عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-03-2012, 12:38 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

وقد تحقَّق أمل باكثير هذا، ولم تستطع مؤامرةُ الصمت والتجاهُل أنْ تقضي على مجد باكثير الأدبيَّة أو يُقلِّل من شأنه؛ لأنَّه كما قال أنيس منصور: "من المؤكَّد أنَّ فنانًا بهذا الصدق والأصالة لا يموت لصمت ناقد أو نقَّاد، فليس النقد هو الذي كتَب له شهادة مِيلاده، وإنما الفن هو الذي ولده وربَّاه، وأنضجه وسوف يبقيه"[5].

ولذلك فقد أخذ اسمه يتردَّد في أنحاء العالم الإسلامي والعربي، وأصبح علمًا بارزًا على مدرسة الأدب الإسلامي، وقام أحد محبي أدبه وهو الكاتب الشاعر الدكتور عبدالحكيم الزبيدي بفتح موقع خاص به على شبكة الإنترنت باسم "موقع علي أحمد باكثير رائد الأدب الإسلامي في العصر الحديث"؛ لنشر آثاره على أوسع نطاق وأشمله.

علي أحمد باكثير واتجاهه الإسلامي:
نشَأ باكثير نشأةً إسلامية منذُ نعومة أظفاره؛ حيث وُلِدَ في إندونيسيا في أسرةٍ محافظة ملتزمة، وتعلَّم في حضرموت العلوم الشرعيَّة في المعاهد الدينيَّة، ودرس الإسلام من يَنابِيعه الأصليَّة دراسةً عميقة وافية، "حيث كان يطمَعُ في أنْ يكون فقيهًا وقاضيًا كعمِّه محمد بن محمد باكثير، غير أنَّ رغبته وموهبته الأدبيَّة قد حالَتْ بينه وبين أمنيَّته"[6].

ولكن مع اتجاهه إلى الأدب ورغبته إليه لم يُهمِل جانب فكره الإسلامي، بل جعله فلسفة لأدبه ومنهاجًا لحياته، فتعمَّق فيه تعمُّقًا كبيرًا، وظلَّت دراسته للفكر الإسلامي باقية بقوَّتها إلى أخريات حياته، وحتى حينما استقرَّ في مصر والتحق بقسم اللغة الإنجليزية، وتعرَّف على الثقافة الأوروبية، وتأثَّر بالأدب الغربي حيث أخذ يُغيِّر مقاييسه الأدبية، ويُغيِّر مفاهيمَه للأدب العربي، لم يتخلَّ عن فكره الإسلامي، بل ظلَّ متمسِّكًا به ومتحمسًا له ومدافعًا عنه بفنه وأدبه.

واستَقَى باكثير فكرَه الإسلامي من ينابيعه الأصلية؛ أي: القرآن والسنَّة؛ ولذلك أنكر الخرافات والبدع التي شاعَتْ في حضرموت، وقام بدعوة الناس إلى تنقية عقيدتهم من الشوائب ونبْذ الجمود والخمول الديني، ورأى أنَّ الإسلام هو دين المساواة، ودين العلم ودين الأخلاق والفضائل، ودين العزَّة والمنعة لا دين الضعف والخُرافات والبِدَع، وأنَّه قوَّة روحيَّة ومدنيَّة كبرى، وأنَّ الإنسانيَّة الحائرة تحتاج دائمًا إلى الاهتداء بنوره.

وقد تأثَّر باكثير من بين زُعَماء الإصلاح الإسلامي بجمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده، وكان معجبًا بهما وبطريقتهما في الإصلاح أشدَّ الإعجاب، وكان يرى أنهما قد أعادا للإسلام روحه الصافية النقيَّة بعد أنْ خلَّصوه من شوائب البدع والخرافات، كما أعاداه إلى ينابيعه الأصليَّة؛ الكتاب والسنة، ويبدو هذا التأثُّر عنده حينما كان في حضرموت والحجاز، كما يبدو عندما كان في مصر.

ويتجلَّى اتجاهه الإسلامي والتزامه بالفكر الإسلامي في آثاره الشعريَّة والمسرحيَّة والروائيَّة بصورة واضحة؛ حيث يصدر فيها عن التصوُّر الإسلامي ويدعو إلى الفكر الإسلامي، ولا يرى في ذلك بأسًا؛ لأنَّه يعتقد أنَّ كلَّ كاتب لا بُدَّ أنْ يكون له فكرةٌ يدعو إليها في عمله الفني.

وهكذا كان باكثير في آثاره صاحبَ فكرة وصاحب رسالة يدعو إليها، ويسعى إلى خِدمتها، ويسلك في سبيلها كلَّ الطرق ما دامت سليمة من الخطل، بعيدة عن المزالق التي لا تُؤدِّي إلى خير، دون أنْ يخاف في ذلك من لومة لائم.

وكان يرى أنَّ على الكُتَّاب ألا يستعيروا الأيديولوجيات الأجنبيَّة، بل عليهم أنْ ينظُروا إلى الحياة من وجهة النظر الإسلاميَّة، ويُعبِّروا عن واقعهم وأحلامهم من خِلالها، غير مبالين في ذلك بِمَن يرميهم بالرجعيَّة والجمود والغيبة من الملاحدة والشعوبيِّين[7].

علي أحمد باكثير والرواية التاريخية:
تنوَّعت مواهب باكثير الفنيَّة، وتعدَّد إنتاجه الأدبي بين شعر ومسرحيَّة ورواية، والذي يهمُّني في هذه الدراسة وأريد أنْ أقوم بتحليله ودراسته هو إنتاجه الروائي فقط.

وقد اختار باكثير الرواية التاريخية وتوقَّف عندها، ولم يتخلَّص من قبضتها إلى نوعٍ آخَر من الرواية المعاصرة؛ وذلك لأنَّه برز في فترةٍ كانت الراوية التاريخيَّة من أكثر الفنون القصصيَّة شيوعًا وانتِشارًا بحيث ظهر عددٌ كثير من الكُتَّاب المصريين الذين استخدَمُوا التاريخ القومي والإسلامي موضوعًا لفنِّهم الروائي؛ ومنهم: عادل كامل، ونجيب محفوظ، وعبدالحميد جودة السحار، ومحمد فريد أبو حديد، ومحمد سعيد العريان.
__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59