عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-11-2012, 02:55 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي فلسفة الفرد نورث وايتهيد دراسة تحليلية



رافد قاسم هاشم
جامعة بابل – كلية الفنون الجميلة
المقدمة
مشكلة البحث : أن المشكلة الاساسية التى يطرحها هذا البحث للمناقشة هى علاقة نظرة وايتهيد باهم المشاكل الفلسفية التي تطرحها الفلسفة المعاصرة في ثنايا البحث 0 فقد تطرق وايتهيد لعدد من المشاكل الفلسفية التي عولجت في ثنايا الفلسفة المعاصرة والتي كانت المحور الاساس للبحث في اوراقه وبالتالي يمكن القول أن مشكلة هذا البحث تتصل باهم التطورات العلمية المعاصرة التي تطرحها العلوم المعاصرة من النسبية الى التطورية 0000وهي ولاشك ابحاث فرضتها المعرفة العلمية المعاصرة بابحاثها المتعددة0لقدعالج وايتهيد عبر فلسفته مسائل تتعلق ببنية البحث الفلسفي الاساسية من الزمن الى السببية الى مقولات الفلسفة العضوية والتي كونت الحجر الاساس لفلسفته التي طرحها عبر بحثه في الفلسفة المعاصرة0أذن مشكلة هذا البحث تتجلى من خلال قيام الفيلسوف بالتطرق لمباحث كانت من ضمن الحدود التي طرحتهافلسفة العلم المعاصرة الا وهي محاولة لتقديم نسق شامل لتفسير الكون والحياة بالاعتماد على عدد قليل من مقولات الفلسفة العضوية وان كان عهد الانساق الشاملة قد ولى منذ كانت وهيجل الا أن ذلك الفيلسوف قد فاجئنا بولادة نسق فلسفي شامل حظي بالاكبار والاجلال في الفلسفة المعاصرة .
هدف البحث: ان هدف هذا البحث تتجلى بصورة واضحة من خلال القضايا التي طرحها وايتهد عبر فلسفته والتي تمثل من أولويات المشكلات الفلسفية للعلم المعاصر عبر نشاط وايتهيدالمخصص للابحاث الرياضية او ابحاثه الميتافيزيقية ومن هنا كانت غاية البحث هي تسليط الضوء على تلك المشكلات والحلول المقترحة التي قدمها وايتهيد عبر فلسفته وما تمثله من حلول لمعضلات الفلسفة العريقة عبر مزاوجته بنظرة علمية معاصرة اشتقت اسسها من مبادى ومقولات الفلسفة المعاصرة
وقد حاول وايتهيد التوفيق مثلا بين نظرية نيوتن في المكان والقائلة بأن المكان مطلق وبين نظرية أينشتين القائلة بأن المكان نسبي وقد قام بهذا التوفيق بأن رفض نظرية أينشتين القائلة بان المكان علاقة بين اشياء فيزيائية وقال بدلا من ذلك ان المكان علاقة بين أحداث مدركة بالحس مباشرة أي انه أرجع نسبية المكان من الادراك الحسي الى الواقع الموضوعي في الطبيعة . ولانخفي سرا عندما نؤكد من هنا أن غايةالفلاسفة المعاصرين هي محاولة لوضع حدودا نهائية للعالم تفسر بموجبها الحدود النهائية للكون ولاتتخرج غاية فيلسوفنا عن ذلك الهدف فبالفلسفة العضوية حاول فيلسوفنا أن يفسر العالم وهي خطوة تنذر عن جدة في مجال البحث الفلسفي.حدود البحث :من أجل الدقة العلمية التي هي غايتنا المرجوة فيجب أن تكون هناك حدوداواضحة للبحث من خلالها يتم تعيين حدودها الواضحة والتي يجب أن تكون بعيدة عن البحث الموسوعي دون توخي الدقة والموضوعية أو الاختصار والايجاز الذي يشوه تلك الحدود الواضحة لذلك أصبحت حدود البحث مبنية على خطوات البحث وما تعززه من مباحث واضحة ‘ وقد كانت هذه الحدود مقيدة بمقولات التقدم العلمي وماأفرزته من مباحث فلسفيه أوجدتها المقولات المعاصرة للعلم . فكانت المقولات التي طرحها القرن العشرين في بدايته من مقولات جديدة هي المعول عليها في بناء فلسفة وايتهيد.ومن المعتاد تقسيم نشاط وايتهيد الفكري الى ثلاث مراحل:
1)المرحلة الاولى كرسها خصوصا لابحاثه الرياضية والمنطقية . 2)المرحله الثانية كرسها لفلسفة الفيزياء.
3)المرحلة الثالثة كرسها للميتافيزيقا وللدور التاريخي للافكار الميتافيزيقة فى تكوين الحضارة.وبالرغم من أنه يلاحظ في بعض الاحيان تداخل هذه المراحل الثلاث فيما بينها.لقد عمل على أيجاد فلسفة العلم عند وايتهيد ثلاث عوامل:
1)توكيد برجسون للكفاية الشاملة للعيان المباشر وأولية العملية .2)الصعوبات الابستمولوجية التي وقع فيها الفلاسفة المحدثون من جراء تمييز نوعين من الطبيعة. 3)أعادة بناء التصورات الاساسية في العلم المعاصر كنتيجة ضرورية للاكتشافات الحديثة خصوصا لنضرية أينشتين في النسبية وفلسفته في العلم فيها قوة وضعف هذه التأثيرات الثلاث.
أما فيما يتعلق بالمباحث الاساسية للبحث فهو يتألف من أربعة فصول أساسية .في الفصل الاول وأسميته (الفلسفة والعلم في مذهب وايتهيد) ويتضمن المباحث التالية الطبيعة في فلسفته وثانيا الكون في فلسفته وكذلك القول بالكائنات الفعليه ومن ثم القول بمقولات الفلسفة العضويه.
وفي الفصل الثاني تضمن البحث مقولات الفلسفة الطبيعية في مذهب وايتهيد وتضمن البحث في الزمن عند وايتهيد والسببية بالاضافة الى الادراك الحسي وكذلك أصطلاح الزمرة وحقيقة الموجودات عند وايتهيد ونقد المذهب المادي والنظريه التطوريه عند وايتهيد .ماهية العالم عند وايتهيد ومن ثم الصيروره والثبات في الفلسفه العضوية .
وفي الفصل الثالث يتضمن نظرية المعرفه بالقول بأثر القول بالعوابر الفعلية ومعنى عملية التشرب وأنواعه عند وايتهيد ثم علم النفس والميتافيزيقا. وفي الفصل الرابع .تضمن البحث في الدين وأثره في فلسفة وايتهيد يتضمن البحث الله عند وايتهيد وادلة وجوده ومفهوم الشر عند وايتهيد والغائيه في فلسفته.
ثم أتت الخاتمة ونتائج البحث تضمنت أهم النتائج التي توصلت أليها خلال البحث ،والتي تمثل ثمرة البحث النهائية بالاضافة الى قائمة المصادر والمراجع.
ترينتي بجامعة كامبدريج طالبا للرياضيات حيث أختير فيما بعد زميلا في الرياضيات وعندئذ بدأ يشترك مع رسل في وضع الاسس المنطقية للرياضهفي تأليف كتاب (أسس الرياضه) برنكيبا ماثمتيكا في ثلاث مجلدات وضح هذا الاهتمام في المبدأ في كتابة (رسالة في الجبر العام عام 1903) و(المفاهيم الرياضيه للعالم المادي) عام 1905، في عام 1910 انتقل وايتهيد الى لندن حيث شغل كرسي الرياضه التطبيقيةفي كلية العلوم الامبراطورية في ساوث كنزنجتون حيث عام 1924 ،وعندئذ دعي الى جامعة هارفرد أستاذا للفلسفه حيث لبث في كامبدريج بولاية ماشتوس حتى وفاته مع زوجته (أيفلي ويللوي تي ويد ) وفي عام 1945 منح واتهيد نوط الاستحقاق(1)
الفصل الاول
الفلسفة والعلم في مذهب وايتهيد
تكشف فلسفة وايتهيد عن محاوله الجمع بين (أ) أهتماهه المنطقي الرياضي ب بالنسقات العلاقية المجردة (ب) علم الكون (لابالمعنى الفني المستخدم في فيزيقا الفلك ولكن بالمعنى الواسع الذي يعني تفسير العالم تفسيرا توحي به أفكار عامة ينطوي عليها العلم الفيزيقي (ج) أهتمامه الخلقي والديني والجمالي كذلك مايتعلق بالعلاقات الانسانية داخل المجتمعات(2)
يتحدث وايتهيد في أحد المواضع عن دور (الفلسفة النظرية)فيقول (أن مهمة الفلسفة النظرية تنحصر في تكوين أطار متماسك منطقي ضروري من الافكار العامة التي تسمح لنا بأن تفسر كل عنصر من عناصر تجربتنا)
ومعنى هذا أن للمعطيات العلمية أهمية كبرى في تكوين مذهبه الميتافيزيقي العام وأن كان وايتهيد يعترف بأن العلم يكون عن الاشياء نظرة جزئية ،فلابد للفلسفة من أن تحاول التعبير عن تلك الجوانب الواقعية التي قد يغفلها العلم هذا ،الى أن أطار الفلسفة أعم وأكثر تجريدا من أطار العلم ،نظرا لان من شان الفلسفة أن توسع منرقعة بحثها حتى أنها لتريد أن تصور العالم الواقعي ككل ،ولكن فيلسوفنا يحاول(في موضع أخر) أن يلقي لنا بعض الاضواء على الصلات الوثيقة التي تجمع بين العالم والفيلسوف فيقول (أن من شأن العلم والفلسفة أن يتبادلا النقد ،وأن يمد كل منهما الاخر بالمواد الخصبة التي تسمح له بالتقدم وعلى حين أن المذهب الفلسفي يقوم بمهمة توضيح الحقيقة الملموسة التي يحددها العلم ،تجى العلوم فتتخذ مبادئهامن تلك الوقائع الملموسه التي يقدمها المذهب الفلسفي ،وليس تأريخ الفكر سوى القصة التي تروي لنا مدى نجاح هذا المشروع المشترك أو فشله(3).
أن من المسلمات الاساسية للفكر هي التسليم بالتجريد وأنه من عمليات الفكر الاساسية لاتتم بدون اللجوء الى التجريد .ولكن ذلك لايمنع خطر الوقوع في مزالق الخطأ.فالتجريد ينطلق من أساس ضيق كما هو الحال في علم الطبيعة الحديث ويقود الى التعصب العقلي الذي يعمينا ويدفعنا الى رفض كل مبدأمن مبادى الحقيقة التي لاتتمشى مع مقتضيات التجريد ،أذ أنه ما يأخذ لب المرء حتى يدفعه الى أعتبار المقومات التي صيغ عليها أساسا عقائدنا لايمكن التحول عنها ،وبالتالي يجد نفسه ملزما بالتسليم بتلك المجردات التي حاكها على أعتبار أنهاحقائق. وهذه النزعة السفسطائية الرامية الى تذويب الملموس تعتبر أيذانا بخطر يهدد الثقافة بالجمود بل بالزوال ولذا فأن مهمة الفيلسوف تنحصر في عملية نقد المجردات ومن ثم يتحتم أعادة النظر في كل ماسبق وأن أستقر عليه الرأي بأعتبارها مبادى لا تقبل الجدل وسيلم به العلماء والمفكرون بدون جدال .كما يتحتم أيضا المقارنة بين المبادى الممجردة التي تنطوي بعضها بالبعض الاخر ،أذن فأن منهج الفلسفة لابد أن يكون منهجا عقليا ،ولقد أبدى وايتهيد قلقه الشديد تجاه التقهقر الذي مني به العقل الانساني من جراء الملابسات التي تميز بها عصرنا الراهن. أولا أن يكون الوقت قد جاء لكي يتبوأ العقل مكان الصدارة،لأن أستتباب المذهب العقلي يعتبر ضرورة يفرضها الادراك المباشر لبداهة العالم . وهذه البداهة تستحيل البرهنة عليها عن طريق الاستقراء ،كما لايمكن أثباتها على أستنتاجي غير أن هذا لايمنع من أن حدسا مباشرا قادر على توجيهنا الى أن العالم يخضع لقوانين منطقية وأنه يتألف في ظل أنسجام جمالي متكامل وأيماننا بهذه البداهة هو وحده الكفيل بالتسليم بأمكانية قيام العلم الطبيعي.
لقد أمن وايتهيد بالحقيقة السابقة أيمانا مفعما بالتصديق واليقين وذلك بفضل سعة أطلاعه على المأساة الاغريقية ودراسته لفلسفات القدماء ومفكري العصر الوسيط، ولكن أيمانه لم يكن أعمى بل كان أيمانا عقليا بالمعنى التقليدي لتلك الكلمة بل هو يعني بأختيار الواقع وممارسته ممارسة مباشرة. كما يحثنا على البحث عن علة الاشياء من خلال طبيعة الموجودات الواقعية. أذن مهمة الفيلسوف تنحصر في تفسير كل ماهو مجرد غير أنه ليس من شأنه أن يفسر ماهو واقعي وملموس والتجربة وحدها هي القادرةعلى أبراز الحقيقة لنا. ولا ريب أن التجربة التي قصد اليها هي تجربة تتجاوز حدود المعرفة الحسية ، ثم زاد وايتهيد فعزز مذهبه التجريبي موكدا بأن الميتافيزيقا لايمكن أن تكون الا وصفية .
كذلك يحذر وايتهيد الفلاسفة من أستخدام مناهج العلوم الطبيعية قائلا أن المرء لايمكنه أبدا أن يتوصل الى نقل المجردات بواسطة تعميمات تجريبية كما أن المرء يحيد عن الصواب أيضا أذا أدعى أمكانية جعل التاريخ أساسا للميتافيزيقا ذلك لان أي تأويل للتأريخ يفترض مسبقا قيام ميتافيزيقا متكاملة(1) .
لقد أراد وايتهيد أن يقيم مذهبه الفلسفي على أساس من الحدس أو الوجدان المباشر سائرا في ذلك على نهج برجسون وغيره من فلاسفة ( العيان ) أو( الحدس ) معتبرا أن للخبرة المباشرة دورا أساسيا في حين أن دور البرهان هو مجرد دور ثانوي، ولكن وايتهيد في الحقيقة قد أصطبغ فيكل فلسفته (منهجا تمثيليا ) قوامه أستخلاص بعض المبادى من التجربة ثم العمل على تعميمها في نطاق أوسع،مع الاستناد الى شواهد خاصه تبرر مثل هذا التعميم وهكذا أستطاع وايتهيد أن يقيم مذهبا فلسفيا شاملا أستند فيه الى عدة أفكار هامة كان الناس من قبل يأخذونها بمعنى جزئي خاص ،فحاول هو أن يجعل منها أفكارا كلية عامة ومن بين هذه الافكار الهامةالتي أكتشف وايتهيد عموميتها فكرة (التعضون organicism )وفكرة الطابع الاجتماعي للظواهر وفكرة التواصل المباشر بين الاحداث أو الكائنات الواقعية وفكرة مشاركة الموجودات بعضها للبعض الاخر ،وبهذا المعنى فهم وايتهيد الفلسفة على أنها محاولة من أجل التعبير عن لانهائية الكون في حدود لفظية قاصرة ، مادامت اللغة بالضرورة متناهية وقد أستعان وايتهيد على ذلك بعدة مفاهيم أفلاطونية هي التغيير والثبات ،والموضوعات الازلية ،والتعميم ، والتعضون ،والتداخل فيما بين الاحداث محاولا أن يقيم تصوره للكون على أساس مذهب منهجي متماسك قوامه المزج بين تلك المفاهيم في وحدة كلية شاملة متسقة من هنا فقد جاءت فلسفة وايتهيد العضوية بمثابة تعبير عن أيمانه بأن الطبيعة مشيدة على نسق متصل الاطراف كتلك الانسقه المشاهدة في الرياضة وبعبارة أخرى يمكننا القول بأن الفكرة الاساسية التي قام عليها كل مذهب وايتهيد الميتافيزيقي هي أن هناك ترابطا فيما بين الاحداث الكونية بحيث أنه لايمكن تصور أي حدث منها في أستقلال تام عن غيره من الاحداث مادام الكون أقرب مايكون الى نسق متماسك متصل(2).
لقد أخذ وايتهيد على عاتقه أصلاح ماأفسده غيره من الرياضيين فقد كان لطرقهم العقلية البحتة أثر كبير في أنهم جعلوا من الطبيعة وهي الظنية بالاشياء التي ندركها أدراكا مباشرا عالما (لانحس فيه صوتا ولا نرى فيه لونا ولانشم فيه رائحة ومكاننا تتدفق فيه المادة تدفقا لانهاية له ولا معنى) وهو يعتقد أيضاأن علماء الطبيعة الرياضيين قد حللوا النظام الكوني الى عناصر متفرقة ومزقوه كل ممزق (وأن كان تحليلهم لحسن الحظ تحليلا ذهنيا فقط ) لذلك جعل وايتهيد همه هذه العناصرالى سيرتها الاولى فوضع مذهبه الفلسفي الذي أطلق (فلسفة الكائن) وغايته من هذا المذهب ليست البرهنة على وجود الكيفيات الثانية فحسب ، بل على وجود كل ماله أثر في الحياة الانسانية من ناحية تقرير الجمال.ومن الناحيتين الخلقية والدينية وعى الرغم من أن هوايتهيد عالم لايبخس العلم معه ،غير أنه يرى أن العلماء قد قصروا همهم على البحث في المعنويات ،أو في المقولات العقلية البحتة فكانت نتيجة ذلك أن أتجهوافي تفسير الكون،أتجاها ماديا ميكانيكيا مع أن أدراكنا أنما هو دائما أدراك بحوادث محسوسة. نعم للعالم أن يحلل هذه الحوادث المحسوسة الى عناصر،أو ينظر أليها من وجوه مختلفة ولكن ليس له أن يجسم هذه العناصر البسيطة المعقولة ويعتبرها حقائق منفردة مستقلة ، أما هذه الحوادث المحسوسةالتي هي موضوع أدراكنا فهي مايسميه وايتهيد نظما أو (كائنات ) وفي كل نظام من هذه النظم أو كائن من هذه الكائنات،تؤثر في طبيعة الكائن (من حيث هو كائن أو كل) في طبيعة الاجزاء أو العناصر أو الحوادث المختلفة التي يتألف منها بعبارة أخرى تشبه طبيعة (الكل عند وايتهيد(الصورة) التي قال بها أرسطو طاليس والكائنة بهذا المعنى الواسع صفة من صفات الكون بأسره،وليست قاصرة على الكائنات الحسية بل هي ظاهرة أساسية موجودة في كل ناحية من نواحي الطبيعة(3).
كانت كتابات وايتهيد بمثابة تمرد على الطابع المألوف في الفلسفة التحليلية حين ذهبت تلك الفلسفة الى أن الوقائع في الطبيعة توجد بمعزل عن بعضها بعضا ولايربط بينها رباط أو علاقات . فليس الكون في حقيقته وكما يراه وايتهيد كثرة مفارقة من الاجسام أومجموعة من الاشياء مستقل كل منها بوجوده الخاص ولا علاقة له بوجود غيره .بل الحق أن كل مافي الطبيعة يرتبط بعضه ببعض أرتباطا وثيقا وتتصل أشياء الكون صغيرها وكبيرها على حد سواء.
ربما يسلك العلم الى أتخاذ منهجا خاصا به الى تجزئة الحقيقة أجزاء كثيرة وتشريح مضمونها الىشرائح متعددة ثم من بعد ينكب على دراستها بقصد أستخلاص النتائج المختلفة ، فعلم الطبيعة يأخذ شريحة منها والكيمياوي يأخذ شريحة أخرى ثم علم الحياة يأخذ شريحة ثالثة من نوع جديد ولكن أذا كان ذلك هو شأن العالم، فأن الفلسفةقد أخذت على عاتقها جمع تلك الكثرة المتفرقة التي أبتدعها العلوم الجزئية ودمجها في وحدة عضوية أو كل واحد يجمعها معا . فما عادت الظواهر بعد هذا ينظر أليها نظرة جزئية يتناول كل علم خاص جانبا من جوانبها أنما الظاهرة كلها وبجملتها أصبحت موضوع الفلسفة بحيث لاتقدم على دراسة جانب منها وتترك الجوانب الاخرى التي تظهرها فلا يمكن لنا في ظاهرة الضوء مثلا أن نقطع أوصال الطبيعة حين تميل الشمس نحو الغروب ، فتدرس القوانين الخاصة بجانب واحد فيتناول تلك الظاهرة ونهمل غيره من الجوانب الاخرى .فالموقف شامل يتجسد في أن الشمس جانب من الطبيعة كما ،أن موجات الضوء جانب منها ،وحتى القيم وحتى تلك القيم التي يضيفها الى تلك الظهرة وقتئذ من جمال أو غيره تعتبر جزءا من الطبيعة ككل. فالنواحي الجمالية في الظاهرة والقيم الخاصة بها لاتقل في أهميتها عن النواحي التي يتناولها العلم الطبيعي ويهتم بدراستها(1).
لم الطبيعة في نظر هوايتهيد هو العلم الذي يدرس الكائنات البسيطة كالذرات ونموها،بينما يدرس علم الحياة الكائنات الاكثر تركيبا وهو بهذا لايقرب مسافة الفرق بين الكائنات العضوية وغير العضوية فحسب بل ينكر أثنينية العقل والجسم ،أذ ليس العقل في نظره سوى (نظام ) خاص في مجموعة (الحوادث) التي يتألف منها الجسم وعن هذا النظام تصدر الظواهر العليا التي نسميها بالظواهر العقلية ولكن ليس معنى هذا أن هوايتهيد ممن يعتقدون بوجود جواهر ثابتة للاشياء بل هو بالعكس يأخذ بوجهة نظر علماء الطبيعة الحديثين الذين يعتبرون الحوادث لاالجواهر الوحدات الاولية التي يتألف منها الكون أي أن الكون في نظره ونظرهم مجموعة مؤلفة من حوادث ومما بين هذه الحوادث من نسب ،وتختلف الحوادث بساطة وتعقيدا، فالمركبة منها تتألف من جمل من الحوادث التي هي أبسط منها، وهكذا حتى ينتهي التحليل الى الحوادث الذرية فالكون على هذا الرأي مجرى يتدفق بالحوادث بلا أنقطاع وهو رأي يشبه برأي هرقليط في (التغير ) ولو أن وايتهيد يفترض بالاضافة الى هذا وجود مايسميه بالمثل أو الاعيان الثابتة أو المقولات الكلية كما فعل أفلاطون وبذلك يحتفظ في فلسفته بفكرة الدوام التي قال بها الايليون كما أحتفظ بفكرة التغير التي قال بها هرقليط (ففي ذلك العالم الزاخر بالحوادث المتغير على الدوام شي ما ثابت قار ،وفي ذلك القار الثابت عنصر ما يعتريه التغير(2).
لقد رأى وايتهيد أن العلم الطبيعي قد بلغ مرحلة أصبحت الحاجة فيه ماسة لايجاد اطارات جديدة ومفاهيم حديثة تعكس روح العصر بأمانة وتجسد حقيقة التقدم الذي أصابه ، ولان العلم قد أمتد في عصرنا هذا الى شتى مناحي الحياة .وأستتباعا لما يشيد العلم عليه بناءه في قواعد عامة وأسس ثابتة وشاملة فأنه قد بات لزاما على الفلسفة أن تظهر تلك الاسس الشاملة للنظر فيها وتبرزالقواعد العامة التي ترتكز عليها. بقصد تمحيصها والنظرفي صلاحيها يرى وايتهيد أن الفيزياء نيوتن كانت تعتمد في كثير من جوانبها على مغالطات واسس واهية ، كاعتمادها مثلا على مبدا (الواقع البسيط ) وهو ماأطلق عليه وايتهيد أصطلاحه القائل ب (الخطأ المنطقي الخاص باليقين في غير موضعه ) وهو أصطلاح يصور أسلوب المعالجة والدراسة لموجود ما. حين نتناوله على أنه مجرد ولايمت الى الواقع بصلة ونقوم نحن بتصويره كما ولو كان واقعا ،وننسبه الى عالم الطبيعة الحقة كما لو كان حقيقيا ذلك أن نيوتن كان يتفق مع ديمقريطس في أن طبيعة الاشياء تتشكل من ذرات بسيطة تملا المكان. فكل موجود هو ماهو عليه من خلال شغله جزءا من المكان في مدة محددة من الزمن . متناسين في ذلك كل أشكال العلاقات التي تشد ذلك الموجود نفسه الى جملة المواضع المكانية أو مدد الزمان الاخرى . ويى وايتهيد أن الواجب يقتضي أن ننظر الى الموجودات من خلال أرتباطها ببعض أما أن ننظر الى الموجود على أنه يحتل بمفرده مكاننا يقتصر عليه وحده وزمانناخاصابه مستقلاعن غيره تماما، فان ذلك لايتم الا عن طريق التجريد بمعنى أنك لاتشير في عبارتك أو نتائجك الى واقع محسوس أذ تصف الاحداث على حقيقتها وما كان هذا هو الهدف الذي سعى وايتهيد الى أبرازه ،بل أنه على العكس من ذلك كان يرمي الىتناول الوجود كما هو في عينيته وواقعيته كان يهدف الى معالجة الطبيعة ودراسة جملة الكون كما تتبدى لناظواهره وتكشف عن موجوداته الواقعية وحين ذهب وايتهيد الى دراسة الوجود كما يتبدى على حقيقته أعتمد نظرة جديدة ، أستوحى معالمهامن فيزياء الكم والنظرية النسبية ونظرية التطور فالموجودات الطلقة أو الكائنات الفعلية تختلف عن الذرات التي قال بها ديمقريطس ونيوتن ،أن في طبيعتها ومكوناتها أو العلاقلت التى تشد بعضها الى بعض(3)
ويمكن تقسيم أحداث الطبيعة بشكل تقريبي ستة أقسام، النوع الاول الوجود البشري عقلا وجسما ،النوع الثاني يشمل جميع أنواع الحياة الحيوانية ، والحشريات والفقريات وكل الانواع الاخرى النوع الثالث يشمل كل الحياة النباتية، النوع الرابع يتألف من الخلايا الحية المفردة ويتألف النوع الخامس من كل التجمعات غير العضوية من مقاييس الاجسام الحيوانية أو أكبر منه ،النوع السادس يتكون من كل أحداث على مقايس في غاية من الصغر يكشفه التحليل الدقيق للفيزياء الحديثة(1).
أذن فالطبيعة تكوينها عضوي وسيرها عبارة عن المواءمة بين التكوينات العضوية وبنيتها التي تتغير تبعا لتلك المواءمة(2).
وبعد فأن كل أحداث الطبيعة هذه يؤثر بعضها في البعض الاخر ويتطلب بعضها البعض الاخر، ولقد تم أعداد القائمة بصورة تقريبية عن بعضها البعض قصد من دون أي أدعاء علمي، أن التصنيفات العلمية الجادة ضرورية للطريقة العلمية لكنها خطر على الفلسفة لان تصنيفا كهذا يخفي وراءه حقيقة أن مختلف أساليب الوجود الطبيعي يدخل بعضها في البعض ، فهناك الحياة الحيوانية الموجهة بصورة مركزية نحو مجتمع من الخلايا وهناك مجتمع الجزئيات غير العضوية الواسع النطاق مع قوله بشكل منفعل الضرورات الانية من العلاقات المكانية وهناك الفعالية الجزئية التحتية التي فقدت كل أثر لتوقف الطبيعة غير العضوية على نطاق أوسع. أن النظرية التي ناقشها وايتهيد مستندا الى تحليلات فلسفية وعلمية معاصرة هي نظرية أنشطار الطبيعة وقد خصص وايتهيد لمناقشة هذه النظرية بابا خاصا في كتابه (مفهوم الطبيعة) وركز على أربع مسائل مهمة،لها أتصال بأنشطار الطبيعة هي:(السببية،الزمان،المكان،التوهم).
ويقصد وايتهيد بالسببية الطبيعية العلية وأعتبار العقل أن الطبيعة مؤلفة من ظواهرها فالطبيعة هي سبب أو علة المعرفة الحاصلة في العقل الذي يظهر على هيئة معلول .ويتناول وايتهيد نظرية الزمان المطلق بأنتقاد لاعتبارها الزمان والمكان حقائق منفصلة وأنظمة مستقلة فالزمان تتابع منظم للحظات زمانية ثابتة بالامكان معرفته أو أدراكه دون الحوادث فهو على هذا الاساس عامل ثابت لايتغير بتغير الحوادث،أن جذور نظرية أنشطار الطبيعة في الفكر الاوربي نجدها في التفكير العلمي ،والفلسفي معا .فثنائية الزمان بذاته والحوادث وثنائية المكان بذاته والاجسام أمثلة واضحة على أهتمام الفكر الاوربي بأنشطار الطبيعة ولقد تعددت هذه الثنائية حدودا أخرى من نظرية المعرفة والميتافيزيقا أو العلوم بحيث أصبحت أساسا قاد الفكر الفلسفي والعلمي نحو الميتافيزيقا والبعد عن الحقيقة.
يرفض وايتهيد كل الانواع التي تدخل في أنشطار الطبيعة لاعتقاده أن كل شي يدرك أنما هو من الطبيعة وأن الالطبيعة غير قابل للانشطار ،فحمرة شعاع الشمس المتوهج عند الغروب جزء من الطبيعة لايختلف في موضوعيته عن الذرات والالكترونات التي يدرسهاعالم الفيزياء بأعتبارها حقائق موضوعية في الطبيعة وبعبارة أدق: أي أنه يرفض كل تفسير لها يعتمد شطرها شطرين: جوهر عرض ،علة معلول ،عقل ومادة. يرفض وايتهيد بصورة عامة مبدا أنشطار الطبيعة الى جزئين ويرفض تبعا لذلك الفصل التام بين العقل والمادة والزمان والمكان لان مثل هذا الانقسام لايقره العلم ويتنافى مع حقيقة الصيرورة الطبيعية التي تمثل الجانب الحياتي والطبيعي في كل لايتجزأ(3).
أن الطبيعة عند وايتهيد تتكون مما أصطلح عليه (بالكائنات الفعلية ) كل كائن فعلي(actual entities ) وكل كائن فعلي يمكن النظر أليه على أنه حادث(event) والحادث هو مايقع في فترة زمنية بسيطة ينتقل بعدها الى الدخول في تركيب الكيان الداخلي لحادث أخر، أو يكون خاصية من خصائص حادث يليه أو أنه (أيالحادث ) نفسه يستجمع في داخل كيانه الخاص به مقومات الاحداث الاخرى فأذا هو من جديد حادث أخر غير الذي كان .
يعيب وايتهيد على بعض الفلاسفة أنتهاجهم وسيلة التأمل الذاتي وركونهم الىعملية الاستبطان الداخلي من أجل الوصول الى حقيقة الاشياء الخارجية ووصف خصائصها مهملين بذلك كل المعطيات الحسية في العالم الخارجي ومنصرفين عن صلب مايمتالى حقيقة الادراك بصلة، كاغفالهم مثلا مظاهر القيم التي ننسبها الى موجودات الكون وأجسام الطبيعة فالمواقف الادراكية مواقف كلية ومتكاملة، ولاينفرد عامل واحد بتحديدها أو يستأثر جانب معين بابرازها ، بمعنى أن أدراكنا للطبيعة ومعرفتنا بعمل الاحداث فيها تظهر تشابك العوامل التي أدت الى أبراز ماندركه وترابط وثيق بين جوانب متعددة وأعتبارات كثيرة لايمكن أغفالها عند الحديث عن موقف أدراكي شامل ، ومن الواضح مثلا أن الطبيعة هي مجال أدراكتنا الحسية تزخر بأحداث متشابكة وتتصف بخاصية الانتقال (passage) فيما بينها . وتتبدى بعض سماتها الظاهرة في اللون والطعم والرائحة وغيرها. ونحن أذ نختبر كل ذلك بوسائل الاحساس المختلفة نقر بأن المعطيات الحسية المتعاقبة ليست مواتا أو منفصلة أو خالية من أي مضمون،بل أن الصلة أشد ماتكون عليه بين الاحداث المتعاقبة الى الحد الذي يمكن القول فيه بأن الحادثة التي مضت توا تضل متجسدة في الحادثة التي تليها وكذا ىلامر يشير الى أن الحادثةالتي ستظهر مستقبلاستكون متمثلة لخصائص الحادثة الحاضرة وهكذا بمعنى أخر نقول بأن الاحداث المتعاقبة تظهرك على تحول غاية في الانسجام والاتصال الوثيق فيما بينها الى الحد الذي يستفيم القول فيه بوجود أستمرارية أكيدة بين الاحداث بعضها وبعض ويمكن التدليل على هذه الحقيقة بمثال بسيط وهو أننا لو كنا نسير في الشارع الذي نسير في الشارع الذي نسير فيه فأنه يتوصل أفساح الطريق لعبورها ويتحتم أن نلزم جانب الطريق ونفسح المجال امرورها في وسطه البسيط يمكن أستخلاص عدة أمور ، فمثلا نرى أن الموقف أظهر أحداثا متتابعة منها أننا كنا نسير في الطريق ، ثم روئيتنا للسيارة قادمة ثم أفسحنا المجال لمرورها وهكذا في أحداث تعاقبت في موقف واحد ، ونظرة الى تلك الاحداث المتعاقبة في المقف ذاته نرى بأن الحدث السالف يحدد الحدث الذي يعقبه أو يحتم العمل بموجبه وبما يتناسب معه ،بمعنى أن قدوم السيارة مثلا قد حتم السير على جانب الطريق فالحقيقة أن وايتهيد يذهب مثل هذا الموقف مذهبا يقول فيه بأن الامر لاينطوي على أحداث متفرقة لاأتصال بينها . بمعنى أن قدوم السيارة شىءأخر ، وعبور السيارة بعد ذلك شىءثالث وكل يحتم مابعده بل أن الموقف بجملته موقف واحد ، وأن الاحداث فيه أخذت بشكل التسلسل المنطقي أو التطور المعقول لسير الامور وأكتساب خصائص جديدة في كل لحظة من لحظات الموقف نفسه ، ولو لم يكن لدينا هذا التسلسل المنطقي للوقائع والتصور المعقول لسير الامور وأتصال الاحداث بعضها ببعض أتصالا وثيقا لايمكن الاخذ بتصور أخر مثلا، كأن نتصور أن ألارض تنشق شقا وتبتلع السيارة قبل أن تصل ألينا أو أن تتحول السيارة في لحظة الى هباء ليس من بعده شىء، والحق أن حياتنا العامة تعتمد في الكثير من جوانبها على تصورنا الخاص بتطور الاحداث وترابط وقائعها على نحو يجعلنا نتوقع في الاحداث القادمة مايناسب الاحداث التي مضت ويتفق معها ، وهذا مايدفعنا الى أعطاء كل موقف ما يناسبه من التقديرات وفق تصور سليم ومنطق معقول(1).
2) الكون
الكون في فلسفة وايتهيد يتمثل في كثرة من الموجودات . أن نظرة وايتهيد الى الموجودات في كثرتها قد جعلت فلسفته تصطبغ في جانب منها بصبغة ذرية. وهو هنا يجاري ديمقريطس في قوله بأن الكون يظهرنا على هويات متكثرة وموجودات ذرية لامحدودة ولكنه لايختلف عنه في فكرته حول طبيعةالعملية التي تحكم الكون ، وقول ماهية الاشياء وحقيقة تركيبها ونظامها يذهب ديمقريطس الى أتخاذ مذهب مادي صرف يقول فيه ، بأن لاحقيقة في الكون سوى حقيقة الذرات المادية المطلقة بمعنى أن الذرات المادية أو الجواهر الفردة تؤلف مادة الكون وهي أبدا تكون في حركة دائمة، أنها في نظر ديمقريطس ذرات مادية أو جواهر مطلقة بمعنى أنها موجودات بلغت من الصغر والدقة حدا لايمكن معه تفتيتها أو تقسيمها الى ماهو أبسط منها أنها موجودات ذرية مصمتة ، أو عناصر ثابتة جامدة في الوقت الذي ذهب فيه ديمقريطس الى هذا الرأي يرى وايتهيد مخالفا أياه ، يذهب الى أن كل ذرة في الكون أن هي الا هوية حقيقية أو كائن فعلي كله حركة وتغير وتشده الى جملة الكائنات الفعلية في الكون علاقات كثيرة((1)
لقد نسب وايتهيد الى الطبيعة ضربان من الحياة ، ذلك لانه رفض منذ البداية تلك التفرقة التقليدية التي أعتاد الفلاسفة أقامتها بين الطبيعة والحياة ، وحجة وايتهيد في هذا الصدد أنه هيهات لنا أن نفهم (الطبيعة الفيزياوية ) أو أن ندرك معنى الحياة اللهم الا أذا عمدنا الى المزج بينهما تماما ، على أعتبار أنهما عاملان جوهريان يدخلان في تركيب تلك الاشياء (الواقعية حقا ) ألا وهي الاشياء التي يتكون من علاقاتها المتبادلة وخصائصها الفردية ما أصطلح على تسميته بأسم (الكون ) وأن مافي الموجودات الواقعية في تحقيق مستمر ، وصيرورة دائبة وأنتقال حركي دائم يضطرنا الى القول بأن كل مافي الطبيعة نهب لتلك القوة الابداعية أو فريسة لذلك التقدم الخلاق الذي يتقدم بالكون دائما نحو المستقبل وقد يكون من السخف أن نتصور الطبيعة على أنها مجرد (واقعة سكونية) أو (أستاتيكية) حتى ولو كان ذلك من لحظة خاطفة خالية من أية ديمومة أو أي أستمرار فليس هناك (طبيعة ) في أستقلال تام عن أي (أستمرار زماني ) وهذا هو السبب في أن نتصور (الان الزمني )على أنه الواقعة البسيطة الاولية ، أنما هو في رأي فيلسوفنا تصور فارغ لامعنى له على الاطلاق(2) .
3)الكائنات الفعلية
أن الذرة التي كانت جامدة في مذهب ديمقريطس قد دبت فيها الحياة في مذهب وايتهيد ،وفي الوقت الذي نرى فيه كيف أن مذهب ديمقريطس قد شل كل حركة ، وتغير في باطن الذرة . حتى بدت الجواهر الفردة عنده مادة خاملة لاحياة فيها ولانشاط نرى وايتهيد في مذهبه يقول على العكس من ذلك بكائنات فعلية أو عوابر فعلية ليطلعنا على حقيقة مخالفة تماما فلان الكئن الفعلي ليس جسما ماديا أو شيءا جامدا فأنه من الافضل النظر أليه على أنه حدث أو خبرة وعله فأن الكائنات الفعلية لاتوجد وأنما تحدث ، أنها كائنات تعمر بالنشاط والفاعلية وهي أبدا في صيرورة مطلقة ، أنها كائنات عضوية في نمو وأنجاز، تجري عليها سنة التطور والتغير ، وتنتابها عواملالضعف والفناء فوايتهيد في فلسفته التي ضمنها كتابه الشهير (التطور والواقع ) يقوم بمحاولة لسد الخصائص التي تتصف بها الكائنات الفعلية التي تشكل جملة الكون وأظهار أشكال العلاقت التي تربط بينها . أن الكائنات الفعلية هي الحقيقة المطلقة في الكون وهي وأن كانت تختلف فيما بينها لاعتبارات كثيرةالا أنها جميعا تشكل الوجود كله وهي التي تجعله يظهر لنا في الشكل الذي يظهر عليه ، فالكل كائنات فعلية والكل عبارة عن قطرات من الخبرة كما يسميها وايتهيد وهي ذات تركيب خاصة، يسند بعضها بعضا ويعتمد عليه ويرتبط الواحد منا بالاخر أرتباطا وثيقا وحين يطلق وايتهيد كلمة واقعي أو فعلي على موجود ما ، فأنه يقصد بذلك أن الشىء قد أكتسب صفة الوجود الحق،وأجتمعتفيه خصائص الوجود بمعناها الكامل وعلى ذلك فأن الكائنات الفعلية هي الموجودات الاكيدةوأن وجودها هي الوجود الحق فهي كائنات فعلية بمعنى أن وجودها يظهر تماما حيث لاوجوده بعده فهي أذن توجد فأنما توجد بكامل هويتها وجملة خصائصها وبعلاقاتها وظروفها التي تحيط بها(1).
ويسمي وايتهيد (الحوادث الذرية ) بالظروف الواقعية وأحيانا بأسم (الموجودات الحقيقية ) وعلى هذا فالحادثة بمعناها الواسع هي في نظره رابطة بين طائفة من الحوادث الواقعية فتصل بعضها ببعض على هيئة خاصة وبنظام خامل في كم ذي أمتداد . أما ذلك الذي نسميه عادة (الشىء) أو الشخص فهو مجموعة أو هيئة منتظمة من الحوادث مرتبط يعضها ببعض أرتباطاعليا دائما ، أضف الى هذا أن كل( حادثة واقعية مرتبطة بكل حادثة واقعية أخرى في الكون وعليه فالعالم نظام واحد محكم الاتصال والتركيب مولف من حوادث واقعية ) أو هو سلسلة متصلة حلقاتها هذه الحوادث(2).
والكيانات الواقعية تبقى في عملية فناء دائم ، وكلما فنيت أنجزت في التقدم الخالق ، فتنتقل الى كيانات واقعية أخرى من خلال عملية الادراك وتحقق خلودا موضوعيا ، ويقول وايتهيد أن عملية الفناء والانشاء الجديد هذا ينبغي أن تفهم على أنها شرح لعبارة أفلاطون في محاورة ( طيماوس ) هذا نصها ( ولكن مايدركه الظن بمعونةالاحساس وبدون العقل هو دائمافي عملية كون وفساد وليس موجودا وجودا حقيقيا أبدا ) أن الكون هو كون حدوث وتغير وفساد (فناء ) ومقولة الكيانات الواقعية تنطبق على المادة غير الحسية كما تنطبق على كل ضروب الحياة . وتنطبق على وجود الانسان كما تنطبق على وجود الله .
ويترجم البعض (الكيانات الفعلية ) ب ( الاحداث الواقعية ) ويقول أن الاحداث الواقعية والجماعات التي تؤلفها هي في عملية نمو معا . حتى تصل الى المرحلة النهائية التي تسمى ( الاشباع )satisfaction وهذه العملية من النمو معا، والتي تحدث أدراكات جديدة بأستمرار يسميها وايتهيد بأسم النمو معا ، ويقول ( في عملية النمو معا يوجد توال من المراحل تنشأ فيها أدراكات جديدة بالتكامل مع أدراكاته في المراحل السابقة وتستمر العملية حتى تغير كل الادراكات عناصر في أشباع تام مجرد ( وكل حادث واقعي من حيث هو متموضع في عملية النمو معا يكشف عن مطلب يتعلق بالمستقبل والمستقبل هو بمعنى ما عنصر داخل في تركيب وجود كل حادث واقعي ، ويعبر وايتهيد عن هذا حيث ينعت الحادث الواقعي بأنه موضوع فوقاني أن كل حادث هو في نفس الوقت الموضوع التحتاني الذي يجذب ، والموضوع الفوقاني لهذه التجربة ،أنه المعطى التجريبي الحاضر لكنه أيضا النتيجة المستقبلة أو الهدف لتجربته الحاضرة وهذا الهدف أو المشروع المستقبل يسمى (0الهدف الذاتي ) الذي يضبط حدوث الحادث الواقعي ويقوده الى أشباعه النهائي وهكذا يحدث كل تغير في نطاق متصل مكاني زماني فيه كل الموجودات تعاني عضة الزمان ، أن كل حدث في الكون يتصف بالماضي والحضر والمستقبل . وعلى الرغم من أن الاحداث الواقعية تفنى فأنها تدخل في التركيب الباطن لاحد في واقعية أخرى فيها تتموضع وهكذا فأن كل واقعة حاضرة في الكون تتكون بواسطة كل المراحل السابقة .
كذلك كل واقعة حاضرة تتألف من أمكانيتها للتحقق من المستقبل عن طريق هدفها الذاتي ، وهذا هو مبدأالعملية أن وايتهيد يقسم كل مذهبه على أساس أن كل الاشياء في سيلان دائم وهو مذهب قال به هرقليطس والى جانب نظرية السيلان هذه يقول وايتهيد بفكرة منافسة لها هي : بقاء كل ألاشياء وهاتان الفكرتان تؤلفان في نظره مشكلة الميتافيزيقا كلها ، ويحاول وايتهيد على عادته ، التوفيق بين هاتين الفكرتين المتضادتين ذلك عن طريق نظريتي :
(نظرية الهوية المكونة لذاتها ) و (نظرية النظام الكوني ) ويحاول الاخذ بفكرة الانسجام الازلي التي قال بها ليبنتز (3) .
4) مقولات الفلسفة العضوية.
قدم وايتهيد في كتابه ( الصورة والعالم الواقعي ) تعميما وصفيا شرح خلاله أحوال فلسفته العضوية فتراه يحاول أن يضع بين أيدينا قوائم مسهبة بالمفاهيم الاساسية أو المقولات الجوهرية التي يقوم عليها كل بناء فلسفته أو مذهبه الميتافيزيقي وهو يقسم هذه المقولات الى أربعة أقسام :
1)مقولة الحقيقة القصوى . 2) مقولة الوجود . 3) مقولة التغير . 4) الالزامات المقولية .
وليست مقولة الحقيقة القصوى في فلسفة وايتهيد سوى الابداعية creativity أو (القرة الخلاقة ) وأذا كان فيلسوفنا يعد ( الابداعية) أكثر المبادىء الكلية (كلية ) فما ذلك الا لانها تمثل في نظره الحقيقة الميتافيزيقية القصوى التي تكمن من وراء شتى الاشياء بدون أستثناء والحق أن كل واقعة من الوقائع الماثلة في الكون أنما هي بمعنى أو بأخر (مظهر للابداعية أو أنموذج للقدرة الخلاقة ، والله نفسه – فيما يقول وايتهيد – خاضع لمقولة (الحقيقة القصوى ) و (اللابداعية ) بوصفها المبدا الميتافيزيقي الاقصى ، تمثل في الوقت نفسه مبدا ( الجوة novelty ) ومعنى هذا أنها تمدنا بالعلة أو السبب المبرر لظهور كل ماهو جديد وحينما تنطبق الابداعية على الموقف الجديد بأعتبارها الاصل الذي صدر عنه فأنها تعبر عن ذاتها على صورة (تقدم خلاق ) ،وأما مقولات الوجود في فلسفة وايتهيد هي :
1)الموجودات الواقعية actul entities . 2) الالتقاطات الايجابية prehensions . 3) الروابط المتعددة nexus .
4) الاشكال أو الصور الذاتية subjective forms . 5) الموضوعات الازلية eternal objects . 6) القضايا propositions.
7) مظاهر التعدد multiplicities . 8) ضروب التباين contrasts> .
والمقولة الاولى من هذه المقولات الوجودية تجىء فتحل في فلسفة وايتهيد كل المفهوم التقليدي للجواهر الخاصة أو (الجزئية ) على أعتبار أن مايسميه فيلسوفنا بأسم ( الموجودات الواقعية ) يمثل الوقائع النهائية للكون ، أن لم نقل بأن هذه الموجودات الواقعية هي بمثابة الاشياء الحقيقية التي يتكون منها العالم نفسه . ومعنى هذا أنه ليس ثمة حقيقة أعلى أو أكثر واقعية من تلك الموجودات الجزئية التي تشبه في فلسفة وايتهيد (مونادات ليبنتس ) وأغلب الظن أن يكون وايتهيد نفسه قد أدرك أوجه الشبه بين هذه (الموجودات الواقعية) وبين (الجواهر الفردة) أو الذرات الروحية ) بدليل أننا نجده يرد فلسفته الى ليبنتس لاالى هيجل ولكن على حين أن مونادات ليبنتس كانت مغلقة على ذاتها لاتملك أبوابا ولا نوافذ نجد أن الموجودات الواقعية التي يتحدث عنها وايتهيد غاصة بالابواب حافلة بالنوافذ فضلا عن ذلك فقد عملت نزعة وايتهيد التجريبية على الاتجاه بتفكيره نحو (التعدد) أو الكثرة وأن كانت هذه النزعة التعددية قد قادته بدورها نحو (العودة ) الى مفهوم أرسطو طاليس القديم الا وهو مفهوم (العلل الغائية ) ولا غرابة في ذلك فقد أرتأى فيلسوفنا أنه ليس في وسع أية نزعة تعددية أصيلة أن تقوم بدون الاستناد الى ضرب من الغائية نظرا لان الفردية والغاية المتناهية تملاءن مفهومين مترابطين كل الترابط .
وأما المقولة الثانية فهي مقولة (الالتقاطات الايجابية ) وهي تشير الى وقائع عينية تتم فيما بين (الموجودات الواقعية ) الا وهي وقائع الارتباط التي ترجع الى ماللاشياء من ( طابع موجبة ) وسواء أكنا بأزاء أنفعال أم بأزاء قصد ، أم بأزاء تقييد ،أم بأزاء تأثير على ، فأننا في كل هذه الحالات لابد من أن نجد أنفسنا بأزاء أنماط مختلفة من الترابط تتحقق بين الموجودات الواقعية المختلفة واقعية كانت أم غير واقعية ، وأذا كنا قد ترجمنا كلمة prehension التي يستعملها وايتهيد هنا بمعنى خاص باللفظ العربي ( ألتقاط ) فذلك لان فيلسوفنا قد قصد بهذا المصطلح الاشارة الى عملية أيجابية يتم عن طريقها أنتقال التأثيرات من وافعة الى أخرى أو من حدث الى أخر ومثل هذا الانتقال لابد من أن يؤثر على الوجود الخاص للواقعة ، كما يؤثر في الوقت نفسه على وجود الوقائع الاخرى التي تلتقطها ، ومعنى هذا أن من شأن كل حدث أن يلتقط من داخل وحدته الخاصة نمطا أو نموذجا من مظاهر غيره من الاحداث كما أن من شأنه هو نفسه أن يكون بمثابة مظهر من مظاهر الانماط أو النماذج التي تلتقطها الاحداث الاخرى ، وأما الروابط المتعددة التي يتحث عنها وايتهيد فهي عبارة عن وقائع جزئية تشير الى ( أقتران ) الموجودات الواقعية أو ( حدوث ضرب من المعية ) فيما بينها ولكن المهم أن لكل ( واقعة ) أو (حدث ) في نظر وايتهيد – قطبين : قطبا ماديا ( يشير الى عملية ألتقاطها للوقائع الاخرى ) وقطبا نفسيا (يشير الى عملية أدراكها لبعض الامكانيات الجديدة ) وعلى الرغم من أن (القطب النفسي ) أو العقلي (كامن ) أو (ساكن ) في الغالبية العظمى من الوقائع أو الاحداث الا أن الاجسام اللاعضوية نفسها لايمكن أن تعد مجرد وقائع سلبية صرفة ، بل هي كائنات أيجابية تستجيب لما يقع عليها من مؤثرات أستجابات نوعية خاصة ، وأية ذلك أن هذه الموجودات اللاعضوية تقوم بعملية ( أختيار ) أو أنتقاء فيما بين المؤثرات التي تتعرض لها . ومن ثم فأنها لا تستجيب لتلك المؤثرات الا على خط معين من خطوط ( الامكان ) يكون في العادة متلائما مع (مقصدها الذاتي ) أو (غايتها الذاتية ) وليس هذا المقصد الذاتي سوى الطبيعة الخاصة المميزة اكل ( موجود واقعي) (عضويا كان أم لاعضويا ) ولابد لهذا المقصد من أن يشتمل على كل من مافي الواقعة ومستقبلها ، ويضرب لنا وايتهيد مثلا لذلك فيقول أن من شأن المغناطيس أن يستجيب للمجال الكهربائي كما أن من شأن الشريحة الفوتوغرافية أن تستجيب للاشعة الضوئية ولكن لاالعكس وأما حين يتحدث وايتهيد عن ( الصور الذاتية ) فأنه يعني بهذا المصطلح الكيفية المحددة أو المعينة لبعض الوقائع الخاصة ثم تجىءبعد ذلك (مقولة ) (الموضوعات الازلية ) فتشير الى القوى المحضة التي بمقتضاها تتحدد الوقائع في صورها الذاتية ومعنى هذا أن للاشياء عناصر ثابتة هي بمثابة هيكل علاقات يربط متغيرات في بنية منطقية متماسكة ولولا هذه (الموضوعات الازلية ) لما كان في أمكاننا التعرف على الاحداث المتغيرة أو الوقائع المتطورة ، وأما ( القضايا ) وهي المقولة السادسة ، فهي ما يجعل التميز بين الحق والباطل تمييزا ذا معنى وأن كان وايتهيد لا يستعمل هنا كلمة (قضية ) بالمعنى اللغوي أو المنطقي بل بمعنى (العرض) أو (الاقتراح ) الذي ينصب على (النوعية الخاصة ) للموجودات الواقعية . وتبقى بعد ذلك مقولتان أخيرتان : مقولة ( ضروب التعدد ) وهي تشير الى أشكال (أنفصال ) الموجودات المتنوعة ثم مقولة ( مظاهر التباين ) وهي تشير الى طريقة التأليف أو نوع (التركيب ) الذي يحدث في أية حالة ( ألتقاط أيجابي ) وفي أية (واقعة عينية ) من وقائع (الارتباط ) وأما المقولات الاخرى التي يتحدث عنها وايتهيد وهي مقولة التغيير وعددها سبع وعشرون مقولة ( ومقولات الالزام ) وعددها تسع مقولات فهي تمثل أدوات علمية أخرى يستعين بها فيلسوفنا من أجل تكملة صورة (النسق الواقعي ) الذي أراد أن يقدمه لنا في أطار من (التعضون )(1).
أما فيما يتعلق بتقسيم د. عبد الرحمن بدوي للمقولات مبتدأمن مقولة الاقصى ويعرفها بأنها النشاط الابداعي والنشاط الابداعي هو كلي الكليات وهو المبدأ الميتافيزيقي الاقصى الذي على أساسه تقوم كل الاشياء بدون أستثناء وكل واقعة في الكون هي على نحو أو أخر شاهد على النشاط الابداعي والله نفسه يتدرج تحت مقولة الاقصى والنشاط الابداعي بوصفه المبدأ الميتافيزيقي الاقصى هو أيضا مبدأ الجدة . وهو الذي يزود بالسبب من أنبثاق ماهو جديد .
وواضح من هذا أن هذا المبدأ هو نفسه مبدأ التطور الخالق عند برجسون ولم يأت وايتهيد فيه بأي جديد سوى سوء التعبير . وأما مقولات الوجود فثمان : (1) الكيانات الفعلية (2) الادراكات (3)العقد (4)الاشكال الذاتية (5)الموضوعات السرمدية (6) القضايا (7)التعددات (8)التقابلات .
ومعظم أو كل هذه المقولات هي مجرد جسميات أخرى لمعان تفليدية فالكيانات الواقعية هي الجواهر الجزئية التي يتألف منها العالم وهي الوقائع النهائية للكون والادراكت هي الوقائع العينية لوجود علاقات تكشف عن طابع متجه وتتضمن الانفعال والعرض والتقويم، والسببية والعقدة ، وهي واقعة جزئية لاجتماع كيانات واقعية معا ،والشكل الذاتي هو الكيفية المحددة لامور واقعية خاصة ، والموضوعات السرمدية هي الامكانات المحضة ، التي بها تحدد الوقائع في أشكالها الذاتية والقضايا هي التي تعطي معنى للتمييز بين
الحق والباطل والتعددات تدل على الانفصالات بين مختلف الكيانات والتقابلات تدل على حالة التركيب الناشئة في أدراك أو واقعية عينية للكون في علاقات (2).
الفصل الثاني
مبادىءالفلسفة الطبيعية في مذهب وايتهيد:
(1)الزمن وايتهيد وفوله بالعلية الحتمية ( أو الحتمية السببية ): يرى وايتهيد أن الزمن يقترن أساسا بأحداث الطبيعة ووقائعها والاحداث أذ تقع فلأنما تقع في زمن ، وليس في زمن الا تكون الاحداث تقع فيه على أمتداد لحظاته ( هذه الجزئيات التي قوامها أحداث هي العناصر المطلقة للكثرة ذات الابعاد الزمانية –المكانية الاربعة التي تفترضها نظرية النسبية ، ومن الملاحظ أن كل جزئية حدسية هي لحظة زمنية بقدر ماهي نفطة مكانية) ، وهكذا فأن المكان ليس في أخر الامر منفصلا عن الزمان ، في بناء هذه الكثرة الزمانية المكانية . ويرى وايتهيد وفق تصوره هذا للزمن ( أن هيوم قد جانب الصواب في فكرته حول الزمن ) ورأيه فيه ،فأن يكن هيوم قد ذهب الى أن الزمن هو مجردتتابع للحظات وتعاقبها ، فأن ذلك يرجع بالاساسالى أنه عمل على تفريغ الزمن من محتواه ، ودأب على تجريد الزمن من أحداث الطبيعة العينية فهو بذلك ، كان يهمل :
(1) حقيقة الاحداث الواقعية وما بينهما من علاقات .(2) ويغفل خصائص الاستمرارية بين وقائع الطبيعة ومظاهر التطور والابداع فيها.(3) ثم يحيل كل ذلك الى زمن مجرد ، ويستخلص من كل ذلك أن الزمن ليس سوى تعاقب لوحدات زمنية مجردة succession of abstract units وفكرته عن الزمن (بأعتباره وحدات زمنية متعاقبة ) قد أنعكست بدورها على نظرته الى الاحداث حين ذهب الى أنكار الحتمية السببية بين الوقائع والاحداث في الطبيعة ، فهو قد ذهب الى أن ملاحظتناالخصة بتعاقب المعطيات الحسية هي كل ما نستقيه في مجال أدراكنا الحسي ، فقد كان هيوم يذهب الى أن الامر لايزيد عن كونه علدة نفسية وأنطباعات خاصة نستقيها من ملاحظتنا المتكررة للتعاقب القائم في الطبيعة بين حدثين يسبق الواحد منهما الاخر ،ولايرى وايتهيد أساساقويا يدعم قول هيوم أو زعمه ذاك حول العلية (3).
فقد ذهب هيوم الى أن معرفتنا بالسببية قامت أساساً على ملاحظات عامة ومشاهدات متكررة لنوع من التتابع يجري في العالم الخارجي، وبتوالي هذه الملاحظات والمشاهدات تتكون لدى الفرد فكرة خاصة أو عادة يتوقع بموجبها أن تتعاقب احداث وأن تسبق حادثة ما حادثة أخرى تليها وهكذا .
أما أن تكون هناك ضرورة منطقية لتتابع الوقائع في الطبيعة أو سببية يحتم أن تكون الحادثة هذه قبل تلك ، أو أن تعقب بعض الاحداث بعضا أخر سبقها ،فذلك أمر لايقطع بصحته أبدا ويذهب وايتهيد أزاء هذا القول الى أن فكرة هيوم هذه لاتغدو أن تكون في الحقيقة تفسيرا ذهنيا لتعاقب الاحداث في الطبيعة أو سردا لما يدور في العقل أكثر منه سردا لما يدور في الطبيعة وما ندركه فيها حقيقة ، وما يأخذه وايتهيد على هيوم هو أن الاحداث لاتوجد منفصلة عن بعضها بعضا أو أن التتابع بين الوقائع يحدث أعتباطا . بل أن هناك أتساقا بين السالف في الزمن والاحق بعده كل ذلك ضمن موقف محدد ومتكامل وهذا ماحدا وايتهيد الى القول بالعلية الحتمية على أعتبار أن الوقائع تمثل تأريخا لاحداث مترابطة ، وسيرة للعلاقات التي تربط بينها في موقف شامل وعلى أمتداده فترة زمنية أكيدة ولو ذهبنا الى مثل يوضح فكرة واتهيدبهذا الخصوص فلو أفترض أن رجلا كان في غرفة يكتنفها ظلام دامس ، ثم أومض النور فجأة في لحظة خاطفة وبلحظة قصيرة جدا كما في ومضة البرق الخاطفة ، فأن الجفن سرعان ما ينسدل فوق العين وفق عملية الفصل المنعكس ، ولو رحنا في محاولة لتحليل الموقف بكامله كما يقول به هيوم ، بأعتبار أن الامر لايغدو أن يكون تعاقبا لمعطيات مختلفة لاأرتباط بينها . لما أسفر الموقف عن شىء سوى عن ومض النور أولا ثم رمش الجفن ثانيا ، وبعدها كان الظلام من جديد ولكن الموقف نفسه كما يراه وايتهيد ليس بالسهولة التي يصفها به هيوم أذ أن الرجل (وهو من تعرض للموقف وخبره) يؤكد أيضاً أن ومض النور فجأة أدى الى الفعل الخاص بالعين ، وأن الموقف بكامله أسفر عن وعي بحتمية خاصة تجعلنا نقول بان التعرض لخبرة معينة قد أدت الى قيام خبرة أخرى ثانية ، وأن واحدة من هاتين الخبرتين قد جاءت قبل الاخرى وهذا ما يجعلنا نؤكد بأن الامر ليس مجد تتابع لمعطيات حسية منفصلة ، بل أن الموقف بكامله يشير الى أنه كل متكامل وأنه نسق من الخبرة تترابط أجزاؤه وتتسق أزاء خبرتنا المباشرة بها أو معرفتنا البسيطة لها (1).
أذن فالعالم بنظر وايتهيد نظام واحد محكم الاتصال والتركيب مؤلف من (حوادث واقعية ) أو هو سلسلة متصلة حلقاتها هذه الحوادث (ومن أجل هذا الاتصال الذي في حلقات السلسلة الكونية أمكننا أن نقول أن كل شىء في الكون واقع في كل زمان وفي كل مكان) وليس المكان والزمان في نظر وايتهيد كما في نظر الكسندر حقيقة أولية مسلما بوجودها ، بل هي شىء مركب من النسب الموجودة بين (الحوادث الواقعية ) وأما نقطة الاتصال بين الحوادث الكونية فيسميها بالروابط وهي نظرة روابط علية فكل حادثة واقعية تتولد عن الروابط التي تربطها بالحوادث التي تسبقها في الوجود في الوقت الذي تتصل فيه بالحوادث التي تليها وهي فكرة تشبه فكرة برغسون في دخول الزمان الماضي في الزمان الحاضر ، بهذا المعنى يصح لناالقول بأن (كل حادثة واقعية ) خالدة خلودا ذاتيا على الرغم من أنها واقعة في عالم التغير (2).
(2) السببية عند وايتهيد .
لقد بدى أهتمام وايتهيد بالمواقف الكلية الشاملة من خلال كتاباته البكرة ، فنجد لديه ميلا واضحا الى التفريق بين فكرته عن الاحداث في الطبيعة وبين الموجودات الحسية على أعتبار أن النظريات التقليدية التى راحت تصف الاشياء من خلال معطياتهاالحسية ،وتفهم حقيقتها في ضوء الادادات التي نستبقيها منها بواسطة الحواس ، لن تعمر طويلا بل سيظهر عمقها وقصر نظرتها لكونها لم تأخذ بعين الاعتبار ملابسات الموقف الادراكي بجملته ولم تعر أهتماما للمتغيرات والعديد من الجزئيات التي يسفر عنها الموقف عادة وليست الحتمية السببية سوى حقيقة واحدة من الحقائق الكثيرة التي طالما أغفلتها تلك النظريات وتجاوزها تفسير الاشياء من خلال خصائصها الحسية فحسب ، تماما كما كان أغفالهم للحتمية السببية ذاتها لكونهم نظروا الى الادراك الحسي على أنه مجرد تتابع لمعطيات حسية نستقيها من العالم الخارجي وقالوا بأن السببية خاصية عرضية للاحداث التي ندركها بدلا من تصورها صفة أساسية لها ومظهرا أصيلا من مظاهرها ولم يكن وايتهيد ليعني بالسببية من وجهة النظر العلمية البحتة أن حادثة ما تسبب بالضرورة قيام حادثة أخرى كأن نقول بأن (أ ) تسبب في وقوع (ب) كنتيجة حتمية لها ، بل كان يعني بالسببية في أطار المفهوم الذي أتى على ذكره سابقا ،حصيلة ما نستخلصه من المواقف الكلية الشاملة في معياشنا للحياة وخبرتنا المباشرة بمجريات الامور في الطبيعة أما السببية كما يقول بها أرباب العلم ويفسرها فلاسفته فأن مفهومها أعم من مفهومها السالف الذكر وأكثر تجريدا(3) .
(3) الادراك الحسي عند وايتهيد وطبيعته :
أن الحقيقة المطلقة من وجهة نظر وايتهيد لاتعدو أن تكون أحداثا أو كائنات فعلية كما يتصورها وايتهيد فأن المرء لامحالة واقع في حيرة من أمره ، أذ كيف يمكن التوفيق بين هذا التصور حول الكون وبين ماتشهد به الحواس حول الاجسام في الطبيعة كما تبدو لنا، أني أمسك بالقلم في هذه اللحظة أسطر به بعض خواطري وجملة تصوراتي وأشعر بصلابة القلم في يدي وبين أصابعي وأدرك أن له لونا يميزه عن ذلك الكتاب فوق المنضدة التي على يميني وكل ذلك يشهد بأنني أبدا أكون في خبرتي الاعتيادية وممارسة الحياة اليومية أزاء أجسام في الطبيعة مع ماينطوي عليه كل ذلك من أقرار للخصائص المتصلة بتلك الاجسام من صلابة ولون وغيرها ولا أثر في خبرتي لما أسميه حدثا أو كائنا فعليا أذن كيف يمكن تلافي التناقض القائم بين تصورنا للكون كما يقول به وايتهيد وبين ما نخبره في حياتنا اليومية هنا يحذرنا وايتهيد من الخلط بين ناحيتين هامتين تظهران في الموجودات الطبيعية فتلك الصخرة على جانب الطريق لها في عين الرأي صفات محددة ، وهي أمام وسائل الاحساس تتكشف في مظاهر عديدة أما أذا طرحنا جانبا مظاهرها الحسية تلك ، ورحنا في محاولة للبحث عن حقيقتها كما كما تقول بها الفيزياء الحديثة ، ألفينافي تلك الصخرة حقيقة جديدة تتمثل في كونها مجموعة هائلة من الذرات وعلاقات مختلفة بين المكونات الذرية ذات الانشطة المتعددة ،وواضح أزاء هذه الحقيقة أن المعرفة الحسية غالبا ما تقضي على الفروقات الكبيرة التي تميز الاشياء في الطبيعة ، وذلك ظاهر في أن الادراك الحسي يطيح بالكثير من الحقائق الخاصة بمكونات الاشياء ووظائفها عن طريق عملية تحويلية يتم بموجبها صهر الصفات التي تميز الاحداث المختلفة في خاصية حسية واحدة، فما أن تستقبل أجهزة الاحساس المختلفة المعطيات الحسية الخارجية حتى تراها قد أنتقلت (أي المعطيات الحسية ) عبر قنوات خاصة في الجهاز العصبي وطرأ عليها الكثير من التعديل والتبسيط لكي تبدو لنا في أخر الامر على شكل محسوسات مجردة تشغل حيزا مكانيا محددا ، ويرى وايتهيد أن الذهن يلعب دورا بارزا في تسطيح الامور وقيام عملية ا لتحويل ( أنه لمن الخطأأن نفترض أن مهمة الوظائف الذهنية على مستوى الذهن البشري هي أضافة الدقة الى مضمون الخبرة ، العكس تماما هو الصحيح . فالذهن هو عامل تبسيط ولهذا السبب فأن المظهر الخارجي هو أضافة مبسطة للحقيقة) (1).

(1) جلال كامل واخرون (الموسوعة الفلسفية المختصره ) ،دار العلم ، بيروت ، لبنان ، بدون تأريخ ،ص 494

(2) جلال كامل واخرون ( الموسوعه الفلسفية المختصرة) ص497 .

(3) زكريا أبراهيم ( دراسات في الفلسفة المعاصرة) ص172

(1) بوخنسكي (تأريخ الفلسفة المعاصرة في أوربا ) ص347

(2) د. زكريا ابراهيم ( دراسات في الفلسفة المعاصرة)ص175.

(3) أوولف (فلسفة المحدثين والمعاصرين ) بدون تاشر ،بدون تأريخ ،ص125 .


(1) د زكي نجيب محمود (حياة الفكر في العالم الجديد) المكتبة الانجلو مصرية ، القاهرة ،1969 ،ص 169

(2) أوولف (فلسفة المحدثين والمعاصرين )ص126

(3) د محمود ،زكي نجيب ( حياة الفكر في العالم الجديد )ص 190

(1)مورتون وايت ( عصر التحليل ) فلاسفة القرن العشرين ،ترجمة ،أديب يوسف شيش ، منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي،دمشق ،1975 ،ص93.

(2) محمد شفيق غربال ( الموسوعة العربية الميسرة ) ،مؤسسة فرانكلين للطباعة ،القاهرة ،1965 ،ص1913.

(3) الحوار المتمدن : العدد 891 في 11- 7 – 2004.

(1) زكي نجيب محمود ( حياة الفكر في العالم الجديد ) ص203



(2) المصدر السابق ص190

(3) د زكريا أبراهيم (دراسات في الفلسفة المعاصرة )ص 184

(1) زكي نجيب محمود ( حياة الفكر في العالم الجديد )ص191

(2) أ ، وولف ( فلسفة المحدثين والمعاصرين )ص 127

(3) عبد الرحمن بدوي ( موسوعة الفلسفة ) ج 2 ،الموسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ،لبنان ، 1984 ، الطبعة الاولى،ص551

(1) د زكريا أبراهيم ( دراست في الفلسفة المعاصرة ) ص182

(2) د. عبد الرحمن بدوي ( موسوعة الفلسفة ) ج 2 ص551 .

(3) زكي نجيب محمود ( حياة الفكر في العالم الجديد ) ص 204

(1) المصدر السابق ص 205 .

(2) أ ، وولف (فلسفة المحدثين والمعاصرين ) ص 127

(3) زكي نجيب محمود (حياة الفكر في العالم الجديد ) ص 206

(1) المصدر السابق ص 207
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59