عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 03-03-2012, 12:49 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

وهو العالم الذي كان يخطب في جامع دمشق الكبير يحثُّ المسلمين على الجهاد في سبيل الله وطرْد الأعداء من دِيار الإسلام، ويهاجم عماد الدين إسماعيل صاحب دمشق على معاونته للأعداء بقوله: "فأيما سلطان أو ملك أو أمير فرَّط في حِفظ بلاد المسلمين، وعرَّضَها للوقوع في أيدي الكافرين، فقد أبرَأ ذمَّة الله والمسلمين منه، وخلَع بيده طاعتَهم له، وظلَم نفسه، وعلى المسلمين أنْ ينصروه ظالمًا كما ينصرونه لو كان مظلومًا، ونصر الظالم دَفْعُهُ عن ظلمه، والحيلولة بينه وبين ما أراد من تضييع بلادهم، وكسر شَوْكتهم، وتحكيم الأعداء في رقابهم، وتمكين هؤلاء من القضاء على ما في قلوبهم من عزَّة الدِّين ونخوة الإسلام"[22].

وكان هذا سببًا لاعتِقاله من جانب السُّلطان وفرض الإقامة الجبريَّة عليه في البيت.

وحينما نُفِيَ إلى مصر وولاَّه الملك الصالح أيوب القضاء، ورأى منه عدم الإنصاف، "عزل نفسه عن القضاء، وجهَر بأنَّه لا يتولَّى القضاء لسُلطانٍ لا يعدل في القضيَّة ولا يحكم بالسويَّة... فما جهر بكلمة الحق في وجْه القوَّة بدمشق ليسكُت عنها بمصر، ولو ارتضى لنفسه مُصانَعة الملوك على حساب دِينه كما يصنع غيره ممَّن لا خلاق لهم من العلماء لما نفَتْه دمشق، ولكان له فيها ما يُرِيدُ من الثَّراء الواسع والجاه العريض"[23].

وفي مسألة جواز فَرْضِ الأموال على عامَّة الناس لإنفاقها في العساكر، وقَف في وجْه الأمراء، وأفتى بأنَّه لا يجوز أخذ الأموال من عامَّة الناس قبل أخذ أموال الأمراء وأملاكهم حتى يساووا العامَّة في ملابسهم ونفقاتهم، وحينما طلب منه الملك المظفر قطز أنْ يفتيه بجواز الأخذ من أموال العامَّة إذا صعب الأخذ من أموال الأمراء، لم يرضَ بذلك الشيخ وقال له: "لا أرجع في فتواي لرأي ملك أو سُلطان"[24].

وهذه صُورةٌ رائعة للعالم الإسلامي الذي يشتَرِك في آلام أمَّته ويُدافِع عن حقوقهم ويحكُم بالحق والعدل دون أنْ يخاف لومةَ لائم أو سطوة ظالم.

ونرى نفس الصورة للعالم العامل أبي البقاء البغدادي، الذي كان يقوم بما أوجَبَه الله عليه، فكان يأمُر بالمعروف وينهى عن المنكر ويجمع المظلومين من الفقراء والفلاَّحين والعمَّال والصنَّاع بحقوقهم وبرَفْعِ الظلم عنهم، فحبسه الموفق العباسي دُون أنْ ينصرف من عمله[25].

وفي إخماد نار فتنة القرامطة كان له دورٌ بارزٌ؛ حيث استنجد به المعتضد العباسي حينما وَلِيَ الخلافة وقال له: "إنَّ بابي لا يُغلَق دونك بليلٍ أو نهارٍ، وإني أُعاهِد الله ربي لا تدعوني إلى خطَّة فيها رضا الله ورسوله وخير الناس إلا نفَّذتها لك ما استطعت"[26].

وقام أبو البقاء بنهضةٍ فكريَّة وإصلاحات اقتصاديَّة أساسيَّة، بعد أنْ رأى أنَّ القرامطة قد نفثوا سمومهم في الناس، وأنَّ الناس معذورون في الاستجابة لهم، وأيقن أن لا سبيل إلى إنقاذ الناس من فتنهم إلا بإنصاف الفُقَراء والعمَّال والفلاَّحين، وتنفيذ ما شرَع الله من العدل لحماية حقوقهم[27].

وكان لخطَّته الفكريَّة والإصلاحيَّة دورٌ بارز في فشل خطَّة القرامطة، وانتصار نظام العدل الإسلامي على النظام الاشتراكي في مملكة العدل الشامل.

5- كشف خطط اليهود ودورهم في الحركات المشبوهة في تاريخ الإسلام، في إشارةٍ خفيَّة إلى العلاقة بين اليهوديَّة والماركسيَّة؛ حيث كان لليهود دورٌ أساسٌ في فتنة القرامطة التي بنَى الكاتب أساسها على الأصول الماركسية والشيوعية المعروفة في القرن العشرين.

ويصوِّر باكثير هذه العلاقة ضمن اتِّصال "الكرماني"، أحد دعاة القداحيين باليهود في بغداد؛ لإيجاد الفتنة وإشاعة الفَوْضَى حيث يقول: "وكثُر اتِّصال الكرماني بتجَّار اليهود ولا سيما كبيرهم عزرا بن صمويل الذي كان يمدُّه بالنُّقود المحالة له من سلمية عليه، فتَواطَأ معهم على نشر الإشاعة المقلقة بالمدينة؛ لكي يبيع الناس أملاكهم بأثمان بخسة فيشتروها منهم، وكانوا قد أكثَروا من شراء الحبوب والأطعمة من الأسواق ليحتكروها، فانتظروا أنْ ترتفع أثمانها كلَّما زاد قلق الناس وخوفهم وانقَطَع ورود الميرة من خارج بغداد إليها، فيبيعوها للناس حينئذٍ بأغلى الأسعار"[28].

ويكشف أيضًا دسائس اليهود لإثارة الفتنة بين المذاهب الإسلاميَّة وإشعال نار الحرب بين أُمَراء المسلمين ضمن وثيقةٍ حصل عليها أحدُ ولاة الخليفة المعتضد عند أحد تجار اليهود: "... وعثر بينها على رسالة صغيرة في حجم الوصيَّة مكتوبة بالعبريَّة، فجِيء بِمَن يفكُّ رموزها، فتبيَّن أنها سجل شركة خطيرة أسَّسها جماعةٌ من كبار تجار اليهود بمدينة الموصل في أواخر عهد الخليفة المأمون، على أنْ تبقى قائمةً طوال العصور يُدِيرُها أبناؤهم، وإذا لها دستورٌ عجيب ينصُّ على وجوب تشجيع الفتن في بلاد الدولة، وإمداد القائمين بها، والسعي لإثارة الحروب بين أمراء المسلمين وبينهم وبين الروم، وتأريث نار الخلاف بين الطوائف والمذاهب والنِّحَلِ، والإفادة من كلِّ ذلك في تجميع الأموال وتكثير الأرباح لشركتهم"[29].

6- محاولة إثبات صلاحية الدِّين الإسلامي لحكم المجتمع وبث العدالة الاجتماعية بين رُبُوعِه، وبيان ما ينطَوِي عليه النظام الرأسمالي والشيوعي من نقائص وعُيوب، وذلك من خِلال تصوير الصِّراع الدائر بينهما وبين نظام العدل الإسلامي المتمثِّل في نظام أبي البقاء الإصلاحي، وانتصار نظام العدل الإسلامي على النظام الرأسمالي والشيوعي في نهاية الأمر.

7- وصف الجهاد في سَبِيل الله بالنفس والمال، وما ينتظر المجاهدين من أجرٍ عظيم عند الله تعالى، وذلك من خِلال تعرُّضِه لجهاد الإيرانيين بقِيادة جلال الدين خوارزم شاه والأمير ممدود والد قطز ضد التتار، وجِهاد المصريين والشاميين ضدَّ الصليبيين القادِمين من الغرب والتتار القادِمين من الشرق في رواية "واإسلاماه"، وجهاد المصريين بقيادة أسد الدين شيركوه وصلاح الدين الأيوبي ضد الفرنج وأذنابهم. فيُصوِّر في رواية "سيرة شجاع" جانبًا من جهاد المصريين في الإسكندرية حينما حاصَرَها الفرنج مع شاور، الوزير المصري المتحالف معهم: "ولَمَّا وصَلُوا إلى الإسكندريَّة أعجزهم اقتحامها؛ لبسالة أهلها في الدفاع عنها مع جيش صلاح الدين، فحاصَرُوها من كلِّ جانب، وكان ملك الفرنج قد أرسَلَ إلى قراصنتهم بساحل الشام فأرسَلُوا سُفنَهم في مياه الثغر يقطعون الطريقَ على سفينةٍ تحمل الميرة إلى أهله، فتَمَّ تشديد الحصار عليها من البرِّ والبحر، ولكنَّ أهلها أبدوا من الصبر والمصابرة والحميَّة والبسالة في الدِّفاع ما أدهَشَ صلاح الدين وذكره بأهل بلبيس وقال في نفسه: أمَّة بعضها من بعض لو لم يذلها حكَّامها الظالمون"[30].

وقال في وصف ما يأمل به المجاهدون في سبيل الله من أجرٍ عظيم ونعيم دائم عندَ الله في الآخِرة، في معرض حديثه عن الأمير ممدود الذي مات شهيدًا في الحرب مع التتار: "مات الأمير ممدود شهيدًا في سبيل الله ولم يتجاوَزِ الثلاثين من عمره، تارِكًا وراءه زوجته البارَّة، وصبيًّا في المهد لما يَدُرْ عليه الحول ولم يتمتَّع برؤيته إلا أيامًا قلائل؛ إذ شغَلَه عنه خروجُه مع جلال الدين لجهاد التتار، ولم يكن له - وهو يُودِّع هذه الحياة ونعيمها - مع عزاء عنها إلا رجاؤه فيما أعدَّ الله للشهداء المجاهدين في سبيله من النَّعيم المُقِيم والرِّضوان الأكبر"[31].

8- موقفه من الفن، حيث يعتقد أنَّ كثيرًا ممَّا يُطلَق عليه اليوم اسم الفن خارجٌ عن دائرة الفن، والفن منه بَراء، فيقول نقلاً عن الأستاذ "مراد السعيد" في وصف (الكازينات) التي تجري فيها أعمالٌ بعيدة عن روح الفن: "وتذكر أنَّ الأستاذ مراد السعيد كثيرُ التنديد بهذه (الكازينات) التي تُلصَق باسم الفن، والفن منها بَراء، فهي مَباءات للفساد تقتُل الأخلاق والفنَّ معًا، وعلى الحكومة أنْ تقفل أبوابها؛ صونًا لأخلاق الشبان والفتيات، وحفظًا لسُمعة البلاد وكَرامتها"[32].

ويقول أيضًا على لسان "فؤاد حلمي"، بطل الرواية في حواره مع الراقصة التي قدَّمت له الخمر ورأتْ أنَّ الفنَّانين يشربونها ويرَوْن أنَّ نشوتها تفتق أذهانهم وتُساعِدهم في فنِّهم: "هم كاذبون أو مخدوعون بهذا الوهم، إنَّ للفنِّ نشوةً لا تجتمع مع نشوة الخمر، والناس يا فتحية قد أساؤوا إلى الفنِّ فأدخَلوا فيه ما ليس منه؛ ألا ترَيْن أنهم يعتبرون التعرِّي وهزَّ البطون فنًّا؟!"[33].

9- تفسير الأحداث في ضوء التفسير الإسلامي للتاريخ، ويتجلَّى ذلك في حديثه عمَّا حلَّ بجلال الدين خوارزم شاه من ضَياع مُلكِه وفقدان ابنته "جهاد" وابن أخته "محمود": "وكأنَّ الله شاءَ أنْ يعاقبه على ما أنزَل ببلاد المسلمين من الخسف والدَّمار، وارتكب في أهلها الأبرياء من العظائم، وأتى ما يأتيه التتار من قتل الرجال، وسبي النساء، واستِرقاق الأطفال، ونهب الأموال، وتخريب المدن والقرى، انسياقًا مع هَواه الذي أعماه عن رُؤية الحق، وأضلَّه عن سبيل المؤمنين، فحمله على الإيقاع بقومٍ لم يعتدوا عليه، ولا ذنبَ لهم إلا أنهم رعيَّة ملك أساء إليه، فافتقد في طريقه هذا ثمرتَيْ قلبه وأنسَيْ حياته: (محمود وجهاد)"[34]، كما افتقد ملكه قبل أنْ يرجع إلى وطنه، وقُتِلَ في الجبال.
ويتجلَّى تفسيرُه الإسلامي للأحداث التاريخيَّة أيضًا في تفصيله للمقدمات التي كانت سببًا لانتصار المسلمين في "عين جالوت" من إقامة العدل بين المسلمين، وقيام العلماء بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنشاء ديوان للدَّعوة إلى الجهاد، وإعداد القوَّة، وإرجاء القتال مع التتار إلى وقت صلاة الجمعة ليُباشِروا قتال أعدائهم وخُطَباء المسلمين على المنابر يدعون لهم بالنصر والتأييد، وغير ذلك من المقدمات التي شرَحَها في رواية "واإسلاماه".

10- الدعوة إلى الوحدة الوطنية بين المسلمين في مواجهة أعدائهم؛ حيث يرى أنَّ المسلمين لا بُدَّ أنْ يتَّحدوا ويُشكِّلوا صفًّا واحدًا لطرد الأعداء من دِيارهم، فيقول على لسان "أسد الدين" في جواب مندوب "مري" ملك الفرنج: "نحن والمصريون شيءٌ واحد، يجمعنا الجنس واللسان والوطن والدِّين، ثم يجمعنا العدوُّ الدخيل الذي هو أنتم، وأنا وجماعتي ما جئنا كذلك إلا لقتالكم وتحصين هذا الوطن العربي منكم، أمَّا بلبيس فما دخَلْناها إلا برضا أهلها وطلبهم، وقد أعانونا بكلِّ ما يقدرون في سبيل الله لا في سبيلنا"[35].
__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59