عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 03-09-2013, 05:28 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

ويؤكد فروم أن هذا الحب للسلطة المصاحب للكراهية ضد أولئك الذين لا حول لهم ولا قوة من المعالم النمطية "للشخصية التسلطية". يقول أنه "بينما حرر لوثر النفس من سلطة الكنيسة فقد جعل الناس يخضعون لسلطة أكبر هى سلطة آله يصر على خضوع الإنسان الكامل وفناء النفس الفردية كشرط ضرورى لخلاصه، لقد كان "إيمان" لوثر الاعتقاد بأنه يمكن أن يحب بشرط الاستسلام، هو حل مشابه فى الكثير مع مبدأ خضوع الفرد التام للدولة "والزعيم". (p.70-72) أن تأكيده على عدمية الفرد مهد الطريق لتطور لا يكون فيه الإنسان خاضعاً فحسب للسلطات الدنيوية بل عليه أيضاً أن يجعل حياته تابعة لأغراض الإنجازات الاقتصادية، وهذا التيار قد وصل إلى الذروة فى التأكيد الفاشستى القائل بإن هدف الحياة هو التضحية من أجل القوى "الأعلى" من أجل الزعيم أو الجماعة العنصرية". (p.73) وتحتوى نظرية كالفن فى سبق التقدير تضميناً وجد إحياءه القومى للغاية فى الأيديولوجية النازية، هو مبدأ عدم المساواة الرئيسى بين الناس.
يخلص فروم إلى المعتقدات الدينية الجديدة كانت تلبية لاحتياجات نفسية ظهرت بسبب انهيار النظام الاجتماعى فى العصور الوسطى وبدايات الرأسمالية، فالتطور اللاحق للمجتمع الرأسمالى قد أثر فى الشخصية فى الاتجاه الذى بدأ فى فترة عهد الإصلاح، لقد أصبح الإنسان بمعتقدات البروتستانية مهيأ سيكولوجياً للدور الذى كان عليه أن يلعبه فى ظل النظام الصناعى الحديث.
لقد مهد لوثر وكالفن سيكولوجيا للإنسان لكى يقوم بالدور الذى عليه أن يقوم به فى المجتمع لحديث، الشعور بأن ذاته بلا معنى وباستعداده لجعل حياته تابعة تماماً للأغراض التى ليست أغراضه. وبمجرد أن يصبح الإنسان مستعداً لأن يصبح فحسب وسيلة لعظمة إله لا يمثل العدالة ولا المحبة، يكون مستعداً بما فيه الكفاية لتقبل دور خادم للآلة الاقتصادية. وأخيراً يكون مستعداً لأن يكون فوهرر ديكتاتور. (p. 98)
أن عدم التواصل والوحدة والخوف فيما يرى فروم يجعل الناس لا يستطيعون أن يواصلوا تحمل عبء "التحرر" وهذا يجعلهم يحاولوا أن يهربوا من الحرية كلها. والدروب الاجتماعية الرئيسية للهرب فى زماننا هى الخضوع لزعيم كما حدث فى الفاشية. يقول: "أننا فى جهدنا للهرب من الوحدة والعجز مستعدون لنتخلص من نفسنا الفردية بالخضوع لأشكال جديدة من السلطة. (p.115)
والذى يهمنا فى السياق الحالى تناول فروم أساليب الهروب من الحرية فى الفصل الخامس. ويحددها لنا فى ثلاث هى: النزعة التسلطية، التدميرية، امتثال الإنسان الآلى.
النزعة التسلطية:
الميكانيزم الأول هو الميل إلى التخلى عن استقلال النفس الفردية ودمج النفس فى شخص آخر للحصول على القوة التى تنقص النفس الفردية. وأشد الأشكال المميز لهذا الميكانيزم نجدها فى الرغبة فى الخضوع والهيمنة، أى فى الرغبات المازوكية والسادية الموجودة بدرجات متفاوتة فى الأسوياء والعصابين وكلا هذين الميلين هرب من وحدة لا تطاق. إن أشد الأشكال تكراراً التى يذكرها فروم التى تظهر الرغبات المازوكية هى مشاعر الدونية والعجز واللاجدوى الفردية. هؤلاء الأشخاص يظهرون ميلاً إلى التقليل من أنفسهم وإلى الخضوع لأوامر القوى الخارجية وفى الغالب هم عاجزون تماماً عن معايشة شعور "أنا أريد" أو التحكم فيه والسيطرة عليه.
وبجانب الميول المازوكية نجد الميول التى هى عكسها تماماً إلا وهى الميول السادية وتوجد عادة فى النوع نفسه من الأشخاص. ويميز فروم بين ثلاثة أنواع من الميول السادية مترابطة بشدة الأول هو الذى يجعل الآخرين يعتمدون على المرء وتكون لهم قوة مطلقة غير مقيدة عليهم. والنوع الثانى لديه دافع ليس للسيطرة على الآخرين بل لاستغلالهم والسرقة منهم واستنزافهم والثالث هو الرغبة فى جعل الآخرين يعانون أو أن يروهم يعانون معاناة فى الغالب تكون معاناة ذهنية، هدفها أن تؤذى الآخرين تماماً وأن تذلهم، والسادى يحتاج إلى الشخص الذى يتحكم فيه، إنه يحتاج إليه لدرجة مميتة حيث أن شعوره بالقوة يتمثل فى كونه أنه سيد إنسان ما.
ويتساءل فروم السؤال الرئيسى ما هو جذر كل من الانحراف المازوكى ومعالم الشخصية المازوكية، ما هو الجذر المشترك لكلا الرغبات المازوكية والسادية؟ فكلا الرغبات المازوكية تميل إلى مساعدة الفرد على الهرب من شعوره الذى لا يطاق بالوحدة والعجز. "والرغبات المازوكية لها هدف واحد: هو التخلص من النفس الفردية، فقد النفس الفردية، بعبارة أخرى التخلص من عبء الحرية. وهذا الهدف واضح فى تلك النزعات المازوكية التى يبحث فيها الفرد عن الخضوع لشخص أو لقوة يشعر بأنه أو أنها ذات قوة هائلة مهيمنة". (p. 128)
أن كل الأشكال المختلفة للسادية ترتد إلى دافع أساس واحد، ألا وهو الحصول على سيادة كاملة على الشخص الآخر، وجعله موضوعاً عاجزاً لإرادتها، وكى تصبح الحاكم المطلق عليه وأن نتصرف معه كما تهوى. أن إذلاله واستعباده هما وسيلتان لهذه الغاية والهدف الأقصى هو جعله يعانى. حيث أنه لا توجد قوة على شخص آخر أقوى من بث الألم فيه لإرغامه على المعاناة دون أن يكون قادراً على الدفاع عن نفسه.
يخبرنا فروم كحقيقة واقعة أنه بالنسبة للجانب الأكبر من الطبقة الوسطى الدنيا فى ألمانيا والدول الأوربية الأخرى تكون الشخصية المازوكية السادية هى الشخصية النمطية، وأن هذا النوع من مكون الشخصية، هو الذى تتوجه إليه الأيديولوجيا الألمانية بأمر نداء. ويشير إلى أنه لما كان مصطلح "المازوكى السادى" مقروناً بأفكار الانحراف والعصاب فإنه حين يتحدث عن الشخصية المازوكية السادية عندما لا تكون عصابية بل سوية يتحدث عنها على أنها الشخصية التسلطية الاستبدادية.
وإطلاق اسم الشخصية التسلطية الاستبدادية على الشخصية المازوكية السادية مسألة مبررة، ذلك لأن الشخص المازوكى السادى يتميز دائماً بموقفه نحو السلطة، أنه يعجب بالسلطة ويميل إلى الخضوع لها، وفى نفس الوقت يكون هو سلطة ويكون عنده أخرون يخضعون له. ويضيف لنا فروم سبباً آخر لاختيار هذه التسمية هو أن النظام الفاشى يسمى نفسه نظاماً تسلطياً بسبب الدور السائد للسلطة فى بنائه الاجتماعى السياسى ومن هنا فهو يقصد بمصطلح "الشخصية التسلطية" أنها تمثل نسيج الشخصية الذى هو الأساس الإنسانى للفاشية. (p. 136)
ويلاحظ فروم أن السلطة بدل من أن تختفى قد جعلت نفسها خفية، فبدلاً من السلطة الواضحة تسود السلطة المجهولة. ويبدو أنها لا تستخدم أى ضغط بل الإغراء المعتدل.
أن الصفةالمشتركة فى كل التفكير التسلطى هو القناعة بأن الحياة محددة بقوى خارج نفس الإنسان وخارج مصلحته ورغباته، وتكمن السعادة الوحيدة الممكنة فى الخضوع لتلك القوى وعجز الإنسان هو اللحن الأساسى فى الفلسفة المازوكية (p.141-142)
التدميرية:
والميكانيزم الثانى للهروب من الحرية هو التدميرية. أن هدف التدميرية هو استئصال موضوعها، أنها كامنة فى عدم القدرة على تحمل العجز والعزلة الفردية. فأنا أستطيع أن أهرب من الشعور بعجزى إزاء العالم، الذى هو خارجى بتدميره. والدوافع التدميرية هى هوى فى داخل الشخص، وهى تنجح دائماً أن تجد موضوعاً فإذا لم يستطع الأشخاص الآخرون أن يصبحوا موضوع تدميرية الفرد لأى سبب كان فإن نفسه تصبح بسهولة الموضوع. التدميرية هى نتاج الحياة غير المعايشة. أن تلك الظروف الفردية والاجتماعية التى تسهم فى كبح الحياة تنتج انفعالاً للتدمير يشكل خزاناً تتغذى منه الميول العدوانية الخاصة إما ضد الآخرين أو ضد النفس. وتعد التدميرية لدى الطبقة الوسطى الدنيا عند ايريك فروم عاملاها ما فى نشأة النازية التى استجابت لهذه النزعات التدميرية واستخدمتها فى المعركة ضد أعدائها. (p.151)
امتثال الإنسان الآلى:
يتغلب الفرد فى الميكانيزمات السابقة على الشعور باللامعنى بالمقارنة مع القوة المهيمنة للعالم الخارجى إما عن طريق التنازل عن تكامله الفردى أو عن طريق تدمير الآخرين، وذلك حتى يكف العالم عن توجيه التهديد أو الانسحاب من العالم بدرجة كاملة حتى أن العالم يفقد تهديده وتتضخم النفس سيكولوجيا لدرجة تجعل العالم الخارجى يصبح صغيراً. وبالرغم من أن هذه الميكانيزمات للهرب مهمة بالنسبة لعلم النفس الفردى إلا أن أهميتها العامة الاجتماعية والسياسية أهمية ثانوية لذا يتوقف فروم أمام ميكانيزم أخر أكثر أهمية من الناحية الاجتماعية هو ما يطلق عليه امتثال الإنسان الآلى.
يكف الفرد فى هذا الميكانيزم عن أن يصبح نفسه، حيث يعتنق نوع من الشخصية المقدم له من جانب النماذج الحضارية، حيث يصبح مثل الآخرين، وكما يتوقعون منه إن يكون. هنا الهوة بين "الأنا" والعالم تختفى ويختفى معها الخوف الشعورى بالوحدة والعجز. والشخص الذى يتنازل عن نفسه الفردية ويصبح آلة متطابقاً مع ملايين الآخرين من الآلات المحيطة به لا يحتاج إلى أن يشعر بأنه وحده وقلق، بعد هذا أن الثمن الذى يدفعه عال، أنه فقدان نفسه.
أن اصطباغ الفرد بصبغة آلية فى المجتمع الحديث قد زاد من عجز وزعزعة الفرد المتوسط وصار مستعداً للخضوع لسلطات جديدة تقدم له الأمان والتخفف من الشك. ويتابع فروم فى الفصل الأخير من كتابه بحث هذه الآلية فى الديمقراطية المعاصرة، بينما يتناول فى الفصل السادس الميكانيزم التسلطى فى النازية.
* * *
يناقش فروم سيكولوجية النازية عبر مشكلتين: تكوين شخصية هؤلاء الذين توجهت إليهم النازية بالنداء، والخصائص السيكولوجية للأيديولوجية التى جعلت من النازية أداة فعالة بالنسبة لهؤلاء الناس. ويرى أن الاستعداد للخضوع للنازية يرجع أساساً إلى حالة من السلم والاستسلام الباطنين الذين هما ما يميز الفرد فى الفترة الراهنة. (p.170) ويشير إلى محرك هام لولاء غالبية السكان للحكم النازى الذى أصبح ذا فاعلية بعد وصول هتلر إلى الحكم. يقول: "بالنسبة لملايين السكان أصبح هناك تطابق بين حكم هتلر و"ألمانيا". وبمجرد أن أمسك هتلر بزمام الحكم حتى اعتبر أن القتال ضده يعنى انعزال المرء عن مجتمع الألمان. وعندما ألغيت الأحزاب السياسية الأخرى و "أصبح" الحزب النازى هو ألمانيا أصبحت المعارضة له تعنى المعارضة لألمانيا" (p.171). وبالطبع ليس أشق على الإنسان العادى من أن يتحمل الشعور بأنه ليس متوحداً مع جماعة أكبر. ومن هنا فإن الخوف من العزلة والضعف النسبى للمبادئ الخلقية يساعدان الحزب على كسب ولاء قطاع كبير من السكان إذا ما استولى هذا الحزب على سلطة الدولة.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59