذل، ذلك أن كل قصد للتأثير في المتلقى تخصيص للقول ضمن حقل كيفي تراعى فيه ضوابط الوظيفة الأدبية. ومن هنا، وكما يرى الفارابي أن "الجمهور والخطباء والشعراء يتسامحون في العبارة ويجوّزون فيها"(6). وعلى الرغم من أن الفارابي يقابل بين الاستعمال العلمي للغة الذي يفيد تحقيق الإبانة، إذ يؤسس البرهان المحقق لليقين في مقابل الأشكال اللغوية المرنة في استعمالات الجمهور والخطباء والشعراء، الهادفة إلى غير اليقين البرهاني، والموزعة ضمن مراتب الإفادة العادية أو إحداث الأثر النفسي الناتج من القول الأدبي، فإنّ تخصيص التوسع والتجوّز بالقول الأدبي ضبط أساسي لمبادئ القول البليغ، حيث يشكل مفهوم التوسع أو المسامحة واستعمال الاستعارة –كما يقول- مبدأ قاراً في ملاحظة كيفية التأسيس للقول الشعري أو الخطابي، ذلك أن "التجوز والمسامحة إنما تستعمل في الصنائع التي يحتاج الإنسان فيها إلى إظهار القوة الكاملة في غاية الكمال على استعمال الألفاظ، فيعرف أنّ له قدرة على الإبانة عن الشيء بغير لفظه الخاص به لأدنى تعلق يكون له بالذي تجعل العبارة عنه باللفظ الثاني، أو له قدرة على استعمال اللفظ الذي يخص شيئاً ما على ما له تعلق به ولو يسيراً من التعلق، ويبين عن نفسه أن له قدرة على أخذ اتصالات المعاني بعضها بعض ولو الاتصال اليسير، ويبيّن أنّ عباراته وإبانته لا تزول ولا تضعف وإن عبّر عن الشيء بغير لفظه الخاص به بل بلفظ غيره. وأما الاستعارة فلأن فيها تخيُّلاً وهو شعري"(7).
فجوهر التوسع واستعمال المجاز والاستعارة والتسامح في العبارة المحدّدة لنوعية الخطاب الأدبي عموماً والشعري خصوصاً، قدرة على التحكم في اللفظ ومرونة في إحكام الصلة بين الألفاظ والمعاني، وتوظيفها في علاقات جديدة ينشأ عنها القول البليغ عموماً. ومن هنا تنشأ الخاصية النوعية للخطاب الأدبي في استغلال قابلية الألفاظ للدخول في عوالم جديدة يتولد من لحمتها السياقية معانٍ شعرية وخطابية ينتفي منها المشهور والمباشر، ويبرز بها المخترع الطريف تماماً كما يرى ابن سينا أيضاً، أن "العدول عن المبتذل إلى الكلام العالي الطبقة التي فيها أجزاء هي نكت نادرة، هو في الأكثر بسبب التزيين، لا بسبب التبيين"(8).
فإذا كانت الإبانة ناتجة عن الكلام المبتذل أو العادي فإن تزيين الإبانة من خصائص الكلام العالي، من هنا يفضّل في الكلام العالي –إن مثلنا له بالشعر- أن لا يكون مشهوراً وقريباً، ذلك أن القريب والمشهور غير مستحسن في الشعر" بل المستحسن فيه المخترع المبتدع"(9).
وينسجم رأي ابن رشد مع رأي الفارابي وابن سينا السابقين في ضبط حقل الكلام الأدبي عموماً، والشعري خصوصاً، بمقابلته بالكلام العادي، ذلك أن كل شكل من أشكال التغيّر التي تطول الكلام الحقيقي تؤدي إلى تحقيق القول الشعري "فقد يستدل على أن القول الشعري هو المغيّر أنه إذا غير القول الحقيقي سميّ شعراً أو قولاً شعرياً، ووجد له فعل الشعر"(10)، والإخراج المجازي للمعنى تحقيق لشعرية القول الذي يظهر في كل أصناف التغييرات التي تطول مستويات النص المختلفة، دلالياً في مستوى الصورة، وتركيبياً في مستوى تلاحم الوحدات في السياق كما تنتظمها العلاقات النحوية أو تحدثها الهيئات الحادثة في البنية النحوية للعبارة في حالات الحذف أو التقديم والتأخير وغيرها، وصوتياً في أشكال التناسب العالقة بالطبقات الصوتية للقول. كل هذه الأشكال من التغييرات وغيرها مما يتحقّق في النص معنىً ولفظاً ينضوي تحت ما أسماه ابن رشد "إخراج القول غير مخرج العادة"(11).
وهكذا تكون مقابلة الكلام العادي بالكلام الأدبي مبدأً أساسياً في ضبط مجال كل من الحقلين. وإذ يقرُّ الفلاسفة بالخصائص النوعية لبنية النص الأدبي المجسّدة لوظيفته الفنية، يظل الهاجس الرئيسي هو منظور الوظيفة القائم على أثر الخطاب الأدبي في المتلقّي الذي تنبني عليه كل الخصائص الأسلوبية في النص. فليست أشكال الخروج عن الكلام المبتذل إلا تحقيقاً واستجابة لغاية التأثير ولمقتضيات كمال الإبلاغ، ذلك أنه كما يرى إخوان الصفا إن المعاني إنّما "تفهم من الكل من اللّكن والفصحاء، وإنّما يتفاضل النّاس في البلاغة"(12).
وأساس التفاضل إنما يتأتّى من القدرة على الصياغة المجددة للمعنى، فليست البلاغة إلاّ إيصال المعنى إلى النفس في أحسن صورة لفظية كما شاع في أوساط النقاد والبلاغيين أيضاً. من هنا يصنّف أبو حيان التوحيدي درجات الإفهام مقابلاً بينها وبين البلاغة التي يراها مستوىً تحسينياً للإفهام، حيث إن "الإفهام إفهامان: رديء وجيد، فالأول لسفلة الناس، لأن ذلك غايتهم وشبيه برتبتهم في نقصهم، والثاني لسائر الناس، لأن ذلك غايتهم وشبيه برتبتهم في نقصهم، والثاني لسائر الناس، لأن ذلك جامع للمصالح والمنافع. فأما البلاغة فإنها زائدة على الإفهام الجيد بالوزن والبناء، والسّجع والتقفية، والحلية الرائعة، وتخيّر اللفظ، واختصار الزّينة، بالرِّقة والجزالة والمتانة، وهذا الفن لخاصة النفس، لأن القصد فيه الإطراب بعد الإفهام والتواصل إلى غاية ما في القلوب لذي الفضل بتقويم البيان"(13). وإذا كان التركيز في النص السّابق على فوارق الإفهام والإلحاح على الخصائص الأسلوبية للنص التي تطول مستوياته المختلفة المحققة للإطراب بعد الإفهام، فإن المنظور الوظيفي المؤسس على مقابلة الإفهام بالبلاغة يقوم على مصادرة يتقابل فيها الكلام العادي بالكلام الأدبي، إذ إن تحقيق الإفهام ليس إلا خلاصة للأول، في حين تنتج عن الثاني وظيفة الإطراب، فالغرض "الأول في الكلام الإفادة، وجل الأمم على هذا والثاني تحسين الإفادة"(14).
هذا المنطلق المؤسس لفوارق الكلام العادي والكلام الأدبي المحكوم بالمنظور الوظيفي ليس حاسماً في تأكيد الفصل بين الحقلين، إذ إن كلّ انحراف عن الكلام العادي وإخراج القول غير مخرج العادة، ليس نفياً لمستوى الاستعمال العادي في الكلام، إذ إن ذلك سيحيل القول لغزاً وإنما المسألة نسبة ما بين المستويين، ومردّ ذلك انعكاس الوظيفة أيضاً. فالتأثير أو الإطراب وإن أبان عن وظيفة نوعية إلا أنها لا تنفي الإفهام، وتعاضد الوظيفتين ينعكس في تلاحم التحسين والإبانة، أو تلاحم العادي وغير العادي في القول.
يتجسد المبدأ السابق لدى الفلاسفة الإسلاميين في تقصيهم أصناف الألفاظ المستعملة في الشعر وغيره من أصناف الخطاب المنطقي في مستوياته المختلفة بدءاً من البرهان ثم الجدل فالسفسطة وفي درجة وسطى الخطابة، ضمن مقابلة الاستعمال اللغوي بين الشعر والعلم عموماً، أو خصائص اللفظ في الخطاب الأدبي والعلمي، مع الإقرار بتفاوت درجات الأنواع المتفرعة من كل موقف. وتقصي فوارق اللغة في الخطابين الشعري والبرهاني من جهة، والشعري والخطابي من جهة أخرى لا تعنينا في هذا المقام(15)، إنما أساس التقصي في موضوعنا هو اللغة في النص الأدبي والشعري خصوصاً، في سياق مقابلة الكلام العادي بغير العادي ليتسنى لنا البناء على هذا الأساس المجسم للوعي بتميز النص الأدبي بخواص أسلوبية، يظهرها لدى الفلاسفة تصوّرهم علائق الألفاظ بالمعاني في مرتبة المحاكاة التي هي الجوهر المحقق للوظيفة الشعرية، ثم علائقهما في مقامات التحسين والهيئات الترتيبية القائمة على أشكال التناسب بينهما، مما يتنزّل في مجرى التشكيلات التي تعضد المحاكاة أو تعوّض غيابها عن القول المقرر المباشر.
ويتأسس المدخل الضابط لطبيعة الاستعمال الشعري للفظ وللفوارق الفاصلة بين طبيعة هذا الاستعمال في الشعر وطبيعته في غيره كالمنطق والفلسفة، في قول الفارابي: "وحروف السؤال كثيرة: "ما" و"أي" و "هل" و "لم" و "كيف" و "كم" و"أين" و"متى". وهذه وجل الألفاظ قد تستعمل دالة على معانيها التي للدلالة عليها وضعت منذ أول ما وضعت، وتستعمل على معانٍ أُخَرْ على اتساع ومجاز واستعارة، واستعمالها مجازاً واستعارة، هو بعد أن تستعمل دالة على معانيها التي لها وضعت من أول ما وضعت. والخطابة والشعر فإنّ الألفاظ تستعمل فيهما بالنوعين جميعاً، وأما الفلسفة والجدل والسفسطائية فلا تستعمل فيهما إلا على المعاني الأولى التي لأجلها وضعت أولاً"(16).
يتعاضد استعمال الألفاظ في دلالتها الوضعية والمجازية معاً في حقلي الخطابة والشعر وتختص الفلسفة والعلوم عامة بتوظيف اللفظ في دلالته الوضعية، فيتميز الخطاب الأدبي باستغلال أنواع التجوّز والتوسع المشكلة لخصائصه النوعية. ويعدد الفارابي الأسماء التي يرى أن: منها مستعارة، ومنها منقولة، ومنها مشتركة، ومنها ما يقال بتواطؤ، ومنها ما يقال عن الشيء بعموم وخصوص، ومنها ما هي متباينة، ومنها ما هي مترادفة، ومنها ماهي مشتقة، ثم يعرّف كل نوع على حدة ليخلص إلى تقرير أن "الأسماء المستعارة لا تستعمل في شيء من العلوم، ولا في الجدل، بل في الخطابة والشعر"(17).
وقد وردنا لابن سينا وابن رشد نصّان طويلان تخلّلا شرحيهما فنّ الشّعر الأرسطي حددا فيهما أصناف اللّفظ الدّال، مع ما أوليا هذا الموضوع من وقفات وعودات في تلخيص الخطابة. وقد انحصر في مراتب أقسام الألفاظ التي يتولّون شرحها مجال الاستعمال النّوعي في الشعر والخطابة أو القول الأدبي عموماً. وهذا التصنيف للألفاظ ليس إلا تفريعاً لحقلي الكلام العادي والكلام الأدبي المتماسّين، إذ لا يمكن ضبط الحدود الفاصلة بين المستويين فضلاً عن أنّ مقولة الكلام العادي الخلو من أدنى مراتب الانحراف ليست إلاّ مقولة تجريدية لا تجسيد لها في الواقع. يرى ابن سينا أنّ "كل لفظ دال، فإمّا حقيقي ومستول، وإمّا لغة، وإما زينة وإما موضوع، وإما منفصل، وإمّا متغيّر"، والحقيقي هو اللفظ المستعمل عند الجمهور المطابق بالتواطؤ للمعنى. وأما اللغة فهي اللفظ الذي تستعمله قبيلة وأمة أخرى وليس من لسان المتكلم، وإنما أخذ من هناك ككثير من الفارسية المعرّبة بعد أن لم يكن مشهوراً متداولاً فقد صار كلغة القوم.
وأما النقل فإن يكون أول الوضع والتواطؤ على معنى وقد نقل عنه إلى معنى آخر، من غير أن صار كأنه اسمه صيرورة لا يميّز معهما بين الأول والثاني، فتارةً تنقل من الجنس إلى النوع، وتارةً من النوع إلى الجنس، وتارةً من نوع إلى نوع آخر، وتارةً إلى منسوب إلى شيء من مشابهه في النسبة إلى رابع...
وأما الاسم الموضوع المعمول فهو الذي يخترعه الشاعر ويكون هو أول من استعمله...
وأما الاسم المنفصل والمختلط فهو الذي احتيج إلى أن حرّف عن أصله بمد قصر، أو قصر مد، أو ترخيم، أو قلب، وقيل إنه الذي يعسر التفوه به لطوله أو لتنافر حروفه واستعصائها على اللسان أو بحال اجتماعها، والأول هو الصحيح.
وأما المتغيّر وهو المستعار والمشبّه على نحو ما قيل في "الخطابة".
والزينة هي اللفظة التي لاتدلّ بتركيب حروفها وحده، بل بما يقترن به من هيئة نغمة ونبرة، وليست للعرب"(18).
يتحدد ضمن أقسام اللفظ السابقة حقل الكلام الأدبي بقسميه الخطابة والشعر، وغيره من أصناف الكلام الأخرى المشكلة للكلام الصريح سواء انضوت تحت تفرعات العلم في مفهومه القديم، أم القول المبتذل الهادف إلى الإفادة والمتداول بين الناس المحدد لوظيفة الاتصال في طورها الأول، فأوضح القول يرى ابن سينا أيضاً "وأفضله ما يكون بالتصريح. والتصريح هو ما يكون بالألفاظ الحقيقية المستولية، وسائر ذلك يدخل لا للتفهيم بل للتعجيب مثل المستعارة، فيجعل القول لطيفاً كريماً. واللغة تستعمل للإغراب والتحيير والرمز، والنقل أيضاً كالاستعارة، وهو ممكن، وكذلك الاسم المضعّف. وكلّما اجتمعت هذه كانت الكلمة ألذّ وأغرب وبها تفخيم الكلام وخصوصاً الألفاظ المنقولة. فلذلك يتضاحكون بالشعراء إذا أتوا بلفظ مفصل أو أتوا بنقل أو استعارة يريدون الإيضاح، ولا يستعمل شيء منها للإيضاح"(19).
وعلى الرغم من أن وظيفة الإيضاح تحددها الألفاظ المستولية أو الحقيقة ويتولد من أصناف الألفاظ الأخرى وظائف الإغراب والرّمز والتحيير والتعجيب، المقابلة للإفهام، فإن للشعراء أن يقصدوا تحقيق وظيفة الإيضاح أيضاً يؤكد ذلك ملاحظته الأخيرة عند عدم إصابة القصد بجمع المختلفين كما يظهر ذلك في غرض الإيضاح بتوظيف أقسام اللفظ المؤدّية للإغراب والتعجيب.
على كل حال يجتمع للشعر وللكلام الأدبي عموماً أن يوظف أصناف الألفاظ السابقة عموماً بما فيها الحقيقي والمستولي، الذي يلتزم به العلم والكلام العادي مع الإقرار بتفاوت القول الأدبي، بحسب أنواعه، في توظيف هذه الأقسام كميّاً وكيفياً، كما يتجسد ذلك أساساً في الفروق بين الخطابة والشعر ويتأكد هذا التصور لدى ابن رشد أيضاً في تعرضه لأقسام الاسم على غرار ابن سينا، فيرى أنه إمّا حقيقي، وإما دخيل في اللسان، وإما منقول نادر الاستعمال، وإما مزيّن، وإمّا معمول، وإما معقول، وإما مفارق، وإمّا مغيّر. ثم يشرع في تعريف كل نوع مما لا يجعله مختلفاً عن ابن سينا إلاّ في اللفظ، فالتوافق بينهما يكون بين الحقيقي، ثم الدخيل الذي يقابله لدى ابن سينا اللغة، وكذا الاسم النادر المنقول أو النقل، والاسم المعمول أو الموضوع، وكذا المزيّنة أو الزّينة، والمغيّرة أو المتغيّر، ويكاد يتحدد مفهوم الاسم المفارق والمعقول لدى ابن رشد بما يلائم شرح ابن سينا للاسم المنفصل والمختلط، حيث يرى ابن رشد انتفاء وجوده في لسان العرب، ثم يرى أنه "قد قيل إنّه يعني بالمفارق الأسماء المغيّرة بالزيادة فيها والنقصان منها والحذف أو القلب. وقيل: بل يعني بذلك الأسماء التي يعسر النطق بها. وظاهر كلامه (أي أرسطو) أنه اسم كان يؤلّف عندهم من مقاطع محدودة. وأما الاسم المعقول فإنه فيما أحسب الذي سمّاه المختلف، وظاهر كلامه أنّه الاسم المحذوف بالنقصان، مثل الأسماء المرخّمة عندنا"(20)، ولا يكاد فصله بين الأسم المفارق والاسم المعقول يضيف جديداً، خاصة أن تعريف الثاني ليس إلا صورة من تعريف الأول.
والمهم أن مسار الشعر أو القول الشعري عموماً يتبدى في التوظيف المتوازن لأقسام الكلام السابقة، خاصة في الجمع بين الاسم الحقيقي وغيره من أصناف الأسماء الأخرى، فكما يرى ابن رشد أن "فضيلة القول الشّعري العفيفي أن يكون مؤلفاً من الأسماء المستولية ومن تلك الأنواع الأخر، ويكون الشاعر حيث يريد الإيضاح يأتي بالأسماء المستولية، وحيث يريد التّعجيب والإلذاذ يأتي بالصّنف الآخر من الأسماء. ولذلك قد يتضاحك بمن يريد الإيضاح فيأتي بالأسماء المشتركة أو الغريبة أو الألسن أو المعمولات. ويتضاحك أيضاً بمن يريد التّعجيب والإلذاذ فيأتي بالأسماء المبتذلة. وكأن الشّاعر يجب له ألا يفرط في استعمال الأسماء الغير مستولية (كذا) فيخرج إلى حدّ الرمز، ولا أيضاً يفرّط في الأسماء المستولية، فيخرج عن طريقة الشعر إلى الكلام المتعارف"
(21)، فمحصلة التوازن في توظيف الاسم الحقيقي، وغيره من أقسام الكلام أو الأسماء المحكومة بتحقيق وظيفة الإطراب أو التأثير لا تنفي وظيفة الإفهام أيضاً، ومزج الوظيفتين ينعكس في طبيعة التوظيف لأقسام الكلام.

والمهم أن طريقة الشّعر تقابل طريقة الكلام المتعارف، وعلى الرغم من أن الكلام المتعارف مرادف للكلام العادي فإنّه حقل يتّسع ليشمل كل توظيف حقيقي للغة بغية إفادة التوضيح في المستوى البرهاني(22)، أو الاتصال الهادف إلى الإفهام في طوره الأدنى أو العادي في مستوى الكلام العادي، ويتناظر ذلك مع مستوى الكلام غير العادي الذي ينضوي تحته كل قول ينزع في بنيته منزعاً شعرياً أو خطابياً، مع الإقرار بتفاوت الاستعمال لعناصر الكلام السابقة بين الحقلين مع ما يعضد ذلك من خصائص صوتية تتبدى في الوزن والإيقاع والنبر والنغم وتطول الهيئات الخارجية التي تدعم القول الإنفعالي شعرياً كان أم خطابياً، كما يرى ذلك خاصة في حركات المتكلم شاعراً كان أم خطيباً، ومختلف ما يأتي به من هيئات تنضوي تحت ما أسماه الفلاسفة "الأخذ بالوجوه". ومن هنا إذ تندرج لغة الخطابة في خانة الكلام البليغ فإنّها تحتلّ رتبة أدنى بالنسبة إلى الشعر، ذلك أن هدفها المتجسد في إيقاع الإقناع المرتبط بنوع من أنواع التصديق لا يخول لها الاستغلال التام لأشكال التغييرات(23) اللغوية كما هو الحال في الشعر.
وإذا كانت أشكال الانحراف عن الكلام المتعارف انفساحاً لمجال القول الشّعري عامة، فإن بنية النص المشكلة من توليف الأقسام اللفظية السابقة تتناسب سياقاتها الثّرية في مستوياتها المختلفة مع ما توفره إمكانات استغلال الوحدات الدّالة على مستوى محور الاستبدال عبر انتقاء الملائم والمناسب منها، وإمكانيات التوليف التي يفسحها محور التوزيع الذي تتفاعل فيه الدوال في بنية شاملة في سياق كلي، من هنا يكون مجال التوسع لدى الفارابي شاملاً يطول مستويات النص المختلفة، فإذ يرصد ظهور المجازات والاستعارات وأشكال التجوز في الدلالة على معنىً ما بغير اللفظ الذي وضع له يضع ضمن هذه التجوزات "التوسع في العبارة بتكثير الألفاظ وتبديل بعضها ببعض وترتيبها وتحسينها"(24).
ويمكن أن ينضوي تحت العبارة السابقة كل الأشكال التحسينية المحدثة للهيئات الترتيبية البليغة في الكلام، وتقوم هذه على لحمة بلاغية تتراصف فيها الوحدات في أشكال ترتيبية مقصودة تتبدى في علاقات الوحدات تركيبياً، دون أن ننسى الإشارة إلى تكثير اللفظ في أنماط الترادف أو أشكال الإعادة المختلفة التي قد تنتج عن تكرار الوحدات فيها أنغام موسيقية أو بسط للكلام فيما عرف في أوساط البلاغيين بالإطناب.
وعند ابن سينا تشمل التغييرات كل مستويات النص أيضاً، فقد رأينا مصادر القول الشعري لديه ضمن أقسام الألفاظ المختلفة، مع شمول مفهوم العدول عنده أيضاً، فبالإضافة إلى استغلال النقل واللغة والاستعارة وغيرها مما يحقق إلذاذاً وتعجيباً في القول، يمكن أن تتحقق الصنعة في القول: "بالتركيب وبالقلب مثل قولك: ليس الإنسان بسبب السنة، بل السنة بسبب الإنسان، والعطف والمطابقة وسائر ما قيل في الخطابة"(25).
والتغيير لدى ابن رشد "يعطي في المعنى جودة إفهام، وغرابة، ولذة"(26)، وهو يشمل مستويات النص المختلفة، فالقول "إنما يكون مختلفاً، أي مغيراً عن القول الحقيقي من حيث توضع فيه الأسماء متوافقة في الموازنة والمقدار، وبالأسماء الغريبة، وبغير ذلك من أنواع التغيير"(27)، ويفصل القول في أشكال هذه التغيرات فيراها "تكون بالموازنة والموافقة والإبدال والتشبيه، وبالجملة: بإخراج القول غير مخرج العادة، مثل: القلب والحذف والزيادة والنقصان والتقديم والتأخير وتغيير القول من الإيجاب إلى السّلب ومن السّلب إلى الإيجاب، وبالجملة: من المقابل إلى المقابل، وبالجملة: بجميع الأنواع التي تسمى مجازاً"(28).
فواضح أن أشكال التغيير تتسع لتشمل كل إخراج للقول غير مخرج العادة سواء تعلق الأمر بمستوى الدلالة في النص كما يظهر في قصد التشبيه والإبدال، وأنواع المجاز، أمّ مستوى التركيب كما يتبدى في أشكال الترتيب الحادثة بين وحدات النص خاصة في حالة التقديم والتأخير والحذف، وأشكال التناسب الحادثة من اعتماد نسق التوازن بين الوحدات في المستوى المعنوي كما تظهر في التطابق والتقابل، وفي المستوى الصوتي أو اللفظي كما يتحقق في الجناس مع ما يتشكل من أنماط التوازن والتوافق من موسيقى.
وعلى الرغم من أن أبا حيان التوحيدي يوزع المعنى واللفظ بين العقل والحس مستنداً في ذلك إلى رأي أبي سليمان المنطقي، فيرى أنه لاحظ للفظ عند العقل ما دام يطلب المعنى، فإنّه يرى مع ذلك أن العقل "يتخير لفظاً بعد لفظ، ويعشق صورة دون صورة، ويأنس بوزن دون وزن"(29) وتخير اللفظ إقرار بانتقاء الدوال وإحساس بالتمايز بين الألفاظ في مستواها الإفرادي الذي سيعضده مفهوم للبيان شامل لديه يقوم "على صحة التقسيم وتخير اللفظ وترتيب النظم وتقريب المراد. ومعرفة الوصل والفصل، وتوخي الزمان والمكان، ومجانبة العسف والاستكراه، وطلب العفو كيف كان"(30)، وهكذا يكون مستوى البيان شاملاً يراعى فيه اللفظ، والنظم في دلالته العامة، ممّا يغطي عناصر النص المختلفة أيضاً وإن تميز الأمر لدى التوحيدي بالمصادرة على اللفظ والمعنى، وعلى النظم في الآن نفسه.
ويعود التوحيدي إلى الفكرة نفسها بمزيد من التّدقيق والضبط فيما يرويه عن أبي سعيد السيرافي مخاطباً أبا بشر بن يونس في المناظرة المشهورة، يقول: "وقدّر اللفظ على المعنى فلا يفضل عنه، وقدّر المعنى على اللفظ فلا ينقص منه، هذا إذا كنت في تحقيق شيء على ماهو به. فأما إذا حاولت فرش المعنى وبسط المراد فأجل اللفظ بالروادف الموضحة والأشباه المقربة، والاستعارات الممتعة وبيّن المعاني بالبلاغة، أعني لوح منها لشيء حتى لا تصاب إلا بالبحث عنها والشوق إليها، لأن المطلوب إذا ظفر به على الوجه عز وحلا وكرم وعلا، واشرح شيئاً حتى لا يمكن أن يمترى فيه أو يتعب في فهمه أو يعرج عنه لاغتماضه فهذا المذهب يكون جامعاً لحقائق الأشباه ولأشباه الحقائق"(31). وتبدو إشارة التوحيدي إلى التلويح أو الإيحاء طريفة، فالإيحاء يزيد لغة الأدب رسوخاً في الأدبية، وهو لا ينسى الدعوة إلى تكامل الغموض الناتج عن توظيف طاقة الإيحاء في اللغة مع المستوى الشارح من القول، مما يعيد إلى الذهن فكرة التوليف بين المباشر وغير المباشر أو العادي وغير العادي.
والمهم أن المستويات المختلفة لبنية النص دلالياً وتركيباً وصوتياً التي يباشرها الفلاسفة بالارتكاز على ثنائية اللفظ والمعنى أو الاعتماد على بسطها في أنماط الترتيبات والهيئات الحاصلة من التحسينات المختلفة في القول المؤسسة على الجوهر المحاكي، تحددت بالانطلاق من مفهوم راسخ لدى الفلاسفة يقوم على الإيمان بفكرة التوسيع والتجوز وإخراج القول غير مخرج العادة. هذه المستويات المختلفة للنص تبدو في التوزيع الفلسفي مراتب حسب الأهميّة أو الأولوية، ذلك أن المنظور الوظيفي للخطاب الأدبي عموماً وللنص الشعري خصوصاً هو الذي حدد خصائص بنيتهما، من هنا كان جوهر الشعرية في النص متجسداً في المحاكاة التي تتأسس عبر الخواص الصورية، أي انطلاقاً من صلة المعنى باللفظ، مع ما يعضد ذلك من وزن، هذا في المستوى الجوهري من بنية النص الذي تثريه التشكيلات التّحسينية التي تحدثها أنماط الترتيبات المختلفة في أنماط التوازن والتوافق بين المعاني من جهة والألفاظ من جهة أخرى، مما يشكّل في عمومه طبقة عرضية فوق طبقة المحاكاة في المعنى. هذا التصور يقتضي التعرض مبدئياً للحمة المعنى واللفظ في مستوى المحاكاة الأول ليردف بالمستوى التحسيني العرضي ثانياً.

المستوى المعني للمحاكاة والخاصية النوعية للشعر

يضطرنا المرور إلى المستوى الجوهري للمحاكاة المتحقق في لحمة المعنى واللفظ، باعتبار أن فعل المحاكاة أو أساسها إنما هو خواص صورية يتشكل وفقها المعنى ليتسنى له الدخول إلى خانة الشعرية، إلى الكشف عن الأصول العامة المؤسسة للمحاكاة، ذلك أن المنظور الوظيفي للشعر القائم على فكرة التخييل لدى الفلاسفة يعتمد في مستوى المفهوم على فكرة المحاكاة التي قد تتعادل مع اصطلاح التخييل. فالمحاكاة المتحققة في الصياغة الجمالية للمحاكى تختزل منطلقات مفهوم الشعر لدى الفلاسفة في كونه إخراجاً جمالياً بالصياغة المميزة للموضوع، حيث يمكّن هذا المفهوم من وضع الشعر ضمن دائرة الفنون بالاستناد إلى صلات التشابه بينه وبينها، وبالاعتماد على الخواصّ الشكلية المتميزة التي يصوغ فيها الشعر معانيه، ومع ذلك احتل الشعر موقعه ضمن بناء منطقي شامل لأصناف الخطابات المنطقية نزلاً من البرهان المحقق لليقين فالجدل والسفسطة ثم الخطابة والشعر، فاعتبار الشعر تخييلاً ليس إلا إسناد مهمة نوعية للشعر ضمن جملة المنطق عموماً(32).
ويتألف مع المفهوم المشكّل لحد الشعر لدى الفلاسفة الإسلاميين، المنظور الجمالي للخطاب الشعري، ذلك أن المحاكاة "هي إيراد مثل الشيء وليس هو هو"(33). فالمستوى النوعي في صياغة المعطى الحيوي هو الذي سيميّز الشعر في سلّم الخطابات المنطقية عموماً، إذ سيفرده بالخواصّ الصورية التي تؤسس جوهر المحاكاة بما يضمنها من وزن وترتيبات تحسينية تلحق المعنى واللفظ وغيرها من العناصر الداعمة لفعل المحاكاة والتخييل.
يتأسس مفهوم الشعر ومهمته على قناعة معرفية تمثل ركناً في نظرية الفلاسفة الإسلاميين في المعرفة، وذلك أن مراتب الناس في الإدراك متفاوتة فإذا يتسنّى للبعض تمثّل البرهان في يقينه وإدراك الخطاب الفلسفي في عمقه التجريدي، لم يتمكن غير هؤلاء من الجمهور من تجاوز سلّم الخطابة والشعر إذ إن أذهان هؤلاء فطرت أو مرنت على ربط كل تصور إدراكي بأمثلة الأشياء، فلا يعدم هؤلاء إلباس كل معنى عميق بمثاله أو صورته الشارحة القائمة على المستوى الحسيّ من المعرفة، من هنا يتوسل في شرح معاني الحكمة العميقة لهؤلاء بالأقوال التخييلية في الشعر، والإقناعية في الخطابة التي إن حققت نوعاً من التّصديق الخطابي فإنّها تستفيد من خواصّ التغيير الشعري وتستعملها بقدر طبقاً لوظيفتها في الإقناع. لهذه الفئة التي عدمت القدرة على تعاطي المجرد يوضع القول الأدبي عموماً، ليتسنى رفدها بالمعرفة بعد وضعها في قالب حسي كما يتجسد خاصة في الشعر(34).
يحيل هذا المستوى المعرفي على تصور الفلاسفة الإسلاميين للنفس البشرية وملكاتها وقدراتها المختلفة وتفاوت هذه القدرات والملكات في القيمة. وآراء الفلاسفة في النفس البشرية ووظائفها تمثل أساساً التحم بحد الشعر لديهم، ذلك أن قوى النفس المدركة لدى الفلاسفة تختزلها مراتب أساسية ثلاث هي: الحس والتخيل والعقل مع الإقرار بتفرعات كل مستوى(35)، فإذا كانت مرتبة العقل حضناً للدرجة العالية في المعرفة كما تتمثل في الفلسفة والمنطق، وكل ما يحتاج فيه إلى قدر عال من التجريد، ويمثل الحس القناة الأولى في التعرف على الموجودات في إطارها الحسي، فإن مخزون الحس يمثل بدوره رافد المخيلة يمدها برصيد المدرك الحسي الذي يتيح لها ممارسة وظائفها، ومن هنا تتحدد منطقة الشعر في هذا المستوى الوسط، إذ يكون كل قول شعري إنما هو تشكيل لمحسوسات أدركت إفراداً، وإعادة لصياغتها وترتيبها وفق المقصد مما يدلل لدى الفلاسفة على البرهان عن الأصل السيكولوجي لفعل المحاكاة والتخييل.
غير أن الأصول المنطقية والمعرفية والجذر النفسي المؤسسة لمفهوم الشعر ومهمته لدى الفلاسفة، بقدر ما تثقل الشعر وتجذبه نحو قيود المنطق وتهويمات المخيلة وحصار الوظيفة الشارحة والتابعة، تقوم على تأكيد الخاصية النوعية للشعر التي تتجسد في الصياغة المميزة للمعنى، وهذه الخاصية المميزة تقوم أيضاً على مسلّمة لدى الفلاسفة الإسلاميين تحيل على حقل الإلهيات لديهم، والأصول الكلية النّابعة من هذا العلم التي تشكّل بدورها مفاتيح البرهان والبحث في ما عداها من فنون المعرفة. هذه المسلمة تقوم على فكرة المادة والصورة التي تختزل مبادئ البرهنة على وجود كل كائن، إذ تراه خلاصة لانطباع صورة تهبه وجوده وخصائصه على هيولى تمثل وجوداً بالقوة، وإن كان من قناعات الفلاسفة أن لا وجود للصورة إلا بالمادة والعكس صحيح، لذلك يكون الاقتراب من خواص الشعر كامناً في الإقرار بقدرته المتميزة على صياغة المعنى في بنية من التصوير، وتكون هذه الخاصية هي التجسيد الفعلي للفكرة الفلسفية السابقة في الشعر(36).
هذا الأساس الفلسفي الأخير الذي يمثل أسّاساً آخراً ينضاف إلى بقية الأسس الفلسفية المبرهنة على وضع الشعر وغيره من فنون الخطابات الأدبية ضمن البناء الفكري لفلاسفة الإسلام يتيح لنا المرور، عقب هذه الوقفة الشارحة لخلفيات منطلقات الفلاسفة في ضبط مفهوم الشعر إلى مستوى النص في ذاته ومحاولة كشف طروحات الفلاسفة وتصوراتهم لبنيته النوعية، ذلك أن مهمتنا تعقب المستوى اللغوي المجسّد لنوعية القول الشعري الذي لا يمثل سوى تفريع أو إعادة لمقولة المعنى واللفظ، وخارج هذا الإطار من رصد المفهوم أو المهمة وما يشبههما من مواضع البحث في الشعر ليست من عناصر اهتمامنا في هذا الموضوع.
اهتم ابن سينا بفكرة الهيئة الناتجة عن خصائص التناول الشعري للمعنى القائمة أساساً على المحاكاة بما يرفدها من إيقاع، دون أن ينسى عناصر أخرى تدعم الشعر في أداء وظيفته، فالتخييل المحرك من القول متعلّق "إما بجودة هيئته، أو قوّة صدقه، أو قوة شهرته، أو حسن محاكاته"(37)، إلا أنه لا يلبث أن يرى أنه: "قد نخص باسم المخيلات، ما يكون تأثيره بالمحاكاة"(38)، فيركز جوهر الشعر في المحاكاة المتشكلة أساساً من الصياغة المتميزة للمعنى. تتجسّد لدى ابن سينا فكرة الهيئة في الانقلاب الذي تحدثه في أصل المعنى ليستحيل شعرياً، وعملية التغيير الطارئة على المعاني في إطارها التصديقي هي التناول الشعري لها الذي يصوغها وفق خصائصه، فالمخيّل "هو الكلام الذي تذعن له النفس فتنبسط عن أمور وتنقبض عن أمور من غير رويّة وفكر واختيار، وبالجملة تنفعل له انفعالاً نفسانياً غير فكري، سواء كان المقول مصدقاً به أو غير مصدق. فإنّ كونه مصدقاً به غير كونه مخيّلاً أو غير مخيّل: فإنه قد يصدق بقول من الأقوال ولا ينفعل عنه، فإن قيل مرة أخرى وعلى هيئة أخرى انفعلت النفس عنه طاعة للتخييل لا للتصديق، فكثيراً ما يؤثر الانفعال ولا يحدث تصديقاً وربما كان المتيقن كذبه متخيلاً"(39). صحيح أن ابن سينا يقر بأن جوهر المعنى قد لا يتغير جذرياً، ذلك أن إعادة القول مرة أخرى وعلى هيئة أخرى إيمان بأن الشعر تشكيل لموجود وليس إيجاداً لمعنى جديد يولده السّياق المستقل، إلا أن الهيئة الطارئة تشي بفهم لنوعية الصياغة الشعرية المتميزة التي تضعها في مواجهة القول التصديقي، يتأكد ذلك في وقفة لابن سينا في الموضوع نفسه يرى فيها أن "القول الصّادق إذا حُرّف عن العادة وألحق به شيء تستأنس به النفس، فربما أفاد التّصديق والتّخييل معاً، وربما شغل التخييل عن الالتفات إلى التصديق والشعور به"(40)، وهكذا تكسب عملية التشكيل الشعري للمعنى إذا تتأسس على مسلمة الانحراف عن العادة –كما ورد في النص السابق- خصوصيتها من تعاضد مستويات القول المحتشدة لتحقيق الآية المتمثلة في إحداث التخييل في المتلقي، من هنا يوثق ابن سينا فكرة الهيئة السابقة بتفصيل أقسامها في النص وتشخّصاتها الحسية ذلك أن "الأمور التي تجعل القول مخيلاً: منها أمور تتعلق بزمان القول وعدد زمانه وهو الوزن، ومنها أمور تتعلق بالمسموع من القول، ومنها أمور تتعلق بالمفهوم من القول، ومنها أمور تتردد بين المسموع والمفهوم. وكل واحد من المعجب بالمسموع أو المفهوم على وجهين، لأنه إمّا أن يكون من غير حيلة بل يكون نفس اللفظ فصيحاً من غير صنعة فيه، أو يكون نفس المعنى غريباً من غير صنعة إلاّ غرابة المحاكاة والتخييل الذي فيه. وإما أن يكون التعجّب منه صادراً عن حيلة في اللفظ أو المعنى"(41).
وهنا ترتدّ الخواصّ الصياغية التي تَهبُ القول طاقة التخييل إلى اللفظ والمعنى مطلقاً لتكون فيهما أصلاً وجوهراً إذا ولّدا التخييل لخواص فيهما تتوفر لهما إذا صيغا وفق خصائص الخطاب الشعري والأدبي عموماً. وقد تتولد منهما بحيلة وصنعة، وهو ما سيعرف لدى الفلاسفة بأشكال التناسب والهيئات التحسينية التي تشكل مستوىً ثانوياً في سلّم التّخييل، وذلك إذا رتّبا ورتب ما يتفرع منهما من أصناف التراكيب وفق الهيئات الجمالية التحسينية. أما ما يتعلق بزمان القول وعدد زمانه الذي هو الوزن فإنّه ليس إلا إيقاعاً تفرزه أنماط التناسب الحادثة بين الأصوات وتوزيعها المنسجم والمتردد وفق الزمن، وهذا يرتدّ إلى اللفظ أيضاً في مستواه الصّوتي المولّد لموسيقى القصيدة، ومن هنا تكون المستويات الصوتية والتركيبية والدلالية مراتب تتكامل وفق التصور الخاص لصلة المعنى باللفظ أو للطاقات التخييلية التي تعلق بكل طرف. نلمس ذلك في عودة لابن سينا للموضوع نفسه باعتماد الشاهد حيث يرى "أن القول الشعري يتألف من مقدمات مخيلة، وتكون تلك المقدمات موجهة تارةً بحيلة من الحيل الصناعية نحو التخييل، وتارةً لذواتها بلا حيلة من الحيل، وهي أن تكون إما في لفظها مقولة باللفظ البليغ الفصيح بحسب اللغة، أو أن تكون في معناها ذات معنىً بديع في نفسه، لا بحيلة قارنته، مثال ذلك القول القائل:
وما ذرفت عيناك إلاّ لتضربي



بسهميك في أعشار قلب مفتّل


وأما في المعنى كقوله:
كأنّ قلوب الطير رطباً ويابساً



لدى وكرها العُذّاب والحشف البالي


ومن هذا الباب جودة العبارة عن المعنى وتضمين معانٍ كثيرة في قسمة بيت واحد من غير تقصير في العبارة"(42).
فالارتداد بفعالية التخييل إلى خواص في اللفظ أو في المعنى إقرار صريح بالتمييز بين العنصرين وإن لم ينبن على ذلك تقديم طرف على آخر، وذلك أن تمام القول الشعري يكون في تعاضد المستويات اللفظية والمعنوية على تحقيق الوظيفة. غير أن الدلالة المستخلصة من القول لا تبدو إفرازاً عميقاً للحمة ناظمة بين عناصره المختلفة المرتدّة إلى تفاعل اللفظ والمعنى أو تفريعاتهما في مراتب الدلالة والتركيب والصوت، إنما يبدو أن لكل طرف فعالية مستقلة أو كالمستقلة ويكون الكمال في تراكم هذه الفعاليات بالإضافة، فابن سينا يرى في البيت الأخير شاهداً للمعنى البديع في ذاته الخالص من حيل التخييل وصنعته، والمعنى البديع هنا يتمثّل في الصورة القائمة في البيت على التشبيه، وقد أفرط الأقدمون بمختلف طوائفهم في الإعجاب بهذا البيت واعتباره سبقاً، إذ فيه تشبيه شيئين اثنين بشيئين اثنين، إلا أن حمل البيت الأول على النوع الذي توفّر لـه اللفظ البليغ الفصيح بحسب اللغة –كما يرى- مدعاة إلى إثارة بعض الشك، ذلك أن البيت يقوم على استغلال الصورة أيضاً وذلك في استعارة السهم للعين، ولعل الذي دعا ابن سينا إلى اعتبار هذا البيت شاهداً للفظ الفصيح هو قوة ألفاظه وشدّة أصواته، غير أن ذلك لا يمنع من اعتبار البيت أنموذجاً لتعاضد فصيح اللفظ مع بديع المعنى، على أن المنظور الثنائي المؤسس على قناعات فكرية ترتد إلى أصول منطقية يتحكم في تشخيص بنية القول الشعري لفظاً ومعنى. ويكاد ابن سينا يستدرك ما فات في قوله في آخر النص "إنّ من هذا الباب جودة العبارة عن المعنى وتضمين معانٍ كثيرة في قسمة بيت واحد من غير تقصير في العبارة "وإن كان يفهم من القول الإقرار بتلازم الإجادة في المعنى واللفظ إلا أن هناك تمييزاً بينهما، فإذا كانت حدّة هذا التّمييز خافتة في الدعوة إلى جودة العبارة عن المعنى، فإن الخشية من وقوع القصور في العبارة مع تضمين القول معاني كثيرة –استغلالاً لطاقات اللغة في التعبير والإيحاء- كشف لعدم الوعي بالتكامل الدقيق بين المعاني العميقة المتفاعلة مع العبارات التي تؤديها.
ويتأكد إسناد ابن سينا الفعالية إلى الطرفين مع التمييز بينهما في قوله: "وما كان من أجزاء الشعر بطّالاً ليس فيه صنعة ومحاكاة، بل هو شيء ساذج، فحقه أن يعنى فيه بفصاحة اللفظ وقوته، ليتدارك به تقصير المعنى، وتتجنب فيه البذالة، اللهم إلا أن يكون شديد الاشتهار كمثل مضروب"(43)، فإكمال تقصير المعنى بفصاحة اللفظ إقرار بتمييز الطرفين، وكأن الفصاحة هنا لفظية تتميز بخواص صوتية في القول دون أن يكون لهذه الخواص قدرة الإيحاء بالمعنى نفسه. لكن لموقف ابن سينا فضيلة تتجسد في اشتراطه فصاحة اللفظ مما يكشف عن تمايز الألفاظ في التعبير عن المعنى الواحد، مما يحقق إمكان الاختيار بين الدوال في التعبير عن المدلولات، ومع ذلك يظل إحساسه بالهيئات الناتجة عن تكامل عناصر الصياغة في النص الأدبي دليلاً على وعي بإحساس متميز ببنية النص الشعري. أما الفارابي فقد كان له السبق إلى ضبط عناصر التخييل في القول التي ينتظمها المعنى واللفظ أيضاً، مع التنويه بالإيقاع بما فيه القافية. يقول محدداً خواص الشعر عند الجمهور وعند كثير من الشعراء الذين "يرون أن القول شعر متى كان موزوناً مقسوماً بأجزاء ينطق بها في أزمنة متساوية، وليس يبالون كانت مؤلفة ممّا يحاكي الشيء أم لا، ولا يبالون بألفاظه كيف كانت بعد أن تكون فصيحة في ذلك اللسان، بل يؤثرون منها ما كان مشهوراً سهلاً، وكثيرٌ منهم يشترطون فيها مع ذلك تساوي نهايات أجزائها، وذلك إمّا أن تكون حروفاً واحدة بأعيانها أو حروفاً ينطق بها في أزمان متساوية"(44)، فهناك الإلحاح على ضرورة تحقق المحاكاة التي تكمن في الطريقة المميّزة في تقديم الشيء، مع انتقاءٍ للفظ يتجاوز المشهور والسهل، بالإضافة إلى مستوى الإيقاع والقافية.
ويعود الفارابي إلى الموضوع بمزيد من التدقيق باعتماد مصطلحي المعنى واللفظ لتوثيق خاصية المحاكاة في القول إذ إن الأشعار "إنما تصير أكمل وأفضل بألفاظ ما محدودة (إما غريبة وإما مشهورة)، وأن تكون المعاني المفهومة عن ألفاظها أموراً تحاكي الأمور التي فيها القول، وأن تكون بإيقاع، وأن تكون مقسومة الأجزاء وأن تكون أجزاؤها في كل إيقاع سلاّبات وأسباب وأوتاد محدودة العدد، وأن يكون ترتيبها في كل وزن ترتيباً محدوداً، وأن يكون ترتيبها في كل جزء هو ترتيبها في الآخر (فإن بهذا تصير أجزاؤها متساوية في زمان النطق بها) وأن تكون ألفاظها في كل وزن مرتبة ترتيباً محدوداً، وأن تكون نهاياتها محدودة "إمّا بحروف بأعيانها أو بحروف متساوية في زمان النطق بها، وأن تكون ألفاظها أيضاً كالمحاكية للأمر الذي فيه القول، ثم أن تكون ملحنة"(45).
فالمحاكاة تتحقق بالمعاني المفهومة من الألفاظ، هذه الأخيرة يشترط فيها أيضاً أن تكون كالمحاكية للأمر الذي فيه القول، ويدعم ذلك الوزن الذي هو خلاصة لترتيب صوتي وفق نسب معيّنة، ثم اللّحن. غير أنّ الجوهر يظل في المعنى واللفظ اللذين يمثلان ركيزة القول الأدبي عموماً سواء في مستوى الخطابة أم الشعر، أو في مستوى القول الشعري الذي يغيب عنه الوزن الشعري وتتحقق فيه المحاكاة. فطبيعة تشكيل المعنى واللفظ تمثل جوهر الخطاب الأدبي عامة، ثم تضاف إلى هذا الجوهر أعراض أو تستخلص من كيفية ترابط ركنيه خصائص تضع القول في خانة الشعر أو الخطابة أو النثر الفني عموماً. ونجد أن خيط اللفظ والمعنى يمثل المسار الخفي المزدوج الذي يشكل أساس تصور الفلاسفة لبنية النص الأدبي عموماً، ذلك أن المحاكاة التي هي قاعدة القول ليست إلا خاصية في المعنى يعضدها مستوى الفصاحة في اللفظ، وبتكاملهما يتكامل للقول خواصه الشعرية التي قد تزداد اختصاصاً بالوزن لتستحيل شعراً أو تخفت فيها كثافة المحاكاة لتكون خطبة مع ما يرفدها من أساليب إيقاعية ذاتية.
والأمر مطابق لما سلف لدى ابن رشد أيضاً إذ إنه يرى أن "المحاكاة في الأقاويل الشعرية تكون من قبل ثلاثة أشياء: من قبل النغم المتفقة، ومن قبل الوزن، ومن قبل التشبيه نفسه"(46)؛ وعلى الرغم من أنه كان يقابل في القول السابق بين الشعر وغيره من الفنون، فإنّ تخصيص المحاكاة الشعرية بالتّشبيه المرادف للمحاكاة التي ستكون محصلة للمعنى المستخلص من اللفظ، وما يدعمها من وزن، ونغم أحياناً ويراد به الألحان الموسيقية التي قد تضاف إلى الشعر، سير في الطريق الذي عبّده سابقوه، يتأكد ذلك في قوله "ومتى طال الكلام وليس فيه تغيير ولا محاكاة، فينبغي أن يعتنى في ذلك بإيراد الألفاظ البيّنة الدلالة، وهي التي تدل على أشياء بعينها، لا على أشياء متضادة أو مختلفة، ويكون تركيبها على المشهور عندهم، وتكون سهلة عند النطق. ويشبه أن يكون هذا هو أكثر ما ينطلق عليه في لسان العرب اسم: "الفصاحة"، إلا أن يكون ذلك القول ظاهر الصدق ومشهوراً، فإن الصدق الذي يتضمنه يشفع لما فيه من قلة الفصاحة وقلة التغيير والمحاكاة"(47) وإكمال القصور في المحاكاة بإيفاء اللفظ حقه من الفصاحة، إعادة لتأكيد الإيمان بخواصّ للفظ ترتدّ إليه في ذاته تدعم مستوى المعنى من القول.
فإذا قصدنا حصر القول في خانة الشعر بانت لزاماً اعتبار أن الشعرية فيه إنما تكمن في المحاكاة مع ما يعضدها من وزن، إذ بتعاضد المحاكاة في المعنى مع ما يدعمها من خصائص الفصاحة اللفظية، والإيقاع الموسيقي تركيز لخواصّ القول البليغ في منتهى طاقاته التعبيرية، هذه الطاقات التي تمثّل قمة هرم القول الأدبي الذي يتحقق له النوع وفق قسطه من المحاكاة والوزن كمياً ونوعياً، فتكون أصناف الأقوال البليغة مترتبة بدءاً من النثر الفني والخطابة ثم الشعر "فقوام الشعر وجوهره عند القدماء هو أن يكون قولاً مؤلّفاً مما يحاكي الأمر وأن يكون مقسوماً بأجزاء ينطق بها في أزمنة متساوية، ثم سائر ما فيه فليس بضرورة في قوام جوهره وإنما هي أشياء يصير بها الشعر أفضل"(48). وعند ابن سينا يكون الكلام شعراً أيضاً "بأن يجتمع فيه القول المخيل والوزن"(49)، تماماً كما يرى ابن رشد ضرورة أن يوجد في الشعر الأمران معاً(50).
غير أن عملية فحص مقاصد الفلاسفة من المحاكاة والوزن باعتبارهما تشكيلات متحققة في تضام وحدات النص، ستبرز حدود الفهم الذي أقاموه لهذا التضام ولعلاقة المعنى باللفظ في السياق. ففي مستوى المحاكاة ستتجسّد خواصّ الشعر النوعية المنسحبة على الصورة البلاغية عموماً التي بواسطتها يكتسب الشعر طابعه الحسّي النّوعي مقابل المستوى التجريدي للخطاب الفلسفي والعلمي، ذلك أنه ينبغي أن يتحقق في كل محاكاة "حفظ للطبيعة الشعرية وللمحسوس المعروف عن حال الشعر"(52)، ولقد حصر الفلاسفة الصّورة البلاغية في التشبيه والاستعارة والتركيب منهما –كما عاينوا أصنافها بحسب صفات الطرفين ونوعهما من التجريد والحس وكذا مستوى البساطة والتركيب في الصّورة المرتد إلى الإتيان بطرفين أو إنابة طرف عن آخر في الاستعارة أو اعتماد التركيب وبناء استعارة على أخرى وكذا درجة الصورة من الشيوع والابتذال أو الغرابة والاختراع، ثمّ طبيعتها الذاتية المرتدة إلى كونها مباشرة تصريحية أو خفية تقوم على التشخيص أو التجسيد بما فيه الإغراب في إقامة علائق الأطراف بين الصور أو الاقتراب، ولكن لم يترتّب على ذلك تبصّر دقيق بفعالية الصّورة في السّياق النصّي ودورها الحاسم في بناء الدّلالة، بل كانت أقرب في تصوّر الفلاسفة إلى البديل الفنّي للمعنى التّجريدي بالرّغم من ربط الفلاسفة الخواصّ الشّعرية بالتّصوير أساساً(53)؛ ومن هنا فإن فهم الفلاسفة للصّورة يعيد إلى الأذهان أطروحات نقاد كثيرين وبلاغيين قدامى، يرون في الصّورة مستوى من الصياغة الملمّعة للمعنى العاري من خواصّ التصّوير. والواقع أنّ هذا الفهم أملته شروط الوظيفة المسندة إلى الشعر في نظر الفلاسفة، هذه الوظيفة التي تتحقّق من خلال الصياغة الزخرفية والتزيينية للمعاني التي تستخلصها الحكمة النظرية والعلمية لتتعهّد بموجبها الجماهير بالتنشئة الأخلاقية والتعليمية، ويتمّ ذلك بمراعاة قدراتها واستعداداتها التي تفرض صياغة القول الشّعري وفق المحسوس والمخيّل والمثال(54).
فإذا قصدنا إكمال الرأي في المستوى الصوتي الذي يعضد مستوى الدلالة في القول اتضح الفهم المراكم لهذه المستويات، ومستوى الوزن الشعري القائم على انتظام الحركة الصوتية في الزمان، بما يتخللها من وقفات تحيل مقاطع القول متناسبة انطلاقاً من التوزيع المنتظم المتواتر للمقاطع الصوتية، لا تهمنا في ذاتها في موضوعنا، وكذا أقسام التفاعيل وعناصرها من وحدات المقاطع الأولية والتشكيلات العروضية الحادثة عنها والنسب المحددة بين عدد المتحركات والسواكن في البحر الواحد، وغيرها مما يتعلق بخواص الوزن في ذاته وصلاته بالموسيقى عموماً، إذ يتنزل بحث موسيقى الشعر لدى الفلاسفة ضمن علم التعاليم الذي من مشمولاته درس الموسيقى(55)، إنّما يهمنا صلة الوزن بالمعنى مع التذكير بأن الفلاسفة يؤكدون أنه محصلة التركيب المتميز للأصوات في القول، ويقوم فهمهم للوزن من منظور المعنى على فكرة استقلاله بالدلالة مما يستوجب اعتماد وزن معين في كل غرض ليحدث التلاؤم بين المعنى أو الغرض والوزن.
يرى الفارابي "أن جل الشعراء في الأمم الماضية والحاضرة الذين بلغنا أخبارهم خلطوا أوزان أشعارهم بأحوالها ولم يرتبوا لكل نوع من أنواع المعاني الشعرية وزناً معلوماً، إلاّ اليونانيون فقط: فإنهم جعلوا لكل نوع من أنواع الشعر نوعاً من أنواع الوزن، مثل أن أوزان المدائح غير أوزان الأهاجي، وأوزان الأهاجي غير أوزان المضحكات، وكذلك سائرها"(56)، أما لدى الخوارزمي فإن الطويل "بحر خضم يستوعب مالا يستوعبه غيره من المعاني ويتسع للفخر والحماسة والتشابيه والاستعارات وسرد الحوادث وتدوين الأخبار ووصف الأحوال"(57). وليس الوزن لدى مسكويه إلا "حلية زائدة... ومثال النظم من الكلام مثال اللحن من النظم، فكما أن اللحن يكتسي منه النظم صورة زائدة على ما كان له، كذلك صفة النظم الذي يكتسي منه النظم صورة زائدة على ما كان له"(58)، وهكذا يتواتر الفهم نفسه لدى البقية، فيرى ابن سينا أيضاً أن اليونانيين "كانت لهم أغراض محدودة يقولون فيها الشعر، وكانوا يخصون كل غرض بوزن على حدة"(59)، أما حسب ابن الرشد فإن "من التخييلات والمعاني ما يناسب الأوزان الطويلة، ومنها ما يناسب القصيرة"(60).
وعلى العموم فإن الوزن يملك دلالته الذاتية النابعة من خصائص تركيبه ومن هنا يراعى في المعنى المقصود إلباسه بالوزن الملائم، وعلى كل ينسجم هذا الفهم للوزن مع فكرة التمييز بين المعنى واللفظ، إذ يتضافر العنصران في إحداث الوظيفة أو تشكيل الدلالة، لكن مع الإقرار بتميز كل طرف في نطاق البنية. وسيمتد هذا الفهم عند الفلاسفة في تصورهم أنماط التناسب الحادثة بين المعاني من جهة والألفاظ من جهة أخرى، في شتى مراتب الطرفين أفراداً وتراكيب مما سيمثل عضداً لجوهر المحاكاة المتمثّل في المعاني من جهة الألفاظ كما يقولون. وتمثل هذه التناسبات لواحق بقدر ما تدعم المحاكاة في حالة تجسدها في الخواص الصورية المجسدة للمعنى، وعند تضافر كل أشكال التخييل، بقدر ما يمكن أن تعوّض غيابها.
التحسينات اللفظية والتحسينات المعنوية

تمثل فكرة التناسب أساً قاراً في فكر الفلاسفة الجمالي عموماً، فإذ يتنزّل الشعر خصوصاً والقول الأدبي عموماً عندهم ضمن بنائهم الفلسفي المتكامل، ينتظمه والموسيقى خاصة قناعات شتّى ترتد بالدرجة الأولى إلى الاشتراك في الوظيفة وإلى الاشتراك في الهيئة، انطلاقاً من التوافق الملحوظ بين النغم الموسيقي والعروض الشّعري(61)، ويصبح بالإمكان إيجاد المقابل لنمط التناسب الشّعري في الموسيقى، بل إنّ مبدأ التناسب وحسن الانتظام في المدرك عامة قاعدة راسخة في تحديد موضوعية الجميل لدى الفلاسفة، ذلك "أن النفس النطقية والحيوانية أيضاً لجوار النطقية أبداً تعشقان كل شيء حسن النظم والتأليف والاعتدال مثل المسموعات الموزونة وزناً متناسباً والمذوقات المركبة من أطعمة مختلفة بحسب التناسب وما شابه ذلك"(62)، وتختزل الموقف مقولة إخوان الصفا القائلة: "إن أحكم المصنوعات وأتقن المركبات ما كان تأليف أجزائه وأساس بنيته على النسبة الأفضل"(63).
فإذا خصصنا القول بالموسيقى كما يراها الفارابي، نجد أنه: "إذا تأملنا الألحان تأملاً كثيراً وجدنا فيها اقترانات للنغم وترتيبات لها، وأعني بالاقترانات اجتماع اثنين منها أو أكثر، والترتيبات أن يقدم هذا في السمع أو يؤخر هذا، وفي الاقترانات ماهي كمالات أيضاً وطبيعية ومنها ما ليس كذلك. وكمالات الاقتران والترتيب تتصور بطريق المناسبة"(64)، فإذا كان كل نغم يقوم على اقترانات شتى يتحقق لها كمال الترتيب بطريق المناسبة فإن في الألحان أيضاً ماهو كمالات للتناسبات الجوهرية، تقابل في الشعر فعل المحاكاة في المعنى الذي يهب القول شعريته ولواحق تلك المحاكاة. ومن هنا يمكن للفارابي أن يصف الأقاويل الشعرية بأنها "دون غيرها تجمّل وتزيّن وتفخم ويجعل لها رونق وبهاء"(65)، وأنه إذا كانت هذه التزيينات من خواص الأقاويل الشعرية وجب أن تنتفي من كل قول فلسفي، إذ كما يرى "ليس يجب أن نفحص عن أقاويل الذين فلسفتهم شبيهة بالزخارف. وبهذه السبيل تلتئم الأقاويل التي تسمّى الرموز والألغاز. وعسى أن لا تكون هذه مرذولة إلا في أنحاء التعاليم الفلسفية فقط. فأما في الخطابة وفي الأقاويل المستعملة في الأمور السياسية، فعسى أن لا يكون الواجب غيرها"(66).
وتظهر فكرة التناسب كأحسن ما تكون لدى الفلاسفة في بحث الوزن الشعري، غير أنه في هذا الموضع من البحث يهمنا ما تجسده في اللفظ والمعنى كلواحق لمحاكاة الجوهر، إذ يمكننا التماس مثال لدى الفارابي في تناسب الوحدات في سياق البيت، يظهر ذلك في ما أسماه بالإخطار بالبال الذي يرى له غناء عظيماً في صناعة الشعر "وذلك مثل ما يفعله بعض الشعراء في زماننا هذا من أنهم إذا أرادوا أن يضعوا كلمة في قافية البيت ذكروا لازماً من لوازمها أو وصفاً من أوصافها في أول البيت فيكون لذلك رونق عجيب"(67)، فهناك تناسب معنوي يلحم بصلة الانتساب إلى الحقل الدلالي الواحد قافية البيت وأوله مما يشي بشكل من أشكال اللحمة المعنوية الحادثة في امتداد البيت.
أما لدى ابن سينا فإن فكرة التحسينات الطارئة على المعنى واللفظ تأخذ مدى أبعد، لتشمل الألفاظ والمعاني في مراتب مختلفة ضمن تصنيفات فاصلة بين كل مرتبة وأخرى، وفق ضوابط حسابية تكاد تحيل المسالة إلى نوع من أنواع المماحكة.
ونمرّ إلى تصنيفات ابن سينا وضوابطه مستندين إلى رأيه في الصوت الإنساني الذي إذا "زيّن بالتأليف المتناسب، والنظام المتفق، كان ذلك أهزّ للنفس من مثله، وفي غيره"(68)، وفي الشعر تكون عملية التزيين للقول من باب اللواحق إذ إن "للمقدمات المخيلة لواحق وعوارض بها ينضوي تخييلها"(69)، هذه الخواص النوعية للشعر التي تجسد طاقاته التخييلية ترتد إلى المفهوم والمسموع كما يرى ابن سينا أو المعنى واللفظ. وتتحقق في هذين الركنين في مستوى أصلي أو قاعدي وطبيعي ينتج عن عفوية التعبير الشعري، كما تكون خلاصة لحيل فيهما. فهذه الخصائص قد تتولد من اللفظ والمعنى "من غير حيلة بل يكون نفس اللفظ فصيحاً من غير صنعة فيه، أو يكون نفس المعنى غريباً من غير صنعة إلاّ غرابة المحاكاة والتخييل الذي فيه. وإمّا أن يكون التعجّب منه صادراً عن حيلة في اللّفظ أو المعنى: إمّا بحسب البساطة أو بحسب التركيب"(70).
وتحدث هذه الحيل الواقعة بين الأجزاء أشكالاً من التناسب في أقسام خمسة تشمل الألفاظ والمعاني. فالذي يقع فيها بحسب اللفظ يكون "إما في الألفاظ الناقصة الدّلالات، أو العديمة الدلالات كالأدوات والحروف التي هي مقاطع القول، وإما في الألفاظ الدّالة البسيطة وإما في الألفاظ المركبة، وإمّا أن يكون بحسب مركبّات المعاني"(71)، علماً بأن هذا التناسب في المراتب الخمسة السابقة يقع "إمّا بمشاكلة، وإمّا بمخالفة، والمشاكلة، إمّا تامة، وإمّا ناقصة، وكذلك المخالفة: إمّا تامة، وإما ناقصة"(72)، فيفترض في كل مستوى وقوع تشاكل تام وتشاكل ناقص، وكذا تخالف تام وتخالف ناقص، فتكون أنماط التناسب الواقعة بين الأجزاء في كل مستوى أربعة، وسيتفرع من بعض المراتب كالألفاظ الدالة البسيطة مستوى جديد إذ يراعى فيها المستوى الصوتي، أي اللفظي المحض ومستوى المعنى، مما يشرك هذا المستوى بمرتبة بسائط المعنى، علماً بأن ابن سينا لا يحصي كل أوجه التخريجات المفترضة ولعلّه يتعذر إيجاد الأمثلة لكل مقام.
"ولنبدأ من القسم الأول، فنقول: إنّ من الصيغ التي بحسب القسم الأول تشابه أواخر المقاطع وأوائلها، والنظام المسمى المرصّع كقوله:
فلا حسمت من بعد فقدانه الظّبي


ولا كلمت من بعد هجرانه السّمر


ومنها تداخل الأدوات ومخالفتها وتشاكلها: "من" و "إلى" من باب المتخالفات، و"من" و"عن" من باب المتشاكلات"(73).
ونلاحظ أن ابن سينا ذكر أمثلة لتشاكل الأدوات وتخالفها ولم يستوف أقسامها الناقصة والتامة، فضلاً عن أنّ النظام المرصّع كما قال يشمل مقابلات ثنائية تكاد تغطي وحدات البيت كلها، وهذا الازدواج الموسيقي الحادث بين الوحدات تشكيل لمستوى صوتي موسيقي يشمل بالتناسب أو الانسجام المتوازن أصوات الوحدتين أو الوحدات المتقابلة، ممّا يمكن أن يوضع ضمن مرتبة الألفاظ الدّالة البسيطة في مستواها الصّوتي، ذلك أن عدّ الترصيع ضمن هذا التقسيم فيه تجّوز إذ إن تكرار الألفاظ المتوازنة المتفقة الأعجاز في الشّطرين لا يمكن أن ينضوي تحت القسم الأول من تخالف الأدوات أو تشاكلها، أما إذا كان ابن سينا يرى في الترصيع تشابه أواخر المقاطع وأوائلها حيث يجتزئ المقطع الأخير من كل لفظ مثلاً لينسجم مع مقابله، فهو تفكيك لوحدة دالة بكامل أصواتها وتعسف في التمثيل.
"وأما الصيغ التي بحسب القسم الثاني فالتي بالمشاكلة التامة. فهي أن يتكرر في البيت ألفاظ متّفقة التصريف متخالفة الجوهر، أو متفقة الجوهر متخالفة التصريف. والتي بالمشاكلة الناقصة فأن تكون متقاربة الجوهر، أو متقاربة الجوهر والتصريف: ومثال الأول: العين والغين، ومثال الثاني: الشّمل والشّمال، ومثال الثالث والرابع: الفاره والهارف، أو العظيم والعليم والصابح والسابح، أو السّهاد والسّها. وهذا هو التشاكل الذي في اللفظ بحسب ما هو لفظ. وقد يكون ذلك في اللفظ بحسب المعنى، وهو أن يكون لفظان اشتهرا مترادفين وأحدهما مقولاً على مناسب الآخر أو مجانسه واستعمل على غير تلك الجهة، كالكوكب والنجم ويراد به النبت، أو السهم والقوس يراد به الأثر العلوي. وأما الذي بحسب المخالفة فإذ ليس لفظ من الألفاظ بمخالف للفظ بجهة لفظيّته، فإذن إن خالف فمعناه ما يخالف وهو المعنى الذي يكون اشتهر لـه. فتكون الصيغة التي على هذا السبيل في ألفاظ أو لفظين يقع أحدهما على شيء، والآخر على ضده أو ما يظن به أنه ضده وينافيه، أو ما يشاكل ضده أو يناسبه ويتصل به، وقد استعمل على غير تلك الجهة، كالسواد التي هي القرى، والبياض والرحمة وجهنم وما جرى مجراه"(74).
فالتشاكل التام أو الناقص المتأتيان من علاقات الجوهر والتصريف بين الألفاظ سواء في حالة الاتفاق أم التباين بالرغم من إمكان حملهما على ما عرف عند البلاغيين بالجناس أو التجنيس، فإنّ المشكلة هنا تكمن في ما يقصد ابن سينا بالجوهر، فإذا عادلناه بالمعنى أمكن اعتبار التّمثيل بالعين والغين للمتّفق والتّصريف المتخالف الجوهر متمشياً مع نماذج التجنيس إلاّ أن باقي الأمثلة لا يستقيم مع هذا المنحى، من هنا يبدو أن ابن سينا يريد بالجوهر المواد الصوتية التي تتكون منها الوحدة والتصريف هو الصّياغة الصرفية لهذه المادة، لذلك يستقيم له التمثيل للأنواع التي ذكر، ذلك أن معاني ما قدّم من كلمات مختلفة وإن توافقت في المادّة الصوتية أو صيغة البناء، لذلك سمى هذا النوع من التشاكل بالواقع في اللفظ بحسب ما هو لفظ، كأنه يقصد به مستواه الصوتي فقط، يدعم ذلك بحثه عقب ما سلف التشاكل الواقع في اللفظ بحسب المعنى. في هذا النوع الأخير إشكال، ذلك أن اعتبار لفظين مترادفين إقرار بوحدة معناهما، إلاّ أن استعمال أحدهما في غير النسبة التي تربطه بالآخر كأن يستعمل النجم في معنى النبت بدل أن يكون من مرادفات الكوكب أو مجانسه، أو يستعمل القوس في معنى الأثر العلوي، وهو برج في السماء بدل استعماله مناسباً للسهم إحداث لنوع من التشاكل، ولكن لا تُدرى كيفية حدوثه إلاّ أن يكون في نوع من الألغاز، إذ قد يتبادر إلى الذّهن أن استعمال اللفظين معاً من باب التّرادف فإذا بانكشاف المعنى يدلّ على خلاف ذلك، ولعله لو وضع هذا ضمن التخالف لكان أولى خاصة أنه يبحث معنى اللفظ. أمّا القسم الثالث فهو يتنزّل ضمن ما يعرف في أبحاث البلاغيين بالطّباق أو المقابلة إذا كان يشمل ألفاظ عدة.
"وأما الصيغ التي بحسب القسم الثالث، فالذي منه بالمشاكلة فأن يكون لفظ مركّب من أجزاء ذوات التصريف في الانفراد وتجتمع منها جملة ذوات ترتيب في التركيب ويقارنه مثله، أو يكون التركيب من ألفاظ لها إحدى الصيغ التي في البسيطة ويقارنه مثله. والذي بحسب المخالفة فالذي يكون فيه مخالفة ترتيب الأجزاء بين جملتي قولين مركبين: إمّا في أجزاء مشتركة فيهما، أو أجزاء غير مشتركة فيهما"(75).
فالتشاكل في القسم اللفظي المركب سواء تعلق باقتران تركيبين تترتّب فيهما الألفاظ المتصرفة الترتّب نفسه، مما يحقق لهما من جرّاء ذلك توازناً وانسجاماً ينتج عن توزيع الوحدات المنسجمة على مستوى التصريف في نفس مواقع الترتيب، أم تحقق من اقتران تركيبين مشكلين من رصف متوازن لألفاظ غير متصرفة، وكذا التخالف الذي يتأتّي من اعتماد التخالف في ترتيب الألفاظ في القول المركّب سواء كانت هذه الألفاظ مشتركة أم غير مشتركة، لا تعدو أن تكون تفرعاً لخصائص تعلق اللفظ في ذاته بدءاً من مستوى المقطع إلى التركيب الشامل لعدة ألفاظ. وعلى الرغم من أن البحث في هذا المستوى يتطرق إلى المدلولات أحياناً، فإن الاهتمام بالصيغة اللفظية في ذاتها إلحاح على دور الصوت المحدث للأشكال الموسيقية المختلفة في القول الشعري عموماً، خاصة أن أشكال التنظيمات الموسيقية قد ترتقي عند تحقق الإيقاع التام فيكون القول شعراً، وقد تتوقف عند مستوى القول الخطابي إذا اكتفت بنوع من انسجام الأصوات كالسجع أو الازدواج، وهذا يدعم أيضاً فكرة توزيع الشعرية بين اللفظ والمعنى معاً في خطين متوازيين يتعاضدان على تحقيق التخييل، إلا أنهما يحتفظان بتمايزهما إن صح الوصف، وإن أباح لهما المستوى الجوهري من المحاكاة نوعاً من التآلف المتعاضد.
ونمرّ عقب ما سبق إلى التناسب المتعلق ببسائط المعاني ثم مركّباتها، فالصّيغ "التي بحسب القسم الرابع: أما الذي بحسب المشاكلة التامة فأن يتكرر في البيت معنى واحد باستعمالات مختلفة، وأمّا الذي بحسب المشاكلة الناقصة فأن يكون هناك معانٍ مفردة متضادة أو متناسبة، كمعنى القوس والسهم، ومعنى الأب والابن. وقد يكون التناسب بتشابه في النسبة، وقد يكون بجهة الاستعمال، وقد يكون باشتراك في الحمل، وقد يكون باشتراك في الاسم، مثال الأول: الملك والعقل. مثال الثاني: القوس والسهم. مثال الثالث: الطول والعرض. مثال الرابع: الشمس والمطر. وربما صرح بسبب المشاكلة وربما لم يصرح. وإذا صرح فربما بحسب الأمر في نفسه، وربما كان بحسب الوضع. والمخالفة إمّا تامة في الأضداد وما جرى مجراها، وإما ناقصة وهي بين شيء ونظير ضده أو مناسب ضده، أو بين نظيري ضدين أو مناسبيهما. وربما كانت المخالفة بسبب يذكر، وربما كانت في نفس الأمر"(76).
فيمكن انضواء التشاكل التام في هذا القسم في خانة المترادف إذ هو تكرار المعنى باستعمالات مختلفة دون أن نغفل الإشارة إلى أنه يفترض في كل استعمال جديد ميلاد لمعنى جديد، ذلك أن لكل لفظ معنى أو معاني خاصة وإن اشترك مع غيره في الحقل المعنوي العام. أما التشاكل الناقص فهو التضاد أو المتناظر حسب وصفه لـه في كتاب المجموع، وهذا شكل من التناسب بين المعاني يسع حقولاً معنوية شتى يجعل المعنيين في نسبة المتلازمين لجهة من جهات التلازم إلا أن تسميته بالتضاد غير دقيق، إذ يصدق التضاد في المتخالف من هذا القسم، حيث يستحيل تطابقاً تاماً في حالة التخالف التام أو شكلاً من أشكال التطابق إذا كان الأمر يتعلق بوضع المعنى، لا بإزاء ضده بل بإزاء نظير ضده أو مناسب ضده أو وضع نظيري الضدين أو مناسبيهما معاً
"وأما الذي بحسب القسم الخامس: فأمّا في المشاكلة فأن يكون معنى مركب من معان وآخر غيره يتشاكل ترتيبهما أو يشتركان في الأجزاء. وأما الذي بالمخالفة فأن يتخالفا في التركيب أو الترتيب بعد الشركة في الأجزاء، أو بلا شركة في الأجزاء: ويدخل في هذه القسمة كقولهم: إما كذا كذا، وإما كذا كذا. والجمع والتفريق كقولهم: أنت وفلان بحر، لكن أنت للغمارة، وذلك للزعاقة. وجمع الجملة لتفصيل البيان كقولهم: "يرجّى" و"يتّقى":
يرجى الحيا منه



وتخشى الصواعق"(77)
تبدو المشاكلة التامة الحادثة هنا بين معنيين مركبين من معانٍ عديدة نتاجاً لتشاكل الترتيب في المعاني الجزئية المحدثة للتركيبين أو لاشتراك في هذه الأجزاء مما يهب التركيبين تشاكلاً تاماً، خاصة إذا تأسس على هذا الاشتراك في الأجزاء ترتيب منسجم متوازن، إذ يبدو المستوى هنا مناظراً لقسم الألفاظ المركّبة المترتّبة وفق علاقات تناسب وحداتها الجزئية. أما التخالف في هذا القسم وإن شكّل نوعاً من الانسجام والتناغم بالتضاد خاصة نوعه المركّب المؤسس على المشترك في الأجزاء، فإنه لا يعدو أن يكون تضخيماً للمطابق، إذ إن من أقسام هذا النوع ما يقع على الجمع والتفريق، وجمع الجملة لتفصيل البيان. والتمثيل لذلك يقوم على تضاد في المعنى، وتشخيص ذلك في تقابل الغمارة والزّعاقة، ويرجّى ويتّقى وكذا ببعض التجوز الحيا والصواعق.
وخلاصة الرأي في هذه التفريعات السينوية لأوجه التناسب العالقة باللفظ والمعنى وأقسامهما، هي أنها امتداد للثنائية الناظمة لفكر ابن سينا المؤسسة على قناعات فكرية عميقة تتجذر أصولها في مصادرها المنطقية والفكرية عموماً.
أما لدى ابن رشد فإنّ التناسب العالق بالألفاظ والمعاني لا يبدو من مرتبة الحيل أو لواحق المحاكاة، بل يكون بالإضافة إلى أصناف الصور المجازية من جوهر الفعل الشعري، ذلك أن "القول إنّما يكون مختلفاً، أي مغيراً عن القول الحقيقي من حيث توضع فيه الأسماء متوافقة في الموازنة والمقدار، وبالأسماء الغريبة، وبغير ذلك من أنواع التغيير"(78). فاعتماد مبدأي التوافق والتوازن في إخراج القول الشعري تحقيق لمرتبة من مراتب الشعرية في القول، إذ إن في التناسب الحادث بين الألفاظ والمعاني كشفاً لاهتمام بالشكل يجعل القول المخرج وفق هذا المنحى متميزاً عن بقية أصناف القول، إلاّ أنه يبدو أن ابن رشد يقصد مخالفة ابن سينا في منح مبدأ الموافقة في إخراج القول قيمة أساسية في تحقيق مبدأ الشعرية. فمستويات التناسب عموماً تتنزل لدى ابن سينا في مرتبة الثانوي أو التحسيني دون أن يغفل أنها محدثة للمحاكمة أيضاً، أما ابن رشد فإنّه يقر بإمكان خلو القول الشعري من أقسام الألفاظ المجازية عموماً، وقيامه على الحقيقي أو المستولي فقط، في حين يمتنع قيام نص شعري دون أن يتحقق في بعض مستوياته شكل من التوافق في الموازنة والمقدار، يقول: "وأما موافقة الألفاظ بعضها لبعض في المقدار ومعادلة المعاني بعضها لبعض وموازنتها، فأمر يجب أن يكون عاماً ومشتركاً لجميع الألفاظ التي هي أجزاء القول الشعري، وذلك أنا نجد الشعراء، وإن استعملوا الألفاظ الحقيقية في المواضع التي يهزأ بهم في استعمالهم إياها، ليس يخلو شعرهم من هذين الأمرين: أعني من الموازنة والموافقة في المقدار. ولكن كان هذا عاماً لجميع أنواع الشعر. وأما الأِشعار التي تأتلف من الأسماء المختلفة فوجود هذا المعنى فيها أبين"(79).
ولعل الذي دعا ابن رشد إلى تبني هذه المواقف إحساسه بفعالية ألوان الانسجام الصوتي في الشعر بما فيها الوزن والقافية، ومقابلها الإيقاعي في الخطابة. إلا أن ما يدعم رأينا في اعتبار موقف ابن رشد من القضية مؤسساً على مبدأ الاختلاف مع ابن سينا، هو أن ابن سينا وإن اعتبر أشكال التناسب من حيل المحاكاة فقد امتد بها لتشمل مراتب خمس، عرضنا لها سابقاً، تطول الألفاظ والمعاني في مراتبها الإفرادية والتركيبية، في حين لم يذكر ابن رشد من هذه المراتب سوى ما علق بالألفاظ الإفرادية في مستوييها الصوتي والمعنوي دون أن يتمكن من فصل الحقلين فصلاً تاماً، وأغفل ذكر التوافق أو التوازن في الأدوات ومقاطع القول والتراكيب، وهذا يتناقض مع اعتباره هذه الأشكال من جوهر الشعر. من هنا يكون اقتصاره على مرتبة التوافق والتوازن في الألفاظ والمعاني في مستواهما الإفرادي، اقتطاعاً لمرتبة واحدة مما ذكر ابن سينا قصد بها أن تعمّ القول الشعري وأن تصبح من جوهر المحاكاة.
ومبدأ الموافقة مبدأ فضفاض يستوعب أشكالاً عدة من أوجه النّسبة الجامعة بين اللفظين في المستوى الصوتي أو المعنوي، يقول: "وموافقة الألفاظ التي ذكر في المقدار هي مقاربة بعضها لبعض في عدد الحروف. وإن وافقت مع هذا في كل اللفظ، أو في بعض اللفظ، فهو الذي يعرف بالمطابقة والمجانسة عند أهل زماننا"(80)، والموافقة في كل اللفظ أو في بعض اللفظ لا يمكن أن يصدق عليها وصف المجانسة إلاّ إذا تضمنت اختلافاً في معاني الألفاظ المتجانسة، علماً بأن وصف هذه العلاقة القائمة بين تناسب الحروف كما نص ابن رشد، لا يمكن أن تنضوي تحت وصف المطابقة إذا اعتمدنا التعريف البلاغي إلاّ إذا اعتبرنا ابن رشد يستعمل اللفظين: المطابقة والمجانسة كمترادفين، أو نحمّل الاصطلاحين معاني أوسع وفق منظور مزدوج، حيث سيكون تقارب الحروف في اللفّظين نوعاً من أنواع المجانسة، واختلافهما في أي درجة من درجات الاختلاف شكلاً من المطابقة. وقد ينسجم هذا التفريق مع هذه المقابلات التي اقتضتها القسمة المنطقية التي أوجدها ابن رشد حين شرع في تعداد أصناف الموافقة التي تكون أنحاء. وذلك أنه لا تخلو الموافقة أن تكون في كل اللفظ وكل المعنى، ومثله قول الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
ومثل قولهم: "طويل النّجاد، طويل العماد". ثم ذكر مقابل النوع السابق وهو أن تكون الموافقة في بعض اللفظ وبعض المعنى، ثم تفرع الموقف إلى هذه المقابلات حيث تتحقق ضمن هذه الأزواج أيضاً: في بعض اللفظ وكل المعنى، أو في كل اللفظ وبعض المعنى، أو تكون في كل اللفظ فقط أو في بعض اللفظ فقط، أو تكون في كل المعنى فقط أو في بعض المعنى فقط: "فمثال الموافقة في بعض اللفظ وبعض المعنى: الأسماء المشتقة من تصريف واحد، وذلك مثل قول المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم


وتأتي على قدر الكرام المكارم


ومثال الموافقة في بعض اللفظ وكل المعنى قولهم: درهم ضرب الأمير، ومضروب الأمير. ومثل عكس هذا، أعني في اللفظ وبعض المعنى: الأسماء المشكّكة، والشعراء يستعملونها كثيراً. ومثال الموافقة في كل اللفظ فقط الأسماء المشتركة مثل قول المعري:
مَعَانٍ من أحبّتنا مَعَانُ
ومثل قوله:
فرندك مغتال وطرفك مغتال
ومثال المتفقة في بعض اللفظ فقط قول حبيب:
ما أنت على ذهلية بذاهل
وقول أبي الطيب:
أقلّب الطرف بين الخَيْل والخَوَل
وهذا كله في لغة العرب، مثل الضرب والضرب، والحَمْل والحَمَل، وأشرقت الشمس وشرقت.
ومثال الموافقة في كل المعنى فقط الأسماء المترادفة، مثل قوله: أقوى وأقفر. ومثال المتفقة في بعض المعنى فقط الأسماء المختلفة التي تدلّ من الشيء الواحد على جهات مختلفة، مثل الصّارم والذّكَر. والقوافي عند العرب هي موافقة في المقدار وفي بعض اللفظ: وذلك إمّا في حرف واحد وهو الأخير، وإمَّا في حرفين وهو الذي يعرفه المحدثون بـ: "اللزوم"(81).
فإذا كانت الموافقة في كل اللفظ وفي كل المعنى تدخل في باب المتكرر "الموت، طويل" فإن التمثيل بالعزم والعزائم للمتوافق في بعض اللفظ وبعض المعنى غير دقيق، إذ ليست العزائم إلا جمعاً للعزم، ولعل ابن رشد يعتبر أن في صيغة الجمع اختلافاً عن المفرد، وهذا يقتضي وضعها ضمن المتوافق في بعض اللفظ وكل المعنى. ولكن لا يمكن اعتبار ما سبق من المجانس أبداً بحسب التحديد البلاغي، فضلاً عن أنّ أمثلة الموافق في كلّ المعنى وبعض المعنى لا تدخل تحت المتطابق، إلا إذا اعتبرنا النسبة الحاصلة بين المعاني المترادفة نوعاً من أنواع التطابق. وكان يمكنه أن يعتبر هذه الأنماط من التوافقات من خصائص القول الشعري قد تشمل التجنيس كما في بعض الأمثلة الباقية: "معان. معان. مغتال: مغتال. ذهلية: ذاهل..."، وقد لا تشمله إنّما تقوم على ألوان من التوازن المعنوي واللفظي عموماً لتحقيق خصائص الشعرية في القول إذ إن من جوهرها قصد التناسب.
ويعتبر مبدأ التوافق لدى ابن رشد استغلالاً لما أسماه ابن سينا بالتشاكل في مرتبة بسائط الألفاظ في منزلتي التشاكل الذي يكون في اللفظ بحسب ماهو لفظ، والذي يكون فيه بحسب المعنى، في حين يمثل التوازن استثماراً لما أورده ابن سينا في قسم التشاكل الواقع في بسائط المعاني مع تغيير طفيف في بعض الأمثلة، يقول ابن رشد: "وأما الموازنة في أجزاء القول فهي على أنحاء أربعة: أحدها أن يأتي بالشيء، وشبيهه، مثل الشمس والقمر، أو يأتي بالأضداد، مثل الليل والنهار، أو يأتي بالشيء وما يستعمل فيه، مثل القوس والسهم والفرس واللجام، أو يأتي بالأشياء المناسبة، مثل الملك والإله. وهذه المناسبة إنما تؤخذ من أربعة أشياء. ومن هذا الباب عيب على الكميت:
تكامل فيه الدّلّ والشّنب
لأن الدّلّ غير شبيه بالشنب(82).
والخلاصة أن أشكال التناسب التي تطول الألفاظ والمعاني وإن شملت مساحة الدلالة والصوت في القول خاصة، يدعمها فهم أولي للتركيب كما بدا في ما سلف من أمثلة خصوصاً في حالة اعتماد الترتيب في الألفاظ والمعاني في العبارات المركبة حسب رأي ابن سينا، أو كما تظهر في قول ابن رشد مبيناً دور التركيب في إحداث التغيير في الخطابة، إذ يقول: "والإغرابات التي تنجح في هذه الصناعة من قبل التركيب الغير المعتاد في الأقاويل هي أيضاً تغييرات، يريد بحسب التركيب لا بحسب الألفاظ المفردة، وذلك فيما أحسب، مثل التقديم والتأخير والحذف والزيادة والإغرابات الغريبة"(83) يبدو أنّها تفريعٌ لموقف من اللفظ والمعنى أو الشكل والمضمون عموماً، مع الإقرار بامتداد الإلحاح على هذه الأنماط من أوجه التناسب المعنوي واللفظي في القول الأدبي عموماً كالخطابة التي يشترط فيها تحقيق التناغم الصوتي في أواخر الفقر الكلامية، واعتماد التفصيل في هذه الأقاويل بأن تكون أواخرها على صيغ واحدة أو اعتماد تكرار لفظ بعينه، وتفريعات ذلك في ما يسميه ابن رشد بالكرور والعطوف وغيرها(84). فعلى الرغم من تنزيل وجوه التناسب السابقة المحققة عامة لأشكال من الهيئات التحسينية الملحقة بالمحاكاة في مستواها الجوهري في ركن الصوت والدلالة والتركيب، فإنّها تظل محكومة برأي الفلاسفة في صلة الألفاظ بالمعاني، علماً بأن تخصيص القول الشعري أو الأدبي عموماً بوضعه في خانة المغاير للعادي لم ينبن عليه الإيمان بجدوى السياق وفعاليته في بناء الدّلالة.
أما عند أبي حيان التوحيدي فإن معتمده يكون على اللفظ والمعنى، وعلى النظم. ويبدو لأول وهلة، وهو يتحرك في مسار ثنائي يفصل العنصرين، أنّه يؤمن بتقديم طرف على آخر، فمما يمكن أن يكون دليلاً على هذا التوجه ما يرويه عن بعضهم داعياً إلى ضرورة الاعتناء باللفظ الموثق والتأليف المعجب، إذ "ما أكثر ما رد صالح معناه لفاسد لفظه، وقبل فاسد معناه لصالح لفظه"(85)، إلاّ أنه لا يلبث أن يستدرك في أكثر من موضع ملحاً على ضرورة الاعتناء بالعنصرين. من هذه المواضع قولـه: "ولا تعشق اللفظ دون المعنى
ولا تهوَ المعنى دون اللفظ"(86)، ذلك أن "أحسن الكلام ما رق لفظه، ولطف معناه"(87)، و "لأن المعاني ليست في جهة والألفاظ في جهة، بل هي متمازجة متناسبة والصحة عليهما وقف"(88). من هنا يكون من ضرورات البلاغة عنده في مراتبها المختلفة، إذ يراها حسب ما يرويه عن أبي سليمان ضروباً، منها "بلاغة الشعر، ومنها بلاغة الخطابة، ومنها بلاغة النثر، ومنها بلاغة المثل، ومنها بلاغة العقل، ومنها بلاغة البديهة، ومنها بلاغة التأويل"(89). أقول: يكون من ضرورات البلاغة عنده الاعتناء باللفظ والمعنى معاً في أغلب ضروبها، مما يجعل إمكانية اختيار الدوال وفق مقاصد القول ضرورة أسلوبية تقتضي تحقيق خصائص الفصاحة في الألفاظ والوضوح في المعاني والشهرة أو اللطف، حسب ضرورات الموضع ومتطلبات المقام(90).

لكن الموقف من المعنى واللفظ لا يلبث أن يمتد ليشمل النظم اللاحم لهما، وبدخولـه حقل القول البليغ لدى التوحيدي ارتقاء إلى مرتبة الجمع بين ركني القول اللذين هما المعنى واللفظ، إذ "ينبغي أن يكون الغرض الأول في صحة المعنى، والغرض الثاني في تخيير اللفظ. والغرض الثالث في تسهيل النظم وحلاوة التأليف، واجتلاب الرونق، والاقتصاد في المؤاخاة، واستدامة الحال ليستمر الثاني على الأول، والثالث على الثاني"(91)، ويبدو أن وظيفة النظم هنا لا تتجاوز طابع الرصف الجامع لشتات الدوال، إلا أنه بمقابلة دلالة النظم هنا بدور النحو في الكلام وفي تحصيل المعنى إذ "أن الكلام كالجسم والنحو كالحلية، وأن التمييز بين الجسم والجسم إنما يقع بالحلي القائمة والأعراض الحالّة فيه، وأن حاجته إلى حركة الكلمة بأحد وجوه الإعراب حتى يتميز الخطأ من الصواب كحاجته إلى نفس الخطاب"(92)، وحاجة الكلام إلى النحو أكيدة إذ لها علاقة بمعناه حيث "يتغير المراد فيه باختلاف الإعراب"(93) فقد تمكننا من استشفاف تصور أولي لعلاقة نظم الكلام بالنحو، حيث قد تقترب هذه الصلة من الوعي بالمستوى التركيبي، وعلاقة النحو أو معانيه برباط الوحدات في السياق، إذ يروي التوحيدي عن أبي سعيد السيرافي في مناظرته متى بن يونس قوله: "معاني النحو منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته، بين وضع الحروف في مواضعها المقتضية لها، وبين تأليف الكلام بالتقديم والتأخير وتوخّي الصواب في ذلك وتجنب الخطأ من ذلك"(94). فدلالة معاني النحو هنا لا تقتصر على حركات الإعراب أو الوقاية من الخطأ وقصد الصواب بل تتخلل تأليف الكلام وتتحكم في ترتيب وحداته مع مراعاة مواضعها، ولو ارتبطت هذه الوظيفة بالنظم صراحة لكانت خطوة أعمق في فهم بنية الكلام.
ويحاول التوحيدي الاقتراب من فهم بنية الكلام باعتماد تشبيهه بالعقد، فينطلق من ضرورة اختيار الدوال ليتعاضد حسنها في مرحلة التوزيع ذلك أن بلاغة المركّب تتأسس على عناصر مكتملة الحسن في ذاتها، إذ إن "شبه الحروف والأسماء المركبة منها ونظم الأسماء بالعقود والسّموط المؤلفة من خرزات مختلفة في القد واللون والجوهر والخرط. وقد علم أن للعقد المنظوم من النفس ثلاثة مواضع أحدها مفردات تلك الخرز واختيار أجناسها وجواهرها. والثاني موقع النظم الذي يجعل للحبة إلى جانب الحبة قبولاً آخر، وموضعاً من النفس ثانياً، والثالث وضع كل واحد من هذه العقود في خاص موقعه من النحر والرأس والزند والصدر"(95).
وإذا كانت مرتبة الحروف المقابلة لمرتبة مفردات الخرز طبيعة كما يرى، لا صنع فيها للبشر، ولا يظهر فيها أثر للصنعة التي يتحدد مجالها بقسمي التركيب والنظم، فإنّه في قسم التركيب الذي تمزج فيه الحروف لتؤلف وحدة دالة تتجسّد أول مراتب المزية، من هنا: "يجب أن يكون بعض الأسماء أحسن من بعض، وأعذب في السمع، وأقرب إلى قبول النفس، وبعضها أبعد في هذه الأشياء"(96). فإذا اكتمل للأسماء الانتقاء وفق شروط الفصاحة أمكن تحقيق المرتبة الثالثة التي يوجدها تضام الوحدات في مستوى النظم من الكلام حيث هنا "تظهر صناعة الخطابة والبلاغة والشعر. وذلك أنه إذا اختار المختار الحروف المؤلّفة بالأسماء حتى لا يكون فيها مستكره ولا مستنكر، ووضعها من النظم في مواضعها، ثم نظمها نظماً آخر –أعني وضع الكلمة إلى جنب الكلمة- موافقاً للمعنى غير قلق في المكان، ولا نافر عن السمع، فقد استتمت له الصناعة، إما شعراً وإما خطبة وإما غيرها من أقسام الكلام. ومتى دخل عليه الخلل في أحد هذه المواضع الثلاثة اختلت صناعته، وأبت النفس قبول ما نظمه من الكلام بحسب ذلك"(97).
فأبو حيان التوحيدي يتحرك في ضبط حدود بلاغة القول في محاور المعنى واللفظ والنظم ولا يصادر على طرف ويغفل آخر، بل تمتد خواصّ النص الأسلوبية لديه لتغطي العناصر كلها، حيث يشكل فيها النظم مرتبة لاحقة لاكتمال مواصفات بلاغية ينبغي توفرها في المعنى واللفظ، وبها يتحقق لهما الحسن الذاتي الذي يكون جماعه في النظم الضام للطرفين. ومع أن النظم لا يؤسس جوهر الكلام البليغ كما سيتحقق في أنضج تصوره لدى بعض المتكلمين، فإن دلالته إذ تتضمن معنى التأليف مستفيدة من الوظيفة النحوية، تكشف عن المدى الذي يمكن أن يتحقق بالتأليف فيحيل الكلام نصاً أدبياً يكون خطبة أو شعراً أو ما أشبههما.
تحليل الطراغوذيا (المديح الشعري)
والمصادرة علىالمضمون والشكل


إذا عدنا إلى الفلاسفة الإسلاميين لنؤكد المنظور الثنائي الذي يتضمن ما يتصورونه بنية للنص الأدبي معاني وألفاظاً، فلن نجد أفضل من وقفة مكثفة أخيرة نتابع فيها تحديدهم نوعاً شعرياً متميزاً، هو الطراغوذيا أو المديح الشعري الذي يشكل منطلق ما يعتمدونه من تحليل لفعالية الشعر عموماً ولبنية النص خصوصاً، حيث ستتجمع العناصر أو الأقسام المُشكِّلة للمديح الشعري منتظمة في ثنائية ما به يحاكى، ومحتوى المحاكاة. ونحن إذ نتوقف عند هذا النوع الشعري مدلّلين به على المسار النظري الضابط لرأي الفلاسفة في المحتوى والشكل، لا نغفل الإشارة إلى أن الفلاسفة الإسلاميين ذكروا أنواعاً شعرية عديدة مستعينين بأرسطو أو بشرّاحه(98) معرّفين كل نوع على حِدة، ذاكرين وظيفته، وإن لم ينبن على ذلك تفريع لخواص هذه الأنواع جملة، وهي لا تعدو -في الغالب- أن تكون تفريعات من نوعي الشعر البارزين اللذين هما الطراغوذيا والقوموذيا لدى ابن سينا أو المديح والهجاء عند غيره(99).
تتحدّد الطراغوذيا لدى ابن سينا بكونها "محاكاة فعل كامل الفضيلة عالي المرتبة، بقول ملائم جداً، لا يختص بفضيلة جزئية، تؤثّر في الجزئيات لا من جهة الملكة، بل من جهة الفعل، محاكاة تتفاعل معها الأنفس برحمة وتقوى. وهذا الحدّ قد بين فيه أمر الطراغوذيا بياناً على أنه يذكر فيه الفضائل الرفيعة كلّها بكلام موزون لذيذ، على جهة تميل الأنفس إلى الرقّة والتقية. وتكون محاكاتها للأفعال، لأن الفضائل والملكات بعيدة عن التخيّل وإنما المشهور من أمرها أفعالها. فيكون الطراغوذيا يقصد فيه لأجل هذه الأفعال أن يكمل أيضاً بإيقاع آخر واتفاق نغم يتم به اللّحن. ويجعل له من هذه الجهة إيقاع زائد على أنواع أوزانه في نفسه. وقد يعملون عند إنشاء طراغوذيا باللحن أموراً أخرى من الإشارات والأخذ بالوجه تتم بها المحاكاة"(100). فالطراغوذيا تقوم على محاكاة فعل بقول ملائم يدعمه وزن لذيذ. وقد تكمل بنغم ولحن، وفي أحيان أخرى بأشكال وهيئات المنشدين والقصد منها التمثيل حسب فهم الفلاسفة له
(101)، ذلك أن الطراغوذيا "يجب أن تكون كاملة فيما تعمل من المحاكاة وأن تعظّم الأمر الذي تقصده. فإن تلك المعاني قد تقال قولاً مرسلاً من غير الرونق والفخامة والحشمة"(102). والذي يكفل للمعاني الرونق والفخامة هو إعطاء عناصرها وخصائصها حقها، إذ إن المحاكاة باعتبارها الجوهر المحقق لشعرية القول يكون كمالها في الصياغة الصّورية للمعنى الذي يتمثل في الطراغوذيا في أفعال، جانبها الأخلاقي المشكل لجوهر القيمة لا يهمنا بل إن المهم في مقامنا هو أن هذا الفعل يشكل في نظر ابن سينا قاعدة المعنى الذي إن أتيح له الإخراج الجميل بالقول المدعوم بعناصر الإيقاع والنغم كملت للطراغوذيا خصائصها، ذلك أن الشعر عموماً يحاكي بثلاثة أشياء: باللحن الذي يتنغم به، وبالكلام نفسه إذا كان مخيلاً محاكياً، وبالوزن(103).

وانطلاقاً مما سلف يمكن أن نفصّل العناصر المحدثة للطراغوذيا ضمن هذه القناعة القائمة على مقابلة المعنى باللفظ الممتدّة في كون القصيدة عامّة، ذلك أنّ "أجزاء الطراغوذيا التامة عندهم ستة: الأقوال الشعرية والخرافية والمعاني التي جرت العادة بالحث عليها، والوزن، والحكم، والرأي بالدعاء إليه، والبحث والنظر، ثم اللحن. فأما الوزن، والخرافة، واللحن، فهي ثلاثة تقع بها المحاكاة. وأما العبارة والاعتقاد، والنظر فهو الذي يقصد محاكاته، فيكون الجزآن الأوّلان له: أحدهما ما يحاكي، والثاني ما يحاكى. ثم كل واحد منهما ثلاثة أقسام"(104).
تتمحور العناصر المحققة للطراغوذيا في: المحاكاة الوزن واللحن، وهذه تشكل الصّورة المقابلة للهيولى المتمثلة هنا في المعاني التي تتفرع إلى عادات واعتقادات، ونظر ويراد به الحجج التي تدعم القيم والعادات الأخلاقية التي ينبغي ترسيخها في الجمهور. وكل ذلك ينبغي أن يتشخص في فعل، ويتّسم هنا بطابع السلوك الخيّر المتمثّل في مناقب الممدوح أو الموصوف عامة، ولا ينبني في حدث، إذ لو تشكّل وفق هذا الفهم لكان الأمر أقرب إلى الوعي ببناء التراجيديا، هذا البناء الذي تتحدّد كينونته في الفعل، أو الحدث المحاكى بما يفترضه من إدراك للشخصيات الفاعلة للأحداث وعناصر البناء المشكلة للتراجيديا عموماً. لكن فهم ابن سينا يتحرك ضمن ثنائية الصورة والهيولى، إذ سيتحدد للطراغوذيا كيانها بالانطباع الشعري للعناصر الشكلية على المعاني الممثّلة للمستوى الهيولاني، فيتكامل بهذا الانطباع الكيان الوجودي للطراغوذيا.
يتأسس فهم ابن رشد لبناء المديح الشعري المقابل عنده للطراغوذيا على المنطلقات نفسها، ففضلاً عن الحد الذي يذكره له الذي لا يكاد يختلف عن حد ابن سينا(105)، نرى في أقسام المديح الستة وتفصيلها لديه ترسيخاً لهذا المنحى، إذ كما يرى "يجب أن تكون أجزاء صناعة المديح ستة: الأقاويل الخرافية، والعادات، والوزن، والاعتقادات، والنظر، واللحن. والدليل على ذلك أنّ كل قول شعري قد ينقسم إلى مشبّه ومشبّه به، والذي به يشبّه ثلاثة: المحاكاة، والوزن، واللحن. والذي يشبه في المدح ثلاثة أيضاً: العادات والاعتقادات، والنظر، أعني الاستدلال لصواب الاعتقاد، فتكون أجزاء صناعة المديح ضرورة: ستة"(106)، فكل قول شعري عند ابن رشد ينقسم إلى مشبّه ومشبّه به، وتتحقق خصوصية هذا النوع أو ذاك بحسب محتوى المحاكاة علماً بأن ميزة الشّعر تكمن في طريقة تقديمه المعنى، إلا أن عملية الفصل لدى ابن رشد بين ما يحاكي ويحاكى تبدو كالآلية، إذ كما يرى أن "أوّل أجزاء صناعة المديح الشعري في العمل وهو أن تحصى المعاني الشريفة التي بها
يكون التخييل، ثم تكسى تلك المعاني اللحن والوزن الملائمين للشيء المقول فيه"(107)، والتعبير بالكسوة كافٍ في التدليل على فهم ابن رشد للعلاقات الشاملة لعناصر القول. ولابن سينا رأي قريب من رأي ابن رشد في كيفية صناعة الطراغوذيا، إذ يرى أن "أوّل أجزاء الطراغوذيا هو المقصود من المعاني المتخيّلة والوجيهة ذات الرّونق. ثم يبنى عليها اللحن والقول. فإنهم يحاكون باجتماع هذه. ومعنى القول: اللفظ الموزون"(108).

وهذا الموقف المميّز بين محتوى العمل الشعري وشكله حيث تتحقق خصائص الشعر في المحاكاة والوزن، واللحن أحياناً، هو الذي يمكّن الفلاسفة من ضبط حد النوع الشعري الذي يبتغون، ذلك أن الاحتفاظ بخصائص الشكل أو ما به يحاكى يكون مطلقاً، ويحتاج الحد في كل صياغة إلى حصر محتوى النوع الجديد، نلتمس ذلك في تعريف الأشعار القصصية المقابلة للملحمة التي يبدو "سبيلها في الأجزاء التي هي المبدأ والوسط والنهاية سبيل أجزاء صناعة المديح. وكذلك المحاكاة. إلاّ أن المحاكاة ليس تكون للأفعال فيها، وإنّما تكون للأزمنة الواقعة فيها تلك الأفعال، وذلك أنه إنما يحاكى في هذه كيف كانت أحوال المتقدم مع أحوال المتأخر، وكيف تنقل الدول والممالك والأيّام"(109).
والخلاصة أن وعي الفلاسفة بتميز الخطاب الأدبي عموماً والشعري خصوصاً بصياغة لغوية مخصوصة لم تترجمه المعاينة المُحللِّة للنص إلى إدراك عميق لتفاعل مستوياته بقدر ما ظل تأكيد خاصية التوازي بين العناصر وتوافقها هي السّمات الغالبة على فهم علائقها المُشكلِّة للنص.

c
هوامش الفصل الثالث:

(1)المدخل من الشفاء: 23.
(2)ينظر مدخل البحث.
(3)تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات: 100.
(4)كتاب الموسيقى: 1092.
(5)نفسه.
(6)الفارابي، الحروف: 87.
(7)نفسه: 225.
(8)ابن سينا، فن الشعر: 174.
(9) نفسه: 163.
(10)ابن رشد، كتاب الشعر: 242.
(11)الرسائل 3: 129.
(12) نفسه: 243
(13) أبو حيان التوحيدي، المقابسات: 170.
(14) أبو حيان التوحيدي، مثالب الوزيرين: 294. ينظر: الإمتاع والمؤانسة 3: 144.
(15)ينظر: ألفت الروبي، نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين: 153...
(16)الفارابي، الحروف: 164.
(17)الفارابي، كتاب في المنطق: العبارة: 19.
(18)ابن سينا، فن الشعر: 192.
(19) نفسه: 193.
(20) نفسه:237-238. ويتعرض ابن رشد لنفس الموضوع في مواضع مختلفة من تلخيص الخطابة، كقوله في ص: 531 إن الألفاظ المفردة كانت اسماً أو كلمة أو حرفاً، تنقسم من جهة أنحاء دلالاتها ثمانية أقسام: منها المستولية، ومنها المغيّرة، ومنها الغريبة، ومنها اللغات، ومنها المزينة، ومنها المركبة، ومنها المغلطة، ومنها الموضوعة.
(21)نفسه: 238-239.
(22)ينظر: ابن رشد، تلخيص الخطابة: 540.
(23)نفسه: 542.
(24)الفارابي، الحروف: 141.
(25)ابن سينا، فن الشعر: 193.
(26)ابن رشد، تلخيص الخطابة: 547.
(27)ابن رشد، كتاب الشعر: 242.
(28)نفسه: 243.
(29)أبو حيان التوحيدي، المقابسات: 245.
(30)نفسه: 145.
(31)أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة: 125.
(32)ينظر: الفارابي، رسالة في قوانين صناعة الشعراء: 150-151. كتاب الشعر: 93-94. إحصاء العلوم: 67-68. فصول منتزعة: 62... الألفاظ المستعملة في المنطق: 98-99. ابن سينا، البرهان: 63. قسم المنطق من النجاة: 5-6. قسم المنطق من الإشارات: 195. جوامع علم الموسيقى: 122-123. عيون الحكمة: 13-14. كتاب المجموع... في الشعر: 15. القياس من الشفاء: 55-56. فن الشعر: 161-162. ابن رشد: كتاب الشعر: 203. جابر عصفور، مفهوم الشعر: 241... ألفت الروبي، نظرية الشعر: 113... الأخضر جمعي، نظرية الشعر: 20...
(33) ابن سينا، فن الشعر: 168.
(34)ينظر: الكندي، الرسائل 1: 110-111، الفارابي، كتاب آراء أهل... 147-148. السياسة المدنية: 85.... ابن مسكويه، الفوز الأصغر: 83. ابن سينا، قسم الحكمة الإلهية من النجاة: 501-502. ابن باجة، الرسائل الإلهية: 167... ابن طفيل، حي بن يقظان: 121-126. ابن رشد، مناهج الأدلة: 249-250-251. كذا: 172-173. تلخيص الخطابة: 19... فصل المقال: 46-48. تلخيص كتاب الجدل: 501. تلخيص كتاب المغالطة: 671. الأخضر جمعي، نظرية الشعر: 28...
(35)ينظر للاطلاع على هذه الأقسام: جابر عصفور، الصورة الفنية: 26... ألفت الروبي، نظرية الشعر: 19... الأخضر جمعي، نظرية الشعر: 182...
(36)ينظر: الأخضر جمعي، نظرية الشعر: 74...
(37) ابن سينا، قسم المنطق من الإشارات: 199.
(38)نفسه: 200.
(39) ابن سينا، فن الشعر: 161-162.
(40)نفسه: 162.
(41)نفسه: 163.
(42)ابن سينا، كتاب المجموع... في معاني كتاب الشعر: 21-22-23.
(43)ابن سينا، فن الشعر: 195.
(44)الفارابي، كتاب الشعر: 92.
(45)نفسه: 91.
(46)ابن رشد، كتاب الشعر: 203.
(47)نفسه: 247.
(48)الفارابي، كتاب الشعر: 92.
(49)ابن سينا، فن الشعر: 160.
(50)ابن رشد، كتاب الشعر: 904.
(51)ابن سينا، فن الشعر: 189. ينظر: ابن رشد، كتاب الشعر: 229-230.
(52) ينظر: الكندي، الرسائل 1: 376. الفارابي، كتاب الشعر: 93-94-95. رسالة في قوانين صناعة الشعراء: 157. ابن سينا، فن الشعر: 167-168-171. كتاب المجموع... في معاني كتاب الشعر: 17... ابن رشد، كتاب الشعر: 201... تلخيص الخطابة: 607... الخوارزمي، مفاتيح العلوم: 58. جابر عصفور، الصورة الفنيّة: 444. ألفت الروبي، نظرية الشعر: 201. الأخضر جمعي، نظرية الشعر: 187.
(53)ينظر: ابن رشد، كتاب الشعر: 242. الكندي، الرسائل 1: 376. الخوارزمي، مفاتيح العلوم: 58.
(54)ينظر للإحاطة بمهمة الشعر عند الفلاسفة: ألفت الروبي، نظرية الشعر: 125... الأخضر جمعي، نظرية الشعر: 129...
(55)ينظر لإيفاء هذه المسائل حقها من الاطلاع: جابر عصفور، مفهوم الشعر: 367... ألفت الروبي، نظرية الشعر: 248... الأخضر جمعي، نظرية الشعر: 209...
(56)الفارابي، رسالة في قوانين صناعة الشعراء: 152.
(57)الخوارزمي، مفاتيح العلوم: 49.
(58)مسكويه، الهوامل والشوامل: 309.
(59)ابن سينا، فن الشعر: 165. كتاب المجموع... في معاني كتاب الشعر: 30.
(60)ابن رشد، كتاب الشعر: 232.
(61)ينظر: جابر عصفور، مفهوم الشعر: 367... الأخضر جمعي، نظرية الشعر: 167... 210...
(62)ابن سينا، رسالة في ماهية العشق: 17.
(63)أخوان الصفا، الرسائل 1: 262. وكذا: 167-177-190. ينظر: جابر عصفور، الصورة الفنية: 287.
(64)الفارابي، كتاب الموسيقى: 11.
(65) الفارابي، إحصاء العلوم: 69.
(66)الفارابي، الألفاظ المستعملة في المنطق: 92.
(67)الفارابي، رسالة في قوانين صناعة الشعراء: 157.
(68)ابن سينا، جوامع علم الموسيقى: 7.
(69)ابن سينا، كتاب المجموع... في معاني كتاب الشعر: 21.
(70)ابن سينا، فن الشعر: 193. وكذا: كتاب المجموع... في معاني كتاب الشعر: 21-22-23.
(71)نفس المصدرين: 163/24.
(72)نفس المصدرين: 16323-24. ينظر: ألفت الروبي، نظرية الشعر: 170...
(73)نفس المصدرين: 163-164/24-25-26.
(74)نفس المصدرين: 164/26-27-28.
(75)نفس المصدرين: 164/28.
(76)نفس المصدرين: 165/28-29.
(77)نفس المصدرين: 165/29.
(78)ابن رشد، كتاب الشعر: 242.
(79)نفسه: 239.
(80)نفسه.
(81)نفسه: 239-240-241.
(82)نفسه: 241.
(83)ابن رشد، تلخيص الخطابة: 623. ينظر: كتاب الشعر: 243-244.
(84)نفسه: 596.
(85)مثالب الوزيرين: 11.
(86)الإمتاع والمؤانسة 1: 10.
(87)نفسه 2: 145.
(88)البصائر والذخائر. م3/1: 50. ينظر: 2/1: 92.
(89)الإمتاع والمؤانسة 2: 140-141.
(90)نفسه 1: 64-65. جزء 2: 140...

(91)أبو حيان التوحيدي، مثالب الوزيرين: 94. ينظر: البصائر والذخائر. م 3/2: 422-423.
(92)أبو حيان التوحيدي، البصائر والذخائر: 181.
(93)أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة 1: 102.
(94)نفسه 1: 121.
(95)أبو حيان التوحيدي. مسكويه، الهوامل والشوامل: 21.
(96)نفسه: 23.
(97)نفسه.
(98)ينظر: الفارابي، رسالة في قوانين صناعة الشعراء: 152... ابن سينا، فن الشعر: 166-167.
(99)ينظر: الكندي، الرسائل 1: 382. الفارابي، رسالة في قوانين صناعة الشعراء: 151-152. ابن سينا: فن الشعر: 166-169-172... ابن رشد، كتاب الشعر: 201-208-245.
(100)ابن سينا، فن الشعر: 176.
(101)ينظر: الأخضر جمعي: نظرية الشعر: 111...
(102)ابن سينا، فن الشعر: 181.
(103)نفسه: 168.
(104)نفسه: 177-178.
(105)ينظر: ابن رشد، كتاب الشعر: 208-209.
(106)نفسه: 209-210.
(107)نفسه: 209.
(108)ابن سينا، فن الشعر: 177.
(109)ابن رشد، كتاب الشعر: 245. ينظر: ابن سينا، فن الشعر: 194.

cc

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59