عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 03-09-2016, 09:06 AM
الصورة الرمزية صابرة
صابرة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 8,880
افتراضي


الرابع عشر: وصية الرجل الصالح:
عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه، يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته، فتكون كلمات ينفع الله بها، ويسدد الخطى، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله، ولقائه، وجنته، وناره. وهاك أخي، هذه الأمثلة من سيرة الإمام أحمد رحمه الله، الذي دخل المحنة ليخرج ذهباً نقياً. لقد سيق إلى المأمون مقيداً بالأغلال، وقد توعده وعيداً شديداً قبل أن يصل إليه، حتى لقد قال خادم للإمام أحمد: "يعز عليّ يا أبا عبد الله، أن المأمون قد سل سيفاً لم يسله قبل ذلك، وأنه يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف" (البداية والنهاية 1/332). وهنا ينتهز الأذكياء من أهل البصيرة الفرصة ليلقوا إلى إمامهم بكلمات التثبيت؛ ففي السير للذهبي 11/238 عن أبي جعفر الأنباري قال: "لما حُمِل أحمد إلى المأمون أخبرت، فعبرت الفرات، فإذا هو جالس في الخان فسلمت عليه. فقال: يا أبا جعفر تعنيت. فقلت: يا هذا، أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق، وإن لم تُجب ليمتنعن خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك، فإنك تموت، لا بد من الموت، فاتق الله ولا تجب. فجعل أحمد يبكي ويقول: ما شاء الله. ثم قال: يا أبا جعفر أعِد.. فأعدت عليه وهو يقول: ما شاء الله.." (أ.هـ). .

وقال الإمام أحمد في سياق رحلته إلى المأمون: "صرنا إلى الرحبة منها في جوف الليل، فعرض لنا رجل فقال: أيكم أحمد بن حنبل؟ فقيل له: هذا. فقال للجمال: على رسلك.. ثم قال: يا هذا، ما عليك أن تُقتل ها هنا، وتدخل الجنة، ثم قال: أستودعك الله، ومضى. فسألت عنه، فقيل لي هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الصوف في البادية يقال له: جابر بن عامر يُذكر بخير" (سير أعلام النبلاء 11/241). وفي البداية والنهاية: أن أعرابي قال للإمام أحمد: "يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤماً عليهم، وإنك رأس الناس اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه، فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة، وإن كنت تحب الله، فاصبر على ما أنت فيه، فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل"، قال الإمام أحمد: وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع عن ذلك الذي يدعونني إليه (البداية والنهاية 1/332). وفي رواية أن الإمام أحمد قال: "ما سمعت كلمة وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة الأعرابي كلمني بها في رحبة طوق وهي بلدة بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات، قال: يا أحمد إن يقتلك الحق متّ شهيداً، وإن عشت عشت حميداً.. فقوي قلبي" (سير أعلام النبلاء 11/241).

ويقول الإمام أحمد عن مرافقة الشاب محمد بن نوح الذي صمد معه في الفتنة: "ما رأيت أحداً -على حداثة سنه، وقدر علمه- أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير. قال لي ذات يوم: "يا أبا عبد الله، الله الله، إنك لست مثلي، أنت رجل يُقتدى بك، قد مد الخلق أعناقهم إليك، لما يكون منك، فاتق الله، واثبت لأمر الله. فمات وصليت عليه ودفنته" (سير أعلام النبلاء 11/242). وحتى أهل السجن الذين كان يصلي بهم الإمام أحمد وهو مقيد، قد ساهموا في تثبيته. فقد قال الإمام أحمد مرة في الحبس: "لست أبالي بالحبس -ما هو ومنزلي إلا واحد- ولا قتلاً بالسيف، وإنما أخاف فتنة السوط". فسمعه بعض أهل الحبس فقال: "لا عليك يا أبا عبد الله، فما هو إلا سوطان، ثم لا تدري أين يقع الباقي" فكأنه سُرِّي عنه (سير أعلام النبلاء 11/240). فاحرص أيها الأخ الكريم على طلب الوصية من الصالحين وأعقلها إذا تليت عليك. واطلبها قبل سفر إذا خشيت مما قد يقع فيه، واطلبها أثناء ابتلاء، أو قبل محنة متوقعة، واطلبها إذا عُينت في منصب أو ورثت مالاً وغنى، وثبت نفسك، وثبت غيرك والله ولي المؤمنين
يُتبع
__________________
" يا الله أنتَ قوتي وثباتي وأنا غصنٌ هَزيل "
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59