عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-12-2012, 08:56 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

1-الدور المستقبلي للملكة العربية السعودية.
إن المراجعة المتأنية لمواقف المملكة تبين أن السعوديين لَم يَتَخَلّوا يوماً عن مسؤولياتِهم تجاه القضايا العربية. ومواقفهم تنطلق من مبادئ ثابتة تشكل استراتيجية بحد ذاتِها. فموقفهم من الإتحاد السوفياتي لَم يكن موقفاً سياسياً أو تكتيكياً بَل كان موقفاً مبدئِياً قوامه رفض الإلحاد الشيوعي والتصدي لَه. وبالتالي فإنّه لَم يكن موقفاً لخِدْمة الغرب والولايات المتحدة تحديداً. ومثله الموقف السعودي في أفغانستان. فصحيح أن هذه المواقف تقاطعت مع المواقف الأميركية لكن ذلك لا ينفي مبدئيتها. وإن كان يكرس لقاء مصالح استراتيجي.
واليوم إذ أدركنا الزَمن الصعب فإننا ننكص لمراجعة المواقف المفصلية منذ قيام إسرائيل وحتى اليوم فنجد أن العالم العربي كان منقسماً كما كل أرجاء المعمورة إلى : 1- أصدقاء الولايات المتحدة و 2- أصدقاء الإتحاد السوفياتي. فإمّا المجموعة الثانية فقد وقعت في الفراغ والفوضى منذ انْهِيار الشيوعية في العالم (1989). أمّا المجموعة الأولى فهي وجدت نفسها (بعد هذا الإنْهِيار) أمام متطلبات أميركية جديدة. وذلك عوضاً عن مشاعر العرفان ومظاهره مِما يمكن للصديق توقعه بعد تقديم العون والدّعم لصديقه. على أن هذا الإنقلاب الأميركي لَم يبدأ بعد نِهاية الحرب الباردة بل قبلَها بسنوات طويلة. فالإطاحة بشاه إيران لَم تكن لتَتُم بدون تخلي أميركي عنه. ولَم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن توريط السعودية والعراق والمنطقة كلَها في الحرب مع إيران. بل إنّه من المستبعد تبرأة الولايات المتحدة من مسؤولية تمديد أمد هذه الحرب التي شهدت نِهاية غير مكتملة. بِما يوحي بأنّ حرب الخليج الثانية إنّما جاءت تَتِمّة لَها. وبات من المعروف اليوم جهود السعودية للحيلولة دون اندلاع هذه الحرب وللتوفيق بين العراق والكويت. وندرك اليوم أن نجاح هذه الجهود كان مَمنوعاً أميركياً. ومع ذلك فقد بَقِيَ اللوم للسعودية شديداً بِهذا الخصوص. بَل إنّه تعمق بالسّماح بتواجد أجنبي في الأراضي المقدسة الإسلامية. لكن هذا اللوم يفقد حدّته عندما نَرى الإتحاد الأوروبي ينساق للتورط في كوسوفو مع ما في هذا التورط من أخطار تهدد بلدانه في إقتصاديتها واستقرارها وأيضاً في إجبارها على تعديل استراتيجياتِها. وهذا الموقف لَم يكن سوى تكراراً لانسياق هذه الدول إلى حرب الخليج الثانية، مِمّا يعني بأن للشراكة الإستراتيجية حدودها أميركياً. ويجيء الإعلان الأميركي عن "صدام الحضارات" بفرعية الصيني والإسلامي. فنجد أنّ السعودية تحولت إلى رمز مهدد للمصالح الأميركية وإلى متصادم معها. إذ أن إيران في وضع احتواء أميركي يجعلها عاجزة عن تهديد هذه المصالح إلا عبر النافذة السعودية التي تبقى المعنية بطرح "صدام الحضارات". مع أن السعودية لم تظهر يوماً في موقف المتصادم مع الحضارات. فهي تعاملت مع المسيحيين واليهود (العرب والأجانب) من منطلق إسلامي بحت باعتبارهم "أهل كتاب". بل إنّها قدّمت لبعضهم دعماً حيوياً لإستمراريتهم. وهذا أمر يدعونا إلى تحري سبب إلصاق هذه التَهمة بالسعودية تحديداً ؟. حيث نَجد قدرة سعودية فائقة على الخوض في بِحار المتغيرات العالمية والإنسانية العاصفة. ونبدأ بـ :
أ‌-على الصعيد الإنساني : أدركت السعودية أن دور الأفراد في التاريخ الإنساني غير قابل للإقالة أو للتقاعد. ولكنه قابل لتغيير صعد التأثير. فهو تحول من صعيد الفرد – القائد العسكري إلى صعيد الفرد القائد السياسي إلى صعيد الفرد – القائد اقتصادياً. وانطلاقاً من هذا الإدراك تمكنت السعودية من تخريج جيش من رجال الأعمال العرب والمسلمين الذين يجيدون اللعبة بحيث دخلوا بِمهارة في نادي الأفراد المؤثرين في تحديد اتجاهات المصالح.
كما تَمكّنت السعودية من التأسيس لمحطات اتصال إنساني وسيطة. وبذلك استطاعت المملكة المحافظة على النَّظام الإجتماعي وفق التصور الإسلامي. دون أن تنغلق على الأنظمة الأخرى وتفقد الإتصال بِها. وهي اعتمدت على جيل جديد من الأفراد المؤهلين لإقامة مثل هذه المحطات.
ب‌-على صعيد السياسة العالمية : لقد دخلت السعودية كعنصر مقرر وذي نفوذ إلى مسرح السياسة العالمية. فاكتسبت بذلك موقعها السياسي المميز. الذي يجعلها مرجعاً لا يمكن تجاوزه في المسائل الإسلامية والشرق أوسطية خصوصاً والعالمية عموماً. وهذا الوزن السياسي المتصاعد جعل الولايات المتحدة عاجزة عن تخطي الرؤية السياسية السعودية أو تجاهلها. ولعل حرب الخليج الثانية كانت بداية الإعلان الأميركي عن التصادم مع الإسلام (السعودية خصوصاً).
ولا شك أن السعودية، ومعها المنطقة العربية، قد دفعت ثمناً باهظاً لهذا الصدام. لكن الأهم أنّها تمكنت من الخلاص منه سالمة وأن بتضحيات.
ولكن ماذا عن المستقبل ؟ وسؤال المستقبل يستتبع معه السؤال عن مصير الحكم السعودي. وهو سؤال يتكرر طرحه في بعض المناسبات.
والجواب عليه يقتضي التعرف إلى منطلقات أساسية للحكم السعودي وأهمها :
1-أن السعودية لَم تَسعى يوماً لأن تكون قوة عسكرية ضاربة. بالرغم من الإغراءات التي وفرتها سياسات الحرب الباردة. فالمملكة موجودة في محيط إسلامي وهي تشكل قبلته. لذلك وجدت أن من واجبِها الترفع عن الدخول أو عن الاستعداد لخوض أية معركة كانت. لذلك فهي فضلت دائماً البقاء خارج الصراعات العسكرية. فاقتصر دورها على التدخل لمساعدة العرب والمسلمين في حماية أنفسهم.
2-أن للسعودية مفهومها الإنتقائي الخاص للأرض. فهي تهتم بالقدس تحديداً. وما دونها هي أراضي خاضعة لمباديء العرض والطلب. والتجاذبات السياسية.
3-أن التضحيات التي قدمتها السعودية ومعوناتها إلى العالمين العربي والإسلامي هي تضحيات لا توضع موضع الشك.
4-أن السعودية هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك القدرة على التعامل مع التحولات المرتقبة، بِما في ذلك التعامل مع إسرائيل، دون أن تحتاج لإجراء تعديلات أساسية في استراتيجيّتها.
5-لقد تمكنت الأسرة المالكة السعودية من التحول إلى مؤسسة حديثة قادرة على مواجهة مختلف الإحتمالات. بحيث تمكنت من توظيف طاقاتِها توظيفاً فاعِلاً بِما يضمن استمرارية هذه المؤسسة.
مِما تقدم يتبين لَنا أن السعودية ستكون المرشحة الإقليمية الوحيدة للمشاركة في ولادة المفهوم الجديد للشرق الأوسط. وهي تضع في المقدمة الإعتبارات التالية :
1-المحافظة على الحق الإسلامي في القدس الشريف.
2-وضع حد نِهائي لمأساة الشعب العراقي.
3-إيجاد حلول حاسمة للنـزاعات الحدودية في المنطقة.
4-التعايش الهاديء مع الظروف المستجدة في المنطقة.
5-الإستعداد للأزمنة القادمة نتيجة تدفق بترول القوقاز إلى السوق العالمية.
6-إعادة إدماج إيران في المنطقة بعضوية كاملة.
7-محاولة احتواء الدول الداخلة حديثاً إلى المنطقة.
8-العمل على الحد من جراحات البتر الجغرافي (التقسيم) المتوقعة في المنطقة.
9-نزع فتيل مشاكل الأقليات المتفجرة.
10-الموافقة على توسيع المفهوم الجغرافي للشرق الأوسط لضم دول إسلامية جديدة إليه.
11-الضغط لإيجاد حل نِهائي للمسألة الفلسطينية.
12-الإستعداد لتحمل المسؤوليات التي يفرضها دور قيادة السعودية للعالمين العربي والإسلامي. حيث ستخرج معظم دولهما، من الفوضى الراهنة، وهي بِحاجة لترتيب أوضاعها الداخلية وإعادة إلتقاط أنفاسِها.
2-الخلاصة النهائية للتصور
تشكل تسوية الصراع العربي الإسرائيلي الحد الأدنى المقبول أميركياً لترتيب أوضاع المنطقة. وهذا يعني عضوية إسرائيلية (جزئية تتحول لاحقاً إلى كاملة) في الشرق الأوسط. ويكتمل التصور الأميركي لمستقبل المنطقة بتحويلها إلى كتلة كاملة تتبع لحلف الأطلسي استراتيجياً. أو بإقامة حلف يستبعد دول المنطقة الفقيرة ويضم إليه أعضاء جدد من أغنياء خارج المنطقة. مع ضمان عضوية إسرائيل في كلتا الحالتين (الكتلة أو الحلف). بِما يؤمن المصالح الأميركية في المنطقة تأميناً كاملاً بعيداً عن المتغيّرات العالمية المحتملة. بِما فيها احتمال بروز تحالف صيني مع المحيط الآسيوي أو الروسي.
وبِما أن مستقبل الشرق الأوسط مرتبط بأهميته الإقتصادية فإن هذا الربط يقتضي تصفية بؤر الصراع العسكري فيه. وهذا يعطي للسعودية موقع الصدارة في قيادة المنطقة. ويتعزّز هذا الموقع السعودي باستخدام المملكة نفوذها لإخراج العراق من حالته الإقتصادية. كما في استخدامها لِهذا النفوذ من أجل تصفية الصراعات المكبوتة في المنطقة. لكن هذا الدور السعودي لن يمر دون اعتراضات إسرائيلية. وفي مقدمتها إعلان إسرائيل عن خوفها من التَحول إلى سوبرماركت عربي (سعودي خصوصاً) في هذه الحالة.
أما من الناحية الجغرافية وبناءً على ما تقدم فإن خارطة الشرق الأوسط سوف تشهد متغيّرات عميقة خلال العقود القادمة. وستتم هذه التغييرات على مراحل هي :
1-انضمام إسرائيل إلى الشرق الأوسط بعد إبعاد مصر المؤقت عنه وإلصاقِها بالمغرب العربي.
2-عودة إيران لعضوية المنطقة بعد الدخول الإسرائيلي وفك الحصار عنها بشروط مناسبة.
3-إلحاق دول بحر قزوين (القوقاز النفطي) بالمنطقة بعد تأمين المصالح الأميركية فيها.
4-عودة مصر إلى عضوية المنطقة ومعها السودان والصومال بعد تسوية مشاكلهما الداخلية.
5-إعادة نظر جذرية في جغرافيا المنطقة وفق الإحتمالات التالية :
‌أ-في حال قدرة المنطقة على التحول إلى كتلة واحدة ونجاح تجربة إلحاقِها بالأطلسي يمكن تحويلها إلى متوسطية بضم دول شمالي إفريقيا إليها (حيث مصطلح المتوسطية كباقي المصطلحات فاقد لدلالاته الجغرافية الدقيقة).
‌ب-في حال إقرار مبدأ الحلف الشرق أوسطي يتحول الأمر إلى تفكيك الدول الباقية خارج إطار الحلف وضم أقسامها تدريجياً إلى الحلف.
‌ج-في حال قيام قطب بديل في مواجهة الولايات المتحدة تعود المنطقة للتفكك. حيث ستكون إسرائيل الدولة الوحيدة القادرة عسكرياً على التمرد واستغلال الفرص لإعادة إحياء حلم "إسرائيل الكبرى" وهذا الإحتمال يرسم نهاية شهر العسل الإسرائيلي – الأميركي (وربَّما قرن العسل).
في النَهاية لا بدّ من التذكير بأن علم المستقبليات، الذي حاولنا الإستناد إلى معطياته في الدراسة الحاضرة، لَم يستطع بعد أن يخرج من إطار التكهن. فهو عاجز عن الإحاطة بالإحتمالات الأكيدة للحوادث التي ستقع في الفترة الفاصلة بين الحاضر الذي ننطلق منه (ونستغل تراكماته المعرفية – التاريخية) وبين المستقبل الذي نحاول التكهن بملامحه. خصوصاً وأن كل حادث من حوادث هذه الفترة الفاصلة يمكنه أن يقلب كل التوقعات رأساً على عقب. كما لا بد لنا من الإعتراف بأن تصوراتنا قد أهملت مشهدين رئيسيين من مشاهد الراهن العالمي وهما : 1- التطرف : بوجوهه المختلفة من قومية ونازية وآرية وإسلامية ومسيحية ويهودية وغيرها. وكأنّ إهمالنا لِهذا العامل ناجماً عن كونه عاجزاً عن تخطي السيطرة المفروضة عليه راهناً. و 2- الجوع : وهو عامل مفجر للثورات عبر تاريخ البشرية. حيث تعاني منه اليوم دول تملك أسلحة الدمار الشامل مثل كوريا الشمالية والهند وباكستان. كما تعاني منه دول أخرى لا تملك ما تفقده وهي أقدر على المغامرة. ويكفينا، في هذا المجال، التذكير بقدرة الصوماليين الجوعى على تحدي المارينْز الأميركي. أما لماذا أهملنا هذا العامل فمرد ذلك إلى التصميم الأميركي على إقرار نفوذ يتوافق والقوة العسكرية الأميركية.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59