عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-19-2012, 10:04 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي

لافونتين J.de la fontaine- 1621-1695

جان دولافونتين هو كاتب الخرافات الشهير les fables وهو من آصَل كتاب القرن السابع عشر. استمد موضوعاته من الآداب القديمة ومن آداب القرون الوسطى، ولكنه طورها في شكل لم يستطع أحدٌ أن يضاهيه فيه. أعطى كل خرافةٍ شكلها الدرامي، وجعل من مجموعها ملهاةً كبيرة ذات مئةٍ من الفصول المتنوعة. مثّل الحيوانات طبقاً للتقاليد الشعبية، وإن لم يكن ذلك بالدقة العلمّية والطبيعية، وصور كلّ عواطف البشر وأهواءهم وظروفهم الاجتماعية وحِرَفهم، وبرز لديه حسُّ الطبيعة وصور البيئة الفرنسية كإطار لحيواناته.
تقوم أخلاقيته على التجربة وأحياناً على النفعيّة والشكّلية، ولكنها في كل الأحوال تقوم على الحسّ السليم. إننا لا نتعلم الفضيلة من خرافاته، ولكننا نفهم من خلالها، بشكل أفضل، فكرة الاتحاد والتعاون.
أسلوبه متنوع مثل موضوعاته، فهو يتقلب بين قاصّ وشاعرٍ وناقدٍ وشاعر ملحميّ، وشاعر غنائي. ومعجمه اللغوي أغنى من معجم موليير، وأشعاره المرنة والقوية تتبع خُطا تحركاتِ فكره.
1-موت الحطّاب([1])

كان حطّاب فقير، يحمل حُزمة من الأغصان تغطّي كلِ جسْمه.
وكان ينوء بحملها كما ينوء بعبءِ السنين.
يسير منحني الظهر، متثاقل الخطا، ويئن من ثقل ذلك الحِمْل، ليبلغ كوخه الذي تغلفه سحابة من الدخان.


وأخيراً لما وجد نفسه عاجزاً أمام أعبائه وألمه، أنزل الحزمة، وراح يفكّر في شقائه:
أيّةَ مَسَرةٍ ذاقَ منذ وُلد؟
أليسَ أفقر إنسان على هذه الأرض؟
فأحياناً يُعوزه الخبز وأحياناً يفتقر إلى الراحة،
زوجُهُ وأولاده والجنود والضرائب والدائنون والسُّخْرة، كل هؤلاء يجعلون منه الصورة الكاملة لأتعسِ مخلوق.
فياموت أقبِلْ..!
وعلى الفور، أتى ملك الموت قائلاً: "ما تريدني أن أفعل"؟
أجابه: "أظنك لا تتردّد في مساعدتي برفع هذا الحطب"..!
***
إنّ الموتَ يأتي ليشفي كل الآلام
ولكنْ، لنبق حيث نحن،
الألم خيرٌ من الموت؛
هذا هو شعار البشر.
2-العربة والذُّبابة([2])

كانت ستّةُ جياد تجرُّ عربةً،
في طريق صاعدٍ رمليّ عسير السلوك،
كانت أشعة الشمس تحيط بها من كل الجهات،
وقد ترجّل منها كاهنٌ وعددٌ من النساء والشيوخ
وفيما كانت الجياد تسبح في عرقها ويتعالى زفيرها
جاءت ذبابة واقتربت من الجياد
تريد أن تشحذ عزمها بطنينها


أخذت تلسع هذا ثم ذاك معتقدةً أنها هي التي تُسيِّر العربة
تحطّ على العريش، وعلى أنف السائق..
ولما سارت العربة، ورأت الركب يتابع المسير
نسبت إلى نفسها وحدها هذا الفوز
أخذت تذهب وتجيء كالمستعجلة،
كأنها قائد في معركة يذهب في كل اتجاه،
حاثّاً جنوده مستعجلاً النصر
وعلى الرغم من هذا العمل المشترك،
اشتكت الذبابة من أنها كانت وحدها تعمل،
وأنها بجهودها حالت دون أن يساعدَ أحدٌ
الجياد على الانسحاب من العمل!
كان الكاهن يتلو صلواته في كتابه،
إنها أحسن طريقة للاستفادة من الزمن
وكانت إحدى النساء تغنّي عدداً من الأغاني
والسيّدة الذبابة أيضاً أخذت تغني عند آذانهم،
وتقوم بمائةٍ من الحماقات الأخرى
وبعد جهد جهيد وصلت العربة إلى القمّة،
فقالت الذبابة: الآن، لنلتقط أنفاسنا،
لقد عملتُ كثيراً حتى أوصلتُ القومَ إلى السَّهل
فهيّا، يا سادتي الخيول، ادفعوا لي أجور جهودي!
***
هكذا يتظاهر بعض الناس بالاستعجال،
فيتدخلون في شؤون الآخرين
ويفرضون وجودهم في كل مكان
ومن كل مكان يجب أن يطردوا خائبين!


باسكال B.pascale - 1623-1662

عالمٌ وفيلسوف من فلاسفة بور رويال وخطيب مفوّه. ألّفَ كتابه: الرسائل البروفانسية les provinciales في أواسط القرن السابع عشر. وضمّنه ثماني عشرة رسالة في الدفاع عن أستاذه وصديقه أرنولد الذي أقيل من السوربون بسبب اعتناقه أفكار جانسينيوس المخالفة لفكرة الكنيسة الكاثوليكية حول النعمة الإلهيّة والقدر...
وقد بلغ باسكال في هذه الرسائل أقصى درجات البلاغة والحماسة والقوة ووضوح الفكرة مع لباقة الدفاع ولطافة السخرية والحسّ الطبيعيّ ولذا يقول فولتير في هذا الكتاب: "إنه أوّل كتابٍ عبقريّ يُشاهَد في النثر". ويضيف: "يجب أن نربط بين هذا الكتاب وحقبة الترسيخ اللغويّ".
ثم ألفّ باسكال كتابه: "الأفكار les pensèes" الذي يثير الإعجاب بأسلوبه الأدبي، فقد كتبه في الردّ على المتحرّرين من الدين، المجاهرين بالتجديف. ولأجل التأثير فيهم استخدم المنهج العلمي المنطقي. وكان أسلوبه النثري يلامس في بعض مقاطعه الروح الشاعرية من حيث روعة التصوير والحماسة في الخطاب، فكأنما هو شاعر غنائي.

اللاّمتناهيان([3])

"هذا النصّ من (الأفكار) طبع عام 1670. ويريد باسكال من خلاله أن يصوّر الإنسان على نحو أفضل، تلك القضية المرعبة حين يتساءل عن أصوله ومصيره، وأن يبرهن على عظمته وضآلته في وقت واحد"..

« ليتأمّلِ المرء الطبيعة بكاملها في أوج عظمتها، ولينأَ بنظرة عن الأشياء الصغيرة التي تحيط به، ولينظر إلى هذه الشمس الساطعة التي جُعلت مصباحاً أبدياً لإضاءة الكون، حيث تبدو الأرضُ نقطة صغيرة إذا قورنت بالمدار الواسع الذي يرسمه ذلك الكوكب العظيم. وليتعجّب من أنّ هذا المدار نفسه ليس إلاّ حيزاً بالغ الصغر بجانب المدارات التي تسلكها الأجرام الدائرة في قبة السماء. ولكنْ إذا ما توقف نظرنا عند هذه الحدود فليجاوزها الخيال.. إنه سيكلُّ من التخيّل أكثر من كلَلِهِ أمام الطبيعة. إنّ كلّ هذا العالم المرئيّ ليس إلاّ خطّاً يكاد لا يبين ضمن ملكوت الطبيعة الفسيح، وإن أية فكرة لا يمكن أن تحيط به، ولا يجدي أن نضخّم تصورّنا فيما وراء الفراغات التي يمكن تخيلها. إننا إذ ذاك لن نظفر إلا بالنزر إزاء حقيقة الأشياء إنه فراغٌ مركزُه في كل مكان، ولا محيطَ يحدُّه، وفي النهاية إن ضياع خيالنا في هذه الفكرة هو أقصى ما يمكن أن نستشعره عن القدرة الإلهيّة غير المتناهية.
وليعُدِ الإنسان إلى نفسه، فليفكرّ فيما هو عليه بالنسبة إلى الكون. إنه سيجد نفسه ضائعاً في هذه المنطقة المحوّرة من الطبيعة، ويتعلّم من هذا المأوى الصغير الذي يسكنه، وأعنى الكون، أن يقدّر الأرض والممالك والمدن وذاته قدْرَها الحقيقي: ما قدْرُ إنسانٍ في اللامتناهي؟ ولو شاء أن أُقدّم له معجزة أخرى أكثر إدهاشاً فليبحث فيما حوله من الأشياء التي يعرفها عن أصغر حشرة متناهية في الصغر، فإنه - على الرغم من ضآلة جسمها- سيجد لها أعضاء أصغر منها بكثير: أرْجلاً ذات مفاصل، وعروقاً في هذه الأرجل، ودماً في هذه العروق، وسوائل في هذا الدم، وقطراتٍ في هذه السوائل، وأبخرةً في هذه القطرات، فإذا استمرّ في هذا التقسيم فإنه سيُنفد طاقته في تلك التطوّرات!..
والآن، ليكن آخرُ شيءٍ يستطيع التوصل إليه موضوعَ حديثنا، إنه يفكر بأن هذا الشيء ربما كان أصغر شيء في الطبيعة، ولا أريد أن أصوّر له العالم المرئيّ فقط، بل الاتساع الذي يمكن تصوّره في نطاق هذا الجزيء الصغير: إن فيه عوالم لا نهائية، لكل منها سماؤه وسياراته وأرضه.. كما هو الأمر في الكون المرئي.. وفي هذه الأرض توجد حيوانات وحشرات وحشيرات، وسيجد فيها ما وجده في الأولى، دون توقّفٍ ولا نهاية. وسوف يضيع في هذه العجائب المدهشة بصغرها أكثر من ضياعه في السّماوات واتساعها..! ومنذا الذي لا يتعجّب من أن جسمنا الذي رأينا منذ قليل أنه لا يكاد يُلحظ في الكون العظيم، هو الآن عملاقٌ وعالم، بل كلُّ شامل بالنسبة إلى القدم الذي لا يمكن الوصول إليه؟
إن من يفكر في نفسه على هذا النحو سيرتعد خوفاً من ذاته، عندما يرى نفسه قائماً في حجمه الذي منحته إياه الطبيعة، بين هوّتيْ اللامتناهي والعدم. إنه سيرتعد لمشاهدته هذه العجائب. وأعتقد أنّه، وقد تحوّل فضوله تعجّباً، سيكون أكثر استعداداً لتأمّل ذيْنكَ الطرفين صامتاً أكثر من استعداده للبحث فيهما مزهوّاً.
أخيراً، ما الإنسان في الطبيعة؟ إنه عدمٌ في مقابل اللاّنهائي وكلٌّ في مقابل العدم، ووسطٌ بين اللاشيء والكلّ، ولما كان بعيداً جداً عن فهم النهايتين فإن بداية الأشياء ومنتهاها بالنسبة إليه أمران محجوبان حتماً في سرّ لا يمكن هتكه. وهكذا يرى المرء نفسه عاجزاً عن رؤية العدم الذي منه أتى واللانهائي الذي فيه يغيب!
بوسّوييه J. Bossuet - 1627-1704

كان جاك بوسّوييه خطيباً مسيحيّاً، اشتهر بكتابيه: المواعظ والمراثي. وكان أسلوبه في "المواعظ" يتصف بالخطابيّة والبساطة والمرونة مع الشدة وقوة التأثير، يستقي كثيراً من أفكاره وشواهده من الكتاب المقدّس، ويتبع أسلوب الأنبياء وآباء الكنيسة، ويُعدُّ علاوةً على نهجه الديني - أخلاقياً عميقاً ومستقيماً، أما مواعظه فكانت لوحاتٍ آخاذة، بارعة في تصوير مجتمع القرن السابع عشر. وإذا أضيف إلى ما تقدم عمقُ إيمانه وتضلّعه العلمي استطعنا أن نلمح من خلال نثره شاعراً غنائياً حقيقياً.
أما المراثي فهي اثنتا عشرة مَرْثاةً نثريّة تتحدث عن فضائل بعض المتوفَّين العظماء وانجازاتهم. وقد جدّد هذا الفن وأدخل فيه الوعظ والتاريخ. ويبدو أسلوبه فيها أكثر رويَّةً وصنعةً منه في المواعظ، وهو هنا حادّ اللهجة، متسامي العبارة بصورة عامة، إلى جانب البساطة والعبارة العاديّة المألوفة في بعض الأحيان.
رثاء هَنْرييت أميرة بريطانيا([4])

"ماتت هذه الأميرة عام 1676 مفاجأةً وهي في سن الشباب. وكانت تُعدُّ الملكة الحقيقية لما تتميز به من اللطف والذكاء والمكانة"
.... فكِّروا أيها السادة في ذوي السلطان هؤلاء، الذين ننظر إليهم من تحت بينما نرتعد في حضرتهم. إن اللّه ينزل بهم ضرباته ليعلّمنا. وإن ارتفاع شأنهم هو السبب في ذلك. وهو إنما يؤجلهم قليلاً ريثما يضحي بهم ليعلّم بقية أبناء البشر.
أيها المسيحيون، لا يغمغمْ أحدكم متسائلاً: هل حقاً اختيرت هذه الأميرة لتقدّم لنا مثل هذا التعليم؟ ليس في هذا الأمر أيَّةُ صعوبة بالنسبة إليها. مادام الله - كما سترون أخيراً- ينقذها في الوقت الذي يُعلّمنا فيه. إننا يجب أن نكون على ثقةٍ من فنائنا، وإذا كان لا بد من نازلةٍ تفاجئ قلوبنا المولعة بحب الدنيا فإن فاجعتنا هذه عظيمة ورهيبة.
أيها الليل المدّمر! أيّها الليل الرهيب! الذي ذاع فيه مفاجأة ذلك النبأ العجيب وكأنه قصف الرعد: السيّدة تحتضر.. السيدة ماتت. من منا لم يصعقه هذا النبأ حتى كأنما حلَّ في أسرته حادثٌ مروّع أليم؟
وفور وصول النبأ هرع الناس من كل مكان إلى سان كلود([5]). كلّهم ذاهل إلاّ قلب هذه الأميرة. في كل مكانٍ عويل، وعلى كل مكان يخيم الألم واليأس وشبح الموت..! الملكُ والملكةُ وشقيق الملك والبلاط كلّه صرعى يائسون. وإخال أني أرى تحقّق قول النبيّ: "الملك ينوح، والأمير يحزن، وأيدي الشعب تهبط من الألم والدهشة"([6]).
ولكن الأمراء وأبناء الشعب عبثاً يئنّون، وعبثاً يضم الملك وشقيقة الأميرة المحتضرة بين أذرعهما ضماً شديداً، لقد كان ممكناً أن يقول أحدهما للآخر ما قاله القديس أمبرواز: "كنتُ أشُدُّ بذراعيّ ولكنّي فقدتُ على الفور ما كنت أمسكه" لقد أفلتت تلك الأميرة من هذه العناقات الحنونة، واختطفها الموت الأقوى من بين ذراعي الملك!
ماذا؟ هل كان عليها أن تهلك بهذه السرعة؟ إن التغيرات تأتي لدى معظم الناس رويداً رويداً، وكأنما يُعدُّهم الموتُ لاستقبال ضربته الأخيرة، ولكن السيدة لم تلبث إلا من الصباح حتى المساء، وكأنها عشب الحقول: في الصباح ترونه مزهراً ناضراً، وفي المساء يغدو هشيماً. ولا شكّ أن هذه العبارات القويّة التي تعبِّر بها النصوص المقدسة عن هشاشة الإنسان تبدو دقيقةً ومنطبقةً انطباقاً على هذه الأميرة.
هاهي تلك الأميرة المثيرة للإعجاب والعزيزة على كل قلب -على الرغم من قلبها الكبير - كما أبداها لنا الموت.
سيغيب هذا الجثمان، وسيتلاشى ظلّ هذا المجد، وسنراها مجردة حتى من هذه الزينة الحزينة؛ وستنزل إلى هذه الأمكنة المظلمة وتلك المساكن القابعة تحت سطح الأرض، لترقد في الغبار مع عظماء العالم، كما يقول النبيّ أيوب، مع أولئك الملوك والأمراء الراحلين، حيث لا يكادون يجدون لها مكاناً عندهم، لأن صفوفهم هناك مرصوصة والموت العاجل يملأ كل تلك الأمكنة. ولكنّ خيالنا يخدعنا هنا أيضاً، فالموت لا يبقي أجساداً كثيرة لتملأ بعض الأمكنة، وهنالك لا نشاهد إلا هياكل القبور. هناك تتغير طبيعة لحمنا بسرعة، وسيكون لجسدنا اسمٌ آخر غير الجيفة. لأنه يحتفظ ببعض الأشكال البشرية، التي لا تبقى طويلاً، ثم لا يلبث أن يُصبحَ شيئاً آخر، لا أدري ما هو، شيئاً ليست له تسمية في أية لغة. حقاً كل شيء يموت في ذاته، حتى هذه المفردات المأتميّة التي نعبّر بها عن رُفاته البائس.
n تعليق :

يلاحظ الأطناب في تعظيم المتوفاة والمبالغة في وصف تأثير الكارثة على المتحدّث وعامة الشعب. والتقسيم المنطقي والممازجة بين التفكير والخيال والعاطفة وفخامة الأسلوب مع الاستشهاد بالنصوص المقدسة وربط الموضوع بالحكمة الإلهية والقناعة المسيحية.
ويتصف أسلوب بوسوييه إجمالاً بالوضوح ونقاء اللغة وقوة التأثير.
فينيلون Fenelon - 1651-1715

نشأ فينيلون نشأة مسيحية، وكان يود الانخراط في سلك الإرساليات إلى الشرق، ولكن تردّي صحته حال دون ذلك. فعيّن رئيساً لمدرسة تعنى بتربية البنات المنتقلات من البروتستانتية إلى الكاثوليكية. وفي أثناء ذلك كتب "تربية البنات" وضمنه آراءه التربوية. التي ربما سبق فيها روسّو. وفي عام 1693 انضم إلى الاكاديمية. وفي عام 1699 ألف "تيليماك" وله أيضاً كتاب "الخرافات": و"محاورات الموتى" وكلها ذات أهداف تربويّة. ولذلك اختير لتربية نجل لويس الرابع عشر.
تميز أسلوبه بالسهولة والعفوية والبساطة
النّساء وحب التبُّرج([7])

"لا تخشوا على البنات شيئاً أكثر من حب الظهور. فهنّ يُولدن وقد رُكّب فيهن ميل شيديد لإثارة إعجاب الآخرين. ولما كانت قد سدّت في وجوههن السبل التي تفضي بالرجال إلى السلطة والمجد فقد عُوِّضن عن ذلك عذوبةَ الروح وجمال الجسد. ومن هنا تأتي طلاوة حديثهن وجاذبيته، وتطلعهن الشديد إلى الجمال وكل أشكال اللطافة الخارجية، والولع الشديد بالتزيّن: فغطاء رأسٍ، وعقدة شريط، وملقط شعر يكون أعلى قليلاً أو أخفض، واختيار الألوان.. كل ذلك بالنسبة إليهن على جانب كبير من الأهميّة.

وأريد أن أعرِّفَ الشابّات قيمة البساطة المترفعة التي تبدو في التماثيل والأشكال الأخرى التي بقيت لنا عن النساء اليونانيات والرومانيات: لكمْ كنَّ يريْن من الملاحة والأُبهة في شعرٍ عقد من خلف الرأس كيفما اتفق، أو في ثيابٍ يضيق أعلاها ممتلئاً، ثم تنسدل فضفاضة بثنياتها الطويلة. ويحسن أن يستمعن إلى أقوال الرسامين وغيرهم ممن يتمتعون بهذا الذوق الرفيع فيما يخص العصور القديمة.
فإذا ترفعت نفوسُهنَّ قليلاً عن الاهتمام بالمستحدثات فسيشعرن على الفور بكرهٍ شديد لتجعيدات الشعر البعيدة عن الطبيعة وللثياب التي تبدو شديدة التصنّع. إنني أدرك جيداً أننا يجب ألا نطمح إلى أن يظهرن بمظهر النساء القديمات، ومن المستغرب أن نريد ذلك، ولكنهن يستطعن دون أية غرابة أن يتحلّين بذوق البساطة في أزيائهن الجميلة الفاضلة التي تلائم الأخلاق المسيحية...!
فإذا جرين في مظهرهن خلف الأمور المستحدثة فسيعلمن على الأقل ما سيقال عن هذا التصرف: إنهن يستسلمن إلى (المودة) في ضربٍ من العبودية المخزية..! ولا يعطينها إلاّ ما يقدرن على رفضه منها.
فعلموهن دائماً وفي وقت مبكر أن حبَّ الظهور وطياشة الروح هما السبب في تقلّب (المودات). وإنّه لأمرٌ غير مستساغ أن تضخِّم المرأة رأسها بما لا يحصى من الأغطية المكدّسة.
إن الجمال الحقيقي هو الذي يوافق الطبيعة ولا يقاومها أبداً.
n تعليق: تبدو في هذا النص الخصائص الكلاسيكية الآتية:
1- الاهتمام بالتربية والأخلاق والمثل المسيحية
2-محاولة الإقناع العقليّ ومقاومة الانسياق مع النزوة والمزاج.
3- عدم الاحتفاء بالصور الخيالية.
4- الاعجاب بذوق القدماء وتهجين المستحدثات.
5- الميل إلى موافقة الطبيعة والنفور من المصطنع.
6- البساطة والوضوح في الأسلوب.

بوالو N.Boileau - 1636-1711

وُلد نيقولا بوالو في باريس، وعاش حياة حرةً مستقلةً مكتفياً بما ورث من ثروة، وكان يعمل محامياً ثم تفرغ للشعر. وتتألف حياته الأدبية من ثلاث مراحل:
1- المرحلة الأولى، كتب فيها "الأهاجي" Les Satires وتمتد من 1660-1669. وكان يهاجم فيها الشعراء الضعاف الشاعرية والمدعين ويدافع عن الشعراء الذين شهد لهم الأسلاف بالتفوق.
2- المرحلة الثانية: 1669-1677 وفيها كتب "الرسائل" Epitres "والفن الشعري" L’art poétique وقسماً من "المقرأ" Lutrin وكانن يستقبل في بيته أصدقاءه الأدباء الكبار مثل موليير وراسين ولافونتين وكان يحظى بمحبة الملك لويس الرابع عشر وإيثاره. ولكن دون أن ينال منه مُرتباً كغيره من الأدباء إلى أن عيّنة مؤرخاً في القصر بجانب راسين
3- المرحلة الثالثة: 1677-1711 وكتب فيها آخر أعماله الشعرية مكملاً مؤلفاته السابقة. ولم توله الأكاديمية أي اهتمام لأنها كانت تغصّ بالكتاب الذين سخر منهم. ولكن الملك فرض عضويته فيها عام 1684 فانهمك في معاركه النقدية بين القدماء والمحدثين.
ثم قضى آخر أعوامه في المرض فلزم البيت في جو من الكآبة والحزن حتى توفي.
نصّ من "الأهاجي"([8])
حقوق النقد (1667)


"الأهاجي قصائد سخر فيها بوالو من أخلاق البورجوازيين ومن أخلاق أهل عصره ومن مدعي الأدب. وكان بوالو يؤثر العبقرية الخالدة على المواهب الحديثة.
وفي النص التالي يعلن أن أي أديب يعرض أدبه للجمهور يجب أن ينتظر التجريح أكثر من المديح. فإذا كان للمشاهد حق التصفير إذا لم تعجبه المسرحية، وكان لكل إنسان حق الحكم الناقد حسب قناعته فلماذا لا يحق للناقد أن يبدي رأيه في أي عملٍ مطبوع، إذا انصب نقده على المؤلف من حيث هو كاتب؛ أما الشخص فيجب أن يبقى محترماً. وبهذا يكون للنقد دور أخلاقي بقدر ما هو ضروري.."
***
"يوجد في البلاط دوماً ناقدٌ أحمق من الدرجة الأولى،
بإمكانه أن يسفّه الآخرين بوقاحة،
فيفضل تيوفيل([9])على ماليرب أو راكان([10])
ويرجّح زيف تاس على كل ذهب فيرجيل([11])
وراهبٌ يستطيع، دون أن يمنعه أحد
ولقاء خمسة عشر فلساً، أن يقف بين العامّة،
ليهاجم أتيلا([12]
وإذا لم يطرب ملك الهون مسمعيه
ينعت كل أشعار كورنيي بأنها فيزيغوتيّة!
وما من خادمٍ عند أديب أو ناسخ في باريس
إلاّ ويحمل في يده الميزان لينقد الآثار الأدبية.
ومنذ أن تظهر المطابع شاعراً
يصبح، منذ الولادة، عبداً لمن يشتري كتابه.
ويخضع هو بشخصه لنزوات الآخرين.
وكتاباته وحدها يجب أن تدافع عنه.
وذاك كاتبٌ يجثو في مقدمته المتواضعة،
ضارعاً إلى قارئه، ومضجراً إياه باستعطافه

ولكن دون طائل؛ فلن يحظى بأي تأثير على ذلك القاضي المحّنَق،
الذي يفصل في قضيته بسلطانه المطلق...
وأنا وحدي لا أملك حق الكلام..!
وأمام تلك المساخر لا أملك حتى الابتسام...!
إنهم ينقبون في أشعاري عن كل مثلبة،
ليسلحوا بها ضدي كثيراً من الكتاب المغيظين،
الذين لم أتعرض لهم بأية إساءة لما كتبتها.
والذين، في معظم الأحيان، لولا أشعاري التي أشهرتهم
لبقيت مواهبهم مغمورة في طي النسيان..!
من كان سيدري لولاي أن كوتان كان واعظاً؟([13])
إن السخرية الناقدة لا تفعل شيئاً سوى أن تجعل المغمور مشتهراً.
إنها ظلّ يضاف إلى اللوحة فيمنحها البهاء.
وأخيراً، إنما قلتُ، حين انتقدته ما اعتقدته.
ومن يلومني على ذلك يقول مثلي:
أحدهم يقول: "لقد أخطأ، كان يجب ألاَّ يسمّي،
هاجم شابلان وهو رجل طيب جداً،
أثنى عليه بلزاك في كثير من المواطن ،
صحيح أنه لم ينظم شعراً،
ومادام بالشعر ينتحر فلماذا لا يكتب نثراً؟"
هذا ما يقال. وهل قلتُ شيئاً غيره؟
وحين انتقدت كتاباته، هل سكبت بأسلوبٍ لاذع
على حياته سمّاً خطيراً؟
لقد كانت عروس شعري، حين هاجمته متسامحة جداً ومحسنة،
تميّز بين الرجل المحترم والشاعر.
فليُثنِ الناس على إيمانه وشرفه ونزاهته،

وليُطروا طهارته وتهذيبه،
وليكن لطيفاً ومجاملاً وخدوماً ومخلصاً؟
هذا ما يُراد، وأنا موافق عليه، ومستعد لأن ألزم الصمت.
ولكنْ، أن يجعلوا من كتاباته نموذجاً،
وأن يمنح أكثر مما يستحق بين رجال الأدب،
وكأنه ملك المؤلفين الذين أنجبتهم الدنيا،
فهذا ما يثير حنقي ويجعلني أتحرّق للكتابة.
وإذا لم أستطع قوله على الورق،
فسأحفر في الأرض، وكما فعل ذلك الحلاّق،
سأقول لقصب الغاب، بحاسّة جديدة:
"ميداس، الملك ميداس([14])، له أذنا حمار"!
وأخيراً، هل أسأت إليه بما كتبت؟
أتراني أوقفت قلبه أو أزهقت روحه؟
وإذا كان أحد الكتب يباع في القصر وينفُق،
فليحكم كل امرئٍ بعينيه على جدارته...
***
إن الهجاء الغنيّ بالدروس والكشوف الجديدة،
يعرف، وحده، كيف يقدّم الممتع والمفيد،
وبشعره المصفّى في ضوء الحسّ السليم،
يعرف كيف يبرز للفكر أخطاءَ العصر.
إنه وحده حيثما يدين الغرور والظلم
إنما يدين النقائص حتى تحت القبّة المقدسة.
ودون أن يخشى أحداً، وبفضل كلمته الطيبة

ينتقم للحقيقة من عدوان رجل أحمق.
أنه وحده الذي يفتح لي الطريق التي يجب أن تُسلك،
وهو الذي ألهمني منذ خمسة عشر عاماً كره الكتاب الأحمق.
وثبّتَ خُطاي، وعلمني السَّير على هذه القمة الشهيرة([15])
التي تجرأتُ أن أنشده فيها.
وبكلمة واحدة، لأجله وحده نذرت أن أكتب.

([1]) المصدر السابق ص124 والترجمة للمؤلّف

([2]) ترجمة المؤلف عن المصدر السابق ص126

([3]) ترجمة المؤلّف المصدر السابق 151

([4]) ترجمة المؤلف عن المصدر السابق ص 158

([5]) المكان الذي ماتت فيه.

([6]) الكتاب المقدس. حزقيال 7-27.

([7]) ترجمة المؤلف عن المصدر السابق ص 189

([8]) ترجمة المؤلف عن المصدر السابق ص 133.

([9]) تيوفل شاعر غنائي (1626) وهو خصم ماليرب.

([10]) راكان شاعر فرنسي في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

([11]) تاس شاعر درامي وملحمي في القرن السادس عشر. وفيرجيل صاحب الإنيادة.

([12]) مسرحية لكورنيي.

([13]) كوتان كاتب ورجل دين في القرن السابع عشر.

([14]) ميداس: ملك أسطوري فضّل صوت (بان) على صوت زيوس في الغناء، فجعل هذا أذنيه أذني حمار، ولم يكن يعرف هذا السرّ إلا حلاقه، الذي لم يستطع أن يبوح به للناس، فحفر حفرة وباح فيها بالسرّ، فنبتت غابة قصبٍ كانت كلما حركتها الريح تقول: ميداس له أذنا حمار.

([15]) قمة البرناس حيث تجتمع الملهمات.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59