عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-03-2012, 12:37 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
ورقة الاتجاه الإسلامي في روايات باكثير التاريخية


بسم الله الرحمن الرحيم
الاتجاه الإسلامي في روايات علي أحمد باكثير التاريخية

د. حسن سرباز[1]

يعدُّ علي أحمد باكثير من روَّاد الأدب الإسلامي والقصَّة الإسلاميَّة في العصر الحديث، وله إسهاماتٌ جيِّدة في مجال المسرحيَّة والرواية والشعر.

تأثَّر باكثير في رواياته بالتصوُّر الإسلامي، واستطاع أنْ يبرز من خِلالها الفكر الإسلامي والقِيَم الإسلاميَّة في صورة فنيَّة ممتعة.

وتهدف هذه الدراسة إلى دراسة رواياته التاريخيَّة والتركيز على اتِّجاهه الإسلامي باستخراج الملامح الإسلاميَّة فيها، ووصلت إلى أنَّ باكثير نشَأ نشأةً إسلاميَّة، وجعل الفكر الإسلامي فلسفة لأدبه ومنهجًا لحياته، كما وصلت إلى أنَّه في آثاره صاحِبُ فكرة وصاحِبُ رسالة يدعو إليها ويسعى إلى خِدمتها دون أنْ يخلَّ بفنيَّة آثاره.



وقد بدَا للدارس من خِلال دراسة رواياته حشدٌ كبيرٌ من المظاهر الإسلاميَّة تتجلَّى من خِلالها ثقافته الدينيَّة ورؤيته الإسلاميَّة.



بدأ علي أحمد باكثير حياته الأدبيَّة شاعرًا غنائيًّا غلَب عليه طابع التقليد للقُدَماء، وفي الحجاز تعرَّف على المسرحيَّات الشعريَّة وتأثَّر بأحمد شوقي كثيرًا؛ فكتب مسرحيَّة "همام أو في عاصمة الأحقاف" بأسلوب الشعر المقفَّى، كما كتب قصيدة (نظام البردة أو ذكرى محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم) وهو في أفكارها ومعانيها يتبع شوقي ويُحاكِيه في تضمينها روح العصر ومشاكل المجتمع الإسلامي، وفي مصر وبعد اطِّلاعه على الأدب الغربي والأدب العربي الحديث تغيَّرت مَسِيرته الشعريَّة، وترجم مسرحيَّة "روميو وجولييت" لشكسبير بأسلوب الشعر المرسل، ثم كتب مسرحيَّة "أخناتون ونفرتيتي" بنفس الأسلوب، وبعد ذلك اتَّجه إلى أسلوب النثر في كتابة مسرحيَّاته، وفي هذه المرحلة الناضجة من حَياته الأدبية لم يكتفِ بفنِّ المسرحيَّة، بل أبدع في مجال الرواية أيضًا.



وهذا التنوُّع في أدب باكثير يُؤكِّد أنَّه قد صدَر في أدبه عن ألوانٍ متعددة وأنماطٍ مختلفة من أشكال التعبير الأدبي؛ من شعر غنائي، ومسرحيَّة شعريَّة، ومسرحيَّة نثريَّة، ورواية تاريخيَّة، تختلف فيما بينها مضمونًا ودرجة فنيَّة.



وهذا الحشد الهائل من المسرحيَّات والروايات يدلُّ على سَعة ثقافته وكثرة اطِّلاعه واتِّساع أفقه ورحابه فكره وفنه واتِّسامه بالجدِّ والمثابرة في سبيل تحصيل ذلك، بحيث يُعتَبر باكثير - بعد توفيق الحكيم - من أكبر كُتَّاب المسرحيَّة في الأدب العربي الحديث، ولكن مع ذلك لم ينلْ باكثير ما يستحقه من التقدير من جانب النقَّاد والأوساط الأدبيَّة في مصر وفي العالم العربي، بل تعرَّض للاضطهاد والمعاناة والجحود.



وفي فترة الستينيَّات التي تُعتَبر مرحلة النضج الفني والأدبي لباكثير تسلَّل اليساريون والاشتراكيون إلى الصحف والمجلات، وتسلَّطوا على الأوساط الأدبيَّة ووسائل الإعلام ودور المسرح والنشر، ودبَّروا حملة ماكرة من التشويه أحيانًا، والتجاهل أحيانًا أخرى، وتعمَّدوا نسيانَه رغم محاولاته القيِّمة في عالم المسرح والرواية والشعر، وتجاهل "المسرح القومي" له، وامتنع عن عرض مسرحيَّاته، رغم ريادته في هذا الفن، كما امتنع كثيرٌ من دور النشر عن نشر آثاره ومسرحيَّاته؛ حيث بقي كثيرٌ منها مخطوطة طُبِعت بعد موته بسنوات، وقد عبَّر فاروق خورشيد عن هذا التجاهل وهذا النسيان وقال: "لم يظلم النقد الأدبي كاتبًا - على كثرة مَن ظلمهم - كما ظلَم علي أحمد باكثير، صاحب المغامرات الكثيرة في دُنيا القلم وعالم الكتابة، وقد ظُلِم باكثير حاليًّا؛ فقد تناساه النقَّاد أو تعمَّدوا نسيانه رغم كتبه التي جاوَزت الثلاثين، ورغم محاولاته في دنيا المسرح ودنيا الرواية ودنيا الدراسات وعالم الشعر الرحب... كما أسرع الدارسون والنقَّاد بعد وفاته بإغلاق صفحة الحديث عنه بعد مقالٍ هنا وكلمة هناك وحفلة تأبين باهتة في هذا المحفل الأدبي، وحفلة أخرى خَلَتْ من المحتَفِلين في محفلٍ أبدي آخَر، وهذا الموقف الظالم من واحدٍ كعلي باكثير إنما يُمثِّل تمثيلاً صحيحًا مرض العصر في دنيا النقد الأدبي، إنَّه مرض المواقف، فلا يكفي الجهد العاتي الذي يبذله الكاتب طول عمره بحثًا وتنقيبًا، ثم مُعاناة وتجربة، ثم تعبيرًا عن كلِّ هذا في صبر وموالاة؛ ليكون جواز مرور عند الحكومة الأدبيَّة التي تُسَيطِر على مَنابر النقد وتمسك بزمام التاريخ الأدبي والفني"[2].



ويرجع هذا الموقف السلبي من باكثير وآثاره إلى إيمانه بأصالة الفكر الإسلامي، والتزامه به فلسفةً لأدبه ومنهاجًا لحياته، ومُعاداته للشيوعيَّة والأفكار الواردة على الوطن الإسلامي والعربي، فقد نقل عنه نجيب الكيلاني أنهم كانوا يغمزون نحوه في مجالس الأدب ومنتدياته ويقولون عنه في سخرية "إسلامستان"، وهو كان يضحك ويقول: إنه لَشرفٌ عظيم لي أنْ أُتَّهم بالإسلاميَّة فيما أُقدِّمه من أدب[3].



ولكن (باكثير) رغم تألُّمه الشديد من هذا الصمت والتجاهُل، لم يخرج من الميدان ولم يترك عمله الفني، بل واجَه هذا التحدِّي بتحدٍّ من نوعٍ آخَر، فعكف على كتابة العديد من المسرحيَّات والروايات آملاً أنْ يأتي الوقتُ الذي تظهر فيه الأعمال وفقًا لمنطق البقاء للأصلح، فيقول فيما نقَل عنه أحمد محمد عباد - من أدباء حضرموت -: "إنهم يحسبون أنهم سيقتلونني عندما يمنعون الإخبار عني، أو يحاربون كتبي ويحجبون مسرحياتي عن الناس، أنا على يقينٍ أنَّ كتبي وأعمالي ستظهَرُ في يومٍ من الأيام، وتأخُذ مكانها اللائق بين الناس، في حين يطمس أعمالهم وأسماؤهم في بحر النسيان؛ لهذا فأنا لن أتوقَّف عن الكتابة، ولا يهمني أنْ يُنشَر ما أكتب في حياتي... إني أرى جيلاً مسلمًا قادمًا يتسلَّم أعمالي ويُرحِّب بها"[4].


المصدر: ملتقى شذرات

__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59