عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 03-25-2015, 08:29 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,202
ورقة خاطِر اليهودية، ومؤمرات صهيونية: ماذا نستفيد وكيف نُفيد؟! [7]

خاطِر اليهودية، ومؤمرات صهيونية: ماذا نستفيد وكيف نُفيد؟! [7]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(خباب بن مروان الحمد)
ـــــــــــــ


5 / 6 / 1436 هــ
25 / 3 / 2015 م
ــــــــــ




حين نُتابع مستوى ردود الحركات الإسلامية بِرُمّتها، وبيانات العلماء والدعاة بجملتها.
نجد أنّها دون المستوى المطلوب؛ وقول بعضهم أنّ هذه الجهود من باب: (معذرة إلى ربكم) لم تعد في المستوى الذي يعذرنا عند ربنا ؛ وذلك لأنّنا يجب علينا أن نسأل أنفسنا :

- هل بذلنا ما في وسعنا وطاقتنا وقُصارى جهدنا للدفاع عن المسجد الأقصى والقدس والمقادسة؟
- هل تحرّكت طاقتنا بما يبرؤنا أمام الله تعالى، ويجعلنا قائمين بمستوى الحدث؟
- هل بات قُصارى فعلنا متابعة الأخبار، وقراءة التحليلات، ومعرفة المخاطر، ثم الوقوف عند هذا الحد؟
- هل إذا أردنا النوم أو أردنا الراحة، نستشعر أنّنا بذلنا لديننا كما يريد ربّنا منّا؟

وحين نعترف أنّنا دون مستوى الحدث والقيام بالمسؤولية ؛ فماذا فعلنا لنكون قائمين بالمسؤولية؟
وبالتفاتة أخرى فإنا واجدون عدداً مِن شعوبنا الإسلامية والعربيّة إن أرادوا التنصل عن فعل شيء حقيقي لنصرة دين الله وقضايا المسلمين يقولون كلمات تَنِمُّ عن الجبن واليأس والعجز؛ مثل:

- لهم الله!
- أهم شيء الدعاء!!
- ليس لها من دون الله كاشفة !!
- اللهم دبّر لنا فإنّنا لا نُحسن التدبير!!

وهي كلمات صحيحة في أصلها؛ لكنّ التوقف عندها يشي بروح سلبية وفكرة صوفية غاليّة حيث باتت تحكم كثيراً من الناس في واقعهم؛ بدلاً من أن يكون التحدي مُولّداً لقوّة الروح الإيجابيّة المبنيّة على عقيدة التوكّل على الله مع بذل كافّة الأسباب البشريّة التي تُقاوم الظلم بالعلم والمعرفة، وحسن التفكير والتخطيط، مع روح جهادية تغمر المرء في كلّ حركة من حركاته؛ بل سكنة من سكَناته!
لهذا فقياس مدى النفع والفائدة الذي تقوم به أمّتنا تجاه الضرر والجريمة الذي يقوم به أولئك اليهود؛ ينبيك بحقيقة الفرق الهائل بين فعلنا وفعلهم، وتفاعلهم وتفاعلنا!!
إنّ من أكبر الإشكاليات التي يقتنع بها عدد من المسلمين من أهل التوجيه والتوجه والوجوه الإسلامية كذلك؛ اعتبار القضيّة الفلسطينية قضيّة خاصّة بأهلها؛ وهو وإن لم يقل ذلك بلسان مقاله فإنّه يقول ذلك بلسان حاله!
إنّ إسلام أهل الإسلام لهذه الأرض وعدم دفاعهم عنها وتكاسلهم عن أداء حقوقهم نحوها؛ جعلها عُرضة لحركة الأمم من شتّى الاتجاهات؛ فهانحنُ نرى جميع الدول الغربيّة والشرقيّة تتحكّم بها؛ وسكوت المسلمين عن نصرتها النصرة الحقيقيّة الواجبة بشتّى أنواع النُّصرة؛ هو ما جعل دُولهم الأخرى تكونُ عُرضة لحركة الأمم فيها فالقدس كما هو معلوم المقياس الحقيقي لمدى يقظة الأمّة وانتصارها؛ ولم تزل الأمّة في حالة الضعف وتسليط أنواع من الاحتلال الغربي أو الشرقي عليها إلاّ لتخلّيها عن تمسُّكها بالوحي والهدي وتحكيم شريعة الإسلام في كافّة مناحي الحياة.
إنّ الضعف عن نصرة الأقصى سيؤدي بالضعف لنصرة غيرها من البلاد المنكوبة؛ ولقد قالت العرب مثلاً عن ذلك الثور الأبيض الذي قال: (أكلتُ يوم أكل الثور الأسود) فالنكبات تلو النكبات التي تُصيب الأمّة؛ يجعل الأعداء يتقدّمون، والأمّة لا زالت مٌصابة بداء الوهن؛ وهكذا يتقدّم العدو تجاه عدّة بلدان من بلدان المسلمين بل حَوَالَيَ فلسطين؛ ولعلّ من أسباب ذلك:تفريطهم في حفظ كيان الأمّة ومقياس عزّتها؛ وتفكيرهم في دواخل بلادهم المُصطنعة بحدود سايكس بيكو.
لقد قال الله تعالى : (وإنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) فمن ينظر لقضايا أمّته على أنّها قضايا قُطْريِة أو حدوديّة أرضيّة فهو لم يفهم معنى هذه الآية؛ بل خان الأمانة المُناطة به، فالقدس ليست للمقادسة، وفلسطين ليست لأهل فلسطين، بل هي للمسلمين جميعاً؛ وإذا قُدّرللمقادسة أن يولدوا فيها، وقُدِّرَللآخرين أن يُولدوا في مكان آخر؛ فلا يجوزلهم أن يتناسوا ما يقوم به اليهود تجاه القدس والأقصى وأهل الأقصى؛ ذلك أنّا قدّمنا بمقدمة مهمة توضح أوجه الربط بين المسلمين والأقصى، وبين مكّة والقدس، وبين السماء والأرض؛ فالقدس والأقصى قضيّة قائمة على الربط بين هذه الأشياء جميعها.
وإذا كان اليهود لا يفهمون قضيّتهم المزعومة على أرض فلسطين؛ لتكون فئة دون فئة منهم؛ فهم لم يجعلوها قضيّة قوميّة فحسب؛ ولا قضيّة عرقيّة فقط؛ بل قضيّة دينية يسعون إليها عالمياً، وإذا كان هذا الفهم والأساس الفكري مبنياً عند اليهود بهذه الطريقة العلمية والعالمية كذلك؛ فإنّ المفهوم الصحيح للأمّة الإسلامية الواحدة ينبغي ألا تَقْصُرَ حماية القدس والأقصى على الأمّة المقدسيّة فقط؛ أو عموم أهل فلسطين، وتبقى الأمّة تنظر إليهم نظر المراقب للأحداث أو المُتابع لها!
إنّ من الضرورة بمكان مُحاولة الأمّة الإسلامية لتخطي الدور الحكوماتي؛ومعرفة أنّ هذا الدور صار في عُرف الأرقام = صِفر مُكعّب مُتجمّد؛ فلا يليق بأهل الفضل والعلم والمسؤولية أن يُلقوا المسؤولية على أولئك الحُكّام ليقوموا بواجب نصرة القدس والأقصى، فالدور الذي تقوم به كثير من الأنظمة العربيّة واضحة باتفاقاتهم مع يهود سراً أو علناً؛ حماية الوجود الصهيوني أو عدم مقاومته ومنع من يقاومه؛ فالظن أنّ مخاطبة الساسة العرب كي ينتصروا للقدس، ستؤدي نتيجة؛ لن تأتي إلاّ بالفشل، وذلك أنّ المُجرّب لا يُجّرب، ولا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين؛ ومن ثبت تنازله عن حقوق بلاده فأولى به أن يتنازل عن حقوق بلاد أخرى؛ وعليه فكثرة النداءات الفارغة لأولئك الحكّام ليقوموا بدورهم باتت من قبيل الفراغ الفكري، وهو ضرب بالحديد البارد؛ بل إنّه من قبيل الاستغاثة بالأموات، والاستغاثة بالأموات شرك مُحرّم!

لقد أسمعت لو ناديت حياً * ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت * ولكن أنت تنفخ في رماد

وعلامَ نستصرخ في آذانهم والقناعة الصهيونية اليهوديّة تثبت لنا خطأ التعويل على مواقف عدد من تلك الحكومات العربية تجاه القدس؛ ثمّ هي بصراحةحكومات مُتّسقة مع نفسها؛ ولم تدّعِّ يوماً من الأيام أنّها ستقوم بفتح بيت المقدس، أو أنّها ستنصر قضيّة فلسطين.
وبشكل عام فإنّ مسؤولي اليهود والمفكرين منهم يعلمون الدور المُناط بالأنظمة المحاذية لفلسطين أو غيرها؛ وقد ذكرت عدّة مصادر إعلامية صهيونيّة عن وزير القضاء الصهيوني الأسبق"يوسي بيلين" قوله:"الديكتاتوريات العربية منافقة تدعي في العلن عداءنا وفي الخفاء ترتبط معنا بتحالفات سرية"ليصل الحال أن يقول المؤرخ اليهودي "ميخائيل بار زوهر" ومؤلّف كتاب" الموساد" حيث قال:"الطغاة العرب ساعدوا بشكل كبير على تحقيق الحلم الصهيوني وإقامة مشروعها القومي لأنهم لم يقصدوا يوماً التشويش عليه!".
وكتب "أوري إليتسور" مقالاً أوضح فيه الحقائق الصهيونية عن الدكتاتوريات العربية وذلك في صحيفة "معاريف" وكان بعنوان:"العالم يشهد انهيار الدكتاتوريات العربية تمهيداً لعودة الخلافة الإسلامية" حيث حذّر من الثورات العربيّة التي هبّت في المنطقة العربيّة، وبيّن أنّ انهيار الدكتاتوريات العربيّة أكبر خطر يواجه الدولة الصهيونية منذ قيامها، وأوصى في النهاية بالتحالف مع إيران وحزب الله؛ وبيّن أنّها مصلحة قوميّة صهوينية لمواجهة خطر صعود الإسلام!
إذن هذا ما يرتجيه ساسة يهود وكُتّابهم ومؤرّخوهم في حلفائهم من حُكّام المنطقة؛ فهل سنرتجي منهم نصرة القدس والأقصى؟ أو نقض عهود مع يهود التي سخر منها كذلك زعماء اليهود حيث قال:"بن غوريون":"لو كنت زعيما عربيا، لن أوقع اتفاقا مع إسرائيل أبدا. إنه أمر طبيعي، لقد أخذنا بلدهم!"[1].
لقد شَهِدت الأمّة أنّجُلّ الأنظمة العربيّة أسود أبطال إذا ما تعلّق الأمر في الحديث عن أنفاق غزّة مع أنّها لا تُستخدم لإضرار هذه الأنظمة بل لمقاومة المحتل وإدخال المؤن للعيش؛ فيرمونها بالإفك ويلمزونها وينبزونها؛ وفي المقابل تراهم إن تحدّثوا عن عن الأنفاق التي تحت المسجد الأقصى؛ بخجل واستحياء؛ وأغلبيتهم كالبوم لا ينطقون؛ وشهدت الأمّة أنّ الجيش الوحيد الذي لم يُقاتل شعبه هو الجيش اليهودي الصهيوني؛وأنّ كثيراً من الجيوش العربيّة إنّما هي لحماية أصحاب العروش؛ لا للدفاع عن حقوق المسلمين؛ بلإنّها قامت بقتل شعوبها!
إنّ كثرة النداءات والصيحات التي تستهدف الأنظمة لن تفيد، ولن ترجع قدساً ولا تنفع نفساً؛ وقُصارى ما في الأمر أن يرفع هؤلاء القادة قضيّة القدس وأهل بيت المقدس إلى مجلس الأمن، أو الجمعيّة العامّة للأمم المُتّحدة!

وقبل أن نتحدث عن مدى تحقيق مجلس الأمن مطالب المسلمين في فلسطين؛ فسنذكر أهمّ ثلاثة قرارات صدرت عنه وعن الجمعيّة العامّة للأمم المُتّحدة فقد صدر قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2253 لعام 67 اعتبار ضم القدس باطلاً وفي ذات العام اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا آخر يحمل الرقم 2254 يدين إخفاق إسرائيل في الالتزام بالقرار السابق.
كما صدر قرار عن مجلس الأمن 267 في الثالث من حزيران 1969 أدان بالإجماع إخفاق إسرائيل في إظهار أي احترام لقرارات الجمعية العامة وقرارات مجلس الأمن ومطالبة إسرائيل بإلغاء كل الإجراءات المتخذة.
وقرار آخر صادر عن مجلس الأمن رقم 446 في 22 أيار 1979 وقد أكّد على وجوب التزام إسرائيل بإلغاء الإجراءات المتخذة لتغيير الوضع القانوني والطبيعة الجغرافية للمناطق المحتلة بما فيها القدس.
هذا هو مجلس الأمن!
فهل حقّق لأمّتنا الإسلامية مطالبها؟!

مع أنّ عدداً من الأمم الأخرى عرفوا حقيقة مجلس الأمن وماذا يُمكن أن تقوم به أمريكا لتعطيل أي قرار صادر عنه، فقبل زمن وقف ممثل الصين في مجلس الأمن - وهي عضو دائم - وقال عبارة نشرتها الصحف في حينه؛ ونَصُّها أنّ:(أمريكا تتعامل مع مجلس الأمن بالحذاء)[2]! بل صارت أمّتنا العربيّة محل تندّر الأمم الأخرى حين تؤخذ الحقوق منهم فيتعاملون معها بطرقهم الخاصة التي يستردونها بالمغالبة لا بالمطالبة؛ خلال النزاع الذي نشب بين الأرجنتين وبريطانيا على جزر (فوكلاند) قيل وقتها لرئيسة وزراء بريطانيا (تاتشر) لماذا لاتلجؤون إلى مجلس الأمن لفض النزاع عوضاً عن اللجوء إلى الحرب؟ فقالت تركنا مجلس الأمن للعرب ليرفعوا إليه شكواهم ونحن فننتزع حقوقنا بأيدينا!
إنّ هنالك فارق عظيم بين من نصر الإسلام وخذله؛ومع ذلك ففي كتاب الله تعالى خطابلأعظم جيل نصر الإسلام من الصحابة الكرام إذ يقول لهم:(وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) فكم هي الأنظمة العربيّة التي ترجو نصر الإسلام بالسلام؛ ومحاضرات الوئام، ومعتركات الكلام؛ بعيداً عن السنان والسهام!
لَمْ يَعد الأمر عند غالبيّة الأنظمة العربيّة وجود مُحتل صهيوني يهودي يجب أن يخرجوا من فلسطين؛لكن انتقل الحال من أن يكون احتلال إلى أن يكون هنالك مُبادرات سلام ورؤى تطبيعية متساوقة متماهية مع المحتل بالتعاون طبعاً مع المنبطحين من حمامات السلام وزعماءه من المسؤولين الفلسطينيين الذين كذلك لم يعودوا يحملوا أيّ خيار بالتعامل مع المحتل إلاّ المفاوضات ولو فشلت المفاوضات يعودون مرّة أخرى للمفاوضات لأنّ الحياة مفاوضات فحسب!!
حقيقة الصراع على أرض فلسطين بين الدينيّة والقوميّة:
إنّ أرهاق التفكير السايكسبيو دمّر كثيراً من نتاجات تفاعلاتنا مع قضايا أمّتنا؛ فحين يولد المرء ظاناً أنّ محيطه هو محيط دولته بها يُفكر ولها يعيش ولنظامها يُمجّد؛ وفي المقابل نرى اتحادات أوربيّة واتفاقات دوليّة عالمية تتحد وتلتئم مع بعضها، فيما بعض أنظمتنا العربيّة تتلاءم فيما بينها على بعضها؛ وتتنازع على بضع مئات من الأمتار هل هي لحدود دويلاتهم أو ليست كذلك!
إنّ علينا أن نُعيد النظر في قِيَم كثير من اللغة الإعلاميّة المٌستهلكة التي تدعو إلى القومية العربية، أوالوطنيّة السايكسبوكيّة، وغيرها من أنواع النعرات والإقليميات، وهو ما يُريده اليهود أنّ يقوله العرب والمسلمون؛ فيما يهودمُقابل ذلك يُصرّحون أنّهم سيقيمون دولة يهوديّة في عاصمتها القدس.
وقبل الحديث عن طبيعة الصراع بيننا وبين يهود وهو ولا شك صراع عقائدي ديني؛ وصراع الدفاع عن أرض احتلها أولئك الكّفار الظلمة البغاة؛ إلاّ أنّ علينا أن نُوضح حقيقة في غاية الأهميّة تخفى على كثير من الناس؛ وهي أنّ غالبية اليهود في حقيقة حالهم؛ ليسوا يهوداً؛ وقلّة من المحتلين لفلسطين يعتنقون الديانة اليهوديّة بتعالميها الكاملة كبعض الحاخامات وطلابهم والمعاهد والمعابد الدينية التي يقومون بها؛ فأغلبُ الشعب اليهودي علماني وكثير منهم من يُنكر وجود الإله؛ إلاّ أنّهم يعتقدون أنّه قد وعدهم أرض فلسطين التي تفيض لهم عسلاً ولبناً وبركة... وهي من التناقضات العجيبة... ولا شيء عجيب إذ يدخل باب السياسة الكاذبة..!!

إنّ ساسة يهود يستغلُّون دينهم الباطللتحقيق مآربهم؛ ويقومون برعايته وحمايته؛ لأنّه المسمار الأخير في نعش دولتهم؛ فهم محتلون، دولتهم لقيطة، تكوّنت من عدّة أعراق وأجناس، وليسوا هم من سلالة بني إسرائيل إلاّ أقل من 5%، والبقيّة ليسوا كذلك، وكثير منهم فقراء وحالتهم الماديّة ليست مُرهفة كذلك؛ إلاّ قبطان الأموال وهوامير الاقتصاد الذين يتحكّمون في بلادهم؛ ولهذا يجد اليهود ملاذاً للإقامة في تلك الدولة اللقيطة التي تصرف عليهم، وتؤيهم، مِمّا يجعلهم يحملون نعش الدين اليهودي الباطل مُجاهرين لكنّهم يرون أنّ به العُنصرالمساعد لتثبيت وجودهم في فلسطين؛ ادّعاء حق توراتي، أو وجود سابق؛لهذا وظّفت الصهيونيّة العالميّة ومن خلفها الماسونيّة التي تعمل في أغلب دول العالم؛ لدعم هدف سياسي مركزي لهم بإقامة دولة في فلسطين؛ وحاولت أن تستغلّ الدين لهدفها ذلك؛ بناء على نصوص دينيّة توراتية مزعومة.
لكنّ يهود يشتغلون بذكاء ويستغلُّون الواقع السياسي؛ فقد أيقنواأنّه لن يتأتى لهم تحقيق مشروعهم القومي إلا من داخل مشروع استعماري غربي؛ ليكون هنالك جذب وعامل ل*** اليهود من كافّةالأقطار، وهذا لا يُمكن أن يكون إلاّ من ناحية القوميّة الدينية؛ فالتقت المصلحتان الغربية واليهودية في إقامة دولتهم المزعومة داخل قلب الوطن العربي؛ ؛ وتمّ عقد قران دائم بينهما؛ لذلك قال هرتزل أنّ:"سنقيم في آسية جزءاً من حائط لحماية أوروبا يكون عبارة عن حصن منيع للحضارة الغربية في وجه الهمجية"[3]؛ فمصلحة الغرب تتفق مع مصلحة يهود لإقامة هذا الورم السرطاني في قلب العالم العربي؛ وقد ذكرت جريدة هآرتس الدور الذي تم إسناده إلى الدولة اليهودية أن "إسرائيل تم تعيينها لتقوم بدور الحارس الذي يمكن الاعتماد عليه في معاقبة دولة واحدة أو أكثر من جيرانها العرب الذين قد يتجاوز سلوكهم تجاه الغرب الحدود المسموح بها"[4].
دع عنك أنّ هنالك غنيمة باردة لإقامة هذه الدولة اللقيطة والجرثومة السرطانية في فلسطين؛ حيث أنّها تقوم على قطع أوصال المسلمين بعضهم بعضاً من خلال اختيار بؤرة استراتيجية حيويّة تُعتبر مفترق الطرق لقارات ثلاث؛ لتكون أفضل مكان يمكن أن يعيش فيه يهود.
كما أنّهم نشطوا لذلك بعد قناعة تامّة من الأوربيين أنّ يهود قوم مفسدون؛ وأنّ أفضل حلّ لهم أن يعيشوا في بلد مُحدّد لهم؛ خاصّة بعد أن قدّم يهود خدماتهم الكبيرة للبريطانيين؛ فكانت المكافأة والجائزة أن تكون لهم دولة يدعمها الغرب، وقد تحدّث عن هذا بصراحة الكاتب اليهودي "آرثر كوستلر" مُبيّناً أنّ بريطانيا وعدت يهود بأرض فلسطين؛ فقال بصراحة:"إن أمة وعدت أمة ثانية بإعطائها وطن أمه ثالثة" [5] وهو تصريح يشعرك بحجم المؤامرة التي كانت بين الطرفين.
إنّ ثمن التعاون بين يهود والبريطانيين، وتذكر لنا كتب التاريخ أنّ شهر آذار فيسنة 1946م داخل قاعة الشبان المسيحيين بالقدس،كانت لجنة التحقيق الأنجلو- أمريكية تعقد جلساتها العلنية لتسمع الشهادات حول حق العرب واليهود في قضية فلسطين، ومحاضر الجلسة كبيرة ومتنوعة، وفيها شهادة لواحد من أعظم مؤسسي دولة إسرائيل:"وايزمان" ويسأل أحد أعضاء اللجنة (ريتشارد كروسان) –وهو إنكليزي- وايزمان عن تعلقه بالقدس وفلسطين كدولة "محتملة" للشعب اليهودي؟ فأجابه وايزمان:"لقد أعطيت بريطانيا خلاصة حياتي في الحرب العالمية الأولى، أعطيتها اختراع المطاط الاصطناعي، الذي كان من أبرز العناصر في صناعة العتاد الحربي، وفي الحرب العالمية الثانية سقط ولدي وهو يحارب مع الحلفاء ضد النازية وفي جميع الحالات كان حبي "للقدس" هو الذي دفعني للوقوف إلى جانب بريطانيا، لقد أحببت بريطانيا من خلال حبي للقدس" وأعطت بريطانيا فلسطين لليهود؛ وكان لكليهما مصلحتان:

فمصلحة اليهود في ذلك: أن تكون إقامتهم في هذه البُقعة الأرضيَّة لدعاوى وجود يهودي سابق فيها، فلهم الحق في سُكناهالذلك يُطالبون بحقوقهم المسلوبة – زعموا -؛ وتكون إقامتهم فيها ليكون ذلك خدمة لدولتهم المزعومة؛ وسعياً لنصرتها بالمال والاقتصاد والإعلام والسياسة؛ مع استثمار للمآسي التي تعرّض لها اليهود على يد الحكّام الأسبقين ودعاوي المذابح والمحارق التي نُكّلوا بها؛ فيكون ذلك دافعاً لأن يهاجر عموم يهود إلى فلسطين وهم بهذا مستفيدون بإقامة وطن قومي لهم.
ومصلحة الغرب في ذلك وعلى رأسها بريطانيا التي وعدتهم بهذا الحق أن يُكافئوا يهود على خدماتهم لهم؛ وأن يتخلّصوا من شرورهم؛ وأن يتقوّى نفوذهم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً في المنطقة الإسلاميّة؛ وإفساد علاقات المسلمين والعرب فيما بينهم، فيستفيدون بزرع هذه الجرثومة السرطانية في قلب العالم الإسلامي تنفيذاً للمخططات الإحتلاليّة؛ وكان لا بدّ من تكريس مقولة "وحدة ونقاء الشعب اليهودي وعدم قابليته للذوبان والاندماج في الشعوب التي يعيش ضمنها، ومقولة أبدّية العداء للسّاميّة"[6].
لهذا فإنّ زعماء الصهاينة لا يريدونها دولة تُعنى بتطبيق التعاليم اليهوديّة بحذافيرها؛وإنّ "ثيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية عندما زار القدس لم يكن معنياً بتلك الطقوس اليهوديّة التي كان يحتفل بها من يُسمّون أنفسهم يهود بمناسبة استقباله، وكان هرتزل شخصاً علمانياً واضحاً؛ وكان صديقه الكاتب والزعيم الصهيوني وال"ماكس نوردار" ملحدا يجاهر بإلحاده أمام الجميع وكان يعتبر التوراة عبارة عن عمل أدبي كلاسيكي من أعمال "هوميروس" أو كلاسيكيات أوروبا !!

وكما يقول الكاتب الإسرائيلي "ميخائيل هرسيغور" و"وموريس سترون" في كتابهما:"اضطر الشعب اليهودي للتكيف مع العالم الحديث , فكان ممكنا أن يكون الإنسان يهوديا،بدون أن يلتزم بتعاليم الدين اليهودي , فقد كان الهدف في البداية البحث عن دولة اليهود، وليس تأسيس الدولة اليهودية على أرض إسرائيل"[7].
وبعد قيام دولتهم المزعومة كتب "بن جوريون" قائلاً:"على اليهود من الآن فصاعداًألاّ ينتظروا التدخل الإلهي لتحديد مصيرهم بل عليهم أن يلجاؤا إلى الوسائل الطبيعيةالعادية مثل الفانتوم والنابالم"وبعد اعتزاله العمل السياسي دعا مُصمّماً "أن تكون إسرائيل دوله علمانية تحكمها حكومه علمانية وليست دينية"وكان يقول كذلك: "إن الدين هو وسيلة مواصلات فقط ، ولذلك يجب أن نبقى فيها بعض الوقت لا كل الوقت"[8].

فإن قيل : نقرأ بعض التصريحات السياسيّة التي يظهر منها أنّ زعماء الصهاينة اليهود يقولون بعدم الفصل بين الدين والسياسة في سياسة دولتهم، مثل تصريح رئيس الكيان المحتل الصهيوني السابق: "شمعون بيرز" إذ يقول: "الفصل بين الدين والدولة في إسرائيل مستحيل"[9].
وإجابة على ذلك: أنّ اليهود لهم وجهان في الخطاب السياسي؛ فإذا كان خطابهم السياسي داخل دولتهم أو فيما بينهم فإنّهم يتحدّثون بخطاب سياسي علماني؛ لكنّهم يتحدّثون أمام الأمم الأخرى بطريقة مُغايرة لكسب قضيّة وجود قوميتهم اليهوديّة داخل فلسطين؛ وكذا يتحدّثون بذلك أمام الجماعات العنصريّة المُتطرّفة من حاخامات يهود وطلاّب المعاهد الدينيّة بطريقة تُناغي تفكيرهم بخلاف طريقتهم السياسيّة العامة في مخاطبة الشعب الصهيوني اللقيط...

إنّهم بالفعل يستغلُّون الدين ليس تديناً بل تدنياً سياسياً ليجعلوه الكلمة الأولى التي ينطقون بها في وجه من يُخالفهم؛ واللقمة الأولى التي يتغّذون بها؛ لأنّه ما من شيء يُمكنهم أن يستندوا عليه في حقّ وجودهم بأرض فلسطين؛ إلاّ دعاوى تاريخيّة توراتية مُزيّفة؛ ثبت كذبها وتحريفها من جهة؛ وأنّ عدداً من زعماء يهود المتدينين يُخالفونهم في فهمها؛ لكنّ السياسة ما دامت أنّها بحاجة إلى الدين؛ ولن يضرّ الدين سياسة دولتهم؛ فما المانع أن يُطالبوا به؛ ومع أنّه من المعلوم أنّ اليهود نراهم يفصلون بين الدين والدولة عندهم؛ إلاّ أنّهم لدغدغة عواطف الجماعات اليهوديّة المتطرفة التي لها وجود فاعل يخشون من تناميه في دولتهم المزعومة؛ فترى بعض زعمائهم يقولون أنّهم يُركّزون على أهميّة الدين؛ لكن لا يعني أنهم يريدون أن تقوم دولتهم على أساس الدين اليهودي كما يُريد حاخاماتهم؛ بيد أنّهم لا يُعادون دين الحاخامات؛ بل يستعينون بهم في حروبهم؛ ويُشركونهم في قراراتهم؛ فهنالك حالة تصالح إلى حد كبير بين الوجود الديني اليهودي الصهيوني والوجود العلماني اليهودي الصهيوني.

وأياً كان الأمر؛ فهنالك حسم كامل من قِبَلِهِم تجاه المسلمين؛ فإنّهم لا يُريدون أن يرجع المسلمون لإرثهم الديني وعقيدتهم الإسلاميّة في صراعهم مع يهود، فإنّ"إسحاق رابين" قالها بصراحة:"سأحاول أن أعمل ما في وسعي لفصل المسائل الدينية عن صراعنا مع الفلسطييين"بل قال قبل الانتفاضة الفلسطينية بأربعين يوماً: "إنه يتعيّن على إسرائيل البحث بكل السُبل الممكنة لإبقاء المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية مقتصرة على المجال السياسي، فكلما اتخذت المواجهة طابع المواجهة السياسية لا الدينية فإن إسرائيل ستواجه مشكلات عويصة للغاية".

وهكذا يهود يريدون لأنفسهم زعم الحفاظ على قوميتهم وهويتهم اليهوديّة فيما يُريدون أن يُحرّمونه على غيرهم؛ ولهذا نراهم يقولون نحن نريد دولة يهودية ويُطالب بذلك نتنياهو وغيره، في المقابل لا يُريدون أن تكون هنالك مجرد فكرة لإقامة دولة إسلاميّة؛ ثمّ نرى بعض عرباننا يقولون: نُحذّر أنّ ما يجري في القدس ينذر بخطر معركة دينية قادمة تتأجّج معها نار الصراع والحرب الدينية في المنطقة؛ وكأنّ اليهود لا يريدون أن يُشعلوا فتيل الحرب الدينية؛ من خلال مؤامراتهم الكبرى على القدس وأهله، بل إنّهم ووإن ترك بعضهم اليهوديّة مُطلقاً وصار مُلحداً ؛ فقد دخلوا في النهاية في معتقدات وضعية أخرى؛ يُريدون الهيمنة من خلالها على دين المسلمين وأراضيهم وأوطانهم !!

في يوم من الأيام وقف بن غوريون أمام قادة الصندوق القومي اليهودي الذي استولى على أراضينا وخاطبهم بصراحة قائلاً: (الحرب ستعطينا الأرض، انسوا مقولة هذه لنا وهذه ليست لنا!)؛ وهم الآن يُصرِّحون بأنَّهم يُريدونها أرضاً يهوديَّة أياً كانت المآرب؛ وصرنا نخجل من كونها أرضاً إسلامية !
علينا أن نرتقي بمفاهيمنا ولا يكن اليهود أوعى منّا بحقيقة المعركة،فالمجتمع اليهودي متعدّد الأعراق والجنسيات والأفكار فليس لهم لون يجمعهم بل هم خليط من جنسيات مختلفة من شرق العالم وغربه وشماله وجنوبه، والرابطة التي جمعتهم كما يزعمون الديانة اليهودية والفكرة الصهيونية، فهؤلاء اللقطاء الذين أتوا من بلدانهم الأصلية؛ يُريدون أن يحرموا أهل البلاد من وجودهم فيها، ويدّعون أنّهم أصحابها ..!!

ومع هذا فإنّ جُلّ يهود فهموا حقيقة المعركة وتجاوزوا النعرة البُلدانية والوطنية بل داسوها تحت أقدامهم وقدّموا الولاء لفكرة التجمع اليهودي على أرض الميعاد؛ لهذا يُطالبون بدولة يهودية مع مآرب خفيّة لا تخفى كما أسلفنا سابقاً!!
فيما نحن لا زلنا نُعاني من أخلاط مختلفة يُعانون من بُهاق فكري وتلوث منهجي إذ لا زالوا مقتنعين بالفكرة السايكسبوية، وتقسيم بلدان أهل الإسلام إلى مناطق وبلدات كُلٌ يُفكر في بلده وحدود وطنه، و لا يتعدّاه!

فإن أصاب المسلمين في القدس شيئاً لم يهتم بهم عدد ممّن يكون خارج فلسطين، ولربّما إن أصاب أهلنا في سورية شيئاً لم يهتم بهم بعض من يعيش في بلادنا، ولا ندعو لهم في قنوت النوازل، مع أنّ بعض مناطق فلسطين قد تكون أقرب من حدود بعض مناطق سورية أو الأردن، وبعض مناطق سورية والأردن أبعد من حدود فلسطين؛ فترى بعض الوطنيين يهتمون بحدود بلادهم ولو بعدت، ولا يهتمون بما يحصل عن قريب منهم ولو بضعة كيلوات!!
إنّ حقيقة الولاء القُطْري الذي نفخته مناهجنا التعليميّة في أذهان طلبة المدارس وتعظيم عَلَم البلاد والقيام بنشيد الأنشاد، والنفخ في الوطنيّة حتّى صارت قِبلة في التوجه الفكري، وهو أمر بحاجة لاجتثاث كامل من عقول الناس، وتوسيع دائرة الولاء للإسلام و الأمّة المسلمة...
إنّ الناس في فلسطين ما أحبّت الشهيد عزّ الدين القسّام مع كونه سورياً إلاّ لأنه روّى بدمائه الطاهرة أرض بلادنا المباركة، وما أحبّ الناس صلاح الدين الأيوبي الكردي إلاّ لكونه كسر الصليبين في معركة حطين.

نحن أمّة واحدة ذات رسالة إسلامية سائدة، فكما نُطالب الأمّة بنصرة القضية الفلسطينية والهجمات الشرسة التي نعانيها من بني صهيون وعدم السكوت على ذلك، فالمطالبة كذلك تجعلنا ألاّ ننسى حقوق إخواننا في جميع البلدان المضطهدة وأقربها لنا سورية والعراق، وأن يكون ولاءنا لما يعانيه أهل كل بلد مسلم بناء على أخوّتنا لهم في الإسلام، لا على مجرد روابط وطنية أو حزبية ...
علينا أن نستعيد إحياء مفهوم الأمّة الواحدة من جديد في زمن ويلات حروب تستهدف المسلمين في كل البقاع؛ من أعداء المسلمين بمختلف البقاع!!

وأن نتذكر الآيات الكريمات:

(وإنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاتقون)
(وإنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)
(إنّما المؤمنون إخوة)
(كنتم خير أمَّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)
(وكذلك جعلناكم أمَّة وسطاً لتكونوا شهداء على النَّاس ويكون الرسول عليكم شهيداً)

إنّ يهود يخشون من انتقال الحرب لتكون حرباً دينية؛ ولهذا يُريدون حصرها لتكون معركة وطنيّة بالنسبة للعرب والمسلمين؛وفي ذلك يقول الإرهابي بيريز "إن أكثر ما أخشاه على إسرائيل حرب دينية، لأنها ستجند كل المسلمين ضد (إسرائيل)"؛ ولهذا يقومون بمعاداة أهل العلم والمشيخة الذين يُريدون إبراز العداء اليهودي للمسلمين في فلسطين؛وفي إشارةٍ بالغة الوضوح؛ إذ يقول:"إيرل بوغر": "إنّ المبدأ الذي قام عليه وجود إسرائيل منذ البداية، هو أنّ العرب لا بدّ أن يبادروا ذات يومٍ إلى التعاون معها، ولكي يصبح هذا التعاون ممكناً، يجب القضاء على جميع العناصر التي تغذّي شعور العداء ضد (إسرائيل) في العالم العربيّ، وهي عناصر رجعيّة، تتمثّل في رجال الدين والمشايخ"[10].
وكتب الجنرال (داني روتشيلد)، مدير قسم الأبحاث السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية، فقد قال وقت انتفاضة الأقصى :"ويلٌ لدولة إسرائيل، إذا سمحت للأصوليين المسلمين، أن يكونوا بمثابة الجهة التي تتطلّع إليها الجماهير العربية"[11].

إنّ العدو اليهودي الصهيوني لا يخشى من الفلسطيني العلماني أو اليساري وإنَّما يخشى من الإسلامي فحسب؛ وهو يعلم أنّه بمقابلته حربياً سيخسر المعركة على المدى البعيد، لهذا صرّحت"تسيبي ليفني"، من اشتعال الحرب الدينية بينهم وبين المسلمين وأنّ المنطقة ستشتعل عاجلاً أم آجلاً، وحذّرت أن يؤدي الوضع المتأزم في القدس إلى "تحول النزاع القومي مع الفلسطينيين إلى نزاع ديني مع العالم الإسلامي بأسره"[12] مؤكدة ضرورة تجنب الاستفزازات من قبل الجانب الإسرائيلي!
إنّ اليهود قوم يدرسون المجتمعات المُعاصرة بذكاء؛وقد درسوا عصر صلاح الدين الأيوبي جيداً؛ كي لا يأتي الجيل الذي يُحرر القدس كما حصل في عصر صلاح الدين الأيوبي ، ولهذا ذكر البروفيسور الفلسطيني شاكر مصطفى في مقالة له بعنوان: "من الغزوة اليهودية إلى الصهيونية ومن الغزوة الصهيونية إلى اليهودية" أنَّ مجموعة من الباحثين اليهود باللغة العبرية (درسوا عصر صلاح الدين، وتعمقوا في هذه الدراسة، وأخضعوها للقواعد التي تخص العلوم الإنسانية اليوم،ويقولون هدفنا من هذه الدراسة معرفة الأسباب التي أوجدت صلاح الدين حتى نعمل على تطويل عمرنا على هذه الأرض بحيث نعمل على عدم وجود هذه الأسباب التي ستظهر صلاح الدين .

فدرسوا عصر صلاح الدين دراسة علمية، ودرسوا كل ما يخص الإنسان ونمط الحياة، ودرسوا المساجد، هل لها دور فنعطل مهمة المسجد إن كان هذا سيؤدي إلى إظهار صلاح الدين، حتى درسوا نداءات الباعة في الأسواق في عصر صلاح الدين، حتى يعرفوا كيف يفكر الناس ودرسوا الأهازيج التي تقوم الأمهات بإنشادها للأطفال على السرير قبل نومهم، وهل هذه الأهازيج لها دور في إظهار صلاح الدين!!
إنّهم يُريدون أن يحولوا بين الناس وعودتهم إلى دينهم؛ لهذا يُحاولون أن يُبعدوهم عن مصدر قوّتهم وعزّتهم وهو دينهم الحنيف؛ ولهذا جاء على لسان أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل عام 1967 في محاضرة له بجامعة بريستون الأمريكية بقوله: "يحاول بعض الزعماء العرب أن يتعرف على نسبه الإسلامي بعد الهزيمة، وفي ذلك الخطر الحقيقي على إسرائيل، ولذا كان من أول واجباتنا أن نبقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي".

وجاءت صحيفة أحرونوت اليهودية سنة (1987م) تقول: إن على وسائل إعلامنا ألا تنسى حقيقة هامة هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب، هذه الحقيقة هي: أننا نجحنا بجهودنا وبجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب ألا نغفل لحظة واحدة عن تمكين خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا!!
لهذا فإنّ ما يجري من مخاطر يهودية متطرفة ضد القدس؛يعيد القضية الفلسطينية لمركزيتها؛ويعطي مؤشراً حقيقياً أنّ يهود يسعون لصراع ديني محلّه المسجد الأقصى؛ ومن غباء يهود في الوقت الحالي أن تكون مُمارساتهم ضدّ الأقصى وأهل القدس؛ في هذا الوقت الحالي؛ الذي ينتشر فيه وعيُ عموم العرب والمسلمين بخطر يهود ومكرهم وكيدهم؛ حتّى أنّ عدداً من مثقفي المسلمين المنهزمين تجاه الغرب عموماً والنصرانية خصوصاً؛ نرى لهم مواقف حادّة وقوية تجاه الكيان الصهيوني؛ فهذا الوقت إن أراد اليهود فتحه؛ لتقوم به حرب دينية هو أكثر الأوقات تهيئة لهذا المُناخ!
إنّ قضية القدس قضية إسلامية؛ والخطاب العربوي الذي يُريد فصل إسلامية هذه القضيّة عن واقعها؛ خطاب مهزوز مغموز؛ وهو خطاب صار مُهيمناً على لغة ساسة فلسطين؛ وتأثّرت به خطابات بعض السياسيين من إسلاميي فلسطين؛ صارت محكورة على هذه الحاكورة اللُّغوية السياسيَّة!
· اتّجاه الأمل بالعمل:

آية في كتاب الله وصفت حقيقة يهود إذ قال تعالى عنهم: (أم لهم نصيبٌ من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً) فيهود إن استحكموا ببلد من البلدان؛ واستولوا عليه؛ لن يؤتوا الناس نقيراً – كالنقرة التي في ظهر نواة التمرة –فإذا كانت النُّقرة لن يقدّمها يهود فما فوق ذلك من أراضٍ من باب أولى؛ فهم قد تحايلوا على احتلال أرضنا وقدسنا كما هو الجاري بأرض فلسطين؛ فأي اتفاق موهوم معهم يزعم استردادنا لأراضينا منهملن يتم؛لأنّ يهود نقضة عهود وقد وصفهم الله تعالى بقوله: (أوكلّما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم)؛ ومن نقض العهد فكيف يُجرَّب معه إبرام عهد من جديد؛ لهذا كانت استراتيجة رسول الله القتالية قائمة بعقوبة نقضة العهود من يهود دون تهاون وتأخر؛لهذا قال صلّى الله عليه وسلّم:(لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) أخرجه البخاري ومسلم.
ومع قتامة هذه الشنائع التي يقوم بها يهود؛ إلاّ أنّ شعاعاً من نور، يُبرزُ لنا حقائق مكامن أمل يُمكن أن ينبع من خلفها عمل في نصرة القدس وفلسطين؛ ومن أبرزها:
1. ثبات أهل القدس خاصّة وأهل فلسطين عامّة؛ فأهالي هذه الأرض لهم حنين عظيم لها؛ وثبات منقطع النظير – بفضل الله -حتّى أنّ يهود وغيرهم يحارون من شدّة تمسُّك المقادسة بأرضهم رُغم ما يُلاقونه من آلام وعذابات وفجائع تتلوها مواجع؛ لكنّ تثبيت الله قبل كل شيء؛ ثمّ إرادتهم الثبات على هذه الأرض.
إنّ يهود مع شدّة عداوتهم للمسلمين وابتلاء المسلمين بهم؛ إلاّ أنّ الله ابتلاهم بأشدّ الناس بأساً وصعوبة في مواجهة مكائدهم؛ فلئن كان يهود قدر الله في احتلال فلسطين؛ فإنّ عموم القاطنين ديار بيت المقدس رأس الحربة في مدافعة يهود وهم قدر الله تعالى مُقابل احتلال يهود.
ها نحنُ نرى أنّ أهل القدس يرزحون تحت نير الاحتلال وظلمه؛ منذ نصف قرن تقريباً؛وقد حاول اليهود أن يقوموا بكل عوامل التعرية الفكريّة وإقناع أهل القدس بالتطبيع والمواطنة مع يهود؛ إلاّ أنّننا نراهم الآن رأس الحربة في مواجهة كيد يهود.. إنّهم الذين عرفهم التاريخ بالعماليق؛ وهم الذين قال بنو إسرائيل فيهم:{إنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} وحبن دخل الإسلام قلوبهم ازدادا صلابة وقوّة شكيمة على تحمُّل المصاعب؛ فخشيهم يهود ؛ وهابوهم مصداقاً لقول الله – تبارك وتعالى – فيهم: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}، وهذا ما اعترف به قادة يهود فقد قال وزير خارجية الكيان اليهودي الأسبق "شلومو بن عامي" معلقا على الأحداث التي تلت اقتحام شارون للمسجد الأقصى المبارك قبل عقد من الزمان فقال:"إن الفلسطينيين قد أثبتوا أنهم مقاتلون أشداء لا يمكن الاستخفاف بهم مطلقاً، وأضاف:" لقد علمنا ما كان يجب أن نعلمه منذ زمن , وأن تصميم الشعب الفلسطيني على رفض العيش تحت الاحتلال سيدفع أبناءه إلى الاستبسال من أجل التخلص من واقع بائس"[13].
وقال"يعكوف بيريس"رئيس المخابرات اليهودية العامة "الشاباك" السابق:"لقد قاتلت الفلسطينيين عقوداً من الزمن لم ألحظ خلالها كل هذا العزم الذي يبديه المجتمع الفلسطيني حالياً من استعداد لتقديم التضحيات من أجل التخلص من الاحتلال،إن هذا وحده يكفي لخسارة إسرائيل المعركة"[14]وإذا كانت هذه شهادة الأعداء؛ فكفى بها من شهادة عدوٍ لعدوّه!
وعِرفاناً ووفاء لأبطال الرباط في بيت المقدس وأكنافه؛ فالواجب شدّ أزرهم، وتثبيت وجودهم، والقيام بدعم مواقفهم حسياً ومعنوياً، ومواجهة كافّة الأساليب الصهيوينية لتفريغ القدس من أهلها، وعدم التنازل عن شبر منها؛ وإخلاص النيّة في ذلك ؛ ليكون رباطاً في سبيل الله؛ وتجذيرهم في أراضيهم حيث يقتبسون من شجرة "الزيتون" الصلابة والتجذُّر؛ قِبالة يهود مِمّن يُحاول زرع "الغرقد" ليُنمّي الحقد الأسود في قلوبهم!

2. العمل التربوي القائم على "منهجيَّة المقاومة الفكريّة الشّموليّة" حيث أنَّ الحرب على بيت المقدس وأهله؛ من شتَّى الأصعدة؛ وهذا يعني المقاومة والمدافعة بكافَّة الأصعدة؛ وبقدر ما يُحاول المحتل أن يغرس في الوعي اللاشعوري لأهل البلد المحتل أن يصرفوه عن دينه ومقاومته؛ فإنَّه سيفشل مع الثبات على "منهج المقاومة الشًّموليّة" والتاريخ يذكر أنّ فرنسا فوجئت بعد أكثر من قرن من عمليات الإبادة والقهر والتخويف بأن مجموعة من الأفراد تقاطروا في إحدى المدن الجزائرية حيث خرجوا إلى الشوارع يرفعون: "شعار الجزائر تعود لك يا محمد"؛ لهذا تحدَّث الباحثون أنَّ أهم انجازات ثورة الجزائر أنها أوضحت لفرنسا ولكل العالم أن الهوية الإسلامية لا يمكن ان تنتزع من نفوس آمنت بالله، وذاقت حلاوة الإيمان، وهذا أملنا الكبير بالمقادسة الذين حاول الاحتلال البريطاني ومن بعده اليهودي الصهيوني أن يصرفوه عن دينه ولا يزال مستمسكاً بدينه معتزاً به.

3. الوعي بمكائد يهود، ونشر الأساليب المختلفة في توجيه عموم المسلمين؛ بل عموم الإنسانية إلى أكاذيب يهود بدعوى حقّهم في هذه الأرض المُقدّسة؛ والإكثار من الدراسات المُفيدة النافعة في كشف زيف ذلك، ومحاولة بثّ ما فيها جماهيرياً بعدّة طرق لينتشر الوعي؛ فاليهود أسّسوا مراكز دراسات وأبحاث قبل أن يقوموا بتأسيس دولتهم اللقيطة، وهذه الدراسات التي تنتشر في كشف مكائد يهود ينبغي تثميرها واستنطاقها للعمل على ميدان الحياة وأرض الواقع؛ لكي لا يكون مُجرّد كلامنا هتافات وشعارات وبيانات وتحذيرات فحسب؛ بل وعي عامل؛ وفكر مُتحرّك.

4. الاهتمام الحثيث والسعي الهميم لتربية الأجيال على معالم تربويّة وإضاءات تزكويّة لتربية الأجيال وتثقيفهم على معنى الولاء لله ومن يواليه، ومحبته والقرب منه، والعداء من الله ومن يُعاديه، والبراءة منه، وبغضه، وتعميق أثر المُقدّسات في نفوس الأجيال؛ وإنّ العمليّة التربويّة التي قد تستغرق وقتاً، وقد تأخذ جهداً لكنّها في مآلات الأمور ستكون هي الثمرة الناضجة للوقوف الجهادي الصلب أمام جميع عوامل التعرية التي يُحاول يهود أن يقلعوا بها معتقدات المسلمين تجاه دينهم وقدسهم، وما يتبعها من تثبيت الوجود المقدسي، والحراك الفعّال للعمل على رؤية تُعنى باسترداد القدس؛ وحين نقرأ في تاريخ الدولة الأيوبيّة وننعم النظر في أجياله؛ فإنّا واجدون أنّ جيل عماد الدين زنكي كان جيل التثقيف، وجيل نور الدين الزنكي كان جيل الإعداد ،وجيل صلاح الدين الأيوبي كان جيل التحرير؛ فحلقة فاتح بيت المقدس؛ لم تأت هكذا عبطاً أو اعتباطاً؛ فالفضل وإن عاد لصلاح الدين بعد توفيق الله؛ فإنّه عائد لمن قبله ممن كان له دور في إنتاج وإنضاج تلك الأجيال التي كان مآلات تربيتها فتح بيت المقدس.
5. قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج40]، وقال أيضًا: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة251].
وإن مفهوم دفع المظلوم للظالم؛ وجهاد أهل الحق لأهل الباطل؛ هو ذلك المفهوم الذي ثبتت حقيقته في استرداد البلاد من أيدي الظالمين؛ وبهم يتحصّل حفظ الله للعباد والبلاد بل المساجد؛ وهم الذين يحملون لواء الأمّة ولو كانوا قلّة؛ ولقد أثبت القرآن والسنّة والتاريخ والوقائع أنّ القلّة القليلة التي حملت على عاتقها وكاهلها نُصرة هذا الدين هي التي ينصرها الله تعالى ويكتب لها فخراً وذكراً حسناً.
لو بعثنا واحداً من كل ألفٍ * لمشى جيشٌ إلى القدس عرمرم
فلن يخرج العدو من البلاد المحتلة إلا بالمقاومة المتكاملة، المرتكزة على التربية المتكاملة؛ فالله تعالى يقول: (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) وبهذا يجب أن يفهم المحتل:أنه حقّ المسلمين بفلسطين تحريرها من احتلال الغاصبين.

يُدرك يهود أنّ فقاعة السلام ومُبادرات التطبيع هي التي تخدم مشروعهم؛ لهذا يسمحون بها بل يطلبونها ويتغيّونها؛ ففي إطار عملية السلام المزعومة طالب إسحاق شامير بإلغاء كلمة "الجهاد" من "القرآن والسنة " وذلك في مؤتمر مدريد عام 1992م[15]؛ لأنّهم يعلمون ماذا تعني كلمة الجهاد" فضلاً عن فعل "الجهاد" في قلوب المسلمين؛ وما يؤديّه من نكاية وإغاظة حقيقيّة لقلوب المحتلين اليهود الغاصبين.
إنّهم يعلمون كذلك مدى الظلم والإجرام الذي قاموا به تجاه قدسنا وأنفسنا؛ ولذلك يُريدون طمس معالم الجهادفي قلوب المسلمين؛ مع أنّهم يدركون في قرارة أنفسهم مشروعيّة ما يقوم به أهل بيت المقدس في جهادهم وحقّهم في ذلك؛ حتّى وجدنا بعض القادة اليهود بأنفسهم يُشرعنون للفلسطينيين الانضمام للمقاومة؛ لأنّ هذا هو الوضع الطبيعي لبلد احتلّه غُرباء أوباش؛ فلقد صرّح رئيس الوزراء الأسبق"إيهود باراك" في مقابلة مع الصحافي"جدعون ليفي" بعدما تسرَّح من الجيش عام 1991، وقال: "لو ولدت فلسطينياً لكان من الطبيعي أن انضم لإحدى المنظمات الإرهابية الفلسطينية" فإذا كانوا يرون أنّ هذا من الشيء الطبيعي؛ حتّى لو وصفوه بالإرهاب؛ فإنّ هذا يُبيّن أنّهم يرون الحق الطبيعي – ولو كانوا ألدّاء لهذا الحق - في انضمام كل من انتمى لهذه المُنظّمات وقاوم الاحتلال الصهيوني.
إنّ رئيس الكنيست الأسبق أبراهام بورغ - أحد قادة حزب العمل – كتب قائلاً: "الاحتلال هو المسؤول عن دفع الفلسطينيين لعمليات الاختطاف، إن كنا نغضب لخطف جنودنا ومستوطنينا، فإننا نختطف المجتمع الفلسطيني بأسره منذ عشرات السنين، ولا يمكن مطالبة الفلسطينيين بوقف سلوكهم هذا قبل تخليصهم من الاحتلال"[16].

ولهذا فإنّ وجود أدنى حس لعموم المسلمين في فلسطين وخارجها بأنّ الكيان الصهيوني؛ لا يُمكن أن يُسلّم البلاد للعباد إلاّ بمنهجيّة الجهاد والمقاومة؛ لهو شعور رائد ينبغي استثماره؛ وكسر أيّة قاعدة تُعنى بإقناع الناس أنّ طُرق التسوية والسلام والتطبيع هي الأساليب الناجعة؛ بل هي الأساليب المُدجّنة التي يبتغيها العدو ليُعمل بآلة القتل تجاه المجابهين له؛ وإذا كان العدو الصهيوني قد قام بقتل وخنق ذلك الوزير الفلسطيني الذي أراد أن يغرس أشجار الزيتون ولم يقم بطلقة رصاص واحدة تجاه العدو؛ وما سَلِمَ ذلك الوزير المغدور من كيدهم؛ فهذا كلّه ينبغي استثماره لإبداء فشل مبدأ المفاوضات العبثيّة؛ و نصرة مبدأ المقاومة الشُّموليّة؛ فالحقوق المستلبة لن ترد إلاَّ بالقوَّة، ولقد قال الإمام محمد البشير الإبراهيمي في آثاره :(الحقوق التي أخذت اغتصاباً لا تُسترجع إلاَّ غلاباً).

إنَّ العدو المحتل لن يحترم أمَّة لا يوجد عندها سبيل القوة، ومعدن الكرامة، وسبب الحياة والنجاة من بطش جنودهم، ولقد نُهينا عن السلم ونحن بأيدينا قوّة نستطيع أن نكبح بها جماح العدو؛ فالله تعالى يقول: ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم) فالعدو لن تنفع معه إلاَّ لغة القوَّة والتصدي، ومبدأ (الصد والرد).
إنّ من المواقف التي يُؤثّر ذكرها في هذا المُقام ما حكاه المناضل الجزائري "عبد الحميد مهري" وملخصه: أنّ الجزائر كان فيها: (قرية صغيرة وفقيرة لا تكاد تملك من أسباب الحياة إلا النزر اليسير، ورغم ذلك كانت كلما توفر لها قطعة سلاح أو بعض طلقات البارود هاجمت قوات الاستعمار الفرنسي الرابضة على مداخلها.. وفي كل مرة تفعل ذلك كانت تُعاقَب بحملة تأديب وحشية، تقتل فيها قوات الاستعمار من يقع في أيديها من المقاومين، وتخرب بيوت القرية، وتفسد زرعها، وتقتل ماشيتها نكاية وتنكيلا بها.. ورغم ذلك لم تتوقف القرية عن هذه العادة؛ مهاجمة القوات الاستعمارية كلما تيسر لها سلاح وبارود ولو كان قليلا وبدائيًّا.

استدعى قائد القوات الاستعمارية شيوخ ووجهاء القرية وأخذ يحاول إقناعهم بعدم جدوى ما يفعلون، وشرح لهم كيف أن موازين القوى ليست لصالحهم، ومن ثَم فلا فائدة من هجماتهم، وكيف أن قواته من القوة بمكان لا تفلح معه طلقات البارود البدائية، وذكّرهم بأن القرية طوال سنوات الهجوم البدائي هذه لم تتمكن ولو من قتل جندي واحد من قواته المستعمِرة، وأنّ العقاب الذي تناله القرية والتنكيل الذي يقع بأهلها يحتم عليهم التفكير في جدوى هذا العبث!
وأمام منطقية كلام القائد الفرنسي وقوة حجته لم يستطع وجهاء القرية إلا أن يطلبوا منه أن يمهلهم يومًا أو يومين في الرد، وبعدها جاءوا إليه مسلّمين بحجته مقرّين بمنطقه؛ لكنهم رغم ذلك اعتذروا عن أنه ليس باستطاعتهم أن يوقفوا عادتهم في قتال الفرنسيين بكل بندقية قديمة يحصلون عليها أو بعض من طلقات البارود تتوفر لهم.. سألهم القائد الاستعماري عن السبب متعجبًا: فقالوا: "نخشى إن أوقفنا قتالكم أن تفسد تربية أبنائنا"!!)[17].

إن العدوَّ وإن أبدى مسالمةً *** إذا رأى منك يوماً غرةً وثبا
إنّ وجود المقاومة العسكريّة للمحتل مُعينة على يقظة القلوب؛ وصلاح المجتمع؛ وإنّ الغفلة عنها مآله إلى ذهاب ريح المسلمين، وكثرة النزاعات فيما بينهم؛ وغلبة عدوهم عليهم، والعدو بالطبع يُراقب ذلك عن كثَبٍ؛ وما احتلُّت فلسطين إلاّ بسبب ضعف المسلمين وغفلتهم عن مصدر عزّتهم؛ لهذا فإنّ مبدأ اقتحام الباب؛ والجرأة في المواجهة، وحتميّة المُجابهة هو الذي سيكون مؤدّاه ناجعاً؛ ولقد أمر الله قوم موسى أن يدخلوا الباب؛فدخوله سبيل للغلبة حين يتوكلون على الله؛ ومن ظنّ أنّ مفاتيح السلام ستُهدى له دون أن يقتحم فلن ينال السّلم؛ بل من طلب فتح بيت المقدس بالسلام فهو كمن يعيش في سرداب مُظلم ويطلب نُوراً أن يشع عليه دون أن يحمل الفأس ويشقّ الصخر لينبلج النور والضياء؛ خاصّة حين يُريد طلب مفاتيح البيت الذي اغتصبه بكثرة النقاش والمفاوضات التي ثبت فشلها وأنّها مفاوضات عبثيّة ليس بكلام الإسلاميين من مُعارضي هذه المفاوضات بل من كلام من جرّبها مع يهود وأيقن أنّها لن تحمي نفساً ولن تردُّ قُدساً!

خاصّة وأنّ عدداً من المنهزمين قد جرّبوا حقيقة المفاوضات ورأوا أنّ مآلاتها فاشلة؛ ومن كان يُراهنُ عليها أفشل اليهود خططه لإقناع الناس بها؛ لكثرة استحقارهم لمن يقوم بالمفاوضات؛ وعدم تلبية مطالبهم؛ وهم في المُقابل يتراجعون عدّة خطوات لمن يقوم بمبدأ المدافعة والمجاهدة؛ فهذه الأجواء بها يشتغل فكر الجهاد والمدافعة والمقاومة في قلوب كثير من المسلمين؛ ومعرفتهم بحقيقة المعركة؛ وإدراكهم أنّ يهود يُريدونها حرباً على المسلمين واضحة المعالم؛ وهذا يختصر المسافات كثيراً لإقناع من لا يريدون الاعتراف بذلك.

6. إنّ عناية المقدسيين بالمسجد الأقصى ليس لكونه تراثاً وآثار؛بل لكونه مسجداً نُصلي فيه لرب العالمين، وقد صلَّى فيه من قبلنا الأنبياء والرُّسل عليهم الصلاة والسلام؛ والمساجد على قيمتها وأهميتها عند المسلمين فإنّ المسلمين هم الذين يصونوها ويُدافعوا عنها؛ وفي هذا يقول الصَّحابي الجليل أبو الدَّرداء - رضي الله عنْه -: "لولا أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يدفع بمن في المساجد عمَّن ليس في المساجد، وبمَن يغزو عمَّن لا يغزو - لأتاهم العذاب"[18].
وإنّ أعظم هدم يقوم به الأعداء هو هدم الإيمان في قلب الإنسان، قبل سعيهم ومحاولتهم لهدم المسجد الأقصى - حماه الرحمن -!
ولئن قيل: إنّ "الأقصى في خطر" فإنّ المسلمين في وضع أخطر؛ فلو كان المسلمون بكامل الأهبة والاستعداد لدرء مخاطر اليهود لما كان الأقصى في خطر؛ وإنّنا حين نلتفت إلى جهة أخرى وقت أن تحطّم صنم بوذا قامت قيامة الساسة وتدويل القضية عالميا وتدخلت اليونسكو والأمم المتحدة! ومساجدنا في فلسطين يحرقها يهود، ويُدّنسّونها ولا يُوجد نكير لذلك؛ إلاّ أهلها الذين يذودون عنها؛ فقيمة المساجد بقيمة أهلها؛ فهم الذين يحمونها؛ وبما أنّ المسلم بنيان الله على الأرض؛ فإنّه مُكلّف بحماية مساجد الله التي بنيت في الأرض؛ وإنّه لن يعمرها عمرانيا إلا أهل الإسلام، ولن يعمرها روحيا إلا هم كذلك،وبدونهم ستبقى خاوية...!!فلنتحسّس إيماننا لنصون مساجدنا وبلادنا !

7. تحرّك العلماء الربّانيين والشعوب المسلمة للضغط على الأنظمة المتواطئة مع الاحتلال الصهيوني، وكشف أوجه التضليل التي يقوم بها صهاينة العرب بشتّى مراتبهم مِمّن يُكرّرون الاسطوانة المشروخة التي يقولها الصهاينة اليهود؛ داعمين أو متخاذلين في التعامل مع جرائم يهود.
وإنّ كشف حقيقة هؤلاء من الجهاد الكبير؛ ذلك أنّ الأمّة المسلمين ما رُزئت بمصيبة أعظم من وجود من يتعاون مع المحتل وينفذ خططه وخطواته؛ ويكون عوناً أو عيناً لهم على تحقيق مآربهم؛ ولولا وجود هؤلاء لكانت الأمّة في حال أفضل مما هي عليه الآن.
إنّ الجهد العلمائي الكريم دون المستوى المأمول منهم؛ وهو بحاجة لتحرّك أعمق وأكبر على شتّى الأصعدة والمستويات؛ فمن يُحرّك اليهود في فلسطين بله العالم هم حاخامات اليهود الذين يتحرّكون على باطل ويتوحّدون في دعم حكومتهم، حتّى أفتوا مؤخّراً بتحريم إنهاء الاحتلال فضلاً عن تحريم الانسحاب من فلسطين، وقد كان لهم دور خطير في التأثير على مؤسستهم اليهوديّة حيث ذهب 350 حاخام يهودي إلى "نتنياهو"وسلّمُوه التوراة؛ فلم يقفوا عند مجرّد الإفتاء بذلك؛ بل عزّزوا ذلك بتوراتهم المُحرّفة .

8. كسب الأصوات المعتدلة من غير المسلمين غربياً وشرقياً في نظرتهم لخطر الكيان الصهيوني، فضلاً عن اليهود المعارضين لوجود الاحتلال الصهيوني؛ ومحاولة نشر أقوالهم؛ والتواصل معهم لفضح جرائم الاحتلال على جميع المستويات والأصعدة.

9. قيام أهل العلم والفقه بإقامة دورات علميّة وفقهية شرعيّة لبيان مكانة القدس والأقصى في قلوب المسلمين؛ وعدم الاكتفاء ببيانات الإدانة والشجب والاستنكار حالة وقوع مظلمة تجاه المقادسة؛ بل اتّخاذ منهجيّة إلزام النفس بخدمة قضيّة القدس عملاً وقناعة ولو بالقليل؛ وإذا شعرت الأمّة أنّ قضيّة العمل للأقصى والقدس في وجدان العلماء؛ وأنّ تحرُّكهم لهذا مبني على موضوعيّة الأمر واستحقاقه؛ ولزموا ذلك المسار؛ فسنرى أنّ كثيراً من الشباب لن يكون عاطفياً في اهتمامه بالقدس والأقصى؛ أو لا تُحرّكه إلاّ الأخبار الإعلامية؛ فيتحدّث عن العمل للأقصى، وحينما تهدأ الأخبار؛ تخبو شُعلته!!

10. عقد مناظرات عالمية كُبرى تُعنى بكشف الحقائق من شخصيات مُتمرّسة في جانب المناظرات والمحاورات؛ مع العلم التام والوعي الأكيد بكتب اليهود توراة وتلموداً؛ والحقائق المُعاصرة؛ وبيان الأكاذيب أمام الملأ عالمياً في حقّ يهود بفلسطين؛ وكشف المؤامرة الغربيّة التي تُعنى بتثبيت يهود في هذه البلاد.

11. القدس مقبرة الغزاة، وهي جمرة إذا امتدّت إليها يد احترقت؛ ولئن طال احتلالها عقوداً؛ فقد طال احتلالها قبل ذلك أكثر من ذلك؛ وصار مصيرها التحرير والاسترداد؛ ومن يقرأ بنود تنازل الملك الكامل عن القدس للصليبيين 626هـ ؛ حتّى يهنأ بحكمه مٌستقراً في مصر؛ بل يرى ما قام به قاضي نابلس شمس الدين النابلسي وانخداعه بِطُرق فردريك بكثرة مكره وخداعه لمن كانوا في القدس؛ حتّى أنّ قاضي نابلس أمر المؤذنين ألا يرفعوا الأذان في الليلة الأولى لفريدريك في بيت المقدس احترامًا له؛ كما نقله عنه ابن واصل في تاريخه؛ ومع ذلك فقد استرده المسلمون، وكانت الغلبة والقوّة لهم بعد مدّة ليست طويلة في عمر الأمم؛ فالأيام دول، والدهر قُلّب، وجولة الباطل ساعة؛ وجولة الحق إلى قيام الساعة؛ ومن ميزة هذه الأرض أنّ الله تعالى لا يُسلّط عليها عدواً بذاته؛ بل يتغيّر الأعداء من يهود ونصارى وباطنية وغيرهم؛ ويبقى المسلمون، ويُطرد الغزاة.

ورحم الله القاضي الفاضل القائل:(ومعاذَ الله أَن يفتح علينا الْبِلَاد ثُمَّ يُغلقها، وَأَن يُسْلِمَ على يدينا الْقُدسَ ثُمَّ يُنَصّرِهُ،ثُمَّ معَاذَ الله أَن نُغْلَبَ على النَّصْر، ثمَّ معَاذ الله أَن نُغْلَبَ على الصَّبْر. وَهَذَا دين مَا غلب بِكَثْرَة وَلَا نُصِرَ بثروة، وَإِنَّمَا اخْتَار الله تَعَالَى لَهُ أَرْبَاب نِيّاتْ، وَذَوي قُلُوب مَعَه وحالات)[19].
12. إنّ يهود أنفسهم يستشعرون قُرب نهاية دولتهم؛ وأنّها دولة من بيت العنكبوت، كما قال: "موشيه يعلون" وزير الشؤون الإستراتيجية: "إسرائيل كخيوط العنكبوت؛ فمن الخارج تراها قوية، ولكن عندما تدخلها تكتشف أنَّها ضعيفة جداً وتتفكك".

إنّنا نجزم جزماً قاطعاً أنّ دولتهم ستفنى؛ وأنّهم إلى زوال، وأنّ حُكمهم في سفال؛وإنّ من سُنن الله الكونيّة القدريّة أن يبقي العادل في حكمه ولو كان كافراً؛ ويُهلك الظالم في حُكمه ولو كان مُسلماً؛ فكيف إذا كان الحاكمُ ظالماً كافراً كاذباً؟!

ولن ندخل في متاهة الأرقام وما يقوله بعض الفضلاء من تحديد سنوي لسقوط دولة يهود مُقيّدين إيّاه بقولهم أنّه قبلها بقليل أو بعدها بقليل؛ فلم يتعبّدنا الله تعالى بقراءة تاريخ سقوط الدول من خلال حسابات مُعيّنة؛ فالحسابات ظنّيات تخطئ؛ بل أغلبها يُخطئ، وما أعلم أحداً من قديم أو قريب قد حدّد موعد سقوط دولة؛ أو قيام الساعة؛ أو بداية شرط من أشراط الساعة؛ وأصاب في ذلك؛ وهذا من قبيل الاستقراء والتتبع؛ ولم نجد في القرآن الكريم تحديداً لشيء من هذا القبيل، لكنّ المفاصلة التي نعتقدها نهائيّة أنّ هذه الدولة الظالمة الكافرة الباغية المحتلة لن تُعمّر طويلاً؛ وسُنن الله الكونية القدريّة تشهد؛ وبناء عليها نلتزمها ونعتقد.

إنّأرض فلسطين ليست مكتوبة كي يستقر فيها يهود؛ وما دام احتلالهم باقٍ فإنّ الله تعالى سيُسلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب، فقد قال: (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم)، وإنّ الأرض المُقدّسة أرض قد حرّم الله إقامة يهود فيها تحريماً شرعياً؛ وقد وقف بعض المُفسّرين عند قوله تعالى : ( فإنّها مُحرّمة) ثمّ يستأنف : (أربعين عاماً يتيهون في الأرض) كما هو قول عكرمة وقتادة؛ ويُفهم من هذا أنّ أرض فلسطين مُحرّمة على يهود أن يُقيموا فيها إقامة شرعيّة لهذا قال تعالى: (فإنّها مُحرّمة عليكم أربعين سنة يتيهون في الأرض) فمن المُفسّرين من وقف عند قوله : (مُحرّمة عليهم) ثم يستأنف : (أربعين سنة يتيهون في الأرض)؛ فإذا أراد يهود أن يعودوا مفسدين في هذه الأرض فإنّ الله توعدهم أن يسلّط عليهم عباده المؤمنين؛ فقد قالفي سورة الإسراء:(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) [الإسراء:4- 6].

بقي أن أقول:

لكل ظالم نهاية، ونهاية احتلال يهود لبيت المقدس ستكون قادمة حتماً؛ وإذ يظنّ المحتل الظالم أنّه سيقف بكل قوّة له تُردي المظلوم وتصرعه؛ إلاّ أنّه سيأتي يوم يقضّ فيه مضجعه؛ فكلّ ما يقوم به اليهود من قوّة ترسانة مُسلّحة، وتكثيف عدد في فلسطين؛ وبناء جدار عازل، ومناطق آمنة، والاستعانة بحبال الشرق والغرب لحماية ظهورهم...كٌلّه مصيره الزوال..

نعم! سيتذاكى الظالم، والغباء يركبه؛ بعمل خطة مُحصّنة له؛ مُحيطاً نفسه بجدار من حديد؛ وسينسى السقف مفتوحاً؛ لتختلف احتمالات الدكّكدة فوق أمِّ رأسه، و لا يجد لنفسه من عمله مخرجاً!
ستدور الدائرة وسيتولَّى الله تعالى مدافعة كيد الظالمين الكافرين المعتدين؛ وفي الآية برهان ناصع على ذلك، فاستعذ بالله من الشيطان، واقرأ قوله تعالى: (ما ظننتم أن يخرجوا وظنّوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يُخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار)، وكما فُتحت بيت المقدس قديماً؛ ستفتح بإذن الله تعالى قريباً؛ وستعيش الأمّة لحظات البهجة والسعادة كما حدّثنا الواقدي عنلحظات الفرحة التي كان يترقبُّها فاتحوبيتالمقدس إذ يقول: "وقدبلغني أنَّ المسلمين باتوا تلك الليلة – ليلة الاتجاه لفتح القدس – كأنَّهم ينتظرون قادمًايقدم عليهم من شدَّةفرحهم بقتال أهل بيت المقدس،وكلّ أميرٍ يريدأن يفتح على يديه،فيتمتَّع بالصلاةفيه،والنَّظَر إلى آثار الأنبياء"؛من "فتوح الشَّام" للواقدي (1 /216).

ربّ أسعد قلوبنا بفتح عزيز لبيت المقدس ونصر مؤزّر مُبين على اليهود الظالمين؛ والله نسأل أن يعلي كلمته، وينصر دينه، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

----------------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59