عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 01-09-2012, 11:07 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

و أما طبائعها فهي الطبيعيات المنسوبة للمتولدات في الحروف و هي الحرارة و اليبوسة، و الحرارة و الرطوبة و البرودة و اليبوسة و البرودة و الرطوبة، فهذا سر العدد اليماني، و الحرارة جامعة للهواء و النار و هما: ا هـ ط م ف ش ذ ج ز ك س ق ث ظ، و البرودة جامعة للهواء و الماء ب و ى ن ص ت ض د ح ل ع ر خ غ، و اليبوسة جامعة للنار و الأرض ا هـ ط م ف ش ذ ب و ى ن ص ت ض، فهذه نسبة حروف الطبائع و تداخل أجزاء بعضها في بعض. و تداخل أجزاء العالم فيها علويات و سفليات بأسباب الأمهات الأول، أعني الطبائع الأربع المنفردة، فمتى أردت استخراج مجهول من مسئلة ما، فحقق طالع السائل أو طالع مسئلته واستنطق حروف أوتارها الأربعة: الأول و الرابع و السابع و العاشر مستوية مرتبة، و استخرج أعداد القوى و الأوتار كما سنبين، و احمل و انسب و استنتج الجواب يخرج لك المطلوب، إما بصريح اللفظ أو بالمعنى. و كذلك في كل مسئلة تقع لك. بيانه: إذا أردت أن تستخرج قوى حروف الطالع. مع اسم السائل والحاجة. فاجمع أعدادها بالجمل الكبير، فكان الطالع الحمل رابعه السرطان سابعه الميزان عاشره الجدي. و هو أقوى هذه الأوتاد. فاسقط من كل برج حرفي التعريف. و انظر ما يخص كل برج من الأعداد المنطقة الموضوعة في دائرتها، و احذف أجزاء الكسر في النسب الإستنطاقية كلها و أثبت تحت كل حرف ما يخصه من ذلك، ثم أعداد حروف العناصر الأربعة و ما يخصها كالأول. و ارسم ذلك كله أحرفا و رتب الأوتاد و القوى و القرائن سطرا ممتزجا. و كسر و اضرب ما يضرب لاستخراج الموازين. و اجمع و استنتج الجواب يخرج لك الضمير و جوابه. مثاله افرض أن الطالع الحمل كما تقدم. ترسم ح م ل: فللحاء من العدد ثمانية لها النصف و الربع و الثمن د ب ا الميم لها من العدد أربعون. لها النصف و الربع و الثمن و العشر و نصف العشر إذا أردت التدقيق م ك ى ه د ب، اللام لها من العدد ثلاثون، لها النصف و الثلثان و الثلث و الخمس و السدس و العشر ك ى و هـ ج. و هكذا تفعل بسائر حروف المسئلة و الاسم من كل لفظ يقع لك. و أما استخراج الأوتار فهو أن تقسم مربع كل حرف على أعظم جزء يوجد له. مثاله: حرف د له من الأعداد أربعة مربعها ستة عشر. إقسمها على أعظم جزء يوجد لها و هو اثنان يخرج وترا لدال ثمانية. ثم تضع كل وتر مقابلا لحرفه. ثم تستخرج النسب العنصرية، كما تقدم في شرح الاستنطاق. و لها قاعدة تطرد في استخراجها من طبع الحروف و طبع البيت الذي يحل فيه من الجدول كما ذكر الشيخ لمن عرف الاصطلاح. و الله أعلم.


فصل في الاستدلال على ما في الضمائر الخفية بالقوانين الحرفية
و ذلك لو سأل سائل عن عليل لم يعرف مرضه ما علته. و ما الموافق لبرئه منه، فمر السائل أن يسمي ما شاء من الأشياء على اسم العلة المجهولة، لتجعل ذلك الاسم قاعدة لك. ثم استنطق الاسم مع اسم الطالع و العناصر و السائل و اليوم والساعة إن أردت التدقيق في المسئلة، و إلا اقتصرت على الاسم الذي سماه السائل. و فعلت به كما نبين. فأقول مثلا: سمى السائل فرسا فأثبت الحروف الثلاثة مع أعدادها المنطقة. بيانه: أن للفاء من العدد ثمانين و لها م ك ي ح ب، ثم الراء لها من العدد مائتان ق ن ك ى ثم السين لها من العدد ستون و لها م ل ك فالواو عدد تام له د جـ ب، و السين مثله و لها م ل ك. فإذا بسطت حروف الأسماء وجدت عنصرين متساويين، فاحكم لأكثرهما حروفا بالغلبة على الآخر، ثم احمل عدد حروف عناصر اسم المطلوب و حروفه دون بسط. و كذلك اسم الطالب و احكم للأكثر و الأقوى بالغلبة.
و صفة قوى إستخراج العناصر
فتكون الغلبة هنا للتراب و طبعه البرودة. و اليبوسة طبع السوداء، فتحكم على المريض بالسوداء. فإذا ألفت من حروف الإستنطاق كلاما على نسبة تقريبية خرج موضع الوجع في الحلق، و يوافقه من الأدوية حقنة و من الأشربة شراب الليمون. هذا ما خرج من قوى أعداد حروف اسم فرس و هو مثال تقريبي مختصر. و أما استخراج قوى العناصر من الأسماء العلمية فهو أن تسمي مثلا محمدا، فترسم أحرفه مقطعة. ثم تضع أسماء العناصر الأربعة على ترتيب الفلك، يخرج لك ما في كل عنصر من الحروف و العدد. و مثاله:
فتجد أقوى هذه العناصر من هذا الاسم المذكور عنصر الماء، لأن عدد حروفه عشرون حرفا، فجعلت له الغلبة على بقية عناصر الاسم المذكور. و هكذا يفعل بجميع الأسماء. حينئذ تضاف إلى أوتارها، أو للوتر المنسوب للطالع في الزايرجة، أو لوتر البيت المنسوب لمالك بن وهيب. الذي جعله قاعدة لمزج الأسئلة و هو هذا:
سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن غرائب شك ضبطه الجد مثلا
و هو وتر مشهور لاستخراج المجهولات، و عليه كان يعتمد ابن الرقام و أصحابه. و هو عمل تام قائم بنفسه في المثالات الوضعية. وصفة العمل بهذا الوتر المذكور أن ترسمه مقطعا ممتزجا بألفاظ السؤال على قانون صنعة التكسير. و عدة حروف هذا الوتر أعني البيت ثلاثة و أربعون حرفا، لأن كل حرف مشدد من حرفين.
ثم تحذف ما تكرر عند المزج من الحروف و من الأصل. لكل حرف فضل من المسئلة حرف يماثله، و تثبت الفضلين سطرا ممتزجا بعضه ببعض الحروف. الأول من فضلة القطب و الثاني من فضلة السؤال، حتى يتم الفضلتان جميعا فتكون ثلاثة و أربعين، فتضيف إليها خمس نونات ليكون ثمانية و أربعين، لتعدل بها الموازين الموسيقية. ثم تضع الفضلة على ترتيبها فإن كان عدد الحروف الخارجة بعد المزج يوافق العدد الأصلي قبل الحذف فالعمل صحيح، ثم عمر بما مزجت جدولا مربعا يكون آخر ما في السطر الأول أول ما في السطر الثاني.
و على هذا النسق حتى يعود السطر الأول بعينه، و تتوالى الحروف في القطر على نسبة الحركة. ثم تخرج وتر كل حرف كما تقدم تضعه مقابلا لحرفه، ثم تستخرج النسب العنصرية للحروف الجدولية، لتعرف قوتها الطبيعية و موازينها ********ة و غرائزها النفسانية و أسوسها الأصلية من الجدول الموضوع لذلك. و صفة استخراج النسب العنصرية هو أن تنفر الحرف الأول من الجدول ما طبيعته و طبيعة البيت الذي حل فيه، فإن اتفقت فحسن، و إلا فاستخرج بين الحرفين نسبة. و يتسع هذا القانون في جميع الحروف الجدولية. و تحقيق ذلك سهل على من عرف قوانينة كما هو مقرر في دوائرها الموسيقية. ثم تأخذ وتر كل حرف بعد ضربه في أسوس أوتاد الفلك الأربعة كما تقدم. و احذر ما يلي الأوتاد. و كذلك السواقط لأن نسبتها مضطربة. و هذا الذي يخرج لك هو أول مراتب السريان. ثم تأخذ مجموع العناصر و تحط منها أسوس المولدات يبقى أس عالم الخلق بعد عروضه للمدد الكونية. فتحمل عليه بعض المجردات عن المواد و هي عناصر الإمداد، يخرج أفق النفس الأوسط. و تطرح أول رتب السريان من مجموع العناصر يبقى عالم التوسط. و هذا مخصوص بعوالم الأكوان البسيطة لا المركبة. ثم تضرب عالم التوسط في أفق النفس الأوسط يخرج الأفق الأعلى. فتحمل عليه أول رتب السريان. ثم تطرح من الرابع أول عناصر الإمداد الأصلي يبقى ثالث رتبة السريان. ثم تضرب مجموع أجزاء العناصر الأربعة أبدا في رابع رتب السريان يخرج أول عالم التفصيل، و الثاني في الثاني يخرج ثاني عالم التفصيل، و كذلك الثالث و الرابع، فتجمع عوالم التفصيل و تحط من عالم الكل، تبقى العوالم المجردة، فتقسم على الأفق الأعلى يخرج الجزء الأول. و من هنا يطرد العمل في التامة. و له مقامات في كتب ابن وحشية و البوني و غيرهما. و هذا التدبير يجري على القانون الطبيعي الحكمي في هذا الفن و غيره من فنون الحكمة الإلهية، و عليه مدار وضع الزيارج الحرفية و الصنعة الإلهية و النيرجات الفلسفية. و الله الملهم و به المستعان و عليه التكلان، و حسبنا الله و نعم ال****.

الفصل الثلاثون: في علم الكيمياء
و هو علم ينظر في المادة التي يتم بها كون الذهب و الفضة بالصناعة و يشرح العمل الذي يوصل إلى ذلك فيتصفحون المكونات كلها بعد معرفة أمزجتها و قواها لعلهم يعثرون على المادة المستعدة لذلك حتى من العضلات الحيوانية كالعظام والريش و البيض و العذرات فضلا عن المعادن. ثم يشرح الأعمال التي تخرج بها تلك المادة من القوة إلى الفعل مثل حل الأجسام إلى أجزائها الطبيعية يالتصعيد والتقطير و جمد الذائب منها بالتكليس و إمهاء الصلب بالقهر و الصلابة و أمثال ذلك. و في زعمهم أنه يخرج بهذه الصناعات كلها جسم طبيعي يسمونه الإكسير. و أنه يلقى منه على الجسم المعدني المستعد لقبول صورة الذهب أو الفضة بالاستعداد القريب من الفعل مثل الرصاص و القصدير و النحاس بعد أن يحمى بالنار فيعود ذهبا إبريزا. و يكنون عن ذلك الإكسير إذا ألغزوا في اصطلاحاتهم بالروح و عن الجسم الذي يلقى عليه بالجسد. فشرح هذه الاصطلاحات و صورة هذا العمل الصناعي الذي يقلب هذه الأجساد المستعدة إلى صورة الذهب و الفضة هو علم الكيمياء. و ما زال الناس يؤلفون فيها قديما و حديثا. و ربما يعزى الكلام فيها إلى من ليس من أهلها. و إمام المدونين فيها جابر بن حيان حتى إنهم يخصونها به فيسمونها علم جابر و له فيها سبعون رسالة كلها شبيهة بالألغاز. و زعموا أنه لا يفتح مقفلها إلا من أحاط علما بجميع ما فيها. و الطغرائي من حكماء المشرق المتأخرين له فيها دواوين و مناظرات مع أهلها و غيرهم من الحكماء. و كتب فيها مسلمة المجريطي من حكماء الأندلس كتابه الذي سماه رتبة الحكيم و جعله قرينا لكتابه الآخر في ***** و الطلسمات الذي سماه غاية الحكيم. و زعم أن هاتين الصناعتين هما نتيجتان للحكمة و ثمرتان للعلوم و من لم يقف عليهما فهو فاقد ثمرة العلم و الحكمة أجمع. و كلامه في ذلك الكتاب وكلامهم أجمع في تآليفهم هي ألغاز يتعذر فهمها على من لم يعان اصطلاحاتهم في ذلك. و نحن نذكر سبب عدولهم إلى هذه الرموز و الألغاز. و لابن المغيربي من أئمة هذا الشأن كلمات شعرية على حروف المعجم من أبدع ما يجيء في الشعر ملغوزة كلها لغز الأحاجي و المعاياة فلا تكاد تفهم. و قد ينسبون للغزالي رحمه الله بعض التآليف فيها و ليس بصحيح لأن الرجل لم تكن مداركه العالية لتقف عن خطأ ما يذهبون إليه حتى ينتحله. و ربما نسبوا بعض المذاهب و الأقوال فيها لخالد بن يزيد بن معاوية ربيب مروان بن الحكم و من المعلوم البين أن خالدا من الجيل العربي و البداوة إليه أقرب فهو بعيد عن العلوم و المهناج بالجملة فكيف له بصناعة غريبة المنحى مبنية على معرفة طبائع المركبات و أمزجتها و كتب الناظرين في ذلك من الطبيعيات و الطب لم تظهر بعد و لم تترجم أللهم إلا أن يكون خالد بن يزيد آخر من أهل المدارك الصناعية تشبه باسمه فممكن. و أنا أنقل لك هنا رسالة أبي بكر بن بشرون لأبي السمح في هذه الصناعة و كلاهما من تلاميذ مسلمة فيستدل من كلامه فيها على ما ذهب إليه في شأنها إذا أعطيته حقه من التأمل قال ابن بشرون بعد صدر من الرسالة خارج عن الغرض: و المقدمات التي لهذه الصناعة الكريمة قد ذكرها الأولون و اقتص جميعها أهل الفلسفة من معرفة تكوين المعادن و تخلق الأحجار و الجواهر و طباع البقاع و الأماكن فمنعنا اشتهارها من ذكرها و لكن أبين لك من هذه الصنعة ما يحتاج إليه فتبدأ بمعرفته فقد قالوا: ينبغي لطلاب هذا العلم أن يعلموا أولا ثلاث خصال: أولها هل تكون ؟ و الثانية من أي تكون ؟ و الثالثة من أي كيف تكون ؟ فإذا عرف هذه الثلاثة و أحكمها فقد ظفر بمطلوبه و بلغ نهايته من هذا العلم و أما البحث عن وجوبها و الاستدلال عن تكونها فقد كفيناكه بما بعثنا به إليك من الإكسير. و أما من أي شيء تكون فإنما يريدون بذلك البحث عن الحجر الذي يمكنه العمل و إن كان العمل موجودا من كل شيء بالقوة لأنها من الطبائع الأربع منها تركبت ابتداء و إليها ترجع انتهاء و لكن من الأشياء ما يكون فيه بالقوة و لا يكون بالفعل و ذلك أن منها ما يمكن تفصيلها تعالج و تدبر و هي التي تخرج من القوة إلى الفعل و التي لا يمكن تفصيلها لا تعالج و لا تدبر لأنها فيها بالقوة فقط و إنما لم يمكن تفصيلها لاستغراق بعض طبائعها في بعض و فضل قوة الكبير منها على الصغير. فينبغي لك وفقك الله أن تعرف أوفق الأحجار المنفصلة التي يمكن فيها العمل و جنسه و قوته و عمله و ما تدبر من الحل و العقد و التنقية و التكليس و التنشيف و التقليب فإن من لم يعرف هذه الأصول التي هي عماد هذه الصنعة لم ينجح و لم يظفر بخير أبدا. و ينبغي لك أن تعلم هل يمكن أن يستعان عليه بغيره أو يكتفى به وحده و هل هو واحد في الابتداء أو شاركه غيره فصار في التدبير واحدا فسمي حجرا. و ينبغي لك أن تعلم كيفية عمله و كمية أوزانه و أزمانه و كيف تركيب الروح فيه و إدخال النفس عليه ؟ و هل تقدر النار على تفصيلها منه بعد تركيبها ؟ فإن لم تقدر فلأي علة و ما السبب الموجب لذلك ؟ فان هذا هو المطلوب فافهم. و اعلم أن الفلاسفة كلها مدحت النفس و زعمت أنها المدبرة للجسد و الحاملة له و الدافعة عنه و الفاعلة فيه. و ذلك أن الجسد إذا خرجت النفس منه مات و برد فلم يقدر على الحركة و الامتناع من غيره لأنه لا حياة فيه و لا نور. و إنما ذكرت الجسد و النفس لأن هذه الصفات شبيهة بجسد الإنسان الذي تركيبه على الغذاء و العشاء و قوامه و تمامه بالنفس الحية النورانية التي بها يفعل العظائم و الأشياء المقابلة التي لا يقدر عليها غيرها بالقوة الحية التي فيها. و إنما انفعل الإنسان لاختلاف تركيب طبائعه و لو اتفقت طبائعه لسلمت من الأعراض و التضاد و لم تقدر النفس على الخروج من بدنه و لكان خالدا باقيا. فسبحان مدبر الأشياء تعالى. و اعلم أن الطبائع التي يحدث عنها هذا العمل كيفية دافعة في الابتداء فيضية محتاجة إلى الانتهاء و ليس لها إذا صارت في هذا الحد أن تستحيل إلى ما منه تركبت كما قلناه آنفا في الإنسان لأن طبائع هذا الجوهر قد لزم بعضها بعضا و صارت شيئا واحدا شبيها بالنفس في قوتها و فعلها و بالجسد في تركيبه و مجسته بعد أن كانت طبائع مفردة بأعيانها. فيا عجبا من أفاعيل الطبائع إن القوة للضعيف الذي يقوى على تفصيل الأشياء و تركيبها و تمامها فلذلك قلت قوي و ضعيف. و إنما وقع التعبير و الفناء في التركيب الأول للاختلاف و عدم ذلك في الثاني للاتفاق. و قد قال بعض الأولين التفصيل و التقطيع في هذا العمل حياة و بقاء و التركيب موت و فناء. و هذا الكلام دقيق المعنى لأن الحكيم أراد بقوله حياة و بقاء خروجه من العدم إلى الوجود لأنه ما دام على تركيبه الأول فهو فان لا محالة، فإذا ركب التركيب الثاني عدم الفناء. و التركيب الثاني لا يكون إلا بعد التفصيل و التقطيع فإذا التفصيل و التقطيع في هذا العمل خاصة. فإذا بقي الجسد المحلول انبسط فيه لعدم الصورة لأنه قد صار في الجسد بمنزلة النفس التي لا صورة لها و ذلك أنه لا وزن له فيه و سترى ذلك إن شاء الله تعالى و قد ينبغي لك أن تعلم أن اختلاط اللطيف باللطيف أهون من اختلاط الغليظ و إنما أريد بذلك التشاكل في الأرواح و الأجساد لأن الأشياء تتصل بأشكالها. و ذكرت لك ذلك لتعلم أن العمل أوفق و أيسر من الطبائع اللطائف ********ة منها من الغليظة الجسمانية. و قد يتصور في العقل أن الأحجار أقوى و أصبر على النار من الأرواح كما ترى أن الذهب و الحديد و النحاس أصبر على النار من الكبريت و الزئبق و غيرهما من الأرواح فأقول إن الأجساد قد كانت أرواحا في بدنها فلما أصابها حر الكيان قلبها أجسادا لزجة غليظة فلم تقدر النار على أكلها لإفراط غلظها و تلزجها. فإذا أفرطت النار عليها صيرتها أرواحا كما كانت أول خلقها. و إن تلك الأرواح اللطيفة إذا أصابتها النار أبقت و لم تقدر على البقاء عليها فينبغي لك أن تعلم ما صير الأجساد في هذه الحالة و صير الأرواح في هذا الحال فهو أجل ما تعرفه. أقول إنما أبقت تلك الأرواح لاشتعالها و لطافتها. و إنما اشتعلت لكثرة رطوبتها و لأن النار إذا أحست بالرطوبة تعلقت بها لأنها هوائية تشاكل النار و لا تزال تغتذي بها إلى أن تفنى. و كذلك الأجساد إذا أحست بوصول النار إليها لقلة تلزجها و غلظها و إنما صارت تلك الأجساد لا تشتعل لأنها مركبة من أرض و ماء صابر على النار فلطيفه متحد بكثيفه لطول الطبخ اللين المازج للأشياء. و ذلك أن كل متلاش إنما يتلاشى بالنار لمفارقة لطيفه من كثيفه و دخول بعضه في بعض على غير التحليل و الموافقة فصار ذلك الانضمام و التداخل مجاورة لا ممازجة فسهل بذلك افتراقهما كالماء و الدهن و ما أشبههما. و إنما وصفت ذلك لتستدل به على تركيب الطبائع و تقابلها فإذا علمت ذلك علما شافيا فقد أخذت حظك منها. و ينبغي لك أن تعلم أن الأخلاط التي هي طبائع هذه الصناعة موافقة بعضها لبعض مفصلة من جوهر واحد يجمعها نظام واحد بتدبير واحد لا يدخل عليه غريب في الجزء منه و لا في الكل كما قال الفيلسوف: إنك إذا أحكمت تدبير الطبائع و تآليفها و لم تدخل عليها غريبا فقد أحكمت ما أردت إحكامه و قوامه إذ الطبيعة واحدة لا غريب فيها فمن أدخل عليها غريبا فقد زاغ عنها و وقع في الخطأ. و اعلم أن هذه الطبيعة إذا حل لها جسد من قرائنها على ما ينبغي في الحل حتى يشاكلها في الرقة و اللطافة انبسطت فيه و جرت معه حيثما جرى لأن الأجساد ما دامت غليظة جافية لا تنبسط و لا تتزاوج و حل الأجساد لا يكون بغير الأرواح فافهم هداك الله هذا القول. و اعلم هداك الله أن هذا الحل في جسد الحيوان هو الحق الذي لا يضمحل و لا ينقص و هو الذي يقلب الطبائع و يمسكها و يظهر لها ألوانا و أزهارا عجيبة. و ليس كل جسد يحل خلاف هذا هو الحل التام لأنة مخالف للحياة، فإنما حله بما يوافقه و يدفع عنه حرق النار، حتى يزول عن الغلظ و تنقلب الطبائع عن حالاتها إلى ما لها أن تنقلب من اللطافة و الغلظ. فإذا بلغت الأجساد نهايتها من التحليل و التلطيف ظهرت لها هنالك قوة تمسك و تغوص و تقلب و تنفذ و كل عمل لا يرى له مصداق في أوله فلا خير فيه. و اعلم أن البارد من الطبائع هو ييبس الأشياء و يعقد رطوبتها و الحار منها يظهر رطوبتها و يعقد يبسها و إنما أفردت الحر و البرد لأنهما فاعلان و الرطوبة و اليبس منفعلان و على انفعال كل واحد منهما لصاحبه تحدث الأجسام و تتكون و إن كان الحر أكثر فعلا في ذلك من البرد لأن البرد ليس له نقل الأشياء و لا تحركها و الحر هو علة الحركة. و متى ضعفت علة الكون و هو الحرارة لم يتم منها شيء أبدا كما إنه إذا أفرطت الحرارة على شيء و لم يكن ثم برد أحرقته و أهلكته. فمن أجل هذه العلة احتيج إلى البارد في هذه الأعمال ليقوى به كل ضد على ضده و يدفع عنه حر النار. و لم يحذر الفلاسفة أكبر شيء إلا من النيران المحرقة. و أمرت بتطهير الطبائع و الأنفاس و إخراج دنسها و رطوبتها و نفور آفاتها و أوساخها عنها على ذلك استقام رأيهم و تدبيرهم فإنما عملهم إنما هو مع النار أولا و إليها يصير أخيرا فلذلك قالوا: إياكم و النيران المحرقات. و إنما أرادوا بذلك نفي الآفات التي معها فتجمع على الجسد آفتين فتكون أسرع لهلاكه. و كذلك كل شيء إنما يتلاشى و يفسد من ذاته لتضاد طبائعه و اختلافه فيتوسط بين شيئين فلم يجد ما يقويه و يعينه إلا قهرته الآفة و أهلكته. و اعلم أن الحكماء كلها ذكرت ترداد الأرواح على الأجساد مرارا ليكون ألزم إليها و أقوى على قتال النار إذا هي باشرتها عند الإلفة أعني بذلك النار العنصرية فاعلمه. و لنقل الآن على الحجر الذي يمكن منه العمل على ما ذكرته الفلاسفة فقد اختلفوا فيه فمنهم من زعم أنه في الحيوان و منهم من زعم أنه في النبات و منهم من زعم أنه في المعادن و منهم من زعم أنه في الجميع. و هذه الدعاوى ليست بنا حاجة إلى استقصائها و مناظرة أهلها عليها لأن الكلام يطول جدا و قد قلت فيما تقدم إن العمل يكون في كل شيء بالقوة لأن الطبائع موجودة في كل شيء فهو كذلك فنريد أن تعلم من أي شيء يكون العمل بالقوة و الفعل فنقصد إلى ما قاله الحراني إن الصبغ كله أحد صبغين: إما صبغ جسد كالزعفران في الثوب الأبيض حتى يحول فيه و هو مضمحل منتقض التركيب، و الصبغ الثاني تقليب الجوهر من جوهر نفسه إلى جوهر غيره و لونه كتقليب الشجر بل التراب إلى نفسه و قلب الحيوان و النبات الى نفسه حتى يصير التراب نباتا و النبات حيوانا و لا يكون إلا بالروح الحي و الكيان الفاعل الذي له توليد الأجرام و قلب الأعيان. فإذا كان هذا هكذا فنقول إن العمل لابد أن يكون إما في الحيوان و إما في النبات و برهان ذلك أنهما مطبوعان على الغذاء و به قوامهما و تمامهما. فأما النبات فليس فيه ما في الحيوان من اللطافة و القوة و لذلك قل خوض الحكماء فيه. و أما الحيوان فهو آخر الاستحالات الثلاث و نهايتها و ذلك أن المعدن يستحيل نباتا و النبات يستحيل حيوانا و الحيوان لا يستحيل إلى شيء هو الطف منه إلا أن ينعكس راجعا إلى الغلظ و أنه أيضا لا يوجد في العالم شيء تتعلق فيه الروح الحية غيره و الروح ألطف ما في العالم و لم تتعلق الروح بالحيوان إلا بمشاكلته إياها. فأما الروح التي في النبات فإنها يسيرة فيها غلظ و كثافة و هي مع ذلك مستغرقة كامنة فيه لغلظها و غلظ جسد النبات فلم يقدر على الحركة لغلظه و غلظ روحه. و الروح المتحركة ألطف من الروح الكامنة كثيرا و ذلك أن المتحركة لها قبول الغذاء و التنقل و التنفس و ليس للكامنة غير قبول الغذاء وحده. و لا تجري إذا قيست بالروح الحية إلا كالأرض عند الماء. كذلك النبات عند الحيوان فالعمل في الحيوان أعلى و أرفع و أهون و أيسر. فينبغي للعاقل إذا عرف ذلك أن يجرب ما كان سهلا و يترك ما يخشى فيه عسرا. و اعلم أن الحيوان عند الحكماء ينقسم أقساما من الأمهات التي هي الطبائع و الحديثة التي هي المواليد و هذا معروف متيسر الفهم فلذلك قسمت الحكماء العناصر و المواليد أقساما حية و أقساما ميتة فجعلوا كل متحرك فاعلا حيا و كل ساكن مفعولا ميتا. و قسموا ذلك في جميع الأشياء و في الأجساد الذائبة و في العقاقير المعدنية فسموا كل شيء يذوب في النار و يطير و يشتعل حيا و ما كان على خلاف ذلك سموه ميتا فأما الحيوان و النبات فسموا كل ما انفصل منها طبائع أربعا حيا و ما لم ينفصل سموه ميتا ثم إنهم طلبوا جميع الأقسام الحية. فلم يجدوا لوفق هذه الصناعة مما ينفصل فصولا أربعة ظاهرة للعيان و لم يجدوا غير الحجر الذي في الحيوان فبحثوا عن جنسه حتى عرفوه و أخذوه و دبروه فتكيف لهم منه الذي أرادوا. و قد يتكيف مثل هذا في المعادن و النبات. بعد جمع العقاقير و خلطها ثم تفصل بعد ذلك. فأما النبات فمنه ما ينفصل ببعض هذه الفصول مقل الأشنان و أما المعادن ففيها أجساد و أرواح و أنفاس إذا مزجت و دبرت كان منها ما له تأثير. و قد دبرنا كل ذلك فكان الحيوان منها أعلى و أرفع و تدبيره أسهل و أيسر. فينبغي لك أن تعلم ما هو الحجر الموجود في الحيوان و طريق وجوده. إنا بينا أن الحيوان أرفع المواليد و كذا ما تركب منه فهو ألطف منه كالنبات من الأرض. و إنما كان النبات ألطف من الأرض لأنه إنما يكون من جوهره الصافي و جسده اللطيف فوجب له بذلك اللطافة و الرقة. و كذا هذا الحجر الحيواني بمنزلة النبات في التراب. و بالجملة فإنه ليس في الحيوان شيء ينفصل طبائع أربعا غيره فافهم هذا القول فإنة لا يكاد يخفى إلا على جاهل بين الجهالة و من لا عقل له. فقد أخبرتك ماهية هذا الحجر و أعلمتك جنسه و أنا أبين لك وجوه تدابيره حتى يكمل الذي شرطناه على أنفسنا من الإنصاف إن شاء الله سبحانه.
التدبير على بركة الله خذ الحجر الكريم فأودعه القرعة و الإنبيق و فصل طبائعه الأربع التي هي النار و الهواء و الأرض و الماء و هي الجسد و الصبغ فإذا عزلت الماء عن التراب و الهواء عن النار فارفع كل واحد في إنائه على حدة و خذ الهابط أسفل الإناء و هو الثفل فاغسله بالنار الحارة حتى تذهب النار عنه سواده و يزول غلظه و جفاؤه و بيضه تبييضا محكما و طير عنه فضول الرطوبات المستجنة فيه فإنه يصير عند ذلك ماء أبيض لا ظلمة فيه و لا وسخ و لا تضاد. ثم اعمد إلى تلك الطبائع الأول الصاعدة منه فطهرها أيضا من السواد و التضاد و كرر عليها الغسل و التصعيد حتى تلطف و ترق و تصفو. فإذا فعلت ذلك فقد فتح الله عليك فابدأ بالتركيب الذي عليه مدار العمل. و ذلك أن التركيب لا يكون إلا بالتزويج و التعفين فأما التزويج فهو اختلاط اللطيف بالغليظ و أما التعفين فهو التمشية و السحق حتى يختلط بعضه ببعض و يصير شيئا واحدا لا اختلاف فيه و لا نقصان بمنزلة الامتزاج بالماء. فعند ذلك يقوى الغليظ على إمساك اللطيف و تقوى الروح على مقابلة النار و تصبر عليها و تقوى النفس على الغوص في الأجساد والدبيب فيها. و إنما وجد ذلك بعد التركيب لأن الجسد المحلول لما ازدوج بالروح مازجه بجميع أجزائه و دخل بعضها في بعض لتشاكلها فصار شيئا واحدا و وجب من ذلك أن يعرض للروح من الصلاح و الفساد و البقاء و الثبوت و ما يعرض للجسد لموضع الإمتزاج. و كذلك النفس إذا امتزجت بهما و دخلت فيهما بخدمة التدبير اختلطت أجزاؤها بجميع أجزاء الآخرين أعني الروح و الجسد و صارت هي و هما شيئا واحدا لا اختلاف فيه بمنزلة الجزء الكلي الذي سلمت طبائعه و اتفقت أجزاؤه فإذا ألقى هذا المركب الجسد المحلول و ألح عليه النار و أظهر ما فيه من الرطوبة على وجهه ذاب في الجسد المحلول. و من شأن الرطوبة الاشتمال و تعلق النار بها فإذا أرادت النار التعلق بها منعها من الاتحاد بالنفس ممازجة الماء لها. فإن النار لا تتحد بالدهن حتى يكون خالصا. و كذلك الماء من شأنه النفور من النار. فإذا ألحت عليه النار و أرادت تطييره حبسه الجسد اليابس الممازج له في جوفه فمنعه من الطيران فكان الجسد علة لإمساك الماء و الماء علة لبقاه الدهن و الدهن علة لثبات الصبغ و الصبغ علة لظهور الدهن و اظهار الدهنية في الأشياء المظلمة التي لا نور لها و لا حياة فيها. فهذا هو الجسد المستقيم و هكذا يكون العمل. و هذه التصفية التي سألت عنها و هي التي سمتها الحكماء بيضة و إياها يعنون لا بيضة الدجاج و اعلم أن الحكماء لم تسميها بهذا الاسم لغير معنى بل أشبهتها. و لقد سألت مسلمة عن ذلك يوما و ليس عنده غيري فقلت له: أيها الحكيم الفاضل أخبرني لأي شيء سمت الحكماء مركب الحيوان بيضة ؟ اختيارا منهم لذلك أم لمعنى دعاهم إليه ؟ فقال: بل لمعنى غامض فقلت أيها الحكيم و ما ظهر لهم من ذلك من المنفعة و الاستدلال على الصناعة حتى شبهوها و سموها بيضة ؟ فقال: لشبهها و قرابتها من المركب ففكر فيه فإنه سيظهر لك معناه. فبقيت بين يديه مفكرا لا أقدر على الوصول إلى معناه. فلما رأى ما بي من الفكر و أن نفسي قد مضت فيها أخذ بعضدي و هزني هزة خفيفة و قال لي: يا أبا بكر ذلك للنسبة التي بينهما في كمية الألوان عند امتزاج الطبائع و تأليفها. فلما قال ذلك انجلت عني الظلمة و أضاء لى نور قلبي و قوي عقلي على فهمه فنهضت شاكرا الله عليه إلى منزلي و أقمت على ذلك شكلا هندسيا يبرهن به على صحة ما قاله مسلمة. و أنا واضعه لك في هذا الكتاب. مثال ذلك أن المركب إذا تم و كمل كان نسبة ما فيه من طبيعة الهواء إلى ما في البيضة من طبيعة الهواء كنسبة ما في المركب من طبيعة النار إلى ما في البيضة من طبيعة النار. و كذلك الطبيعتان الأخريان، الأرض و الماء فأقول: إن كل شيئين متناسبين على هذه الصفة هما متشابهان. و مثال ذلك أن تجعل لسطح البيضة هزرح فإذا أردنا ذلك فإنا نأخذ أقل طبائع المركب و هي طبيعة اليبوسة و نضيف إليها مثلها من طبيعة الرطوبة و ندبرهما حتى تنشف طبيعة اليبوسة طبيعة الرطوبة و تقبل قوتها. و كأن في هذا الكلام رمزا و لكنه لا يخفى عليك. ثم تحمل عليهما جميعا مثليهما من الروح و هو الماء فيكون الجميع ستة أمثال. ثم تحمل على الجميع بعد التدبير مثلا من طبيعة الهواء التي هي النفس و ذلك ثلاثة أجزاء فيكون الجميع تسعة أمثال اليبوسة بالقوة. و تحمل تحت كل ضلعين من المركب الذي طبيعته محيطة بسطح المركب طبيعتين فتجعل أولا الضلعين المحيطين بسطحه طبيعة الماء و طبيعة الهواء و هما ضلعا ا ح د و سطح ابجد و كذلك الضلعان المحيطان بسطح البيضة اللذان هما الماء و الهواء ضلعا هزوح فأقول أن سطح ابجد يشبه سطح هزوح طبيعة الهواء التي تسمى نفسا و كذلك بجـ من سطح المركب. و الحكماء لم تسم شيئا باسم شيء إلا لشبهه به. و الكلمات التي سألت عن شرحها الأرض المقدسة و هي المنعقدة من الطبائع العلوية و السفلية. و النحاس هو الذي أخرج سواده و قطع حتى صار هباء ثم حمر بالزاج حتى صار نحاسيا و المغنيسيا حجرهم الذي تجمد فيه الأرواح و تخرجه الطبيعة العلوية التي تستجن فيها الأرواح لتقابل عليها النار و الفرفرة لون أحمر قان يحدثه الكيان. و الرصاص حجر له ثلاث قوى مختلفة الشخوص و لكنها متشاكلة و متجانسة. فالواحدة روحانية نيرة صافية و هي الفاعلة و الثانية نفسانية و هي متحركة حساسة غير أنها أغلظ من الأولى و مزكزها دون مركز الأولى و الثالثة قوة أرضية حاسة قابضة منعكسة إلى مركز الأرض لثقلها و هي الماسكة ********ة والنفسانية جميعا و المحيطة بهما. و أما سائر الباقية فمبتدعة و مخترعة. إلباسا على الجاهل، و من عرف المقدمات استغنى عن غيرها. فهذا جميع ما سألتني عنه و قد بعثت به إليك مفسرا و نرجو بتوفيق الله أن تبلغ أملك و السلام. انتهى كلام ابن بشرون و هو من كبار تلاميذ مسلمة المجريطي شيخ الأندلس في علوم الكيمياء و السيمياء و ***** في القرن الثالث و ما بعده. و أنت ترى كيف صرف ألفاظهم كلها في الصناعة إلى الزمز و الألغاز التي لا تكاد تبين و لا تعرف و ذلك دليل على أنها ليست بصناعة طبيعية. و الذي يجب أن يعتقد في أمر الكيمياء و هو الحق الذي يعضده الواقع أنها من جنس آثار النفوس ********ة و تصرفها في عالم الطبيعة، إما من نوع الكرامة إن كانت النفوس خيرة أو من نوع ***** إن كانت النفوس شريرة فاجرة. فأما الكرامة فظاهرة و أما ***** فلأن الساحر كما ثبت في مكان تحقيقه يقلب الأعيان المادية بقوته *****ية. و لابد له مع ذلك عندهم من مادة يقع فعله *****ي فيها كتخليق بعض الحيوانات من مادة التراب أو الشجر و النبات و بالجملة من غير مادتها المخصوصة بها، كما وقع لسحرة فرعون في الحبال و العصي و كما ينقل عن سحرة السودان و الهنود في قاصية الجنوب و الترك في قاصية الشمال أنهم يسحرون الجو للأمطار و غير ذلك. و لما كانت هذه تخليقا للذهب في غير مادته الخاصة به كان من قبيل ***** و المتكلمون فيه من أعلام الحكماء مثل جابر و مسلمة. و من كان قبلهم من حكماء الأمم إنما نحوا هذا المنحى و لهذا كان كلامهم فيه ألغازا حذرا عليها من إنكار الشرائع على ***** و أنواعه لا أن ذلك يرجع إلى الضنانة بها كما هو رأي من لم يذهب إلى التحقيق في ذلك. و انظر كيف سمى مسلمة كتابه فيها رتبة الحكيم و سمى كتابه في ***** و الطلسمات غاية الحكيم إشارة إلى عموم موضوع الغاية و خصوص موضوع هذه لأن الغاية أعلى من الرتبة فكان مسائل الرتبة بعض من مسائل الغاية و تشاركها في الموضوعات. و من كلامه في الفنين يتبين ما قلناه و نحن نبين فيما بعد غلط من يزعم أن مدارك هذا الأمر بالصناعة الطبيعية. و الله العليم الخبير.

الفصل الحادي و الثلاثون: في إبطال الفلسفة و فساد منتحلها
هذا الفصل و ما بعده مهم لأن هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن. و ضررها في الدين كثير فوجب أن يصدع بشأنها و يكشف عن المعتقد الحق فيها. و ذلك أن قوما من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله الحسي منه و ما وراء الحسي تدرك أدواته و أحواله بأسبابها و عللها بالأنظار الفكرية و الأقيسة العقلية و أن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل. و هؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف و هو باللسان اليوناني محب الحكمة. فبحثوا عن ذلك و شمروا له و حوموا على إصابة الغرض منه و وضعوا قانونا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق و الباطل و سموه بالمنطق. و محصل ذلك أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية فيجرد منها أولا صور منطبقة على جميع الأشخاص كما ينطبق الطابع على جميع النقوش التي ترسمها في طين أو شمع. و هذه مجردة من المحسوسات تسمى المعقولات الأوائل. ثم تجرد من تلك المعاني الكلية إذا كانت مشتركة مع معان أخرى و قد تميزت عنها في الذهن فتجرد منها معان أخرى و هي التي اشتركت بها. ثم تجرد ثانيا إن شاركها غيرها و ثالثا إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية المنطبقة على جميع المعاني و الأشخاص و لا يكون منها تجريد بعد هذا و هي الأجناس العالية. و هذه المجردات كلها من غير المحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض. لتحصيل العلوم منها تسمى المعقولات الثواني. فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجردة و طلب تصور الوجود. كما هو فلابد للذهن من إضافة بعضها إلى بعض و نفي بعضها عن بعض بالبرهان العقلي اليقيني ليحصل تصور الوجود تصورا صحيحا مطابقا إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر. و صنف التصديق الذي هو تلك الإضافة و الحكم متقدم عندهم على صنف التصور في النهاية و التصور متقدم عليه في البداءة و التعليم لأن التصور التام عندهم هو غاية الطلب الإدراكي و إنما التصديق وسيلة له و ما تسمعه في كتب المنطقيين من تقدم التصور و توقف التصديق عليه فبمعنى الشعور لا بمعنى العلم التام و هذا هو مذهب كبيرهم أرسطو ثم يزعمون أن السعادة في إدراك الموجودات كلها ما في الحس و ما وراء الحس بهذا النظر و تلك البراهين. و حاصل مداركهم في الوجود على الجملة و ما آلت إليه و هو الذي فرعوا عليه قضايا أنظارهم أنهم عثروا أولا على الجسم السفلي بحكم الشهود و الحس ثم ترقى إدراكهم قليلا فشعروا بوجود النفس من قبل الحركة و الحس في الحيوانات ثم احسوا من قوى النفس بسلطان العقل. و وقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من القضاء على أمر الذات الإنسانية. و وجب عندهم أن يكون للفلك نفس و عقل كما للإنسان ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد و هي العشر، تسع مفصلة ذواتها جمل و واحد أول مفرد و هو العاشر. و يزعمون أن السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس و تخلقها بالفضائل و أن ذلك ممكن للإنسان و لو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة و الرذيلة من الأفعال بمقتضى عقله و نظره و ميله إلى المحمود منها و اجتنابه للمذموم بفطرته و أن ذلك اذا حصل للنفس حصلت لها البهجة و اللذة و أن الجهل بذلك هو الشقاء السرمدي و هذا عندهم هو معنى النعيم و العذاب في الآخرة إلى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف في كلماتهم. و إمام هذه المذاهب الذي حصل مسائلها و دون علمها و سطر حججها فيما بلغنا في هذه الأحقاب هو أرسطو المقدوني من أهل مقدونية من بلاد الروم من تلاميذ أفلاطون و هو معلم الإسكندر و يسمونه المعلم الأول على الإطلاق يعنون معلم صناعة المنطق إذ لم تكن قبله مهذبة و هو أول من رتب قانونها و استوفى مسائلها و أحسن بسطها و لقد أحسن في ذلك القانون ما شاء لو تكفل له بقصدهم في الإلهيات ثم كان من بعده في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب و أتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل إلا في القليل. و ذلك أن كتب أولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي تصفحها كثير من أهل الملة و أخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم و جادلوا عنها و اختلفوا في مسائل من تفاريعها و كان من أشهرهم أبو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة و أبو علي بن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان و غيرهما. و اعلم أن هذا الرأي الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه. فأما إسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول و اكتفاؤهم به في الترقي إلى الواجب فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله فالوجود أوسع نطاقا من ذلك و يخلق ما لا تعلمون و كأنهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط و الغفلة عما وراءه بمثابة الطبيعيين المقتصرين على إثبات الأجسام خاصة المعرضين عن النقل و العقل المعتقدين أنه ليس وراء الجسم في حكمة الله شيء. و أما البراهين التي يزعمونها على مدعياتهم في الموجودات و يعرضونها على معيار المنطق و قانونه فى قاصرة و غير وافية بالغرض. أما ما كان منها في الموجودات الجسمانية و يسمونه العلم الطبيعي فوجه قصوره أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود و الأقيسة كما في زعمهم و بين ما في الخارج غير يقيني لأن تلك أحكام ذهنية كلية عامة و الموجودات الخارجية متشخصة بموادها. و لعل في المواد ما يمنع مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي اللهم إلا مالا يشهد له الحس من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين فأين اليقين الذي يجدونه فيها ؟ و ربما يكون تصرف الذهن أيضا في المعقولات الأول المطابقة للشخصيات بالصور الخيالية لا في المعقولات الثواني التي تجريدها في الرتبة الثانية فيكون الحكم حينئذ يقينيا بمثابة المحسوسات إذ المعقولات الأول أقرب إلى مطابقة الخارج لكمال الانطباق فيها فنسلم لهم حينئذ دعاويهم في ذلك. إلا أنه ينبغي لنا الإعراض عن النظر فيها إذ هو من ترك المسلم لما لا يعنيه فإن مسائل الطبيعيات لا تهمنا في ديننا و لا معاشنا فوجب علينا تركها. و أما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحس و هي ********ات و يسمونه العلم الإلهي و علم ما بعد الطبيعة فإن ذواتها مجهولة رأسا و لا يمكن التوصل إليها و لا البرهان عليها لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية إنما هو ممكن فيما هو مدرك لنا. و نحن لا ندرك الذوات ********ة حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا و بينها فلا يأتي لنا برهان عليها و لا مدرك لنا في إثبات وجودها على الجملة إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية و أحوال مداركها و خصوصا في الرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد و ما وراء ذلك من حقيقتها و صفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه. و قد صرح بذلك محققوهم حيث ذهبوا إلى أن مالا مادة له لا يمكن البرهان عليه لأن مقدمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتية. و قال كبيرهم أفلاطون: إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى أينين و إنما يقال فيها بالأخلق و الأولى يعني الظن: و إذا كنا إنما نحصل بعد التعب و النصب على الظن فقط قيكفينا الظن الذي كان أولا فأي فائدة لهذه العلوم و الاشتغال بها و نحن إنما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحس من الموجودات و هذه هي غاية الأفكار الإنسانية عندهم. و أما قولهم إن السعادة في إدراك الموجودات على ما هي عليه يتلك البراهين فقول مزيف مردود و تفسيره أن الإنسان مركب من جزءين أحدهما جسماني و الآخر روحاني ممترج به و لكل واحد من الجزءين مدارك مختصة به و المدرك فيهما واحد و هو الجزء ******** يدرك تارة مدارك روحانية و تارة مدارك جسمانية إلا أن المدارك ********ة يدركها بذاته بغير واسطة و المدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس. و كل مدرك فله ابتهاج بما يدركه. و اعتبره بحال الصبى في أول مداركه الجسمانية التي هي بواسطة كيف يبتهج بما يبصره من الضوء و بما يسمعه من الأصوات فلا شك أن الابتهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد و ألذ. فالنفس ********ة إذا شعرت بإدراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج و لذة لا يعبر عنهما و هذا الإدراك لا يحصل بنظر و لا علم و إنما يحصل بكشف حجاب الحس و نسيان المدارك الجسمانية بالجملة. و المتصوفة كثيرا ما يعنون بحصول هذا الإدراك للنفس بحصول هذه البهجة فيحاولون بالرياضة إماتة القوى الجسمانية و مداركها حتى الفكر من الدماغ و ليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال الشواغب و الموانع الجسمانية يحصل لهم بهجة و لذة لا يعبر عنهما. و هذا الذي زعموه بتقدير صحته مسلم لهم و هو مع ذلك غير واف بمقصودهم. فأما قولهم إن البراهين و الأدلة العقلية محصلة لهذا النوع من الإدراك و الابتهاج عنه فباطل كما رأيته إذ البراهين و الأدلة من جملة المدارك الجسمانية لأنها بالقوى الدماغية من الخيال و الفكر و الذكر. و نحن نقول إن أول شيء نعنى به في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها لأنها منازعة له قادحة فيه و تجد الماهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء و الإشارات و النجاء و تلاخيص ابن رشد للقص من تأليف أرسطو و غيره يبعثر أوراقها و يتوثق من براهينها و يلتمس هذا القسط من السعادة فيها و لا يعلم أنه يستكثر بذلك من الموانع عنها. و مستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو و الفارابي و ابن سينا أن من حصل له إدراك العقل الفعال و اتصل به في حياته فقد حصل حظة من هذه السعادة. و العقل الفعال عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشف عنها الحس من رتب ********ات و يحملون الاتصال بالعقل الفعال على الإدراك العلمي و قد رأيت فساده و إنما يعني أرسطو و أصحابه بذلك الاتصال و الإدراك إدراك النفس الذي لها من ذاتها و بغير واسطة و هو لا يحصل إلا بكشف حجاب الحس. و أما قولهم إن البهجة الناشئة عن هذا الإدراك هي عين السعادة الموعود بها فباطل أيضا لأنا إنما تبين لنا بما قرروه أن وراء الحس مدركا آخر للنفس من غير واسطة و أنها تبتهج بإدراكها ذلك ابتهاجا شديدا و ذلك لا يعين لنا أنه عين السعادة الأخروية و لابد بل هي من جملة الملاذ التي لتلك السعادة. و أما قولهم إن السعادة في إدراك هذه الموجودات على ما هي عليه فقول باطل مبني على ما كنا قدمناه في أصل التوحيد من الأوهام و الأغلاط في أن الوجود عند كل مدرك منحصر في مداركه. و بينا فساد ذلك و إن الوجود أوسع من أن يحاط به أو يستوفى إدراكه بجملته روحانيا أو جسمانيا. و الذي يحصل من جميع ما قررناه من مذاهبهم أن الجزء ******** إذا فارق القوى الجسمانية أدرك إدراكا ذاتيا له مختصا بصنف من المدارك و هي الموجودات التي أحاط بها علمنا و ليس بعام الإدراك في الموجودات كلها إذ لم تنحصر و أنه يبتهج بذلك النحو من الإدراك ابتهاجا شديدا كما يبتهج الصبي بمداركه الحسية في أول نشوءه و من لنا بعد ذلك بإدراك جميع الموجودات أو بحصول السعادة التي وعدنا بها الشارع إن لم نعمل لها، هيهات هيهات لما توعدون. و أما قولهم إن الإنسان مستقل بتهذيب نفسه و إصلاحها بملابسة المحمود من الخلق و مجانبة المذموم فأمر مبني على أن ابتهاج للنفس بإدراكها الذي لها من ذاتها هو عين السعادة الموعود بها لأن الرذائل عائقة للنفس عن تمام إدراكها ذلك بما يحصل لها من الملكات الجسمانية و ألوانها. و قد بينا أن أثر السعادة و الشقاوة و من وراء الإدراكات الجسمانية و ********ة فهذا التهذيب الذي توصلوا إلى معرفته إنما نفعه في البهجة الناشئة عن الإدراك ******** فقط الذي هو على مقاييس و قوانين. و أما ما وراء ذلك من السعادة التي وعدنا بها الشارع على امتثال ما أمر به من الأعمال و الأخلاق فأمر لا يحيط به مدارك المدركين. و قد تنبه لذلك زعيمهم أبو علي ابن سينا فقال في كتاب المبدأ و المعاد ما معناه: إن المعاد ******** و أحواله هو مما يتوصل إليه بالبراهين العقلية و المقاييس لأنه على نسبة طبيعية محفوظة و وتيرة واحدة فلنا في البراهين عليه سعة. و أما المعاد الجسماني و أحواله فلا يمكن إدراكه بالبرهان لأنه ليس على نسبة واحدة و قد بسطته لنا الشريعة الحقة المحمدية فلنظر فيها و ليرجع في أحواله إليها. فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشرائع و ظواهرها. و ليس له فيما علمنا إلا ثمرة واحدة و هي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة و الحجج لتحصيل ملكة الجودة و الصواب في البراهين. و ذلك أن نظم المقاييس و تركيبها على وجه الأحكام و الإتقان هو كما شرطوه في صناعتهم المنطيقية و قولهم بذلك في علومهم الطبيعية و هم كثيرا ما يستعملونها في علومهم الحكمية من الطبيعيات و التعاليم و ما بعدها فيستولي الناظر فيها بكثرة استعمال البراهين بشروطها على ملكة الإتقان و الصواب في الحجج و الاستدلالات لأنها و إن كانت غير وافية بمقصودهم فهي أصح ما علمناه من قوانين الأنظار. هذه ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم و آرائهم و مضارها ما علمت. فليكن الناظر فيها متحرزا جهده معاطبها و ليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات و الاطلاع على التفسير و الفقه و لا يكبن أحد عليها و هو خلو من علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطبها. و الله الموفق للصواب و للحق و الهادي إليه. و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

الفصل الثاني و الثلاثون: في ابطال صناعة النجوم و ضعف مداركها و فساد غايتها
هذه الصناعة يزعم أصحابها أنهم يعرفون بها الكائنات في عالم العناصر قبل حدوثها من قبل معرفة قوى الكواكب و تأثيرها في المولدات العنصرية مفردة و مجتمعة فتكون لذلك أوضاع الأفلاك و الكواكب دالة على ما سيحدث من نوع من أنواع الكائنات الكلية و الشخصية. فالمتقدمون منهم يرون أن معرفة قوى الكواكب و تأثيراتها بالتجربة و هو أمر تقصر الأعمار كلما لو اجتمعت عن تحصيله إذ التجربة إنما تحصل في المرات المتعددة بالتكرار ليحصل عنها العلم أو الظن. و أدوار الكواكب منها ما هو طويل الزمن فيحتاج تكرره إلى آماد و أحقاب متطارلة يتقاصر عنها ما هو طويل من أعمار العالم. و ربما ذهب ضعفاء منهم إلى أن معرفة قوى الكواكب و تأثيراتها كانت بالوحي و هو رأي فائل و قد كفونا مؤنة إبطاله. و من أوضح الأدلة فيه أن تعلم أن الأنبياء عليهم الصلاة و السلام أبعد الناس عن الصنائع و أنهم لا يتعرضون للإخبار عن الغيب إلا أن يكون عن الله فكيف يدعون استنباطه بالصناعة و يشيرون بذلك لتابعيهم من الخلق. و أما بطليمس و من تبعه من المتأخرين فيرون أن دلالة الكواكب على ذلك دلالة طبيعية من قبل مزاج يحصل للكواكب في الكائنات العنصرية قال لأن فعل النيرين و أثرهما في العنصريات ظاهر لا يسع أحدا حجده مثل فعل الشمس في تبدل الفصول و أمزجتها و نضج الثمار و الزرع و غير ذلك و فعل القمر في الرطوبات و الماء و إنضاج المواد المتعفنة و فواكه القناء و سائر أفعاله. ثم قال: و لنا فيما بعدها من الكواكب طريقان الأولى التقليد لمن نقل ذلك عنه من أئمة الصناعة إلا أنه غير مقنع للنفس و الثانية الحدس و التجربة بقياس كل واحد منها إلى النير الأعظم الذي عرفنا طبيعته و أثره معرفة ظاهرة فننظر هل يزيد ذلك الكوكب عند القران في قوته و مزاجه فتعرف موافقته له في الطبيعة أو ينقص عنها فتعرف مضادته. ثم إذا عرفنا قواها مفردة عرفناها مركبة و ذلك عند تناظرها بأشكال التثليث و التربيع و غيرهما و معرفة ذلك من قبل طبائع البروج بالقياس أيضا إلى النير الأعظم. و إذا عرفنا قوى الكواكب كلها فهي مؤثرة في الهواء و ذلك ظاهر. و المزاج الذي يحصل منها للهواء يحصل لما تحته من المولدات و تتخلق به النطف و البزر فتصير حالا للبدن المتكون عنها و للنفس المتعلقة به الفائضة عليه المكتسبة لما لها منه و لما يتبع النفس و البدن من الأحوال لأن كيفيات البزرة و النطفة كيفيات لما يتولد عنهما و ينشأ منهما. قال: و هو مع ذلك ظني و ليس من اليقين في شيء و ليس هو أيضا من القضاء الإلهي يعني القدر إنما هو من جملة الأسباب الطبيعية للكائن و القضاء الإلهي سابق على كل شيء. هذا محصل كلام بطليمس و أصحابه و هو منصوص في كتابه الأربع و غيره. و منه يتبين ضعف مدرك هذه الصناعة و ذلك أن العلم الكائن أو الظن به إنما يحصل عن العلم بجملة أسبابه من الفاعل و القابل و الصورة و الغاية على ما يتبين في موضعه. و القوى النجومية على ما قرروه إنما هي فاعلة فقط و الجزء العنصري هو القابل ثم إن القوى النجومية ليست هي الفاعل بجملتها بل هناك قوى أخرى فاعلة معها في الجزء المادي مثل قوة التوليد للأب و النوع التي في النطفة و قوى الخاصة التي تميز بها صنف من النوع و غير ذلك. فالقوى النجومية إذا حصل كمالها و حصل العلم فيها إنما هي فاعل واحد من جملة الأسباب الفاعلة للكائن. ثم إنة يشترط مع العلم بقوى النجوم و تأثيراتها مزيد حدس و تخمين و حينئذ يحصل عنده الظن بوقوع الكائن. و الحدس و التخمين قوى للناظر في فكره و ليس من علل الكائن و لا من أصول الصناعة فإذا فقد هذا الحدس و التخمين رجعت أدراجها عن الظن إلى الشك. هذا إذا حصل العلم بالقوى النجومية على سداده و لم تعترضه آفة و هذا معوز لما فيه من معرفة حسبانات الكواكب في سيرها لتتعرف به أوضاعها و لما أن اختصاص كل كوكب بقوة لا دليل عليه. و مدرك بطليمس في إثبات القوى للكواكب الخمسة بقياسها إلى الشمس مدرك ضعيف لأن قوة الشمس غالبه لجميع القوى من الكواكب و مستولية عليها فقل أن يشعر بالزيادة فيها أو النقصان منها عند المقارنة كما قال و هذه كلها قادحة في تعريف الكائنات الواقعة في عالم العناصر بهذه الصناعة. ثم إن تأثير الكواكب فيما تحتها باطل إذ قد تبين في باب التوحيد أن لا فاعل إلا الله بطريق استدلالي كما رأيته و احتج له أهل علم الكلام بما هو غني في البيان من أن إسناد الأسباب إلى المسببات مجهول الكيفية و العقل منهم على ما يقضى به فيما يظهر بادئ الرأي من التأثير فلعل استنادها على غير صورة التأثير المتعارف. و القدرة الإلهية رابطة بنهما كما ربطت جميع الكائنات علوا و سفلا سيما و الشرع يرد الحوادث كلها إلى قدرة الله تعالى و يبرأ مما سوى ذلك. و النبؤات أيضا منكرة لشأن النجوم و تأثيراتها. و استقراء الشرعيات شاهد بذلك في مثل قوله إن الشمس و القمر لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته و في قوله أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر بي. فأما من قال مطرنا بفضل الله و رحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب و أما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب الحديث الصحيح. فقد بان لك بطلان هذه الصناعة من طريق الشرع و ضعف مداركها مع ذلك من طريق العقل مع ما لها من المضار في العمران الإنساني بما تبعث من عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق من أحكامها في بعض الأحايين أتفاقا لا يرجع إلى تعليل و لا تحقيق فيلهج بذلك من لا معرفة له و يظن اطراد الصدق في سائر أحكامها و ليس كذلك. فيقع في رد الأشياء إلى غير خالقها. ثم ما ينشأ عنها كثيرا في الدول من توقع القواطع و ما يبعث عليه ذلك التوقع من تطاول الأعداء و المتربصين بالدولة إلى الفتك و الثورة. و قد شاهدنا من ذلك كثيرا فينبغي أن تحظر هذه الصناعة على جميع أهل العمران لما ينشأ عنها من المضار في الدين و الدول، و لا يقدح في ذلك كون وجودها طبيعيا للبشر بمقتضى مداركهم و علومهم. فالخير و الشر طبيعتان موجودتان في العالم لا يمكن نزعهما و إنما يتعلق التكليف بأسباب حصولهما فيتعين السعي في اكتساب الخير بأسبابه و دفع أسباب الشر و المضار. هذا هو الواجب على من عرف مفاسد هذا العلم و مضاره. و ليعلم من ذلك أنها و إن كانت صحيحة في نفسها فلا يمكن أحدا من أهل الملة تحصيل علمها و لا ملكتها بل إن نظر فيها ناظر و ظن الإحاطة بها فهو في غاية القصور في نفس الأمر. فإن الشريعة لما حظرت النظر فيها فقد الاجتماع من أهل العمران لقراءتها و التحليق لتعليمها و صار المولع بها من الناس و هم الأقل و أقل من الأقل إنما يطالع كتبها و مقالاتها في كسر بيته متسترا عن الناس و تحت ربقة الجمهور مع تشغب الصناعة و كثرة فروعها و اعتياصها على الفهم فكيف يحصل منها على طائل ؟ و نحن نجد الفقه الذي عم نفعه دينا و دنيا و سهلت مآخذه من الكتاب و السنة و عكف الجمهور على قراءته و تعليمه ثم بعد التحقيق و التجميع و طول المدارسة و كثرة المجالس و تعدها إنما يحذق فيه الواحد بعد الواحد في الأعصار و الأجيال. فكيف يعلم مهجور للشريعة مضروب دونه سد الخطر و التحريم مكتوم عن الجمهور صعب المآخذ محتاج بعد الممارسة و التحصيل لأصوله و فروعه إلى مزيد حدس و تخمين يكتنفان به من الناظر فأين التحصيل و الحذق فيه مع هذه كلها. و مدعى ذلك من الناس مردود على عقبه و لا شاهد له يقوم بذلك لغرابة الفن بين أهل الملة و قلة حملته فاعتبر ذلك يتبين لك صحة ما ذهبنا إليه. و الله أعلم بالغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. و مما وقع في هذا المعنى لبعض أصحابنا من أهل العصر عندما غلب العرب عساكر السلطان أبي الحسن و حاصروه بالقيروان و كثر إرجاف الفريقين الأولياء و الأعداء و قال في ذلك أبو القاسم الروحي من شعراء أهل تونس:
أستغفر الله كل حين قد ذهب العيش و الهناء
أصبح في تونس و أمسي و الصبح لله و المساء
الخوف و الجوع و المنايا يحدثها الهرج و الوباء
و الناس في مرية و حرب و ما عسى ينفع المراء
فأحمدي يرى عليا حل به الهلك و التواء
و آخر قال سوف يأتي به إليكم صبا رخاء
و الله من فوق ذا و هذا يقضي لعيديه ما يشاء
يا راصد الخنس الجواري ما فعلت هذه السماء
مطلتمونا و قد زعمتم أنكم اليوم أملياء
مر خميس على خميس و جاء سبت و أربعاء
و نصف شهر و عشر ثان و ثالث ضمه القضاء
و لا نرى غير زور قول أذاك جهل أم ازدراء
إنا إلى الله قد علمنا أن ليس يستدفع القضاء
رضيت بالله لي إلها حسبكم البدر أو ذكاء
ما هذه الأنجم السواري إلا عباديد أو إماء
يقضى عليها و ليس تقضي و ما لها في الورى اقتضاء
ضلت عقول ترى قديما ما شأنه الجرم و الفناء
و حكمت في الوجود طبعا يحدثه الماء و الهواء
لم تر حلوا إزاء مر تغذوهم تربة و ماء
الله ربي و لست أدري ما الجوهر الفرد و الخلاء
و لا الهيولى التي تنادي ما لي عن صورة عراء
و لا وجود و لا انعدام و لا ثبوت و لا انتفاء
و الكسب لم أدر فيه إلا ما *** البيع و الشراء
و إنما مذهبي و ديني ما كان للناس أولياء
إذ لا فصول و لا أصول و لا جدال و لا رياء
ما تبع الصدر و اقتفينا يا حبذا كان الاقتفاء
كانوا كما يعلمون منهم و لم يكن ذلك الهذاء
يا أشعري الزمان إني أشعرني الصيف و الشتاء
لم أجز بالشر غير شر و الخير عن مثله جزاء
و إنني إن أكن مطيعا فلست أعصى و لي رجاء
و إنني تحت حكم بار أطاعه العرش و الثراء
ليس انتصار بكم و لكن أتاحه الحكم و القضاء
لو حدث الأشعري عمن له إلى رأيه انتماء
لقال أخبرهم بأني مما يقولونه براء
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59